قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحد يشفع فيه.
حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني قال: حدثني ح وحدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة : (أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها؟ يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: ومن يجترئ إلا
أورد أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة وهي: [باب في الحد يشفع فيه].
يعني: حكم ذلك، وهو أنه لا يجوز إذا بلغ السلطان، وأما إذا كان لم يبلغ السلطان فإنه لا بأس بذلك، والمنع إنما هو فيما إذا بلغ السلطان، فإنه لا تجوز الشفاعة فيه.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها في قصة المخزومية، وأن قريشاً همهم شأنها؛ لأن بني مخزوم قبيلة مشهورة، ولها منزلة وشرف عند الناس، فهم أهمهم كون امرأة تسرق منهم، وهذا يدل على أن الإنسان إذا جنى وحصل منه شيء فإنه يؤثر على من ينسب إليه، وعلى من هو منه، وأن هذا يعتبر فيه نسبة إلى تلك القبيلة، ولهذا أهمهم شأن المخزومية، فقالوا: من يشفع لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: محبوبه، والحب: هو المحبوب، فكلمه أسامة في ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتشفع في حد من حدود الله؟!) وهذا استفهام إنكار، ثم قال: (إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) وهنا قوله: (الشريف) معنى هذا أن الشفاعة من أجل أنها شريفة، وأن قبيلتها لها شرف ومنزلة، ومن أجل ذلك أهمهم وطلبوا الشفاعة حتى لا يقام الحد ويكون في ذلك سبة على هذه القبيلة، ومعلوم أن الجاني لا تحمل وزره القبيلة قال تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، وأن من يكون لهم شرف أو منزلة فقد يحصل فيهم من يكون ساقطاً أو يكون عنده شيء من الخطأ أو الخلال، والمخزومية حصل منها هذه السرقة كما يحصل من سائر الناس، ولكن الذي أهمهم كونها شريفة، ولكن جناية الجاني لا تتعداه إلى غيره، وإن كان ذلك قد يؤثر على الناس من جهة أنهم لا يحبون أن ينسب إليهم من يكون سارقاً أو يكون فيه صفات ذميمة، وإن كان من الناس من قد يحصل منه ذلك ولو كان أهله من أحسن وأفضل وأشرف الناس.
قوله: [ (أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها يعني: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قالوا: ومن يجترئ إلا
إن الناس الذين يكون فيهم شرف، ولهم منزلة ومكانة قد يحصل من أحد منهم شيء من الأشياء التي قد يستصعبون نسبتها إليهم، وأنه قد يكون فيهم ساقط، لكن بالنسبة لهذه المرأة التي هي المخزومية لا يقال عنها: إنها ساقطة، ولكن نقول في الجملة: إن من الناس من يكون فيهم شرف وقد يحصل من أحدهم هذا الفعل، وأما بالنسبة للصحابة إذا حصل من أحدهم شيء وأقيم عليه الحد كان كفارة له، وكذلك غيرهم، ولكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يذموا ويعابوا وأن ينسب إليهم شيء لا يليق، ومن أقيم عليه الحد كان كفارة له، وقد حصل له الشرف بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم ولو حصل منه ذنب وأقيم عليه الحد فإنه يكون كفارة له، وإن لم يقم عليه الحد وستره الله عز وجل فإن أمره إلى الله سبحانه وتعالى، إن شاء عفا عنه وتجاوز، وإن شاء عذبه، وهذا في كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ ومن يجترئ ]، يعني: كونه يتقدم ليشفع إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة فأنكر عليه وقال: (أتشفع في حد من حدود الله؟!) ثم خطب الناس وبين لهم هذا الحكم، وأن الأمم السابقة كان من أسباب هلاكهم: (أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)، ثم ضرب مثلاً بابنته فاطمة التي هي سيدة نساء أهل الجنة رضي الله تعالى عنها وأرضاها وهي بضعة منه فقال: (لو أن
قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ].
يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ قال: حدثني ح وحدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي ].
قتيبة بن سعيد الثقفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
و(حدثنا) هنا عامل التحويل بين الإسنادين، والصيغة واحدة وهي صيغة التحديث إلا أن الفرق أن الأول أتى بضمير الإفراد، والثاني أتى بضمير الجمع، ففي الأول قال: حدثني، وفي الثاني قال: حدثنا، قالوا: والفرق بين التعبيرين أن الراوي إذا حدثه الشيخ وحده عبر بقول: حدثني، وإما إذا حدثه ومعه غيره عبر بحدثنا، يعني: هو وغيره، ولم يحدثه وحده، والفرق هنا ليس كالذي مر بين أخبرنا وحدثنا، وهذا كما ذكرت من دقة المحدثين وعنايتهم بذكر ألفاظ الرواة على هيئتها وكيفيتها سواء كان للفرق بين كلمتين كحدثنا وأخبرنا، أو للضمير، وإن كانت الكلمة واحدة وهي حدثنا وحدثني.
[ حدثنا الليث ].
هو الليث بن سعد المصري مر ذكره.
[ عن ابن شهاب ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عروة بن الزبير بن العوام ].
عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم ومحمد بن يحيى قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: (كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها) وقص نحو حديث الليث قال: (فقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها) ].
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وأنها كانت تستعير المتاع وتجحده، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بقطع يدها، والحديث الأول ذكر السرقة، ولعلها كانت جمعت بين الأمرين.
قوله: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم ].
هو عباس بن عبد العظيم العنبري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ ومحمد بن يحيى ].
هو محمد بن يحيى الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ قالا: حدثنا عبد الرزاق ].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا معمر ].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال أبو داود : روى ابن وهب هذا الحديث عن يونس عن الزهري وقال فيه كما قال الليث : إن امرأة سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ].
وهذا مثل الذي قبله إلا أن فيه ذكر السرقة، وأن ذلك في غزوة الفتح يعني: عام الفتح.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه الليث عن يونس عن ابن شهاب بإسناده فقال: استعارت امرأة ].
يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وروى مسعود بن الأسود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخبر قال: سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
وروي هذا الحديث معلقاً وهو عن مسعود بن الأسود الصحابي رضي الله عنه أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
و[ مسعود بن الأسود صحابي أخرج له ابن ماجة ، وهنا ما ذكر أبو داود أنه معلق وليس متصلاً؛ لأنه ليس له ذكر عند أبي داود في المتصلات، وإنما هو في المعلقات.
[ قال أبو داود ورواه أبو الزبير عن جابر : (أن امرأة سرقت فعاذت بـ
ذكر طريقاً أخرى عن أبي الزبير ، وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر ].
هو جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي، وأنها سرقت واستعاذت بـزينب يعني: طلبت منها أن تعيذها وأن تكون عوناً لها على التخلص من مغبة ما حصل لها.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا جعفر بن مسافر ومحمد بن سليمان الأنباري قالا: أخبرنا ابن أبي فديك عن عبد الملك بن زيد نسبه جعفر إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل عن محمد بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) ].
أورد أبو داود هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) وهذا يدل على أن الحدود لا يشفع فيها، وأنه لابد أن ينفذ الحد إذا بلغ السلطان، وأما العثرات التي ليس فيها حدود وكان الشخص الذي حصل منه ذلك ليس له سوابق، أو أنه معروف بالسلامة والصلاح ولكنه حصل منه خطأ عارض فإنه يمكن مسامحته وإقالة عثرته، وأما من كان معروفاً بالتساهل في هذه الأمور التي ليس فيها حد ولكن فيها تعزير، فإن هذا يردع بما يمنعه حتى لا يعود، وأما إذا حصل ممن له منزلة ومكانة وهو معروف بالصلاح، وهو غير متكرر منه، فإنه تقال عثرته، وهذا هو مقتضى هذا الحديث، وهو يدل على أن غير الحدود ليست كالحدود، وأنه يمكن أن يشفع فيها ويمكن أن يعفى عنها في حق من يكون كذلك من ذوي الهيئات.
قوله: [ حدثنا جعفر بن مسافر ].
جعفر بن مسافر صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ ومحمد بن سليمان الأنباري ].
محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود .
[ قال: أخبرنا ابن أبي فديك ].
هو محمد بن إسماعيل بن مسلم ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الملك بن زيد نسبه جعفر إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ].
عبد الملك بن زيد ذكره أحد الرواة، وهو محمد بن سليمان وقال: عبد الملك بن زيد ، ووقف عندها، أما جعفر الذي هو الشيخ الأول فنسبه إلى جده وهو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل الذي هو أحد المبشرين بالجنة.
و عبد الملك بن زيد قال عنه النسائي : لا بأس به، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن محمد بن أبي بكر ].
هو محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرة ].
هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة رضي الله عنها وقد مر ذكرها.
السؤال: هل المريض مرضاً نفسياً يعتبر مرفوعاً عنه القلم؟
الجواب: القلم مرفوع عمن يغيب عقله، وأما من كان عقله حاضراً وعنده اكتئاب وأمراض نفسيه فهذا لا يكون مرفوعاً عنه القلم، وإنما يرفع القلم عن فاقد العقل، كما جاء في الحديث: (رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ).
السؤال: ما هي كيفية قضاء الصلوات المكتوبة الفائتة في العمر السابق؟ ومتى؟ وهل تكون بنية جهرية بين العبد وربه؟
الجواب: إذا كان الإنسان تاركاً للصلاة فيما مضى من حياته فيتوب إلى الله عز وجل توبة نصوحاً، والتوبة تجب ما قبلها، ويحرص في المستقبل على أن يستقيم، وأن يلتزم بالطاعة، والبعد عن المعصية، ومن تاب تاب الله عليه، والإنسان إذا كان عليه شيء من الصلاة فبعض أهل العلم يقول: إنه كافر، والشيء الذي يحصل في الكفر لا يقضى، وإنما يتوب منه، ومن تاب تاب الله عليه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان.
حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب قال: سمعت ابن جريج يحدث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب) ].
أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة وهي: [ باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان ].
أي: أن التسامح في الحدود والأعراض هذا قبل أن تصل إلى السلطان سائغ، وأن المحظور والممنوع فيما إذا بلغت السلطان، فإنه ليس لأحد أن يعفو بعد بلوغ السلطان, وليس لأحد أن يشفع، وليس للسلطان أن يعفو، بل الواجب هو إقامة الحدود، وقبل بلوغها السلطان يمكن المسامحة، ويمكن الإعراض عنها وعدم المطالبة بها إلا إذا أراد الإنسان الذي حصلت له الجناية أو عليه الجناية، وأما إذا بلغت السلطان فإنه ليس هناك إلا التنفيذ.
وقد أورد أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب) أي: هذا أمر لغير الولاة، وهو للجاني والمجني عليه، فالتسامح والتعافي يكون فيما بينهم قبل أن تبلغ السلطان، فإذا وصلت إلى السلطان فإنه لا مجال لعفو صاحب المجني عليه، ولا مجال للشفاعة أيضاً في ترك الحد، وليس للسلطان أن يترك ذلك بعد ثبوته، وإنما عليه أن يقيم الحد، ولهذا قال: (ما بلغني من حد فقد وجب) يعني: وجب تنفيذه، والتسامح والتعافي إنما هو قبل بلوغه السلطان.
قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ].
هو سليمان بن داود المهري المصري ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ أخبرنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: سمعت ابن جريج ].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن شعيب ].
هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[ عن أبيه].
هو شعيب بن محمد ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة والأدب المفرد وأصحاب السنن.
[ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ].
وهو الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه بيان الراوي عن المرء الذي روى عنه شعيب بن محمد ، فإن روايته عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، فكثير من الروايات يأتي فيها: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهذا فيه بيان للجد، وأنه جد شعيب ، وشعيب يروي عن جده وقد ثبت سماعه منه، وهو متصل، وهذا الإسناد فيه تسمية الجد، وأنه عبد الله بن عمرو بن العاص ، أي: أن شعيباً يروي عن جده عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما.
و عبد الله بن عمرو بن العاص حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الستر على أهل الحدود.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان عن زيد بن أسلم عن يزيد بن نعيم عن أبيه : (أن
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب الستر على أهل الحدود ].
والمقصود بالستر عليهم هو: عدم إظهار أمرهم، ورفع دعواهم وأنه يستر عليهم، ولكن هذا فيه تفصيل؛ لأنه إذا كان قبل أن يصل إلى السلطان فقد مر بنا حديث التعافي، وأن التسامح في ذلك ممكن، وإنما المحذور إذا بلغت السلطان.
والستر على أصحاب الحدود إذا كان الشخص معروفاً بالفسق والفجور أو معروفاً بأمور محرمة والإقدام عليها، وكونه لم تحصل له عقوبة تردعه فإن عدم الستر في هذه الحالة أولى؛ لأنه يترتب على ذلك كون شره ينتشر، وأنه يحصل منه هذا العمل المنكر باستمرار، ويحصل الإضرار بالناس، وأما إذا كان لم يحصل منه هذا التكرار، وإنما حصل منه هفوة أو زلة أو ما إلى ذلك، فهذا يمكن أن يفرق بينه وبين من يكون معروفاً بالسوابق وتكرار تلك الأمور المحرمة، وإنما الستر فيه تفصيل.
و أبو داود رحمه الله أورد حديثاً ضعيفاً، لكن الحديث الذي مر والأمر بالتعافي يدل على الستر، ولكن كما أشرت ليس كل صاحب حد يستر عليه.
أورد أبو داود حديث نعيم بن هزال رضي الله تعالى عنه: أن ماعزاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقر بالزنا، فقال لـهزال الذي هو والد نعيم : (لو سترته بثوبك كان خيراً لك) وذلك أن هزالاً كان ولي أمر ماعز ، وقد أوصاه به والده مالك والد ماعز ، وكان نشأ في حجره، ولما حصل له ذلك قال له: لو ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بالذي حصل من الزنا، فالرسول قال له: (لو سترته) يعني: لو أخفيت عنه وما قلت له يأتي إلي، هذا هو المقصود بمحل الشاهد للترجمة في قوله: (الستر على أهل الحدود) لأنه قال: (لو سترته بثوبك) يعني: لو أخفيت أمره ولم تقل له أن يأتي إلي ويعترف بالزنا، والإنسان إذا استتر بستر الله وتاب إلى الله عز وجل، وأحسن في المستقبل، فالتوبة تجب ما قبله، والله تعالى يتوب على من تاب.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد حدثنا يحيى عن ابن المنكدر : أن هزالاً أمر ماعزاً أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره ].
وهذا فيه بيان وجه كون النبي قال لـهزال : (لو سترته بثوبك كان خيراً لك) لأنه هو الذي أمر ماعزاً أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالذي حصل منه.
فالثاني فيه بيان أن هزالاً هو الذي أمره، وذلك فيه بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـهزال وهو الذي أمره بأن يبلغ النبي عليه السلام بما حصل منه: (لو سترته بثوبك كان خيراً لك).
قوله: [ حدثنا مسدد ].
هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد بن القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن زيد بن أسلم ].
زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يزيد بن نعيم ].
يزيد بن نعيم مقبول، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
[ عن أبيه].
هو نعيم بن هزال ، وهو صحابي، أخرج له أبو داود والنسائي .
وقوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ].
هو محمد بن عبيد بن حساب ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا حماد بن زيد ].
حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن المنكدر ].
هو محمد بن المنكدر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن هزالاً ].
هزال مر ذكره، وهذا مرسل؛ لأنه يخبر عن شيء حصل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صاحب الحد يجيء فيقر.
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا الفريابي حدثنا إسرائيل حدثنا سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن أبيه: (أن امرأة خرجت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم تريد الصلاة فتلقاها رجل فتجللها، فقضى حاجته منها، فصاحت، وانطلق، فمر عليها رجل فقالت: إن ذاك فعل بي كذا وكذا، ومرت عصابة من المهاجرين فقالت: إن ذلك الرجل فعل بي كذا وكذا، فانطلقوا فأخذوا الرجل الذي ظنت أنه وقع عليها، فأتوها به فقالت: نعم هو هذا، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أمر به قام صاحبها الذي وقع عليها فقال: يا رسول الله! أنا صاحبها فقال لها: اذهبي فقد غفر الله لك، وقال للرجل قولاً حسناً).
قال أبو داود : يعني الرجل المأخوذ، وقال للرجل الذي وقع عليها: (ارجموه) فقال: (لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم).
قال أبو داود : رواه أسباط بن نصر أيضاً عن سماك ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ باب في صاحب الحد يجيء فيقر ].
يعني: يقر ويعترف بالجناية التي حصلت منه أو الأمر المحرم الذي يكون عليه حد.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه، أن امرأة خرجت إلى المسجد فتجللها رجل وقضى حاجته منها، يعني: معناه أنه غشيها وحصل منها ما يحصل الرجل مع أهله وهرب، فاستنجدت، فلحق به واحد ليغيثها وليقبض على ذلك الذي اعتدى عليها، فجاءه أناس بعده، وهم جماعة من الأنصار فأخبرتهم، فلحقوا به، فوجدوا الرجل الذي ذهب ليغيثها في الأول، فأتوا به، وقالت: إنه صاحبها، وهو ليس بصاحبها، ولعل ذلك كان في الليل وفي الظلام، ولم تكن يتضح لها ذلك، فظنت أن هذا الشخص الذي أتي به -وهو الذي كان ذهب ليغيثها- هو الذي تجللها وغشيها، فعندما حصل ما حصل وحول إقامة الحد عليه، جاء الذي فعل بها الأمر المنكر وقال: أنا صاحبها، يعني: أراد ألا يجمع بين مصيبتين، ويكون فعل أمراً محرماً، ثم يقتل بسببه شخص آخر وهو بريء، فأخبر بأنه هو الذي حصل منه الجناية ووقع في الأمر المحرم، فلما اجتمع الثلاثة: المرأة، والرجل الذي أخذ وهو سليم، والرجل الذي فعل الأمر المنكر وأقر به، قال الرسول صلى الله عليه وسلم للمرأة: (اذهبي فقد غفر الله لك)؛ لأنها مكرهة والمكره معذور، (وقال للثاني قولاً حسناً) أي: الذي أخذ، والذي اتهم وهو بريء، يعني: ما ذكر كيفية ذلك القول، ولكنه وصف بأنه حسن، يعني: تلطف له وخاطبه بكلام حسن لإنهاء ما قد جرى، وقال في حق ذلك المقر: (ارجموه)، وقد جاء ذكر الرجل من هذه الطريق.
وذكر الشيخ الألباني رحمه الله خلافاً في قصة الرجم التي رواها أن الفريابي في هذا الحديث، وبين أنه رواه غيره ولم يذكر الرجم، وذلك أنه أقر وتاب إلى الله توبة نصوحاً، وأراد أن ينقذ نفسه من تبعتين: تبعة فعل الأمر المنكر مع المرأة، وتبعة كون إنسان سليم يؤخذ بجريرة غيره، فاعترف بذلك، فلم يذكر غير الفريابي الرجم، وأتى بعده بأنه تاب توبة لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم، فيكون في ذلك فائدة ومصلحة، وهي: أن من يكون عليه الحد لا يترك غيره يقام عليه الحد، وإن كان إقامة الحد كما هو معلوم مشكل في الحديث فيما يتعلق بالرجل الذي أخذ؛ لأن الحد لا يقام إلا باعتراف منه، أو بشهود يشهدون، وأما مجرد ادعاء المرأة مع عدم اعترافه وعدم الشهود فإنه لا يترتب عليه الحد، ولكن لعل الأمر في ذلك أنه لما رأى أن الأمر قد بلغ إلى محاكمة غيره، وأنه قد يحصل له ذلك، جاء وأخبر بالذي قد حصل حتى لا يقع شيء في حق ذلك الرجل وهو لا يستحقه، وإلا فإن مجرد ما حصل من ادعاء المرأة بأنه هو الذي فعل بها ما فعل فإنه لا يكفي، فإقامة الحد لا بد فيه من شهود أو اعتراف من المدعى عليه، والمدعى عليه لم يعترف، وجاء في الحديث: (لو أعطي الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، ولكن البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه).
وعلى هذا فاختلفت الروايات هل رجم أو لم يرجم؟ والألباني يقول: الأرجح أنه لم يرجم، وأن الذين رووا الحديث وهم غير محمد بن يوسف الفريابي ما ذكروا الرجم، وهو الذي يناسب اعترافه، وكونه أراد أن ينقذ غيره فالحكم في ذلك مشكل، وأنا لا أدري ما الراجح في هذه المسألة، هل يرجم باعترافه، أم أنه لا يرجم لكونه حصل منه هذا الذي حصل؟ وهذا فيه تشجيع للذين يحصل منهم شيء، ويؤدي الأمر إلى إتلاف غيرهم، فصنيعهم هذا فيه إنقاذ لغيرهم، فيكون في ذلك مسوغ لترك إقامة الحد عليهم، والله تعالى أعلم.
قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ].
هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا الفريابي ].
هو محمد بن يوسف الفريابي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا إسرائيل ].
هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سماك بن حرب ].
سماك بن حرب ، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن علقمة ].
هو علقمة بن وائل بن حجر ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في رفع اليدين ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبيه].
هو وائل بن حجر رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن، وعلقمة بن وائل سمع من أبيه، وهو أكبر من عبد الجبار ، وعبد الجبار لم يسمع من أبيه، وأما علقمة فقد سمع من أبيه، وفي التقريب قال: إنه لم يسمع من أبيه، ولكن الصحيح أنه سمع من أبيه، وفي صحيح مسلم بعض أحاديث من روايته عن أبيه.
[ قال أبو داود : رواه أسباط بن نصر أيضاً عن سماك ].
أسباط بن نصر صدوق كثير الخطأ يغرب، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن سماك ].
سماك بن حرب مر ذكره.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التلقين في الحد.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبي المنذر مولى أبي ذر عن أبي أمية المخزومي : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترف اعترافاً ولم يوجد معه متاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما إخالك سرقت، قال: بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثاً، فأمر به فقطع وجيء به، فقال: استغفر الله وتب إليه، فقال: أستغفر الله وأتوب إليه، فقال: اللهم تب عليه، ثلاثاً) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [ باب في التلقين في الحد ]، يعني: تلقين المعترف شيئاً يخلصه من إقامة الحد عليه، وهذا إنما يكون في أمر مشتبه ومحتمل، ومن شخص قد يكون لا يعرف السرقة من غير السرقة، وما يوجب القطع مما لا يوجب القطع، وقد يظن أن كل شيء يوجب القطع، ومن المعلوم أن القطع لا بد له من شروط: ومنها الحرز، والنصاب.. وما إلى ذلك، وقد يكون الشخص عنده شيء من التغفيل وعدم المعرفة، فما جاء من التلقين فهو في مثل هذا.
والحديث الذي أورده أبو داود عن أبي أمية المخزومي رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أتي بلص اعترف أنه سرق، فقال: ما إخالك سرقت! قال: بلى) يعني: ما أظنك سرقت، قال: بلى، وقوله: (ما إخالك سرقت) هذا المقصود من الترجمة، وهو التلقين، يعني: ما أظنك سرقت، لكنه أكد أنه قد سرق، فأمر به فقطعت يده لما حصل منه الاعتراف بالسرقة، ثم بعد ذلك أتي به فقال: (استغفر الله وتب إليه) فاستغفر فقال: (اللهم اغفر له وتب عليه، ثلاثاً) قال ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
والحديث في إسناده أبو المنذر وهو مقبول.
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو ابن سلمة بن دينار ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ].
هو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي المنذر مولى أبي ذر ].
أبو المنذر مولى أبي ذر مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن أبي أمية المخزومي ].
أبو أمية المخزومي رضي الله عنه صحابي، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ قال أبو داود : رواه عمرو بن عاصم عن همام عن إسحاق بن عبد الله قال: عن أبي أمية رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم ].
أورد أبو داود طريقاً أخرى للحديث.
قوله: [ رواه عمرو بن عاصم ].
هو صدوق في حفظه شيء، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن همام ].
هو همام بن يحيى العوذي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إسحاق بن عبد الله عن أبي أمية ].
إسحاق بن عبد الله , وأبو أمية مر ذكرهما، وهنا قال: رجل من الأنصار، وهناك قال: المخزومي، ومعلوم أن بني مخزوم غير الأنصار، يعني: هو شك في هذه النسبة.
وهنا لم يذكر أبا المنذر بين إسحاق بن عبد الله وأبي أمية ، ولا أدري هل سمع إسحاق بن عبد الله من أبي أمية أو لا؟!
والإسناد الأول فيه أبو المنذر والألباني ضعف الحديث، ولعله بسبب هذا.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يعترف بحد ولا يسميه.
حدثنا محمود بن خالد حدثنا عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي قال: حدثني أبو عمار حدثني أبو أمامة رضي الله عنه: (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أصبت حداً فأقمه علي قال: توضأت حين أقبلت؟ قال: نعم، قال: هل صليت معنا حين صلينا؟ قال: نعم، قال: اذهب فإن الله تعالى قد عفا عنك) ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ باب في الرجل يعترف بحد ولا يسميه ]، يعني لا يسمي الحد الذي فعله، وقد يكون حداً وقد يكون غير حد، ومعناه: أنه عمل ذنباً، وهذا الذنب قد يكون من الكبائر التي يكون فيها حد، وقد يكون من الصغائر وهو يستعظمه ويظن أن فيه حداً، وقد أورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله إني أصبت حداً، فأقمه علي قال: هل توضأت حين قدمت أو أتيت إلى المسجد؟ قال: نعم، قال: هل صليت معنا؟ قال: نعم، قال: اذهب فإن الله قد عفا عنك) وهذا محمول على أنها من الصغائر، وليست المعصية من الكبائر التي فيها حدود، ومعلوم أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر، والحسنات تكفر الصغائر، وأما الكبائر فلا يكفرها إلى التوبة، كما قال الله عز وجل: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31] وقال صلى الله عليه وسلم: (الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)، فالصغائر تكفر بالأعمال الصالحة وتكفر بالصلاة، وما جاء في أن الحسنات يذهبن السيئات، إنما يكون ذلك في الصغائر وليس في الكبائر.
قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ].
هو محمود بن خالد الدمشقي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا عمر بن عبد الواحد ].
عمر بن عبد الواحد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن الأوزاعي ].
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: حدثني أبو عمار ].
هو شداد بن عبد الله ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي أمامة ].
هو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الامتحان بالضرب.
حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بقية حدثنا صفوان حدثنا أزهر بن عبد الله الحرازي (أن قوماً من الكلاعيين سرق لهم متاع فاتهموا أناساً من الحاكة، فأتوا
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب في الامتحان بالضرب ]، يعني: المتهم هل يمتحن بالضرب ليعرف ما عنده، وليقر أو لا يضرب؟ وهل يحبس أو لا يحبس؟ أورد أبو داود حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه الذي فيه الحبس في التهمة دون الضرب، وأنه جاء جماعة من الكلاعيين إلى النعمان بن بشير رضي الله عنه، واتهموا رجالاً من الحاكة، والحاكة: جمع حائك، وهم الذين يحيكون الثياب، فحبسهم مدة بالتهمة ثم خلى سبيلهم، فقالوا: خليت سبيلهم دون أن تضربهم؟ قال: ما شئتم، إن شئتم أن أضربهم، وإذا لم يظهر شيء بسبب الضرب، أضربكم كما ضربتهم، قالوا: هذا حكمك؟ قال: هذا حكم الله ورسوله، يعني: دل على أن الحكم هو الحبس، وأنه لا يضرب، وأن الضرب إنما يكون بعد الاعتراف، وأما قبل الاعتراف فقد يضرب البريء وهو سليم، فحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه يدل على جواز الحبس دون الضرب، وأخبر بأن هذا حكم الله ورسوله وليس حكمه، وهو إنما حكم بالحبس دون الضرب، وأخبرهم أنهم إن أردوا أن يضربوا، فإذا لم يثبت الذي عليهم بالضرب ولم يعترفوا، فإنه يؤخذ من هؤلاء كما أخذ من أولئك، فيكون قصاصاً؛ لأنهم لا يستحقون الضرب، فإذا ضربوا ولم يترتب على ذلك فائدة، فإن هؤلاء الذين طلبوا ضربهم أيضاً يضربون، وأما الحبس فإنه سائغ، وقد جاء في هذا الحديث أن النعمان حبسهم ولم يضربهم، وقال: إن هذا حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
[ قال أبو داود : إنما أرهبهم بهذا القول ].
يعني: بين أن الضرب إيذاء لهم، وإلحاق الضرر بهم، وإنما أرهبهم بهذا الضرب.
قوله: [ أي: لا يجب الضرب إلا بعد الاعتراف ].
يعني: أنه لا يستحق الضرب إلا بعد الاعتراف وكون الاعتراف يستوجب ضرباً أو يترتب عليه ضرب.
والمقصود به والله أعلم أن المعاقبة إنما تكون بعد الاعتراف.
وأبو داود فهم من ذلك أنه يكون من قبيل التعزير، لكن معلوم أن الإنسان السارق لا يضرب إذا ثبت عليه بالاعتراف وإنما يقام عليه الحد.
قوله: [ حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ].
عبد الوهاب بن نجدة ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا بقية ].
هو بقية بن الوليد ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا صفوان ].
هو صفوان بن عمرو ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا أزهر بن عبد الله الحرازي ].
الأزهر بن عبد الله الحرازي صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن النعمان بن بشير ].
النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر