قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التسمية على الطعام.
حدثنا يحيى بن خلف حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، فإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء) ].
يقول المصنف رحمه الله تعالى : [ باب التسمية على الطعام ] أي: ذكر اسم الله عليه، بأن يقول: باسم الله، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وبعضهم قالوا: إنه يقول: باسم الله، وقوله: (سم الله)، يحتمل أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، أو باسم الله، لكن جاء في بعض الأحاديث توضيح ذلك وتفسيره بأنه يقول: باسم الله، كما سيأتي في بعض الأحاديث عند أبي داود ، فإن قال: بسم الله الرحمن الرحيم فذلك صحيح، وإن قال: باسم الله فإن ذلك كاف، وهو الذي جاء في بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سيذكره المصنف.
أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أن الرجل إذا دخل بيته وذكر اسم الله فإن الشيطان يقول لأصحابه ولأتباعه: لا مبيت لكم، وإذا ذكر اسم الله عند طعامه بأن قال: باسم الله، فإن الشيطان يقول: لا مبيت لكم ولا عشاء، ومعلوم أن ذكر الله هنا المراد به التسمية بأن يقول: باسم الله عند الدخول، وباسم الله عند الأكل.
وإذا دخل ولم يذكر اسم الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يسم الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء.
وهذا يدلنا على أن التسمية عند الطعام مطلوبة، وأن الإنسان يسمي الله في أوله، فيقول: باسم الله، أو بسم الله الرحمن الرحيم، وذلك يطرد الشيطان، ولا يجعل الشيطان يشاركه في طعامه، حتى يكون في طعامه البركة والفائدة.
قوله: [ حدثنا يحيى بن خلف ].
يحيى بن خلف صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ حدثنا أبو عاصم ].
هو الضحاك بن مخلد النبيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن جريج ].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني أبو الزبير ].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر بن عبد الله ].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما وهو صحابي جليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قول المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة عن أبي حذيفة عن حذيفة رضي الله عنه قال: (كنا إذا حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طعاماً لم يضع أحدنا يده حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنا حضرنا معه طعاماً فجاء أعرابي كأنما يدفع، فذهب ليضع يده في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم جاءت جارية كأنما تدفع، فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدها، وقال: إن الشيطان ليستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه، وإنه جاء بهذا الأعرابي يستحل به فأخذت بيده، وجاء بهذه الجارية يستحل بها فأخذت بيدها، فوالذي نفسي بيده! إن يده لفي يدي مع أيديهما) ].
أورد أبو داود هذا الحديث عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه، وفيه أن الصحابة إذا كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وحضر الطعام، فإنهم كانوا لا يمدون أيديهم إلا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يبدأ، وهذا يدلنا على أن البدء في الطعام يكون لأهل الفضل، فهم الذين يبدءون كما كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يبدأ، وكانوا لا يبدءون قبله، وإنما يأكلون بعده صلى الله عليه وسلم، وهذا من أدبهم مع النبي عليه الصلاة والسلام، فجاء أعرابي كأنه يدفع ومد يده، فالرسول صلى الله عليه وسلم قبض يده قبل أن يمس الطعام، ثم جاءت جارية صغيرة كأنها تدفع فمدت يدها إلى الطعام فمسك يدها، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (إن الشيطان ليستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه) ] وقد سبق في الحديث أنه إذا لم يسم على الطعام يقول الشيطان لأصحابه: أدركتم العشاء، فهو يستحل الطعام إذا لم يسم الله عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم قبض يد الأعرابي والجارية وقال: [ (فوالذي نفسي بيده! إن يده لفي يدي مع أيديهما) ] أي: أن يد الشيطان مع أيديهما يريد أن يأكل بأكلهما؛ لأنهما لم يسميا الله عز وجل عليه، فبين عليه الصلاة والسلام أن ذكر الله عز وجل يكون في أول الطعام، وأن ذلك يطرد الشيطان، وأن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله تعالى عليه، وأنه يدفع من يبادر إلى الأكل دون تسمية، ليجد الشيطان السبيل إلى أن يأكل معه، كما جاء في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن يده مع أيديهما في يديه صلى الله عليه وسلم.
وهذا من الإيمان بالغيب، وعلى المسلم أن يصدق بكل ما يخبره به النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يكون إيمانه مبنياً على المشاهدة والمعاينة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الشيطان يده مع أيديهما، وأن الشيطان قد حضر وأنه يريد أن يشارك في الطعام، والناس لا يرون الشياطين ولا يرون الجن، والشياطين والجن يرون الناس كما قال الله عز وجل : إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27]، فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله وسلم من أمور الغيب، كحضور الملائكة والناس لا يشاهدونهم، وحضور الشياطين والناس لا يشاهدونهم.
إذاً: يجب على المؤمن التصديق والاستسلام والانقياد بكل ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أثنى الله على المتقين وجعل من أول صفاتهم أنهم يؤمنون بالغيب، كما قال عز وجل: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:1-3].
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثنا أبو معاوية ] .
هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن خيثمة ].
هو خيثمة بن عبد الرحمن وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي حذيفة ].
هو سلمة بن صهيب وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .
وهنا كلمة أبي حذيفة تصحفت إلى (ابن حذيفة)؛ لأن كلمة أبي قريبة من ابن، ومن علوم الحديث معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأنه يحصل التصحيف بين ابن وأبي، فمن لا يعرف يظن أن ابناً مصحفة عن أبي، وأبي مصحفة عن ابن، مثل الأوزاعي أبو عمرو وعبد الرحمن بن عمرو ومثل هناد بن السري وهناد أبو السري ، فإذا جاء هناد بن السري يكون صحيحاً، وإذا جاء هناد أبو السري يكون صحيحاً، والذي لا يعرف يظن أن ابناً تصحفت عن أبي، ويأتي التصحيف بين ابن وأبي كما هنا، وهو ليس ابن حذيفة بن اليمان ، وإنما هو شخص آخر.
[ عن حذيفة ].
هو حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
في هذا الحديث على أن الصغير غير المكلف يعلّم أن يسمي الله على الأكل، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في حديث عمر بن أبي سلمة قال : (يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك)، فالصبيان يعلمون ويعرفون بالآداب الشرعية عند الطعام وغير ذلك.
كذلك الجارية التي أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديها، هي صغيرة وليست بجاريه كبيرة، وليس فيه دليل على لمس الرجل للمرأة الأجنبية، وإنما هي جارية صغيرة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل عن هشام -يعني ابن أبي عبد الله الدستوائي - عن بديل عن عبد الله بن عبيد عن امرأة منهم يقال لها: أم كلثوم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل: باسم الله أوله وآخره) ].
أورد أبو داود حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى) ] يعني: عند أكله وقبل البدء بالأكل يذكر اسم الله، فيقول: باسم الله، فان نسي فإنه يمكنه التدارك بأن يقول: باسم الله أوله وآخره، وهذا يدلنا على المحافظة على ذكر اسم الله حتى وإن نسي فإنه يمكن التدارك بأن يقول: باسم الله أوله وآخره.
قوله: [ حدثنا مؤمل بن هشام ].
مؤمل بن هشام ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا إسماعيل ].
هو إسماعيل بن إبراهيم بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن هشام يعني: ابن أبي عبد الله الدستوائي .
هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن بديل ].
هو بديل بن ميسرة وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبد الله بن عبيد ].
عبد الله بن عبيد وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن امرأة منهم يقال لها: أم كلثوم ].
أم كلثوم وهي تابعية، والألباني صحح الحديث وقال: هي أم كلثوم الليثية، أخرج لها أبو داود والترمذي والنسائي في عمل يوم الليلة.
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة حديثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني حدثنا عيسى -يعني ابن يونس - حدثنا جابر بن صبح حدثنا المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي عن عمه أمية بن مخشي رضي الله عنه وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالساً ورجل يأكل، فلم يسم حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة، فلما رفعها إلى فيه قال: باسم الله أوله وآخره، فضحك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: ما زال الشيطان يأكل معه، فلما ذكر اسم الله عز وجل استقاء ما في بطنه) ].
أورد أبو داود حديث أمية بن مخشي رضي الله عنه: أن رجلاً كان يأكل طعاماً فلما لم يبق منه إلا لقمة واحدة سمى الله وقال: باسم الله أوله وآخره، وكان الشيطان يأكل معه فاستقاء الشيطان كل ما كان في بطنه مما أكله قبل ذلك.
وهذا الحديث في إسناده رجل مستور أي مجهول الحال وهو المثنى بن عبد الرحمن وأما كونه يقول في أثناء الأكل إذا تذكر: باسم الله أوله وآخره، فإنه دل عليه الذي قبل هذا، وأما ما يتعلق بكون الشيطان قاء ما في بطنه فقد جاء في هذا الحديث، وهذا الحديث فيه هذا الرجل المستور، فهو يعتبر شاهداً للحديث الأول فيما يتعلق بكونه يسمي الله عز وجل إذا نسي في الأول، ويكون موافقاً لذاك ومتفقاً معه.
قوله: [ حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني ].
مؤمل بن الفضل الحراني صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .
هو عيسى ين يونس بن أبي إسحاق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا جابر بن صبح ].
جابر بن الصبح وهو صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي ].
المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي وهو مستور بمعنى مجهول الحال، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن عمه أمية بن مخشي ].
أمية بن مخشي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي .
[ قال أبو داود : جابر بن صبح جد سليمان بن حرب من قبل أمه].
يعني: جده من جهة أمه، وهذا بيان لهذه القرابة بينه وبين سليمان بن حرب ، وسليمان بن حرب مشهور يروي عنه أبو داود كثيراً، وهو من رجال الكتب الستة، وهو يروي كثيراً عن حماد بن سلمة وحماد بن زيد ، وإذا جاء حماد غير منسوب فالمراد به حماد بن زيد ، ومثل هذا ابن أبي عاصم النبيل أحمد بن عمرو بن أبي عاصم فجده من جهة أبيه أبو عاصم النبيل وجده لأمه موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو الذي يأتي ذكره كثيراً في رواية أبي داود ، وابن أبي عاصم هو الإمام المعروف المشهور صاحب كتاب السنة والكتب المتعددة.
السؤال: ما حكم التسمية على الطعام؟
الجواب: الذي يظهر أن الأمر بها للوجوب؛ لأنه جاء أن الشيطان يشارك في الأكل، ومعلوم أن الإنسان مطلوب منه أن يبعد الشيطان عن مشاركته، وذلك بالتسمية عند الأكل، فهي تطرد الشيطان.
السؤال: التسمية على الطعام والتسمية عند الدخول إذا قالها واحد من أهل البيت أو من الجالسين هل يكفي؟
الجواب: ما يكفي، كل واحد يسمي إذا دخل، ما يقال: إن واحداً منهم يوكل إليه التسمية والباقين لا يفعلون، بل كل واحد منهم يعود نفسه أن يسمي، حتى إذا أكل وحده فإنه يكون ملتزماً بذلك ولا يكون معتمداً على غيره، ولا يبني على أن غيره يكفي، بل كل واحد يسمي، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم قال لربيبه عمر بن أبي سلمة : (يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك) .
السؤال: هل يكفي عند دخول البيت السلام أو يسلم ويسمي؟
الجواب: لا، بل كما جاء في هذا الحديث يسمي ويسلم.
السؤال: ما ذكره الإمام الغزالي من التسمية لكل لقمة هل له أصل من السنة؟
الجواب: التسمية تكون في أول الأكل فقط، أما التسمية لكل لقمة فلا نعلم شيئاً يدل على هذا.
السؤال: إذا ذكر التسمية بعد الفراغ من الأكل هل له أن يقول: باسم الله أوله وآخره؟
الجواب: الذي يبدو أنه لا يقول التسمية بعد الانتهاء من الأكل؛ لأن التسمية تكون عند الأكل، والأكل قد انتهى، لكن يحمد الله.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الأكل متكئاً.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن علي بن الأقمر قال: سمعت أبا جحيفة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم (لا آكل متكئاً) ].
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الأكل متكئاً]، الاتكاء هو أن يتمايل الإنسان على أحد جانبيه وأحد شقيه، هذا يقال له: اتكاء، ومنه حديث أبي بكرة في قصة شهادة الزور: (وكان متكئاً فجلس) يعني: بدل ما كان متكئاً أو معتمداً على شي جلس، فهذا يفيد بأن الاتكاء يكون بالاعتماد على شيء، قالوا: وليس الاتكاء مقصوراً على التمايل عند الأكل، وإنما يكون أيضاً بالجلوس متربعاً، فهو من الاتكاء؛ لأن ذلك مدعاة لكثرة الأكل والتوسع فيه، وإنما يجلس الإنسان مستوفزاً، أو يجلس على رجله اليسرى وينصب الرجل اليمنى، بحيث لا يكون متكئاً متربعاً.
أورد أبو داود حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي رضي الله تعالى عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :[ (لا آكل متكئاً) ] وأمته تبع له، وقد قال الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] وكما أنه صلى الله عليه وسلم لا يأكل متكئاً، فكذلك على أمته ألا يأكلوا متكئين.
قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ].
هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا سفيان ] .
هو سفيان الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن علي بن الأقمر ].
علي بن الأقمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: سمعت أبا جحيفة ].
هو وهب بن عبد الله السوائي رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وهذا من الأسانيد العالية عند أبي داود فهو من الرباعيات.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت البناني عن شعيب بن عبد الله بن عمرو عن أبيه رضي الله عنه أنه قال (ما رئي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأكل متكئاً قط ولا يطأ عقبه رجلان) ].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما رئي متكئاً قط، وهذا يوضح ما تقدم من قوله عن نفسه: (لا آكل متكئاً)، وهنا أخبر عنه أصحابه بأنهم لم يروه أكل متكئاً صلى الله عليه وسلم، ولا وطِئَ عقبه رجلان، بمعنى أنهم يمشون وراءه، وإنما كان يمشي وسطهم أو وراءهم صلى الله عليه وسلم؛ تواضعاً منه عليه الصلاة والسلام.
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة بن دينار ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن ثابت البناني ].
هو ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شعيب بن عبد الله بن عمرو ].
هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وفي جزء القراءة وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
أبوه هو عبد الله بن عمرو والمقصود بأبيه جده، وقد صح سماعه من جده عبد الله بن عمرو كما سبق أن عرفنا في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأن المقصود بالجد هو عبد الله بن عمرو الذي هو جد شعيب ، وكذلك هو جد عمرو بن شعيب ؛ لأن جد أبيه جده، ويقال للجد: أب؛ لأن الجد هو من جملة الآباء، فقوله: عن أبيه المقصود عن جده.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا وكيع عن مصعب بن سليم قال: سمعت أنساً رضي الله عنه يقول: (بعثني النبي صلى الله عليه وسلم فرجعت إليه فوجدته يأكل تمراً وهو مقع) ].
أورد أبو داود حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في حاجة فرجع إليه فوجده يأكل تمراً وهو مقع، يعني: أنه جلس على مقعدته وقد نصب قدميه، ولم يكن متربعاً، وإنما كان مقعياً متمكناً من الأرض، وقدماه على الأرض منصوبتان، هذا هو المقصود بالإقعاء هنا.
قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ].
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا وكيع ].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مصعب بن سليم ].
مصعب بن سليم صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي .
[ قال: سمعت أنساً ].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث إسناده رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود .
السؤال: ما هو الإتكاء؟
الجواب: الاتكاء على أحد الجنبين أو التمكن من الجلوس على الأرض، وهو من جملة الاتكاء الذي ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله عند الأكل.
السؤال: بالنسبة للتربع هل يشترط فيه أن يكون على فراش وثير، وإذا كان جالساً على بساط على الأرض فليس بتربع؟
الجواب: التربع هو هذه الجلسة التي يجلسها من يريد أن يستكثر من الطعام، لكن إذا كان على فراش وثير، فإنه يكون متمكناً ولا يحتاج إلى أن يتحرك ويتقلب، ولكن قد يكون متربعاً وإن لم يكن على فراش وثير، بحيث يتقلب ويتوسع في الأكل، فهذه الهيئة مدعاة للتوسع.
السؤال: هل يعد من الاتكاء الاستناد إلى جدار في حالة الأكل؟
الجواب: الذي يبدو أنه لا يعد من الاتكاء، يعني: كون الإنسان يكون مستنداً على جدار على ظهره، أو مستنداً على الكرسي، لا يعد ذلك من الاتكاء.
السؤال: هل النهي عن الاتكاء حال الأكل يشمل الشرب؟
الجواب: الذي يبدو أنه كذلك، فالإنسان لا يشرب وهو متكئ، لا على جنبه ولا وهو متربع؛ لأن الذي يبدو أن الحكم واحد؛ لأنه يشتمل على الإكثار والتوسع، وهو أيضاً جلسة المتكبرين الذين عندهم كبرياء.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الأكل من أعلى الصحفة.
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يأكل من أعلى الصحفة، ولكن ليأكل من أسفلها؛ فإن البركة تنزل من أعلاها) ].
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الأكل من أعلى الصحفة ] الصحفة هي التي يكون فيها طعام، وغالباً يكون الطعام أعلاها في وسطها، ويكون فيه انسياب لجهة الأطراف، فالإنسان يأكل مما يليه ولا يأكل من وسط الصحفة.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يأكل من أعلى الصحفة ولكن ليأكل من أسفلها) ] يعني: أنه لا يمد يده إلى وسط الطعام ويأكل منه، وإنما يأكل مما يليه، كما قال عليه الصلاة والسلام لـعمر بن أبي سلمة : (يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك).
قوله: [ (فإن البركة تنزل من أعلاها) ] يعني: الذي هو وسطها، فالإنسان يأكل شيئاً فشيئاً من أطرافها، فإن ذلك من أسباب البركة ومن أسباب النفع، وأما الأكل من الوسط فهو مخالف للأدب؛ لأن كون الإنسان تطيش يده وتتجاوز إلى مكان غير الذي يليه، يجعل الناس يشمئزون وينفرون منه.
قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ].
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عطاء بن السائب ].
عطاء بن السائب وهو صدوق اختلط، وشعبة ممن سمع منه قبل الاختلاط فسماعه صحيح، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن.
[ عن سعيد بن جبير ].
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
إذا كان الطعام في الصحفة يختلف عما في حواليها، وليس نوعاً واحداً، مثل أن يكون في أعلى الصحفة لحم وفي الجوانب أرز؛ فهو يأكل من الأرز مما يليه ويأخذ من اللحم مما يليه.
أما إذا كان الطعام كله نوعاً واحداً، فإنه يأكل مما يليه. وإذا كان الإناء كله لحم، فإنه يأكل مما يليه من اللحم، ووسطه يتركه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي حدثنا أبي حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن عرق حدثنا عبد الله بن بسر رضي الله عنهما قال: (كان للنبي صلى الله عليه وسلم قصعة يقال لها: الغراء، يحملها أربعة رجال، فلما أضحوا وسجدوا الضحى أتي بتلك القصعة، يعني وقد ثرد فيها، فالتفوا عليها، فلما كثروا جثا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أعرابي: ما هذه الجلسة؟! قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله جعلني عبداً كريماً، ولم يجعلني جباراً عنيداً، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا من حواليها ودعوا ذروتها يبارك فيها) ].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنهما، وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان له قصعة، وكان يحملها أربعة رجال، وأنه أتي بها فالتف الناس حولها، ولما ازدحموا جثا الرسول صلى الله عليه وسلم على ركبتيه؛ حتى يوسع في المكان، فقال أحد الحاضرين: ما هذه الجلسة؟ يعني: كأنه يريد أنها جلسة لا تليق بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأنها جلسة ليست مناسبة في حقه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إن الله جعلني عبداً كريماً ولم يجعلني جباراً عنيداً) ] يعني: هذا من تواضعه صلى الله عليه وسلم، حيث يكون على هذه الهيئة، فيجثو على ركبتيه، ويكون معتمداً على ركبتيه؛ لأن هذا يكون أسهل وأخف وأوسع للحاضرين، بحيث لا يضيق المكان عليهم.
وقوله: [ (كلوا من حواليها ودعوا ذروتها يبارك فيها) ] هذا مثل حديث ابن عباس المتقدم.
قوله: [ (سجدوا الضحى) ] يعني: صلوا الضحى، والصلاة يقال لها: سجود، ويقال للركعة: سجدة، من باب تسمية الشيء باسم بعضه.
قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي ].
هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا أبي ].
هو عثمان بن سعيد الحمصي وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن عرق ].
محمد بن عبد الرحمن بن عرق وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا عبد الله بن بسر ].
عبد الله بن بسر رضي الله تعالى عنهما وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ورجال الإسناد عمرو بن عثمان عن أبيه عن محمد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن بسر، وهذا إسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود .
السؤال: إذا كان الشخص يأكل لوحده فهل له أن يأكل من وسط الصحفة أو أعلاها؟
الجواب: الذي ينبغي له أن يأكل مما يليه، ويكون معوداً نفسه على ذلك حتى تكون هيئته باستمرار على هذه الطريقة؛ ولأنه قد يأتي أحد يريد أن يأكل من الطعام فتكون الجهة التي لا تليه لم يمسها أحد، فيأكل منها غيره وهو مطمئن.
السؤال: ما هو الجمع بين الأحاديث التي تذكر أن البركة في وسط الطعام وآخر الطعام؟
الشيخ: لا تنافي بينها؛ لأن آخر ما يؤكل من الطعام هو الذي في الوسط، وهو يعتبر آخره.
السؤال: هل من السنة تسمية الأواني كما ورد أن قصعة النبي صلى الله عليه وسلم تسمى الغراء؟
الجواب: يمكن تسمية الأواني بأسماء، وليس هناك مانع، لكن لا يقال: إن ذلك من السنة.
السؤال: الفاكهة تتنوع في الإناء الواحد فهل له أن يختار من غير الذي يليه؟
الجواب: إذا كانت كل قطعة على حدة، والجهة التي تليه فيها ما في الجهة الثانية، فإنه يأخذ منها، لكن لو كانت كل قطعة مستقلة فله أن يأخذ مما يلي غيره، والذي ينبغي للإنسان المسلم أن يعود نفسه أن يأكل مما يليه ولو كان ذلك فاكهة، أما من يأكل مما يليه حتى ينتهي منه ثم يأكل من أمام الآخرين فهذا لا يليق، لكن لو أنهم وضعوا الفاكهة في صحن واحد وجعلوا كل نوع في جهة، فإن له أن يأخذ من الجهات الأخرى، أما إذا كانت مختلطة فالذي يليه أنواع، كما أن الذي يلي غيره أنواع.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الجلوس على مائدة عليها بعض ما يكره.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن مطعمين: عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، وأن يأكل الرجل وهو منبطح على بطنه) ].
[ باب ما جاء في الجلوس على مائدة عليها بعض ما يكره] أي: أنه لا يجلس على مائدة مشتملة على محرم، فلا يحضرها ولا يشارك فيها.
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: [ (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مطعمين: عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، وأن يأكل الرجل وهو منبطح على بطنه)].
هاتان الهيئتان غير سائغتين، يعني: كون الإنسان يأكل وهو منبطح غير سائغ، وكونه يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر غير سائغ، فلا يجوز لا هذا ولا هذا، ومحل الشاهد من الترجمة قوله: [ (نهى عن مطعمين: عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر) ] وأما كون الإنسان يأكل وحده وهو منبطح وليس عنده أحد فهذه الهيئة غير صحيحة، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنها وعابها كما جاء في هذا الحديث.
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
مر ذكره.
[ حدثنا كثير بن هشام ].
كثير بن هشام ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن جعفر بن برقان ].
جعفر بن برقان وهو صدوق يهم في روايته عن الزهري ، وهذا من حديث الزهري ، وجاء في الرواية التي بعدها أنه قال: بلغني عن الزهري ، وهذا يفيد أن هناك واسطة بينهما وأنه لم يسمع منه، وقد أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن الزهري ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سالم ].
هو سالم بن عبد الله بن عمر وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ]
هو عبد الله بن عمر وقد مر ذكره.
وهذا الحديث فيه جعفر بن برقان المتكلم في روايته عن الزهري ، لكن الحديث له شواهد تدل عليه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس في مائدة يدار فيها الخمر).
[ قال أبو داود : هذا الحديث لم يسمعه جعفر من الزهري وهو منكر ].
لأنه قال: بلغني كما سيأتي الآن .
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي حدثنا جعفر أنه بلغه عن الزهري بهذا الحديث ].
قوله: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ].
هارون بن زيد بن أبي الزرقاء صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا أبي ].
أبوه ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا جعفر أنه بلغه عن الزهري ].
قد مر ذكرهما.
السؤال: قال في الترجمة: عليها بعض ما يكره، فهل مراد أبي داود من الكراهة التحريم؟
الجواب: نعم، فالخمر محرمة وليست مكروهة.
السؤال: هل يجوز الأكل في مطعم يبيع أصحابه الخمر، ولكن ليس على الطاولة المأكول عليها خمر؟
الجواب: لا ينبغي للمسلم أن يأكل في هذا المطعم الذي يباع فيه الخمر، ولو كان ليس على الطاولة التي عليها طعامه، وإنما عليه أنه يأخذ الطعام ويذهب به إلى مسكنه ويأكله، بدلاً من الجلوس مع هؤلاء الذي يشربون الخمر، وهذا إذا لم يجد غيره، فيأخذ ما أحل الله ويترك ما حرم الله.
السؤال: ذكرتم أن التحسين لحديث: (نهى رسول الله عن مطعمين: عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر ..) لأجل الشواهد للقسم الأول، فهل هناك شاهد للقسم الثاني للحديث وهو: (... وأن يأكل الرجل وهو منبطح على بطنه) ؟
الجواب: ما أذكر، ولكن كما هو معلوم أن هذه الهيئة كريهة وليست مستساغة، يعني: كون الإنسان يأكل وهو منبطح غير مستساغ، اللهم إلا إذا كان هناك حاجة، وقد جاء أن النوم على البطن منهي عنه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الأكل باليمين.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن الزهري أخبرني أبو بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن جده ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله) ].
يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الأكل باليمين ] يعني: على الإنسان عندما يأكل أن يأكل بيمينه ولا يأكل بشماله.
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله) ] يعني: لا يكون المسلم مشابهاً للشيطان، وإنما يكون على هيئة بعيدة عن مشابهة الشيطان.
وهذا يدلنا على وجوب الأكل باليمين، وقد جاء فيه أحاديث، ومنها الحديث الذي صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أن رجلاً كان يأكل بشماله فقال: (كل بيمينك قال: لا أستطيع، فقال: لا استطعت، ما منعه إلا الكبر، فما رفع يده إلى فيه بعد) أي: أن الرسول دعا عليه؛ لأنه فعل ذلك على سبيل الاستكبار، ولهذا قال: (لا استطعت، ما منعه إلا الكبر، فما رفع يده إلى فيه).
والحديث يدل على أن على المسلم أن يأخذ بيمينه ويعطي بيمينه، ويدل على أن الشيطان له يمين وشمال، وعلى أنه يأكل ويشرب.
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ].
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سفيان ].
هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
الزهري مر ذكره.
[أخبرني أبو بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ].
أبو بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن جده ابن عمر ].
هو عبد الله بن عمر وقد مر ذكره.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان لوين عن سليمان بن بلال عن أبي وجزة عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ادن بني فسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يلي) ].
أورد أبو داود حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: [ (ادن بني فسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك) ] يعني: أمره بثلاثة أمور: أن يسمي الله عند الأكل، وأن يكون أكله باليمين، وأن يكون أكله مما يليه، فهذه آداب ثلاثة أرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ربيبه عمر بن أبي سلمة رضي الله تعالى عن الجميع.
قوله: [ (ادن يا بني) ] هذا يدل على أن الإنسان له أن يقول لغيره ممن هو دونه: يا بني وإن لم يكن ابنه، وهذا من اللطف ومن الرحمة والشفقة، كما أن الصغير يحترم الكبير ويقول له: يا عم، وإن لم يكن عمه من النسب، كما جاء ذلك في أحاديث، منها: حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه في قصة غزوة بدر، فإنهم لما صفوا قال: كان عن يميني شاب من الأنصار وعن يساري شاب من الأنصار، فغمزني الذي على يميني وقال: يا عم! أتعرف أبا جهل ؟ وعبد الرحمن بن عوف من المهاجرين وهذا الشاب من الأنصار فقال: أتعرف أبا جهل ؟ فقلت: ماذا تريد منه؟ قال: إنه يسب النبي صلى الله عليه وسلم، فلأن رأيته فلن يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا! يعني: إذا رأيته لا أفارقه حتى يموت الأول منا إما أنا وإما هو، فمحل الشاهد أنه قال: يا عم.
قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان لوين ].
محمد بن سليمان لوين، لوين لقب لـ محمد بن سليمان وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن سليمان بن بلال ].
سليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي وجزة ].
هو يزيد بن عبيد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن عمر بن أبي سلمة ].
عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا من أعلى أسانيد أبي داود ؛ لأنه رباعي.
السؤال: ما حكم الأكل والشرب باليدين؟
الجواب: إذا كان الشيء يحتاج إلى مسكه باليدين من أجل التمكن، أو لأنه كبير فلا بأس، والمهم أن تكون اليمين موجودة، ولا تكون الشمال وحدها.
السؤال: حديث: (والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) هل هو صحيح أو ليس بصحيح؟ وهل هناك وقت محدد يحتاجه المقيم للصبر على شظف العيش بها؟
الجواب: هذا الحديث ثابت في الصحيحين أو في أحدهما: (والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) يعني: من صبر على لأوائها وشدتها، بحيث يستمر المسلم في البقاء فيها، ولو حصل له ما حصل من الشدة، فإن ذلك محمود العاقبة.
السؤال: هل يأثم من خرج من المدينة النبوية لعدم اتفاقه مع صاحب العمل؟
الجواب: الإنسان له أن يخرج من المدينة، إذا كان خروجه منها فيه مصلحة وفيه فائدة، ولكن لا يخرج رغبة عنها، وإنما يكون خروجه لمصلحته ولفائدته، ولا بأس بذلك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر