حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أمامكم حوضاً ما بين ناحيتيه كما بين جرباء وأذرح) ].
الحوض هو حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرده الناس يوم القيامة وهم عطاش، فيشرب منه من يشرب، ومن شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً، ومنهم من يذاد عنه ويمنع مع شدة حاجته إليه، وتكون ذنوبه ومعاصيه هي التي حالت بينه وبين ذلك.
وقد اختلف فيه هل يكون قبل الصراط أو بعد الصراط؟ فجاء عن بعض أهل العلم أنه يكون بعد الصراط، والكثيرون قالوا: إنه قبل الصراط، وهو الأقرب؛ لأن الذين يذادون عنه لو كان بعد الصراط فإنهم لا يتجاوزون إليه حتى يذاودون عنه بل يقعون في النار، وعلى هذا فالذود إنما يناسب أن يكون قبل الصراط، والله أعلم.
وأورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن أمامكم حوضاً ما بين ناحيتيه كما بين جرباء وأذرح).
وهذا فيه إثبات الحوض للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أمام الناس، وأنه واسع.
وجرباء وأذرح هي من بلاد الشام ، وهي متقاربة، وجاء في بعض الروايات أنه قال: (ما بين المدينة وجرباء وأذرح)، فتكون المسافة على هذا كما بين المدينة إلى جرباء وأذرح فتكون بعيدة، وعلى ما جاء في هذه الرواية هي كما بين جرباء وأذرح، فتكون غير بعيدة.
وقد جاءت التقادير عن النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ متعددة، منها ما هو واسع جداً، ومنها دون ذلك، وجاء في الأحاديث الصحيحة أيضاً أن طوله وعرضه سواء، وأن زواياه سواء، وعلى هذا فيكون مربعاً.
ولكن كل الأحاديث تدل على أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضاً، وأنه يورد عليه الحوض، وأنه يذاد عنه أناس فلا يشربون، وأناس يشربون ولا يظمئون بعد ذلك أبداً.
وأحاديث الحوض متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر ابن القيم في (تهذيب السنن) أنها جاءت عن أربعين صحابياً وسماهم، وذكر الحافظ ابن حجر في (الفتح) أنهم يبلغون الخمسين أو يزيدون عن الخمسين صحابياً.
سليمان بن حرب ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ومسدد ].
مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ قالا: حدثنا حماد بن زيد ].
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أيوب ].
أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن نافع ].
نافع مولى ابن عمر وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عمر ].
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: قلت: كم كنتم يومئذ؟ قال: سبعمائة أو ثمانمائة ].
أورد أبو داود حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنتم جزء من مائة ألف جزء ممن يرد عليَّ الحوض).
وهذا يدل على كثرة الواردين على الحوض، وقد سأل أبو حمزة زيداً : كم كنتم يومئذ؟ قال: سبعمائة أو ثمانمائة.
يعني أن الذي يردون الحوض على رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرون، وأن نسبة هؤلاء إنما هي شيء يسير ممن عداهم.
حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج له البخاري أبو داود والنسائي .
[ حدثنا شعبة ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن مرة ].
عمرو بن مرة الجملي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي حمزة ].
وهو طلحة بن يزيد الأيلي، وثقه النسائي ، وأخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ عن زيد بن أرقم ].
زيد بن أرقم رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
قوله: [ (أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة) ]
أي: نام نوماً يسيراً.
قوله: [ (فرفع رأسه متبسماً) ]
والمقصود من ذلك أنه كان يوحى إليه، وقام متبسماً.
قوله: [ (فإما قال لهم وإما قالوا له) ]
أي: إما بدءوه بالسؤال أو بدأهم بالإخبار عن الذي قد حصل له، فذكر على أنهم بدءوه فقالوا: (لم ضحكت؟)
أي: ما الذي أضحكك يا رسول الله؟ وأرادوا أن يعرفوا السبب الذي حصل من أجله ذلك، وهم يعلمون أنه يوحى إليه في مثل هذه الحالة، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك لأمر حسن وسار قد حصل، ثم أخبرهم عليه الصلاة والسلام.
قوله: [ (إنه أنزلت علي آنفاً سورة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]).
أي: نزلت في هذه الإغفاءة، وقد قرأ عليهم: بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3]، ثم قال عن الكوثر: (فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة عليه خير كثير، عليه حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب).
أي أن آنيته عدد نجوم السماء، وهذا يدل على أن الكوثر نهر في الجنة، وأن فيه حوضاً، وجاء في بعض الأحاديث الصحيحة بيان أن الحوض يصب فيه ميزابان من الجنة، وعلى هذا فيكون الكوثر في الجنة والحوض في عرصات القيامة، وهو يمد ويصل إليه الماء من ذلك النهر الذي في الجنة.
وعلى هذا فيكون الحوض شيئاً والكوثر شيئاً آخر وليسا شيئاً واحداً، والكوثر هو الأصل والحوض فرع منه، والكوثر في الجنة والحوض إنما هو في عرصات القيامة، والماء الذي في الحوض جاء من الكوثر كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث فيه دليل على أن: (بسم الله الرحمن الرحيم) من السورة، وبعض أهل العلم يقول إن بسم الله الرحمن الرحيم من القرآن، وهي فاصلة بين كل سورتين ما عدا الأنفال والتوبة، فإنهما ليس بينهما: (بسم الله الرحمن الرحيم).
قوله: [ (ترد عليه أمتي يوم القيامة) ]
والمقصود بالأمة هنا أمة الإجابة بلا شك، وهناك أناس ارتدوا يردون عليه فيذادون عنه، وجاء في بعض الروايات أنه قال: (فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، والمقصود بذلك الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقاتلهم الصديق ومات من مات منهم على الردة، فهؤلاء هم الذين يذادون عن الحوض.
وهذا الحديث رواه أنس بن مالك ، فيكون من مراسيل الصحابة؛ لأن السورة مكية، ومعلوم أن مراسيل الصحابة حجة، ولاشك أن الشيء الذي ما شهده الصحابي إنما أخذه عن صحابي آخر، وإذا جاء عنهم شيء مضاف إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام سواء كان مما أدركوه أو مما لم يدركوه فإنه يعتبر ثابتاً، ونسبته إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام صحيحة؛ لأنه إما أن يكون أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أنه أخذه عن الصحابة الذين شاهدوه وعرفوه.
هناد بن السري أبو السري ، وهو ثقة أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا محمد بن فضيل ].
محمد بن فضيل بن غزوان ، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن المختار بن فلفل ].
وهو صدوق له أوهام، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ سمعت أنس بن مالك ].
أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود ، فإنه من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود.
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وفيه إثبات الكوثر بالسنة، وهو ثابت في القرآن، وفيه شيء آخر وهو كونه مخلوقاً وموجوداً؛ لأنه عندما رأى الجنة رأى فيها الكوثر.
وأتى بهذا الحديث في بحث الحوض من أجل التلازم الذي بين الحوض وبين الكوثر، لأن الماء الذي في الحوض يكون من الكوثر.
قوله: [ (فضرب الملك الذي معه يده فاستخرج مسكاً) ].
يعني استخرج مسكاً من أرض هذا النهر.
قوله: [ (فقال محمد صلى الله عليه وسلم للملك الذي معه: ما هذا؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك الله عز وجل) .
أي: هذا النهر هو الكوثر الذي أعطاك الله عز وجل في قوله: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3].
وهو صدوق أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا المعتمر ].
المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت أبي ].
سليمان بن طرخان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا قتادة ].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس بن مالك ].
وقد مر ذكره.
أورد أبو داود حديث أبي برزة الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاء إلى عبيد الله بن زياد أمير الكوفة، وكان طلب أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليسأله عن حديث الحوض، فجاء إليه أبو برزة وكان قد طلبه أن يأتي من أجل هذا الغرض.
قوله: [ إن محمديكم ].
يعني: نسبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، أي أنه صحابي، والرجل طلب واحداً من الصحابة.
فقوله: [ إن محمديكم هذا الدحداح ]
أي: إن محمديكم هو هذا الدحداح، والدحداح هو السمين القصير، يقصد أبا برزة رضي الله عنه.
قوله: [ ففهمها الشيخ فقال: ما كنت أظن أني أبقى في قوم يعيروني بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم ]
وهذا أخذه من قوله: (إن محمديكم).
قوله: [ إن صحبة محمد صلى الله عليه وسلم لك زين غير شين ]
يعني: أنها خير وليس فيها شر ولا ذم، وأراد بذلك أن يعتذر وأن يبين ما ذكره من الصحبة والتعيير بها الذي فهمه أبو هريرة .
قوله: [ ثم قال: إنما بعثت إليك لأسألك عن الحوض، سمعت رسول الله يذكر فيه شيئاً؟ فقال: نعم، لا مرة ولا مرتين ولا ثلاثاً ولا أربعاً ولا خمساً ].
أي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبته ويحدث به مرات كثيرة، ويذكر أن هناك حوضاً ترده أمته.
ثم قال أبو برزة بعد ذلك: فمن كذب به فلا سقاه الله منه، أي: فمن كذب بذلك الحوض فلا سقاه الله منه، ثم خرج مغضباً رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
والحديث في إسناده رجل مجهول وهو الذي يحدث عن أبي برزة ، وكان أبو طالوت يقول: (شهدت أبا برزة دخل) ولكنه لا يعرف شيئاً عن الذي جرى، وإنما حدثه به شخص حضر ذلك المجلس، ولكن الحوض ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، والألباني صحح الحديث، ومعلوم أن فيه هذا المجهول أو هذا المبهم، ولكنه صححه من أجل الطرق والشواهد الأخرى التي هي في معناه.
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد السلام بن أبي حازم أبو طالوت ].
وهو ثقة أخرج له أبو داود .
[ فحدثني فلان -سماه مسلم - ].
أي: يقول عبد السلام : فحدثني فلان ومسلم الذي سماه هو مسلم بن إبراهيم شيخ أبي داود، وفلان هذا يقول الحافظ ابن حجر : إنه عم عبد السلام، ولم أقف على اسمه ورمز له بـ(د)، أي: أخرج له أبو داود .
[ شهدت أبا برزة ]
أبو برزة الأسلمي نضلة بن عبيد ، صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقد كثر السؤال عن قول بعض العلماء وخاصة صديق حسن خان : إن أبا داود عنده إسناد ثلاثي، واستدل بهذا الحديث، لكن نقول: لو كان عبد السلام حدث عن أبي برزة بالذي حصل لكان ثلاثياً، لكنه أخبر عمن شهد ذلك، وهو قد أدرك الصحابي ولكنه لم يرو عنه، وإنما رآه دخل على عبيد الله بن زياد ، والذي حدثه بالحديث رجل آخر، ومعنى ذلك أنه رباعي، لأن هذا المبهم هو الثالث، فيكون أبو داود قد حدث عن مسلم بن إبراهيم وهو عن أبي طالوت ، ثم بعد ذلك هذا الرجل المبهم، وهذا المبهم يحكي ما جرى بين أبي برزة وابن زياد فيكون الإسناد رباعياً وليس بثلاثي.
أحاديث حوض نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أورد البخاري رحمه الله في باب: في الحوض من كتاب الرقاق من صحيحه منها تسعة عشر طريقاً، وذكر الحافظ في (الفتح) أن الصحابة فيها يزيدون على خمسين صحابياً، ذكر خمسة وعشرين منهم نقلاً عن القاضي عياض ، وثلاثة عن النووي ، وزاد عليهما قريباً من ذلك فزادوا على الخمسين صحابياً.
وأورد الإمام ابن كثير في كتاب النهاية أحاديث الحوض عن أكثر من ثلاثين صحابياً، ذكرها بأسانيد الأئمة الذين خرجوها غالباً، ومما جاء في صفة حوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبداً)، رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
ورواه مسلم في صحيحه ولفظه: (حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء، وماؤه أبيض من الورق، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، فمن شرب منه فلا يظمأ بعده أبداً).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه: (يشخب فيه ميزابان من الجنة، من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى أيلة، ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل).
والرافضة والحاقدون على الصحابة يزعمون أن الصحابة ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا نفراً يسيراً منهم، وأنهم يذادون عن الحوض، والحقيقة أن الرافضة هم الجديرون بالذود عن حوض رسول الله صلى الله وآله وسلم؛ لأنهم لا يغسلون أرجلهم في الوضوء بل يمسحون عليها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ويل للأعقاب من النار)، أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وليست فيهم سيما التحجيل التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء)، أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
كما أخرج أبا موسى الأشعري وأبا هريرة وخالد بن الوليد وغيرهم ممن لا يحصون، وهو قول محدث في القرن الخامس عشر لم يسبقه إليه إلا شاب حديث السن مثله اسمه عبد الرحمن بن محمد الحكمي .
ومما جاء في كتابه السيئ إنكار القول بعدالة الصحابة، وزعمه أن أكثر الصحابة يذادون عن حوض الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه يؤمر بهم إلى النار، وأنه لا ينجو منهم إلا القليل مثل همل النعم.
وبهذا يتبين مماثلته للرافضة الحاقدين على الصحابة.
السابع -أي من وجوه الرد في إنكاره عدالة الصحابة- قوله: ومن الأحاديث في الذم العام قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث الحوض في ذهاب أفواج من أصحابه إلى النار، فيقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أصحابي أصحابي؟ فيقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك)، الحديث متفق عليه، وفي بعض ألفاظه في البخاري : (فلا أرى ينجو منكم إلا مثل همل النعم)، فيأتي المعارض بالثناء العام بعد هذا الذم العام، فكيف تجعلون للصحابة ميزة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا ينجو منهم إلا القليل، وأن البقية يؤخذون إلى النار؟ وقال عن هذا الحديث أيضاً كما أخبر النبي صلى الله وآله وسلم: أنه لا ينجو من أصحابه يوم القيامة إلا القليل مثل همل النعم، كما ثبت في صحيح البخاري كتاب الرقاق؟
ويجاب عنه: بأن لفظ الحديث في صحيح البخاري في كتاب الرقاق عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (بينا أنا نائم فإذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم! فقلت: أين؟ قال: إلى النار إلى النار، والله قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إلى زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم! قلت: أين؟ قال: إلى النار، والله قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم).
قال الحافظ في شرحه: قوله: (بينا أنا نائم) كذا بالنون للأكثر وللكشمهيني : (قائم) بالقاف، وهو أوجه، والمراد به قيامه على الحوض يوم القيامة، وتوجه الأولى بأنه رأى في المنام في الدنيا ما سيقع له في الآخرة.
وقال أيضاً: قوله: (فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم) يعني: من هؤلاء الذين دنوا من الحوض وكادوا يردونه فصدوا عنه.
وقال أيضاً: والمعنى: أنه لا يرده منهم إلا القليل، لأن الهمل في الإبل قليل بالنسبة لغيره.
واللفظ الذي ورد في الحديث: (فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم) أي: من الزمرتين المذكورتين في الحديث، وهو لا يدل على أن الذين عرضوا عليه هاتان الزمرتان فقط، والمالكي أورد لفظ الحديث على لفظ خاطئ لم يرد في الحديث، وبناءً عليه حكم على الصحابة حكماً عاماً خاطئاً فقال فيه: وفي بعض ألفاظه في البخاري : (فلا أرى ينجوا منكم إلا مثل همل النعم) فجاء بلفظ: (منكم) على الخطاب بدل: (منهم) وبناء عليه قال: كيف تجعلون للصحابة ميزة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه لا ينجو منهم إلا القليل، وأن البقية يؤخذون إلى النار؟
وقال: كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه لا ينجو من أصحابه يوم القيامة إلا القليل مثل همل النعم، كما ثبت في صحيح البخاري كتاب الرقاق.
وهذا كذب على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإنه لم يخبر أن أصحابه لن ينجو منهم إلا القليل، ولعل هذا الذي وقع من المالكي حصل خطأً لا عمداً.
وأما ما جاء في بعض الأحاديث من: (أنه يذاد عن حوضه أناس من أصحابه وأنه يقول: أصحابي؟ -وفي بعض الألفاظ: أصيحابي_ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، فهو محمول على القلة التي ارتدت منهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقتلوا في ردتهم على أيدي الجيوش المظفرة التي بعثها أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
وإذا كان مصير أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى النار، وأنه لا ينجو منهم إلا القليل مثل همل النعم بزعم هذا الزاعم، فليت شعري ما هو المصير الذي يفكر به المالكي لنفسه؟!
نسأل الله السلامة والعافية، ونعوذ بالله من الخذلان!
بل إن الصحبة الشرعية بزعم المالكي لم تحصل إلا للمهاجرين والأنصار قبل صلح الحديبية، ومن بعدهم ليسوا من الصحابة بزعمه، وعلى هذا فإنه لا ينجو من الصحابة إلا القليل مثل همل النعم، والبقية يؤخذون إلى النار، فهذا يعم الصحابة الذين كانوا قبل الحديبية، فإذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذين هم خير هذه الأمة لا يسلمون من النار، فمن الذي يسلم منها؟! بل إن اليهود والنصارى لم يقولوا في أصحاب موسى وعيسى مثل هذه المقالة القبيحة.
وقد ذكر شارح الطحاوية أن اليهود والنصارى فضلوا على الرافضة بخصلة وهي: أنه إذا قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وإذا قيل للنصارى: من خير أهل ملتهم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وإذا قيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد.
وهذا يبين لنا منتهى السوء الذي وقع فيه المالكي، وأن من يسمع أو يطلع على كلامه في الصحابة يتهمه في عقله، أو يستدل به على منتهى خبثه وحقده على خير هذه الأمة، لاسيما أن زعمه أن العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله رضي الله عنهما ليسا من الصحابة، وزعمه أن أكثر الصحابة إلا قليل منهم مثل همل النعم يؤخذون إلى النار.
وأيضاً: إذا كان أكثر الصحابة إلا قليل منهم يؤخذون إلى النار في زعم هذا الزاعم والكتاب والسنة لم يصلا إلى هذه الأمة إلا عن طريق الصحابة، فهم الواسطة بين الناس وبين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ فأي حق وهدى يكون بأيدي المسلمين؟! فإن القدح في الناقل قدح في المنقول.
قال أبو زرعة الرازي المتوفي (سنة 264هـ) رحمه الله: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة. (الكفاية) للخطيب البغدادي.
وسأكشف أباطيله الأخرى التي اشتمل عليها كتابه ((قراءة في كتب العقائد)) وأدحضها إن شاء الله تعالى في كتابي: ((الانتصار لأهل السنة والحديث في رد أباطيل حسن المالكي)) . انتهى.
الجواب: نعم، له كتاب خاص بهذا، وقد تكلم فيه كلاماً قبيحاً سيئاً، وهذا ليس بمستغرب ممن طعن في الصحابة وهم خير هذه الأمة، فلا يسلم منه من بعدهم من باب أولى، كالشيخ محمد بن عبد الوهاب، فالرجل يقول في الصحابة المقالات القبيحة التي لا يقولها اليهود والنصارى في أصحاب موسى وعيسى، فمن باب أولى ومن السهل أن يتكلم في الشيخ محمد بن عبد الوهاب كما تكلم فيمن قبله مثل ابن تيمية وابن القيم وابن كثير والذهبي ، وفي أهل السنة من زمن الصحابة إلى عصرنا هذا، وقد تكلم في الشيخ محمد ومن كان على طريقة الشيخ محمد من العلماء حتى العصر الحاضر، فهو في منتهى السوء، وقد رد عليه الشيخ ربيع المدخلي في كتابه عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب بكتاب مفيد سماه: ((دحر افتراءات أهل الزيغ والاغتياب عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أباطيل حسن المالكي ))، وهو لم يطبع.
الجواب: على كلٍ أقول: الإنسان المبطل يأتي بالشيء الذي يريد، وأما الشيء الذي لا يريده فإنه لا يأتي به، وهو أتى بشيء كذب فيه، لأن اللفظ الذي بنى عليه الحكم لا يوجد في البخاري ، وإنما هو الحقد والخبث الذي يكون في النفوس.
الجواب: الرافضة لهم مقالات قبيحة يقولونها في أمور أخرى، وأما هذا الموضع بالذات فلا أدري عن حقيقة قولهم فيه، وعندهم تحريف للقرآن وذلك بتفسيره بأمور لا يدل عليها لا من حيث اللغة ولا من حيث المعنى أيضاً.
الجواب: الذي يبدو -والله أعلم- أنه في عرصات القيامة قبل الصراط.
السؤال: لا يعد هذا من الأعمال البدعية إذا كان النساء في محل خاص بهن، وفيه أكلهن ودراستهن، ولا يخرجن من هذا المكان إلا مع محارمهن، وفيه الأمور التي يحتجن إليها، ولا يحتجن إلى الخروج، لأن المنع إنما جاء عن السفر: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)، وكونها تذهب وتجيء مع ذي محرم لا بأس به، وهو مطابق لما جاء في الحديث.
فعندما تكون المرأة في مكان آمن وفي مكان خاص بحيث لا ترى الرجال ولا يرونها ولا تختلط بأحد، وإنما يدخل أهلها إذا أرادوا ثم يخرجونها مثل إدخالهم إياها إلى المدرسة ثم إخراجها منها، فلا بأس.
الأول: قول اللسان، وهو نطقهم بالشهادتين، الثاني: عمل القلب، وهو التوحيد. فما رأي فضيلتكم في هذا التفسير؟ وهل من يقول به يعد من المرجئة ؟
الجواب: هذا كلام مستقيم، ولكن ما يتعلق بأعمال الجوارح وأنها كلها منفية وأنه لا يؤثر ذهابها؛ هذا غير صحيح، أعني إذا كان المقصود أن الجوارح ليس لها عمل أصلاً، بل الصحيح أن من أعمال الجوارح الصلاة، وتركها كفر كما جاءت الأحاديث بذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
الجواب: إذا كان يمكنها القضاء في المستقبل فإنها تقضي في المستقبل، وتطعم عن كل يوم مسكين إذا قضت بعد دخول رمضان آخر، وذلك إذا كان المرض مما يرجى برؤه، وأما إذا كان هذا المرض لا يرجى برؤه فإنها تطعم عن كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليها.
الجواب: هذه من الأمور التي وفدت على المسلمين واستوردوها من أعدائهم، فلا يجوز استعمالها من أجل الزواج إذا حصلت الخطبة، ولا أن يضع كل واحد في أصبعه خاتماً يسمونه الدبلة، فهذه من الأمور المحدثة المنكرة التي يقلد فيها المسلمون أعداءهم فيما يضر ولا ينفع.
الجواب: يجب أن تكون الألسنة نظيفة عند الكلام على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك يجب أن تكون القلوب سليمة ليس فيها شيء من الأذى والقذر، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطة : ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل شيء فيه احتمال أو إيهام تنقص فإن البعد عنه مطلوب.
فكون أبي بكر رضي الله عنه ليناً هذا لاشك فيه، ولكنه في بعض المواقف كان أشد وأعظم من عمر ، وذلك في مسألة قتال المرتدين، فإنه وقف وقفة شجاعة حتى إن عمر جاء وراجعه للقتال في ذلك، ولكنه قال: لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، ثم قال عمر : فما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق. وهذا معناه أن عمر رأى أن هذا موقف شجاع.
والحاصل أنه كان عنده لين، وعمر عنده شدة، وقد كان عمر محموداً في شدته وأبو بكر محموداً في لينه، ولا يقال إن أحدهما مذموم.
فالتعبير بأنه ضعيف أمام عمر لا يصلح، وإذا أراد الإنسان بذلك التنقص فلاشك أنه كلام قبيح، والذي ينبغي هو تنظيف الألسنة والقلوب من أن يكون فيها شيء لا يليق بحق أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأما بالنسبة لـعمر رضي الله عنه فخلافته طالت وبلغت مقدار خلافة أبي بكر خمس مرات، لأن أبا بكر تولى سنتين وأشهراً، وعمر رضي الله عنه تولى عشر سنوات وأشهراً، فحصل فيها خير كثير، وحصل فيها فتوحات عظيمة، وقضى على الدولتين العظميين في ذلك الزمان: دولة الفرس ودولة الروم، والرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم في النزع من البئر فيها: (أن
فالحاصل أن كل شيء لا ينبغي في حق الصحابة ليس للإنسان أن يتلفظ به، وكذلك إذا كان الكلام موهماً أو محتملاً، بل يأتي بالكلام الواضح الجلي الذي فيه الثناء والمدح للجميع، ولا يأتي بشيء فيه احتمال.
الجواب: قوله: (بلغني عن خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم) هناك مسافة شاسعة بين سعيد بن عبد الرحمن الجمحي وبين زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال عنه في التقريب: من ولد عامر بن حذيم ، أبو عبد الله المدني قاضي بغداد، صدوق له أوهام، وأفرط ابن حبان في تضعيفه، من الثامنة، مات سنة ست وسبعين، له اثنتان وسبعون، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
فأنت ترى أنه من الطبقة الثامنة، أي أنه بعد طبقة صغار التابعين بثلاث طبقات، لأن طبقة صغار التابعين هي الطبقة الخامسة، وهو بعد طبقة صغار التابعين بثلاث طبقات، ومعناه أن هناك مسافة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون في هذا الحديث انقطاع طويل، فهو معضل.
الجواب: الذي جاء أن الذين يذادون هم الذين أحدثوا وغيروا وبدلوا، ومعلوم أن هناك من أحدث كفراً، وهناك من أحدث بدعاً ومحدثات، ومعلوم أن الذين ارتدوا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم يذادون عن حوضه وذلك لكفرهم، والحديث بعمومه يدل على أن الإحداث والتغيير سبب للذود عن الحوض، لكن من ذيد عنه وهو مسلم فإنه يدخل الجنة، ولا أعلم شيئاً يدل على أنه يذاد عنه أحد من أهل الجنة، ولكن اللفظ يدل بعمومه على أن الكفار وغير الكفار ممن أحدثوا وبدلوا يذادون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر