قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا سفيان ، ح: وحدثنا أحمد بن صالح المعنى حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع طاوساً يقول: سمعت أبا هريرة يخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (احتج آدم وموسى، قال موسى: يا آدم! أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة! فقال آدم: أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده، تلومني على أمر قدره علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى) .
قال أحمد بن صالح عن عمرو عن طاوس سمع أبا هريرة ].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه في محاجة آدم وموسى عليهما الصلاة والسلام.
ومن المعلوم أن القدر لا يجوز الاحتجاج به على ترك أمر، ولا على فعل نهي، فالإنسان إذا حصلت منه معصية بأن ترك مأموراً وعوتب على ذلك فلا ينفعه أن يقول: هذا شيء مقدر، وكذلك إذا قيل له: لماذا زنيت؟ لا ينفعه أن يقول: هذا شيء مقدر، بل يعاقب العقوبة التي يستحقها ويقال: أذنبت ذنباً وهو مقدر وهذه عقوبتك وهي مقدرة، وكل شيء بقضاء وقدر.
وهذا الحديث فيه المحاجة بين آدم وموسى عليهما الصلاة والسلام وأن موسى قال لآدم ما قال، وأجابه آدم بأن هذا شيء قد كتبه الله عليه قبل أن يخلق، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (فحج آدم موسى)، يعني: غلبه بالحجة.
ففي الحديث أن آدم احتج بالقدر على المعصية، وقد أجيب عن هذا الحديث وتوجيهه -مع أنه لا يجوز الاحتجاج بالقدر على المعاصي- بجوابين:
أحدهما ذكره ابن القيم عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهو: أن الاحتجاج بالقدر إنما هو على المصيبة التي جاءت نتيجة للذنب، وترتبت على الذنب، وليس على الذنب والمعصية، فهو ما لامه على المعصية، وإنما لامه على الأمر الذي تبع المعصية، وهو المصيبة التي حلت به وبذريته بأن أخرجوا من الجنة، والتي جاءت نتيجة للذنب، قالوا: والقدر يحتج به على المصائب ولا يحتج به على المعائب.
والتوجيه الثاني: وقد ذكره ابن القيم نفسه، قال: وهو أنه إذا كان الإنسان لم يتب من الذنب فإن احتجاجه بالقدر غير صحيح ولا يعتبر؛ لأنه مصر على الذنب وغير تائب منه، وأما إذا كان قد تاب منه فلامه لائم واحتج بالقدر، فعند ذلك يجوز، وفعل آدم عليه الصلاة والسلام هو من هذا القبيل؛ لأنه بعد التوبة.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله هذين التوجيهين في كتابه شفاء العليل بما يتعلق بالقضاء والقدر، وقد عقد باباً خاصاً لهذا الحديث والكلام عليه، وذكر كلام كثير من الناس، ومنها أقوال باطلة تتعلق بالقضاء والقدر وشرح هذا الحديث وبيان معناه، واختار هذين التوجيهين اللذين أحدهما لشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية والثاني له، وهذا باب من أبواب ثلاثين أوردها في كتابه شفاء العليل.
قوله: [ (فقال آدم: أنت موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده) ].
هذا فيه بيان أن موسى كليم الله، وأن الله تعالى اصطفاه بالكلام، وفيه دليل على أن التوراة هي مما خطه الله عز وجل بيده.
ومعلوم أن الكلام حصل أيضاً لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فهو كليم الرحمن كما أن موسى كليم الرحمن، وإبراهيم خليل الرحمن، ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام خليل الرحمن، فقد اجتمع فيه صلى الله عليه وسلم ما تفرق في غيره، فالخلة لإبراهيم والكلام لموسى، ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام له الوصفان: الخلة والتكليم. وقد جاء في الحديث أيضاً أن آدم نبي مكلَّم.
قوله: [ (وخط لك التوراة بيده) ] لا يدل على أن التوراة مخلوقة؛ لأن كلام الله عز وجل مكتوب في اللوح المحفوظ، ولا يقال: إنه مخلوق؛ لأنه كلام الله الذي تكلم به وكتبه، فلا يقال: إن هذا الكتاب الذي هو من كلامه وخطه بيده يكون مخلوقاً، فكلام الباري غير مخلوق سواء تكلم به أو خطه، وكلام المخلوق مخلوق سواءً تكلم به أو خطه.
ووقعت هذه المحاجة في الحياة البرزخية قبل يوم القيامة، والله أعلم؛ لأنه من المعلوم أن الناس يموج بعضهم في بعض عندما يبعثون من قبورهم ويرى بعضهم بعضاً، ولهذا جاء في حديث الشفاعة أنهم يأتون إلى آدم وموسى وغيرهما يطلبون منهم أن يشفعوا في الانتهاء من الموقف، فالذي يبدو أنه قبل يوم القيامة؛ ومعلوم أن الأنبياء أجسادهم في قبورهم، ولكنهم يلتقون أرواحاً على صور أجسادهم مثل ما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، فإنه لقيهم وصلى بهم في بيت المقدس.
قوله: [ (قال: تلومني على أمر قدره علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟) ].
وهذا كما هو معلوم تقدير آخر غير التقدير الأول الذي قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وابن القيم رحمه الله ذكر عدة تقديرات جاءت بها أحاديث، ومنها تقدير سنوي، وتقدير يومي، وهذا التقدير الذي جاء قبل خلق آدم، وذكر تقديرات أخرى.
قوله: [ حدثنا مسدد ].
هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا سفيان ].
هو ابن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح وحدثنا أحمد بن صالح ].
هو أحمد بن صالح المصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[ المعنى عن سفيان بن عيينة ].
الفرق بين الروايتين هو ذكر النسب؛ لأن الأول ما نسبه فقال: (حدثنا سفيان)فقط، وأما الثاني وهو أحمد بن صالح فقال : (حدثنا سفيان بن عيينة) فهذا هو سر التحويل وكونه أتى بالإسناد أولاً ثم أتى بتحويله.
[ عن عمرو بن دينار ].
عمرو بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمع طاوساً ].
هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت أبا هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
[ قال أحمد بن صالح : عن عمرو عن طاوس سمع أبا هريرة ].
يعني: أن أحمد بن صالح قال في روايته: عن عمرو عن طاوس سمع أبا هريرة.
وهناك قال: سمعت أبا هريرة، وفي الإسناد الأول: عن عمرو بن دينار سمع طاوساً يقول: سمعت أبا هريرة يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن موسى قال: يا ربَّ! أرنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة، فأراه الله آدم فقال: أنت أبونا آدم؟ فقال له آدم: نعم. قال: أنت الذي نفخ الله فيك من روحه، وعلمك الأسماء كلها، وأمر الملائكة فسجدوا لك؟ قال: نعم. قال: فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال له آدم: ومن أنت؟ قال: أنا موسى. قال: أنت نبي بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء الحجاب لم يجعل بينك وبينه رسولاً من خلقه؟ قال: نعم. قال: أفما وجدت أن ذلك كان في كتاب الله قبل أن أخلق؟ قال: نعم. قال: فبم تلومني في شيء سبق من الله تعالى فيه القضاء قبلي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: فحج آدم موسى فحج آدم موسى
وهذا الحديث مثل الذي قبله إلا أن فيه زيادة توضح أن موسى طلبه، وأنه لما لقيه سأله وذكر ما ذكر وإلا فإن المعنى واحد، وقد عرفنا التوجيه الذي ذكره ابن القيم عن نفسه وعن شيخه.
قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب ].
أحمد بن صالح مر ذكره، وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني هشام بن سعد ].
هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن زيد بن أسلم ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن عمر بن الخطاب ].
عمر بن الخطاب أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله القعنبي عن مالك عن زيد بن أبي أنيسة أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار الجهني: (أن
أورد أبو داود رحمه الله حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تفسير قول الله عز وجل: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الأعراف:172] فذكر الحديث، وهو من جنس الأحاديث السابقة فيما يتعلق بأن العمل مطلوب، وأن الناس لا يعرفون المقدر، وأن عندهم مشيئة وإرادة، وأن من اختار طريق السعادة فإنه ييسر لها، ومن اختار طريق الشقاوة فإنه ييسر لها، وينتهي الأول للجنة، وينتهي الآخر إلى النار.
والحديث ذكر الشيخ ناصر أنه صحيح، إلا قضية المسح باليد على ظهر آدم، وإلا فإن استخراج الذرية من ظهر آدم وتمييزهم إلى شقي وسعيد قد جاء في الأحاديث وفي تفسير هذه الآية، وقد ذكر العلماء في تفسيرها معنيين:
أحدهما: هذا الذي جاء في الحديث.
والثاني: أن الله تعالى فطر الناس على التوحيد، فمنهم من يكون على هذا الشيء الذي فطر عليه، ومنهم من ينحرف عن الجادة.
ولكن قد جاء الحديث في بيان سبب نزولها، وأنهم استخرجوا من ظهر آدم.
فإن قيل: ما الحكمة من مسح ظهر آدم؟
فإننا نقول: الله تعالى أعلم! وهذه اللفظة كما عرفنا أن الشيخ ناصر قال إنها غير ثابتة، لكن جاء في بعض الطرق أنه ضرب كتفه اليمنى واستخرج كذا، وليس فيه ذكر المسح بالظهر، لكن الله عز وجل استخرج الذرية من الظهر، والله تعالى أعلم بالحكمة في ذلك.
قوله: [ حدثنا عبد الله القعنبي ].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن زيد بن أبي أنيسة ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ].
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مسلم بن يسار الجهني ].
وهو مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
[ أن عمر بن الخطاب ].
قد مر ذكره.
أما الاتصال بين مسلم بن يسار وعمر فسيأتي في الحديث الذي بعده أن فيه واسطة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المصفى حدثنا بقية حدثني عمر بن جعثم القرشي حدثني زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مسلم بن يسار عن نعيم بن ربيعة قال: كنت عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه بهذا الحديث، وحديث مالك أتم ].
أورد الحديث من طريق أخرى وأحاله على الطريق الأولى ثم ذكر أن حديث مالك أتم، وهو الذي ليس فيه ذكر نعيم بن ربيعة .
قوله: [ حدثنا محمد بن المصفى ].
محمد بن المصفى صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا بقية ].
هو بقية بن الوليد، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثني عمر بن جعثم القرشي ].
وهو مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثني زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مسلم بن يسار عن نعيم بن ربيعة ].
نعيم بن ربيعة مقبول، أخرج له أبو داود .
[ كنت عند عمر بن الخطاب ].
عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مر ذكره.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي حدثنا المعتمر عن أبيه عن رقبة بن مصقلة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً) ].
أورد أبو داود حديث أبي بن كعب أن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً، أي: أن الله قدر أنه يكون كافراً قال: (ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً) كما قال الله عز وجل: فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً [الكهف:80] وعلى هذا فقد سبق القضاء والقدر بأن هذا طبع على هذه الحال، وهو دال على القدر، وعلى أن المقادير سبقت بكل ما هو كائن.
قوله: [ حدثنا القعنبي حدثنا المعتمر ].
القعنبي مر ذكره، والمعتمر هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
هو سليمان بن طرخان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن رقبة بن مصقلة ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجة فأخرج له في التفسير.
[ عن أبي إسحاق ].
هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن جبير ].
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ عن أبي بن كعب ].
أبي بن كعب رضي الله عنه وقد مر ذكره قريباً.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد حدثنا الفريابي عن إسرائيل حدثنا أبو إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: حدثنا أبي بن كعب قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله: وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ [الكهف:80] قال: وكان طبع يوم طبع كافراً)].
أورد أبو داود حديث أبي بن كعب من طريق أخرى في قول الله عز وجل: وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ [الكهف:80] وفيه قال: (وكان طبع يوم طبع كافراً). أي: يوم قدرت المقادير قدر أنه كافر، وهذه الآية فيها مثال لما يذكره العلماء من العهد الذكري، أي: كون الألف واللام ترجع إلى معهود تقدم ذكره؛ لأنه قال قبل ذلك: حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً [الكهف:74] ثم قال هنا: وَأَمَّا الْغُلامُ فصارت (أل) في الغلام ترجع إلى (غلاماً) الذي مر ذكره، فيقال له: اللام للعهد الذكري. ويأتي(أل) للعهد الذهني، أي ترجع إلى معهود في الأذهان مثل: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:2] فلم يتقدم له ذكر، ولكنه معهود في الأذهان أنه في القرآن. ومن العهد الذكري قوله في سورة المزمل: كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ [المزمل:15-16]؛ لأن (أل) في كلمة (الرسول) ترجع إلى (رسولاً) التي قبلها.
قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ].
هو محمود بن خالد الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا الفريابي ].
هو محمد بن يوسف الفريابي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إسرائيل ].
هو ابن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: حدثنا أبي بن كعب ].
قد مر ذكر الأربعة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن مهران الرازي حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس : حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الصبيان، فتناول رأسه فقلعه، فقال موسى: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً.. [الكهف:74] الآية) ].
أورد أبو داود حديث أبي بن كعب وفيه كيفية قتل الغلام، وأنه أمسك رأسه وقلعه، أي: فقتله بذلك.
قوله: [ حدثنا محمد بن مهران الرازي ].
وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود .
[ عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس : حدثني أبي بن كعب ].
وكل هؤلاء مر ذكرهم.
وطبع الغلام على الكفر لا يتعارض مع ما جاء في الحديث: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) فكون الغلام طبع كافراً ليس معنى ذلك أنه صغير ما بلغ الحلم، وأنه ما حصل له شيء يعرفه، فإن الأصل أن حديث الفطرة على عمومه، وكون هذا الغلام طبع كافراً معناه أنه قدر أنه يكون كافراً، وليس معنى ذلك أنه ما خلق على الفطرة، وأنه خارج عن الفطرة، فإن (كل مولود يولد على الفطرة) وهذا مولود، ولكن الانحراف هو الذي حصل للناس، كما قال الله عز وجل: (خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين).
يقول المحشي: قال المنذري : ولفظ البخاري ومسلم فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله، وفي لفظ للبخاري فأضجعه ثم ذبحه بالسكة، وفي كتاب الطبري أنه أخذ صخرة فثلغ بها رأسه، ثم قال: والجمع بينها متوجه، أي فيكون ضربه بالحجر أولاً فلم يقتله ثم اقتلع رأسه.
وينبغي أن يعلم أن مثل هذا يدل على أن الخضر نبي، وليس بولي فقط؛ لأن الأولياء لا يعرفون الحق إلا عن طريق الأنبياء، وهم تابعون للأنبياء، وأما الخضر فهو نبي، والمحاورة التي جرت بينه وبين موسى تدل على ذلك فقد قال: (أنا على علم من الله لا تعلمه، وأنت على علم من الله لا أعلمه) ثم قال: (علمي وعلمك إلى علم الله مثل ما أخذه الطائر من البحر بمنقاره).
وجاء في سورة الكهف أنه قال: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [الكهف:82].
وأيضاً: معلوم أن موسى عليه الصلاة والسلام أفضل المرسلين بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبعد إبراهيم، فهو الذي يلي إبراهيم؛ لأن محمداً صلى الله عليه وسلم خليل كليم، وإبراهيم خليل، وموسى كليم، وإنما ذهب ليحصل من هذا العلم الذي أوحاه الله عز وجل إلى ذلك الرجل، والمحاورة التي بينهما وسياق الآيات من أولها إلى آخرها تدل على أنه نبي وأنه ليس بولي، ولهذا فإن الفتنة حصلت لكثير من الناس بالدعوى أنه ولي، وأنه يحصل من الولي مثل هذه الأمور، فغلوا في الأولياء واعتقدوا فيهم ما لا يجوز، وأنزلوهم المنازل التي لا يستحقونها، ودليلهم أن الخضر حصل منه ما حصل وهو ولي.
ثم أمر آخر يتعلق بالخضر وهو زعم بعض الناس أنه حي موجود، وأنه لم يمت، وهذا أيضاً غير صحيح؛ لأن النصوص تدل على أنه قد مات، وأنه لم يكن موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه قد جاء في القرآن وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الأنبياء:34]. فلو كان الخلد لأحد لكان للنبي صلى الله عليه وسلم، فالقول بأن الخضر كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو بعده غير صحيح، ولو كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف لا يأتي إليه، وهو يجول ويصول في البلاد كما يقولون، ويقطع الدنيا، ويحضر في أماكن كثيرة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يناجي ربه في بدر ويقول: (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض) . فلو كان الخضر موجوداً وهلكت العصابة فإن الله يعبد في الأرض حيث يعبده الخضر.
وكذلك جاء في الحديث أنه لا يبقى بعد مائة سنة نفس منفوسة على ظهر الأرض الآن، ومعنى ذلك: أنه بعد مضي مائة سنة من ذلك اليوم الذي تحدث فيه النبي صلى الله عليه وسلم الحديث سيموت كل من كان موجوداً على الأرض، فلو كان الخضر موجوداً في ذلك الوقت لمات قبل مضي مائة سنة، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالقول بأنه قد مات هو القول الذي تدل عليه الأدلة.
السؤال: أتى في صحيح البخاري فيما ذكر أن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه، يقول البخاري رحمه الله تعالى في باب: تمني المريض الموت من كتاب المرضى: قال: حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: (دخلنا على
الجواب: هذا محمول على ما كان من البناء زائداً عن الحاجة، أو كان من باب المفاخرة والمطاولة.
السؤال: ما حكم من صلى وجعل سترته رجلاً مقبلاً عليه بوجهه؟
الجواب: لا ينبغي هذا؛ لأن هذا يشوش عليه، ولكنه إذا لم يجد إلا هذا المكان فلا بأس أن يصلي وينظر إلى مكان سجوده، فيسلم من تشويشه إن شاء الله.
السؤال: جاء في الحديث أن أول المخلوقات هو القلم، أليس في ذلك دليل على أن القول بتسلسل الحوادث في الماضي خطأ؟
الجواب: قالوا: إن القلم أول المخلوقات في هذا العالم المشاهد، فهذا العالم المشاهد هو الذي فيه الأولية بالنسبة للعرش أو بالنسبة للقلم، وأما ما قبل ذلك فالله عز وجل يخلق ما يشاء، والله تعالى أعلم بخلقه وما خلق، لكن هذا العالم المشاهد هو -كما جاء في هذا الحديث- ما يتعلق بخلق السماوات والأرض، والعرش قبل ذلك.
السؤال: هل يفهم من قوله في حديث خلق القلم: (اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) أن المقادير التي كتبت إنما هي إلى يوم القيامة فقط؟
الجواب: الحديث يدل على أن الله قدر أن كل ما يجري حتى تقوم الساعة، ومعلوم أن ما يجري في الجنة والنار بعد أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار لا نهاية له، فالعذاب مستمر ويتجدد: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا [النساء:56]، وأهل الجنة منعمون إلى غير نهاية، والله أعلم.
ومعلوم أن اللوح المحفوظ له بداية ونهاية، وكل ما كتب فيه محدود ومعروف ومحصور، ولكن الجنة والنار وما يحصل فيهما من النعيم والعذاب، وما يحدثه الله وينشئه لأهليهما على مدى العصور والزمان الذي لا انقطاع له ولا نهاية، يدل على أنه مستمر.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر