حدثنا ابن معاذ حدثنا أبي حدثنا سفيان عن حبيب عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سرق لها شيء فجعلت تدعو عليه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبخي عنه) ].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله هذه الترجمة بعنوان: باب فيمن دعا على من ظلمه، أي: أنه يجوز للمظلوم أن يدعو على من ظلمه، وإذا تجاوز ولم يدع عليه فذلك هو الأولى، كما جاء في القرآن في قوله عز وجل: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل:126].
وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أنه سرق لها شيء فدعت على من سرقه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبخي عنه)، قيل: إن معنى ذلك: لا تخففي عنه العقوبة في دعائك عليه، أي: فلو تركتيه دون أن تخففي عليه العقوبة حتى يحصل عقوبة كاملة فهو الذي ينبغي، لكن هذا المعنى فيه نكارة؛ لأن كون الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرها ألا تدعو عليه حتى يحصل عقوبة كاملة ليس بواضح، وهو خلاف منهج الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو رءوف رحيم، كما وصفه الله عز وجل بقوله: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].
والحديث من جهة الإسناد فيه حبيب بن أبي ثابت، وهو كثير التدليس والإرسال، وقد روى هنا بالعنعنة، وعلى هذا فالحديث فيه ضعف من جهة الإسناد، وفيه أيضاً نكارة من جهة المعنى، والله تعالى أعلم.
هو عبيد الله بن معاذ ، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[ حدثنا أبي ].
أبوه معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حبيب ].
هو حبيب بن أبي ثابت ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو كثير التدليس والإرسال.
[ عن عطاء ].
يحتمل أن يكون ابن أبي رباح وأن يكون عطاء بن يسار، وقد روى عنهما حبيب بن أبي ثابت جميعاً، وكل منهما ثقة، أخرج لهما أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب فيمن يهجر أخاه المسلم، وهجر المسلم إما أن يكون لأمور دنيوية، وأمور شخصية، وأمور تجري بين الناس، فهذا لا يسوغ الهجر فيه أكثر من ثلاث ليال، فإنه قد يحصل شيء فتتباعد النفوس فيما بينها في هذه المدة، لكن لا يجوز أن يتجاوز هذا المقدار الذي هو ثلاث ليالٍ.
وأما إذا كان الهجر لله عز وجل، مثل هجران أهل البدع، وأهل المعاصي، فإذا كان الهجر مفيداً لهم، ومؤثراً عليهم، لاسيما إذا كان من شخص يؤثر هجره كأن يكون والداً، أو أن يكون شخصاً مسئولاً، وإذا هجر يؤثر هجره على المهجور، فإن هذا أمر مطلوب، وإذا كان الهجر لا يترتب عليه مصلحة، أو كان الهجر في أمور غير واضحة، أو لم يكن التهاجر لمن عصى، أو حصل منه شيء، فإن هذا من الفتن التي يبتلى بها بعض الناس، ولهذا الواجب هو الحذر، وأن يكون الإنسان في مثل هذه الأمور على حيطة في دينه، فلا يسعى إلى إفساد قلوب الناس.
فالهجر إذا كان لله فإنه سائغ، ولكن ممن يفيد هجره وينفع، وإذا كان لحظ النفس، فإنه يجوز في حدود ثلاثة أيام، ولا يجوز أن يتجاوز ثلاثة أيام، وقد جاءت الأحاديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها حديث أبي هريرة هذا، الذي أورده المصنف أولاً، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تباغضوا) أي: لا تأتوا بالأسباب التي تجلب البغضاء بينكم، ولا تفعلوا الأسباب التي تسبب البغضاء، وإنما اعملوا على وجود الأسباب التي تسبب الألفة والمودة والصفاء والتقارب والتآلف، وابتعدوا عن الأسباب التي يترتب عليها تنافر النفوس والقلوب، وتدابر وتباغض وافتراق، بل احرصوا على الألفة وعلى المودة.
وقوله: (ولا تحاسدوا) أي: لا يحسد بعضكم بعضاً، فمن حصلت له نعمة من الله عز وجل فلا يحسده أخوه على هذه النعمة ويتمنى زوالها عنه سواء حصلت له أم لم تحصل له.
والحسد الذي بمعنى الغبطة لا بأس به، وهو أن يتمنى الإنسان إذا رأى غيره على خير وعلى استقامة أن يكون مثله، وأن يكون له مثل ما له دون أن يتمنى زوال ما معه، بل يبقى ذلك الفضل له ويحب أن يكون له فضل مثل ذلك الفضل، فهذا حسد بمعنى الغبطة وهو محمود، وقد جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك.
وأما إذا كان الحسد المذموم الذي ينتج عن نفس خبيثة بأن يكره حصول الخير للغير وبقاء النعمة عنده ويتمنى زوالها عنه، فإن هذا من الحسد المذموم الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقوله: (ولا تدابروا) أي: لا يحصل منكم التقاطع بحيث إن الشخصين إذا التقيا يعرض كل منهما عن الآخر فيوليه دبره ولا يوليه وجهه، فلأجل التقاطع الذي يكون بينهم ينتج عن ذلك أن كل واحد منهما يولي الآخر دبره بدلاً من وجهه، فيحصل بذلك التدابر، والتدابر معناه: أن كل واحد يولي الآخر دبره؛ لأنه لا يريد أن يلقاه ولا يريد أن يسلم عليه ولا يريد أن يتكلم معه.
قوله: (وكونوا عباد الله إخواناً) أي: هذه الأخوة التي منحكم الله إياها وهي أخوة الإسلام كونوا عليها بأن يحب كل واحد لأخيه ما يحبه لنفسه، ويحرص على ألا يكون هناك تباغض وتحاسد وتدابر بينه وبين أخيه المسلم.
ثم لما ذكر التدابر الذي هو أن يولي كل واحد الآخر دبره قال: (ولا يحل لأحد أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍِ) أي: إذا كان هناك في النفوس شيء لأمور دنيوية أو لأمور شخصية أو خاصة فيما بينه وبين غيره من التعامل ولم يكن ذلك لله عز وجل، فلا يحل له أن يهجره أكثر من ثلاث، وإنما عليه أن يحرص على أن يلتقي به وأن يزيل ما بينه وبينه، وأن يسلم أحدهما على الآخر، وألا يستمرا على هذه الهيئة الرديئة، وأما إذا كان الهجر لله عز وجل وكان يترتب عليه مصلحة، فإنه لا مانع من الزيادة على ذلك؛ لأن الهجر الذي هو محدد بهذا المقدار هو الهجر الذي هو لمصلحة النفس وللحظوظ الدنيوية وللأشياء التي تجري بين الناس عادة وليست من أجل الله، أما إذا كان من أجل الله فإن الزيادة سائغة، والرسول صلى الله عليه وسلم هجر كعب بن مالك وصاحبيه ومنع الناس من كلامهم خمسين ليلة حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ثم بعد ذلك تاب الله عز وجل عليهم ونزل القرآن بتوبتهم، فالزيادة على ثلاث ليالٍ فيما يتعلق بحق الله، وفيما يترتب عليه مصلحة ذلك سائغ، وقد جاءت به الشريعة.
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد اللهَ بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس ].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنس رضي الله عنه من صغار الصحابة، والزهري من صغار التابعين، وصغار التابعين يروون عن صغار الصحابة وهذا مثال على ذلك.
وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأن أعلى شيء عنده الرباعيات وهذا منها.
فأقل الجمع في الفرائض وفي الفقه اثنان، وأقل الجمع فيما يتعلق بالمفرد والمثنى والجمع ثلاثة.
وقد جاء في الحديث أنه إذا خرج ثلاثة فعليهم أن يؤمروا واحداً منهم، وكذلك أيضاً ورد: (الراكب شيطان، والراكبان شيطان، والثلاثة ركب).
وكذلك لم يأت نص يدل على أقل عدد في الجمعة والتجميع، ولكن الذي تدل عليه النصوص ويفهم من النصوص أن الثلاثة يمكن أن يجمعوا، فإمام واثنان مأمومان يمكن أن تحصل بهم الجمعة، ولكن الواحد مع الثاني لا يحصل بهما جمعة، وإنما يحصل بهما جماعة.
قال العظيم آبادي : وإنما جاز الهجر في ثلاث وما دونه لما جبل عليه الآدمي من الغضب، فسمح بذلك القدر ليرجع فيها ويزول ذلك العرض ولا يجوز فوقها، وهذا فيما يكون بين المسلمين من عتب وموجدة، أو تقصير يقع في حقوق العشرة والصحبة دون ما كان من ذلك في جانب الدين.
وهذا الكلام صحيح، لكن ليس فيه جواب عن سبب تحديده بثلاث، ولكن لعل السبب -والله وأعلم- أن الثلاثة أقل الجمع أو أقل عدد يكون فيه الجمع، فالثلاثة هو العدد الذي يترتب عليه جمعة، ويترتب عليه التأمير في السفر، ويترتب عليه كمال الأخوة في السفر، ولا شك أن النفوس جبلت على حصول الغضب، والغضب يمكن أن يشتد في البداية، ثم يتلاشى شيئاً فشيئاً، ولكن تحديد هذا المقدار بثلاثة أيام يحتاج إلى دليل.
أورد أبو داود حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)، أي: أن كل واحد يعرض عن الآخر أو يعرض أحدهما عن الآخر والثاني لم يعرض، وهذا غير سائغ، وقد بين عليه السلام أن خيرهما هو الذي يبدأ بالسلام؛ لأنه يدل على سلامته وعلى حرصه على الألفة وعلى بغضه وكراهيته للفرقة، ولذا كان هو الذي يبادر بالسلام، ويبادر إلى إزالة الكدر الذي حصل للنفوس، وذلك بأن يتكلم مع صاحبه، ويعتذر له، أو يأتي بأسلوب يهون ما في نفس صاحبه بحيث تعود المياه إلى مجاريها، ويعود الصفاء إلى ما كان عليه من قبل.
وهذا من المواضع التي يقولون فيها: إن النافلة أفضل من الواجب؛ فإن ابتداء السلام سنة ورده واجب، والسنة هنا خير وأفضل من الواجب؛ لأن الذي فعل السنة هو الذي حصلت له الخيرية، لقوله: (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).
عبد الله بن مسلمة ومالك وابن شهابمر ذكرهم.
و عطاء بن يزيد الليثي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي أيوب الأنصاري ].
أبو أيوب الأنصاري هو خالد بن زيد رضي الله تعالى عنه صاحب رسول صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي نزل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وصار ضيفاً عليه في داره.
فإذا رد أحدهما على الآخر السلام فإن الذي ينبغي مع هذا أن يعمل مع السلام على إزالة ما في النفوس؛ وذلك بأن يحصل بينهما التواد والكلام الحسن الجميل بحيث يزول ما في النفوس.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو مثل الذي قبله.
وقوله: (لا يحل لأحد أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فإن مرت ثلاث فليلقه فليسلم عليه)، أي: أنه لا يستمر على هذا الطريقة، وإنما يحرص على أن يلقاه ويسلم عليه، وإذا سلم عليه فمعناه: أنه أخذ بأسباب الألفة وابتعد عن أسباب الفرقة، وذاك إن رد عليه السلام اشترك معه في الأجر، وإن امتنع من رد السلام عليه فإنه يبوء بالإثم، فالذي امتنع من رد السلام هو الذي يبوء بالإثم، والآخر يسلم من الإثم، وأيضاً يكون قد خرج من الهجر؛ لأنه مادام أنه سلم ووجد منه السلام فمعناه أنه أخذ بأسباب السلامة التي مفتاحها السلام وبدايتها السلام، ولكن الكمال في أن يزول ما في النفوس، وأن يحصل الصفاء والوئام والمودة.
والحديث ضعفه الألباني من أجل هلال بن أبي هلال ، ولكن معناه مثل ما تقدم في الأحاديث.
هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ وأحمد بن سعيد السرخسي].
أحمد بن سعيد السرخسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
[ أن أبا عامر أخبرهم ].
أبو عامر هو عبد الملك بن عمرو العقدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: حدثنا محمد بن هلال ].
محمد بن هلال صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثني أبي ].
أبوه هلال بن أبي هلال مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن أبي هريرة ].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
أورد أبو داود حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهو مثل الحديث الذي قبله، وفيه أنه يسلم عليه ثلاثاً، وذلك حتى يتحقق أنه سمع؛ لأنه قد يكون في المرة الأولى أو الثانية لم يسمع، فلا يبني على مجرد كونه ألقى السلام؛ لوجود احتمال أنه لم يسمع، بل يتأكد ويتحقق أنه سمع؛ وذلك بأن يكرر السلام ثلاثاً، هذا هو المقصود والمراد من التكرار.
هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا محمد بن خالد بن عثمة ].
محمد بن خالد بن عثمة صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب السنن.
[ حدثنا عبد الله بن المنيب يعني المدني ].
عبد الله بن المنيب المدني لا بأس به، وعبارة (لا بأس به) هي بمعنى صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن هشام بن عروة ].
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عروة ].
هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قد مر ذكرها.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه, وهو مثل الذي قبله، وفيه: أن من هجر فوق ثلاث -أي: لحظ الدنيا- فمات دخل النار، أي: إذا مات من غير توبة، ومعلوم أن دخول النار إذا حصل لصاحب المعصية ليس دخولاً يترتب عليه خلود، وإنما هو دخول مؤقت يخرج منه بعدما يعاقب على ما اقترفه من الذنب، وهذا إن لم يشأ الله عز وجل العفو عنه، وإن عفا عنه فإنه لا يدخل النار، ولكن من استحق النار لذنب اقترفه ولم يتجاوز الله عنه فإنه إذا دخلها لابد وأن يخرج منها، ولا يبقى في النار أبد الآباد إلا الكفار الذين هم أهلها، والذين لا سبيل لهم إلى الخروج منها.
محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يزيد بن هارون ].
هو يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا سفيان الثوري عن منصور ].
سفيان الثوري مر ذكره، ومنصور بن المعتمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي حازم ].
أبو حازم هو سلمان الأشجعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة قد مر ذكره.
أورد أبو داود حديث أبي خراش حدرد بن أبي حدرد السلمي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه)، وهذا يدل على أنه ذنب كبير ألحقه بأخيه وأضافه إلى أخيه وأنه بمثابة سفك دمه, ومعلوم أن سفك الدم من أخطر وأشنع الأمور التي تحصل بين الناس، وهذا يدل على خطورة الهجر الكثير، وقد جاءت النصوص الكثيرة التي مرت بأن الهجر للمصالح الشخصية إنما يكون في حدود ثلاثة أيام، وأن الإنسان لا يزيد عليها، فإذا زاد فإنه يستحق النار كما مر في الحديث السابق، وإذا وصل إلى هذا المقدار الذي هو سنة فإنه يكون كسفك الدم.
ابن السرح هو أحمد بن عمرو بن السرح، وهو ثقة أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حيوة ].
هو حيوة بن شريح المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي عثمان الوليد بن أبي الوليد ].
أبو عثمان الوليد بن أبي الوليد قال عنه الحافظ ابن حجر : لين الحديث، والشيخ الألباني صحح هذا الحديث، وقال: إنه قال فيما مضى: إن في إسناده ليناً، وهو هذا الرجل اللين، وأنه لم ينقل توثيقه إلا عن ابن حبان ، ولكنه وجد بعد ذلك أن أبا زرعة الرازي أو أبا حاتم الرازي وثقه، فعند ذلك صحح حديثه وأورده في السلسلة الصحيحة.
وأبو عثمان هذا أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن عمران بن أبي أنس ].
عمران بن أبي أنس ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي خراش ].
أبو خراش هو حدرد بن أبي حدرد، وهو صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى عليه وسلم قال : (تفتح أبواب الجنة كل يوم إثنين وخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً)، أي: أنه يغفر لأصحاب الذنوب الأخرى إلا من كان بينهما بغضاء، فإنه يقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أي: أمهلوهما حتى يصطلحا، وهذا فيه دليل على خطورة التباغض والتدابر والتنافر بين الناس، وأن اصطلاحهما خير، وأن إنهاء ما بينهما من الوحشة بحصول الوئام والمودة هو المطلوب، وكونه يرجى أمر هذين الاثنين ويحصل إنظارهما حتى يصطلحا يدل على خطورة الذنب الذي اقترفاه.
هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا أبو عوانة ].
هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سهيل بن أبي صالح ].
سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وروايته في البخاري مقرونة.
[ عن أبيه ].
أبوه هو أبو صالح واسمه ذكوان ولقبه السمان أو الزيات ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة قد مر ذكره.
قال أبو داود : إذا كانت الهجرة لله فليس من هذا بشيء، وإن عمر بن عبد العزيز غطى وجهه عن رجل ].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم هجر نساءه أربعين يوماً، وهذا في القصة المشهورة وهي قصة هجره واعتزاله نسائه، حتى ظُن أنه طلقهن، فجاء عمر رضي الله عنه إليه، وسأله: هل طلق نساءه؟ فقال: لا، فقال: الله أكبر. وهذا يعني أنه قد حصل الهجر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
و ابن عمر هجر ابنه حتى مات، قيل: لعله إنما هجره في آخر حياته وإنه لم يحصل هجره مدة طويلة، وهجره ليس لأمور شخصية، وإنما هو لله عز وجل؛ وذلك لكونه توقف في تنفيذ حديث أو ما يتعلق بحديث.
ثم قال أبو داود رحمه الله: الهجر إذا كان لله ليس من هذا القبيل، أي: ليس مما تقدم في الأحاديث التي فيها أنه لا يهجر أخاه فوق ثلاث؛ وذلك إذا كان من أجل حظوظ النفوس، وأما إذا كان من أجل الله فإنه لا بأس في الزيادة ولا مانع منها، كما حصل لـكعب بن مالك رضي الله عنه وصاحبيه، وقصتهم مشهورة.
ثم قال: وعمر بن عبد العزيز رحمه الله غطى وجهه عن رجل. أي: أنه أعرض عنه، ويمكن أن يكون هذا من قبيل الهجر لله، وأما إذا كان ليس من قبيل الهجر لله فإنه قد مر في الحديث أن إعراض كل واحد منهما عن الآخر لا يسوغ، وأن خيرهما الذي يبدأ بالسلام.
والمشهور والمعروف أنه صلى الله عليه وسلم هجر نساءه شهراً، لكن ما ذكره من كونه هجرهن أربعين يوماً لا أدري ما وجهه؛ بل قد جاء في الحديث أنه رفع عنهن الهجر في يوم التاسع والعشرين، فأتوه وقالوا: إن الشهر ما خرج، فقال: (إن الشهر يكون تسعة وعشرين) وهذا يوضح أنه هجرهن شهراً؛ لأنه خرج إليهن بعد أن أكمل التاسع والعشرين.
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والظن! فأن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في الظن، والظن: هو أن يظن الإنسان بأخيه سوءاً أو يتهمه بشيء ولم يكن متحققاً منه، فإن كونه ينقدح في ذهنه هذا الشيء ويصر عليه أو يتابعه في نفسه، فإن هذا لا شك مضرة كبيرة، وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بأنه أكذب الحديث، أي: حديث النفس؛ لأن الظن إنما يحصل في النفس، وما يجري في النفس هو أحاديث، لكن أسوأ ما يكون في حديث النفس هو ظن السوء، ولهذا جاء عن بكر بن عبد الله المزني كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب أنه قال: إياك من الكلام الذي إن أصبت فيه لم تؤجر وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء ظنك بأخيك. لأنك إن أصبت فيه لا تحصل أجراً؛ لأنك ظننت به سوءاً، فإن كنت على صواب وكان ظنك مطابقاً لما فيه فلن تحصل أجراً، وإن كنت مخطئاً فأنت آثم، فالإثم محقق وحاصل، والفائدة غير متحققة.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (إياكم والظن! فإن الظن أكذب الحديث) قوله: (إياكم) أي: أحذركم من الظن.
ثم قال: (ولا تحسسوا ولا تجسسوا), قيل: التجسس والتحسس بمعنى واحد، وهذا مثل الكذب والمين والبهتان، فالكذب والبهتان والمين ألفاظ مترادفة مثل: قام ووقف وجلس وقعد، كل هذه من الألفاظ المترادفة التي يختلف اللفظ فيها ويتحد المعنى، ومنهم من قال: إن بينهما فرقاً، لكن لا أعرف فرقاً دقيقاً في ذلك، قال في عون المعبود في الفرق بينهما: قال المناوي : أي: لا تطلبوا الشيء بالحاسة، كاستراق السمع وإبصار الشيء خفية، (ولا تجسسوا) أي: لا تتعرفوا خبر الناس بلطف كما يفعل الجاسوس.
والنتيجة واحدة؛ لأن هذا بالحاسة وهذا أيضاً يكون بالحاسة.
أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعرج ].
هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة قد مر ذكره.
حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن حدثنا ابن وهب عن سليمان -يعني ابن بلال - عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في النصيحة والحياطة، أي: ينصح الإنسان لأخيه ويكون ناصحاً له، وهذا من مقتضى الأخوة، وقد جاءت أحاديث كثيرة في النصيحة، منها الحديث المشهور الذي رواه مسلم في صحيحه: (الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)، ومنها قول جرير رضي الله عنه: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم)، وكذلك الحديث الذي فيه: (ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم، ومنها النصيحة)، وغير ذلك من الأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة : (المؤمن مرآة أخيه) ومعلوم أن كونه مرآة أخيه يعني أنه ينصح له، وأن يكون له مثل المرآة، فإن الإنسان إذا وقف أمام المرآة عرف ما فيه من خلل ومن عيب ومن شيء يحب إزالته؛ لأنه رآه بنفسه، ومعلوم أن الإنسان لا يرى ما فيه مما هو ظاهر إلا إذا وقف أمام المرآة، لكن غيره إذا رآه يراه في كل وقت وفي كل حين، فهو ينبهه على ما فيه من خلل وعلى ما فيه من نقص، وينصحه، ويكون عوناً له على ما يعود عليه بالخير؛ وذلك بأن يكون عوناً له على طاعة الله عز وجل وعلى طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحذره من معصية الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، ويأمره أن يكون على استقامة وعلى هدى، فيسعى جاهداً إلى أن يكون مع أخيه على هذه الهيئة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (المؤمن مرآة أخيه)، فكما أن الإنسان يرى ما يحتاج إلى تداركه بنفسه إذا وقف أمام المرآة، فإن غيره إذا رآه وفيه شيء فينبغي أن يزيله عنه، وهو قد لا يدري عنه فعليه أن ينبهه عليه، وإذا كان يرى فيه خللاً فيما يتعلق بدينه وعبادته ورأى نقصاً في دينه، فإنه ينبهه على ذلك، وهذا يدخل تحت هذا التشبيه من رسول الله عليه الصلاة والسلام في قوله: (المؤمن مرآة أخيه).
وقوله: (والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته) أي: يكون عوناً له على المحافظة على كل ما من شأنه المحافظة عليه.
وقوله: (ويحوطه من ورائه) المقصود من حياطته التي جاءت في الترجمة بعد كلمة النصيحة: أنه ينصح له في حضوره وفي غيابه، وإذا كان وراءه فإنه يذب عنه ويكف عن عرضه ولا يلحقه ضرر منه، وإذا حصل من غيره ضرر له فإنه يعمل على نصح ذلك الذي حصل منه تلك الغيبة أو النميمة أو غير ذلك من الأشياء، فيدافع عنه سواء كان ذلك في حضوره أو في غيابه.
الربيع بن سليمان المؤذن هو المرادي صاحب الشافعي ، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب السنن.
[ حدثنا ابن وهب عن سليمان يعني ابن بلال ].
ابن وهب مر ذكره، وسليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن كثير بن زيد ].
كثير بن زيد صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن الوليد بن رباح ].
الوليد بن رباح صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة قد مر ذكره.
حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سالم عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في إصلاح ذات البين، والمقصود بذلك: الإصلاح بين الناس إذا حصل منهم تباين وافتراق، والبين المقصود به: الفرقة، يقال: بان كذا من كذا، أي: تميز عنه وفارقه، وبانوا أي: ذهبوا وبعدوا.
فالمقصود بإصلاح ذات البين: إصلاح ما يحصل من فرقة ووحشة ومن تباغض وتدابر بين الناس، فيسعى المصلح للإصلاح بينهم، ويقرب بينهم بحيث يزول ما في النفوس، ويحل الإخاء والمودة بدل الوحشة والفرقة.
وقد أورد أبو داود حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجه الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة) أي: أنها تحلق الدين, فليس المقصود حلق الشعر وإنما حلق الدين، وهذا يبين خطورة ما يحصل من الفرقة بين الناس، وأنه سبب الأضرار الكبيرة التي تجري بينهم، وما يترتب على ذلك من اعتداء بعضهم على بعض وكلام بعضهم في بعض، ولكنه إذا أصلح بينهم وأزيلت الفرقة فإن النفوس تتقارب وتتآلف وتسلم من الأخطار التي تترتب على ذلك.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عظم شأن الإصلاح بين الناس، وما يترتب على التقارب والتآلف وصفاء النفوس من الخير الكثير، وما يحصل بخلاف ذلك من ضرر كبير، وقد ذكر الصلاة والصيام لأن هذه عبادات مقصورة غير متعدية لا تتجاوز صاحبها، والصدقة متعدية النفع، ولكنها تتعلق بالنفع الدنيوي وحصول الفائدة في المعاش، ولكن إصلاح ذات البين يترتب عليه الخير الكثير؛ لما فيه من زوال الوحشة وزوال الفرقة وحصول الخير الكثير في ذلك، واندفاع الأضرار الكبيرة التي وصف ضدها وهو فساد ذات البين بأنها الحالقة، وليس المراد أنها تحلق الشعر، وإنما المراد: أنها تحلق الدين، وهذا يدل على الخطورة، ويوضح ذلك تفضيل الإصلاح على درجة الصوم والصلاة والصدقة.
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو معاوية ].
هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرو بن مرة ].
عمرو بن مرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سالم ].
هو سالم بن أبي الجعد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أم الدرداء ].
أم الدرداء هي هجيمة التابعية وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الدرداء ].
أبو الدرداء هو عويمر ، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
بعد أن بين أبو داود رحمه الله في الحديث السابق عظم إصلاح ذات البين، وما فيه من الفائدة الكبيرة وخطورة بقاء ذات البين على ما هي عليه من الفرقة، وأنها تحلق الدين؛ أتى بهذا الحديث الذي فيه ترخيص الرسول صلى الله عليه وسلم في أن يكذب الإنسان من أجل أن يصلح بين الناس؛ لأن الكذب وإن كان فيه ضرر إلا أن ضرره في هذا الباب مغمور في جانب المصلحة التي تترتب عليه، ولكنه إذا حصل ذلك بالتعريض فإن هذا أولى من التصريح حيث أمكن.
والكذب قد أبيح في الإصلاح بين الناس، ولكنه إذا حصل بالتلويح وبالتعرض دون التصريح لا شك أنه أولى، ولكن هذه المفسدة التي تترتب على الكذب إذا كانت لمصلحة كبيرة فإنها تكون مغمورة في جانب الفوائد الكبيرة التي ترتبت على إصلاح ذات البين وزوال الفرقة، ولكن -كما قلت- إذا حصل المقصود عن طريق التعريض بأن يأتي بكلام يريد به شيئاً وذاك يفهم منه شيئاً آخر فهو أولى، وذلك بأن يأتي إليه مثلاً ويقول: علمت من فلان أنه يحبك ويدعو لك، ويقصد أنه واحد من المسلمين، وهو يحب المسلمين ويدعو للمسلمين، فهو داخل في هذا العموم، وكونه يقول مثل هذا الكلام هو صادق فيه؛ لأن المسلم يحب المسلمين ويدعو لهم، فيأتي بهذا التعريض على اعتبار أنه داخل في هذا العموم، ومثل هذا لا بأس به.
وقد أورد أبو داود حديث أم كلثوم بنت عقبة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لم يكذب من نمى بين اثنين ليصلح) أي: لم يكذب كذباً يترتب عليه إثم، بل هذا كذب لمصلحة وكذب هو مأجور عليه، ولكنه -كما قلت- إذا حصل بالتعريض فهو أولى.
هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا سفيان ].
هو سفيان بن عيينة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ح وحدثنا مسدد حدثنا إسماعيل ].
هو إسماعيل بن علية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح وحدثنا أحمد بن محمد بن شبويه المروزي ].
أحمد بن محمد بن شبويه المروزي ثقة، أخرج له أبو داود .
[ حدثنا عبد الرزاق ].
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
هو معمر بن راشد البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن ].
حميد بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أمه ].
أمه صحابية، أخرج لها أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
أورد أبو داود حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (ما سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث)، ومعنى ذلك: أن الكذب الأصل فيه التحريم، ولكنه رخص في هذه الأمور الثلاثة؛ وذلك لأن الكذب فيها يترتب عليه مصلحة كبيرة ومصلحة عظيمة، وتغتفر مفسدة الكذب بجانب المصالح العظيمة المترتبة على ذلك، ومنها الإصلاح بين الناس، وهذا محل الشاهد.
وقوله: (والرجل يقول في الحرب) أي: يقول القول الذي فيه تشجيع للمسلمين وتقوية لنفوسهم، وكذلك فيه إخافة العدو، والعمل الذي يكون فيه ضرر وحصول رعب بين الأعداء يكون فعله سائغاً، وإذا حصل ذلك بالتورية فإن هذا هو الذي ينبغي، وإن حصل أنه يكذب لمصلحة كبيرة تترتب على نصرة المسلمين وعلى خذلان الكفار فلا بأس؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص في ذلك، ولكن إن حصل المقصود بدون التصريح بل بتورية فإنه هذا هو الذي ينبغي، فيقول مثلاً: إن المدد آتٍ، وإن المدد كثير، ويقصد أن المدد آتٍ من الله، وأن الله تعالى يأتي بالمدد، والناس يفهمون أن المدد جيوش جاءت، وهو وإن لم يكن هناك جيوش جاءت بالإمداد، ولكن كونه يقول: إنه سيأتي مدد وإن المدد كثير ،فإنه يقصد أنه سيكون لكم عون من الله، وما إلى ذلك من العبارات، وقد جاء في الحديث: (الحرب خدعة).
ومن ذلك أن يخفي ويكتم الأخبار عن الأعداء حتى لا تصل إليهم، والرسول صلى الله عليه وسلم كان من عادته أنه إذا أراد أن يغزو إلى جهة معينة ورى عنها، فكان إذا عزم أنه يذهب إلى جهة الجنوب يجعل الناس يستعدون ولكن لا يدرون إلى أي اتجاه سيذهبون، ويسأل عن الطرق في جهة الشمال، فالذي يسمع السؤال يظن أنه سيذهب شمالاً، فمادام أن الجيش الآن يهيأ وهو يسأل عن الطريق من جهة الشمال وهو عازم على أن يذهب جنوباً، فإن هذا من التورية، وكذلك أيضاً ما حصل في عمرة القضاء، فإنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه مقالة الكفار: (إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب) فأمر صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا في الأشواط الثلاثة الأول، وإذا كانوا بين الحجر الأسود والركن اليماني حيث تكون الكعبة حاجبة بينهم وبين الكفار الذين هم في الجهة الشمالية في جهة الحجر يمشون ويأخذون نفسهم بدلاً من الحركة التي كانت تحصل في المواطن التي يراها الكفار، وهذا كله من إظهار قوة المسلمين وإن كان عندهم شيء من الضعف، لكن يظهرون بالقوة، ولكنه صلى الله عليه وسلم لما حج حجة الوداع رمل من الحجر إلى الحجر، فبقيت هذه السنة، وكان أصلها هو هذا الذي حصل للمسلمين في عمرة القضاء.
والحاصل: أن الحرب خدعة، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمير الجيش يأتي بكل ما يشجع قومه وجماعته الذين معه ويعمل كل ما يخيف أعداءهم.
وقوله: (والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها) أي: فيما يجلب المودة بينهما، وما يكون سبباً في الألفة بينهما؛ بحيث إنه يقول لها ما يجعلها تألفه، وهي تقول له ما يكون سبباً في إلفه لها.
الربيع بن سليمان الجيزي ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي .
[ حدثنا أبي الأسود ].
أبو الأسود هو النضر بن عبد الجبار ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
نافع بن يزيد ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن ابن الهاد ].
ابن الهاد هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ، وهو ثقة مكثر، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن عبد الوهاب بن أبي بكر حدثه ].
عبد الوهاب بن أبي بكر ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أمه أم كلثوم بنت عقبة ].
ابن شهاب مر ذكره، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأمه صحابية، أخرج لها أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
الجواب: لا ينبغي أن يحلف، وإنما يأتي بكلام بدون حلف.
الجواب: لا تكذب؛ لأن الحديث جاء في الترخيص بالكذب بين الزوجين، ولكن إذا احتاج الأمر إلى أن يدخل بينهما ليصلح فيمكن أن يكذب على اعتبار أنه من قبيل إصلاح ذات البين، فإذا كان هناك فرقة فيمكن أن يكذب، ولكن كونه يوري هو أحسن.
الجواب: إذا أمكن الإصلاح بينهم وكل من الطرفين رضي، فكما يقول العوام: إذا اصطلح الناس استراح القاضي، فإذا حصل التراضي بينهم فلا إشكال، لكنه لا يلزمهم، فإذا أصر أحدهم وقال: أنا لا أريد أن أصطلح معه ولا أريد أن أسامحه في شيء وإنما أريد حقي الذي أعطيته إياه، والذي ليس لي لا أريده، فله ذلك، ولكن كونه يصلح بين الناس هو أولى؛ لأن الصلح بين الناس يجعلهم يخرجون متآلفين، بخلاف الحكم، فإن الحكم يكون فيه أحدهم راضياً والآخر في نفسه شيء.
الجواب: عليه أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا الشر ومن هذا البلاء الذي هو فيه، وأن يتقي الله عز وجل، ولا يعشق هذا العشق المحرم الذي سببه ضعف الإيمان وضعف اليقين، فعليه أن يتقي الله عز جل، ولا يحرص على الاتصال بهذا الشخص، ولكنه عندما يلقاه يسلم عليه، وأما إذا كانت نفسه فيها شر، ثم بعد ذلك يتابعه أو يحرص على الاتصال به فلا يجوز، بل عليه أن يحرص على الابتعاد عنه.
الجواب: كل هذا لا شك أنه من حظوظ النفس؛ لأنه وصفك بوصف أو قال فيك وصفاً شانك وأنت هجرته لمصلحة نفسك، فهو أولاً يجب عليه -إذا كان الأمر كما ذكرت- أن يعتذر منك، وإذا لم يعتذر منك ولقيته فسلم عليه.
الجواب: كما هو معلوم كل من كان ذنبه دون الشرك فأمره إلى الله عز وجل، وإذا كان قتل النفس دون الشرك فإن ما يشبهه يكون دونه.
الجواب: انصحه ولا تستح منه، فإنك حين تستحي منه ثم تتركه يتمادى في ضلاله لا تنفعه؛ بل انفعه، وأنقذه مما هو فيه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر