قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحذر من الناس.
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا نوح بن يزيد بن سيار المؤدب حدثنا إبراهيم بن سعد قال: حدثنيه ابن إسحاق عن عيسى بن معمر عن عبد الله بن عمرو بن الفغواء الخزاعي عن أبيه رضي الله عنه قال: (دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراد أن يبعثني بمال إلى
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في الحذر من الناس، أي: أن الإنسان يكون على حذر من الناس، ولا يحسن الظن بكل أحد وإن كان لا يعرفه، بل مع إحسان الظن يكون على حذر من الناس؛ لأن من الناس من يكون فيه سوء وغش وخداع أو ما إلى ذلك، فيكون الإنسان عنده شيء من النباهة والحذر.
وقد أورد أبو داود حديثاً طويلاً فيه أمور مشكلة فيما يتعلق ببعض الصحابة، ولكن الحديث ضعيف فلا يؤثر؛ للضعف الذي في إسناده، ومن جهة أن الرسول حذر من ذلك الرجل وأن ذلك الرجل ذهب وأخبر قومه بهذا الذاهب إلى مكة، وقد يكون علم بالشيء الذي معه، وأنه فاتهم، ورجعوا .. إلخ، لكن كما تقدم الحديث ضعيف غير ثابت؛ لأن في إسناده من هو مستور، وفي إسناده أيضاً من هو مدلس، ولكن التدليس وجد التصريح فيه في موضع آخر، ولكن بقي أن فيه من هو لين الحديث وفيه من هو مستور، إذاً: هو غير صحيح وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: [ عن عمرو بن الفغواء الخزاعي قال: (دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراد أن يبعثني بمال إلى
أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعاه ليرسله إلى مكة بنقود إلى أبي سفيان يقسمها على جماعة من قريش وذلك بعد الفتح، وقيل: إن هذا من التأليف لأولئك الذين هم حديثو عهد بالإسلام، وقال: التمس صاحباً، أي: صاحباً يكون معك ويرافقك في الطريق، حتى يكون عوناً له على حاجاته ويؤنسه ويتعاون معه على ما يحصل من أذى، فيما لو لقيهم شيء من الأذى.
وقوله: [ (فجاءني
أي: أن عمرو بن الفغواء لم يسافر حتى حصل على رفيق، ولما جاءه ذلك الرفيق وقال: إني صاحبك، جاء إلى الرسول وقال: لقد وجدت صاحباً، وأخبره به، فقال: (إذا مررت ببلاد قومه فاحذره) حذره من ذلك الذي هو صاحبه ورفيقه في السفر، ثم ذكر المثل المشهور فقال: (أخوك البكري فلا تأمنه) ، فإذا كان الإنسان لا يأمن أخاه الذي هو بكر أمه وبكر أبيه، فغيره من باب أولى.
وقوله: [ (فخرجنا حتى إذا كنت بالأبواء قال: إني أريد حاجة إلى قومي بودان فتلبث لي، قلت: راشداً) ].
أي: أنهما لما وصلا إلى ذلك المكان، قال: إني أريد أن أذهب إلى قومي في حاجة لي، فقال: راشداً، أي: اذهب راشداً، وتنبه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا صرت بقومه فاحذره) ، قال: فأسرعت ومضيت ولم أتلبث، أي: لم يجلس ينتظره؛ لأنه تذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم وتذكر تحذيره منه، فأسرع وأوضع بعيره، أي: أسرع عليه.
وقوله: [ (فلما ولى ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم فشددت على بعيري حتى خرجت أوضعه، حتى إذا كنت بالأصافر إذ هو يعارضني في رهط) ].
أي: أنه جاء ومعه جماعة من قومه، فأسرع حتى تجاوزهم ولم يلحقوا به فتراجعوا.
ثم قال: (وأوضعت فسبقته، فلما رآني قد فته انصرفوا، وجاءني فقال:كانت لي إلى قومي حاجة، قلت: أجل، ومضينا حتى قدمنا مكة فدفعت المال إلى أبي سفيان) .
وهذا الحديث فيه إشكال، ولكن الذي يريح من هذا الأشكال الذي في هذا المتن هو أن الحديث ضعيف، وإلا فإن فيه الكلام في ذلك الصحابي وأن الإنسان يحذره، وأن ذلك الصحابي جاء في قومه وكأنهم يريدون أن يأخذوا ذلك المال، ولكنه فاتهم ..إلخ، ولكن ما دام أن الحديث ضعيف فالحمد لله على السلامة.
قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ].
محمد بن يحيى بن فارس مر ذكره.
[ حدثنا نوح بن يزيد بن سيار المؤدب ].
نوح بن يزيد بن سيار المؤدب ثقة، أخرج له أبو داود .
[ حدثنا إبراهيم بن سعد ].
إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: حدثنيه ابن إسحاق ].
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن، وهو مدلس وقد عنعن، ولكنه قد صرح بالتحديث في بعض الطرق كما ذكر ذلك الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة.
[ عن عيسى بن معمر ].
عيسى بن معمر لين الحديث، أخرج له أبو داود.
[ عن عبد الله بن عمرو بن الفغواء ].
عبد الله بن عمرو بن الفغواء مستور، أخرج له أبو داود.
[ عن أبيه ].
أبوه صحابي، أخرج له أبو داود .
والمتن فيه نكارة، والإسناد فيه ضعف، فهو منكر نقلاً وضعيف إسناداً، والمنكر في المصطلح: هو ما يرويه الضعيف مخالفاً للثقة، فالمتن لا شك أن فيه نكارة من حيث عدم سلامة المعنى، والإسناد فيه ضعف؛ لأن فيه لين الحديث وفيه المستور، وكل منهما يضعف به الحديث.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن عقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين) ].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين)، وهذا يدل على الترجمة من جهة الحذر، فإنه إذا حصل اللدغ ثم بعد ذلك حصلت الغفلة ثم لدغ مرتين، فمعنى ذلك: أن هذا شيء مذموم، فالذي ينبغي هو الحذر، وأن الإنسان إذا حصل له شيء أول مرة يتنبه للمرة الثانية حتى لا تتكرر، فهذا الحديث يدل على الحذر من الناس، وألا يكون الإنسان غافلاً بحيث تتكرر الإساءة إليه، فيكون شأنه كشأن الإنسان الذي يلدغ من جحر ولا يتنبه حتى تخرج منه عقرب مرة أخرى وتلدغه.
قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ].
قتيبة بن سعيد والليث مر ذكرهما.
[ عن عقيل ].
هو عقيل بن خالد بن عقيل المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن المسيب ].
سعيد بن المسيب ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة قد مر ذكره.
يقول العظيم آبادي : والحديث ورد حين أسر النبي صلى الله عليه وسلم أبا غرة الشاعر يوم بدر، فمن عليه وعاهده ألا يحرض عليه ولا يهجوه، وأطلقه، فلحق بقومه، ثم رجع إلى التحريض والهجاء، ثم أسره يوم أحد، فسأله المن، فقاله .
يعني: فقال: (لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين) ، لكن ما أدري عن ثبوت هذا السبب.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في هدي الرجل.
حدثنا وهب بن بقية أخبرنا خالد عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنه يتوكأ) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في هدي الرجل، والرجْل: جمع راجل وهو الذي يمشي على رجليه؛ لأنه يوجد راجل وراكب، والرجل بسكون الجيم المقصود به الجمع، مثل: ركْب، وراكب، فراكب مفرد وركب جمع، وراجل مفرد والجمع رجْل، والمقصود من هذا بيان الهيئة التي يكون عليها الإنسان في مشيه، وهي أنه لا يكون عنده تماوت وتباطؤ، ولا يسرع الإسراع الشديد الذي يتعب نفسه، وإنما يمشي كما كان النبي عليه السلام يمشي، فإنه كان يمشي كأنما ينحدر من صبب، أي: أنه كان عنده نشاط وحركة وقوة، ولم يكن عنده كسل وخمول، ولم يكن معه جري وعدو فيؤثر ذلك عليه، ويكون غير لائق، وإنما كان على هذه الحالة التي هي وسط.
وقوله: [ (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنه يتوكأ) ].
أي: كأنه يتوكأ على عصا، وهذا معناه: أن الذي يتوكأ على عصا يتحرك، وهذا الحديث يبينه الذي بعده وهو أنه كان كأنما ينحدر من صبب.
قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ].
هو وهب بن بقية الواسطي، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
[ أخبرنا خالد ] .
هو ابن عبد الله الواسطي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حميد ].
هو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس ].
أنس رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا الإسناد رباعي من أعالي الأسانيد عند أبي داود .
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حسين بن معاذ بن خليف حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد الجريري عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: كيف رأيته؟ قال: كان أبيض مليحاً إذا مشى كأنما يهوي في صبوب) ].
أورد أبو داود حديث أبي الطفيل رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار الصحابة وقد عمر، وقيل: إنه آخر الصحابة موتاً، وفيه أن سعيداً الجريري سأله عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رآه فقال: (كان أبيض مليحاً إذا مشى كأنما يهوي في صبوب) ، وهذا مثلما جاء في الحديث الآخر: (كأنما ينحدر من صبب) ، أي: مثل الماء إذا انحدر من صبب، فالماء إذا انحدر من علو إلى سفل يكون فيه إسراع.
قوله: [ حدثنا حسين بن معاذ بن خليف ].
حسين بن معاذ بن خليف ثقة، أخرج له أبو داود .
[ حدثنا عبد الأعلى ].
هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سعيد الجريري ].
هو سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الطفيل ].
هو عامر بن واثلة رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهذا الإسناد رباعي.
يقول تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان:63] أي: ليس عندهم تكبر، بل هدوء وسكينة، وهذا لا ينافي الإسراع الذي من هذا النوع ولا ينافي السمت والوقار، والعجلة الزائدة في المشي هي مثل التباطؤ، وإنما الوسط الذي هو صفة مشي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحق.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يضع إحدى رجليه على الأخرى.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث ح وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضع، وقال
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في الرجل يضع إحدى رجليه على الأخرى، أي: أن يستلقي ويضع إحدى رجليه على الأخرى.
وأورد أبو داود في هذا حديثاً فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يضع أو يرفع إحدى رجليه على الأخرى، وقد جاء عن بعض الصحابة أنهم كانوا يضعون أرجلهم على أرجلهم وهم مستلقون، والرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه كان يفعل ذلك وهو مستلقٍ، وأيضاً جاء عن عمر وعثمان أنهم كانوا يفعلون ذلك.
إذاً: يحمل هذا النهي في الحديث على ما إذا كان يترتب على ذلك انكشاف العورة، فإنه إذا كان على الإنسان إزار ورفع إحدى رجليه على الأخرى ربما يترتب عليه انكشاف العورة، وهذا منهي عنه، وذلك مثل أن إحدى ركبتيه ويضع الرجل الثانية عليها؛ فإذا كان عليه إزار فإن عورته تنكشف، وأما إذا كان عليه سراويل فإنه لا تنكشف عورته بذلك، فيكون النهي فيما يترتب عليه انكشاف عورة، وأما إذا كان لا يترتب عليه انكشاف عورة، بأن يكون عليه إزار ولكنه مد رجليه ووضع إحداهما على الأخرى وهما ممدودتان، فإن هذا كما لو كانت الواحدة بجوار الأخرى، ولا يترتب عليه انكشاف عورة، وهذا لا محذور فيه، وعلى ذلك يحمل ما جاء من الأحاديث في ذلك أنه كان صلى الله عليه وسلم مستلقياً واضعاً إحدى رجليه على الأخرى، أي: أنه كان قد مدهما أو وضع أحداهما على الأخرى وهما ممدودتان، ومثل هذا لا يترتب عليه انكشاف العورة حتى ولو كان عليه إزار؛ لأن وضع واحدة على الأخرى وهما ممدودتان وهو مثل وضعها بجوارها، ولا يترتب عليه شيء من الانكشاف، وإنما الانكشاف يترتب لو كانت الرجل على الركبة، والإنسان عليه إزار، فإن هذا يترتب عليه انكشاف العورة، وهذا هو الذي لا يجوز، وأما إذا كان لا يترتب عليه ذلك وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله، فإنه يحمل على مثل هذه الصورة التي لا يترتب عليها انكشاف عورة.
وفيه دليل على أن الإنسان ينام مستلقياً ويضع إحدى رجليه على الأخرى إذا كان عليه إزار حتى يكون على وجه لا تنكشف معه العورة.
قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث ح وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ].
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وحماد بن سلمة بن دينار ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي الزبير ].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر ].
هو جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه الصحابي الجليل، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا مالك ح وحدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقياً، قال
أورد أبو داود حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مستلقياً وواضعاً إحدى رجليه على الأخرى. وهذا يحمل على أنه كان على الطريقة التي لا يحصل معها انكشاف عورة، والذي تقدم من النهي يحمل على ما إذا كان هناك انكشاف عورة، وكل منهما ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ حدثنا النفيلي ].
هو عبد الله بن محمد النفيلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ ح وحدثنا القعنبي ].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[ عن مالك عن ابن شهاب عن عباد بن تميم ].
عباد بن تميم المازني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمه ].
هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعثمان بن عفان رضي الله عنه كانا يفعلان ذلك ].
أورد أبو داود هذا الأثر عن عمر وعثمان رضي الله عنهما أنهما كانا يفعلان ذلك، أي: يحصل منهما الاستلقاء ووضع إحدى الرجلين على الأخرى، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الأثر جاء من طريق سعيد بن المسيب وهو لم يدرك عمر بن الخطاب وليس له رواية متصلة عنه، وأما عثمان فقد أدركه، فهو صحيح بالنسبة لـعثمان وأما بالنسبة لـعمر ففيه انقطاع.
قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب ].
كل هؤلاء مر ذكرهم.
السؤال: ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن وضع إحدى الرجلين على الأخرى، وفعله لذلك، ألا يقال فيها: إن القول مقدم على الفعل؟
الجواب: القضية ليست قضية ترجيح، وإنما قضية جمع، والجمع مقدم على الترجيح ومقدم على غيره؛ لأن الجمع بين النصوص هو الذي يؤتى به أولاً، وما دام أنه أمكن الجمع بينهما بأن النهي فيما إذا كان فيه انكشاف عورة، والفعل مبني على ما إذا لم يحصل انكشاف عورة؛ فإنه بذلك يحصل التوفيق بين النصوص.
السؤال: رواية سعيد بن المسيب عن عمر يصححها كثير من أهل العلم؛ لأن سعيداً كان يتتبع أخبار عمر ، والإمام أحمد يقول: إذا لم يقبل سعيد عن عمر فمن الذي يقبل؟ فما تعليقكم؟
الجواب: المراسيل كما هو معلوم حكمها معروف عند العلماء، وليس الشأن في كون عمر يفعل ذلك وقد فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن الشأن ثبوته من حيث الإسناد.
السؤال: قال الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6]، هل يقبل الخبر إذا جاء به غير الفاسق، علماً أن الأصل في المسلم العدالة؟
الجواب: الأصل في المسلم الجهالة حتى تثبت العدالة أو يثبت ضدها، ولو كان الأصل في المسلم العدالة لما احتيج إلى أن يقال: ثقة، أو يقال: إنه عدل أو إنه كذا؛ لأن هذا هو الأصل، ولكن الناس يتكلمون في التعديل وفي التجريح، ويقولون لهذا: ثقة ويقولون لهذا: ضعيف، فلا يعني أنه إذا لم يوجد به جرح فالأصل هو العدالة، ولا يقال: إن فلاناً ثقة، بناءً على أنه لم يوجد فيه جرح، فالتوثيق وصف يكون مبنياً على علم بالشخص ومعرفة حاله.
السؤال: ما حكم من يقول: إنه يجوز تدريس الرجال للنساء بدون حجاب، مستدلاً بفعله صلى الله عليه وسلم عندما ذهب مع بلال بعد صلاة العيد وذكر النساء ووعظهن؟
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم لما خطب الناس وكانت النساء بعيدات ذهب إليهن ووعظهن وذكرهن، وهن كما هو معلوم في غاية الصيانة، فلا يقال: إنه يجوز للرجال أن يدرسوا النساء وأن يختلط الرجال بالنساء، فالرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في هذه المناسبة التي كانت خطبة وهن متسترات، فالنساء يدرسهن النساء والرجال يدرسهم رجال، ولا يدرس الرجال النساء، والنساء لا تدرس الرجال، بل كل يكتفي بجنسه.
السؤال: وجدت ثلاثة ريالات أمام البيت والبيت داخل الحرم المدني، فعرفتها ولم أجد صاحبها، فتصدقت بها عن صاحبها، فهل فعلي هذا صحيح؟
الجواب: فعلك صحيح، والثلاثة الريالات لا تعرف؛ لأنها ليس لها شأن، ولكن إذا كان يعرفها في المكان الذي وجدها فيه وحوله فيمكن أن يتعرف على صاحبها، لكن كونها تعرف سنة وينادى عليها: من ضاع عليه كذا، من ضاع عليه شيء، فلا تعرف هذا التعريف، ولكن إذا كان في مكان قريب والناس حوله، ويتكلم في الحاضرين، فيمكن التعريف من هذا الوجه، لكن لا تعرف التعريف الشرعي، الذي هو أن يعرف الضالة سنة، فمثل هذه الثلاثة الريالات من الأشياء التي يأخذها الإنسان حتى لو استنفقها لنفسه؛ لأنها من الأشياء التافهة، مثل السكين والحبل والمسمار والأشياء البسيطة التي ليس لها قيمة، فإن هذه الأشياء للإنسان أن يأخذها ولا محذور في ذلك، وما دام أنه قد أخذها وتصدق بها عن صاحبها فهذا شيء طيب.
السؤال: عقدت على امرأة ثم طلقتها ولم أدخل بها، فهل يلزمها عدة؟ وهل يلزمني دفع المهر؟ نريد التفصيل.
الجواب: إذا كان قد سمي لها مهر فلها النصف، وإن لم يسم مهر فلها المتاع، كما قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:49].
فلها التمتيع، وإذا كان قد فرض لها شيئاً فلها نصف المفروض، كما جاء ذلك في القرآن.
وأما العدة فليس عليها عدة، بل تكون قد بانت بمجرد الطلاق، هذا إذا لم يدخل عليها، ولم يخل بها؛ لأن بعض الناس يعقد ويخلو بها ويغلق الباب معها، فمثل هذا يقال له: خلوة، ويكون عليها عدة بذلك؛ لأنه حصل الاستمتاع أو التمكن من الاستمتاع، ولكن إذا عقد عليها مجرد عقد وما خلا بها فإنه ليس عليها عدة كما جاء في القرآن، ولها التمتيع إذا كان لم يسم لها مهر، ولو سمي لها مهر فلها نصف المسمى؛ لقوله عز وجل: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:237].
لكن عليها عدة وفاة لو مات عنها قبل الدخول، ولها الميراث، وأما في الطلاق فليس عليها عدة.
ولا يفرق بين الدخول والخلوة؛ لأنه ما دام أنه خلا بها وتمكن من الاستمتاع بها فقد يكون اطلع على شيء منها، فلو لم يحصل الدخول فإن الخلوة تكون كافية.
السؤال: هل يجب على المرأة أن تلبس تحت الحجاب ثوباً آخر أو خماراً أم لا يجب عليها إلا الحجاب وحده؟
الجواب: إذا كان الحجاب خفيفاً لا يستر فتلبس شيئاً آخر، وإذا كان خمارها كثيفاً كافياً فلا يحتاج إلى أن يضاف إليه شيء.
السؤال: ما رأي الإسلام في اشتراك شخص مؤمن بالله في أحد البرامج التي تذاع على القنوات الفضائية والتي تختبر معلوماتك، ويمكن منها الحصول على مبلغ من المال، مثل: من سيربح المليون؟
الجواب: لا ينبغي لك أن تتعامل مع هذه الفضائيات، بل كن على حذر منها، واشتغل بما ينفعك وابتعد عما يضرك.
السؤال: في بلدنا يقف المؤذن على الأرض بجوار المنبر ورأيت المؤذن في المسجد النبوي يقف على مكان عالٍ خلف الإمام، فأين يقف المؤذن؟
الجواب: الأمر في ذلك واسع، فكونه يجلس على مكان عالٍ أو في الأرض كل ذلك يحصل به المقصود.
السؤال: امرأة تقول: أنا امرأة تزوجني رجل قبل خمس سنوات وهو متزوج بامرأة من قبلي، ولم يخبرني بهذا إلا بعد مرور الخمس السنوات، وعندي الآن بنات، وأما الزوجة الأخرى فهي أجنبية كلمتها وقالت: إنها استخدمت معه السحر لكي لا يفارقها، وبعد معرفتي بهذا كلمته بهذا الخصوص، وأيضاً أهله غير راضين عنه، وبعد مرور الأيام تزيد المشاكل، وهو لا يعدل بيننا، بل يذهب عند زوجته الأولى بكثرة مع أني لم أعص له أمراً، وأنا ملتزمة والأولى غير ملتزمة، فماذا أفعل؟ هل أطلب الطلاق أم أصبر على هذه الحال؟
الجواب: إذا كانت السائلة يمكنها الصبر وترى أن المصلحة أن تصبر، فتصبر، وإن كانت ترى أنها لا تستطيع أن تصبر على هذا الذي يحصل منه من عدم العدل -كما تقول- فتطلب منه الطلاق، أو ترفع الأمر إلى المحكمة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر