حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدخل علينا ولي أخ صغير يكنى
أورد أبو داود باباً في الرجل يتكنى وليس له ولد.
يعني: لا يلزم أن تكون الكنية بسبب وجود الولد، بل يمكن أن تكون قبل أن يوجد ولد، وقد تكون للصغير أيضاً، ومن المعلوم أن من الصحابة من اشتهر بكنيته.
من المعلوم أن بعض الصحابة الكبار رضي الله عنهم وأرضاهم كان لهم كنى ليست على أسماء أولاد لهم، ومن أشهر هؤلاء أفضل هذه الأمة بعد الأنبياء والمرسلين أبو بكر وعمر ؛ فإن أبا بكر كنيته أبو بكر وليس له ولد اسمه بكر، وعمر كنيته أبو حفص وليس له ولد اسمه حفص، وكذلك خالد بن الوليد كنيته أبو سليمان وليس له ولد اسمه سليمان، فالكنية تكون من غير ولد، فيتكنى الإنسان بكنية حتى وإن لم تكن باسم أحد أبنائه أو حتى مع عدم وجود الولد وقد يكنى الصغير أيضاً من حين ولادته، وقد يكون السبب في تكنيته أنه اختير له اسم أحد الصحابة فكني بكنية ذلك الصحابي؛ لأن المقصود بتسميته أنه سمي باسم ذلك الصحابي فيكنى بكنية ذلك الصحابي وهو صغير.
والحديث يدل على جواز تكنية الصغير، وأن هذا ليس من الكذب؛ لأن التكنية ليس بلازم أن تكون عن ولد، بل تكون بدون ولد، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله في قصة أخي أنس بن مالك رضي الله عنه، وأبوه هو أبو طلحة وأمه أم سليم.
و أبو عمير هذا قيل هو الذي كان مريضاً، وكان أبو طلحة يسأل عنه، وعندما توفي ما أرادت أمه أن تفاجئه بالوفاة، ولكنها أخفت عليه الأمر، وعرضت بما يدل على وجوده، والتعريض هو: أن يقول القائل كلاماً يريد شيئاً فيفهم المخاطب شيئاً آخر، فسألها عن الغلام فقدمت له العشاء، وتهيأت وتجملت، وجامعها، وبعد ذلك أخبرته، ولكنه عندما سألها من قبل: كيف هو؟ قالت: استراح وسكنت نفسه.
وكانت تعني أنه مات وانتهى، وأيضاً سكنت نفسه إذا مات، وهو فهم أنه استراح من المرض، فهي أرادت شيئاً وفهم الرجل شيئاً آخر.
فلما أخبرته أنكر عليها، وبعد ذلك جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال: (هل عرستما؟ قال: نعم. فقال: بارك الله لكما في ليلتكما)، ثم ولد لهما مولود، ولعله عبد الله الذي سماه الرسول صلى الله عليه وسلم وحنكه، كما مر في الحديث السابق أنه كان يهنأ بعيراً له، وأنه لما ولد أتى به إليه أخوه أنس ، ثم قال: (معك تمرات؟ فأخذها ولاكها ثم وضعها في فم الغلام، وجعل الغلام يتلمظ وقال: حب الأنصار التمر! وسماه
فالحاصل أن هذا الغلام أبا عمير هو الذي توفي، وحصل الوقاع في تلك الليلة، وحملت بـعبد الله هذا الذي سماه الرسول صلى الله عليه وسلم وحنكه، فيجوز أن يكنى الصغير، ولا يعتبر ذلك من الكذب، وفيه أيضاً ملاطفة الصغير وتأنيسه ومداعبته.
[ عن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدخل علينا ولي أخ صغير يكنى
النغر: طائر صغير كالعصفور أو نحوه، معناه: أنه يستأنس به .
[ (فمات فدخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فرآه حزيناً، فقال: ما شأنه؟).
رآه حزيناً لأن نغره قد مات، فتأثر ذلك الصبي فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أهله عن سبب حزنه، فقالوا: إنه قد مات نغره، فقال: (يا
لكن هذا غير صحيح، فإن الأحاديث الكثيرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءت بالنهي عن صيد المدينة، وقال: (لا يصاد صيدها، ولا يقطع شجرها)، وقال أبو هريرة كما في الصحيح: (لو وجدت الظباء ترتع في المدينة ما ذعرتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المدينة حرم ما بين لابتيها)، فالذي يبدو أن هذا صيد قد أدخل وليس مصيداً في المدينة؛ لأن المدينة لا يجوز أن يصاد بها الصيد، فهذا خطأ، والحديث ليس فيه أنه صِيد في المدينة، بل الأحاديث الكثيرة كلها تدل على تحريم صيد المدينة، ولكن الذي يفهم أن هذا الصيد قد أخذ من خارج الحرم.
لكن الحديث يدل على جواز حبس الطيور إذا أحسن إليها، ولم يحصل لها أذى، ومثل هذا إحضار الدجاج إلى البيوت والحمام، المهم: أنه يحسن إليها، وأما حبسها مع إيذائها، أو عدم الإحسان إليها فيدخل تحت قصة صاحبة الهرة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم (دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها) . فقوله: لا هي أطعمتها إذ حبستها. يدل على الجواز، (ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) .
موسى بن إسماعيل عن حماد مر ذكرهما، وثابت هو ابن أسلم البناني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة .
[ عن أنس بن مالك ].
أنس رضي الله عنه مر ذكره.
وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.
حدثنا مسدد وسليمان بن حرب المعنى قالا: حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (يا رسول الله! كل صواحبي لهن كنى قال: فاكتني بابنك قال مسدد : عبد الله بن الزبير ، قال: فكانت تكنى بـأم عبد الله
أورد أبو داود باباً في المرأة تتكنى، والمرأة تكنى كما يتكنى الرجل، والرجل تتحد كنيته وكنية زوجته إذا كان بينهما أول ولد، وقد يكون الرجل له كنية سابقة، والمرأة كذلك قد تكون لها كنية إذا كان لها زوج سابق، وقد تكنى المرأة وإن لم يكن لها ولد، كما مر في حديث أبي عمير ، وكما جاء في حديث عائشة ؛ لأن عائشة ليس لها ولد، ولكن الرسول أمرها بأن تتكنى بكنية ابن أختها أسماء عبد الله بن الزبير فكان يقال لها: أم عبد الله ، وهي ليس لها ولد؛ لأنها لم تلد من النبي صلى الله عليه وسلم.
وهو يدل على ما دل عليه الحديث السابق من أنه يتكنى من ليس له ولد، وأن الكنية تكون من غير ولد، وأيضاً يدل على أنه يقال لغير الابن الذي هو من النسل ابن؛ لأنه قال: (ابنك)، أي: ابن أختك، مثلما مر أنه قال لـ أنس يا بني.
فابن الأخت هو ابن للخالة، فكانت تكنى بأم عبد الله رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
مسدد مر ذكره، وسليمان بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
حماد بن زيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن هشام بن عروة ].
هشام بن عروة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
عروة بن الزبير ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين.
[عن عائشة ].
عائشة رضي الله عنها مر ذكرها.
[ قال أبو داود : وهكذا قال قران بن تمام ومعمر ].
قران بن تمام صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
[ ومعمر ].
معمر بن راشد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ جميعاً عن هشام نحوه ].
هشام هو ابن عروة (نحوه) يعني: نحو ما تقدم.
[ ورواه أبو أسامة عن هشام عن عباد بن حمزة ].
أبو أسامة مر ذكره، وعباد ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن .
[ وكذلك حماد بن سلمة ومسلمة بن قعنب عن هشامكما قال أبو أسامة ].
حماد بن سلمة ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
و مسلمة بن قعنب هو والد عبد الله بن مسلمة القعنبي الذي يأتي ذكره كثيراً في الأسانيد، وهو ثقة.
أما لفظة المولى فقد جاء فيها بعض الأحاديث، وجاء إطلاقها على المخلوق يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى [الدخان:41]، وإطلاقها على الحقيقة إنما هو على الله نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الأنفال:40] ومن الأدب ترك ذلك حتى كلمة (سيدي) هذه، فلا يستعملها المرء ولا يحرص عليها، وإن كان يجوز أن يقول ذلك في بعض الأحيان، لكن كونه يلتزمها أو يحافظ عليها فهذا شيء غير معروف عند سلف هذه الأمة.
وفي بعض البلاد تستخدم كلمة (السيد) لصاحب العمل، وهناك من يستعملونها لكل أحد، والآن كلمة السيد صارت ممتهنة مبذولة، فالاستمارات التي تعبأ مكتوب فيها السيد وبعدها فراغ، فالكل سيد بالمجان! والشاعر يقول:
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والإقدام قتال
إن السؤدد لا يحصل إلا بالمشقة، وليس الكل يصنع المشقة، إذاً: ليس الكل يصلح أن يكون سيداً.
ومن مباحث كلمة سيد: ما قاله النووي رحمه الله: ولم يأت تسميته تعالى بالسيد في القرآن ولا في حديث متواتر .
لكن هذا كلام غير مستقيم، فقد ورد في حديث صحيح مر بنا في سنن أبي داود ما يدل على ذلك والتواتر ليس بلازم في الصحة.
أما جاء في سورة يوسف: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ [يوسف:42] فهذا كما هو معلوم حكاية عمن كان قبلنا، ثم أيضاً فيه مخاطبة، وقوله: (ربك) يعني بها سيده، ومعلوم أن هذا من باب الأدب في الخطاب، وإلا فإنه عندما يضاف فيقال: رب الدار، رب البيت، وكما جاء عن عبد المطلب : (أنا رب إبلي وللبيت رب يحميه) فكلمة الرب تعتبر من الألفاظ التي تستعمل كما ينبغي.
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن أبي هريرة ، ولم يقل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي أنه لم يرفعه، وفيه قال: (سيدي ومولاي، بدل: سيدي وسيدتي).
قوله: [ حدثنا ابن السرح ].
ابن السرح هو: أحمد بن عمرو بن السرح ثقة أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث ].
ابن وهب مر ذكره، وعمرو بن الحارث المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن أبا يونس ].
أبو يونس هو سليم بن جبير وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي .
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة مر ذكره.
أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: (لا تقولوا للمنافق: سيد، فإنه إن يك سيداً فقد أسخطتم ربكم ) يعني: أن المنافق إن كان سيداً من ناحية أنه كبير قوم وقلتم عليه سيد فقد أسخطتم الله؛ لأن وصف السؤدد لا يصلح له، وإن لم يكن سيداً في قومه أو كبيراً في قومه، فإن هذا ذم إلى ذم، فهو أولاً ليس عنده السؤدد الذي يحصل لأمثاله أو يحصل لبني جنسه؛ لأن في المنافقين السيد والمسود، وأيضاً من ناحية أنه كذب؛ لأنه لا يوجد فيه السؤدد الذي يضاف إلى من كان له سؤدد على قومه من جنسه، فجمع بين كونه يغضب الله لو كان سيداً، وبين كونه أيضاً كذباً؛ لأنه لا يوجد فيه هذا الوصف.
والمنافق لا يكون سيداً، وإنما هو ذليل وحقير، وليس من أهل السؤدد في الحقيقة، ومع الأسف أن السؤدد الآن حصل لكل أحد حتى للكفار، فيقال للكافر سيد إما بلغة العرب وإما بلغة العجم.
عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري ثقة أخرج له أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا معاذ بن هشام ].
معاذ بن هشام صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني أبي ].
أبوه هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن بريدة ].
عبد الله بن بريدة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا يقولن أحدكم: خبثت نفسي، وليقل: لقست نفسي) ].
أورد أبو داود باب لا يقال خبثت نفسي؛ لأن (خبثت) ليست بمعنى (لقست)، ومعناه: أنه حصل للنفس شيء، فتوصف بالوصف الذي لا شبهة فيه، وليس فيه مخالفة للأدب وهو (لقست)، ولا يؤتى بلفظ (خبثت) الذي يدل على الخبث، ويضيف الخبث إلى نفسه.
فمن الأدب أن يبتعد عن هذا اللفظ، وإضافته إلى نفسه، وإن كان معناه يقارب معنى (لقست)، ولكن هذا من التنبيه إلى الشيء الذي فيه السلامة، كما قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا [البقرة:104] فأرشدهم إلى أن يقولوا: انظرنا، ولم يأمرهم أن يقولوا: راعنا؛ لأن (راعنا) تحتمل معنى حسناً ومعنىً سيئاً، وهنا لفظ الخبث سيئ، فكونه يضيف الخبث إلى نفسه هذا شيء سيئ فأرشده إلى أن يتركه، وأن لا يأتي به، ولكن يأتي بلفظ آخر يؤدي معناه، وليس في ذلك اللفظ ما لا يليق.
أحمد بن صالح ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل .
ابن وهب مر ذكره، ويونس بن يزيد الأيلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب ].
هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ].
أبو أمامة بن سهل بن حنيف وهو: أسعد وكنيته أبو أمامة ، وله رؤية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
سهل بن حنيف رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
أورد المصنف حديث عائشة : (لا يقولن أحدكم: جاشت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي) ، وهو مثل الذي قبله في أنه يرشد إلى الشيء الذي ليس فيه احتمال معنىً آخر، ولا فيه احتمال سوء.
وقوله: (جاشت) وصف مذموم لعله بمعنى (خبثت).
قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ].
مر ذكرهما.
[ عن هشام بن عروة ].
هشام بن عروة بن الزبير وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
عروة بن الزبير وهو ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود هذا الحديث ولا علاقة له بالترجمة أو الأحاديث السابقة؛ لأن ما شاء الله وشاء فلان هذا لا علاقة له بالباب المذكور، وفي عون المعبود يوجد باب قبل هذا الحديث بدون ترجمة، وبعض النسخ ليس فيها ذكر باب، وهنا جعل الباب بعد هذا الحديث، ومحله المناسب قبل هذا الحديث؛ لأن الحديث لا علاقة له بالترجمة السابقة، ولعله لم يذكر الترجمة؛ لأنه ذكر جملة أحاديث متفرقة تدل على معان مختلفة، فلم يجعل باباً معيناً؛ لأن تحته عدة أحاديث، فاكتفى بأن يقول: باب، وأن يميزه عما قبله بذلك، حتى لا يكون معناه أن له علاقة به من ناحية أنه من الآداب في الألفاظ؛ لأن كل الأحاديث التي مرت سابقاً تتعلق بالآداب في الألفاظ.
ومن المعروف أن الباب عندما يذكر بدون ترجمة يكون كالفصل عن الباب الذي قبله، فهنا ذكر الترجمة؛ لأنه جاء على أحاديث متعددة تتعلق بالآداب في الألفاظ، ولكنها متنوعة وليست على معنىً واحد، أو على موضوع واحد، فنسخة عون المعبود فيها كلمة باب قبل هذا الحديث، ومعناه أن حديث: (ما شاء الله وشاء فلان)، والأحاديث التي بعده إلى نهاية الباب وهي أحاديث متفرقة تتعلق بالآداب في الألفاظ.
وقوله: (ما شاء الله وشاء فلان) هذا ممنوع، وهو من الشرك الأصغر شرك الألفاظ؛ لأن فيه التشريك بين الله وغيره.
والنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن يقول: (ما شاء الله ثم شاء فلان). يعني: أن مشيئة العبد ليست مقترنة بمشيئة الله، وإنما هي تابعة لمشيئة الله؛ لأن (ثم) تفيد العطف مع التراخي، وأما الواو فتفيد التشريك والجمع، ومشيئة الله عز وجل نافذة، ومشيئة العبد تابعة لمشيئة الله، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29] فجاءت السنة بأنه لا يؤتى بهذا اللفظ الذي فيه شرك أصغر، وأرشدت إلى ما فيه السلامة، وما يليق بالله عز وجل، وما يليق بالمخلوق، فقال: (ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان) . أي: أن مشيئة فلان تابعة لمشيئة الله سبحانه وتعالى، وليست مقترنة بها.
وهذا يدلنا على أن الله له مشيئة والعبد له مشيئة، ومشيئة العبد تابعة لمشيئة الله، ولكن لا يقال: إن العبد لا مشيئة له وإنه مجبور، كما تقوله الجبرية: الإنسان مجبور على أفعاله، وليس له إرادة، وهو مثل الريشة التي تحركها الرياح. بل له مشيئة؛ لأن الله أثبت له مشيئة كما في الحديث: (ما شاء الله وشاء فلان)، ولكنه ليس مستقلاً بمشيئته وإرادته، وإنه يشاء ما لم يشأه الله، بل ما يشاؤه يكون تابعاً لمشيئة الله.
أبو الوليد الطيالسي هو: هشام بن عبد الملك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعبة ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن منصور ].
منصور بن المعتمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن يسار ].
عبد الله بن يسار ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن حذيفة ].
حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان بن سعيد قال: حدثني عبد العزيز بن رفيع عن تميم الطائي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه: (أن خطيباً خطب عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما، فقال: قم. أو قال: اذهب فبئس الخطيب أنت!) ].
أورد أبو داود هذا الحديث، وهو من الأحاديث التي فيها آداب الألفاظ، ولكن ليس هناك ترجمة خاصة به، ولا بالذي قبله ولا في الذي بعده، وهو يتعلق بالجمع بين الضمير في حق الله وحق رسوله صلى الله عليه وسلم، والحديث يدل على المنع، وعلى أنه لا يجمع بينهما في ضمير واحد.
وقد جاء ما يدل على الجمع بينهما في ضمير واحد، مثلما جاء في الحديث: (إن الله ورسوله ينهيانكم عن الخمر والميتة) ، وكذلك حديث: (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) فـ(هما) ضمير لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهنا جاء المنع، وقد جمع العلماء بين ما فيه الجواز وما فيه المنع فقالوا: الخطب المقصود فيها البسط وعدم الإجمال لكي تكون واضحة، وألا يكون فيها شيء موهم، بل يفصل فيها، فيقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، أو فلا يضر إلا نفسه .
مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
و يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سفيان بن سعيد ].
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني عبد العزيز بن رفيع ].
عبد العزيز بن رفيع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن تميم الطائي ].
تميم بن طرفة الطائي وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن عدي بن حاتم ].
عدي بن حاتم رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد أبو داود حديثاً عن رجل كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فعثرت الدابة فقال: تعس الشيطان! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تقل: تعس الشيطان، فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى كان كالبيت -يعني يتضخم- ولكن قل: باسم الله، فإنه يتضاءل حتى يكون كالذباب), وذلك؛ لأن قوله: (تعس الشيطان). معناه الذم له، وفيه أيضاً: أنه يصير عنده قدرة وقوة، وكأن ذلك حصل منه، فيقول: بقوتي، ولكن إذا قيل: باسم الله فإنه يتضاءل حتى يكون كالذباب.
وهب بن بقية الواسطي ثقة أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي .
[ عن خالد -يعني ابن عبد الله ].
خالد بن عبد الله الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن خالد الحذاء ].
خالد بن مهران يعني: الحذاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي تميمة ].
أبو تميمة هو طريف بن مجالد ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن .
[ عن أبي المليح ].
أبو المليح اسمه عامر بن أسامة وقيل: زيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن رجل ].
رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والجهالة في الصحابة لا تؤثر، والمجهول فيهم في حكم المعلوم.
والتابعي قد يبهم الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يكون لم يعرف اسمه، وقد يكون عرفه ونسيه، فاكتفى بقوله: رجل. على الإبهام، والجهالة في الصحابة لا تؤثر، بينما الجهالة في غيرهم تؤثر، مثلما قال الخطيب في الكفاية: إن الرجال في الإسناد كلهم يحتاج إلى معرفة أحوالهم من الثقة والعدالة والضعف إلا الصحابة، فإنه لا يحتاج؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم.
قال أبو داود : قال مالك : إذا قال ذلك تحزناً لما يرى في الناس -يعني: في أمر دينهم- فلا أرى به بأساً، وإذا قال ذلك عجباً بنفسه وتصاغراً للناس فهو المكروه الذي نهي عنه ].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة قال: (إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم) .
لفظ (الرجل) هنا لا مفهوم له، فالمرأة إذا قالت ذلك فإنها مثل الرجل.
وقوله: ( من قال: هلك الناس فهو أهلكهم ) يعني: أنه أسبقهم إلى هذا، وهو أولهم في الهلاك وهذا الوصف للناس هو أولى الناس بالاتصاف به، أو: هو أولى من غيره، أو: هو أول من يتصف به.
وقد ذكر مالك رحمه الله: أن من قال ذلك تحزناً على ما يرى من الناس، فإن ذلك لا بأس به، ولكن كونه يرى لنفسه ميزة على غيره ويتصاغره ويحتقره، فإن هذا هو الذي يكون مذموماً، ولاشك أن تجنب ذلك هو الذي ينبغي.
هناك رواية لكلمة: (أهلكهم) بالنصب، يعني أنه تسبب في هلاكهم، وأن من قال ذلك ييئس من الناس وييأسون هم بسبب مقالته.
القعنبي هو : عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ ح وحدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه ].
موسى بن إسماعيل وحماد مر ذكرهما.
وسهيل بن أبي صالح صدوق أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وروايته في البخاري مقرونة، وأبوه أبو صالح هو السمان واسمه ذكوان أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ] .
عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه وقد مر ذكره.
الجواب: هذا في حق من قبلنا؛ لأنه لما ذكر (يا أخت هارون) مع أن هارون هو أخو موسى، وبين عيسى وموسى مدد طويلة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: إن هارون هذا هو أخ لمريم، وليس هو أخا موسى وإنما هذا واحد ممن سموهم بأسماء الأنبياء؛ لأنهم كانوا يسمون بأسماء الأنبياء، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سمى ابنه إبراهيم باسم أبيه إبراهيم حيث قال عليه الصلاة والسلام: (ولد الليلة لي غلام وسميته باسم أبي إبراهيم) .
فالحديث الذي في فيه (تسموا بأسماء الأنبياء) ما ثبت؛ لأن فيه رجلاً ضعيفاً، وأما التسمية فليس هناك ما يمنع منها، وإنما الإشكال في كون الرسول أمر بالتسمية، لكنه سمى باسم أبيه إبراهيم، وقال: (ولد الليلة لي غلام وسميته باسم أبي إبراهيم) . فلم يثبت أمره صلى الله عليه وسلم بأن يسمى، وأما هذا الذي في الحديث فهو إخبار أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم، وهنا أيضاً لا بأس أن يسمى بأسماء الأنبياء؛ لأن القدوة في ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد سمى ابنه إبراهيم باسم أبيه إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وقد بوب النووي : باب استحباب التسمية بعبد الله وإبراهيم وسائر أسماء الأنبياء عليهم السلام .
وعلى كل فإن أسماء عبد الله وعبد الرحمن جاء نص فيها، وأما الأنبياء فما أعلم نصاً صحيحاً يدل على الأمر بالتسمية بها، ولكن جائز أن يسمى لأنه صلى الله عليه وسلم سمى ابنه باسم أبيه إبراهيم.
الجواب: التبرك لا يكون بأحد من الناس، وقد عرفنا أن التبرك إنما هو بالرسول صلى الله عليه وسلم فقط، مثل التبرك بعرقه وبما يخرج من جسده عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذا هو الذي كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلونه معه، وما كانوا يفعلونه مع غيره، وأما كون الإنسان يسمي باسم شخص أعجبه لعلمه ولفضله، فإنه لا بأس بذلك، لكن لا يقال: تبركاً به.
الجواب: هذا لا يدل على المنع، وإنما يدل على المنع من الثاني، وهو أن يسمي الإنسان باسم طيب ثم يلعنه.
وأيضاً لو حصل اللعن فإنه لا يكون لذاك النبي، وإنما لهذا الشخص، ومعلوم أن لعن المعين لا يجوز مطلقاً، وإنما اللعن يكون للأوصاف، (لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء) . (لعن الله النامصة والمنتمصة) . لعنة الله على الكاذبين .. لعنة الله على الظالمين، وهكذا بالأوصاف وليس بالأسماء، وهذا الأثر لا يدل على المنع، ولكن يدل على المنع من اللعن مطلقاً.
الجواب: نعم هذا جاء من قبل العجم، ولكنه اشتهر عند العرب، واستعملوه، فكانوا يضيفون مثل هذه الألقاب، وابن القيم رحمه الله يقال له: شمس الدين وشيخ الإسلام يقال له: تقي الدين ، وابن حجر يقال له: شهاب الدين ، والعيني يقال له: بدر الدين ، وهكذا، ولاشك أن تركها هو الذي ينبغي.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر