حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب -يعني: الإسكندراني- عن عمرو عن المطلب عن عائشة رحمها الله قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) ].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله هذه الترجمة: [ باب في حسن الخلق ].
وكتاب الأدب الذي نحن في صدد الكلام فيه كله يتعلق بالأخلاق والآداب، سواء ما كان منها مرغب فيه، أو ما كان منها مرهب ومحذر منه، وهنا حسن الخلق لفظ عام يشمل الأخلاق الكريمة والمعاملة الطيبة للناس، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما سأله بعض الصحابة أن يوصيه قال: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)، ومعلوم أن الصائم القائم عنده تعب ومشقة في كونه يقوم الليل ويصلي الصلوات التي يتطوع فيها لله عز وجل، وكذلك يصوم النهار، فإن ذلك فيه مشقة عليه، ومعلوم أن الأجر حاصل للصائم القائم؛ لأنه يجاهد نفسه في القيام بهذه الأمور التي فيها مشقة وتعب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)، والطريق إلى الجنة لا بد فيه من تعب ونصب، ولا بد فيه من مشقة، فصاحب حسن الخلق يكون في درجة هؤلاء، وذلك أن أولئك يجاهدون أنفسهم، وهذا يجاهد نفسه في معاملة الناس المعاملة الطيبة، فيخالقهم بالأخلاق الحسنة، فكونه يروض نفسه ويجاهدها على ذلك فإنه يحصل بذلك درجة الصائم القائم الذي أتعب نفسه وفعل تلك الأمور التي فيها مشقة على النفس، فيكون الصائم القائم بتعبه ونصبه ومشقته له أجر عظيم، وكذلك الذي يجاهد نفسه في مخالقة الناس بخلق حسن، ويعاملهم معاملة طيبة، فإنه يحصل من الأجر مثل أجر الصائم القائم.
والحديث فيه ترغيب في حسن الخلق، وبيان فضله، وعظيم أجره عند الله عز وجل.
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يعقوب يعني: الإسكندراني ].
هو يعقوب بن عبد الر حمن الإسكندراني ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن عمرو ].
هو عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ، وهو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن المطلب ].
هو المطلب بن عبد الله بن حنطب ، وهو صدوق كثير التدليس والإرسال، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.
[ عن عائشة ].
أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو الوليد قال: سمعت عطاء الكيخاراني .
قال أبو داود : وهو عطاء بن يعقوب وهو خال إبراهيم بن نافع، يقال: كيخاراني وكوخاراني ].
أورد أبو داود حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق)، وهذا فيه إثبات الميزان، وأن أعمال العباد توزن يوم القيامة، وهو يدل على عظيم شأن حسن الخلق وثوابه عند الله عز وجل، وأنه من أثقل ما يكون في الميزان عندما توزن الأعمال؛ لأنه من أجل وأفضل الأعمال.
هو هشام بن عبد الملك ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وحفص بن عمر ].
هو حفص بن عمر النمري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
[ قالا: حدثنا ح وحدثنا ابن كثير ].
هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد ذكر التحويل بعد ذكر الصيغة، وذلك أن الأولين عبرا بحدثنا، وأما الأخير فعبر بأخبرنا، والأخير هو محمد بن كثير، وبعض العلماء يقولون: إن (حدثنا) لما سمع من لفظ الشيخ، وهي مثل سمعت، وأما (أخبرنا) فهي لما قرئ على الشيخ وهو يسمع، ومن العلماء من لا يفرق بينهما، ويأتي بحدثنا وأخبرنا فيما سمع من الشيخ وفيما قرئ على الشيخ وهو يسمع، فإن هذا كله يقال له: تحديث ويقال له: إخبار، ولكن أبا داود رحمه الله ذكر التحويل بعد ذكر الصيغة لبيان الفرق بين الصيغة التي أتى بها الأولان والصيغة التي أتى بها الشيخ الثالث، وهذا يدل على العناية والدقة في المحافظة على الألفاظ، والإتيان بصيغة الراوي كما جاءت.
[ أخبرنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن القاسم بن أبي بزة ].
القاسم بن أبي بزة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عطاء الكيخاراني ].
عطاء الكيخاراني ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والترمذي .
[ عن أم الدرداء ].
أم الدرداء هي هجيمة ، وهي تابعية ثقة، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة، أما أم الدرداء الصحابية فاسمها خيرة ، وليس لها رواية، وإنما الرواية هي لـأم الدرداء الصغرى التي هي تابعية، واسمها هجيمة ، وهي ثقة أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الدرداء ].
هو عويمر رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ قال أبو الوليد قال: سمعت عطاء الكيخاراني ].
يعني: أبو الوليد في روايته جاء عن القاسم بن أبي بزة : سمعت في روايته سمعت عطاء الكخاراني ، وأما رواية حفص بن عمر فإنه قال: عن القاسم عن عطاء .
[ قال أبو داود : وهو عطاء بن يعقوب ].
وقيل: هو عطاء بن نافع ، وعطاء بن نافع هو الذي له رواية عند أبي داود ، وأما عطاء بن يعقوب فما رمز له في التقريب إلا لـمسلم ، وليس له رواية عند أبي داود .
[ وهو خال إبراهيم بن نافع ، يقال: كيخاراني وكوخاراني ].
يعني أن هذه النسبة تقال بالياء كيخاراني وبالواو كوخاراني ، فإذا جاء الكيخاراني أو الكوخاراني فهو شيء واحد.
فنقول: معلوم أن الإيمان هو الأصل والأساس وكل شيء تابع له، وقد جاء في بعض الأحاديث: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان..) وكذلك حديث: (والحمد لله تملأ الميزان)، فالتوحيد لا شك أنه هو الأساس، وهو الذي به بتميز المسلم عن الكافر، وبه يصير المرء من أهل الإيمان لا من أهل الكفر، ولكن فيما يتعلق بالأمور التي يتعامل الناس بها والتي في غير التوحيد، والتي هي من الأعمال الزائدة عن الأصل، فحسن الخلق من أثقل ما يكون في الميزان فيما يتعلق بهذه الأعمال.
أورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله تعالى عنه، وفيه بيان فضيلة حسن الخلق، وأن تحسين الإنسان لخلقه يوصله إلى الدرجات العالية في الجنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ثلاثة أصناف من الناس: فمنهم من يكون في ربض في الجنة وفي أدناها، ومنهم من يكون في وسطها، ومنهم من يكون في أعلاها، ومعلوم أنه كما أن النار دركات بعضها تحت بعض، فالجنة درجات بعضها فوق بعض، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الذي يحسن خلقه يكون له بيت، والبيت هنا هو القصر في الجنة، وقوله: (أنا زعيم) يعني: أنا ضامن وكفيل وملتزم بأن من فعل كذا فله كذا، وهو نظير قول الله عز وجل: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يوسف:72] يعني: أنا ملتزم بحمل البعير لمن أتى بصواع الملك، وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ يعني: بهذا الذي وعدت به، وهذا الجعل الذي جُعل فأنا ملتزم به، والمعنى هنا: أنا كفيل وضامن لمن فعل هذا الفعل أن يكون له بيت في الجنة.
قوله: [ (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً) ] يعني: المجادلة التي تؤدي إلى الخصومة والشقاق والوحشة، فالإنسان يبتعد عنها حتى تسلم القلوب، وحتى تصفى النفوس.
قوله: [ (وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً) ].
فعلى الإنسان أن يعود نفسه على الصدق والبعد عن الكذب، فمن ترك الكذب ولو كان عن طريق المزح فإنه موعود بهذا الوعد الكريم وهو بيت في وسط الجنة.
قوله: [ (وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) ].
وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث، وفيه بيان منزلة حسن الخلق، وهذه المنزلة العالية، ويدل على فضله وعلى أهميته.
محمد بن عثمان الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود وابن ماجة .
[ حدثنا أبو كعب أيوب بن محمد السعدي ].
أبو كعب أيوب بن محمد السعدي صدوق، أخرج له أبو داود .
[ حدثني سليمان بن حبيب المحاربي ].
سليمان بن حبيب المحاربي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود وابن ماجة .
[ عن أبي أمامة ].
أبو أمامة هو صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا الحديث من الرباعيات، وهي من أعلى الأسانيد عند أبي داود .
كما أن منطوق الحديث ليس فيه ما يدل على جواز الكذب حال المزاح، وإنما يبين أنه حتى في هذه الأمور التي يتساهل الناس فيها فإن الشرع لا يتساهل فيها.
قال: والجواظ: الغليظ الفظ ].
أورد أبو داود حديث حارثة بن وهب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري).
والجواظ: هو الذي عنده فظاظة وعنده غلظة، وعنده قسوة وجفاء، والجعظري، فسر بعدة تفسيرات، منها: أنه الذي ينتفخ بما ليس فيه، أي: كالمتشبع بما لم يعط، والذي يظهر بالشيء وهو ليس من أهله، ويكون فيه شيء من التكبر أو التعالي دون أن يكون عنده سبب ذلك، وهو مثل: العائل المستكبر الذي ما عنده الأسباب التي تجعله يستكبر، وكونه يستكبر مع كونه عائلاً هذا يدل على منتهى السوء، وإن كان الاستكبار قبيح ممن عنده الأسباب وممن ليست عنده الأسباب، ولكن حصوله ممن ليس عنده شيء يدل على منتهى سوئه.
قوله: [ قال: والجواظ: الغليظ الفظ ].
قيل: هو الضخم والذي فيه غلظة وفظاظة.
أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة هما أخوان، وهما ثقتان، وكل منهما أخرج له الشيخان، وكل منهما روى له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، فـالترمذي ما خرج لهما، والنسائي خرج لـأبي بكر في السنن، وخرج لأخيه عثمان بن أبي شيبة في عمل اليوم والليلة، وقد جمع بينهما هنا في هذا الإسناد، وقد يظن أن التقديم معتبر، وأن الأول هو الأكبر، بينما العكس هو الصحيح فـعثمان هو الأكبر، وهذا الترتيب ليس له اعتبار؛ لأنه سيأتي بعد قليل حديث رواه عنهما وقدم عثمان على أبي بكر ، فإذاً التقديم والتأخير ليس له اعتبار عند أبي داود فيما يتعلق بهذين الأخوين.
و أبو بكر هو ممن أكثر له مسلم ، بل لم يرو مسلم في صحيحه أكثر من روايته عن أبي بكر بن أبي شيبة ؛ ولهذا قل أن تمر بصفحة من صفحات صحيح مسلم ، إلا وفيها: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وقد ذكر أن الأحاديث التي رواها مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ألف وخمسمائة حديث وزيادة، فهو أكثر من روى مسلم عنه من شيوخه.
وكتاب (الزهرة) لا يذكر عدد أحاديث كل شيوخ الشيخين، لكن ممن ذكر عدد أحاديثهم عند الإمام البخاري وعند الإمام مسلم الراوي الذي سبق وذكرناه وهو أبو بكر بن أبي شيبة .
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء وكيع يروي عن سفيان غير منسوب فالمراد به الثوري .
[ عن معبد بن خالد ].
معبد بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حارثة بن وهب ].
حارثة بن وهب رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
من أهل العلم من قال: إن أحاديث الوعيد تبقى على هيبتها وعلى رهبتها؛ ليحصل الانزجار بها، والأصل ألا يشتغل بتأويلها وتفسيرها، ومن أهل العلم من فسرها حتى لا يستدل بها الخوارج والمعتزلة على أن أصحاب الكبائر لا يدخلون الجنة، وأنهم من أهل النار، ففسرها بعض أهل العلم: أنهم لا يدخلونها في أول من دخلها، وليس معنى ذلك أنهم لا يدخلونها أبداً؛ لأن الذين لا يدخلون أبداً هم الكفار، وأما غير الكفار فلا بد من دخولهم الجنة، ومن دخل النار من أهل المعاصي مهما بلغت تلك المعاصي وهي دون الشرك فإنه لا بد من خروجهم من النار وإدخالهم الجنة.
إذاً: من العلماء من رأى ألا يتعرض لها بتفسير، وأن تبقى على رهبتها وهيبتها، ومنهم من قال: إنها تفسر بأن المقصود أنهم لا يدخلونها في أول الأمر مع من يدخلها من أول وهلة، فيبقون في النار فترة يعذبون فيها، ثم يخرجون منها ويدخلون الجنة.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت عن أنس : (كانت العضباء لا تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسابقها فسبقها الأعرابي، فكأن ذلك شق على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: حق على الله عز وجل ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في كراهية الرفعة في الأمور ]، يعني: في الأمور الدنيوية، وأما الأمور الأخروية فالرفعة فيها مطلوبة، والاشتغال والمنافسة فيها مطلوبة، فالرفعة في أمور الدنيا ليست هي المعتبرة، وإنما المعتبر هو الرفعة في أمور الآخرة؛ ولهذا الإنسان ينظر إلى من هو دونه ولا ينظر إلى من هو فوقه في أمور الدنيا؛ لأنه لو نظر إلى من فوقه فسيحصل منه ازدراء لنعمه الله عليه، وعدم الاعتراف بفضل الله عز وجل عليه، ولكنه إذا رأى نفسه في خير وأن هناك من هم دونه وما حصلوا الذي حصل فإنه يعرف قدر نعمة الله عليه، وأما بالنسبة لأمور الآخرة فلا بد فيها من المنافسة، ولا بد فيها من الجد والاجتهاد، ولا بد فيها من بذل الوسع، وهذا أمر مطلوب لكن على وجه لا يحصل معه ملل أو انقطاع، وإلا فإن المنافسة والمسابقة في الخير من الأمور المطلوبة، وكلما ارتقى الإنسان من حال إلى حال أحسن فإن هذا مطلوب، والإنسان يتحول من السيئ إلى الحسن، ومن الحسن إلى الأحسن؛ ولهذا قالوا في الحج المبرور: إن علامة الحج المبرور أن الإنسان إذا نظر إلى حاله قبل الحج وحاله بعد الحج يرى أنه تحول من حال سيئة إلى حال حسنة، ومن حال حسنة إلى حال أحسن، فهذه علامة بر الحج، فأمور الآخرة لا بد فيها من طلب أعالي الأمور ومن المنافسة، ولا بد فيها من المسابقة في الخيرات، وهذا أمر مطلوب جاءت به نصوص الكتاب والسنة، وأما أمور الدنيا فالرفعة فيها تكون وقتية وتنتهي؛ ولهذا جاء في الحديث: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) يعني: لا ينفع صاحب الحظ حظه عندك، وإنما ينفعه العمل الصالح، فكرهت الرفعة في الأمور الدنيوية؛ لأن الرفعة فيها يعقبها زوال أو هبوط ونزول، فصاحب الجاه قد يكون جاهه مؤقتاً ما دام في وظيفته وفي مسئوليته، ولكنه إذا ذهب عن الوظيفة ذهب جاهه معه، أما في أمور الآخرة وفي أمور طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يكون في جميع الأحول على حال مرضية، وعلى حال مطلوبة، وجاهه يبقى ولا يذهب بذهاب العمل والمنزلة التي حصلها من الدنيا؛ لأن تلك إنما هي من أمور الآخرة، وأمور الآخرة باقية، وأما أمور الدنيا فإنها تنتهي، ويعقبها نزول وهبوط.
وأورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كانت العضباء لا تسبق).
أي: أن ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقال لها: العضباء، وقيل: سميت بذلك بسبب خرم أو قطع في أذنها، وكانت لا تسبق، أي: أنها سباقة.
قوله: [ (فجاء أعرابي على قعود) ] القعود: هو الجمل المتوسط الذي لم يكبر كثيراً، وإنما من حين صلح أن يركب، قيل: يكون قعوداً إلى أن يبلغ عمره ست سنوات، ثم يقال له: جمل، والقعود لا يكون إلا ذكراً.
قوله: [ (فسابقها فسبقها) ].
لما سبقها هذا القعود تأثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم سبقت، وسبقها ذلك الأعرابي بقعوده، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (حق على الله عز وجل ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه) معناه: إن الدنيا لا بد فيها من الانحطاط، ولا بد فيها من الهبوط، ولا يبقى إلا ما أريد به وجه الله عز وجل، والأعمال الصالحة هي التي تبقى للإنسان، ولهذا جاء في الحديث: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالماً ومتعلماً) (فحق على الله عز وجل ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه) فهذا الذي حصل يحتمل أن المقصود به أن هذه الناقة حصل لها ارتفاع وسبق، ثم غلبت، وهذا الذي غلبها أيضاً سيحصل له أن يُغلب، وهذا شأن أمور الدنيا، بخلاف أمور الآخرة فإنها من ارتفاع إلى ارتفاع، ومن علو إلى ما هو أعلى.
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو ابن سلمة بن دينار البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ثابت ].
هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس ].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود، وهو من الأسانيد الرباعية.
أورد أبو داود الحديث السابق من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أن الأول عن ثابت والثاني عن حميد .
قوله: [ حدثنا النفيلي ].
هو عبد الله بن محمد النفيلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا زهير ].
هو زهير بن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حميد ].
هو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس ].
أنس مر ذكره.
وهذا أيضاً رباعي، وهو من الأسانيد العالية عند أبي داود .
وجاء في الحديث الأول: (حق على الله) أي: جرت عادته غالباً، وفي الحديث الثاني: (إن حقاً على الله تعالى) أي: أمراً ثابتاً عليه.
وهذا يعني أن الله عز وجل قد قضى بهذا، وأن هذا كائن وحاصل.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن همام قال: (جاء رجل فأثنى على عثمان في وجهه فأخذ
ثم أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في كراهية التمادح ]، والمقصود بذلك المدح الذي يكون بغير حق، أو يحصل به تضرر الممدوح، وذلك بكونه يؤثر ذلك فيه فيزهو ويتكبر ويترفع، وأما المدح بالحق من أجل أن يتبع الإنسان، ومن أجل أن يوافق الإنسان على ما هو عليه من الخير، وعلى ما فيه من الأعمال الطيبة، فإن هذا لا بأس به بشرط ألا يحصل هناك ضرر على الإنسان، فيذكر الإنسان بخير من أجل الاقتداء به، ومن أجل الترغيب وتحفيز الناس ليكونوا مثله ويتابعوه؛ ولهذا لما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الصدقة جاء رجل بصرة كبيرة، فقال صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها)، وهذا مدح لهذا الشخص الذي سبق إلى الخير، واقتدى به الناس وتابعوه، فإذا كان المدح لا يحصل من ورائه مضرة، وإنما المقصود منه الفائدة والمصلحة، وأن يقتدى به ويؤتسى به، ويذكر ويثنى عليه، ويمدح بما هو فيه من أجل أن يتابع، فإن هذا أمر مطلوب ولا بأس به، وفي ذلك تحفيز للهمم إلى أن يكون المخاطبون مثل ذلك الذي مدح وأثني عليه، وأما إذا كان لأمور دنيوية، أو لطلب حظوظ دنيوية، أو كان بغير حق، فإن هذا غير محمود بل هو مذموم.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث ابن الأسود رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً مدح
ثم قوله: (فحثا في وجهه التراب) ليس المقصود من ذلك أنه يحثوه على وجهه بحيث يدخل في عينيه، وإنما في جهته واتجاهه.
منصور هو منصور بن المعتمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إبراهيم ].
هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو المراد إذا جاء ذكره مهملاً غير منسوب في كتب الحديث أو كتب الفقه، أي: سواء كان في الأسانيد أو في الفقه؛ لأنه هو المشهور في الفقه وفي الحديث.
[ عن همام ].
هو همام بن الحارث النخعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ فأخذ المقداد بن الأسود ].
المقداد بن الأسود رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث أبي بكرة ، وهو نفيع بن الحارث رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً مدح رجلاً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قطعت عنق صاحبك) يعني: أنك أهلكته؛ لأن قطع العنق يكون به الهلاك، فكذلك الإنسان إذا مدح مدحاً قد يلحق به ضرراً فإنه قد يصيبه الهلاك بذلك، أي: الهلاك المعنوي، فكما أن الهلاك الحسي يكون بقطع الرأس، فكذلك الهلاك المعنوي يكون بالمدح الذي يؤدي به إلى الغرور ونحوه.
قوله: [ (إذا مدح أحدكم صاحبه لا محالة فليقل: إني أحسبه كما يريد أن يقول، ولا أزكيه على الله) ].
يعني: إذا أراد الإنسان أن يمدح أخاه وكان لا بد من المدح فليقل: (أحسبة كما يريد أن يقول) يعني: يذكر الشيء الذي يريد أن يصفه به، أو يذكر الصفات التي هي فيه.
قوله: [ (ولا أزكيه على الله) ] يعني: هكذا يظهر لي، والناس لهم الظاهر وقد تكون البواطن بخلاف ذلك، فلا يزكي على الله أحداً؛ لأنه سواء كان بالنسبة لواقعه أثناء الكلام فيه، أو بالنسبة للنهاية والمآل، فكل ذلك لا يعلمه إلا الله عز وجل، وهو الذي يعلم أن المدح يكون في محله أو في غير محله، فهذا في النهايات و(الأعمال بالخواتيم) كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو شهاب ].
هو عبد ربه بن نافع الحناط ، هو صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ عن خالد الحذاء ].
هو خالد بن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ].
عبد الرحمن بن أبي بكرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
هو نفيع بن الحارث وهو مشهور بكنيته أبي بكرة، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديث عبد الله بن الشخير رضي الله تعالى عنه قال: (انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا) أي: كانوا يخاطبوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: (أنت سيدنا، فقال: السيد الله) أي: السؤدد على الحقيقة إنما هو لله عز وجل؛ لأنه المتصف بذلك على الإطلاق، فهو الذي الخلق خلقه، والملك ملكه، وهو المتفضل بكل النعم، وهو الذي يتصرف في الخلق كيف يشاء، وهو صاحب السؤدد على الحقيقة، وغيره ممن حصل سؤدداً إنما هو سؤدد ناقص وغير كامل؛ ولهذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عن نفسه بأنه سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، وهو سيدهم في الدنيا والآخرة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولكن السؤدد الذي يليق بالإنسان للرسول صلى الله عليه وسلم منه الحظ الأكبر والنصيب الأوفر، وأما السؤدد الكامل على الحقيقة فهو لله عز وجل؛ ولهذا قال: (السيد الله) أي: الله هو المتصف بهذا على الحقيقة، وهذا لا يعني ألا يقال لغيره عز وجل: سيد؛ لأن النبي نفسه قال: (أنا سيد ولد آدم)، فأخبر عن نفسه بأنه سيد، وقال عن سعد بن معاذ سيد الأوس: (قوموا إلى سيدكم)، وجاءت نصوص تدل على إطلاق ذلك على المخلوق، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لحمايته جناب التوحيد، ولحرصه على ألا يحصل غلو يؤدي إلى محذور أرشد عليه الصلاة والسلام وبين أن السيد هو الله، وأن السؤدد الحقيقي إنما هو لله سبحانه وتعالى.
قوله: [ (قلنا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً) ].
يعنون: الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو أعظمهم فضلاً وطولاً، والمعنى: أنه أعظمهم عطاءً وجوداً وكرماً وإحساناً، كما قال الله عز وجل: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا [النساء:25] أي: غنى، وقولهم: (وأعظمنا طولاً) أي: عطاءً وإحساناً وجوداً وكرماً عليه الصلاة والسلام، وهذه صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ويدارسه القرآن، كما جاء في الحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن أجود بالخير من الريح المرسلة) صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [ (فقال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم) ].
يعني: القول المناسب الذي ليس فيه محذور، وهذا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)، ولهذا فإن من أحسن ما يوصف به النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال: عبد الله ورسوله، فهو عبد لا يُعبد، ورسول لا يكذب، بل يطاع ويتبع، وقد أرشد إلى هذا صلوات الله وسلامه وبركاته عليه لما نهى عن إطرائه فقال: (إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنه سيد الخلق، وهو سيد ولد آدم، والسؤدد الذي يليق بالمخلوق له الحظ الأوفر والنصيب الأكبر منه، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لكن المقصود من ذلك هو تحذيره صلى الله عليه وسلم من أي شيء يفضي إلى الإطراء، ويفضي إلى الغلو فيه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ ولهذا نجد أن الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم في روايتهم للأحاديث الكثيرة لا يأتي على ألسنتهم: قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، ومن المعلوم أن المحدثين يحافظون على لفظ الحديث حين يأتون به، ولا ينقصون منه شيئاً، بل إنهم يميزون بين عبارة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وعبارة: (قال النبي صلى الله عليه وسلم)، فهنا عبر بالنبي وهناك عبر بالرسول، ومعناهما واحد، ولكن هذا كله محافظة منهم على الألفاظ، وعناية في الإتيان باللفظ الذي أتى به الراوي، فلو كانوا يأتون بكلمة سيدنا لما حذفت، ولأتي بها في هذه الكتب الكثيرة التي هي بالآلاف؛ ولهذا نجد في هذا الزمان من كون بعض الناس لا يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ويقول: سيدنا، ولا يذكر أحداً من الصحابة إلا ويقول: سيدنا، وهذا ليس من طريقة ولا من منهج السلف، فإننا نجد أن كتب الحديث ليس فيها ذلك، وهم أحرص الناس على الخير، وأعظم الناس تعظيماً للرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنهم يأتون بالرواية على هذه الصيغة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا) أو (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا) أو (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا) أو (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا) أو (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا) أو (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا) .. وهكذا، فالذي لا يلتزم قول: (سيدنا) عند ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقال: إن هذا حصل منه هضم لجنابه، أو نقص في حقه؛ لأن سلف هذه الأمة هذه طريقتهم، وهذا هو منهجهم، وهذه الأحاديث الموجودة -وهي ألوف المؤلفة- وليس فيها: (قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا) كما يفعله بعض الناس في هذا الزمان، فهذا غير مطلوب، وإنما يجب تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقيره ومحبته، واعتقاد أنه سيد الخلق وأفضلهم، ولكن على الإنسان أن يكون متبعاً في ذلك، ويكون على منهج السلف، وعلى طريقة السلف من الصحابة ومن سار على منوالهم، ولا يقال: إن الذي لا يلتزم بكلمة (سيدنا) لا يعرف قدر الرسول صلى الله عليه وسلم.
هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا بشر يعني: ابن المفضل ].
بشر بن المفضل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو مسلمة سعيد بن يزيد ].
أبو مسلمة سعيد بن يزيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي نضرة ].
هو المنذر بن مالك بن قطعة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن مطرف ].
هو مطرف بن عبد الله بن الشخير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال أبي ].
أبوه صحابي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر