حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر) ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً]، أي: ما حكمه؟ هل يقطع أو هل يقام عليه الحد؟
والمجنون إذا كان حصل منه الذي يقتضي إقامة الحد في حال جنونه فإنه لا حد عليه؛ لأنه غير مكلف وغير مؤاخذ؛ ولأن عقله ليس معه، وأما إن كان يصحو ويحصل له الجنون في فترات متقطعة، فإنه إذا حصل ذلك في حال صحته وعافيته فإنه يقام عليه الحد؛ لأنه فعل وهو مكلف.
فإذاً: فيه تفصيل، إن كان حصل في حال جنونه وعدم صحوه فإنه لا يؤاخذ ولا يكلف، ولا يقام عليه الحد، وإن حصل في حال سلامته من الجنون، وفي حال صحته وعافيته فإنه يقام عليه الحد؛ لكونه فعل الأمر المحرم الذي يكون عليه الحد في حال تكليفه.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، والمبتلى حتى يبرأ، والصغير حتى يكبر)، يعني: حتى يصل إلى سن البلوغ.
ومعنى: (رفع القلم)، يعني: أنه رفع الإثم والمؤاخذة عليه في حال صغره، وحال جنونه، وحال نومه، فإنه لا يكون مؤاخذاً، وهذا فيما يتعلق بالإثم، وفيما يتعلق بكتابة الشر، يعني: رفع ذلك عنه فإنه لا يؤاخذ، وأما بالنسبة للثواب والحسنات، فإن ذلك يحصل له كما جاء في حديث المرأة التي رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبياً، وقالت: (ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجرٌ)، يعني: هو له حج، وهي لها أجر، لكونها حجّجته، ولكونها نوت الحج عنه.
وعلى هذا فلا يؤاخذ على ما يحصل منه في حال جنونه، وفي حال صغره، وفي حال نومه؛ لأنه قد رفعت عنه المؤاخذة، وكتابة الشرور والأعمال السيئة؛ لأنه ليس من أهل التكليف: (رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والمبتلى حتى يبرأ، والصحيح حتى يكبر).
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وأما النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم الليلة.
[ حدثنا يزيد بن هارون ].
هو يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا حماد بن سلمة ].
هو حماد بن سلمة بن دينار البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن حماد ].
هو ابن أبي سليمان ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن إبراهيم ].
هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأسود ].
هو الأسود بن قيس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي بمجنونة قد زنت، فأمر برجمها، فلما ذُهِب بها لترجم مُر بها على علي فسأل عنها وأُخبر، فجاء إلى عمر وقال له: أما علمت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ؟ قال: بلى، فقال: فما بالها؟ قال: لا شيء) يعني: أنه لا شيء عليها يعني: أنه رجع عن اجتهاده إلى أنه لا يقام عليها حد.
ومن المعلوم أن عمر رضي الله عنه لا يعقل أن يكون أمر برجمها وهي قد أتت ذلك في حال جنونها؛ لأنه لا مؤاخذة على مجنون، وإنما يكون الأمر أنها تصحو ويحصل لها الجنون في فترات متقطعة، فيكون ذلك على اعتبار أنه قد حصل منها في حال صحوها، وهذا هو الذي يُستحق به إقامة الحد، وأما إن كان في حال الجنون ممن يصحو ويحصل له الجنون، فإنه لا يقام عليه الحد إذا حصل فعل المنكر في حال جنونه؛ لأنه غير مكلف، وقد رفع عنه القلم؛ ولكنه إذا كان في حال سلامته من الجنون في بعض الأوقات، ثم أتى الأمر المنكر، فإن هذا هو الذي يقام عليه الحد، فـعمر رضي الله عنه لعله رأى أن هذا كان في حال صحوها، وفي حال سلامتها من الجنون، وأنه لما جيء بها، أو كلمه علي رضي الله عنه في شأنها فقال: إن القلم رفع، معناه: أن ذلك قد حصل منها حال جنونها، والحدود تدرأ بالشبهات، وهذه شبهة، فعند ذلك عمر رضي الله عنه قال: لا شيء عليها، ثم أرسلها وتركها ولم يحدّها.
وهذا هو الذي يحمل عليه ما جاء عن عمر ، فلما ذكر علي له ذلك، رأى أن هذا مما تدرأ به الحدود، وترك إقامة الحد عليها.
قوله: [ عن ابن عباس قال: (أُتي
وعلى هذا فيكون عمر رضي الله عنه إنما كان فعل ذلك لأنه رأى أن ذلك في حال صحوها أو في حال مقاربتها للصحو، وقد استشار بعض الناس في ذلك، ولعله أشير عليه بذلك، وكان عمر رضي الله عنه يستشير فيما لا نص فيه؛ ولكن لما كانت المسألة فيها شبهة والحدود تدرأ بالشبهات أشار عليه علي بذلك، فإنه قال: لا شيء، أي: لا شيء عليها.
فكان تغير اجتهاده من كونه يرجمها إلى كونه لا يرجمها، وأن ذلك من الشبهات التي تدرأ بها الحدود.
وفي مخاطبة علي رضي الله عنه لـعمر بقوله: (يا أمير المؤمنين!) دليل على ما كان عليه علي رضي الله عنه من رضا بولاية الشيخين قبله؛ وكذلك ولاية عثمان قبله، وأنه كان يخاطبهم بإمرة المؤمنين، وأنه لم يحصل منه شيء يخالف ما هم عليه، وأنه قد أخذ منه شيء، وأن الحق كان له، فلم يحصل شيء من ذلك، ولم يطالب علي رضي الله عنه بشيء أخذ منه، بل كان يتابعهم ويصلي وراءهم، ويغزو معهم ويقوم بالشيء الذي يطلب منه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
فالقول بأن الحق له، وأن أولئك -أي: الصحابة الذين قبله أبو بكر وعمر وعثمان - إنما هم مغتصبون هذا من البهتان، وهذا من الكذب، وعلي رضي الله عنه من أشجع الناس، ولو كان عنده علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الحق له ما كان يخفيه، ولو كان عند الصحابة رضي الله تعالى عنهم علم بأن الحق لـعلي ما كان أحد منهم يقدم على ترك شيء جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا الذي حصل من علي يدل على أنه ليس عنده تأثر وتألم، وأنه حيل بينه وبين ما يستحق، فالذي حصل من مبايعة أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي هذا هو الذي أراده الله شرعاً وقدراً، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)، وجاء عنه قوله صلى الله عليه وسلم: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء).
قوله: (لا شيء) لأنه تغير اجتهاده عما كان من قبل من أجل درء الحدود بالشبهات.
قوله: [ (قال: فأرسلها قال: فأرسلها قال: فجعل يكبر) ].
يعني: يقول: الله أكبر، وقد كانوا يكبرون عند الأمور العظيمة والمستحسنة، بينما الناس في هذا الزمان يصفقون، وفيما مضى كانوا يكبرون، والتكبير ذكر، والتصفيق ليس مما شرع، وليس مما جاء شيء يدل عليه، فالسنة عند ذكر الأمور المستحسنة هو التكبير كما جاء في هذا الأثر عن عمر ، وكما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة -أو ثلث أهل الجنة- فكبروا وقالوا: الله أكبر)، يعني: أنه أعجبهم وفرحوا وسروا فصاروا يكبرون.
عثمان بن أبي شيبة مر ذكره، وجرير هو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي ظبيان ].
هو الحصين بن جندب الجنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المكثر من الرواية عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن العجيب الغريب: أنه ظهر في هذا الزمان شخص ابتلي بالنيل من الصحابة والكلام عليهم، فزعم أن العباس بن عبد المطلب ليس بصحابي، وأن ابنه عبد الله بن عباس ليس بصحابي، وهذا من عجائب الزمان كون إنسان يتفوه بمثل هذا الكلام ويقوله، فإن هذا من أبطل الباطل، وقد نادى على نفسه بالخزي في هذه الحياة الدنيا، فإن القول بأن العباس ليس بصحابي خزي على من يقوله.
[ عن علي ].
هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ قال: أتي عمر ].
هو عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، مع اختلاف في بعض العبارات من حيث الترادف.
قوله: [ حدثنا يوسف بن موسى ].
يوسف بن موسى صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي في مسند علي وابن ماجة .
[ حدثنا وكيع ].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي ، وقد مر ذكره.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله.
قوله: [ حدثنا ابن السرح ].
هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ أخبرنا ابن وهب ].
هو ابن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني جرير بن حازم ].
جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سليمان بن مهران ].
سليمان بن مهران هو الأعمش ، وهنا ذكر باسمه، وفيما مضى ذكر بلقبه، ومن أنواع علوم الحديث معرفة الألقاب للمحدثين، وفائدة معرفتها: ألا يظن الشخص الواحد شخصين إذا ذكر باسمه مرة وذكر بلقبه مرة أخرى، فيظن أن سليمان بن مهران غير الأعمش ، ومن عرف أن الأعمش لقب لـسليمان بن مهران فسواء جاء ذكر الأعمش أو جاء ذكر سليمان بن مهران عرف أنه شخص واحد ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه.
[ عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: مر على علي].
وقد مر ذكرهم.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى في قصة المرأة المجنونة التي زنت، وفيه: أن علياً رضي الله عنه قال: لعل التي أتاها أتاها في حال بلائها، يعني: في حال جنونها، وكونها مبتلاة؛ لأنها تجن وتصحو، فلعله حصل ذلك في حال جنونها، ومعنى ذلك: أنها غير مكلفة، فقال عمر : لا أدري، أنه حصل في حال جنونها، ثم قال علي : لا أدري أنه حصل في حال صحوها، إذاً: فالمسألة محتملة، والحدود تدرأ بالشبهات، فترك عمر رضي الله عنه إقامة الحد عليها.
هو هناد بن السري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي الأحوص ].
هو سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير المعنى عن عطاء بن السائب ].
عثمان بن أبي شيبة وجرير مر ذكرهما، وعطاء بن السائب صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن، وجرير ممن روى عنه بعد الاختلاط، ولكنه كما هو معلوم موافق للروايات الأخرى، والشيخ الألباني رحمه الله قال: إنه صحيح إلا قوله: (لعل الذي أتاها أتاها في حال بلائها) يعني: إن هذا مما انفرد به عطاء بن السائب في هذه الطريق، وأما ما عدا ذلك فهو موجود في الطريق الأخرى، ولا إشكال في هذه الجملة أيضاً من ناحية أن علياً رضي الله عنه ذكر الاحتمال وأشار إليه، وعمر رضي الله عنه لو علم أن الذي حصل هو في حال البلاء لا يمكن أن يقيم عليها حداً وهي فاقدة العقل، ولكن لعله ظن أو علم بأنه حصل في حال صحوها؛ ولهذا قال: (لا أدري) يعني: أنه حصل في حال كذا، ثم قال علي : لا أدري أنه إنما حصل في حال صحوها، وما دام الأمر فيه اشتباه: فإن الحدود تدرأ بالشبهات.
[ عن عطاء بن السائب ].
عطاء بن السائب صدوق اختلط، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ عن أبي ظبيان قال هناد : الجنبي ].
أبو ظبيان مر ذكره، وهناد -وهو أحد الشيخين- زاد الجنبي ، أي: زيادة على أبي ظبيان ، وأما الشيخ الثاني الذي هو عثمان بن أبي شيبة فإنه قال: أبو ظبيان فقط، ولم يقل: الجنبي ، يعني: هذا فيه إشارة إلى الفرق بين ما جاء عن شيخي أبي داود أحدهما قال: أبو ظبيان الجنبي ، والثاني قال: أبو ظبيان فقط، ولم يأت بزيادة الجنبي .
وأما أبو الأحوص وجرير فليسا من هؤلاء الذين عرف أنهم رووا قبل الاختلاط، والمختلط تعتبر رواية من روى عنه قبل الاختلاط.
قوله: [ عن أبي ظبيان قال: هناد : الجنبي ، قال: أُتي عمر بامرأة قد فجرت، فأمر برجمها.. ].
وهو مرسل ولكنه مطابق لما تقدم إلا في بعض الألفاظ الجديدة.
أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)، وهو مثل ما تقدم، وهو الذي جاء عن علي رضي الله عنه، وتذكيره لـعمر به.
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا وهيب ] .
هو وهيب بن خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن خالد ].
هو خالد بن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الضحى ].
هو مسلم بن صبيح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن علي ].
علي رضي الله عنه قد مر ذكره.
وأبو الضحى لم يدرك علياً ، وألفاظ الحديث مرت في الأحاديث السابقة.
أورد أبو داود طريقاً معلقة زاد فيها: (والخرف)، يعني: الذي بلغ من الكبر ما حصل منه التخريف، فهو بسبب الهرم والكبر صار لا يعقل من غير أن يكون به جنون، فإذاً: حكمه حكم المجنون، وهو مماثل له، فإذا حصل منه شيء فهو في حال خرفه لا يقام عليه الحد كالمجنون، وإن كان تحصل له الإفاقة أحياناً، ويحصل له البلاء أحياناً أخرى، فما كان في حال خرفه لا يؤاخذ عليه، وما كان في حال رجوع عقله وذاكرته فإنه يؤاخذ كما يؤاخذ المجنون لو ثبت أنه حصل في حال صحوه.
[ قال أبو داود : رواه ابن جريج ].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن القاسم بن يزيد ].
القاسم بن يزيد مجهول، أخرج له ابن ماجة .
[ عن علي ].
علي رضي الله عنه.
وهذا سند منقطع، وفيه راو مجهول أيضاً.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان أخبرنا عبد الملك بن عمير حدثني عطية القرظي، قال: (كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب في الغلام يصيب حداً].
الغلام الصغير الذي لم يبلغ لا يقام عليه الحد كما سبق أن مر في المجنون؛ لأنه داخل في حديث الثلاثة الذين رفع عنهم القلم، وهو غير مكلف، ولا يؤاخذ فلا يقام عليه الحد، وإنما يقام الحد على البالغ، والبلوغ يحصل بالنسبة للذكور بثلاثة أمور:
أولها: الاحتلام، فلو احتلم في سن مبكرة، فإن احتلامه يدل على بلوغه، وأنه قد بلغ بذلك، وبعض الصغار يحتلمون في سن مبكرة كما جاء عن المغيرة بن مقسم الضبي أنه احتلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وقيل: عمرو بن العاص أكبر من ابنه عبد الله بثلاث عشرة سنة.
وذكر أيضاً عن الشافعي أنه قال: هناك جدة عمرها واحد وعشرون سنة، فيحصل الاحتلام قبل سن الخامسة عشرة، فإذا وجد الاحتلام قبل هذه السن فإنه يكون بالغاً بذلك، وكذلك إذا نبت شعر خشن عند القبل فإنه يكون علامة على البلوغ.
الأمر الثالث: إذا لم يحصل منه احتلام، ولم يحصل منه إنبات شعر، فإنه بتمام خمس عشرة سنة يكون قد بلغ الحلم، وحصل البلوغ وتجاوز سن الصغر، والمرأة تزيد على هذه الأمور الثلاثة بالحيض، فإذا حصل لها الحيض قبل أن تبلغ سن الخامسة عشرة فإنها تكون قد بلغت بذلك.
أورد أبو داود حديث عطية القرظي رضي الله عنه، وكان في سبي بني قريظة، ومعلوم أن بني قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، بأن تقتل المقاتلة، وتسبى الذرية، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد حكمت فيهم بحكم الملك) يعني: بحكم الله، ولمعرفة من بلغ ومن لم يبلغ لا يسألونهم عن السن؛ لأنهم غير مأمونين على بيان السن، فاليهود يكذبون لو سئلوا، وقد يدعون صغر السن ويقولون هذه المقالة من أجل أن يسلموا من القتل، فكانوا يفتشون عن عوراتهم، فإذا وجدوا الشعر قد نبت اعتبروه من المقاتلة فقتل، وإذا كان لم ينبت اعتبروه من الذرية فصار سبياً، فـعطية رضي الله عنه فتشوه ووجدوا أنه لم ينبت، فتركوه ولم يقتلوه فصار من السبي، وقد أورد أبو داود حديث عطية وهو يدل على أن البلوغ يحصل بنبات الشعر الخشن الذي يكون حول القبل.
هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا عبد الملك بن عمير ].
هو عبد الملك بن عمير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني عطية القرظي ].
عطية القرظي رضي الله عنه، وهو صحابي صغير، أخرج له أصحاب السنن، وهذا رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود .
وهذا مثل الذي قبله.
قوله: [ حدثنا مسدد ].
هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا أبو عوانة ].
هو وضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الملك بن عمير ].
عبد الملك بن عمير مر ذكره.
وهذا يدل على أن بلوغ خمس عشرة سنة يكون معها البلوغ، ويدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على الجهاد في سبيل الله، فالصغير يرغب في الجهاد؛ ولكنه إذا لم يبلغ لا يمكنونه من ذلك، فقد عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر وعمره أربع عشرة سنة فلم يجزه، وعرض عليه وعمره خمس عشرة سنة فأجازه، فدل على أن البلوغ يكون ببلوغ خمس عشرة سنة، فالحديث الأول يدل على أن البلوغ يكون بالإنبات، وهذا يدل على أن البلوغ يكون بهذه السن.
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبيد الله ].
هو عبيد الله بن عمر العمري المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: أخبرني نافع ].
هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وغزوة أحد يقال: إنها في السنة الثالثة، والخندق كانت في السنة الخامسة، ولعلّ ذلك كان في أول هذه وفي آخر هذه، فكان الفرق سنة واحدة، يكون بها بلغ خمس عشرة سنة.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه: أن نافعاً حدث به عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، فقال: إن هذا الحد بين الصغير والكبير، يعني: بلوغه خمس عشرة سنة.
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن إدريس ].
هو عبد الله بن إدريس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبيد الله بن عمر قال: قال نافع ].
عبيد الله بن عمر ونافع قد مر ذكرهما.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني حيوة بن شريح عن عياش بن عباس القتباني عن شييم بن بيتان ويزيد بن صبح الأصبحي عن جنادة بن أبي أمية قال: (كنا مع
قال أبو داود : [باب في الرجل يسرق في الغزو أيقطع؟].
وهذه الترجمة معقودة لبيان من حصل منه ذلك هل يقطع أو لا يقطع؟ ولهذا أتى بها على الاستفهام، أيقطع أو لا يقطع؟ وكونه في الغزو جاء الحديث بأنه لا يقطع، وعدم القطع فيه لاحتمالين: أنه توجد شبهة؛ وذلك أنه قد تكون السرقة من الغنيمة، والغنيمة للإنسان فيها نصيب، والحدود تدرأ بالشبهات.
الاحتمال الثاني: أن قطعه قد يلحقه بالكفار، فربما يغره الشيطان ويلعب عليه فيلحق بالكفار، فيكون ذلك سبباً في ارتداده وبعده وإلحاقه بالكفار، فمن أجل ذلك جاء ما يدل على أنه لا يقطع لهذه الاحتمالات.
قوله: [ عن جنادة بن أبي أمية قال: (كنا مع
وهذا مبني على أنه لعله كان في غزو، والترجمة كما هو معلوم في الغزو، ومعلوم أن الغزو لا يكون إلا في السفر، وهنا جاء ذكر السفر، فيحتمل أن يكون ذلك في غزو، وفيه أن بسر بن أرطأة رضي الله عنه أُتي برجل قد سرق بختية، والبختية: نوع من أنواع الإبل، وهي البخت التي تأتي من العجم، ومنهم من قال: من خراسان.
قوله: [ (لا تقطع الأيدي في السفر. ولولا ذلك لقطعته) ].
ولعل ذلك -كما عرفنا- كان في الغزو، وأما ما يتعلق بالسفر فإن الحدود تقام على من كان حاضراً أو من كان مسافراً، ولكن فيما يتعلق بالغزو فإنه تكون فيه تلك الاحتمالات، فقد يكون سرق من الغنيمة وله فيها نصيب، والحدود فيها شبهات، أو أنه يلحق بالكفار، والناس قد غزو الكفار وذهبوا إليهم، وقد يكون ذلك القطع سبباً في لحوقه بهم.
أحمد بن صالح ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[ حدثنا ابن وهب ].
ابن وهب مر ذكره.
[ أخبرني حيوة بن شريح ].
هو حيوة بن شريح المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وحيوة بن شريح اثنان، أحدهما حمصي والثاني مصري ، والحمصي هو من شيوخ أبي داود ، فعندما يأتي في شيوخ أبي داود : حدثنا حيوة بن شريح ، فالمقصود به الحمصي، وعندما يأتي بينه وبينه واسطتان، أو واسطة فالمراد بها المصري، الذي هو حيوة بن شريح هذا.
[ عن عياش بن عباس القتباني ].
عياش بن عباس القتباني ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن شييم بن بيتان ].
شييم بن بيتان ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
[ ويزيد بن صبح الأصبحي ].
يزيد بن صبح الأصبحي مقبول، أخرج له أبو داود .
[ عن جنادة بن أبي أمية ].
جنادة بن أبي أمية مختلف في صحبته، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: كنا مع بسر بن أرطأة ].
بسر بن أرطأة رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
الجواب: لكن قوله: (لولا أنه في سفر لقطعته) يفيد بأن الذي منعه من قطعه كونه في سفر أو كونه في غزو، ولكن لا شك أن الحدود لا يقيمها إلا الإمام أو من ينيبه.
الجواب: معلوم أنها تقطع في السفر في غير الغزو، وأما الغزو فإن فيه الشبهة وفيه الاحتمال المعلوم، وإذا كانت المسألة لا شبهة فيها، وقد يكون أنه ما سرق من الغنيمة، وإنما سرق من رفقائه، ومن حرز في حقائب رفقائه، وهذا هو الذي يستبعد ما يتعلق بأن السرقة أنها تكون من الغنيمة، يبقى بعد ذلك شبهة احتمال لحوقه بالكفار.
وإذا عاد من الغزو ولم تكن هناك شبهة كأن تكون من الغنيمة فإنه يقطع، والجمهور على أنه يقطع في الحضر والسفر، لكن فيما يتعلق بالغزو إذا كان فيه احتمال السرقة هي الغنيمة فإنها شبهة تدرأ بها الحدود، وإن كان ليس كذلك، وقطعه في الغزو قد يؤدي إلى ضرر أكبر فإنه يؤجل ويؤخر.
حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن أبي عمران عن المشعث بن طريف عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا
قال أبو داود : قال حماد بن أبي سليمان : يقطع النباش؛ لأنه دخل على الميت بيته ].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب في قطع النباش ]، والنباش: هو الذي ينبش القبور، ويسرق الأكفان من الموتى، وكثير من العلماء اعتبروا القبر حرزاً، وكونه يفتح القبر ويستخرج منه الكفن فيكون سرق من حرز، وقد أورد أبو داود الحديث هنا؛ لأنه سمى القبر بيتاً، ومعنى ذلك: أن من نبش القبر واستخرج ما فيه فقد استخرج شيئاً من حرز فيقطع بسبب ذلك؛ ولهذا أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي باب في قطع النباش، وأورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله عنه.
قوله: [ (كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف؟) ].
البيت: الذي هو القبر، بالوصيف: يعني: أنه يشترى بالعبد، أو أنه يحفر القبر وأجرته عبد يدفع له، وذلك لكثرة الموتى، ولحاجة الناس إلى اتخاذ القبور، وأنهم مضطرون إلى أن يدفعوا في مقابل ذلك الوصيف، أو أن الأراضي تضيق على الناس ولا يكون هناك أماكن يدفن بها، فيحتاجون إلى شراء أماكن القبور، أو البقعة التي يدفن فيها الميت ويحفر له فيها قبر يدفن فيه، فتكون قيمتها بالوصيف أي: بالعبد.
و أبو داود رحمه الله أورد هذا الحديث؛ لأنه سمى القبر: بيتاً، ومعنى ذلك: أن من فتح القبر فهو مثل الذي فتح الباب أو كسر ودخل البيت وأخرج ما فيه، فهذا بيت وهذا بيت، هذا بيت للحي، وهذا بيت للميت.
مسدد وحماد بن زيد مر ذكرهما، وأبو عمران هو الجوني ، وهو عبد الملك بن حبيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن المشعث بن طريف ].
المشعث بن طريف مقبول، أخرج له أبو داود وابن ماجة .
[ عن عبد الله بن الصامت ].
عبد الله بن الصامت ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي ذر ].
هو جندب بن جنادة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والحديث سبق أن مر بنا في كتاب الفتن.
والذي ينبش القبور من أجل أن يحصل على الأكفان هذا يدل على قساوة قلبه والعياذ بالله!
والحديث سبق أن مر بنا أنه صحيح، والألباني صححه.
[ قال أبو داود : قال حماد بن أبي سليمان : يقطع النباش؛ لأنه دخل على الميت بيته ].
يعني: دخل على الميت بيته فأخذ كفنه، فالقبر هو بيت الميت، كما أن القصر أو البنيان الذي يسكنه الإنسان بيت الحي، وقد سبق أن ذكرت في تلك المناسبة الكلام الذي ذكره بعض العلماء ناصحاً بعض الولاة، حيث قال له: فاعمر قبرك كما عمرت قصرك.
فقوله العالم الناصح لذلك الوالي: اعمر قبرك كما عمرت قصرك أي: اعمره بالأعمال الصالحة التي تفعلها حتى تلقاها بعد الموت، فهذه عمارة القبور، كما جاء في الحديث: (.. يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى عمله)، فيرجع اثنان ويبقى عمله، ويجد الثواب على ذلك في قبره قبل يوم البعث والنشور، كما جاء في حديث البراء أنه إذا كان من الموفقين: (.. يفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها، فيكون كذلك حتى تقوم الساعة ..).
الجواب: هذا أسوأ من النباش، الذي يريد الكفن يجني على الميت، أما الذي يفعل هذا الفعل فهو أسوأ منه بلا شك؛ لأنه أخذ الرجل وكفنه.
الجواب: الكافر لا حرمة له، ولكن إذا كان يترتب على الفاعلين مضرة فلا يجوز لهم أن يقدموا على ذلك، ولكن لا تقطع أيديهم؛ لأن هذا مال مضيع، أما الكفن فنعم هذا مكانه، ولا بد منه، وأما المال والذهب فلا تكون في القبور، فإذا كان لا يترتب عليه مضرة وأمكن أخذه فلا بأس، ولا يقال: إنه مال محفوظ في حرز.
الجواب: هذا ليس بواضح؛ لأن الإنسان قد يضطر حتى في البلد، ومسألة الاضطرار لا تكون مسوغاً، والإنسان يمكن أن يأتي الأمور من أبوابها، ويطلب أو يستقرض أو يسأل، ولكن هذا يمكن أن يكون جشعاً وطمعاً ويريد أن يحصل المال بأي وسيلة.
الجواب: إذا استقر المأموم المسبوق في الركوع قبل أن يسمع: سمع الله لمن حمده من الإمام، فقد أدرك الركوع.
الجواب: المراد من ذكر الرسول أنها تتوب إلى الله عز وجل؛ ولكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمعنى: أنه هو المقيم لشرع الله، وهو المنفذ لحدود الله.
الجواب: ما يحتاج إلى أن يقال: تكبير، ولكن إذا أعجبهم شيء يقولون: الله أكبر مباشرة، دون أن يلقنهم أحد؛ لأنه قد يكون هناك شيء لا يحتاج إلى تكبير ولا يستحق ذلك.
الجواب: إذا كان فاقد العقل فإنه لا يقام عليه الحد، وأما إذا لم يكن فاقد العقل، وإنما يحصل له شيء من تلك العوارض وعقله موجود معه فإنه يقام عليه الحد، حتى لو كان عنده ألم أو اكتئاب وعدم ارتياح، لكن الشيء الذي يعذر فيه هو فقدان العقل.
الجواب: ليس للإنسان أن يضربه؛ لأنه لو ضربه يمكن أن يبادله ذاك بضرب أشد، وقد يحصل ضرر أكبر من ضرر السرقة.
الجواب: ليس هناك تناسق بين (من) و(عبد الرحمن) لو كان الاسم (منصور) فيمكن يناديه: (من) لأنه بعض (منصور)، فأقول: نادوا بالأسماء كاملة خير لكم.
الجواب: يجب على وليه أن يقوم بما يلزم عليه، كما يقوم بما يلزم على نفسه؛ لأنه هو الذي جعله يدخل في هذا النسك أو مكنه من الدخول في النسك.
حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل الهلالي حدثنا جدي عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: (جيء بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله! إنما سرق، فقال: اقطعوه، قال: فقطع، ثم جيء به الثانية، فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله! إنما سرق، فقال: اقطعوه، قال: فقطع، ثم جيء به الثالثة فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله! إنما سرق، فقال: اقطعوه، ثم أُتي به الرابعة فقال: اقتلوه فقالوا: يا رسول الله! إنما سرق قال: اقطعوه فأتي به الخامسة فقال: اقتلوه، قال
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في السارق يسرق مراراً ]، يعني: يتكرر منه السرقة، وإذا تكررت السرقة من السارق في المرة الأولى تقطع يده اليمنى، وفي المرة الثانية تقطع رجله اليسرى، وبعد ذلك قال بعض أهل العلم: إنه يحبس ويسجن، وبعضهم قال: إنه إذا عاد الثالثة تقطع اليد اليسرى، وإذا عاد الرابعة قطعت رجله اليمنى، ثم إن عاد فإنه يسجن أو يجلد.
فـأبو داود رحمه الله أورد في هذا الباب حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم: أُتي بسارق فقال: اقتلوه، فقالوا: إنما سرق، قال: اقطعوه، فقطعوا يده اليمنى، ثم سرق مرة أخرى فقال: اقتلوه، فقالوا: إنما سرق، قال: اقطعوه، فقطع، حتى جاء الرابعة وقطع، وفي الخامسة قال: اقتلوه، قال: فقتلوه وسحبوه ورموه في بئر وألقوا عليه الحجارة.
وهذا الحديث في متنه نكارة، وفي إسناده ضعف، أما الضعف الذي في إسناده: فإن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير لين الحديث.
والنكارة فيه من جهة: أنه من أول وهلة قال: (اقتلوه، ثم قيل: إنما سرق، قال: اقطعوه)، ثم تكرر ذلك أربع مرات، وفي كلها يأمر بالقتل، فيقولون: إنما سرق، ثم بعد ذلك يأمر بالقطع، وفي الأخيرة قال: اقتلوه؛ لأنه ما بقي مجال للقطع، فعند ذلك قتلوه وألقوه في بئر، وألقوا عليه الحجارة.
والنكارة الثانية: من جهة أنهم ألقوه في البئر، ورموا عليه الحجارة، ومعلوم أنه إن كان مسلماً فإنه لا يعامل هذه المعاملة ولا يهان هذه الإهانة.
وكثير من العلماء قالوا بعدم ثبوت الحديث وأنه ضعيف، وأنه لو صح يُحمل على أنه تعزير، وأن للإمام أن يعزر فيما إذا كان الشخص من المفسدين في الأرض، وأن التخلص منه يكون بقتله دفعاً لإفساده وضرره.
ومنهم من قال: إن هذه المعاملة -وهي كونه يلقى، ويهان هذه الإهانة- أنه يكون مع سرقته مرتداً، ويكون ذلك مثل ما حصل للعرنيين الذين ارتدوا وساقوا النعم، وقتلوا الراعي ومثّلوا به، فالنبي صلى الله عليه وسلم عاملهم تلك المعاملة.
لكن يبقى الإشكال في قضية قوله: (اقتلوه) فقالوا: إنما سرق، فقال: (اقطعوه)، ثم في المرة الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة .. وهكذا.
ولهذا فالذي يبدو والله أعلم أن الحديث ضعيف، والسبب في ذلك ما في متنه من النكارة، وما في إسناده من الضعف، والنسائي لما أورده في سننه قال: هذا حديث منكر.
و الألباني حسنه في سنن أبي داود ؛ ولكنه لم يذكره في صحيح سنن النسائي ، ولم يذكره في ضعيفه، بل ذكر الباب الذي هو فيه، وهو قطع اليدين والرجلين، ولم يذكر تحته حديثاً لا في الصحيح ولا في الضعيف، فالذي يبدو أنه حديث منكر في متنه، وضعيف في سنده، والله تعالى أعلم.
محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل الهلالي صدوق، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا جدي ].
هو عبيد بن عقيل ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ].
مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير لين الحديث، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن محمد بن المنكدر ].
محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر بن عبد الله ].
جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي جليل، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث كما قلت: إن صح فهو محمول على التعزير، فيكون مثل شارب الخمر بعد المرة الثالثة، فإن قتله من باب التعزير.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عمر بن علي حدثنا الحجاج عن مكحول عن عبد الرحمن بن محيريز قال: (سألنا
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب في تعليق يد السارق في عنقه ]، يعني: هل يشرع أو لا يشرع؟
أورد أبو داود حديثاً ضعيفاً، وهو حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فأمر بقطع يده، ثم أمر بتعليق يده في عنقه).
ومعلوم أن تعليقها في العنق من أجل الزجر والردع، ومعلوم أن مجرد رؤية اليد المقطوعة يكفي في الزجر والردع، بالنسبة له وبالنسبة لغيره، أما هو فقد قطعت يده، وخسرها بسبب السرقة، فذلك يكون سبباً في عدم تكرار ذلك منه، وغيره إذا رأى يده المقطوعة فإنه يبتعد ويحذر أن يقع في السرقة، حتى لا يعامل هذه المعاملة، ومعلوم أن هذه العلامة مستمرة وليست مؤقتة، بخلاف تعليق اليد، فإنها تعلق مدة يوم أو يومين وإلا فإنها تنتن ولا تبقى، ولكن مشاهدة اليد المقطوعة هذا مستمر، والمقصود: أن يحصل الزجر بمشاهدة تلك اليد التي قطعت.
ومعلوم أن الحدود هي جوابر وزواجر، فهي جوابر للنقص الذي قد حصل من الذي أقيم عليه الحد، حتى لا يعاقب عليه في الآخرة، وإنما يعاقب عليه في الدنيا بهذا الحد، ويكفيه ذلك ولا تتكرر عليه العقوبة، وزواجر أيضاً له ولغيره، فهو لا يعود ولا يتكرر منه ذلك لئلا يزاد في عقوبته، وغيره كذلك ينزجر حتى لا يعامل بهذه المعاملة.
قوله: [ عن عبد الرحمن بن محيريز قال: (سألنا
يعني: أنه لما سئل فضالة بن عبيد ، هل ذلك من السنة؟ ذكر الحديث، وأن الرسول أمر بتعليقها في عنقه؛ لكن الحديث ضعيف بسبب الحجاج بن أرطأة .
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عمر بن علي ].
هو عمر بن علي بن عطاء بن المقدم ، وهو ثقة وكان يدلس شديداً، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الحجاج ].
هو الحجاج بن أرطأة ، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، وهنا مع كونه كثير الخطأ روى بالعنعنة، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن مكحول ].
هو مكحول الشامي ، وهو ثقة كثير الإرسال، وهذا أيضاً روى بالعنعنة، فهذه أيضاً علة أخرى، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبد الرحمن بن محيريز ].
عبد الرحمن بن محيريز ثقة، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن فضالة بن عبيد ].
فضالة بن عبيد رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
حدثنا موسى -يعني ابن إسماعيل - حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سرق المملوك فبعه ولو بنش) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب في المملوك إذا سرق ]، والمملوك إذا سرق يعامل معاملة غيره من السراق، فإذا سرق من حرز وبلغ ما يسرقه نصاباً فأكثر فإنه يعامل كغيره من السراق الأحرار، فتقطع يده، وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سرق المملوك فبعه ولو بنش).
والنش: عشرون درهماً، ومقداره نصف أوقية؛ لأن نصاب الفضة (200) درهم، والنصاب (5) أواق، والأوقية (40) درهماً، أي: (40 × 5 ) والألباني ضعف الحديث، ولكن يبدو أنه ليس بضعيف؛ وذلك لأن رجاله لا بأس بهم، وأيضاً يشهد له الحديث الذي قال: (بعها ولو بحبل من شعر) متفق عليه، قوله: (ولو بحبل من شعر) فيه تزهيد فيها، وأنها تباع برخص، كما جاء في هذا الحديث أنه يباع ولو بنش، وهو عشرون درهماً.
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو عوانة ].
هو أبو عوانة وضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمر بن أبي سلمة ].
وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة في عصر التابعين، على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثرهم على الإطلاق.
والسبعة هم: أبو هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبو سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك ، وأم المؤمنين عائشة ، ستة رجال وامرأة واحدة.
والكلام عند أهل العلم على عمر بن أبي سلمة ؛ لأنه تضعيف من قبل أهل العلم، وإذا أخذنا بكلمة الحافظ فهو الذي يمشي مع الحديث، أما إذا أخذنا بكلام المتقدمين فإن فيه تضعيفاً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر