حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى أن ينتبذ الزبيب والتمر جميعاً، ونهى أن ينتبذ البسر والرطب جميعاً) [.
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: باب في الخليطين، والمقصود من ذلك في باب الأشربة هو: انتباذ نوعين من الأنواع كالتمر والبسر أو كالزبيب والعنب، أي: أنه لا يجمع بين اثنين فأكثر في وضعهما في وعاء وانتباذهما معاً أو انتباذ الأنواع المتعددة مع بعض، هذا هو المقصود من الترجمة وهو المقصود من الخليطين؛ لأن انتباذ شيء واحد سبق أن مر ما يدل عليه، وسيأتي ما يدل عليه، والترجمة معقودة لنوعين يخلطان وينبذان مع بعض، وقد ورد في الأحاديث النهي عن ذلك، وكثير من أهل العلم حمولها على التحريم، وعللوا ذلك بأنه يسرع إليه الإسكار، وقالوا: إن المنع جاء ولو لم يسكر؛ لأن النهي جاء عن خلطهما، ومعلوم أن الشيء الذي يسكر ممنوع حتى ولو كان من نوع واحد، والخلط ممنوع، والسبب: أنه يفضي إلى الإسكار أو يسرع إليه الإسكار، وقالوا: إن الإنسان يجب عليه أن يمتنع وألا يفعل ذلك، وإن فعل وشرب قبل أن يسكر فهو آثم، وإن شرب بعد الإسكار فهو آثم من الجهتين: من جهة أنه شرب خليطاً وقد منع من الخلط ونهي عن الخلط، ومن جهة أنه شرب مسكراً، ومن المعلوم أن المسكر حرام مطلقاً سواء كان من جنس واحد أو أكثر، ولكن الخلط هو الذي فيه التحريم ولو لم يكن معه الإسكار.
وقد أورد أبو داود أحاديث عديدة تدل على منع الخلط والنهي عنه، أي: بين نوعين من أنواع ما ينتبذ، فيمنع من ذلك ولا يفعل.
وبعض العلماء أجاز ذلك ما لم يصل إلى حد الإسكار،، لكن إن وجد شيء يدل على الجواز فيكون النهي محمولاً على التنزيه، وإن لم يوجد شيء فالأصل أنه يبقى على التحريم كما قاله الكثير من أهل العلم.
وقد أورد أبو داود أولاً حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتبذ الزبيب والتمر جميعاً) أي: بأن ينبذ أو يطرح الزبيب والتمر مع بعض في وعاء ثم يتخذ نبيذاً قبل أن يسكر، فإن ذلك لا يجوز، ولو لم يحصل الإسكار، أما مع الإسكار فلا يسوغ لا من الواحد ولا من أكثر من واحد، فلا ينبذ التمر والزبيب جميعاً، وأما الزبيب ينبذ على حده والتمر ينبذ على حده فلا بأس.
وقوله: (ونهى أن ينتبذ البسر والرطب جميعاً) الرطب هو: الذي استوى وطاب أكله وصار رطباً، والبسر هو: الذي لم يصل إلى كونه صار رطباً وإنما يكون زهواً أو يكون أخضر لم يصل إلى حد الاستواء ولم يصل إلى حد الاحمرار والاصفرار، فالجمع بينهما جمع بين نوعين وبين خليطين، وقد جاء النهي عن ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الليث ].
الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عطاء بن أبي رباح ].
عطاء بن أبي رباح المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر بن عبد الله ].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.
أورد أبو داود حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه وفيه مثل الذي قبله من النهي عن انتباذ نوعين، أي: فأكثر؛ لأنه إذا لم يجز في نوعين فمن باب أولى ألا يجوز في أكثر من ذلك.
وهذا موقوف على أبي قتادة ، ولكن الذي بعده من الطريق الثانية مرفوع.
وقوله: [ (أنه نهى عن خليط الزبيب والتمر وعن خليط البسر والتمر، وعن خليط الزهو والرطب) ].
(الزهو): الذي احمر واصفر، ومعنى ذلك: أنه لا يخلط الرطب بنوع آخر، وكذلك (الزهو) لا يخلط بنوع آخر و(البسر والبلح) لا يخلط بنوع آخر، وإنما كل واحد ينبذ على حدة دون أن يجمع مع نوع آخر.
وقوله: [ (وقال: انتبذوا كل واحدة على حدة) ].
يعني: كل واحد ينبذ وحده ليس معه غيره.
أبو سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبان ].
أبان بن يزيد العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ حدثنا يحيى ].
يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن أبي قتادة ].
عبد الله بن أبي قتادة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
أبوه هو أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله تعالى عنه وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
ذكر أبو داود طريقاً أخرى لـيحيى بن أبي كثير اليمامي من غير طريق عبد الله بن أبي قتادة وإنما من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي قتادة مرفوعاً إلى رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [ وحدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي قتادة ].
أبو قتادة رضي الله عنه قد مر ذكره.
وبعض العصائر مكونة من قطع فواكه كثيرة: موز وبرتقال تقطع وتنقع في الماء مع السكر فيقال: مادام أنه ليس بنبيذ وإنما عصر وجمع مع بعض وشرب؛ فلا بأس به.
وفي بعض البلدان يوضع التمر مع الزبيب والتين مع السكر في الماء لمدة ست ساعات تقريباً ثم يتناوله الصائم خصوصاً، وهذا من الخلط الذي نهي عنه.
والفرق بين هذا وبين العصير المشكل أن العصير المشكل يعصر من عدة أشياء ثم تشرب مع بعض، وهذا لا بأس به، أما إذا كانت تقطع قطعاً ثم تنبذ وتترك مدة فإنها تكون من جنس النبيذ، يعني: إذا كان هناك أنواع جمعت وتركت حتى مضى عليها وقت فإن هذا يؤدي إلى أنها تكون نبيذاً، وقد تصل إلى حد الإسكار، لكن إذا عصرت هذه الأشياء ووجد شيء من القطع أو شيء من بقايا العصر وما إلى ذلك فهذا لا يؤثر؛ لأن هذا لا يقال له: نبيذ، بل هذا عصير.
أورد أبو داود حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نهى عن البلح والتمر) أي: أن يخلط بينهما (وعن الزبيب والتمر) أي: أن يخلط بينهما، والمقصود من ذلك: النهي عن أن يجمع بين نوعين وأن يخلط بينهما وأن يجعلا نبيذاً.
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وحفص بن عمر النمري ].
حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
[ قالا: حدثنا شعبة ].
شعبة بن حجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحكم ].
الحكم بن عتيبة الكندي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن أبي ليلى ].
عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن رجل ].
هو رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية سليمان بن حرب قال: عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما حفص بن عمر النمري فقال: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن جهالة الصحابة لا تؤثر، وإنما جهالة غيرهم هي التي تؤثر، فتبين من وصف الرجل من طريق حفص بن عمر أنه صحابي، وجهالة الصحابة لا تؤثر؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم.
أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يعجموا النوى طبخاً وأن يجمعوا بين الزبيب والتمر).
أي: أن يجمعوا بينهما في الخلط بأن يكونا خليطين.
وقوله: (نهانا أن نعجم النوى) فسر بأنهم يطبخون التمر حتى يؤثر ذلك على النوى بحيث يتغير لونه ويتغير شكله فيكون في ذلك عدم الفائدة الكبيرة للدواب؛ لأنه بذلك لا يبقى عليها أثر التمر وأثر الحلاوة وأثر الحلوى بخلاف ما إذا أكل التمر وأخرج النوى فإنه يبقى عليها شيئاً من الحلوى عالق بها، لكن إذا طبخ التمر فإنه يتأثر ويتغير لونه فيكون النوى نفسه لا يستفيد منه الحيوان كما يستفاد منه إذا أكل ومضغ وأخرج منه النوى، وقيل: نهي عن طبخه لأنه يؤثر على التمر ويؤثر في طعمه.
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[حدثنا يحيى ].
يحيى هو ابن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ثابت بن عمارة ].
ثابت بن عمارة صدوق فيه لين، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثتني ريطة ].
ريطة بنت حريث لا تعرف، أخرج حديثها أبو داود.
[ عن كبشة بنت أبي مريم ].
كبشة بنت أبي مريم لا يعرف حالها، أخرج لها أبو داود .
[ قالت: سألت أم سلمة ].
أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها هند بنت أبي أمية ، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث فيه هاتان المجهولتان فهو غير ثابت، ولكن من ناحية النهي عن الخليطين أو عن الجمع بين الزبيب والتمر فقد جاء ما يشهد له في الأحاديث السابقة.
أورد أبو داود حديث عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له زبيب فيلقي فيه تمراً، وتمر فيلقي فيه الزبيب) يعني: أنه جمع بين خليطين، وهذا لو صح لكان حجة في أن النهي يحمل على التنزيه، لكن الحديث لم يصح؛ لأن فيه امرأة مبهمة من بني أسد، فهو غير ثابت.
عبد الله بن داود الخريبي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ عن مسعر ].
مسعر بن كدام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن موسى بن عبد الله ].
موسى بن عبد الله ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل وابن ماجة .
[ عن امرأة من بني أسد عن عائشة ].
هذه المرأة مبهمة، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها من طريق صفية بنت عطية قالت: دخلت مع نسوة من عبد القيس على عائشة : فسألناها عن التمر والزبيب فقالت: (كنت آخذ قبضة تمر وقبضة من زبيب فأمرسها) يعني: أنها تدلكها بأصابعها حتى تطلع الحلاوة التي فيها فتعطيها للنبي صلى الله عليه وسلم. وهذا إذا كان في الحال فأمره سهل، ولكن إذا كان انتباذاً ومكث مدة فإنه كما مر يسرع إليه الإسكار، والإسناد فيه رجل ضعيف وهو أبو بحر، فالحديث غير ثابت.
زياد بن يحيى الحساني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو بحر ].
أبو بحر هو عبد الرحمن بن عثمان البكراوي ضعيف، أخرج له أبو داود وابن ماجة .
[ حدثنا عتاب بن عبد العزيز الحماني].
عتاب بن عبد العزيز الحماني مقبول، أخرج له أبو داود .
[ حدثتني صفية بنت عطية ].
صفية بنت عطية مجهولة، أخرج لها أبو داود .
[ عن عائشة ].
عائشة مر ذكرها.
وفي بعض البلدان يجعلون أنواعاً من الفواكه قطعاً صغيرة في ماء حلو وبعد ساعات يؤكل، وهذا إذا كان يترك ساعات وقد يسرع إليه الإسكار فليس خارجاً عما تقدم من الجمع بين الأنواع والخلط بينها في النبذ.
والجواب: أنه ممنوع حتى ولو كان حليباً؛ لأن النتيجة واحدة، فلو لم يكن ماءً فيمكن أن يصير الإسكار مع الحليب بل الحليب يتغير طعمه إلى الحموضة.
حدثنا محمد بن بشار حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن جابر بن زيد وعكرمة : (أنهما كانا يكرهان البسر وحده ويأخذان ذلك عن ابن عباس ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أخشى أن يكون المزاء الذي نهيت عنه عبد القيس . فقلت لـقتادة : ما المزاء ؟ قال: النبيذ في الحنتم والمزفت) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في نبيذ البسر، ونبيذ البسر هو كغيره من النبيذ، في كونه ينبذ ويصل إلى حد الإسكار، وإذا وصل إلى حد الإسكار فإنه لا يجوز، وإذا شرب قبل أن يسكر فإنه سائغ ما دام نوعاً واحداً ليس معه غيره، وقد جاء في هذا الإسناد من كراهيته عن ابن عباس وقوله: أخشى أن يكون المزاء، وفسر قتادة المزاء بأنه النبيذ في الحنتم والمزفت، لكن سبق أن مر بنا أن هذا كان منهياً عنه في أول الأمر، وأن الانتباذ في الأوعية الغليظة كان ممنوعاً ثم رخص فيه بشرط ألا يشرب الناس مسكراً، وابن عباس رضي الله عنه لم يجزم بالتحريم، وإنما قال: أخشى أن يكون المزاء الذي نهيت عنه عبد القيس، يعني: النبيذ في المزفت والحنتم، ومعلوم أن الذي نهيت عنه عبد القيس أبيح أخيراً، وعلى هذا فالبسر كغيره لا فرق بينه وبين غيره، فإذا انتبذ ولم يصل إلى حد الإسكار فإنه يدخل تحت قوله: (انتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً).
محمد بن بشار الملقب بندار البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي ].
معاذ بن هشام بن عبد الله الدستوائي صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وأبوه هشام الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر بن زيد ].
جابر بن زيد هو أبو الشعثاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وعكرمة ].
عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا عيسى بن محمد حدثنا ضمرة عن السيباني عن عبد الله بن الديلمي عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله! قد علمت من نحن ومن أين نحن؛ فإلى من نحن؟ قال: إلى الله وإلى رسوله، فقلنا: يا رسول الله! إن لنا أعناباً ما نصنع بها؟ قال: زببوها، قلنا: ما نصنع بالزبيب؟ قال: انبذوه على غدائكم واشربوه على عشائكم، وانبذوه على عشائكم واشربوه على غدائكم، وانبذوه في الشنان ولا تنبذوه في القلل؛ فإنه إذا تأخر عن عصره صار خلاً) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في صفة النبيذ، يعني: أن النبيذ الذي يسوغ شربه ويسوغ استعماله هو الذي لم يصل إلى حد الإسكار، وذلك بأن يترك مدة لا يصل فيها إلى حد الإسكار ثم يشرب.
وقد أورد أبو داود حديث فيروز الديلمي رضي الله عنه قال: (أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله! قد علمت من نحن ومن أين نحن) وقوله: (علمت من نحن) يعني: القبيلة، وقوله: (ومن أين نحن) يعني: من البلد، ثم قال: (فإلى أين نحن؟ قال: إلى الله ورسوله) يمكن أن يحمل معنى هذا على أنهم صائرون إلى ما يأتي عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ويلتزمون بما جاء عن الله وعن رسوله صلوات الله وسلامة وبركاته عليه.
وقوله: [ (فقلنا: يا رسول الله! إن لنا أعناباً ما نصنع بها؟) ].
يظهر من السؤال أن الأعناب كانت عندهم كثيرة وأنها تزيد عن حاجتهم في استعمالها فاكهة، فقال: (زببوها) أي: حولوها إلى زبيب، يعني: يبسوها حتى تكون زبيباً، والزبيب يستعمل طول السنة.
وقوله: [ (قلنا: ما نصع بالزبيب؟ قال: انبذوه على غدائكم واشربوه على عشائكم) ].
هذا هو محل الشاهد، وهو بيان النبيذ الذي يجوز استعماله، والمعنى: انبذوه في وقت غدائكم واشربوه في وقت عشائكم، وانبذوه في وقت عشائكم واشربوه في وقت غدائكم، يعني: أن الغداء يكون في أول النهار والعشاء في آخر النهار، ففي وقت الغداء ينبذونه للعشاء ويضعونه في وعاء حتى يصير نبيذاً وحتى يختلط بالماء ثم يشرب في وقت مبكر وهو لم يصل إلى حد الإسكار؛ لأن هذه الفترة قصيرة لا يصل فيها إلى حد الإسكار، فقوله: (انبذوه على غدائكم) يعني: في وقت غدائكم، واشربوه في وقت عشائكم.
وقوله: (وانبذوه في وقت عشائكم واشربوه في وقت غدائكم) يعنى: أن الذي ينبذ في وقت العشاء يشرب مع الغداء والذي ينبذ في وقت الغداء يشرب مع العشاء، فيكون هذا من النبيذ المباح الذي فعله سائغ وشربه سائغ؛ لأنه لا يصل إلى حد الإسكار.
وقوله: [ (وانبذوه في الشنان ولا تنبذوه في القلل) ].
الشنان هي القرب التي تؤخذ من الجلود، وغالباً أن الجلد إذا كان قديماً يقال له: شن، وأما إذا كان جديداً فيمكن أن يقال له: شن، لكن الغالب أنه يستعمل في الشيء القديم الذي تغير أو حصل له اسوداد بسبب طول المكث بخلاف الشيء الجديد فإنه يختلف لونه عن لون القديم.
والقلل هي الجرار وغيرها، لكن عرفنا فيما مضى أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الانتباذ في القلل ولكنه رخص فيه في الآخر كما جاء في حديث بريدة حيث قال: (كنت نهيتكم عن الانتباذ في الأوعية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً).
وقوله: [ (فإنه إذا تأخر عن عصره صار خلاً) ].
يعني: إذا طال مكثه فإنه يتغير.
عيسى بن محمد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا ضمرة ].
ضمرة صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[ عن السيباني ].
السيباني هو يحيى بن أبي عمرو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[ عن عبد الله بن الديلمي عن أبيه ].
عبد الله بن فيروز الديلمي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
وأبوه هو فيروز الديلمي رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب السنن.
أورد أبو داود حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وهو مثل الذي قبله، يعني: أنه كان ينبذ له عشاءً فيشرب غدوة، وينبذ له غدوة فيشرب عشاءً، يعني: أنه كان ينبذ له عند الغداء فيشربه عند العشاء، ثم ينبذ له عند العشاء فيشربه عند الغداء كما مر في الحديث السابق.
وهذه الفترة ليست تحديداً بمعنى أنه لا يجوز الزيادة عليها، وإنما فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستعمل ذلك، وسيأتي في بعض الأحاديث أنه يستعمل أكثر من هذه المدة.
وقوله: (وله عزلاء) قيل: العزلاء هي الفتحة التي تكون في أسفله تجعل ليشرب منها.
محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ].
عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يونس بن عبيد ].
يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحسن عن أمه ].
الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وأمه اسمها خيرة وهي مقبولة، أخرج لها مسلم وأصحاب السنن.
[ عن عائشة ].
عائشة قد مر ذكرها.
أورد أبو داود حديث عائشة وهو مثل الذي قبله، وفيه: (أنها كانت تنبذ للنبي صلى الله عليه وسلم غدوة فإذا كان من العشي فتعشى شرب على عشائه) يعني: أن الذي تنبذه له في وقت الغداء يشربه في وقت العشاء مع عشائه، قالت: (وإن فضل شيء صببته أو فرغته) يعني: أن الذي يبقى في الإناء تصبه وتفرغه، ويمكن أنها تطعمه وإلا فإنه يتلف، لكنها لا تبقيه؛ لأن الإناء ينظف ويغسل بعد أن يشرب ما فيه، وذكرت أنه يغسل مرتين، فالذي فيه لا يبقى بحيث يضم إليه شيء آخر، وإنما يصب ويفرغ ذلك السقاء حتى يكون خالياً ثم ينبذ فيه مرة ثانية.
وهذا مثل الذي قبله، فيه انتباذ في الصباح وشرب في المساء أو انتباذ في المساء وشرب في الصباح، والحديث وإن كان فيه هذه التي لا تعرف لكنه مماثل لما تقدم.
وقوله: (فقال لها أبي مرتين في يوم؟ قالت: نعم) أي: فقال أبو عمرة لـعائشة ، كما في تحفة الأشراف وتهذيب الكمال.
المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: سمعت شبيب بن عبد الملك ].
شبيب بن عبد الملك صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ يحدث عن مقاتل بن حيان ].
مقاتل بن حيان صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ قال: حدثتني عمتي عمرة ].
عمرة لا يعرف حالها أخرج لها أبو داود .
[ عن عائشة ].
عائشة قد مر ذكرها.
قال أبو داود : ومعنى يسقى الخدم: يبادر به الفساد.
قال أبو داود : أبو عمر يحيى بن عبيد البهراني ].
أورد أبو داود حديث ابن عباس قال: (كان ينبذ للنبي صلى الله عليه وسلم الزبيب فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة) يعني: أنه كان ينبذ له ثلاثة أيام، يعني: اليوم والغد واليوم الثالث إلى المساء ثم إذا بقي منه شيء فإنه يسقى للخدم، يعني: يبادر به حتى لا يسكر وحتى لا يصل إلى حد الإسكار، فإما أن يستفاد منه وإما أن يصل إلى حد الإسكار فيهراق؛ لأن بقاءه يؤدي إلى فساده ما دام أنه لم يوجد من يشرب منه، والمقصود بإعطائه الخدم: إسقاؤه لمن يستفيد منه قبل أن يصل إلى حد الإسكار.
وقوله: [ قال أبو داود : معنى يسقى الخدم: يبادر به الفساد ].
يعني يبادر به حتى يستفاد منه قبل أن يفسد، كما قال الله عز وجل: وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا [النساء:6] يعني: أنهم يأكلون أموالهم قبل أن يحصل أن يكبر اليتامى، فقوله: وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا [النساء:6] يعني: مبادرة إلى أخذ الشيء من أموالهم قبل أن يكبروا فتسلم لهم، وهنا يبادر به الإسكار يعني: قبل أن يسكر حتى يستفاد منه ما دام أنه مباح وحلال حيث لم يصل إلى حد الحرام، وكأنه بهذا إذا زاد على ثلاثة أيام يصل إلى حد الإسكار.
وقيل في التوفيق بين هذا الحديث والحديث الذي قبله من جهة يوم وليلة أن ما ينتبذ في الصباح يشرب في المساء وما ينبذ في المساء يشرب في الصباح: لا تنافي بين هذا وهذا، فإما أن يكون هذا جزءاً وهو داخل في الذي بعده، وذاك إخبار عن واقع وهذا أيضاً إخبار عن واقع، ووجود الأصغر مع الأكبر لا تنافي بينهما فإن الأصغر داخل في الأكبر، أو أن هذا يختلف باختلاف الأزمان وباختلاف البرودة والحرارة، وأنه إذا كان في حال البرودة يمكث مدة طويلة وإذا كان في حال الحرارة لا يمكث مدة طويلة.
والحاصل: أنه لا تنافي بين هذا وهذا، والمهم ألا يصل إلى حد الإسكار في هذا وفي هذا.
مخلد بن خالد ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود .
[ حدثنا أبو معاوية ].
أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي عمر يحيى بن عبيد البهراني ].
أبو عمر يحيى بن عبيد البهراني صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن ابن عباس ].
ابن عباس رضي الله تعالى عنه قد مر ذكره.
الجواب: لا تسقى، بل يراق ويتلف.
الجواب: تعطى لمن يستفيد منها ولا تلقى، هذا هو الذي ينبغي، والمقصود بقوله: (يبادر به) يعني: أنه يعطى لمن يستحقه قبل أن يصل إلى حد الفساد؛ لأنه إذا لم يعط لمن يستفيد منه سيحصل له الفساد، وليس معنى ذلك أنه بعدما يحصل له الفساد يبادر به وإنما يبادر به قبل أن يفسد، فما دام أنه يستفاد منه لا يلقى وإنما يعطى لمن يستفيد منه، وإنما الذي يلقى ويتلف هو الذي لا يصلح أن يشرب ولا يصلح أن يستعمل، وهو الذي وصل إلى حد الإسكار.
الجواب: هذه الفواكه وهذه العصائر لا تدخل في النهي؛ لأنها ليست مسكرة وليست من قبيل ما يسكر.
الجواب: النقع بمعنى الانتباذ، وكون الشيء ينقع معناه: أنه يوضع في الماء حتى يذوب وحتى يختلط، فالظاهر أنه لا فرق بين النقع وبين الانتباذ.
الجواب: إذا كان المقصود بها أدوية فالذي يبدو أنه لا محذور فيها؛ لأن هذه ليست من الأطعمة التي إذا حصل الجمع بينها يحصل الإسكار أو يبادر فيها الإسكار.
الجواب: وردت الأحاديث دالة على المنع من الخلط بين نوعين فأكثر وإن لم يسكر، والهيل أمره سهل، وإنما الكلام على الخبز الذي يكون معه.
الجواب: إذا كان فيه أنواع متعددة مثل التمر والعنب أو التمر والزبيب فهذا هو نفس الخليطين.
الجواب: الطرشي كما هو معلوم هو خل إلا أنه موضوع في شيء حامض فيكون الماء حامضاً والقطع التي تكون فيه حامضة، لكن هل يترك مدة وتجمع فيه عدة أشياء في وقت واحد بحيث تمكث مدة أم لا؟ إذا كانت عدة أشياء فهي داخلة في الخليط، إلا إذا كان على اعتبار أنه لا يتحلل، وفيه قطع لا تتحلل؛ لأن التمر والعنب أشياء تحلل، لكن مثل هذه الأشياء كالجزر ونحوه يبقى على قساوته وعلى تماسكه ولا يتحلل والخيار مثله إلا أنه أخف منه قساوة, وفي الغالب أنه تدخل الحموضة في هذه الأشياء، والحموضة ما جاءت من جهة المكث وإنما جاءت من جهة كونه جعل في خل ووضعت فيه هذه الأشياء فصار فيه طعم الخل.
فالتمر أكل والزبيب أكل وينبذ في الماء ثم يتحول إلى شيء، ويقال له: نبيذ، ووضع الجزر ووضع الخيار مع الخل من أجل أن يدخله حموضة ليطيب أكله ولا ينبذ في الماء لا يكون نبيذاً؛ لأن الانتباذ هو في الماء كما هو معلوم، والماء يتغير لونه بسبب الشيء الذي نبذ فيه، لكن الجزر لا يوضع في الماء ولا يوضع الخيار في الماء وإنما يوضع في الخل من أجل أن يدخل فيه الحموضة فيطيب أكله، فلا يكون من قبيل النبيذ في الحقيقة؛ وذلك من جهة أن النبيذ إنما ينتبذ في ماء ويتغير لونه فبدل ما يكون ماءً يصير له اسماً آخر غير الماء، يقال له: نبيذ، وأما وضع الجزر في الماء ووضع الخيار ونحوه فإن الناس لا يضعونه من أجل أن يصير نبيذاً، وإنما يضعونه في خل من أجل أنه يتغير ثم يغمس به ويأكل، وعلى هذا فلا يقال: إن هذا من قبيل النبيذ.
الجواب: الحديث دل على أنه لا يجمع بين نوعين فأكثر.
الجواب: لا؛ لأنه كما هو معلوم الخل ليس شراباً يشرب؛ لأنه حامض، يغمس به شيء يؤكل عليه، أما كونه يشرب فلا؛ لأن الخل لا يشرب.
الجواب: إذا فعل ذلك وشربه أو أكله في الحال فلا بأس، وإنما المنهي عنه كونه يوضع وينتبذ؛ لأن الانتباذ معناه أنه يتحلل ويتغير لون الماء، وأما إذا فعل في الحال مثل كونه يأكل هذا على حده وهذا على حده أو يأكل قطعة من هذه ثم قطعة من هذه مستقلة فهذا من جنسه، وكونه جمعهما في إناء واحد وصب بعضهما على بعض، لا بأس به.
الجواب: كأنه يبقى بعد العصر شيء من الفتات، وكأن العصر يكون خفيفاً فلا تكون كلها قطعاً صغيرة، وعلى كل لو وجد شيء يدل على جواز الخلط يكون النهي محمولاً على كراهة التنزيه، فالشأن هو في وجود شيء يصرف التحريم إلى التنزيه، فإذا وجد شيء يصرف من التحريم إلى التنزيه فلا إشكال.
الجواب: هذا ليس بصحيح؛ بل لا يثبت شيء في السيرة ولا في غير السيرة إلا إذا جاء بأسانيد صحيحة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر