حدثنا الحسن بن عمرو حدثنا جرير عن منصور عن ربعي بن حراش قال: (اجتمع قال أبو مسعود البدري : هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول
أورد أبو داود باب خروج الدجال، والدجال هو رجل من بني آدم، وقيل له: الدجال مبالغة في وصفه بالدجل والكذب والتمويه؛ ولهذا يقال عن الشخص الذي يعرف بالكذب: دجال؛ مبالغة في دجله وكذبه، والدجال رجل من بني آدم يخرج في آخر الزمان، ويحصل به فتنة عظيمة هي من أعظم الفتن، ويسير في الدنيا بسرعة، ويكون معه أمور خارقة للعادة فيفتن بها الناس، فيعصم الله تعالى من يعصم، ويفتن من يفتن بذلك الرجل، وقد تواترت الأحاديث فيه في الصحيحين وفي غيرهما، وهي تدل على أنه لا بد أن يقع ذلك، ويكون خروجه قبل خروج يأجوج ومأجوج، وهو في زمن عيسى وزمن المهدي ، وقد جاء في الحديث أن عيسى عليه الصلاة والسلام يصلي خلف المهدي ، ثم يخرج ويقتل الدجال بباب لد، فمسيح الهداية عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام يقتل مسيح الضلالة المسيح الدجال، والأحاديث في ذلك ثابتة متواترة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وأورد أبو داود جملة من تلك الأحاديث أولها حديث حذيفة وأبي مسعود الأنصاري البدري رضي الله تعالى عنهما، يقول حذيفة : (لأنا بما مع الدجال أعلم منه) والضمير في منه: يرجع إلى الدجال، وقد جاء في صحيح مسلم أن الذي قال ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أن الله تعالى أعلم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بما يكون مع الدجال أكثر مما يعلم الدجال ما يكون معه، وذكر أنه يكون معه جنة وهي في الحقيقة نار، ونار وهي في الحقيقة جنة، وقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإنسان لا يقرب ماءه؛ لأنه نار، وليقرب النار فإنها ماء في باطن الأمر.
وسياق الحديث هنا يدل على أن هذا لفظ حذيفة، ولكن جاء في صحيح مسلم أنه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال أبو مسعود البدري في نفس هذا الحديث: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني قوله: (لأنا أعلم بما مع الدجال منه) وإذا كان حذيفة قاله كما في هذا الإسناد، فمعنى ذلك أنه يقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون ذلك مبنياً على ما علمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو متحقق من أن هذا الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم حق، فهو يؤمن ويصدق به، وهو تابع للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك العلم الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم.
وسمي عيسى عليه الصلاة والسلام بالمسيح لأنه يمسح بيده على الأكمه والأبرص فيشفى بإذن الله، فهو مسيح بمعنى ماسح، وأما الدجال فهو مسيح بمعنى ممسوح، فهو ممسوح العين، أو لكونه يمسح الأرض بسرعته في أربعين يوماً كالغيث إذا استدبرته الريح، كما جاء في الحديث.
وظاهر الحديث أن النار والماء يجتمعان معه ويسيران معه في كل مكان.
الحسن بن عمرو صدوق، أخرج له أبو داود .
[ حدثنا جرير ].
هو جرير بن عبد الحميد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن منصور ].
هو منصور بن المعتمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ربعي بن حراش ].
ربعي بن حراش ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وأبو مسعود هو: عقبة بن عمرو الأنصاري البدري، صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
يطوف الدجال الأرض ويمسح الأرض، ويخرج من خلة بين الشام والعراق، ومعه سبعون ألفاً من يهود أصبهان كما جاء في حديث النواس بن سمعان في صحيح مسلم .
أورد أبو داود حديث أنس مرفوعاً: (ما من نبي إلا وقد أنذر أمته المسيح الدجال) يعني: أنه قد يخرج فيهم، فلم يكونوا يعلمون وقت خروجه، ولكنهم يعلمون أنه خارج، ولهذا أنذروا أممهم من ذلك، ومنهم نوح عليه الصلاة والسلام فقد أنذر أمته المسيح الدجال، والرسول صلى الله عليه وسلم في أول الأمر كان يظن أنه سيكون في وقته، ثم بعد ذلك جاءت النصوص الدالة على تأخره عن وقته وعن زمانه صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فلا تنافي بين ما جاء في أحاديث الدجال من أنه يكون في آخر الزمان، وأن عيسى بن مريم ينزل من السماء ويقتله مع ما جاء من إنذار الأنبياء أممهم، وتحذيرهم من فتنته، فإن هذا مبني على أنهم لم يكونوا يعلمون متى يكون خروجه، وكانوا يظنون أنه قد يخرج في زمانهم؛ ولهذا حذروا أممهم منه ومن فتنته.
قوله: [ (إلا قد أنذر أمته الدجال الأعور الكذاب) ].
فهو أعور، أي: أن إحدى عينيه عوراء، وهو دجال صاحب كذب.
قوله: [ (ألا وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور) ].
فهو يأتي الناس بخوارق، فبعض الناس يسلب منه عقله فيتابع الدجال لما يرى معه من الشيء الذي أقدره الله عليه، ولما يظهر منه من التمويه والدجل، فيفتن الناس به، وهو يزعم أنه إله، وفي وجهه العلامة الدالة على أنه ناقص، فكيف يكون إلهاً وهو لا يقدر أن يكمل النقص الذي فيه؟!! فهو أعور ولا يستطيع أن يتخلص من هذا العور، والله عز وجل ليس بأعور.
وبهذا الحديث استدل أهل السنة على أن لله عينين تليقان بكمال الله وجلاله كما في سائر الصفات، فكلها من باب واحد، فكون الله له عينان والمخلوق له عينيان لا يدل على التشابه والتماثل، بل الأمر كما قال الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فأثبت السمع والبصر ونفى المشابهة، فكل صفة لله عز وجل تثبت له ويعتقد معها أنه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، فتثبت إثباتاً مع التنزيه، فأهل السنة مثبتة وليسوا معطلة، ومع إثباتهم ليسوا مشبهة، بل هم مثبتة منزهة، والإثبات والتنزيه قد جاءا في هذه الآية الكريمة من سورة الشورى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فأثبت السمع والبصر ونفى المشابهة، فله سمع لا كالأسماع، وبصر لا كالأبصار، وكذلك يقال في جميع الصفات.
قوله: [ (وإن بين عينيه مكتوباً كافر) ].
هذا يدل على بطلان ما معه وأن كل ما معه إنما هو تمويه على الناس، وأنه لا يكون إلهاً، وفيه ذلك النقص وتلك الكتابة التي على وجهه بأنه كافر، فكيف يكون مع ذلك إلهاً؟!! ومع ذلك فيصدقه بعض الناس بأنه إله؛ لما معه من الخوارق التي لم يألفها الناس!!.
هو أبو الوليد هشام بن عبد الملك ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت أنس ].
أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وفيه أنه مكتوب ك ف ر ، يعني: كاف فاء راء، أي: متفرقة، ومعناه أنه كافر، وهذا دليل على كفره.
قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ].
هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن البصري ، ثقة،أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن جعفر ].
هو محمد بن جعفر البصري الملقب غندر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شعبة ].
مر ذكره.
ويقول النووي : الصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها، وأنها كتابة حقيقة جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله، يظهرها الله تعالى لكل مسلم كاتب وغير كاتب، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته، ولا امتناع في ذلك.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله، وفيه أن (كافر) المكتوب على وجهه (يقرؤه كل مسلم) أي: سواء كان قارئاً أو غير قارئ، فيمكن الله عز وجل غير القارئ من القراءة لتلك الكتابة التي على وجه الدجال.
قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث ].
مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
وعبد الوارث بن سعيد العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شعيب بن الحبحاب ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن أنس ].
مر ذكره، وهذا الإسناد أيضاً رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.
أورد أبو داود حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سمع بالدجال فلينأ عنه) أي: فليبتعد عنه وليهرب منه، ولا يقول: أنا مؤمن وعندي إيمان، فإنه يحصل بسبب ما معه من الفتن والخوارق شك وريبة، وقد يزول ما مع الإنسان من اليقين.
وقد جاء أن الدجال ينزل إحدى السباخ التي حول المدينة، فترجف المدينة فيخرج إليه كل كافر وكافرة، وكل منافق ومنافقة، وأما المؤمنون فلا يذهبون إليه، فالابتعاد عن الفتنة أمر مطلوب.
قوله: [ (فو الله! إن الرجل ليأته وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه لما يبعث به من الشبهات) ].
يعني: يظن الإنسان أنه يسلم من فتنته، ولكن إذا رأى تلك الأمور المهولة الخارقة للعادة تغير عما كان عليه من اليقين، ووقع في الفتنة، وإذا ابتعد عنه ولم يتصل به ولم يقربه، فإن ذلك أسلم له.
ويستفاد من هذا الحديث الابتعاد عن أهل البدع ومجالستهم؛ لكونهم دجاجلة، وخوفاً من شبهاتهم، فالإنسان الذي ليس عنده بصيرة قد يتأثر بما عندهم من الفصاحة والبلاغة إلا من عصم الله، ولهذا فالابتعاد عنهم أمر مطلوب.
والحكمة من خروج الدجال أن يتبين الموفق من المخذول، ويتبين من هو قوي الإيمان ممن هو ضعيف الإيمان.
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا جرير ].
هو جرير بن عبد الحميد مر ذكره.
[ حدثنا حميد بن هلال ].
حميد بن هلال ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الدهماء ].
وهو قرفة العدوي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن عمران بن حصين ].
عمران بن حصين رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قال أبو داود : عمرو بن الأسود ولي القضاء ].
قوله: [ (إني حدثتكم عن الدجال حتى خشيت ألا تعقلوا) ]. يعني: أنه أكثر من ذكره حتى خشي ألا يعوا كل الكلام الذي قاله لهم لكثرته، ثم إنه بين شيئاً من أخباره ومن صفاته في هذا الحديث.
قوله: [ (إن مسيح الدجال رجل قصير) ].
هذا يدل على أنه رجل من بني آدم، وهو قصير ليس بالطويل، وهو مع قصره عظيم الخلقة كما في بعض الأحاديث.
قوله: [ (أفحج) ].
أي: أن هناك تباعداً بين رجليه عند المشي.
قوله: [ (جعد) ].
أي: أن شعره ليس بالسبط.
قوله: [ (أعور مطموس العين) ].
أي: أنه فاقد إحدى العينين.
قوله: [ (مطموس العين ليس بناتئة ولا جحراء) ].
أي: ليست بارزة ولا غائرة داخلة، وإنما هي بين ذلك.
قوله: [ (فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور) ].
يعني: أنه يدعي الألوهية فلا يفتنن أحداً بدعواه وبدجله وكذبه وتمويهه، والدليل على كذبه موجود في وجهه، وهو أنه أعور، وهذا نقص، ولو كان إلهاً لكمّل نفسه ولم يكن فيه هذا العيب والخلل.
حيوة بن شريح الحمصي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ حدثنا بقية ].
هو بقية بن الوليد ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثني بحير ].
هو بحير بن سعد وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن.
[ عن خالد بن معدان ].
خالد بن معدان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن الأسود ].
عمرو بن الأسود ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ عن جنادة بن أبي أمية ].
مختلف في صحبته، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبادة بن الصامت ].
صحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ قال أبو داود : عمرو بن الأسود ولي القضاء ].
هذا بيان شيء من أخبار هذا الرجل الذي في الإسناد، وهو أنه ولي القضاء.
أورد أبو داود حديث النواس بن سمعان رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن يخرج الدجال وأنا فيكم فأنا حجيجه)، وهذا كان في أول الأمر، فإنه لم يكن يعلم الوقت الذي سيخرج فيه, وأنه آخر الزمان، فكان يحذر منه كما كان الأنبياء السابقون يحذرون منه أممهم، فلم يكونوا يعلمون متى خروجه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أُخبر بعد ذلك بأنه سيخرج في آخر الزمان، وأخبر عما سيكون بعده وما سيكون قبله في آخر الزمان.
قوله: [ (وإن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه) ] أي: هو الذي يدافع عن نفسه، وهو الذي يسعى لإنقاذ نفسه.
قوله: [ (والله تعالى خليفتي على كل مسلم) أي: أنه يدعو الله أن يحفظهم ويرعاهم ويكلؤهم.
قوله: [ (فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف؛ فإنها جواركم من فتنته) ].
يعني: أمان لكم من فتنته، ومعلوم أن الإنسان إذا صار في جوار فلان فإنه يأمن بجواره من أن يعتدي عليه أحد؛ لأنه نزل في جوار فلان، فيكون آمناً بسبب هذا الجوار، فلا يعتدي عليه أحد، فالمعنى من قرأ عليه فواتح سورة الكهف فإنها أمان من فتنته، أي: جوار من فتنته، قيل: ولعل ذلك لأن سورة الكهف فيها قصة أصحاب الكهف، وما أخبر الله عز وجل عنهم من تلك الأمور الخارقة للعادة، وأنهم مكثوا نياماً ولم تتغير أجسادهم ثلاثمائة وتسع سنين، والله تعالى على كل شيء قدير، فالإنسان إذا قرأ هذه القصة وتذكر معانيها يعرف حقيقة تلك الأمور التي تكون معه، ويسلم من فتنته بإذن الله.
قوله: [ (قلنا: وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً) ].
يعني: مدة بقائه في الأرض بعد خروجه أربعون يوماً، قال: (يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة) أي: والباقي وهي سبعة وثلاثون يوماً كأيامنا، وهذه أيضاً من الأمور الخارقة التي تكون في ذلك الزمان، فالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم سألوا عن الصلاة: كيف نصلي؟ وهل يكفينا خمس صلوات في اليوم والليلة في هذا اليوم الذي طوله سنه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (اقدروا له) يعني: صلوا الصلوات الخمس على الهيئة التي كنتم تصلون، بمعنى أنكم تصلون الفجر، ثم تقدرون مدة ما كنتم تصلون الظهر، وهكذا، فتكون هذه السنة بعدد الأيام إلا أنها بمثابة يوم واحد، فالشمس موجودة، والناس يشاهدونها، وتمكث سنة كاملة لا تغرب، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى أن يحصل منهم التقدير ليعرفوا مقدار ما بين كل صلاتين، فإذا صلوا الصلاة ينتظرون حتى يمضي مدة ما بينها وبين التي تليها ثم يصلونها، وهكذا حتى يمضي هذا اليوم الذي مقداره سنة، ومثله اليوم الذي كشهر، ومثله اليوم الذي كجمعة، فكلها على نفس التقدير، ويعمل مثل هذا أي إنسان محبوس في مكان لا يعرف فيه ليلاً ولا نهاراً، ولا يعرف شمساً ولا قمراً، فإنه يقيم صلاته بالتقدير على هذه الطريقة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك بعض الأماكن التي تكون الشمس فيها موجودة مدة طويلة من الزمان، فإنهم يعملون ما جاء في حديث الدجال.
قوله: [ (ثم ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيدركه عند باب لد فيقتله) ]، وهذا يدل على أن خروج الدجال قبل نزول عيسى، والمنارة البيضاء شرقي دمشق هو المكان الذي ينزل فيه عيسى من السماء، وكانت هذه المنارة موجودة منذ أزمان متباعدة، ولكن لا يعني هذا أن المنارة التي هي موجودة الآن هي التي سينزل عندها، بل قد تذهب هذه المنارة وتبنى منارة أخرى، فالله تعالى أعلم بما يكون في المستقبل، وهذه المنارة لا بد أن تكون موجودة، وإذا كانت غير موجودة الآن فلابد وأن توجد كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بد أنها بيضاء وليس لها لون آخر، وإنما تكون بيضاء على هذا الوصف الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي في شرقي دمشق، فلا تكون في جهة أخرى من دمشق.
صفوان بن صالح الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير.
[ حدثنا الوليد ].
الوليد بن مسلم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا ابن جابر ].
عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني يحيى بن جابر الطائي ].
ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ].
عبد الرحمن بن جبير بن نفير وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن النواس بن سمعان الكلابي ].
النواس بن سمعان رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
ذكر المصنف حديث النواس بن سمعان في خروج الدجال ثم أورد بعده حديث أبي أمامة وقال: إنه بمعناه، أي: بمعنى حديث النواس بن سمعان، وقال فيه: وذكر الصلوات مثل معناه، أي: أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم سألوا عن الصلوات في تلك الأيام التي فيها يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وكيف يصلون؟ فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقدروا للصلوات بحيث يصلون الفجر ثم يمكثون مقدار المدة التي بين الفجر وبين الظهر ثم يصلون الظهر، ثم يحسبون المدة التي بين الظهر والعصر ثم يصلون العصر، ثم يحسبون المدة التي بين العصر والمغرب ثم يصلون المغرب، ثم يحسبون المدة التي بين المغرب والعشاء ثم يصلون العشاء، ثم يحسبون المدة التي بين العشاء إلى طلوع الفجر .. وهكذا، ففي ذلك اليوم الذي هو كسنة يصلي الناس على هذا التقدير، وليس المراد أن يصلوا خمس صلوات في ذلك اليوم الذي يعادل سنة.
وسؤال الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم عن ذلك يدل على حرصهم على معرفة الأحكام الشرعية، وسؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم عما يشكل عليهم، وما يحتاجون إليه، ويدل أيضاً على عظيم شأن الصلاة عندهم وحرصهم عليها واهتمامهم بها، فهم رضي الله عنهم وأرضاهم السباقون والحريصون على كل خير، وهم أفضل من مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه وبركاته على رسله، ورضي الله عن الصحابة أجمعين.
هو عيسى بن محمد الرملي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا ضمرة ].
هو ضمرة بن ربيعة، وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن.
[ عن السيباني ].
وهو يحيى بن أبي عمرو، ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن.
[ عن عمرو بن عبد الله ].
عمرو بن عبد الله مقبول، أخرج له أبو داود .
[ عن أبي أمامة ].
هو صدي بن عجلان الباهلي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قال أبو داود : وكذا قال هشام الدستوائي عن قتادة إلا أنه قال: (من حفظ من خواتيم سورة الكهف)، وقال شعبة عن قتادة : (من آخر الكهف) ].
أورد أبو داود حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من الدجال). والحديث الذي مر فيه أنه يقرأ عليه فواتح سورة الكهف، ومعلوم أن الإنسان الحافظ يتمكن من القراءة حيث شاء ومتى أراد، بخلاف الذي لا يحفظ فإنه لا يتيسر له ذلك إلا أن يكون المصحف أمامه يقرأ فيه، وأما إذا كان الإنسان حافظاً فهو في أي وقت وفي أي حال يستطيع أن يقرأ القرآن، سواءً كان نائماً أو قائماً أو جالساً، وسواءً كان في ظلام أو في نور؛ لأنه حافظ للقرآن في صدره، فذكر الحفظ والقراءة، ومعلوم أن الحفظ يكون به التمكن من حصول القراءة متى شاء الإنسان ومتى أراد.
إذاً: فالمراد من حفظها وقرأها، وقد مر أن من وجده أو أدركه فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، فإن ذلك جوار له، أي: أمان له من فتنة الدجال، كما سبق أن مر الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في بعض الروايات أنه يقرأ خواتيم سورة الكهف، ولكن الروايات التي في الفواتح أكثر وأصح، ومنها حديث النواس بن سمعان الذي مر قبل حديث أبي الدرداء .
الأول لفظه: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف)، والآخر: (من حفظ من خواتيم)، والأول هو أرجح.
حفص بن عمر ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا همام ].
هو همام بن يحيى العوذي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا قتادة ].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سالم بن أبي الجعد ].
سالم بن أبي الجعد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن معدان بن أبي طلحة ].
معدان بن أبي طلحة ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي الدرداء ].
هو عويمر رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ قال أبو داود : وكذا قال هشام الدستوائي عن قتادة إلا أنه قال: (من حفظ من خواتيم سورة الكهف) ].
هشام بن أبي عبد الله ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وقال شعبة عن قتادة : (من آخر الكهف) ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
بينما نجد هنا عند أبي داود قال: وكذا قال هشام الدستوائي عن قتادة إلا أنه قال: (من حفظ من خواتيم سورة الكهف) .
فـهشام الدستوائي وهمام كلاهما اتفقا في إسناد هذا الحديث عن قتادة عن أبي الدرداء ، لكن اختلفا في متن الحديث، فقال همام في روايته: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف)، وقال هشام : (من حفظ من خواتيم سورة الكهف)، وتابع هشاماً شعبة فقال: عن قتادة من آخر الكهف، هذا هو معنى كلام المؤلف، وهو مخالف لما في صحيح مسلم ، فإن مسلماً أخرجه في فضائل القرآن بقوله: حدثنا محمد بن المثنى أخبرنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد الغطفاني عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي الدرداء أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال) .
وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: أخبرنا محمد بن جعفر قال: أخبرنا شعبة ح وحدثنا زهير بن حرب أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي أخبرنا همام جميعاً عن قتادة بهذا الإسناد، قال شعبة : من آخر الكهف، وقال همام : من أول الكهف كما قال هشام ، فرواية مسلم هذه تنادي أن هماماً وهشاماً كليهما متفقان في الإسناد والمتن، وقالا: (عشر آيات من أول الكهف)، وأما شعبة فقال: من آخر الكهف.
وأما برواية الترمذي في فضائل القرآن فقال محمد بن جعفر : أخبرنا شعبة عن قتادة بإسناده: (من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف).
وقال المزي في الأطراف: وأخرج النسائي -أي: في السنن الكبرى- في فضائل القرآن، وفي (عمل اليوم والليلة) عن عمرو بن علي عن غندر عن شعبة بإسناده وقال: (من قرأ عشر آيات من الكهف)، وقال في (عمل اليوم والليلة): (العشر الأواخر) .
فعلى كل الذي جاء عن هشام في صحيح مسلم هو كراوية الأكثرين الذين رووا في فواتح سورة الكهف، فهذه الرواية التي ذكرها أبو داود إما أن يكون فيها وهم، أو أنها رواية مرجوحة.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (ليس بينه وبينه نبي)، يعني: بينه وبين عيسى بن مريم نبي، فنبينا عليه الصلاة والسلام هو الذي يلي عيسى، وليس بينه وبينه نبي، وقد رفع إلى السماء وسينزل في آخر الزمان كما صحت بذلك الأحاديث، ويحكم بشريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ولا يحكم بالإنجيل الذي أنزل عليه؛ لأن الشرائع كلها نسخت برسالته عليه الصلاة والسلام، وختمت بشريعته، فليس لها اعتبار ولا عليها عمل، فالعمل كله يكون بما جاء في شريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وعيسى إذا نزل في آخر الزمان فإنه ينزل متبعاً لنبينا عليه الصلاة والسلام، حاكماً بشريعته، فهو لا ينزل فيحكم بشرع غير شرع نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فهذا لا ينافي أن نبينا هو آخر الأنبياء؛ لأن نزول عيسى ليس مبعوثاً ولا نازلاً بشريعة جديدة، وإنما حاكماً بشريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
قوله: [ (ليس بيني وبينه نبي -يعني: عيسى- وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه) ].
قوله: (وإنه نازل) يعني: من السماء في آخر الزمان، (فإذا رأيتموه فاعرفوه)، يعني: بهذه الأوصاف التي بينها الرسول عليه الصلاة والسلام.
قوله: [ (رجل مربوع إلى الحمرة والبياض) ].
يعني: ربعة من الرجال، فليس بالطويل ولا بالقصير، أي: أنه كنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فوصفه أنه ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وإنما هو ربعة من الرجال، فكذلك عيسى عليه الصلاة والسلام مربوع ليس بالطويل ولا بالقصير.
قوله: [ (إلى الحمرة والبياض) ].
يعني: أن لونه بياض مشرب بحمرة.
قوله: [ (بين ممصرتين) ].
يعني: ثياباً صفراً ليست صفرتها شديدة.
قوله: [ (كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل) ].
يعني: يكاد يقطر بدون بلل؛ وذلك لنظافته ووضاءته عليه الصلاة والسلام.
قوله: [ (فيقاتل الناس على الإسلام) ].
أي: لا يقبل منهم إلا الإسلام، فلا يقبل الجزية، ولهذا فإنه يضع الجزية كما جاء في بعض الأحاديث ولا يقبلها، ولا يقبل إلا الإسلام.
قوله: [ (فيدق الصليب) ].
أي: يكسره.
قوله: [ (ويقتل الخنزير، ويضع الجزية) ].
أي: فلا يقبلها من أحد، ولا يقبل إلا الإسلام.
قوله: [ (ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام) ].
وليس معنى ذلك أن الكفر قد انتهى من الأرض، وأن الكفار قد هلكوا، لا بل الكفار موجودون، ولهذا من آمن عند طلوع الشمس من مغربها فلا ينفعه إيمانه، وهذا يعني أن الكفار موجودون، ولكن معنى ذلك أن الغلبة والعزة والقوة ستكون للإسلام، وأما أولئك فمقهورون مغلوبون، وليس معنى ذلك أن الأرض قد خلت من كل كافر وأنه لم يبق إلا الإسلام، فالهلاك ليس هلاك للأبدان، ولكن المقصود به القضاء على سلطة الكفر وقدرته وولايته، فتكون الولاية والقدرة لأهل الإسلام، ويكون الكفار مغمورين، ولهذا جاء في الأحاديث أنه إذا طلعت الشمس من مغربها لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، وكذلك كما هو معلوم أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس الذين لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، ولا يقال فيهم: الله، وأما المسلمون فينتهون قبل ذلك بخروج الريح اللينة التي تقبض روح كل مسلم ومسلمة، ولا يبقى إلا شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة، (ويهلك الله الملل كلها إلا الإسلام).
قوله: [ (ويهلك المسيح الدجال) ].
أي: يقتله ويقضي عليه، فيتولى مسيح الهداية عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام بنفسه قتل مسيح الضلالة الدجال.
قوله: [ (فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون) ].
أي: أنه رفع إلى السماء فهو حي، ثم ينزل ويبقى تلك المدة، ثم يموت ويصلي عليه المسلمون صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
هدبة بن خالد ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود ، والبخاري يذكره بلفظ هدبة، وكذلك أبو داود ذكره بلفظ هدبة، وأما مسلم فيذكره أحياناً بقوله: هدبة وأحياناً بقوله: هدّاب، وقد قيل: إن هدبة اسم، وهداب لقب، ومعنى هذا أن هذا اللقب هو من الألقاب التي تكون منحوته من الأسماء، فـمسلم يذكره أحياناً هداب ، وأحياناً يقول له: هدبة ، وأما البخاري فكان لا يذكره إلا بلفظ هدبة ، وكذلك أبو داود.
[ حدثنا همام بن يحيى ].
هو همام بن يحيى العوذي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة عن عبد الرحمن بن آدم ].
قتادة مر ذكره، وعبد الرحمن بن آدم صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود ، وقيل: إن آدم ليس أباه، وأنه لا يعرف له أب، وإنما ينسب إلى آدم أبي البشر.
قال في (عون المعبود): قال الدارقطني : عبد الرحمن بن آدم إنما نسب إلى آدم أبي البشر، ولم يكن له أب يعرف، انتهى كلام المنذري مختصراً ].
وقال الحافظ في التقريب: عبد الرحمن بن آدم البصري صاحب السقاية، صدوق، وقال في (فتح الباري): إسناده صحيح.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً.
وهذا فيه نظر، أعني أن عمره كان ثلاثاً وثلاثين؛ لأن المعروف أن الأنبياء يبعثون لأربعين سنة.
فالأحاديث فيه كثيرة ومتواترة، وهذا الرجل وهو محمد فريد وجدي أنكر في كتابه: (دائرة معارف القرن العشرين) هذه الأحاديث وقال: إنها كلها موضوعة ملفقة مكذوبة، وهي في الصحيحين ورجالها ثقات ليس فيهم ضعيف فضلاً عن أن يكون فيهم كذاب أو وضاع، والآن سنقرأ ما كتبته رداً عليه؛ لأنه ذكر أربع شبه في رد أحاديث الدجال وأنها موضوعة ومختلقة، وكلها شبه عقلية، وقد رددت عليه فيها استطراداً في الكلام على المهدي.
قلت: تقليده للكاتب محمد فريد وجدي في إنكار خروج المهدي ، ومناقشة مقلده فيما هو أخطر من ذلك وهو: زعمه أن كل ما ورد في المسيح الدجال موضوع ملفق:
ذكر في صفحة عشرين أن محمد فريد وجدي صاحب (دائرة معارف القرن العشرين) ممن ضعف أحاديث المهدي ، ونقل كلامه في ذلك، وأحب أن يضيف الشيخ ابن محمود إلى معلوماته أن محمد فريد وجدي في كتابه المذكور في (8/788) اعتبر جميع الأحاديث الواردة في الدجال موضوعة، بناءً على شبه عقلية، وأكثر أحاديث الدجال في الصحيحين للبخاري و مسلم كما هو معلوم.
ومادام أن أحاديث الدجال على كثرتها في الصحيحين وفي غيرهما حظها من محمد فريد وجدي أن يبطلها بجرة قلم، ويحكم عليها جميعها بأنها موضوعة ملفقة، فمن باب أولى إبطال أحاديث المهدي؛ لأنها دونها في الكثرة والصحة، وقد يكون من المناسب هنا أن أناقش بإيجاز محمد فريد وجدي في شبهه العقلية الأربع التي اعتمد عليها في توهين أحاديث الدجال، وقال عنها: إنها لا تقبل المناقشة.
الشبهة الأولى: أن ما ورد بشأن الدجال أشبه بالأساطير الباطلة، فإن رجلاً يمشي على رجليه يطوف البلاد، يدعو الناس لعبادته، ويكون معه جنة ونار يلقي فيهما من يشاء، كل هذا من الأمور التي لا يستسيغها العقل، والنبي أجل من أن يأتي بشيء تنقضه بداهة النظر، وإلا فما هي جنته؟ وما هي ناره التي تتبعانه حيث سار؟ وهل هما مرئيان أو خياليان؟... إلى آخره.
ويجاب عن هذه الشبهة: بأن ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أخبار الدجال يقبله العقل السليم ولا يرده، والعقل لا يتعارض مع النقل الصحيح، وإذا لم يحصل الاتفاق والتطابق بين العقل والنقل على أمر ما تعين اتهام العقل، كما ثبت في الصحيحين عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أنه قال: يا أيها الناس! اتهموا رأيكم على دينكم.
وكما جاء عن علي رضي الله عنه في سنن أبي داود -قال الحافظ في (الفتح): بسند حسن- أنه قال: لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من أعلاه.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى: العقول تتفاوت، فقد يقبل هذا ما لا يقبله هذا، وأحاديث الدجال الثابتة صدق بها الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وقبلتها عقولهم، وكذا التابعون لهم بإحسان، فالعقول التي لم تقبل ما قبلوه قد أصيبت بمرض لا شفاء لها منه إلا بالاعتصام بما جاء في الكتاب والسنة، والسير على ما درج عليه سلف الأمة.
ومن جهة ثالثة: هذه الأمور التي يأتي بها الدجال هي من جملة فتنته التي هي أعظم فتنة في الحياة الدنيا، وهي تحصل منه بإذن الله ابتلاءً وامتحاناً للعباد في ذلك الزمان، وهي غير مستحيلة عقلاً، وأما كونها على خلاف ما هو معتاد ومألوف فنعم، ومن أجل هذا صارت فتنة، ومن عرف أن الله على كل شيء قدير، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم -وهو الصادق المصدوق- الذي لا ينطق عن الهوى أخبر عن الدجال بهذه الأخبار التي منها: طوافه البلاد ودخولها ما عدا مكة والمدينة، ومعه جنة ونار، أقول: من عرف كمال قدرة الله وإخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذه الأمور لم يتردد في التصديق بذلك، وأنه سيقع وفقاً لما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
الشبهة الثانية: قوله كيف يعقل أن رجلاً أعور مكتوب على جبهته كافر يقرؤها الكاتب والأمي على السواء، يقوم بين الناس فيدعوهم لعبادته، فتروج له دعوة، أو تسمع له كلمة، أي إنسان يبلغ به الانحطاط العقلي إلى درجة يعتقد فيه بالألوهية؟! رجل مشوه الخلقة، مكتوب في وجهه كافر بالأحرف العريضة، وأي جيل من أجيال الناس تروج فيهم مثل هذه الدعوة.. إلى آخره.
أقول: هذه إحدى شبهه التي اعتمد عليها في رد النصوص الصحيحة، ولا أدري كيف فات على هذا المسكين أن الأبصار لا تغني شيئاً إذا عميت البصائر، فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46]، وكيف ينكر النصوص المتواترة لأنه عقله استبعد أن تروج دعوة الدجال ويقبل قوله: وقد كتب على وجهه كافر يقرؤها الكاتب والأمي، مع وجود المثال المحسوس فيما نشاهد ونعاني في هذا العصر الذي نعيش فيه، فأكثر البلاد التي تنتمي إلى الإسلام لا تحكم بشريعة الإسلام، مع أن آيات القرآن ينادى بها بأعلى الأصوات، ومنها قول الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]. وقوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]. وقوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47]. وقوله: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وقوله تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].
إلى غير ذلك من الآيات، فإن الذين تروج عليهم دعوة الدجال في آخر الزمان فيتبعونه لعمى بصائرهم، مع أنه مكتوب على وجهه كافر يقرؤها الكاتب والأمي، هم من جنس الذين عميت بصائرهم في عصرنا، فلم يحكموا شريعة الإسلام مع قراءتهم القرآن، وفيه مثل هذه الآيات، وسماعهم لها في الإذاعات، وما أشبه الليلة بالبارحة، والله المستعان!
الشبهة الثالثة: قوله: لماذا لم يذكر القرآن عن هذا المسيح الدجال شيئاً مع خطورة أمره، وعظم فتنته كما تدل عليه الأحاديث الموضوعة؟ فهل يعقل أن القرآن يذكر ظهور دابة الأرض، ولا يذكر ظهور ذلك الدجال الذي معه جنة ونار، ويفتتن به الناس؟
والجواب عن هذه الشبهة: أن الله تعالى قال في كتابه العزيز: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]. وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) يعني: السنة، والسنة والقرآن متلازمان لا يفترقان، ومن لم يؤمن بالسنة لم يؤمن بالقرآن، ومن زعم فصل السنة عن القرآن يقال له كما جاء عن بعض السلف: أين وجدت في القرآن أعداد الصلوات، وأعداد ركعاتها، وكيفيتها وغير ذلك مما لا يعرف توضيحه وبيانه إلا في السنة التي هي شقيقة القرآن، والموضحة والمبينة له؟
ولم تعدم السنة منذ أزمان من أعداء لها هم في الحقيقة أعداء للقرآن، يشككون فيها، ويحاولون فصلها عن القرآن، وقد هيأ الله من العلماء من يذب عنها، ويدحض شبه أعدائها، ومنهم الحافظ السيوطي رحمه الله، فقد ألف رسالة لطيفة سماها: (مفتاح الجنة بالاحتجاج بالسنة)، افتتحها بعد حمد الله بقوله: اعلموا يرحمكم الله أن من العلم كهيئة الدواء، ومن الآراء كهيئة الخلاء، لا تذكر إلا عند داعية الضرورة، وإن مما فاح ريحه في هذا الزمان وكان دارساً بحمد الله منذ أزمان وهو أن قائلاً رافضياً زنديقاً أكثر في كلامه: أن السنة النبوية والأحاديث المروية -زادها الله علواً وشرفاً- لا يحتج بها، وأن الحجة في القرآن خاصة.. إلى أن قال: فاعلموا -رحمكم الله- أن من أنكر كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول حجة كفر وخرج عن دائرة الإسلام، وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة.
روى الإمام الشافعي رضي الله عنه يوماً حديثاً وقال: إنه صحيح، فقال له قائل: أتقول به يا أبا عبد الله ؟ فاضطرب وقال: يا هذا! أرأيتني نصرانياً؟ أرأيتني خارجاً من كنيسة؟ أرأيت في وسطي زناراً، أروي حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول به؟! ورسالة السيوطي هذه رسالة عظيمة مفيدة.
الشبهة الرابعة: قوله: إن كون هذه الأحاديث موضوعة يعرف بالحس من الحديث الطويل الذي نسب إلى النواس بن سمعان ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الحديث الذي ينبئ أن الدجال يخرج من خلة بين الشام والعراق، ويعمل الأعاجيب، ثم يدركه عيسى فيقتله، ثم يؤمر عيسى بأن يعتصم بالطور هرباً من قوم لا قدرة عليهم وهم يأجوج ومأجوج.. إلى أن قال: فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض، فلنقتل من في السماء، فيرمون نشابهم إلى السماء، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دماً.
إلى أن قال: إن تنظر إلى تركيب هذه القصة نظر منتقد لا يخطر ببالك شك في أنها موضوعة، وقد وضعها واضع لا يفرق بين الممكن والمستحيل، وبين سنن الله، وما تولده الخيالات من الأباطيل، ولكن الدليل الحسي على بطلان هذا الحديث أن واضعه لقصر نظره خُيِّل له أن أسلحة الناس لا تزال القسي والسهام والنشاب والجعاب حتى تقوم الساعة، ولم يدرك أنه لن يمر على وضع هذا الحديث معه سبعة قرون حتى يوجد البارود، والبندق، ولم تمر ستة قرون أخرى حتى لم يكن للقوس والنشاب ذكر، وقام مقامه مدافع الماكسيم وقنابل اليد، والشربيل، والأدخنة السامة، والغازات الملتهبة والديناميت الذي يتساقط من الطائرات.. إلى آخره.
وحديث النواس بن سمعان الذي زعم أنه موضوع أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وهو واحد من أحاديث الدجال المتواترة التي اعتبرها محمد فريد وجدي موضوعة، وشبهته التي اعتبرها دليلاً حسياً على وضع هذا الحديث: كون يأجوج ومأجوج يستعملون النشاب، وهو سلاح قديم، وقد جاءت بعده الأسلحة الفتاكة التي عدد بعض أنواعها، ويجاب عن شبهته هذه:
أن هذا السلاح الذي ورد ذكره في الحديث هو الذي سوف يستعمل حتماً من قبل يأجوج ومأجوج إذا خرجوا في آخر الزمان، وأما الحضارة المادية، والأسلحة الفتاكة التي وجدت في هذا العصر فليس بقاء نوعها حتى نهاية الزمان محققاً، فقد يبقى نوعها حتى ذلك الزمان، وقد تنتهي قبل ذلك، والله تعالى أعلم بالذي سيكون من بقائها أو انتهائها واحتمال انتهائها أقرب؛ لأن الأحاديث الصحيحة وردت في استعمال الخيل، والرماح، والسيوف، والحراب في آخر الزمان، مع أن النفوس البشرية جبلت على تفضيل المركوبات المريحة، واستعمال السلاح الأنكى في الحرب، فقد يكون استعمال هذه الأسلحة العادية لعدم وجود الأسلحة الفتاكة، ولا أدري كيف تجرأ هذا المسكين على رد هذا الحديث وزعم أنه موضوع من أجل أنه ذكر فيه سلاح قديم، فإن هذا السلاح هو المحقق الوجود في ذلك الوقت لإخبار الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم بذلك في هذا الحديث الصحيح.
وأما أسلحة هذا الزمان ومركوباته فإن وجودها في آخر الزمان غير محقق، وإنما هو محتمل ومن قرائن احتمال عدم بقائها ما نسمعه في الإذاعات من الذعر والتخوف من نفاد النفط، وتنافس الدول الصناعية في البحث عن مصادر لما أسموه بالطاقة، ليحرك بها الحديد بدلاً من البترول، حتى لا تكون هذه الحضارة المادية ركاماً من الحديد البارد، ويحضرني هنا كلمة لطيفة سمعتها من رجل قال: هذه الحمر السائبة التي تعترض طرق السيارات، وتسبب الحوادث، لو توقف البترول، لتشاح الناس عليها، وتنافسوا في اقتنائها، وشغلوا المحاكم باستخراج صكوك في تملكها والتخاصم عليها، وقد يقول قائلهم: إنني قد ورثت هذا عن أبي عن جدي.
ومعذرة للقارئ في هذا الاستطراد الذي لا يخلو من فائدة إن شاء الله في مناقشة محمد فريد وجدي في شبهه الواهية التي اعتمد عليها في إنكار أحاديث الدجال، وزعمه أنها موضوعة، ومثل هذه الشبه التي أودعها في كتابه: (دائرة معارف القرن العشرين) هي في الحقيقة من جاهلية القرن العشرين.
هذا هو ما يتعلق بإنكاره لأحاديث الدجال على كثرتها وتواترها، وإنكاره مبنياً على هذه الشبه الأربع التي أشار إليها، والتي أجبت عليها في هذه الأجوبة، ولا شك أن العقول والانسياق وراء العقول مع احترام النقول، وأنه عند وجود تعارض العقل والنقل يتهم النقل ولا يتهم العقل، لا شك أن هذا من الخذلان للإنسان؛ لأنه بذلك يتجرأ إلى إنكار الأحاديث الثابتة المتواترة، ويعول على شبه هي في الحقيقة واهية ولا قيمة لها، والحاصل أن محمد فريد وجدي الذي استدل به عبد الله بن محمود رحمه الله على أنه ممن أنكر أحاديث المهدي قد أنكر ما هو أعظم منها وهو هذه الأحاديث، وهذا الإنكار كله مبني على العقل وعلى سوء الفهم، وليس مبنياً على نصوص واضحة تدل على ذلك.
بل إن النصوص المتواترة في إثبات الدجال هي على خلاف هذه المقولة الباطلة، ومن ينكر أحاديث الدجال فإن إنكاره لأحاديث المهدي من باب أولى، وأذكر أنني عندما كتبت هذه الكتابة كتب إلي أحد الناس كتاباً يطلب مني إعادة النظر فيما كتبت، وأن أحاديث المهدي لا تصح، فيطلب مني أن أعيد النظر فيها، وقال: إنها ليست في الصحيحين، وإنما هي خارج الصحيحين.
لكن الذنب يكسب الذنب، والفتنة تجر إلى الفتنة، والله تعالى يقول: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5]، فإن الزيغ ينتج عنه الزيغ، فهذا الذي كلمني في أحاديث المهدي واتصل بي هاتفياً وأخذ مدة يناقشني ويقول: إن الذي يقول بثبوت أحاديث المهدي نظره ما يتجاوز أنفه، يعني: لا ينظر بعيداً، فهذا الرجل كتب لي كتاباً بعد ذلك ينكر أحاديث الدجال، وأحاديث نزول عيسى بن مريم، ويتهكم بها تهكماً شنيعاً والعياذ بالله! وهكذا الإنسان إذا أرخى لنفسه العنان، وأقدم على تقديم العقول وتحكيمها، واتهام النقول وعدم اعتبارها أمام العقول، فكون الحديث في غير الصحيحين مادام أن الأمر مبني على العقل فلا فرق بين الصحيحين وغير الصحيحين، ولهذا فهذا الذي كان كلامه في أحاديث المهدي بأنها ليست في الصحيحين فأمره هذا يؤدي إلى أن ينكر ما في الصحيحين، وأن يتهكم على الصحيحين بكلام في غاية القبح والسوء، يقول: كيف تصف الأحاديث الدجال أنه رجل أعور، والدجالون لهم عينان سليمتان يعني: كل واحد له عينان سليمتان، ثم يتكلم في عيسى وقتله الخنزير يقول: كأنه وزير شئون البلدية والعياذ بالله، فالذنب يجر إلى الذنب، والزيغ ينتج الزيغ .. وهكذا، فالإنسان إذا لم يلتزم بنصوص الوحي من الكتاب والسنة التي فيها العصمة فلا شك أنه سيحيد، ولا شك أنه سيقع في متاهات ويضيع، نسأل الله السلامة والعافية.
ومحمد فريد وجدي كان موجوداً في هذا القرن الماضي، وكتابه اسمه (دائرة معارف القرن العشرين)، والمراد بالقرن العشرين القرن الإفرنجي الذي مضى، وهو قد توفي لكن كتابه موجود ومشهور.
وهذا الكتاب فيه فوائد فيما يتعلق بمعلومات أخرى، لكنه فيه بلاء، وهذا من جملة بلائه.
الجواب: نعم، هذا من الأمور الدالة على عنايتهم بالصلاة وبأمور الدين، وتفقههم في دين الله عز وجل، فهم لما رأوا هذا الأمر غريباً خارجاً عما اعتادوه، وكانت الصلاة من أعظم ما يهتمون به سألوا هل يصلون فيه خمس صلوات على اعتبار أنه يوم واحد وإن كان مقداره سنة، أو عليهم شيء آخر؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم بين لهم أنهم يقدرون الصلاة بمقدار اليوم والليلة التي يعرفونها بحيث يكون ذلك اليوم مقسماً على أوقات الصلوات في أيام السنة.
الجواب: المعنى أنه يقرؤها في ذلك الحال، وليس المعنى أنه ينفث عليه ويرقيه، فعلى الإنسان أن يحفظها؛ لأنه إذا كان غير حافظ لها فقد لا يكون معه مصحف يقرأ فيه، فإذا كان حافظاً تمكن من قراءتها.
الجواب: إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن وجود منارة لا يستدل به على مشروعيتها، وقد مر بنا عند أبي داود باب الأذان على المنارة، وأتى بالحديث الذي فيه أنه كان يرقى المؤذن على أعلى البيوت عند المسجد، فاستدل به على المنارة، لكن هذا الإخبار بهذا الأمر الذي سيقع لا يدل على مشروعيتها.
الجواب: هي في الذين يحضرونه ويتنافسون عليه لأخذه، فيهلك منهم تسعة وتسعون وينجو واحد.
الجواب: لما فيه من الهلاك فلا يجوز للإنسان أن يعرض نفسه للهلاك بسبب الحرص على الدنيا، فما دام أن نسبة الهلاك 99% فالهلاك محقق، ولا نجاة إلا لواحد في المائة، وهي نسبة يسيرة جداً.
الجواب: كل من صدقه يكون كافراً، ولا شك أن الكفار مخلدون في النار، لكن بعض الذين يتبعونه قد يكونون مسلمين ولكنهم يفتنون به، فمثل هؤلاء لا يصلون إلى حد الكفر؛ ولهذا أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن من أدركه فليعمد إلى النار التي معه فإنه سيجدها ماء، ولا يعمد إلى الماء الذي معه فسيجده ناراً، وهذا يشعر بأن بعض المسلمين قد يكونون معه، فأرشدهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الأخذ بالشيء الذي باطنه خير وإن كان ظاهره شراً، وهذا يدل على أنه ليس كل من يكون عند الدجال يكون كافراً؛ لأنه أرشد إلى أن من وجد كذا فليأخذ كذا وليترك كذا، وهذا ليس خطاباً للكفار، وأما من صدقة وقال: إنه إله فلا شك أنه كافر.
الجواب: لا تفسر بالناتئة؛ لأن هذا يخالف ما جاء في هذا الحديث، لكن تفسر بتفسير يطابق ما جاء في هذا الحديث، فيكون معنى طافية أنها منكمشة، ومعلوم أن العنبة إذا كانت على هيئتها ونضرتها فإنها تكون بارزة، وإذا كان فيها مرض أو اضمحلال وضمور فلا تكون على وجه حسن.
الجواب: أحاديث الدجال موجودة في الصحيحين، والمودودي عندما ذكر حديث المهدي قال: حديث المهدي لم يأت في الصحيحين كأحاديث الدجال، فهذا الكلام الذي ينقل عن أبي الأعلى المودودي ما أدري ما صحته، والرسول عليه الصلاة والسلام لم يعلم بالوقت الذي يخرج فيه الدجال، وقد جاء في بعض الروايات أنه قد يخرج وهو موجود؛ ولهذا قال: (إن يخرج وأنا فيكم)، ولذلك كان يظن أن ابن صياد هو الدجال، وبعد ذلك أطلعه الله عز وجل بأنه يكون في آخر الزمان، وأنه يأتي قبله كذا، وبعده كذا، كما جاء ذلك مبيناً في الأحاديث الصحيحة، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قال بعض أحاديث الدجال قبل أن يعلم بوقته، كما أن الأنبياء من قبله -ومنهم نوح- حذروا من فتنة الدجال، وهم لا يعلمون الوقت الذي يخرج فيه، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر حذر منه قبل أن يعلم أن خروجه يكون في آخر الزمان، ولكنه بعد ذلك جاءت عنه نصوص صحيحة ثابتة تدل على أن خروجه في آخر الزمان، وأنه لن يخرج في زمانه عليه الصلاة والسلام، وكان قبل ذلك يظن أو يخشى أن يخرج في زمانه؛ ولهذا قال: (فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه) .
وإنكار أحاديث الدجال أمر خطير، فهي متواترة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكثير من الناس في هذا الزمان ينكرون أحاديث الدجال وهي في الصحيحين، ومنهم محمد فريد وجدي صاحب (دائرة معارف القرن العشرين)، فإنه في هذا الكتاب تكلم على أحاديث الدجال وقال: إنها كلها موضوعة مختلقة وليست بصحيحة! وأتى بكلام ساقط في هذا، وكذلك غيره من المفتونين الذين لم يوفقوا بالأخذ بما جاءت به النصوص عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وممن أنكرها محمد عبده وكذلك الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار، وقال: إن خروج الدجال رمز لظهور الباطل، ونزول عيسى وقتله الدجال رمز لانتصار الحق على الباطل! وهذا كلام باطل غير صحيح، والشيخ الهراس رحمة الله عليه كتب كتاباً في نزول عيسى عليه الصلاة والسلام، وكان كلامه موجهاً إلى الشيخ محمد رشيد رضا وما جاء في تفسيره المنار، وقال: إن الإنسان الذي يقول هذا مخاطر بدينه.
وهل معنى هذا أن الدجال يكون مستقراً في فلسطين، حيث إن باب لد في فلسطين؟ ليس هناك دليل يدل على هذا، ولكن تكون نهايته أو آخر أمره في ذلك المكان الذي يقتل فيه، وإلا فإنه يطوف في الدنيا، ويخرج من خلة بين الشام والعراق، ومعه سبعون ألفاً من يهود أصبهان عليهم الطيالسة، وهم أكثر أتباعه، ثم يأتي إلى المدينة فيمنع منها ولا يدخلها، وكما جاء في الحديث: (ترجف ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر وكافرة، وكل منافق ومنافقة)، وفي النهاية يكون في ذلك المكان الذي يقتل فيه.
الجواب: ابن محمود هو رئيس محاكم قطر، وقد توفي قبل عدة سنوات، وله كتابات كثيرة، ولكنه عنده شيء من الجنوح إلى كلام هؤلاء المتأخرين الذين يحكمون العقول ويتهمون النقول بسبب العقول، فكلامه فيه إنكار لأحاديث المهدي وكله مبني على كلام مثل محمد فريد وجدي ، ومثل أحمد أمين وغيرهم من الكتاب الذين يتكلمون عليها بعقولهم وليس بمقتضى النصوص، فيتهمون النقول ولا يتهمون العقول.
وقد كان في زمن الشيخ محمد بن إبراهيم، وكان قد كتب رسالة ذكر فيها أنه يجوز أن يرمي الرامي الجمرات قبل الزوال، وحصل بينه وبين الشيخ محمد إبراهيم مكاتبات، وأخيراً: ألف الشيخ محمد بن إبراهيم كتاباً سماه (تحذير الناسك مما أحدثه ابن محمود في المناسك).
الجواب: الذي ينبغي أن يكون ذلك بإذن ولي الأمر.
الجواب: من المعلوم أن النصارى والكفار يأكلون الخنزير، ويعبدون الصليب، فهو يكسر الصليب الذي يزعمون أنه رمز له، وأنه صلب عليه، وكذلك يقتل الخنزير الذي هو محرم في هذه الشريعة، وهو نجس.
الجواب: هذا في آخر الزمان، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أخبر بهذا، وهذا في نهاية الدنيا، فلا يقبل إلا الإسلام فقط.
الجواب: هذا مستثنى، فمسيح الهداية عليه السلام موجود في السماء، ومسيح الضلالة موجود في الأرض، فهذا مستثنى من هذا الحديث.
الجواب: الأموات -كما هو معلوم- ليس لهم علاقة بالفتنة التي تكون في الدنيا؛ لأنهم في قبورهم، ومن كان في قبورهم فهو إما في نعيم وإما في جحيم، فالأموات عندهم فتنة القبر والممات، وأما فتنة الدجال فهي من فتنة المحيا، ففتن المحيا عديدة ومنها فتنة الدجال، وفتنة الممات منها فتنة عذاب القبر، فالأموات لا علاقة لهم بفتنة الدجال، وإنما يكون ذلك على الذين هم موجودون في زمن الدجال، فمنهم من تصيبه فتنته، ومنهم من يسلم وهم الذين يبتعدون عنه ولا يلحقون به، كما جاء في الحديث: (من أدركه الدجال فلينأ عنه) أي: فليبتعد عنه، فإن الإنسان يحسب أنه مؤمن، فإذا رآه ورأى ما معه تغير وضعه وحاله كما جاء في الحديث الذي مر بنا.
الجواب: لا يصدق بكلام الدجالين لا من الإنس ولا من الجن.
الجواب: هذا الذي جاء في حديث الدجال من أن اليوم كسنة، لم يأت فيه شيء يتعلق بالتوبة وقبولها أو عدم قبولها، وإنما جاء ذلك عند خروج الشمس من مغربها، وهذا اليوم لا شك أنه من آيات الله، ولكن الشمس على مسارها تسير سيراً بطيئاً من المشرق إلى المغرب، وأما خروج الشمس من مغربها فإنها بدلاً من أن تأتي من المشرق تأتي من المغرب، وهذا الذي جاء فيه أن التوبة لا تقبل في ذلك الوقت، وأما وقت الدجال وأيامه الطويلة والقصيرة فإن التوبة مقبولة، ولم يغلق باب التوبة، وإنما يغلق عند خروج الشمس من مغربها كما جاء ذلك بالقرآن والسنة.
الجواب: لا شك أن هذا يدل على سفه الذين يعبدون غير الله عز وجل، سواءً عبدوا الدجال أو عبدوا الأوثان، لكن فريد وجدي كلامه على اعتبار أن هذا شخص يمشي يدعو إلى ألوهيته وهو نفسه فيه نقص موجود لا يستطيع أن يكمله، ومكتوب بين عينيه كافر يقرؤه الكاتب وغير الكاتب، ومعلوم أن الكفار يعبدون الأوثان والأحجار، لكن هو يقول: إن الناس الآن قد عندهم التقدم فكونه يروج عليهم شخص أعور يقول: إنه إلههم، ثم ينساقون له، أقول هذا بعيد! فهو ينكر كل ما يتعلق بالدجال، وأنه لا وجود له، وأنه خرافة، وأنها كلها أحاديث موضوعة لا قيمة لها، فهو يستبعد أن الناس يروج عليهم هذا الشيء، ولكن القضية كما هو معلوم أن البصائر إذا عميت عميت الأبصار معها.
الجواب: هذا يحتاج إلى ثبوت، وحتى لو حمل على هذا فلا يدل على أن هذا موجود ومستمر معه، فالأمر يحتاج إلى ثبوت هذا الكلام.
الجواب: يحمل هذا على ما كان قبل خرابها، فمجيء الناس إليها يكون قبل خرابها.
الجواب: نعم تصح، فإذا كان سيحصل تصويرهن أو خروج صورهن فلهن أن يغطين وجوههن مثلما يغطين وجوههن عند الرجال، وإذا كانت صورهن ستظهر وهن كاشفات فعليهن أن يتسترن.
الجواب: إذا كان معروفاً عنه أنه يستغيث بغير الله، ويدعو غير الله، ويذبح لأصحاب القبور، فهذا هو الشرك بالله عز وجل، وصاحب هذا اختلف فيه العلماء هل يحكم عليه بمجرد فعله أنه كافر، أو تقام عليه الحجة؟ والأظهر أنه تقام عليه الحجة، لكن من كان كذلك فلا ينبغي للإنسان أن يرثه، وعليه أن يتنزه من ميراثه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر