حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الرزاق -قال محمد : كتبته من كتابه- قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: كان أبو هريرة يحدث: (أن رجلاً أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أرى الليلة ظلة ينطف منها السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون بأيديهم، فالمستكثر والمستقل، وأرى سبباً واصلاً من السماء إلى الأرض، فأراك يا رسول الله! أخذت به فعلوت به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع، ثم وصل فعلا به، قال
أورد أبو داود رحمه الله باباً في الخلفاء.
والخليفة هو الذي يلي الأمر، ويقال له: خليفة؛ لأنه يكون خليفة لمن قبله، ولهذا لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايع المسلمون أبا بكر صاروا يلقبونه بخليفة رسول الله، لأنه خلفه وقام بالأمر بعده، فيلقبونه: خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا اللقب اختص به؛ لأنه لما جاء عمر رضي الله عنه ثم عثمان ثم علي صار كل واحد منهم يقال له: أمير المؤمنين، وذلك لأن الإضافات ستكثر، فـأبو بكر هو خليفة رسول الله، وعمر يصير خليفة خليفة رسول الله لو جعلت المسألة بالإضافة، وعثمان خليفة خليفة خليفة رسول الله، فتزاد كلمة، وعلي أيضاً يزيد كلمة، فهم بدلاً من هذه الإضافات اختاروا هذا اللقب الذي هو أمير المؤمنين، فصار أول من تلقب بلقب أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، ثم صار يقال لكل واحد من الخلفاء: أمير المؤمنين، فالخلفاء هم الولاة الذين يلون الأمر وكل واحد يخلف الثاني، ويأتي خليفة من بعده، فـأبو بكر جاء بعده عمر وخلفه وولي الناس من بعده، وكان ذلك بعهد إليه أي أن أبا بكر عهد إلى عمر وأوصى بأن يكون هو الخليفة من بعده، واعتبر هذا الاختيار من أعظم حسنات أبي بكر رضي الله عنه؛ لأنه اختار للمسلمين رجلاً قوياً شجاعاً حصل على يديه الخير الكثير حيث فتحت الفتوحات، واتسعت رقعة البلاد الإسلامية، وقضي على دولة الفرس، وحجّم دولة الروم، وأنفقت كنوز كسرى وفلول الروم في سبيل الله على يديه حيث أخذتها الجيوش المظفرة التي بعث بها وأتوا بها إلى المدينة، وتولى قسمتها بنفسه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ثم اختار الصحابة من بعده عثمان ثم بعد ذلك اختاروا علياً رضي الله تعالى عن الجميع؛ فهؤلاء هم أول الخلفاء، ثم جاء خلفاء من بعدهم.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنه رأى ظلة في منامه، والظلة: الشيء الذي له ظل، والمقصود بذلك سحابة لها ظل، تنطف السمن والعسل، يعني: يتساقط منها سمن وعسل، والناس يتكففون بأكفهم هذا السمن والعسل الذي ينزل، (فمنهم المستقل ومنهم المستكثر) أي: منهم الذي حصل شيئاً كثيراً وقع في كفه، ومنهم من حصل له شيء قليل، قال: (ورأيت سبباً نزل من السماء)، والسبب هو: الحبل.
قال: (فأخذت به)، يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم، (فعلوت به ثم أخذه رجل آخر من بعدك فعلا به، ثم آخر فعلا به، ثم آخر انقطع فعلا به) فـأبو بكر رضي الله عنه بادر وقال: إنني أريد أن أعبر هذه الرؤيا، وطلب منه أن يأذن له فأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: (أما الظلة فظلة الإسلام)يعني: هذا الدين الذي جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأما كونها تنطف السمن والعسل فإن ذلك ما جاء به من القرآن، وأن الناس يتفاوتون في الأخذ من القرآن وفي العمل بما جاء في القرآن، فمنهم المستقل ومنهم المستكثر، يعني: على حسب ما يحصل منهم من التطبيق والتنفيذ لما جاء في القرآن، ثم الحبل الذي نزل من السماء وعلا به الرسول صلى الله عليه وسلم هو إشارة إلى ذهابه وإلى الخلفاء من بعده، وأبو بكر رضي الله عنه هو الذي يليه، ثم عمر ، ثم عثمان رضي الله عنه، ثم إنه يحصل ما يحصل له من قيام بعض الناس عليه وحصره في داره ثم قتله فيها، ثم إنه وصل بعد ذلك لـعلي رضي الله عنه، يعني: علا به عثمان ثم انقطع، ثم وصل وجاء رجل آخر فعلا به وهو علي رضي الله عنه وأرضاه، فهذا هو تعبير هذه الرؤيا، ولما فسر أبو بكر رضي الله عنه هذا التفسير وعبرها بهذا التعبير قال: (أخبرني هل أصبت؟ قال عليه الصلاة والسلام: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً، قال: أقسمت لتخبرني بذلك، قال له: لا تقسم) فقوله: لا تقسم أو قال: أقسمت، قيل: المقصود أنه قال: أقسمت ولم يقل: أقسمت بالله، ومثل هذا لا يعتبر قسماً، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقسم، ومن العلماء من يقول: إنه قسم، ولكن اليمين لا تبر إلا إذا كان يترتب على عدم الإبرار مضرة، وأما إذا كان عدم البر فيه مصلحة فإنها لا تبر اليمين، وليس كل من حلف على شيء أن يخبر به فإنه يلزم من حلف عليه الإخبار، فإنه إذا لم يكن في إخباره مصلحة فإنه يحنث في يمينه ويكفرها، وهو خير وأولى من أن يخبر بأمر لا ينبغي الإخبار عنه، ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخبره لأن في ذلك إشارة إلى ما حصل لـعثمان رضي الله عنه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لو أخبر به لكان في ذلك حزن وتأثير على الناس بمثل هذا الخبر، فأخفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه بعد ذلك وقع وعرفه الناس بالوقوع، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله رداً على من تساءل بقوله: كيف لم يفسره الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يخبر به، ثم بعد ذلك يأتي الناس ويفسرونه؟ فقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخبر عن أمر سيقع لأنه يترتب عليه شيء، ولكنه بعدما وقع وبعدما ظهر والناس شاهدوه وعرفوه لم يعد هناك بأس أن يتحدث عنه الناس على ضوء ما وقع وعلى ضوء ما قد حصل.
ومن قال: حلفت عليك أن تعمل كذا أو لا تعمل كذا، ما دام أنه ليس فيه (بالله) فهو ليس بحلف، وكلمة: حلفت أو أقسمت من دون أن يقول: (بالله) ما يعتبر قسماً، لكن حتى لو قال: أقسمت بالله، أو حلف عليه بالله أنه يخبره بسر من الأسرار التي لا ينبغي أن يخبره بها، فالذي حلف هو مخطئ في حلفه، وعليه أن يكفر عن يمينه، لكن الحديث ظاهره أنه ليس فيه حلف، يعني ليس فيه إلا كلمة: (أقسمت).
أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقسم).
معناه: نهي عن القسم في المستقبل، وليس بواضح أنه اعتبرها قسماً؛ لأن قوله: لا تقسم،تعني: لا يحصل منك قسم، لأنه هنا قال: (أقسمت) فقط.
والرواية عند البخاري : (فوالله يا رسول الله! لتحدثني) هذا يوضح كلمة (أقسمت) ويكون الجواب مثل ما ذكر أنه ما يلزم أن كل من حلف تبر يمينه؛ لأن الإنسان قد يحلف على أن يخبر بسر لا ينبغي أن يخبر به.
قوله: [ (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً) ].
الإصابة معروفة في مسألة الحبل، والاتصال بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم وبالنسبة للسمن والعسل والظلة، ولكن يبدو أن الشيء الذي أخطأه هو بيان ما جاء في آخر القصة، مما حصل لـعثمان، وتفسيره له قوله: (وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فهو الحق الذي أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به بعدك رجل فيعلو به) هذا على أنه أبو بكر وهذا طبعاً فيما يتعلق بالخلافة، مجرد كونه يحكم بالحق، وأنه يعلو به، أو يكون عالياً به، بل أيضاً حتى في نفس كونه خليفة، وأنه تبعه ومات بعده.
وهكذا تفسير قوله: (ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به) على أنه عمر .
وقوله: (ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع، فيوصل له فيعلو به).
وهذا فيه إشارة إلى خلافة عثمان ، وابن القيم رحمه الله قال: إن البخاري ما عنده كلمة: (له)، وإنما عنده: (فينقطع)، ثم يوصل، يعني: يوصل لغيره وليس له، والمقصود من ذلك: علي رضي الله عنه والخلافة التي جاءت بعد عثمان، فذكر ذلك ابن القيم في تهذيب السنن حيث قال: البخاري ما جاء عنده (له)، بخلاف مسلم وغيره فإنه جاء عندهم: (فيوصل له)، ومعنى ذلك: أنه يرجع إلى السابق، بينما المقصود عند البخاري: أنه يرجع إلى الذي جاء بعده، لأنه هو انتهى بكونه قتل رضي الله عنه.
وفي اللفظ هنا أنهم ثلاثة فقط: (ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع، ثم يوصل له فيعلو به) ولا يوجد رابع.
قوله: [ (ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع، ثم يوصل له فيعلو به) ].
الخلافة في حقه قطعت بموته، بخلاف غيره فإن الأول مات، وتاليه قتل ولكنه ما قتل على الخلافة رضي الله عنهم، وأما هذا فقد قتل على الخلافة، وكان قد طُلب منه أن يتنازل وأن يتركها، وحصروه في داره حتى قتلوه وهو متمسك بها.
و ابن القيم يقول: لفظ البخاري : (ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به ثم وصل) فقط. وهذا لا يقتضي أن يوصل له بعد انقطاعه به، وقال الصديق في تفسيره في نفس حديث البخاري : (فينقطع به، ثم يوصل له) فهذا موضع الغلط، وهذا مما يبين فضل صدق معرفة البخاري وغور علمه في إعراضه عن لفظة: (له) في الأول، وإنما انفرد بها مسلم. انتهى.
وهنا مسألة عن تعبير الرؤيا: وهي أن هذا الأثر دال على أن تعبير الرؤيا لا شك أنه اجتهاد وليس بوحي، والمفسر يصيب ويخطئ، وليس معناه: أن كل تعبير يكون صواباً، فمنه ما يكون صواباً ومنه ما يكون خطأً.
ويوضح هذا أنه لو عرضت على عدة معبرين لتفاوت تعبيرهم لها.
أورد أبو داود الحديث عن ابن عباس وفيه: (فأبى أن يخبره) ومعناه: أنه طلب منه أن يخبره والرسول ما أخبره، والألباني ضعف هذه الرواية، وسبب التضعيف هو سليمان بن كثير ؛ لأنه لا بأس به في غير الزهري ، وهنا روايته عن الزهري ، لكن قوله: (فأبى أن يخبره) هو مقتضى ما تقدم من أنه طلب وما تحقق له ذلك؛ لأن هذا إخبار عن الواقع، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما أخبره، وامتنع عن إخباره وقد طلب منه وأكد ذلك عليه.
محمد بن يحيى بن فارس مر ذكره، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال محمد : كتبته من كتابه].
محمد هو الذهلي، وقوله: كتبته من كتابه، أي: من كتاب شيخه عبد الرزاق .
[ أخبرنا معمر ].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
مر ذكره.
[ عن عبيد الله بن عبد الله ].
هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا محمد بن كثير ].
محمد بن كثير هو العبدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره.
والعادة أن أبا داود يروي عنه مباشرة، إلا أنه هنا روى عنه بواسطة.
[ حدثنا سليمان بن كثير ].
هو سليمان بن كثير العبدي، وهو لا بأس به في غير الزهري ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس ].
مر ذكرهم.
وهذا يعتبر مرسل صحابي؛ لأن الرواية السابقة تدل على ذلك. فهناك يقول: (كان أبو هريرة يحدث)، وهنا (عن عبد الله ).
أورد أبو داود هذا الحديث عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم رؤيا؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله! رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء فوزنت أنت و
فهو دال على خلافتهم وعلى أن كل واحد منهم يأتي بعد الآخر، وأما ذكر أنهم رأوا الكراهية في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلعل ذلك لما يحصل لـعثمان في آخر الأمر مما قد حصل ووقع.
هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن العنزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ].
محمد بن عبد الله الأنصاري من كبار شيوخ البخاري ، ممن روى عنه الثلاثيات، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الأشعث ].
الأشعث يحتمل أن يكون أشعث بن عبد الله الحداني ، أو أن يكون أشعث بن عبد الملك الحمراني ؛ لأن كلاً من هذين الاثنين روى عن الحسن البصري ، وروى عنه محمد بن عبد الله الأنصاري ، وكل منهما محتج به، فـالحداني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن، والحمراني ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[ عن الحسن ].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي بكرة ].
أبو بكرة هو نفيع بن الحارث رضي الله عنه، صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وما ذكر الكراهية، ولكن ذكر الاستياء، وهو بمعنى واحد، فكونه استاء أو أنهم رأوا الكراهية في وجهه معناهما واحد، وفيه أيضاً: أنه قال: (خلافة نبوة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء).
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن علي بن زيد ].
هو علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ].
عبد الرحمن بن أبي بكرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
مر ذكره.
وهذا الإسناد فيه ابن جدعان ، ولكن الحديث ثابت بالطريق التي قبله.
وقوله: [ (خلافة نبوة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء) ].
جاء ما يدل عليه، وهو حديث سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء).
قال أبو داود : ورواه يونس وشعيب ، لما يذكرا عمرو بن أبان ].
أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أري الليلة رجل صالح أن
والحديث في إسناده ضعف من جهة أن الذي يروي عن جابر في بعض الطريق الموجودة مقبول، وأيضاً جاء عن بعض الرواة أن ذلك المقبول لم يذكر فيكون فيه انقطاع بين الزهري وبين جابر رضي الله تعالى عنه.
هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا محمد بن حرب ].
هو محمد بن حرب الحمصي الأبرش، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزبيدي ].
الزبيدي هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ عن ابن شهاب ].
هو ابن شهاب محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن أبان ].
عمرو بن أبان مقبول، أخرج له أبو داود .
[ عن جابر ].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[ قال أبو داود : ورواه يونس وشعيب ، لم يذكرا عمرو بن أبان ].
قال أبو داود : ورواه يونس وشعيب عن الزهري ، ولم يذكرا عمرو بن أبان ، فيكون منقطعاً، والزهري لا يروي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فيكون منقطعاً، وعلى كل حال فهو إما منقطع وإما فيه ذلك الواسطة الذي هو مقبول ويحتاج إلى متابعة، ويونس هو ابن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وشعيب هو ابن أبي حمزة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود هذا الحديث عن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه رأى كأن دلواً دلي، فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بعراقي الدلو، والعراقي هي الخشبتان المعترضتان اللتان تربط بها أطراف الدلو، فهذه يقال لها: العراقي، قال: (فجاء
حتى تضلع، يعني: ملأ بطنه واتصل بطنه بضلعه من امتلاء البطن، وكذلك جاء عثمان فشرب حتى تضلع، ثم أخذها علي رضي الله عنه فانتشطت، يعني: اضطربت، فأصابه شيء منها، وهذا يدل على خلافة كل واحد منهم، وأن أبا بكر رضي الله عنه مدته وجيزة، وعمر مدته طويلة، وهي عشر سنوات وأشهر، وعثمان رضي الله عنه مدته اثنتا عشرة سنة، وعلي رضي الله أربع سنوات وأشهر، ولكن الحديث في إسناده رجل فيه ضعف، وهو الذي يروي عن سمرة وهو مقبول.
قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ].
محمد بن المثنى هو أبو موسى العنزي الملقب بـالزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثني عفان بن مسلم ].
هو عفان بن مسلم الصفار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد بن سلمة ].
هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أشعث بن عبد الرحمن ].
أشعث بن عبد الرحمن صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن أبيه ].
مقبول أخرج له أبو داود .
[ عن سمرة بن جندب ].
سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
فالحديث الذي فيه رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف في حق أبي بكر وعمر ثابت في الصحيحين، وأما هذا الذي فيه نزول الدلو، وأن أبا بكر شرب شرباً ضعيفاً وعمر شرب حتى تضلع -يعني: حتى اتصل أو التصق بطنه بضلعه من امتلائه بالماء- وكذلك عثمان هذا الحديث فيه ضعف.
أورد أبو داود هذا الأثر عن مكحول قال: لتمخرن الروم الشام أربعين صباحاً، يعني: أربعين يوماً، ومعناه: أنهم يجوبونها مثلما تمخر السفينة في الماء حيث تشقه وتمضي فيه، لا يمتنع منها إلا دمشق وعمّان، وهما مدينتان من مدن الشام مشهورتان معروفتان.
ولا يظهر له مناسبة فيما يتعلق بالخلفاء، إلا إذا كان كما يقول صاحب العون: انقضاء الخلافة وظهور الفتن بعد زمن الخلفاء الراشدين.
لكن وكما هو معلوم فإن كانت الخلافة الراشدة قد انتهت، إلا أن الخلافة استمرت بعدها، وحصل لها ثبات واستقرار، وكلام مكحول كلام تابعي، فهو ليس ثابتاً، ولا يقال: له حكم الرفع؛ لأنه ما هو بكلام صحابي، وإنما هو كلام تابعي، وهو كلام مرسل، ويجوز أنه أخذ من بعض الكتب أو القصص أو الحكايات، فلا يعتبر ولا يعول عليه؛ لأنه ما جاء فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو صح فيمكن أن يكون في المستقبل، ولا يقال: إنه بعد الخلافة الراشدة، لأنه بعد الخلافة الراشدة -كما هو معلوم- كانت الأمور مستقرة والمسلمون متمكنون من الشام، ولم يحصل للروم دخول بعد أن خرجوا منه في زمن عمر، ومعاوية رضي الله عنه بعدما حصل تنازل الحسن مكث في الخلافة عشرين سنة والأمر بيده، وأمر الإسلام ظاهر وقوي وعزيز، وقد غزوا البلاد المختلفة والجهاد ماض، والروم ما دخلوا بلاد الشام إلا دمشق وعمان، فالقول بأن الخلافة ضعفت بعد الخلفاء الراشدين غير صحيح.
علي بن سهل الرملي صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة.
[ حدثنا الوليد ].
الوليد هو ابن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سعيد بن عبد العزيز ].
سعيد بن عبد العزيز ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن مكحول ].
مكحول هو الشامي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
و الألباني ضعف هذا الأثر، ولا أدري هل تضعيفه من جهة الوليد بن مسلم وأنه مدلس، أو شيء آخر، لكن كما هو معلوم من حيث الثبوت لا يعتبر ثابتاً؛ لأن هذا إخبار عن أمر مستقبل، وهذا لا يعتبر إلا إذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقال: إن له حكم الرفع؛ لأن هذا كلام تابعي، والصحابي إذا أخبر عن أمر ليس للرأي فيه مجال ولم يكن معروفاً بالأخذ بالإسرائيليات فإن له حكم الرفع -أي: كلام الصحابي- لأنه إخبار بالأمور المغيبة.
أورد هذا الأثر عن عبد الرحمن بن سلمان قال: يأتي ملك من ملوك العجم يظهر على المدائن كلها إلا دمشق، وهذا مثل الذي قبله، يعني: هو كلام تابعي وليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ولا كلام صحابي.
قوله: [ حدثنا موسى بن عامر المري ].
موسى بن عامر المري صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود .
[ عن الوليد عن عبد العزيز بن العلاء ].
الوليد بن مسلم تقدم، وعبد العزيز بن العلاء صوابه: عبد الله بن العلاء وهو عبد الله بن العلاء بن زبر، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ أنه سمع أبا الأعيس عبد الرحمن بن سلمان ].
عبد الرحمن بن سلمان ، ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وأخرج له أبو داود .
والشيخ الألباني حكم عليه بأنه صحيح الإسناد مقطوع، والوليد بن مسلم صرح بالسماع هنا.
أورد أبو داود هذا الأثر عن مكحول ، وقد رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (موضع فسطاط المسلمين في الملاحم أرض يقال لها: الغوطة) وهي البساتين التي حول دمشق، والفسطاط معناه: الخباء، ومعنى ذلك: أن جيوش المسلمين تكون في ذلك المكان، وهذا مرسل؛ لأن التابعي إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.. فهذا هو المرسل في اصطلاح المحدثين، والمرسل ضعيف؛ لأنه يحتمل أن يكون الذي سقط صحابياً أو تابعياً، وعلى فرض أنه تابعي فيحتمل أن يكون ثقة وأن يكون ضعيفاً، فهو من أجل احتمال أنه تابعي وأن التابعي يكون ضعيفاً أو ثقة اعتبر من قبيل الضعيف، ولو كان الساقط الصحابي فقط فلا يؤثر؛ لأن الصحابة كلهم عدول، ولهذا فقول صاحب البيقونية:
ومرسل منه الصحابي سقط..
هذا الكلام غير مستقيم؛ لأنه لو كان السقوط للصحابي فقط ما كان هناك إشكال، ولكن الإشكال في كون المحذوف الساقط يحتمل أن يكون صحابياً وأن يكون تابعياً، وعلى احتمال أنه تابعي يكون ثقة أو ضعيفاً، لكن الحديث جاء عن أبي الدرداء بهذا اللفظ وزيادة، وقد سبق أن مر في باب المعقل من الملاحم، فيكون أثر مكحول صحيحاً بذاك الذي سبق أن مر وهو صحيح، وإلا لو كان الحديث ما جاء إلا من هذا الطريق فإنه لا يعتبر لكونه مرسلاً، ولكنه جاء من طريق أخرى غير هذا الطريق ومتصل، فيكون هذا له أصل في الصحيح.
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
حماد هو ابن سلمة بن دينار ، وإذا جاء حماد غير منسوب ويروي عنه موسى بن إسماعيل فهو حماد بن سلمة كما عرفنا ذلك مراراً، وحماد بن سلمة مر ذكره.
[ أخبرنا برد أبو العلاء ].
برد أبو العلاء صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[ عن مكحول ].
مكحول قد مر ذكره.
أورد أبو داود هذا الأثر عن الحجاج ، وهو يتعلق بالخلفاء على اعتبار أنه أمير لـعبد الملك بن مروان أحد خلفاء بني أمية، والحجاج -كما هو معلوم- معروف بالظلم، وقد قالت أسماء بنت أبي بكر لما قتل ابنها عبد الله بن الزبير : إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج في ثقيف كذاب ومبير) فأما الكذاب فقد عرفناه، وأما المبير فلا أخاله إلا أنت، والمبير هو الظالم المهلك، والحجاج كان شديد البأس، وكان عنده ظلم وهو مشهور بذلك.
أورد أبو داود عنه هذا الأثر أنه قال: إن مثل عثمان كمثل عيسى الذي قال الله تعالى فيه: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [آل عمران:55] ومعناه: أن قرابة عثمان وهم بنو أمية فيهم الخلفاء وهو أحد أمرائهم، وأنهم باقون، وأن لهم التفوق على غيرهم، يقول: يشير إلينا وإلى أهل الشام، يعني: إلى أهل العراق وإلى أهل الشام أي: الذين اتبعوا بني أمية وتابعوهم ولم يخالفوهم، فهو يشير إلى هؤلاء الذين رضوا والذين هم مطيعون وليسوا معارضين لخلافة بين أمية.
هو عبد السلام بن مطهر، وهو صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود .
[ حدثنا جعفر ].
جعفر هو ابن سليمان الضبعي، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عوف ].
هو عوف بن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: سمعت الحجاج يخطب ].
الحجاج ليس له رواية، وإنما ورد ذكره في الكتب.
أورد أبو داود هذا الأثر عن الحجاج وفيه: أنه خطب فقال في خطبته: رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه أم خليفته في أهله؟ والمقصود من ذلك: معرفة الفرق بين هذا وهذا، وهذا الذي فهمه الربيع بن خالد الضبي ؛ ولذا قال: لله علي ألا أصلي خلفك صلاة أبداً، وفهم أنه يفضل الخلفاء على الرسل والأنبياء، ومعلوم أن هذا لو حصل أو ثبت يكون ردة، ولكن الإسناد لم يثبت؛ لأن فيه المغيرة بن مقسم الضبي وهو مدلس، ثم أيضاً يحتمل ألا يريد تفضيل الخلفاء على الأنبياء وعلى الرسل، وإنما يريد أن الإنسان إذا أرسل إنساناً في حاجة له وكذلك لو جعل أحداً يخلفه في أهله إذا غاب عنهم، فإن الذي يخلفه أولى من الذي يرسله في حاجة، فيكون من حيث المعنى لا شك أنه صحيح، وأما إذا أريد به المقارنة والموازنة بين الرسل وبين الخلفاء فإن هذا ردة والعياذ بالله وكفر بالله عز وجل.
فهذا الأثر لم يثبت، ولو ثبت أن الحجاج يقارن بين الرسل وبين الخلفاء فهذا ردة، وكلام الذي نذر لا شك أنه مبني على أنه فهمه أنه مقارنة بين الرسل وبين الخلفاء.
إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ثقة، أخرج له أبو داود .
[ حدثنا جرير ].
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح، وحدثنا زهير بن حرب ].
(ح) وهي التحول من إسناد إلى إسناد.
وزهير بن حرب هو أبو خيثمة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ قالا: حدثنا جرير عن المغيرة ].
المغيرة هو ابن مقسم الضبي، وهو ثقة ولكنه مدلس، وهنا روى بالعنعنة، فيكون ذلك الأثر غير صحيح، لعنعنة هذا المدلس.
[ عن الربيع بن خالد الضبي ].
الربيع بن خالد الضبي ثقة، أخرج له أبو داود .
[ زاد إسحاق في حديثه قال: فقاتل في الجماجم حتى قتل ].
أي: الربيع الذي نذر أنه إذا وجد أناساً يقاتلونه فسيقاتله معهم، وذلك في القتال الذي حصل بين الحجاج وبين عبد الرحمن بن الأشعث في دير الجماجم.
أورد أبو داود هذا الأثر عن الحجاج عن الأعمش وعن عاصم بن أبي النجود بهدلة ، يقول بأنه سمع الحجاج يخطب ويقول: (اتقوا الله ما استطعتم ليس فيها مثنوية) يعني: بدون استثناء، يعني: اتقوا الله عز وجل في امتثال أوامره ليس في ذلك استثناء، وليس فيه إلا الاستجابة والالتزام بما جاء عن الله عز وجل من تقوى الله على حسب الاستطاعة فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] (واسمعوا وأطيعوا ليس فيها مثنوية لأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان)، يعني: اسمعوا وأطيعوا بدون استثناء، ومعلوم أن السمع والطاعة لولاة الأمور فيها استثناء وليست على إطلاقها، بل ذلك في حدود طاعة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، فيسمع له ويطاع في حدود طاعة الله ورسوله، وليس على الإطلاق؛ لأنه جاءت السنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه يسمع لولاة الأمر فيما أمروا به فيما كان ليس معصية، أما إذا أمروا بمعصية فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما جاءت السنة بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد قال المفسرون في قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]: إن فعل الأمر ( أطيعوا ) أعيد مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعد مع ولاة الأمور، فلم يقل الله عز وجل: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر منكم، وإنما قال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فأعاد الفعل ( أطيعوا ) مع الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يعده مع ولاة الأمور؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم لا يأمر إلا بما هو حق وهو مبلغ عن الله، وكل ما يأتي به فهو وحي من الله عز وجل، وأما ولاة الأمور فإنهم يصيبون ويخطئون، وليسوا بمعصومين، فلم يأت إعادة الأمر ( أطيعوا ) معهم كما أعيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فتكون طاعتهم مقيدة في حدود ما هو طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أو في حدود ما ليس بمعصية لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا حصل منهم الأمر بما هو معصية فلا يسمع لهم ولا يطاع، وإنما يطاع لله ولرسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ويستجاب لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ اتقوا الله ما استطعتم ليس فيها مثنوية، واسمعوا وأطيعوا ليس فيها مثنوية لأمير المؤمنين عبد الملك ، والله لو أمرت الناس أن يخرجوا من باب من أبواب المسجد فخرجوا من باب آخر لحلت لي دماؤهم وأموالهم ].
هذا كلام باطل، نعم عليهم السمع والطاعة إذا أمرهم بأمر ليس فيه معصية، ولكن كونه تحل له الدماء والأموال بمجرد المخالفة في مثل هذا الأمر الذي ذكره حيث يقول لهم: اخرجوا من هذا الباب، فخرجوا من باب آخر غير الباب الذي قال لهم فهذا باطل إذ لا تحل له دماؤهم إلا بما جاءت به الشريعة، وهذا الكلام إنما يدل على ظلمه وعلى جوره وعلى شدة بطشه وبأسه.
قوله: [ والله! لو أخذت ربيعة بمضر لكان ذلك لي من الله حلالاً ].
وهذا كلام باطل أيضاً؛ فأخذ ربيعة بمضر يعني: يقتل قبيلة بقبيلة، أو يأخذ قبيلة بقبيلة، وربيعة بن نزار تنسب إليه القبيلة المشهورة الكبيرة الواسعة، ومضر بن نزار ينتهي إليه نسب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن مضر هو جد الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس بينه وبين عدنان إلا اثنان فهو مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وعدنان هو الأب الحادي والعشرون للرسول صلى الله عليه وسلم، فـربيعة ومضر أخوان وهما أولاد نزار بن معد بن عدنان ، وهما قبيلتان مشهورتان كبيرتان واسعتان، فقوله: (لو أخذت ربيعة بمضر كان ذلك لي من الله حلالاً) لا يجوز أخذ شيء ولا قتل لأحد إلا في حدود ما هو سائغ شرعاً، أما مخالفة الشرع والقتل بالظلم فهذا حرام.
قوله: [ ويا عذيري من عبد هذيل! يزعم أن قراءته من عند الله! والله! ما هي إلا رجز من رجز الأعراب ما أنزلها الله على نبيه صلى الله عليه وسلم ].
وهذا كلام باطل، والمقصود بذلك عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن له مصحفاً، وهو ليس كما قال الحجاج وإنما هو عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا من ظلمه وبطشه وكذبه، فإن الأمر ليس كما يقول، ومعلوم أن عثمان رضي الله عنه وأرضاه جمع الناس على مصحف واحد، وأحرق ما سوى ذلك إلا ما كان عند عبد الله بن مسعود فإنه أبى أن يعطيهم إياه واحتفظ به، وقال الحجاج هذه المقالة لأنه لم يعط عثمان المصحف ليحرقه كما أحرق غيره، وبقي الناس على المصحف الذي جمعه عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فكلام الحجاج باطل.
قوله: [ وعذيري من هذه الحمراء ].
المقصود من ذلك الموالي الذين قيل: إن أمهم حمراء وليسوا من العرب.
قوله: [ يزعم أحدهم أنه يرمي بالحجر فيقول: إلى أن يقع الحجر قد حدث أمر ].
يزعم أحدهم أنه يرمي بالحجر فيقول: إلى أن يقع الحجر قد حدث أمر، ما أدري وجه هذا الكلام، يعني هل يقول: إنه قبل أن يقع الحجر، أنه حدث أمر، وأن هذا مبادرة أو سرعة إلى الكذب وإلى حصول شيء قبل أن يقع الحجر، في فترة وجيزة؛ لأن الحجر إذا رمي يقع بعد فترة وجيزة، ولا يطول بقاؤه في الهواء قبل أن يقع على الأرض، (قد حدث أمر) لعل المقصود أنه إخبار بأمور فيها إرجاف أو فيها أمور وفيها تنغيص وتكدير للصفو، أي: يريد الحجاج من وراء ذلك تخويف الناس وتهديدهم ألا يقع أمور فيها عدم بقاء الأمن واستمرار الأمن..
قوله: [ والله! لأدعنهم كالأمس الدابر ].
معناه: أنه يقضي عليهم فينتهي أمرهم مثلما انتهى أمس ومضى، ومعنى ذلك: أنه يقضي عليهم. وهذه العبارة تشبهها العبارة التي عند الأدباء في هذا الزمان، يقولون: أصبح في خبر كان، يعني: أنه مضى وانتهى.
قوله: [ قال: فذكرته للأعمش ، فقال: أنا- والله- سمعته منه ].
يعني: هذا الكلام الذي قلته أيضاً أنا سمعته.
وهذا كلام فيه حق، وفيه كلام فيه حق وباطل، وفيه كلام باطل، فالأول حق بلا شك، اتقوا الله ما استطعتم ليس فيها مثنوية، والثاني: اسمعوا وأطيعوا لأمير المؤمنين ليس فيها مثنوية، هذا فيه حق وباطل؛ لأنه إذا كان في غير معصية فهو حق، وإن كان في معصية فهو باطل، وأما ما بعد ذلك من التهديد والكلام فهو باطل.
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو بكر ].
هو أبو بكر بن عياش، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[ عن عاصم ].
هو عاصم بن أبي النجود بهدلة، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وحديثه في الصحيحين مقروناً.
[ ثم قال: فذكرته للأعمش ].
الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ولا شك أن ذاك الكلام الذي مر قريباً لو ثبت لكان كفراً واضحاً وهو قضية المقارنة بين الرسل والخلفاء، وهذا لا شك أنه أمر خطير، ولا يبعد أن يكون كفراً، وكون الذي جاء عن عبد الله بن مسعود أنه مصحف وأنه تلقاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من أراجيز الأعراب.
وهذا مثل الذي قبله إلا أن فيه زيادة (هبر هبر)، يعني: قطع قطع، وطبعاً هذا تهديد مثل الذي قبله، يعني: أجعلهم كالأمس الدابر.
قوله: [ أما -والله- لو قد قرعت عصاً بعصا لأذرنهم كالأمس الذاهب ].
معنى ذلك: أنه لو حصل منهم أي شيء ولو كان شيئاً يسيراً مثل المضاربة بالعصي وأنه كان سبباً لبدء الفتنة لأفعلن بهم كذا وكذا، وأجعلهم كالأمس الدابر، معناه: أقضي عليهم، إذا حصل منهم أي شيء ولو كان شيئاً يسيراً فإني أعاقبهم تلك العقوبة التي هي إفناؤهم، فكأن هذا يشعر بأنه لو حصل أي شيء يسير كقرع عصا بعصا فأنا أعقابهم بتلك العقوبة التي هي قطعهم وإفناؤهم وجعلهم كالأمس الدابر، وهذا كذلك من الظلم؛ لأن مجرد حصول ضرب بعصا أو حصول شيء يسير لا تكون المعاقبة عليه بالإفناء.
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[ حدثنا ابن إدريس ].
ابن إدريس هو عبد الله بن إدريس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
الأعمش مر ذكره.
ولأجل ذلك أُسقطت من رواية اللؤلؤي .
ذكر أبو داود هذا الكلام عن الحجاج بمثل الذي تقدم، والذي فيه: أخذ ربيعة بمضر، وما وراءه من الكلام الباطل، وقال: لم يذكر قصة الحمراء الذين هم الموالي.
قوله: [ حدثنا قطن بن نسير ].
قطن بن نسير صدوق يخطئ، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي .
[ حدثنا جعفر -يعني ابن سليمان - ].
هو جعفر بن سليمان الضبعي، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا داود بن سليمان ].
داود بن سليمان ذكر في تحفة الأشراف قال: سليمان بن داود ، لكن ما أدري ما المقصود بـسليمان بن داود ، والإسناد هذا ما أدري هل هو متصل أو أن فيه تحويلاً؛ لأن شريكاً طبقته متأخرة، وفي الغالب أن يكون بينه وبين أبي داود واسطة واحدة، فيحتمل أن يكون هناك طريق أخرى، ولكن ما أدري ما المقصود بـسليمان بن داود هذا الذي ذكره في تحفة الأشراف.
[ عن شريك ].
شريك هو ابن عبد الله النخعي الكوفي، وهو صدوق اختلط لما ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن الأعمش ].
الأعمش مر ذكره.
أورد أبو داود هذا الحديث عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله الملك -أو ملكه- من يشاء) هذا شك من الراوي، هل قال: ملكه، أو الملك، وهذا فيه دليل على أن خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة خلافة نبوة، وأنهم على منهاج النبوة، وهم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض : (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) فهذا الحديث يدل على فضل الخلفاء، وحديث سفينة يدل على فضل الخلفاء وعلى فضل خلافتهم، وأنها خلافة نبوة، وذلك أنهم أتوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، وهم على منهاجه وعلى طريقته، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع سنتهم مع سنته صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض الذي أشرت إليه.
ثم إن سفينة أخبر سعيد بن جمهان بتفصيل هذه الثلاثين فقال: (امسك) يعني: اعدد (
سوار بن عبد الله ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا عبد الوارث بن سعيد ].
هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن جمهان ].
سعيد بن جمهان صدوق له أفراد، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن سفينة ].
هو سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله: (ثم يؤتي الله ملكه- أو يؤتي الملك- من يشاء) فهذه طريق أخرى إلى سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيه: قال سعيد بن جمهان قلت: لـسفينة : (إن هؤلاء يزعمون أن
وهذا كلام باطل، فخلافة علي رضي الله عنه خلافة ثابتة وخلافة راشدة، وبعد وفاة عثمان رضي الله عنه ما وجد على ظهر الأرض من هو أفضل منه؛ لأنه أفضل هذه الأمة بعد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عن الجميع.
عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا هشيم ].
هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن العوام بن حوشب ].
العوام بن حوشب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن جمهان عن سفينة ].
مر ذكرهما.
الجواب: جاء في القرآن ما يدل على ذلك كما قال الله عز وجل: وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد:10] والحسنى فسرت بأنها الجنة.
الجواب: معلوم أن الاجتماع حصل من الأنصار أولاً، وأنهم رأوا أن الولاية تكون فيهم أو يكون لهم -على الأقل- نصيب من الولاية، وأرادوا أن يولوا سعد بن عبادة ، ولكن أبا بكر وعمر وبعض المهاجرين بادروا إليهم لئلا يحصل اتفاقهم على شيء يترتب عليه أضرار ومفاسد، فأرادوا أن يحسموا الأمر وأن يبين الأمر للجميع قبل أن يتخذ شيء، وقبل أن يحصل شيء من الأنصار يتفقون عليه، فلما بين عمر رضي الله عنه منزلة أبي بكر ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قدمه لإمامة الصلاة في مرض موته، وقد روجع في ذلك والرسول صلى الله عليه وسلم أصر على أن يكون هو الذي يتولى، قال عمر رضي الله عنه: رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ديننا، أفلا نرتضيك لأمر دنيانا؟ وبعد ذلك حصل الاتفاق من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، ووقع الشيء الذي أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (يأبى الله والمؤمنون إلا
الجواب: حديث صحيح.
ومعناه: أن من كان الرسول صلى الله عليه وسلم مولاه فإن علياً مولاه، ومعنى ذلك: أن علياً رضي الله عنه بالمنزلة الرفيعة، ولكن لا يقال: إن هذا يختص بـعلي رضي الله عنه وأرضاه، كما جاء في الحديث الآخر: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)، وقد جاء هذا في حق الأنصار عموماً (آية الإيمان: حب الأنصار، وآية النفاق: بغض الأنصار)، ولكن التنصيص على علي رضي الله عنه في ذلك يدل على فضله، لا على أفضليته على من هو أفضل منه.
الجواب: مثل هذا التعبير ما يصلح، وإنما يقول: تفضلوا حياكم الله، أما إضافة النبي صلى الله عليه وسلم فهذا خطأ ولا يصلح.
الجواب: مثل هذا الكلام من الأخطاء البينة والأخطاء الواضحة، والواجب هو الاعتدال والتوسط في الأمور والتحرز من آفات اللسان وما يحصل بسببه مما لا تحمد عقباه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يضمن لي ما بين لحييه وبين رجليه أضمن له الجنة)، والمقصود من ذلك: اللسان والفرج، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في وصيته لـمعاذ : (وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم).
فالواجب على الإنسان أن يتحرز من لسانه وألا يطلقه فيما يعود عليه بالمضرة، ثم أيضاً كون الشخص يحصل منه خطأ ثم يقال كما جاء في السؤال: إنه أخبث من كذا وأخطر من كذا وأشد من كذا.. هذا أيضاً زيادة في ضرر الإنسان نفسه، بكونه يأتي بمبالغات، ويأتي بكلام لا يكون صحيحاً، ولا يكون مستقيماً ولا يكون مطابقاً للواقع، ثم أيضاً ما يحصل بسبب ذلك من الفوضى ومن إساءة الظن بالإخوان بعضهم ببعض ومن هجر وما إلى ذلك؛ كل هذا من الأمور التي هي من عمل الشيطان، والتي فيها كيد الشيطان للإنسان ليوقعه في المهالك ويوقعه فيما يعود عليه بالمضرة.
والواجب أن يحاسب الإنسان نفسه ويحفظ لسانه، وآفات اللسان شأنها خطير وأمرها عظيم، ومن حظ الإنسان أن يحفظ لسانه عن أن يتكلم بشيء يعود عليه بالضرر، وما يحصل من بعض الإخوان من أهل السنة من أن يهتم بعضهم بالنيل من بعض والكلام في بعض وتصرف الجهود في ذلك ويترك الأعداء الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، هذا من الأمور التي فيها كيد الشيطان للإنسان بأن يصرفه عما ينبغي أن يكون عليه، وأن يصرفه إلى شيء ينبغي أن يصون نفسه منه.
الجواب: الواجب على كل مسلم أن يحتاط لدينه وأن يحتاط لنفسه، وألا يقحم نفسه في أمور تعود عليه بالمضرة، بل الواجب هو التناصح بين المسلمين وخاصة أهل السنة والجماعة، ينصح بعضهم بعضاً، ويحسن بعضهم إلى بعض، ويتعاونون فيما بينهم على الخير، ويحذر بعضهم بعضاً مما وقع فيه ليرجع عنه، ولا ينقسم الناس بعد ذلك إلى من يؤيد هذا ضد هذا أو هذا ضد هذا، وإنما الإنسان يحرص على أن يكون الحق هو ضالته التي ينشدها، وأن يحب الخير لكل أحد، فيحب لمن أخطأ أن يرجع.
وأما حصول الاختلاف وشغل الأوقات فيما يحصل بين أهل السنة والجماعة من كلام بعضهم في بعض ومتابعة طلبة العلم لذلك وانشغالهم به ويكون هو شغلهم الشاغل؛ فهذا لا يليق بطالب العلم، بل على طالب العلم أن يحرص على الاشتغال بالعلم وألا يشغل نفسه بقال فلان وقال فلان، ولا يجوز له أن يتبع ذلك الذي اشتغل به من قول فلان وفلان لأنه يترتب على ذلك شحناء وعداوة وهجر وتباغض وتباعد، فإن الواجب هو التناصح والواجب أن يحسن كل واحد إلى الآخر ويحب الخير لنفسه، ويحصل التعاون على البر والتقوى، وأما انقسام أهل السنة إلى متنازعين متخاصمين يتكلم بعضهم في بعض ويبدع بعضهم بعضاً وينال بعضهم من بعض ويهجر بعضهم بعضاً، فهذا ليس فيه مصلحة وإنما فيه مضرة، وكان ينبغي أن تشغل الأوقات في الكلام مع أعداء السنة الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وأما من كان من أهل السنة وعنده خطأ فإنه يناصح ويجادل بالتي هي أحسن، ويحرص على هدايته وعلى تقريبه وعدم إبعاده ورميه ونبذه.
فالواجب هو التوسط في الأمور والاعتدال فيها، وعدم الإفراط والتفريط، وما يحصل من التفسيق والتبديع والهجر وما إلى ذلك هذا من عمل الشيطان، وهذا من كيد الشيطان للإنسان، بل الواجب كما أشرت هو الاشتغال بالعلم وعدم الاشتغال بمتابعة ما يحصل بين بعض أهل السنة من كلام بعضهم في بعض؛ لأن ذلك يشغل عن العلم ويترتب عليه أمور منكرة مثل ما أشير إليه من حصول الهجر من بعضهم لبعض، وهذا غلط، إذ لو كان كل من حصل منه خطأ يهجر أو يهجر من يقرأ في كتبه أو يسمع كلامه لما سلم من ذلك أحد لأن الجميع معرّض للخطأ وبعض العلماء -ما نقول: كثير من العلماء- حصل منهم أخطاء، والناس ما هجروهم ولا تركوهم ولا تركوا كتبهم، وإنما استفادوا منهم، والخطأ يرد على صاحبه، لكن لا يكون ذلك سبباً لانقسام الناس إلى أقسام وإلى أحزاب، فإن هذا من كيد الشيطان للإنسان. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
الجواب: هذا من أبطل الباطل، وإضافة خلل أو نقص أو تنقيص أو ذم لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ هذا يدل على أن هذا المتكلم هو الحقيق بالذم، كما قال أبو المظفر السمعاني: إن القدح في أحد من الصحابة علامة على خذلان فاعله، بل هو بدعة وضلالة، فكيف ينال من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ويتكلم في حقهم، ويقال: إن فيهم خللاً ونقصاً في التربية، فمن هم المربون إذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا متصفين بهذا الوصف؟! وهذا كلام سيئ وكلام باطل، ولا يجوز أن تحرك الألسنة بمثل هذا الكلام الباطل.
الجواب: ما ندري عن هذا، لكن لو كان مرسلاً معناه أنه ما له قيمة، النتيجة واحدة؛ لأن المرسل لا عبرة به ولو صرح بإضافته للرسول صلى الله عليه وسلم، ويكون غير ثابت؛ لأن المرسل فيه سقوط، وقد يكون الساقط تابعياً كما أشرت.
فالحاصل أنه حتى لو قيل: إنه يكون مرسلاً؛ فالنتيجة واحدة، وهي أنه لا يحتج به ولا يثبت.
الجواب: هذا كلام ليس بمستقيم، وكون الإنسان له فراسة وأنه يصيب كثيراً وأنه دائماً وأبداً يكون كما يخمن هذا كلام غير مستقيم، وإذا جرح أحداً عن علم فهو كغيره، ولكن بعض الناس كما هو معلوم أشد تثبتاً من بعض، مثلما قال الذهبي رحمه الله في كتابه من يعتمد قوله في الجرح والتعديل، لما ذكر يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وأشار إلى تمكنهما في علم الجرح والتعديل قال: إذا جرحا شخصاً فلا يكاد يندمل جرحه، معناه: أنهما يصيبان، لكن كما هو معلوم كل يصيب ويخطئ.
وقولهم في فلان: لا تكاد تخطئ له فراسة، إن كان المقصود به: أن صوابه كثير. فهذا معقول، وأما كونه يقال عن شخص: إنه لا يخطئ. فهذا القول ليس بصحيح؛ لأنه لا أحد يسلم من الخطأ.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر