حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين فقال: (الله أعلم بما كانوا عاملين) ].
قوله رحمه الله تعالى: [ باب في ذراري المشركين ] الذراري: الذرية والنسل، والمقصود: حكمهم في الدنيا وحكمهم في الآخرة، أما حكمهم في الدنيا فهم تبع لآبائهم، ولهذا يحصل التوارث بينهم، ويدفنون في مقابرهم، وأما في الآخرة فقد اختلف فيهم على أقوال عديدة، أظهرها أنهم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الله أعلم بما كانوا عاملين).
وقد قيل في معنى الحديث: إنهم يمتحنون يوم القيامة، وعلى ضوء هذا الامتحان يتبين هل هم من أهل السعادة أو من أهل الشقاوة، ولهذا كان الجواب: (الله أعلم بما كانوا عاملين) أي إذا امتحنوا في يوم القيامة، فإن النتيجة أو المصير يكون تبعاً لنتيجة ذلك الامتحان، فيسدد من يسدد، ويخذل من يخذل، كما لو كان الأمر حاصلاً في الدنيا.
وهذا هو أظهر ما قيل في ذراري المشركين بالنسبة للآخرة، وهذا القول رجحه جماعة من أهل العلم، منهم ابن القيم في تهذيب السنن، وابن كثير في تفسيره، وشيخنا محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان عند تفسيره قوله عز وجل: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15].
وقد قيل: إنهم يكونون في الجنة، وقيل: إنهم يكونون في النار، وقيلت أقوال أخرى، وقد ذكر ابن القيم في تهذيب السنن ثمانية أقوال، وثامنها أنهم يمتحنون يوم القيامة، وأنهم يصيرون إلى ما كان ينتهي إليه ذلك الامتحان، وقال: إنه جاء في ذلك أحاديث يشد بعضها بعضاً.
والذين قالوا بعدم الامتحان قالوا: إن الآخرة دار جزاء وليست دار تكليف.
ولكن هذا لا ينافي كونهم يمتحنون يوم القيامة، ويتبين أهل السعادة وأهل الشقاوة، فإنه يحصل هذا التكليف كما جاء ما يدل عليه، وتكون النتيجة طبقاً لنتيجة هذا الامتحان.
وعلى هذا فالقول الصحيح في معنى قوله: [ (الله أعلم بما كانوا عاملين) ] أي الشيء الذي يعملونه إذا امتحنوا، ويحتمل أن يكون المراد به: الله أعلم بما كانوا عاملين لو عاشوا، ومعلوم أن هذا مما لا يكون، والله تعالى يعلم ما كان وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، مثلما جاء في قصة الغلام الذي قتله الخضر، قال: (ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً).
مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا أبو عوانة ].
الوضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي بشر ].
هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن جبير ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وابن عمرو بن العاص ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وأنس وجابر وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.
هذا حديث عائشة رضي الله عنها يتعلق بذراري المسلمين وذراري الكفار، وفي كل منهما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (الله أعلم بما كانوا عاملين) ومعلوم أن الحكم واحد في الدنيا، فحكم أولاد الكفار تابع للكفار، فيتوارثون ويدفنون في مقابرهم، وأولاد المسلمين يصلى عليهم ويدعى لهم ويدفنون في مقابر المسلمين، ويحصل التوارث بينهم.
وأما بالنسبة للآخرة فقد ذكرنا ما يتعلق بأولاد المشركين، وأما بالنسبة لأولاد المسلمين فالمشهور عند أهل السنة أنهم في الجنة، ولهذا جاء ما يدل على أنهم أفراط يشفعون لمن سبقوه ولآبائهم وأمهاتهم.
وقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على عدم الجزم بذلك، وهو حديث عائشة الذي سيأتي، حيث قال: (إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلاً، وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم)، وهذا قال فيه جماعة من أهل العلم: المقصود بذلك أنه لا يجزم ولا يقطع لأحد بجنة أو نار، وإنما يقال فيهم ما يقال في حق المؤمنين: إنه لا يقطع لهم بجنة، ولكن يرجى لهم ذلك.
قوله: [ هم من آبائهم ] يعني أنهم تبع لهم، وأما في الدنيا فالأمر واضح، وأما في الآخرة فأولاد الكفار يمتحنون، وأولاد المسلمين تبع لهم كما تقدم.
وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا بقية ].
بقية بن الوليد ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ ح وحدثنا موسى بن مروان الرقي ].
وهو مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ وكثير بن عبيد المذحجي ].
وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ قالا: حدثنا محمد بن حرب ].
محمد بن حرب الحمصي الأبرش ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن زياد ].
وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ عن عبد الله بن أبي قيس ].
ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديقة ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث هو الذي تقدمت الإشارة إليه، والمقصود من ذلك ألا يقطع بالجنة لأحد بعينه.
قوله: [حدثنا محمد بن كثير ].
محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا سفيان ].
سفيان هو الثوري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن طلحة بن يحيى ].
طلحة بن يحيى التيمي ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن عائشة بنت طلحة ].
وهي ثقة أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة أم المؤمنين ].
قد مر ذكرها.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه) ].
قوله: [ (يولد على الفطرة) ] الجمهور من أهل السنة على أن المقصود بالفطرة الإسلام، وأن الكفر طارئ، لأن الكفار هم الذين يسعون في نقل أبنائهم من الفطرة التي فطرهم الله عليها إلى ما يضادها وما يخالفها وهو غير الإسلام، ولهذا قال: [ (فأبواه يهودانه وينصرانه) ] أي: يعلمانه اليهودية والنصرانية، وينقلانه من الفطرة التي هو عليها إلى دين اليهود ودين النصارى.
ومما يدل على أن المقصود بالفطرة الإسلام قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه عن ربه: (خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين) يعني: صرفتهم، والشياطين مثل اليهود والنصارى الذين يصرفون أولادهم عن الفطرة التي فطرهم الله عليها.
إذاً: المقصود بالفطرة الإسلام، وأن الناس خلقوا لا يعرفون إلا الإسلام، وأنهم لو عاشوا لما صار عندهم إلا هذا، ولكنهم إذا حرفوا وصرفوا عن هذا الذي فطرهم الله عليه يحصل تحولهم من الحق إلى الباطل، ومن الإسلام إلى الكفر.
قوله: [ (كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء) ].
جمعاء: يعني أنها سليمة مجتمعة الخلق، ليس فيها عيوب، ثم الناس بعد ذلك يحصل منهم الإضرار بها، وقطع أذنها، فيكونون قد نقلوها من الحالة التي خلقها الله سبحانه وتعالى عليها وهي السلامة وتمام الخلق، إلى هيئة أخرى وإلى حالة أخرى، وكذلك الذين خلقهم الله حنفاء على الإسلام وفطرهم عليه يخرجون عنه بفعل آبائهم وأمهاتهم والذين يضلونهم ويصرفونهم عن الحق، فهذا فيه توضيح أن الذي على الفطرة على سلامة وعلى استقامة، وأن الحيوان الذي يولد وينشأ يكون على استقامة حتى يكون من أهله أنهم يحدثون فيه ما يحدثون من العيوب.
قوله: [ (قالوا: يا رسول الله! أفرأيت من يموت وهو صغير) ].
يعني: قبل أن يصرف ويحرف لأنه قال: (فأبواه يهودانه وينصرانه)، وإذا كان مثلاً من أولاد المشركين فما هودوه ولا نصروه، ولكن نقلوه عن الفطرة التي هو عليها إلى دين آخر من أديان أهل الكفر.
قوله عليه الصلاة والسلام: [ (الله أعلم بما كانوا عاملين) ] هذا مثل الجواب الذي سئل فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال: (الله أعلم بما كانوا عاملين) يعني أنهم يمتحنون يوم القيامة، وعلى ضوء نتيجة الامتحان يكون الانقسام.
عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الزناد ].
هو عبد الله بن ذكوان وكنيته أبو عبد الرحمن المدني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعرج ]
هو عبد الرحمن بن هرمز المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
ذكر المصنف عن مالك أن أهل الأهواء -وهم القدرية- يحتجون بهذا الحديث، ويقولون إن الإنسان يولد على الفطرة، وإن أبواه يهودانه وينصرانه، ومعناه أن الشر يوجده آباؤه، وهم الذين ينقلونه من طور إلى طور ومن حال إلى حال، فهم الذين يخلقون هذه الأفعال، فقال: احتج عليهم بآخره: (قالوا: أرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين) أي: الذي قدره الله عز وجل بأنه سيحصل منهم إذا حصل لهم الامتحان.
الحارث بن مسكين، ثقة أخرج له أبو داود والنسائي .
[ أخبرك يوسف بن عمرو ].
وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ أخبرنا ابن وهب ].
عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت مالكاً ].
مر ذكره.
لكن النسائي استخدم هذه الصيغة مع الحارث بن مسكين لأنه كانت هناك وحشة حصلت بينهما، فمنعه من الحضور في مجلسه، فكان يختبئ ويسمع ويقول: (قرئ عليه وأنا أسمع) وذلك حتى يكون صادقاً، ولا يقول: (أخبرني)؛ لأنه ما أراد إخباره، ولكنه يأتي بعبارة هو صادق فيها، أما أبو داود فلا نعلم أنه جرى بينه وبين الحارث بن مسكين شيء.
أورد أبو داود هذا الأثر عن حماد بن سلمة ، وهو أن المقصود بالفطرة الميثاق الذي أخذه الله على العباد، ولا تنافي بين هذا وهذا، أعني أخذ عليهم العهد وخلقهم مفطورين على التوحيد، ثم يحصل صرفهم عن ذلك بفعل الآباء والأمهات الذين يهودونهم وينصرونهم.
الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
[ حدثنا حجاج بن المنهال ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت حماد بن سلمة ].
ذكر أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (الوائدة والموءودة في النار) ] فالوائدة الأمر فيها واضح بأنها كافرة قتلت ابنتها، وابنتها تكون تابعة لها في أحكام الدنيا.
وقوله: [ (الموءودة في النار) ] كونه يجزم بأنها في النار وهي صغيرة فيه إشكال، ولكن فسر أو حمل على أنها كانت كبيرة بالغة، وكانت كافرة، فتكون من أهل النار لتكليفها، وأما قبل البلوغ فالأمر كما ذكرنا أنهم يمتحنون يوم القيامة.
وأما من بلغت حد البلوغ وكفرت أو بقيت على كفرها، فإن حكمها حكم الكفار الذين نشئوا على الكفر ومضت حياتهم وهم في الكفر.
وقد قيل: إن الألف واللام ليستا للاستغراق حتى يقال: كل موءودة في النار ولو كانت صغيرة، بل يحمل على ما إذا كانت كبيرة، قالوا: ويدل عليه أنه جاء في بعض الروايات أنه سئل عن امرأة وأدت بنتها فذكر الحديث، فيكون المقصود من ذلك قضية معينة، وتكون تلك الموءودة من أهل النار، ويحمل على أنها بالغة، ولا يحمل على أنها صغيرة لم تصل إلى حد البلوغ؛ لأن القلم مرفوع عمن لم يبلغ.
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا ابن أبي زائدة ].
يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني أبي ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عامر ].
عامر بن شراحيل الشعبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: قال رسول الله ].
هذا مرسل، لأن الشعبي تابعي وقال فيه: [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ] لكنه جاء من طريق أخرى عن ابن أبي زائدة وفيه بيان الواسطة بين الشعبي والرسول صلى الله عليه وسلم وأنه تابعي وصحابي وهما علقمة وابن مسعود .
[ قال يحيى بن زكريا : قال أبي: فحدثني أبو إسحاق ].
أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
علقمة هو علقمة بن قيس الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن مسعود ].
عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد فقهاء الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: [ (أين أبي؟ قال: أبوك في النار، فلما قفى قال له: إن أبي وأباك في النار) ]، وهذا يدل على أن أهل الفترة الذين كانوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من كان منهم على عبادة الأوثان فإنه يكون في النار، ولا يقال: إنهم ما بلغتهم الرسالة؛ لأن دين إبراهيم كان موجوداً، وهناك أناس كانوا على دين إبراهيم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يتحنث على دين إبراهيم.
وهذا يدل على أن والد الرسول صلى الله عليه وسلم في النار، كما أخبر بذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه في هذا الحديث، وهو حديث صحيح، وقد ورد في صحيح مسلم .
وأما ما قيل: إن الله أحيا أبوي الرسول وأنهما أسلما؛ فهذا لم يثبت، وجمهور أهل العلم على خلاف ذلك، وما قال به إلا بعضهم، وليس هناك دليل صحيح ثابت يدل على ذلك، وإنما الذي ثبت هو هذا الحديث الصحيح عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
يقصد بهذا أن حديث: [ (إن أبي وأباك في النار) ] يحمل فيه الأب على عمه أبي طالب، يريدون ألا يكون المقصود أباه الحقيقي الذي هو عبد الله، وإنما المقصود عمه، وعمه مات على الشرك وقد أدركه الإسلام، ولكن لم يؤمن به، وكان يعرف أن ما عليه الرسول حق، ولكن ابتلي بعزة الآباء والأجداد ومات على ذلك، كما جاء الحديث أنه لما كان في مرض موته جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: (يا عم! قل: لا إله إلا الله؛ كلمة أحاج لك بها عند الله)، فكان عنده بعض الجلساء ممن هم كفار فقالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فكان آخر ما قاله: هو على ملة عبد المطلب ، ومات على هذه العقيدة التي كان عليها، وهي الكفر وعبادة الأوثان.
فبعض الناس أراد أن يقول: إن المراد بالأب في هذا الحديث هو العم، ولكن الأصل أن الأب هو الأب، وإن كان قد يطلق على العم أباً كما جاء في القرآن في سورة البقرة: أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ [البقرة:133]، مع أن إسماعيل عم يعقوب، لأنه أخو إسحاق وليس أباه، ولكن يطلق عليه أنه أب، ولكن هذا جاء تبعاً ولم يكن استقلالاً، فالحاصل أن الأصل هو الحمل على الأصل، ولا يحمل على غيره.
ثم قال صاحب عون المعبود بعدما ذكر كلام السندي في حمله على العم: وهذا أيضاً كلام ضعيف باطل، وقد ملأ مؤلف تفسير روح البيان تفسيره بهذه الأحاديث الموضوعة المكذوبة، كما هو دأبه في كل موضع من تفسيره إيراده للروايات المكذوبة، فصار تفسيره مخزن الأحاديث الموضوعة.
وقال بعض العلماء: التوقف في الباب هو الأسلم. وهو كلام حسن. والله أعلم.
الدليل يدل على خلاف ما ذكره، وهو الجزم بما ثبت في صحيح مسلم بالنسبة لأبيه، وبالنسبة لأمه فقد جاء أيضاً في الصحيح سبب نزول قوله: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى [التوبة:113]، أنه استأذن ربه أن يزور قبر أمه فأذن له، واستأذنه أن يستغفر لها فلم يأذن له، فنزل: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى [التوبة:113].
وهناك حديث صحيح رواه الشيخ الألباني في صحيح الجامع : (العم والد)، بل جاء في الحديث المتفق عليه: (أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه) ويعني أنه والده من حيث الإكرام والتقدير والمنزلة، وإلا فهو من الحواشي وليس من الأصول، لأنه شارك أباه في جده، وجاء في القرآن إطلاق الأبوة عليه ولكنه أب تبعاً وليس استقلالاً، فهو بمنزلة الوالد مثل الخالة بمنزلة الأم، أي من ناحية التقدير والاحترام والتوقير والإكرام والإحسان، وهو من الحواشي في الميراث والإخوة أقرب منه، لأن الإخوة شاركوا الميت في أبيه، وأما العم فإنما شارك أباه في جده، وهو طبقة أخرى غير الطبقة القريبة.
ثم قال: قال المنذري : وهذا الرجل هو حصين بن عبيد والد عمران بن حصين ، وقيل: هو أبو رزين لقيط بن عامر العقيلي).
يعني الرجل الذي سأل الرسول وقال: [ (يا رسول الله! أين أبي؟ فقال: أبوك في النار، فلما قفى قال: إن أبي وأباك في النار) ].
موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
[ عن ثابت ].
ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس ].
أنس رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك : [ (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) ].
وذلك لبلوغه منه مبالغ خفية، فهي يجري منه مجرى الدم، بمعنى أنه يمازجه ويخالطه، ويوسوس له ويغويه ويضله، فهو يدخل فيه، ويكون فيه، وقيل: إنه لكثرة إغوائه ووسوسته له كان مثل الدم الذي هو جزء من أجزائه، والذي به حياته.
وأما مناسبة ذكر هذا الحديث في هذا الباب الذي هو باب في ذراري المشركين، فلا يظهر لي فيه شيء.
ورجال إسناد الحديث مر ذكرهم كلهم في الحديث السابق.
أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد مر ذكره في آخر الباب الذي قبل هذا: [ (لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم) ] أي: لا تجالسوهم لأنه يصيبكم بسبب مجالستهم الضرر.
وقوله: [ (ولا تفاتحوهم) ] فسر بمعنيين كما عرفنا فيما مضى، أي: لا تتحاكموا إليهم، أو: لا تفاتحوهم بالمخاصمة والمناظرة؛ لأنهم ضرر على من يختلط بهم، ومن يناظرهم، والمقصود الابتعاد منهم، ويتحمل أن تكون المفاتحة هي التحاكم إلى علمائهم، أو المقصود بذلك النهي عن مناظرتهم.
أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج له أبو داود .
[ أخبرنا ابن وهب ].
عبد الله بن وهب المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني ابن لهيعة ].
عبد الله بن لهيعة المصري ، وهو صدوق اختلط، وحديثه أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ وعمرو بن الحارث ].
عمرو بن الحارث المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وسعيد بن أبي أيوب ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عطاء بن دينار ].
وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي .
[ عن حكيم بن شريك الهذلي ].
وهو مجهول، أخرج له أبو داود .
[ عن يحيى بن ميمون ].
وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن ربيعة الجرشي ].
مختلف في صحبته، وثقه الدارقطني وغيره، وحديثه أخرجه أصحاب السنن.
[ عن أبي هريرة ].
عبد الرحمن بن صخر الدوسي مر ذكره.
[ عن عمر بن الخطاب ].
أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
الجواب: نعم. هو يدل على ذلك، وقال تعالى: كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275].
الجواب: العواطف ليست دليلاً يستدل به، وإنما يستدل بالأدلة الشرعية، وهذا الحديث ثبت في صحيح مسلم وفي غيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
الجواب: ليس معنى الحديث ما ذكر في السؤال، وإنما هو في وائدة دفنت بنتها بالفعل، وموءودة دفنت في الأرض، وهي التي سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال بعض أهل العلم في تفسير الوائدة: هي التي تباشر الوأد، أي أن أمها ما وأدتها ولكنها طلبت من يئدها، فتكون الوائدة هي المباشرة، والموءودة هي الموءود لها، وهي الأم، وإنما قالوا هذا فراراً من أن تكون الموءودة في النار إذا فسرت بالطفلة الصغيرة، ولكن هذا التأويل ليس بالمستقيم، لأن الكلام في وائدة وموءودة سئل عنهما في واقعة حدثت كما ذكره بعض أهل العلم، وقالوا: إن المقصود أنها كانت كبيرة، وأنها مشاركة لأمها في الكفر.
الجواب: أنا لا أعلم عن الشيخ ابن باز أنه يقول: إنهم في الجنة، ولكن كما جاء في الحديث: (الله أعلم ما كانوا عاملين)، هذا هو الجواب الذي أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنهم، وكونهم في الجنة يحتاج إلى دليل، والقول بأنهم يمتحنون ثم ينقسمون إلى قسمين هو القول الصحيح.
الجواب: الذين ماتوا في حال كفر آبائهم لا يقال إنهم أولاد مسلمين، لأنهم كانوا أولاد كفار في الوقت الذي ولدوا فيه وماتوا فيه، والإسلام كان متأخراً، وإنما الذين في الجنة أولادهم الذين ولدوا وهم على الإسلام.
الجواب: لم يأت شيء يدل على نسخها، بل الرسل بعده هم على ما كان عليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام من أصل الدين وهو العبادة، ولكن الاختلاف بينهم في الأحكام والتشريعات العملية، قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48]، وأما الدين فهو واحد، ودين إبراهيم هو الحنيفية، وكانت ذريته عليه من بعده، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث بالحنيفية التي كان عليها إبراهيم.
الجواب: الأقوام الذين ما بلغتهم الرسالة يمتحنون، مثل الذين خلقوا مجانين ونشئوا مجانين.
الجواب: ليس له ذلك.
الجواب: صاحب الحق هو الذي يُرجع إليه في تصريف حقه، وصرفه في الجهة التي يريد، وإذا كانت صاحبة الحق لا تعلم فيمكن أن يفاتحها، وأن يقول لها: إن المصاحف متوافرة في المسجدين ولا يكون فيهما مصاحف من جهة أخرى، فإن أردت جعلت هذا المال صدقة وإن شئت رددته إليك لتصرفيه أنت في بلدك.
الجواب: ما بين النبي والنبي من الزمن يقال له: فترة، ولكن هناك ناس قد تبلغهم الرسالة وناس لا تبلغهم، فمن بلغته الرسالة مثل الذين كانوا يعبدون الأوثان ودين إبراهيم موجود فهم معذبون، والذين ما بلغتهم الرسالة ولا عرفوا شيئاً عن الرسالات السابقة، في أي زمان كان، فإنهم يمتحنون يوم القيامة؛ لأنهم ما بلغتهم الرسالة.
الجواب: كل له ثواب على قدر ما حصل منه من العتق، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أعتق عبداً كان فكاكه من النار، ومن أعتق جاريتين كانتا فكاكه من النار)، فالفكاك يكون لشخص بشخص، وعضو بعضو، والمرأتان بمنزلة الرجل فيما يتعلق بالعتق، وكذلك في أمور أربعة أخرى غيرها، وهي: العقيقة والشهادة والدية والميراث، فهذه خمس خصال تكون المرأة فيها على النصف من الرجل.
الجواب: يقول: ((اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وشاهدنا وغائبنا، ولجميع موتانا)) يعني: سواء كان الميت صغيراً أو كبيراً، هذا دعاء ورد للصغير وللكبير، ويدعى لوالديه بالرحمة والمغفرة، وقد جاء في الحديث أنه يصلى عليه ويدعى لوالديه بالرحمة والمغفرة.
الجواب: نعم، لأن المقصود تذكر الآخرة فقط، فزيارة قبور الكفار من أجل تذكر الموت، وأما زيارة المسلمين فهي من أجل تذكر الموت ومن أجل الدعاء لهم، ففيه مصلحة ترجع للزائر والمزور، وأما بالنسبة لزيارة الكفار فالمصلحة للزائر فقط، والمزور لا مصلحة له فيها. وهذا إذا دعا الزائر للميت المسلم، أما إذا دعاه وطلب منه ما لا يطلب إلا من الله، فلن يستفيد الميت شيئاً، والحي يتضرر، لأنه أشرك بالله حيث عبد معه غيره ودعا غيره.
الجواب: لا يجوز له أن يجامعها ما دام صومها عن فرض، وإذا حصل الجماع فقد فسد الصوم عليها، وعليها أن تقضي يوماً آخر مكانه، وليس عليها كفارة، لأن الكفارة إنما هي لشهر الصيام، ولنفس الصيام في زمنه، وأما القضاء فلا يعامل معاملة الأصلي.
الجواب: طواف الإفاضة ركن من أركان الحج، والتفاصيل فيما يلزمه من الكفارات تحتاج إلى أن نعرف ما ترك بالتحديد حتى نعرف كم عليه من كفارة، ولكن ما تركه من أركان الحج يجب عليه أن يؤديه، وإذا كان عنده زوجة وقد جامعها، فإنه يكون عليه فدية، وهي شاة يذبحها بمكة ويوزعها على فقراء الحرم؛ لأنه جامعها قبل التحلل الثاني، لأن التحلل الثاني لا يكون إلا إذا أتى بالطواف ومعه السعي، وهو قد ترك الطواف وأتى بالسعي، فيجب عليه أن يذهب إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة، ويذبح شاة في مكة ويوزعها على فقراء الحرم إن كان متزوجاً وقد جامع زوجته في هذه الفترة.
الجواب: لا نعرف حديثاً في هذا، والتكبر غير مطلوب، فلا يتكبر الإنسان.
الجواب: لا يجوز أن يدفن المسلم في مقابر الكفار، وإنما يدفن في مقابر المسلمين، أو في مكان ليس مقبرة كفار.
الجواب: كل من مات على الكفر فإنه خالد مخلد في النار أبد الآباد؛ لهذا كان بعض العلماء مثل ابن كثير إذا أتى الرجل بشيء مكفر ولم يعرف خاتمته، فإنه يعلق ذلك بالوفاة على الكفر، كما ذكر في ترجمة أبي نصر الفارابي في البداية والنهاية، فإنه نقل عنه أنه لا يقول بحشر الأجساد، وإنما يقول: تبعث الأرواح، فقال ابن كثير: فعليه -إن كان مات على ذلك- لعنة رب العالمين!
الجواب: لا يصح، بل عقيدتهم فاسدة باطلة، وليست عقيدتهم عقيدة أهل السنة والجماعة، وإنما هي عقيدة وجدت بعد زمن الصحابة بمدة طويلة، ولا يمكن أن يكون هناك عقيدة صحيحة حجبت عن الصحابة وادخرت للأشاعرة ولا لغير الأشاعرة، بل هي باطلة، والحق هو الذي كان عليه الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
الجواب: هذا باطل، والحق أن الخطأ يُبين ويوضح، ولا يترك، وأما السكوت حتى لا يسبب الفرقة فيقال: الفرقة حصلت بالمخالفات والخروج عن الجادة، والواجب هو بيان الحق، والرد على المبطل، وإذا كان الذي حصل منه الخطأ ليس من أهل البدع وإنما هو من أهل السنة فإنه يناصح ويرفق به، ويكون المقصود هو الإصلاح.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر