حدثنا سليمان بن حرب حدثنا بسطام بن حريث عن أشعث الحداني عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) ].
وأنكر الشفاعة لأهل الكبائر المعتزلة والخوارج فقالوا: إنهم مخلدون في النار، والأحاديث ترد عليهم.
الشفاعة في الأصل هي: طلب شخص من آخر أن يشفع له في تحصيل خير، وذلك أن الشافع يضم صوته إلى طالب الحق فيكونان شفعاً بعد أن كان الطالب مفرداً، ويكون طلبه قد عزز وأيد وسوعد في الوصول إلى ما يريد.
وهي: طلب الخير للغير، حيث يطلب إنسان من غيره أن يطلب خيراً له، فيفعل.
والشفاعة شفاعتان: شفاعة محمودة، وشفاعة مذمومة.
فالشفاعة المحمودة هي التي تكون في الدنيا بطلب الإنسان فيما يقدر عليه، ليحصل خيراً دنيوياً أو أخروياً.
وفي الآخرة بالطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يشفع في الموقف، أو في الخروج من النار، أو في دخول الجنة، أو في غير ذلك من أنواع الشفاعة، وهي تحصل من النبي صلى الله عليه وسلم وغيره بالنسبة للخروج من النار، وأما بالنسبة لفصل القضاء فهي خاصة به صلى الله عليه وسلم.
وأما الشفاعة المذمومة المحرمة فهي مثل ما يطلبه الكفار من آلهتهم، وما يطلب من غير الله عز وجل مما لا يجوز الطلب منه، كالطلب من الأموات بأن يشفعوا.
والشفاعة لها أنواع عديدة:
منها الشفاعة العظمى: وهي من خصائص نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فإنه اختص بها، وذلك أن الناس إذا كانوا في الموقف ماج بعضهم في بعض، فيبحثون عمن يشفع لهم إلى ربهم، ليأتي لفصل القضاء بينهم، فيأتون آدم عليه الصلاة والسلام ثم نوحاً، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، ثم يطلبوها من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
والشفعاء الذين قبل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام يعتذرون، وكل واحد يحيلهم إلى من بعده، فإذا وصلت إلى عيسى اعتذر وأحال إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فيتقدم ويشفع، ويشفعه الله عز وجل، ويأتي لفصل القضاء بين عباده ويحاسب الناس، ويذهبون إلى منازلهم من الجنة أو النار.
وهذه الشفاعة العظمى، وهي المقام المحمود، وهي عامة للبشر كلهم من أولهم إلى آخرهم، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الدال عليها: (أنا سيد الناس يوم القيامة)، ثم بين السبب في ذلك وذكر هذه الشفاعة.
وإنما كان سيدهم وخص يوم القيامة بذكر السيادة؛ لأنه يظهر في ذلك اليوم سؤدده على الجميع، حيث يشفع للجميع، ويستفيد الجميع من شفاعته من لدن آدم إلى الذين قامت عليهم الساعة، ولهذا يقال لها المقام المحمود؛ لأنه مقام يحمده عليه الأولون والآخرون، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وأيضاً من شفاعاته صلى الله عليه وسلم التي اختص بها: شفاعته في عمه أبي طالب في أن يخفف عنه العذاب، فصار أخف أهل النار عذاباً، وهو يرى أنه ليس هناك أحد أشد منه، وذلك أنه خفف عنه العذاب فكان في ضحضاح من نار، أو له نعلان من نار يغلي منهما دماغه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم شفع له فخفف عنه العذاب فصار في ضحضاح من نار، ولولا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لكان في الدرك الأسفل من النار مع الكفار الذين هم أمثاله.
وقد قال الله عز وجل: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر:48] أي: الكفار، وهذا الحديث يدل على حصول النفع لـأبي طالب ، ولكن هذه شفاعة خاصة تستثنى من هذا النفي في قوله: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر:48].
ثم إن النفع الذي استثنى من هذه الآية إنما هو في التخفيف، وأما الإخراج فإنها باقية على عمومها فلا يخرج كافر من النار ويدخل الجنة، بل الكفار باقون في النار أبد الآباد، ولكنها نفعت في التخفيف.
فإذاً يكون الجمع بين ما ورد في القرآن من قوله: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر:48] وبين ما جاء من شفاعته لـأبي طالب أن هذه شفاعة خاصة أخرجت من ذلك العام، ولكن بالنسبة للتخفيف وليس للإخراج.
والأوضح أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي طالب تكون مخصصة لقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا [فاطر:36]، فإن هذه دالة على أن الكفار لا يخفف عنهم من عذابها، وقد جاءت شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أبي طالب ودلت على حصول التخفيف، وتكون تلك الآية عامة وهذا الحديث مخصصاً.
ثم إن هناك شفاعة ثالثة: وهي الشفاعة بالخروج من النار لمن دخلها من المؤمنين: وهذه تكون من النبي صلى الله عليه وسلم ومن غيره، وليست خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن قد أعطي كل نبي دعوة مستجابة كما جاء في الحديث، وكل نبي دعا بها، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ادخرها لتكون شفاعة لأمته يوم القيامة، وذلك بالإخراج من النار.
وقد وردت الأحاديث الكثيرة المتواترة في خروج أهل الكبائر من النار، وأنهم يبقون فيها ما شاء الله أن يبقوا، ثم يخرجون بشفاعة الشافعين، ولو شاء الله أن يعفو عنهم فلا يدخلوها فإنهم لا يدخلونها، ولكن من دخلها فإنه لا يخلد فيها وإنما يخرج منها بعد ما يمضي عليه الفترة التي شاء الله أن يمضيها فيها.
وما جاء في بعض الآيات والأحاديث من التخليد لأصحاب الكبائر، مثلما جاء في ذكر الخلود في حق من قتل عمداً، وكذلك الحديث الذي ثبت في الصحيح أن من قتل نفسه بحديدة فإنه يجأ نفسه بتلك الحديدة خالداً مخلدً في نار جهنم أبداً، ومن تردى من شاهق فإنه يكون كذلك في نار جهنم، ومن قتل نفسه بسم فهو يتحسى ذلك السم خالداً مخلداً في جهنم كذلك، فإن ما جاء من ذلك يحمل على الخلود النسبي؛ لقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].
فكل ذنب دون الشرك هو تحت مشيئة الله إن شاء عفا عن صاحبه فلم يدخله النار، بل يدخله الجنة من أول وهلة، وإن شاء أدخله النار وعذبه فيها، ولكنه لابد من أن يخرج منها بعد أن يطهر وبعد أن يعذب على الجرم الذي حصل منه، وهو المعصية التي أدخله الله تعالى بها النار.
فهذه هي طريقة أهل السنة والجماعة في أصحاب الكبائر.
وأهل السنة يقولون عن أهل الكبائر: إنهم مؤمنون ناقصو الإيمان، فلا يعطونهم الإيمان الكامل ولا يسلبون عنهم مطلق الإيمان، هذا في الدنيا، وأما في الآخرة فهو ما ذكرناه.
وهناك شفاعة رابعة: وهي الشفاعة لمن استحق النار أن لا يدخلها، وقد ذكر ابن القيم في تعليقه على تهذيب السنن للمنذري أنه لم يجد نصاً يدل على هذه الشفاعة.
وهي معروفة عند أهل العلم يذكرونها من جملة الشفاعات، وقد ذكر بعض أهل العلم دليلاً عليها، وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم على الصراط: (اللهم سلم سلم) فإن هذه شفاعة بأن يسلم من استحق النار من دخولها؛ لأنه إذا لم يسلم فإنه يقع في النار؛ لأن الناس يمرون على الصراط في طريقهم إلى الجنة فمن كان من أهل النار وقع فيها، ومن نجاه الله عز وجل تجاوزها بسرعة أو ببطء على حسب ما جاء في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأنه على قدر الأعمال، فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالخيل، ومنهم من يزحف زحفاً، وهكذا.
وهناك شفاعة خامسة: وهي الشفاعة في استفتاح الجنة، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أول الأمم دخولاً إلى الجنة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (وأنا أول شافع وأول مشفع)، فهو أول من يتقدم للشفاعة، وأول من يشفعه الله عز وجل بعد التقدم للشفاعة.
ومن أنواع الشفاعة: الشفاعة في رفع الدرجات في الجنة، من درجة أدنى إلى درجة أعلى.
وقد ذكر الله عز وجل في القرآن أن الذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان فإن الله تعالى يلحق بهم ذريتهم ويرفعهم إلى درجاتهم وإلى منازلهم بحيث يكونون مع من هو أعلى درجة.
وكما في زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنهن يرفعن معه في درجته؛ لأنهن زوجاته في الدنيا والآخرة رضي الله عنهن وأرضاهن.
والحاصل أن من كان في درجة في الجنة أنزل فإن الله تعالى يرفعه إلى درجة أعلى.
فهذه جملة من أنواع الشفاعة التي ذكرها العلماء.
ذكر أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الكبائر من أمته فيخرجون من النار إذا دخلوها، وقد ذكرت أن الأحاديث كثيرة متواترة في ذلك، ومنها الحديث الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لكل نبي دعوة مستجابة دعا بها على قومه، وإنني ادخرت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة).
فقوله صلى الله عليه وسلم هنا في حديث أنس (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) معناه: أنها تحصل لهم يوم القيامة وأنه يشفع.
ومن المعلوم أن الشفاعة تكون بأمرين: بإذن الله للشافع أن يشفع، وبرضاه عن المشفوع، كما قال: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26].
هو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا بسطام بن حريث ].
وهو ثقة أخرج له أبو داود .
[ عن أشعث الحداني ].
أشعث بن عبد الله الحداني ، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[ عن أنس بن مالك ].
أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عند أبي داود؛ لأنه رباعي.
أورد أبو داود حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فيدخلون الجنة ويسمون الجهنميين)، أي: أنهم كانوا في جهنم أو جاءوا من جهنم، وهذا ليس ذماً لهم، وإنما نسبوا إليها؛ لأنهم كانوا فيها ثم خرجوا منها، فيكون هذا الذي حصل لهم نعمة عظيمة ومنة كبيرة، حيث انتقلوا من العذاب الذي في جهنم إلى النعيم الذي في الجنة.
وهذا الحديث من أدلة شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته، كما يخرجون بشفاعة الشافعين الذين هم غير النبي صلى الله عليه وسلم، فإن هذه الشفاعة ليست من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا يحيى ].
يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحسن بن ذكوان ].
وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ حدثنا أبو رجاء ].
أبو رجاء العطاردي ، وهو عمران بن ملحان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني عمران بن حصين ].
عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي كنيته أبو نجيد ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: (أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون)، وهذا ليس بواضح في الشفاعة؛ لأنه ليس فيه شيء يدل على الشفاعة، ولكنه كما قال بعض أهل العلم: إن من خرج من النار بالشفاعة فإنه يدخل الجنة.
والحديث إخبار عمن دخل الجنة من أول وهلة، ولم يكن هناك شفاعة، وقد يكون دخلها بعد أن عذب في النار، وقد حصلت له شفاعة، فإذا كان في الذين خرجوا من النار ودخلوا الجنة، فإنهم يكونون قد تنعموا في الجنة بعد أن عذبوا في النار، مثلما جاء الحديث الذي قبل هذا: أنهم يسمون الجهنميين؛ لأنهم خرجوا من النار وقد عذبوا فيها.
عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له البخاري وأصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[ حدثنا جرير ].
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سفيان ].
وهو طلحة بن نافع وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر ].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا مسدد حدثنا معتمر قال: سمعت أبي قال: حدثنا أسلم عن بشر بن شغاف عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله وسلم قال: (الصور قرن ينفخ فيه) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في البعث والصور.
والبعث هو: إخراج الناس من القبور، وانتقالهم من حياة البرزخ إلى الحياة الباقية؛ لأن الدور ثلاث: دار الدنيا، ودار الآخرة، والبرزخ الذي بين الموت وبين البعث، فهو من ناحية الجزاء تابع للآخرة؛ لأن ما بعد الموت كله جزاء والعمل ينتهي بالموت.
وأما من ناحية الحياة في البرزخ فإنها تختلف عن حياة الآخرة وتختلف عن حياة الدنيا، وهي حياة حقيقية لا يعلمها إلا الله عز وجل.
وقد مر في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم، وأول من ينشق عليه القبر)، يعني: فأول قبر ينشق عن صاحبه قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأول الناس خروجاً من قبره نبينا محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فإذاً هذا هو البعث.
والبعث يكون بالنفخ في الصور، والصور قرن ينفخ فيه كما جاء في هذا الحديث، فبالنفخة الأولى يحصل الموت، ثم بالنفخة الثانية يحصل البعث: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68]، فهناك نفخة الموت ونفخة البعث، وهناك نفخة الفزع التي ستكون قبل ذلك، وهي التي تكون في نهاية الدنيا، حيث يصغي الإنسان ليتاً ويرفع ليتاً، أي: يذهل ويستمع، ثم تأتي النفخة التي هي نفخة الموت، وبعد ذلك تأتي النفخة التي هي نفخة البعث ونفخة الحياة.
وعندما يحصل النفخ في الصور مرة ثانية يقوم كل من كان ميتاً من أول الدنيا إلى آخرها، ويخرج من قبره إذا كان مقبوراً، ويأتي من الأماكن التي صار فيها إذا لم يقبر، وذلك فيما إذا أكلته الحيتان أو احترق أو تقطع وتمزق في الماء، وغير ذلك من الأحوال التي هي غير الدفن في القبور، فإن الناس يبعثون، وكل منهم تعود أجزاء جسده إلى ما كانت عليه، ويخرج إلى الحياة الباقية التي تكون بعد البعث، ثم بعد ذلك في الجنة أو في النار.
مسدد مر ذكره.
[ حدثنا معتمر ].
معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت أبي ].
سليمان بن طرخان ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أسلم ].
أسلم وهو أسلم العجلي ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن بشر بن شغاف ].
وهو ثقة أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن عبد الله بن عمرو ].
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة : (كل ابن آدم تأكل الأرض إلا عجب الذنب، منه خلق ومنه يركب).
وعجب الذنب هو جزء من الإنسان يكون أول ما يخلق منه، ثم عند البعث يبنى عليه، فتأتي الذرات التي ذهبت وتجتمع ويكون أول ما يكون خلقاً وتركيباً، هو عجب الذنب، والمقصود بالتركيب عودة الجسم إلى ما كان عليه، بعد ما دفن في قبره وأكلته الأرض.
وبعد تركيب الجسد يحصل البعث، فيخرج الناس من قبورهم بنفس الأجساد التي كانت في الدنيا، حتى تلقى الجزاء وتلقى النعيم والعذاب، بل هي في القبر أيضاً قد حصل لها النعيم أو العذاب.
والمقصود من الحديث: أن فيه ذكر البعث في قوله: (منه يركب) يعني: أنه يعاد خلقه، وأن كل ذرة من الذرات تأتي إلى مكانها، وأول شيء يكون هو عجب الذنب وأن غيره يأتي ويتبعه.
عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الزناد ].
وهو عبد الله بن ذكوان المدني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعرج ].
وهو عبد الرحمن بن هرمز المدني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ]
عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب! وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها. ثم حفها بالمكاره، ثم قال: يا جبريل! اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب! وعزتك لقد خشيت ألا يدخلها أحد. قال: فلما خلق الله النار، قال: يا جبريل! اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب! وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفها بالشهوات ثم قال: يا جبريل! اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال: أي رب! وعزتك لقد خشيت ألا يبقى أحد إلا دخلها
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب خلق الجنة والنار.
أي: أنهما قد خلقتا وأنهما موجودتان الآن، فقد سبق خلقهما، وذلك أن الله عز وجل خلقهما وأوجدهما فأعد الجنة لأوليائه وأعد النار لأعدائه الذين كفروا به وأشركوا معه غيره.
ولا يقال: إنهما لا تخلقان إلا يوم القيامة، عندما يأتي وقت الانتفاع بها، كما قاله المعتزلة، وقالوا: إن خلقهما قبل ذلك ليس فيه فائدة ولا مصلحة؛ لأنها تبقى مدداً طويلة معطلة لا يستفيد منها أحد.
وقد جاءت الأحاديث دالة على خلقهما ووجودهما، ومن حكمه خلقهما: الترغيب والترهيب، وأن على الإنسان أن يسعى لتحصيل هذه الجنة التي خلقها الله، وأن يسعى إلى التخلص من النار التي خلقها الله عز وجل وأوجدها، وكذلك أيضاً التنعيم في الجنة والتعذيب في النار، فإنهما موجودان قبل يوم القيامة، وذلك أن الإنسان في قبره منعم في نعيم الجنة أو معذب بعذاب النار؛ لأن كل من مات قامت قيامته، وانتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، فهو يجازى على عمله في قبره، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وهو إما منعم وإما معذب.
وقد جاء في القرآن ما يدل على ذلك في قصة آل فرعون، حيث قال الله عز وجل: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر:46] ثم قال: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]: فهذا يدل على أن آل فرعون معذبون في النار قبل يوم القيامة، فإذا قامت الساعة انتقلوا من عذاب شديد إلى عذاب أشد.
وجاء في الحديث: أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، وجاء: أن نسمة المؤمن في حواصل طير يعلق في الجنة ويأكل من ثمارها.
فالتنعيم حاصل للروح وللجسد فيصل إليهما ما شاء الله عز وجل أن يصل من نعيم أو عذاب.
فالفائدة حاصلة بالنسبة للجنة والمضرة حاصلة بالنسبة للنار قبل يوم القيامة.
والأحاديث في خلق الجنة والنار كثيرة، ومنها الحديث الذي أورده أبو داود هنا قال: (لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال: أي رب! وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها).
يعني: لما فيها من المرغوبات واللذات.
قوله: [ (ثم حفها بالمكاره ثم قال: يا جبريل! اذهب فانظر إليها فذهب... وعزتك لقد خشيت ألا يدخلها أحد) ].
يعني: لما حفت به من المكاره، فلا يصبر الناس على المكاره والتعب والنصب والمشقة؛ لأن طريق الجنة فيه تعب ونصب، ولا يحصل ذلك إلا بأنواع الصبر الثلاثة: الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على أقدار الله المؤلمة.
فالجنة لما حفت بالمكاره صار الوصول إليها ليس كالحال قبل أن تكون محفوفة بالمكاره؛ لأنه ليس كل الناس يصبر على المكاره، ولهذا قل من يدخل الجنة وكثر من يدخل النار، ولهذا يقول بعض السلف: لا تغتر بطريق الشر لكثرة السالكين، ولا تزهد بطريق الخير لقلة السالكين، فإنه ليس العجب ممن هلك كيف هلك، وإنما العجب ممن نجا كيف نجا!
أي: لأنه خلقها دون أن تحف بالشهوات، فلا يدخلها أحد لشدتها وعظم هولها، وليس هناك أحد يقدم على أن يكون من أهلها، فلما حفت بالشهوات رجع إليه وقال: خشيت ألا ينجو منها أحد، وذلك لكثرة من يقدم على الشهوات، ويفضل الشهوة العارضة واللذة العاجلة، ويغفل عن العاقبة الوخيمة وعن المضرة الكبيرة التي تترتب على ذلك.
فحفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات، فطريق الجنة فيه المتاعب والمشاق وطريق النار فيه الشهوات التي من أرخى لنفسه العنان فيها وانقاد للشيطان وللنفس الأمارة بالسوء فإنه ينتهي إلى النار، وينتهي إلى الهاوية والعياذ بالله.
والمقصود من ذلك: أن الجنة والنار قد وجدتا وأنهما موجودتان الآن، ولا يقال: إنهما إنما يخلقان يوم القيامة؛ لأن وجودهما قبل ذلك يكون بدون انتفاع وبدون تضرر، بل الانتفاع حاصل والتضرر حاصل قبل يوم القيامة، كما قد عرفنا ذلك.
ومما يدل على وجود الجنة والنار حديث الكسوف الذي فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم عرضت عليه الجنة والنار وهو يصلي، فمد يده في الصلاة ليتناول عنقوداً من العنب، ثم إنه ترك، ولما فرغ من صلاته ذكر أنه عرضت عليه الجنة ورأى عناقيد العنب متدلية فأراد أن يأخذ عنقوداً، ولو أخذه لأكلوا منه ما بقيت الدنيا.
وعرضت عليه النار فتكعكع ورجع القهقرى لما رآها، وهذا يدل على وجودها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى شيئاً موجوداً.
وهذا يدلنا على أن على الإنسان أن يؤمن بالغيب وأن يصدق بكل ما جاءت به الأخبار، سواء أدرك ذلك أم لم يدركه، وسواء عقل ذلك أم لم يعقله.
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
حماد بن سلمه بن دينار البصري ، ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن محمد بن عمرو ].
محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سلمة ].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
وقد مر ذكره.
الجواب: هذا دليل على الحلف بصفات الله، فيحلف بأسماء الله وصفاته ولا يحلف بغيره، ولهذا قال: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، المقصود من ذلك أن يكون الحلف بالخالق بأسمائه وصفاته؛ لأن الله تعالى بذاته وصفاته الخالق وكل ما سواه مخلوق، فيحلف بالخالق ولا يحلف بالمخلوق.
الجواب: أنا لا أعرف عن المعتزلة أنهم يقولون بأن النار تفنى، وإذا كانوا يقولون بهذا فهم مخطئون في البداية والنهاية، مخطئون في البداية لكونهم قالوا: إن الجنة والنار إنما تخلقان يوم القيامة ولا تخلقان قبل ذلك، والنصوص قد جاءت بأنهما مخلوقتان قبل ذلك، ومخطئون في النهاية حيث قالوا: تفنى النار، وقد جاءت النصوص بأن الجنة والنار باقيتان إلى غير نهاية، وأما العصاة فإنهم يخرجون من النار ويدخلون الجنة، فإذا كانوا يقولون بالفناء فهم مخطئون فيما يتعلق بالجنة والنار من جهتين.
الجواب: ذكر هذا ابن القيم في كتابه الوابل الصيب في الكلم الطيب قال: الدور ثلاث: دار الطيب المحض، ودار الخبث المحض، ودار جمعت بين خبث وطيب، قال: فالجنة دار الطيب المحض، والنار التي فيها الكفار دار الخبث المحض؛ لأن الكفار باقون فيها إلى غير نهاية، والنار التي فيها العصاة هي التي يكون فيها من جمع بين خبث وطيب ويخرجون من المكان الذي هم فيه ويبقى مكانهم ليس فيه أحد، فـابن القيم في كتابه الوابل الصيب قسم هذا التقسيم.
الجواب: لا أعلم حديثاً في هذا؛ لكن هذا هو الواقع؛ لأن القيامة بالنسبة لكل أحد هي بموته، فإذا مات انتهى من الدنيا وانتقل إلى الآخرة، والقيامة التي تكون عند نهاية الدنيا تكون بالنفخ في الصور؛ لأن الساعة تطلق على الموت وعلى البعث، فمن إطلاقها على الموت: (إن من شرار الناس من تأتيهم الساعة وهم...) يعني: الذين تقوم عليهم الساعة فيموتون عند النفخ في الصور، ومن إطلاقها على القيام من القبور ما جاء في القرآن: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، أي: يوم يحصل البعث.
الجواب: كون جبريل وآدم رأيا الجنة لا ندري هل رأيا كل ما فيها؟ والمقصود: أن فيها من النعيم ما لا يعرفه الناس وما لا يدركه الناس وفيها ما يعرفون أسماءه وأنواعه، ولكن الفرق بين ما في الدنيا وما في الآخرة -مثلما قال ابن عباس-: إنه ليس في الدنيا ما يشبه ما في الجنة إلا الأسماء، فاللذة موجودة، ولكن فرق بين لذة ما في الدنيا ولذة ما في الآخرة، فالناس يعرفون العنب ويعرفون الرمان، فعنب الجنة فيه عناقيد، أما عناقيد الجنة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أشرت إليه آنفاً: (ولو أخذت منه عنقوداً لأكلتم منه ما بقيت الدنيا).
الجواب: معلوم أن هذا من أحاديث الوعد، وأحاديث الوعد لا يجوز للإنسان أن يعول عليها ويترك أحاديث الوعيد، وإنما يأخذ بنصوص الوعد والوعيد، فيكون خائفاً راجياً، لا يغلب جانب الخوف، ولا يغلب جانب الرجاء، حتى يحصل الخير ويسلم من الشر، وحتى يعمل عملاً صالحاً ويبتعد عن الأعمال المحرمة، وإذا كان في آخر الدنيا فإنه يغلب جانب الرجاء حتى لا يحصل له قنوط ويأس عند الموت، بل يحسن الظن بالله عز وجل، ويرجو ثواب الله سبحانه وتعالى.
فهذا الذي جاء في بعض الأحاديث: أنه ما عمل خيراً قط قد يكون عمل أشياء ولكنها ذهبت لمن يستحقها من الدائنين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ ثم قال: المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وسفك دم هذا، فيعطى لهذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم وطرح عليه، ثم طرح في النار)، فتكون عنده أعمال ولكنها ذهبت لغيره.
أما تارك الصلاة فقد جاء في كفره أحاديث.
الجواب: لا أذكر نصاً خاصاً في اسم الباعث.
أما الطيب فقد ورد في صحيح مسلم : (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً).
ويجوز أن يسمى الإنسان الطيب، وأن يكنى بأبي الطيب؛ لأن من أسماء الله ما يسمى بها غيره، ومنها ما لا يسمى به سواه سبحانه وتعالى، فمما يسمى به غيره: الرءوف والرحيم والسميع والبصير تطلق على المخلوق كما قال الله عز وجل: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، والمقصود بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عز وجل: إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان:2]، وكذلك العزيز وكذلك الكريم، لكن ما يضاف إلى الله عز وجل يختص به وما يضاف إلى المخلوقين يختص بهم، وهناك أسماء لا تطلق إلا على الله مثل: الله والباري والصمد والرحمن وغيرها.
الجواب: الشفاعة كما هو معلوم أنها كون الغير يشفع عند غيره، وهذا لا يحصل لله عز وجل، فهو تعالى لا يشفع عند غيره، بل غيره يشفع عنده، وقد سبق أن مر الحديث الذي قال فيه: (ويحك إن شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه)، فلا أعرف هذه اللفظة، وإنما المقصود من ذلك ما يحصل من العفو والتجاوز، وإلا فإن الله تعالى هو الذي يشفع عنده، ولا تكون الشفاعة منه عند غيره.
الجواب: لا يوجد رضا عن أبي طالب ؛ لأنه معذب، ولكن الذي حصل هو التخفيف وهذان الشرطان إنما هما في الغالب، وإلا فإن أبا طالب ليس مرضياً عنه، بل هو كافر وليس بعد الكفر ذنب، والله تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].
وأيضاً: حصلت له الشفاعة للتخفيف مع بقائه في النار على حال هو فيها أخف أهل النار، ويرى أنه ليس هناك أحد أشد منه عذاباً، والعياذ بالله.
الجواب: قدر الله سبحانه وتعالى أن يحصل إكرام للشافع وفائدة للمشفوع، وأن تكون الشفاعة هي الوسيلة إلى هذه الغاية، فيكون في ذلك إكرام للشافع وإظهار لفضله ومنزلته، مثلما حصل بالنسبة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الشفاعة العظمى، فإنه ظهر فيها إكرامه وسؤدده وفضله على الجميع، وحصل له المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون، فهي من الأشياء التي يرفع الله تعالى بها من يشاء، ويستفيد بتلك الشفاعة من يشاء، فيحصل للمشفوع له خير، ويحصل للشافع إكرام ببيان منزلته وعلو مكانته.
الجواب: لا نعلم نصاً واضحاً في هذا، لكن بعض العلماء يذكر هذا مثلما ذكره ابن كثير في تفسير سورة الأنعام، فإنه ذكر أنه جاء في الصحيح، لكن لا نعلم نصاً في أن إسرافيل هو الذي ينفخ في الصور، وهو من المشهورين في الملائكة، وقد ذكر بعض أهل العلم في حديث توسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه بربوبيته لجبريل وميكائيل وإسرافيل أن ذلك لأن هؤلاء موكلون بأنواع الحياة، فجبريل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب، وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأبدان، وإسرافيل موكل بنفخ الصور الذي به الحياة بعد الموت، لكن لا أعلم نصاً في هذا.
الجواب: تكون بعد ذلك؛ لأن هذه النفخة لا تكون لمن كان حياً، والنار التي تخرج هي تخرج روح كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى أناس لا خير فيهم هم شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة، ولهذا لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله، ومعناه: أن الأخيار قد ذهبوا، والريح اللينة التي تقبض كل مؤمن ومؤمنة حصلت قبل ذلك، والنفخ يحصل به موت من كان حياً، والذين كانوا أحياء في ذلك الوقت هم شرار الخلق كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الجواب: هذا شيء من علم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله، وإذا جاء فيه نص فيمكن أن يتكلم فيه، وإلا فليس هناك سوى السكوت.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر