حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني عطاء بن أبي رباح أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى عليه وآله وسلم قال: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا -أو ليعتزل مسجدنا- وليقعد في بيته، وإنه أتي ببدر فيه خضرات من البقول فوجد لها ريحاً، فسأل، فأخبر بما فيها من البقول، فقال: قربوها إلى بعض أصحابه كان معه، فلما رآه كره أكلها قال: كل فإني أناجي من لا تناجي) قال أحمد بن صالح : ببدر، فسره ابن وهب : طبق ].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في أكل الثوم ].
أورد أبو داود في أكل الثوم عدة أحاديث ترجع إلى أن أكل الثوم وحضور مجامع الناس وحضور المساجد فيه أذية للناس وللملائكة؛ وذلك لما فيه من الرائحة الكريهة.
وأورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا) ] يعني: هذا شك من الراوي هل قال هذا أو قال هذا، وذكر المساجد والمجامع التي يكون فيها اجتماع الناس؛ لما يحصل فيها من الإيذاء، وقد جاء هذا الحديث في المنع منه، والدلالة على أن ذلك غير سائغ، وفي دخول المساجد بذلك أذية الملائكة كما جاء: (فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان) .
والحاصل أن الروائح الكريهة التي تؤذي الناس ينبغي للإنسان أن يبتعد عنها؛ هذا ما كان مباحاً منها، وأما ما كان محرماً كالدخان فإنه لا يجوز له أن يتعاطاه أبداً، وأما الثوم والبصل وغيرهما من الأمور المباحة مما فيه رائحة كريهة، فإن على الإنسان أن يحذر من أن يؤذي الناس بهذه الرائحة، فإذا احتاج الأمر إلى أكلها فإنه يستعمل معها شيئاً يزيل أثرها، أو يأكلها في وقت مبكر، بحيث إذا جاء الوقت الذي يذهب فيه إلى المسجد تكون تلك الرائحة قد ذهبت، فلا يحصل الإيذاء بسبب أكل الثوم والبصل.
يقول الخطابي رحمه الله: إنما أمره باعتزال المسجد عقوبة له، وليس هذا من باب الأعذار التي تبيح للمرء التخلف عن الجماعة كالمطر والريح العاصف ونحوهما.
يعني: أن الإنسان لا يكون معذوراً إذا أكل الثوم وتخلف عن صلاة الجماعة، بل إن أمره بالاعتزال من العقوبات، ووجهها أنه يحال بينه وبين هذا الخير، وذلك أن أكل الثوم والبصل يمكن أن يكون على وجه لا يحصل معه التأخر عن الجماعة إذا احتاج إليه، بأن يكون ذلك في وقت مبكر، بحيث يأتي وقت الجماعة وليس هناك أثر لتلك الرائحة الكريهة.
قوله:[ (وإنه أتي ببدر فيه خضرات) ].
يعني: بطبق فيه أصناف من الخضروات والبقول .
يعني: كرهها قدمها لبعض أصحابه، فلما رآه كرهها أمره بأن يأكل وأخبره أن امتناعه بسبب أنه يناجي الملائكة حين تأتيه بالوحي، وأيضاً يناجي الله عز وجل، ولكن الذي يختص به هو الملائكة الذين يأتون بالوحي، وقد جاء أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان.
ثم هو عليه الصلاة والسلام يكره الرائحة الكريهة ولا يحبها، ويحب الرائحة الطيبة، وقد سبقت قصة المغافير وأنه شرب عسلاً، فقالت بعض أمهات المؤمنين: إن فيه مغافير. تعني: أن فيه رائحة مغافير، والمغافير هو النبات الذي ترعاه النحل ثم تظهر رائحته في عسله، فكان يكره الريح الخبيثة صلى الله عليه وسلم، ثم أيضاً مع كونه يكرهها فهو يناجي من لا يناجيه الناس، وهم الملائكة الذين يأتون بالوحي إليه صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ قال أحمد بن صالح : ببدر، فسره ابن وهب : طبق ].
يعني: البدر هو الطبق.
هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[ حدثنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني يونس ].
هو يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني عطاء بن أبي رباح ].
هو عطاء بن أبي رباح المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن جابر بن عبد الله ].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو أحد الصحابة السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عنده الثوم والبصل، فقيل: [ (يا رسول الله وأشد ذلك كله الثوم أفتحرمه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلوه، ومن أكله فلا يقرب هذا المسجد حتى يذهب ريحه منه) ].
يعني: أنه صلى الله عليه وسلم أذن بأكله ولم يمنع منه، ولكن المنع من كونه يحصل على وجه مؤذٍ للناس، وذلك بأن يأتي آكله إلى المساجد، ومثلها مجامع الناس حيث يتأذى الناس برائحته في اجتماعه بهم وجلوسه معهم؛ لأن إيذاء المسلمين حرام، ولا يسوغ للمسلم أن يؤذي أخاه، ولكنه عندما يحتاج إليه يأكله في وقت مبكر حتى تزول رائحته، أو يستعمل معه شيئاً يزيل رائحته.
هو عمرو بن الحارث المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن بكر بن سوادة ].
وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[ أن أبا النجيب مولى عبد الله بن سعد ].
وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والنسائي .
[ أن أبا سعيد الخدري ].
هو سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهو في المعنى مثل الذي قبله، أي: أن الثوم والبصل مأذون فيه، وهو ليس من الأمور المحرمة، ولكن المحظور منه رائحته الكريهة التي يتأذى بها الناس.
أورد أبو داود حديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه، ومن أكل من هذه البقلة الخبيثة) ] يعني: خبيثة الرائحة، وإلا فهي في الأصل من الطيبات ويستعملها الناس، لكن بإماتتها أو باستعمالها مع إزالة رائحتها.
قوله: [ (فلا يقربن مسجدنا) ] وقد جاء في بعض الأحاديث: (مساجدنا) فليس الأمر مقصوراً على مسجده صلى الله عليه وسلم، وإنما المقصود من ذلك المساجد التي هي محل اجتماع الناس وحضور الملائكة، وقد جاء في التعليل : (أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان) وهذا يدل على أن الإنسان لا يدخل المسجد وعنده هذه الرائحة ولو لم يكن فيه أحد من الناس؛ لأن التعليل ليس مقصوراً على الآدميين؛ بل الملائكة كذلك.
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثنا جرير ].
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الشيباني ].
هو سليمان بن فيروز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عدي بن ثابت ].
عدي بن ثابت وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن زر بن حبيش ].
زر بن حبيش وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حذيفة ].
حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
هذا يدل على تحريم التفل إلى القبلة أو باتجاه القبلة، وأن على الإنسان أن يتفل إلى غير تلك الجهة، وهو عام في الصلاة وفي غير الصلاة، وفي المسجد أو في غيره.
قوله: [ (من أكل من هذه البقلة الخبيثة) ].
يعني: خبث الرائحة، وهو من جنس قوله (كسب الحجام خبيث) مع أنه مباح، وإنما هو كسب رديء، وليس معناه التحريم، وهذا ليس خاصاً بالبصل والثوم، بل يشمل غيرهما من الأطعمة ذات الرائحة الكريهة مما يؤذي الناس، فإنه يقاس عليه، لكن هناك شيء خبيث الرائحة ومحرم ألا وهو الدخان.
قوله: [ (أظنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ].
يعني: أنه شك في كونه رفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والألباني صححه ولعله وجد شيئاً يفيد صحته، وأيضاً قوله: [ (جاء يوم القيامة تفله بين عينيه) ] لا يقال بالرأي وإنما هو من أمور الغيب.
أورد أبو داود حديث ابن عمر : [ (من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن المساجد) ] وهذا لفظ عام يشمل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، وهو يدل على أن ذكر مسجده صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات لا يدل على القصر عليه؛ لأن الحكم عام، والتعليل الذي حصل بكونها تؤذي الملائكة وتؤذي الآدميين يكون في مسجده صلى الله عليه وسلم وفي غير مسجده.
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبيد الله ].
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن نافع ].
هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه أكل بصلاً وأنه جاء مسبوقاً وفاته بعض الصلاة فقام يقضي ما فاته، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: [ (من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا) ] .
فلما قضى المغيرة بن شعبة صلاته جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يوقفه على السبب الذي جعله يأكل من هذه الشجرة، فإذا صدره معصوب، وأنه فعل ذلك على سبيل العلاج.
ومن العلماء من قال: إنه أكله من أجل الجوع. لكن عندما يكون الجوع يعصب البطن وليس الصدر، وإنما يكون عصب الصدر من أجل العلاج.
قوله: [ (قال: إن لك عذراً) يعني: في كونك أكلت، لكن كما هو معلوم إذا كان الإنسان مضطراً إلى العلاج، فإن عليه أن يستعمل ذلك في وقت مبكر حتى تذهب الرائحة.
قوله: [ (فأدخلت يده في كم قميصي إلى صدري) ].
يعني: كانت الأكمام واسعة، وفعل ذلك من أجل أن يوقفه على العصابة التي على صدره، فهو يريد أن يبين عذره وأنه مريض وأنه استعمله للعلاج.
شيبان بن فروخ صدوق يهم، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا أبو هلال ].
هو محمد بن سليم صدوق فيه لين، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن.
[ حدثنا حميد بن هلال ].
حميد بن هلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي بردة ].
أبو بردة بن أبي موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن المغيرة بن شعبة ].
المغيرة بن شعبة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث قرة بن إياس رضي الله تعالى عنه: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هاتين الشجرتين، وقال: من أكلهما فلا يقربن مسجدنا، إن كنتم لابد آكليهما فأميتوهما طبخاً) ] . وهذا يفيد بأن الإنسان يستعملهما مطبوختين حتى لا يكون لهما رائحة، ومعلوم أن الثوم حتى مع الطبخ يكون فيه شيء من الرائحة، لكن ليست كالحالة التي يكون فيها قبل الطبخ.
والنهي عنهما ليس المقصود به تحريمهما، وإنما النهي عن استعمالهما على وجه يؤذي، وإذا كانوا لابد فاعلين فعليهم أن يميتوهما طبخاً، وكذلك لو أكلوهما وهم بحاجة إليهما بدون طبخ، فليكن في وقت مبكر بحيث تذهب الرائحة.
هو عباس بن عبد العظيم العنبري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن .
[ حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو ].
هو أبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا خالد بن ميسرة يعني العطار ].
خالد بن ميسرة العطار صالح الحديث، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن معاوية بن قرة ].
معاوية بن قرة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
هو قرة بن إياس رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: [ (نهي عن أكل الثوم إلا مطبوخاً) ] وهذا كما مر في الذي قبله: (إن كنتم لابد آكليهما فأميتوهما طبخاً) وكما عرفنا أن الأكل منهما غير مطبوخين سائغ، ولكن ينبغي أن يكون على وجه لا يحصل فيه إيذاء للناس.
هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا الجراح أبو وكيع ].
هو الجراح بن مليح وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن أبي إسحاق ].
هو أبو إسحاق السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شريك ].
هو شريك بن حنبل وهو ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي .
[ عن علي ].
هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث عائشة أنها سئلت عن البصل فقالت: كان آخر طعام أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بصل، لكن الحديث في إسناده ضعف، وهو غير ثابت.
هو إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال أخبرنا ح وحدثنا ].
التحويل جاء من أجل التفريق بين صيغة أخبرنا وحدثنا؛ لأن الشيخ الأول فقال: أخبرنا بقية ، والشيخ الثاني قال: حدثنا بقية ، فمن أجل ذلك جاء بالتحويل، وإلا كان بإمكانه أن يقول: أخبرنا فلان وفلان عن فلان، ولكنه أتى بهذا التحويل من أجل الإشارة إلى التفاوت في صيغة التحمل.
[ ح وحدثنا حيوة بن شريح ].
هو حيوة بن شريح الحمصي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
حيوة بن شريح الحمصي متأخر، وحيوة بن شريح المصري متقدم قليلاً عن هذا، والمصري خرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا خرج له بعضهم.
[ حدثنا بقية ].
هو بقية بن الوليد وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن بحير ].
هو بحير بن سعد الحمصي وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن .
[ عن خالد ].
هو خالد بن معدان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي زياد خيار بن سلمة ].
خيار بن سلمة مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ أنه سأل عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الجواب: الذي يبدو أنه للتحريم؛ لأنه أولاً: يعرض نفسه للتخلف عن الجماعة، وصلاة الجماعة واجبة.
الأمر الثاني: إذا حضر سيؤذي الناس بهذه الرائحة الكريهة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فلا يقربن مسجدنا) فهو لاشك أنه آثم، لكن إذا أميت الثوم طبخاً ولم يكن له رائحة فلا بأس بذلك، أو يؤكل في وقت مبكر، بحيث يأتي وقت الصلاة وليس هناك ريح.
ومنعه من الصلاة ذكر الخطابي أنه عقوبة وليس عذراً، أي: أنه عوقب بمنعه من حصول هذا الخير الكثير له، وحتى لا يؤذي الناس.
إذاً: فالمطلوب منه ألا يأكله في وقت تكون الصلاة فيه قريبة، وإنما يأكله في وقت تذهب الرائحة مع مضي الوقت.
الجواب: الجوارب إذا ظهر لها روائح تؤذي الناس فالواجب على الإنسان أن يزيلها، أو يأتي المسجد بدون جوارب، أو يأتي بجوارب نظيفة ليس فيها رائحة، والجوارب يمكن التخلص منها، أما البصل إذا أكل قرب وقت الصلاة فلا يمكن التخلص منه، اللهم إلا أن يوجد شيء يؤكل بعده فيزيل رائحته نهائياً.
الجواب: كون الإنسان يقرأ القرآن وهو على حالة طيبة، وبعيد من الروائح الكريهة، لا شك أن هذا مطلوب.
[ باب في التمر.
حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي عن محمد بن أبي يحيى عن يزيد الأعور عن يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنهما قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة، وقال: هذه إدام هذه) ].
قوله: [ باب في التمر ] أورد فيه حديث يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنهما قال: [ (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز فوضع فيها تمرة، وقال: هذه إدام هذه) ] يعني: أن الخبز إدامه التمر، والتمر معروف أنه ليس من الإدام وإنما هو من الأطعمة، وإنما الإدام مثل الزبد ومثل الخل وما إلى ذلك، ومعلوم أن التمر إدامه الزبد، حيث يغمس فيه.
وهذا الحديث الذي فيه الجمع بين الخبز والتمر غير صحيح.
هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا عمر بن حفص ].
عمر بن حفص ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ حدثنا أبي ].
هو حفص بن غياث وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن أبي يحيى ].
وهو صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة .
[ عن يزيد الأعور ].
وهو مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي في الشمائل.
[ عن يوسف بن عبد الله بن سلام ].
يوسف بن عبد الله بن سلام صحابي صغير، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (بيت لا تمر فيه جياع أهله) ] وهذا يدلنا على أهمية التمر، وأنه غذاء وطعام.
قوله: [ (بيت لا تمر فيه جياع أهله) ] هذا في البلاد التي يكون فيها التمر، وليس معنى ذلك أن كل بيت لا يوجد فيه تمر يكون أهله جياعاً؛ لأن كثيراً من الناس عندهم أنواع من الأطعمة المتنوعة غير التمر وهم شباع، ولكن هذا في حق من يكون غذاؤهم التمر وقوتهم التمر، فإنهم إذا فقدوه كانوا جياعاً كما كان الحال في المدينة، بحيث تمضي عليهم مدة وليس عندهم إلا التمر والماء.
الوليد بن عتبة ثقة، أخرج له أبو داود .
[ حدثنا مروان بن محمد ].
هو مروان بن محمد الطاطري ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن .
[ حدثنا سليمان بن بلال ].
سليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني هشام بن عروة ].
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
هو عروة بن الزبير وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة ].
هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا محمد بن عمرو بن جبلة حدثنا سلم بن قتيبة أبو قتيبة عن همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتمر عتيق فجعل يفتشه يخرج السوس منه) ].
أورد أبو داود باباً في تفتيش التمر المسوس عند الأكل، يعني: التمر الذي يكون فيه سوس، والسوس هي الحيوانات التي تخلق وتوجد في وسط التمر عندما يمضي عليه وقت وهو مكشوف ليس مجموعاً بعضه إلى بعض، بحيث إنه يمتزج بعضه ببعض فلا يكون هناك مجال للسوس، فالتمر الذي على هيئته دون أن يلبد ودون أن يرص بعضه إلى بعض، ينشأ في وسطه وفي جوفه السوس.
والسوس ليس له نفس سائلة، ولهذا لا ينجس؛ ويجوز أكل التمر الذي فيه سوس؛ لأنه طاهر، لكن كونه يفتش التمر مثل ما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي ينبغي، ولكنه ليس بنجس؛ لأنه لا نفس له سائلة، يعني: ليس فيه دم.
قوله: [ (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بتمر عتيق فجعل يفتشه يخرج السوس منه) ].
عتيق يعني: قديم، وهذا هو الذي يكون مظنة التسوس، وأما التمر الجديد والمرصوص بعضه إلى بعض لا يكون فيه سوس.
ولا يعاب من فتش التمر ليخرج منه السوس؛ لأن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم فعله.
محمد بن عمرو بن جبلة صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود.
[ حدثنا سلم بن قتيبة أبو قتيبة ].
هو سلم بن قتيبة أبو قتيبة الشعيري وهو صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن، وكنيته توافق اسم أبيه، فلو قيل: سلم أبو قتيبة يكون صحيحاً، ولو قيل: سلم بن قتيبة لا فرق بينهما.
[ عن همام ].
هو همام بن يحيى العوذي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ].
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس بن مالك ].
أنس وهو عم إسحاق أخو أبيه لأمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهي مرسلة ليس فيها ذكر أنس ، وأما الأول ففيه ذكر أنس .
قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ].
هو محمد بن كثير العبدي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا همام عن إسحاق بن عبد الله ].
وقد مر ذكرهما.
الجواب: لقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفتش التمر، وحديث النهي إذا ثبت فهو محمول على التمر الجديد دفعاً للوسوسة، ويحمل التفتيش على القديم، يعني: كل منهما له وجه صحيح.
الجواب: لا ينبغي للإنسان أن يلقيه، وإنما يعطيه لمن يحتاجه، وقد كانت نفس الرسول صلى الله عليه وسلم خير النفوس، وقد أكله عليه الصلاة والسلام، لكن لو عافت نفسه أكل التمر المسوس فليضعه ولا يلقه؛ لأنه قد يعطى لمسكين أو لأحد يستفيد منه، وله أن يأخذ غيره.
حدثنا واصل بن عبد الأعلى حدثنا ابن فضيل عن أبي إسحاق عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإقران إلا أن تستأذن أصحابك) ].
قوله: [ باب الإقران في التمر عند الأكل ]
يعني: النهي عن أن يقرن المرء بين تمرتين يأكلهما معاً يضعهما في فمه، وإنما يأكل كل تمرة على حدة، والأكل بهذه الطريقة فيه شيء من الجشع، وعندما يستأثر المرء على غيره، ويحرص على أن يكثر من المأكول المشترك، فهذا دليل على خسة نفسه، ولكن إذا كان الشخص مستعجلاً، ويريد أن يمشي بسرعة واستأذن أصحابه الذين يأكل معهم فأذنوا له، فإنه لا بأس بأن يقرن بين التمرتين؛ لأنه جاء في هذا الحديث ما يدل على ذلك، وهو قوله: [ (إلا أن تستأذن أصحابك) ] أي: الذين يشاركونك في الأكل.
واصل بن عبد الأعلى وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا ابن فضيل ].
هو محمد بن فضيل بن غزوان، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي إسحاق عن جبلة بن سحيم ].
أبو إسحاق مر ذكره.
وجبلة بن سحيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
ابن عمر مر ذكره.
الجواب: الذي يبدو أن العنب يختلف؛ لأن حباته صغيرة، فلو أكل الشخص مثلاً حبتين أو أكثر فليس هو مثل التمر.
أما الزيتون فهو يختلف عن العنب؛ لأن فيه نوى مثل التمر، وحجمه قد يختلف عن العنب وإن كان قد يساويه، لكنه ليس مثل العنب الذي قد يكون صغيراً.
إذاً: يجوز للإنسان أن يقرن بين الحبتين من العنب في الأكل؛ لأن الإنسان لو أكل واحدة واحدة، لأخذ منه مدة طويلة.
الجواب: الذي يبدو أنه سائغ لا بأس به، لكن الأفضل أن يعود الإنسان نفسه على أن يأكل كل حبة على حدة؛ حتى لا يحصل منه خلاف ذلك عند اجتماع الناس فيكون قد ألفه، اللهم إلا أن يكون مستعجلاً.
وفي القوم من بلغ به الجوع الشديد، فهو يشفق من فنائه قبل أن يأخذ حاجته منه، فربما قرن بين التمرتين، وأعظم اللقمة ليسد بها الجوع، ويشفى به القرم، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأدب فيه.
فهل يفهم منه أنه إذا صلح الحال وكثر الطعام جاز القران؟
الجواب: لاشك أن الذي ينبغي للإنسان حتى مع وجود السعة أن يأكل كل تمرة على حدة، وكون الإنسان يعود نفسه عدم الشره، وعدم الإكثار من الأكل على هذه الصورة، لاشك أنه أولى، لكن جاء في الحديث الأول: (إلا أن تستأذن أصحابك) يعني: أنه جائز في حال الاستئذان، لكن قال ابن القيم : وهذه الكلمة -وهي الاستئذان- قيل: إنها مدرجة من كلام ابن عمر ، قال شعبة : لا أرى هذه الكلمة إلا من كلام ابن عمر -يعني الاستئذان- ذكره البخاري في الصحيح.
وقد روى الطبراني في المعجم من حديث يزيد بن زريع عن أبي خالد عن عطاء الخراساني عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن الإقران، وإن الله قد أوسع الخير فأقرنوا) .
لكن يزيد بن زريع من طبقة شيوخ شيوخ أصحاب الكتب الستة، والطبراني بعدهم؛ لأنه توفي سنة (360هـ)، وولادته سنة (260هـ) فتوفي وعمره مائة سنة.
فإذاً: بين الطبراني وبين يزيد بن زريع أناس محذوفون.
يقول النووي : اختلفوا في أن هذا النهي على التحريم أو على الكراهة والأدب، والصواب التفصيل! فإن كان الطعام مشتركاً بينهم فالقران حرام إلا برضاهم، ويحصل الرضا بتصريحهم به، أو بما يقوم مقامه من قرينة حال، بحيث يغلب على الظن ذلك، وإن كان الطعام لغيرهم حرم، وإن كان لأحد وأذن لهم بأكل اشترط رضاه، ويحرم لغيره ويجوز له هو، إلا أنه يستحب أن يستأذن الآكلين معه.
أما القول بالنسخ فقد ذهبت طائفة منهم الحازمي إلى النسخ، وقد ادعوا أن حديث بريدة ناسخ لحديث ابن عمر ، لكن لا يصار إلى النسخ إلا بعد معرفة التاريخ، وعدم إمكان التوفيق.
والظاهر أن هذا الحديث يضعفه ابن القيم ؛ لأنه يقول: وهذا الذي قالوه إنما يصح إذا ثبت حديث بريدة ولا يثبت مثله؛ فإن الطبراني رواه من حديث محمد بن سهل قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا محبوب العطار عن يزيد بن زريع فذكره.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر