قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الأرجوحة.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ح وحدثنا بشر بن خالد حدثنا أبو أسامة قالا: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجني وأنا بنت سبع أو ست، فلما قدمنا المدينة أتين نسوة، وقال
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة: باب في الأرجوحة، وهي التي يلعب بها الصبيان من البنين والبنات، والأرجوحة: أن توضع خشبة على مكان مرتفع كصخرة ونحوها ولها طرفان، ويركب على طرفيها صبيان أو صبيتان ثم يحركانها فتنزل بالأول وترتفع بالثاني، ثم تنزل بالثاني وترتفع بالأول الذي قد نزل.
وأيضاً تكون في مكان عالٍ معلقة ويركب فيها صبي ويحركها إلى الأمام وإلى الخلف، وقد يكون معه شخص آخر في هذه الأرجوحة المعلقة، ولكنها تتحقق وتحصل من شخص واحد بحيث يحركها، وأما الخشبة التي تعرض على شيء فهذه لا يحصل استعمالها إلا من صبيين، ينخفض أحدهما ثم يرتفع الآخر.
وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو في مكة ثم قدم المدينة، ولما أريد إدخالها عليه كانت تلعب في أرجوحة، فجاءتها نسوة وأمها أم رومان، فذهبن بها وأصلحنها وهيأنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أدخلتها أمها عليه ضحىً، وذكرت أنها لما كانت عند الباب كان نفسها ثائراً فقالت: هيه هيه، أي: أن صوتها كان كصوت المبهوت الذي يتنفس فيحصل منه مثل هذا الصوت، ثم انتظرت حتى هدأ نفسها ثم أدخلت عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه فبنى بها.
وقوله: [ عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجني وأنا بنت سبع أو ست، فلما قدمنا المدينة أتين نسوة، وقال
أم رومان هي أمها.
قوله: [ (وأنا على أرجوحة، فذهبن بي وهيأنني وصنعنني، فأتي بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبنى بي وأنا ابنة تسع، فوقفت بي على الباب فقلت: هيه هيه ) قال أبو داود: أي: تنفست ].
أي: أنها قالت هذا لأجل ثوران النفس، فلثوران نفسها ظهر بهذه الصورة، وحصل لها هذا الأمر، فالقول هو بناء على الفعل، وليس معنى ذلك أنها كانت تتكلم بهذا الكلام، وإنما حصل منها هذا الصوت الذي يحصل بسبب ثوران النفس.
قوله: [ (فأدخلت بيتاً فإذا فيه نسوة من الأنصار فقلن: على الخير والبركة) ، دخل حديث أحدهما في الآخر ].
أي: أن هؤلاء اللاتي أصلحنها وهيأنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلن لها: على الخير والبركة، أي: أنكِ تزوجتِ زواجاً مباركاً، وتدخلين على زوجك وفي ذلك الخير والبركة، ولا شك أن هذا من أعظم الخير والبركة لها أن تحظى بأن تكون حليلة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ورضي الله تعالى عنها وأرضاها.
والحديث فيه دليل على تزويج الصغيرة، ومن المعلوم أن المرأة تستأذن سواء كانت صغيرة أو كبيرة، ولكن إذا كان الكفء له منزلة عالية من حيث الإيمان والتقى، وأراد الأب ألا يفرط فيه وأن يظفر به ولو كانت الابنة صغيرة فإن ذلك سائغ، كما حصل من أبي بكر في تزويجه رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه بـعائشة .
ومن المعلوم أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم كلهم أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـأبو بكر وعمر تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من بناتهما، وأما عثمان وعلي فتزوجا من بنات رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وقوله: (دخل حديث أحدهما في الآخر) يقصد بذلك شيخي أبي داود ، ومعنى ذلك: أنه لم يميز حديث كل واحد منهما ويبين لفظه، وإنما قال: دخل حديث أحدهما في حديث الآخر.
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ ح وحدثنا بشر بن خالد ].
هو بشر بن خالد العسكري، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[ حدثنا أبو أسامة ].
هو أبو أسامة حماد بن أسامة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قالا: حدثنا هشام بن عروة ].
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
هو عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الدخول بها فإن كانت تتضرر ويلحقها ضرر فليس لأهلها أن يمكنوا منها، وليس لزوجها أن يسيء إليها وأن يلحق بها ضرراً لا تطيقه ولا تقدر عليه.
والصغيرة التي لم تبلغ إنما تزوج من أجل اكتساب الكفء الذي لا يفرط فيه، ولن يعوض إذا ذهب، أي: أنه يندر ويقل أن يوجد مثله، فهذا هو الذي يحرص عليه، وأما غيره فإنه لا بد من استئذانها، ومعلوم أن الاستئذان إنما يكون للمدركة المميزة التي تعرف مصلحة نفسها وتعقل.
ولو كبرت بعد البلوغ وكرهت هذا الزوج فإن كان صاحب دين وخلق فإنه إذا كرهته لن يحتفظ بها حتى تبلغ وحتى تعترض عليه، بل من كان هذا وصفه ومن كانت هذه منزلته فإنه عندما يجد منها كراهة سيتركها، ولن يحتفظ بها حتى تبلغ وتخاصم.
وكان شيخنا الشيخ عبد الله الخليفي رحمة الله عليه لا يرى تزويج الصغيرة، ولما قيل له في ذلك قال كلمة مستحيلة: إذا جاءك نبي يخطب بنتك فزوجها إياه، وهذا شيء مستحيل لا يقع، ولن يحصل مثلما حصل لـأبي بكر .
أورد أبو داود حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها من طريق أخرى في قصة زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن النساء دعين بالخير والبركة، وقلن: (على خير طائر) ومعنى ذلك: الحض والنصيب، ولا شك أن هذا حظ عظيم ظفرت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهو ظفرها بأن أصبحت زوجة رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي كانت به إحدى أمهات المؤمنين، بل هي أحب أمهات المؤمنين إلى رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عنها وأرضاها.
ثم قالت: (فسلمتني إليهن) أي: النسوة التي يصلحنها ويهيئنها.
ثم قالت: (فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحىً) أي: أنها حصلت لها مفاجأة، وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل عليها ضحىً بعدما زفت إليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ورضي الله تعالى عنها وأرضاها.
ثم قالت: (فأسلمنني إليه) أي: أنهن قدمنها إليه، ولكن الذي تولت ذلك هي أمها كما مر في الرواية السابقة أنها وقفت على الباب وأمها معها، وأنها تنفست ذلك التنفس الذي حكته بقولها: (هيه هيه).
إبراهيم بن سعيد ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا أبو أسامة مثله ].
أبو أسامة مر ذكره، وقوله: (مثله) أي: مثل ما تقدم في الإسناد الأول.
والمعنى واحد؛ إذ لا شك أنه خير وبركة، وأكبر حظ ونصيب، وهو أنها أصبحت حليلة خير البشر صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وهذا من باب التفاؤل، بل هو مجزوم بأنه أعظم خير وأعظم حظ ونصيب لامرأة تتزوج من هو خير الناس.
وأما الآن فينبغي أن يقال للمتزوجين: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير، هذا هو الذي ينبغي أن يقال في حال الزواج، أو يقال: زواج مبارك، أو جعله الله زواجاً مباركاً، لكن لا يقال: على خير طائر؛ لأن هذا لا يقال لكل أحد، وإنما قيل هذا لمن تزوجها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وليس غيرها كذلك.
أورد أبو داود حديث عائشة من طريق أخرى وفيه ألفاظ أخرى، منها: أنها كانت مجممة، أي: أنها كانت ذات جمة، والجمة: هي الشعر، وكانت قد حصل لها مرض فتساقط شعرها، ثم نبت، فكان الذي وصل إليه شعرها في ذلك الوقت أنه كان جمة.
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ].
هؤلاء كلهم مر ذكرهم في الإسناد السابق.
وهذا مثل الذي قبله، والإسناد مر ذكره.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أنهم بعدما قدموا المدينة نزلوا في بني الحارث بن الخزرج، وأنها كانت على أرجوحة بين عذقين، والمراد بالعذق: النخلة، أي: أنها كانت على أرجوحة بين نخلتين، والعذق بفتح العين: النخلة، والعذق بكسرها: القنو الذي هو يكون فيه الثمر.
هو عبيد الله بن معاذ العنبري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[ حدثنا أبي ].
أبوه معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يحيى يعني ابن عبد الرحمن بن حاطب ].
يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ قال: قالت عائشة ].
عائشة رضي الله عنها قد مر ذكرها.
والمؤلف ساق الأحاديث هذه في هذه الترجمة لبيان معنى الأرجوحة التي يلعب بها الصبيان، وإلا فقد سبق أن أورده في كتاب النكاح فيما يتعلق بالزواج.
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن موسى بن ميسرة عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله) ].
أورد أبو داود رحمه الله باب اللعب بالنرد، والنرد: هو نوع من اللعب، وأصله أعجمي، وقد جاء أنه النردشير، وهو لفظ أعجمي معرب، وقد جاءت الشريعة بالنهي عنه وتحريمه.
وقد أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله) وهذا يدل على تحريمه؛ لأن فيه معصية لله ولرسوله، والشيء الذي يوصف بأنه معصية لله ورسوله لا شك أنه حرام؛ لأن الواجب هو اتباع وفعل ما شرع والانتهاء عما نهي عنه، وهذا مما نهي عنه، بل وصف بأنه معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن موسى بن ميسرة ].
موسى بن ميسرة ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي في مسند مالك .
[ عن سعيد بن أبي هند ].
سعيد بن أبي هند ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي موسى الأشعري ].
أبو موسى الأشعري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه عبد الله بن قيس ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وسعيد بن أبي هند لم يسمع من أبي موسى ، ولكن الشيخ الألباني ذكر لهذا الحديث شواهد يكون بها معتبراً.
أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه)، وهذا يدل على بشاعة هذا العمل، وذلك أن غمس اليد في الدم هو في حد ذاته غير مستحسن، وغير مستساغ، ولكنه إذا كان مع ذلك في دم خنزير فيكون الأمر أعظم وأعظم، ويكون كما يقال في المثل: حشف وسوء كيلة، فهو دم ومع ذلك دم خنزير، فيكون أشد في الشناعة والخبث، وهذا يدل على تحريمه وعلى التنفير منه، وهذا التمثيل هو للتنفير، وبيان بشاعته وخبثه.
هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[ حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد القطان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن علقمة بن مرثد ].
علقمة بن مرثد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سليمان بن بريدة ].
هو سليمان بن بريدة بن الحصيب وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
أبوه بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتبع حمامة، فقال: شيطان يتبع شيطانة) ].
أورد أبو داود باب اللعب بالحمام، أي: أنه لا يسوغ اتخاذ الحمام للعب به، لكن أن يتخذ للاستفادة منه، والانتفاع به، فلا بأس بذلك وهو سائغ، ولكن أن يتخذ للعب هذا هو الذي ترجم له المصنف وأورد فيه هذا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وفيه أنه رأى رجلاً يتبع حمامة يلعب بها، فقال: (شيطان يتبع شيطانة) فوصفه بأنه شيطان، وأن عمله من عمل الشياطين.
وقال للحمامة: إنها شيطانة، على اعتبار أنه ابتلي بها وافتتن بها، وإن كانت هي لا علاقة لها وإنما البلاء كله ممن لعب بها، ولكنه وصفها بهذا الوصف لأنها تشغله أو أنها سبب انشغاله بها.
مر ذكر الثلاثة، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف المدني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق فرضي الله عنه وأرضاه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر