قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كم مرة يسلم الرجل في الاستئذان؟
حدثنا أحمد بن عبدة أخبرنا سفيان عن يزيد بن خصيفة عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنت جالساً في مجلس من مجالس الأنصار، فجاء
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب كم مرة يسلم الرجل في الاستئذان؟ يعني: عندما يأتي عند الباب ويطرقه كم مرة يسلم في حال استئذانه؟
ومعلوم أن الإتيان بالسلام هو من أجل الاستئذان وإنما جاء ليدخل، ولكنه مع ذلك يضيف: أأدخل، لكن كم مرة يسلم ويقول: أأدخل؟
جاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه: أن أبا موسى كان على موعد مع عمر ، فجاء أبو موسى الأشعري رضي الله عنه واستأذن ثلاث مرات ثم رجع فقال: لماذا لم تأت؟ فقال: أتيت واستأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع) فقال: لتأتين ببينة، يعني: على ذلك.
ومعلوم أن خبره رضي الله عنه كاف، ولكن عمر رضي الله عنه أراد أن يتثبت وأن يحصل على زيادة علم، وليس ذلك من أجل أن ذلك لا يكفي؛ لأن خبر الواحد كاف، ومعلوم أن خبر الاثنين هو أيضاً من أخبار الآحاد لأنه ليس من قبيل المتواتر، ولكن عمر رضي الله عنه أراد أن يتثبت.
ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل معاذاً إلى اليمن، وكان يبلغهم الأحكام الشرعية سواء كانت في العقيدة أو غير العقيدة، وقامت الحجة عليهم بذلك، فدل على أن خبر الواحد حجة في العقائد وفي سائر الأحكام، ولكن عمر رضي الله عنه إنما فعل ذلك من أجل التثبت لا من أجل أن ذلك غير كاف، فإن كثيراً من الأحاديث منها ما هو فرد، ومن ذلك الحديث الذي رواه عمر نفسه وهو حديث: (إنما الأعمال بالنيات)فإنه لم يروه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عمر ، وهو من الغرائب التي ما جاءت إلا من طريق واحد، فـعمر رضي الله عنه هو الذي انفرد بروايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه عنه علقمة بن وقاص الليثي ، وهو شخص واحد، ثم رواه عن علقمة بن وقاص محمد بن إبراهيم التميمي ، وهو شخص واحد، ثم رواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التميمي ، وهو شخص واحد، ثم كثر رواته عن يحيى بن سعيد .
وهذا الحديث من الأحاديث التي اعتمد العلماء عليها كما يعتمدون على غيرها.
والحاصل: أن خبر الرجل الواحد يكتفى به، وعمر رضي الله عنه نفسه اكتفى بالشخص الواحد كما في قصة عبد الرحمن بن عوف في الطاعون الذي وقع في الشام، وكان عمر رضي الله عنه ذهب إلى الشام فاستقبله أبو عبيدة -وهو من أمراء الأجناد- وقال له: كيف تدخل الشام وفيها الطاعون وتعرض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم للموت؟ فاستشار المهاجرين، واستشار الأنصار، واستشار مسلمة الفتح، ثم عزم على أن يرجع بعد أن اختلفوا، ثم إن عبد الرحمن بن عوف جاء وقال: عندي سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وأخبر بالحديث الذي عنده؛ ففرح عمر رضي الله عنه؛ لأن اجتهاده وقع مطابقاً لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالحاصل: أن عمر رضي الله عنه كان أراد أن يتثبت، وأن يحمل الناس على التثبت وينبه الناس إلى العناية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظه وتأديته.
قوله: [ حدثنا أحمد بن عبدة ].
أحمد بن عبدة الضبي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ أخبرنا سفيان ].
سفيان بن عيينة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يزيد بن خصيفة ].
يزيد بن خصيفة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن بسر بن سعيد ].
بسر بن سعيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد الخدري ].
أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ فجاء أبو موسى ].
أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، وهو عبد الله بن قيس ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ (قال
معنى هذا: كأن هذه السنة معلومة عند الأنصار، ومشهورة عندهم، ولهذا قال: لا يقوم معك إلا أصغر القوم؛ لأن العلم عندهم جميعاً، فيقوم أصغرهم، وأصغرهم أبو سعيد .
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه: (أنه أتى
أورد أبو داود حديث عبد الله بن قيس من طريق أخرى، وفيه مثل الذي قبله إلا أنه ذكر توضيح الاستئذان؛ لأنه مرة قال: يستأذن عبد الله بن قيس والثانية قال: يستأذن الأشعري والثالثة قال: يستأذن أبو موسى فكل مرة يأتي بلفظ غير اللفظ الأول مما يعرف به نفسه، فـعبد الله بن قيس هو اسمه رضي الله تعالى عنه.
فهو مثل الذي قبله، وفيه: أنه سأله وقال: ائتني ببينة ثم إنه قال له أبي : لا تكن عذاباً على أصحاب رسول الله! فقال: لا أكون عذاباً على أصحاب رسول الله.
والمقصود من ذلك أن هذا ليس فيه ذكر الشاهد، وقصة أبي سعيد حين ذهب إليه كما في الرواية السابقة، وهنا أبي الذي قال: لا يقوم معك إلا أصغرنا ورد أنه لقي عمر وقال له: لا تكن عذاباً على أصحاب رسول الله؛ يعني: لأن هذا فيه تشديد على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من ناحية الرواية، فقال: لا أكون عذاباً على أصحاب رسول الله.
قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود ].
مسدد مر ذكره.
و عبد الله بن داود هو: الخريبي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[ عن طلحة بن يحيى ].
وهو صدوق يخطئ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي بردة ].
أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي موسى ].
أبو موسى قد مر ذكره.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن حبيب حدثنا روح حدثنا ابن جريج قال: أخبرني عطاء عن عبيد بن عمير : (أن
أورد أبو داود حديث أبي موسى من طريق أخرى، وفيه مثل الذي قبله وذكر القصة، وأنه طلب بينة، وأنه أتي بـأبي سعيد فقال: أخفي علي هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ألهاني الصفق بالأسواق!
يعني: الاشتغال بالبيع والشراء، ومعناه: فاتته معرفة هذه السنة بسبب ذلك.
ومعلوم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضرون مجلسه، فمنهم من يحضر فيحدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث فيغيب عنه من غاب، ويحضره من حضر، فالذي حضر عرف، والذي لم يحضر لم يعرف.
ومعلومة قصة عمر رضي الله عنه مع جاره الأنصاري الذي كان مجاوراً له في مزرعة، وكانا يتناوبان النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا يأتي يوم، وهذا يأتي يوم، وإذا رجع الذي نزل في اليوم أخبر صاحبه الذي لم ينزل بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهو يقول: إن هذه السنة فاتتني، بسبب انشغاله في بعض الأحيان بالصفق في الأسواق يعني: في البيع والشراء من أجل جلب الرزق لأهله.
قوله: [ (ولكن سلم ما شئت ولا تستأذن) ].
كأن معناه: أنه يسلم ويكرر السلام وإن لم يحصل الاستئذان؛ لأن السلام: السلام عليكم والثاني: أأدخل؟ ثم أيضاً هو نفسه دعاه في قضية ما، فهو ما جاء زائراً وإنما جاء مدعواً كما مر.
قوله: [ حدثنا يحيى بن حبيب حدثنا روح حدثنا ابن جريج قال: أخبرني عطاء ].
يحيى بن حبيب وروح وابن جريج مر ذكرهم.
و عطاء بن أبي رباح ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبيد بن عمير ].
عبيد بن عمير ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن أبا موسى ].
مر ذكره.
[ فانطلق بـأبي سعيد ].
مر ذكره.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زيد بن أخزم حدثنا عبد القاهر بن شعيب حدثنا هشام عن حميد بن هلال عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه رضي الله عنه بهذه القصة قال: فقال عمر رضي الله عنه لـأبي موسى : إني لم أتهمك ولكن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد ].
وهذا أيضاً عذر من عمر رضي الله عنه، وأنه لم يكن ذلك اتهاماً منه وإنما كان للتثبت والاحتياط.
قوله: [ حدثنا زيد بن أخزم ].
زيد بن أخزم ، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[ عن عبد القاهر بن شعيب ].
وهو لا بأس به، أخرج له أبو داود والترمذي .
[ حدثنا هشام ].
هشام بن حسان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حميد بن هلال ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه ].
أبو بردة وأبوه قد مر ذكرهما.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن وعن غير واحد من علمائهم في هذا، فقال عمر لـأبي موسى رضي الله عنهما: أما إني لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه: أن عمر قال: أما إني لم أتهمك، ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومعنى ذلك: يريد أن الناس يحسبون حساباً للحديث وللرواية ولا يتساهلون، وأن الأمر ليس بالهين إذا عرفوا من عمر رضي الله عنه أنه يرى مثل هذا الرأي أو يقف مثل هذا الموقف، فإنهم يعتبرون الأمر عظيماً وأنه ليس بالأمر الهين، وهذا مثل قوله: إن الحديث عن رسول الله شديد، يعني: أنه ليس بالأمر الهين، فيحتاج إلى تثبت واحتياط.
قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هشام أبو مروان ومحمد بن المثنى المعنى قال محمد بن المثنى : حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي قال: سمعت يحيى بن أبي كثير يقول: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن قيس بن سعد رضي الله عنهما قال: (زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد قال: ثم أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطعام، فلما أراد الانصراف قرب له سعد حماراً قد وطأ عليه بقطيفة، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد : يا قيس ! اصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال قيس : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اركب، فأبيت، ثم قال: إما أن تركب وإما أن تنصرف، قال: فانصرفت
هذا الحديث وارد تحت هذه الترجمة، وهي: باب كم مرة يسلم؟ والمقصود أنه يسلم ثلاث مرات ثم ينصرف كما مر في حديث أبي موسى وأبي سعيد رضي الله تعالى عنهما.
وقد أورد أبو داود حديث قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه وعن أبيه وعن الصحابة أجمعين: أن النبي صلى الله عليه وسلم زارهم في منزلهم فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد أبوه سعد بن عبادة رداً خفياً، فقال له ابنه: ألا تجب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: دعه يكثر السلام علينا، ثم قال: السلام وعليكم ورحمة الله، فرد سعد رداً خفياً ثم قال: السلام وعليكم ورحمة الله، فانصرف.
وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث، وهو أن السلام يكون ثلاث مرات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلَّم سلم ثلاث مرات ثم انصرف.
ثم إن سعداً تبعه وأخبره بالذي حصل، وأنه كان يسمعه ولكنه كان يجيبه ويرد عليه رداً خفياً من أجل أن يكثر الرسول صلى الله عليه وسلم من السلام عليهم؛ لأن السلام دعاء للمسلم.
فطلب منه أن يعود، فعاد إلى منزله ودخل معه، فأعطاه غسلاً وهو ماء يغتسل به وفيه خطم، ثم إنه أعطاه ملحفة يلتحف بها، ثم إنه أكل من طعامهم عليه الصلاة والسلام، ولما أراد الانصراف وطأ له سعد حماراً عليه قطيفة، فركب الرسول صلى الله عليه وسلم وخرج معه قيس يريد أن يمشي معه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له: اركب يعني: رديفاً له، فلم يشأ أن يركب، فقال له عليه الصلاة والسلام: إما أن تركب وإما أن تنصرف. فانصرف.
ومحل الشاهد من الحديث هو ما جاء في أوله من كون النبي صلى الله عليه وسلم سلم ثلاث مرات ثم انصرف، فدل على أن الاستئذان يكون ثلاث مرات.
وهذا الذي حصل من سعد رضي الله عنه تتعارض فيه مصلحتان: مصلحة دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أول وهلة، وكونه يدعو لهم، وكل من الأمرين له شأن: دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أول وهلة، والمبادرة إلى إجابته لا شك أن هذا له شأن، وهذا الذي أراده سعد رضي الله عنه وقصده من كثرة الدعاء له، وكونه يكرر السلام عليه أيضاً له شأن.
وفي الحديث كما هو واضح ما ترجم له المصنف من الاستئذان: أن الاستئذان يكون ثلاثاً، وأن المستأذن عندما يسلم ثلاث مرات ولم يرد عليه فإنه ينصرف.
وفيه حرص الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، ومحبتهم لذلك، وكذلك أيضاً إكرام الرسول صلى الله عليه وسلم، واحتفاؤهم به، وكذلك أيضاً تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم لركوب الحمار، وكونه أراد من الذي تبعه ألا يمشي، بل إما أن يركب وإما أن ينصرف.
وفيه تشييع الزائر ومرافقته عند الدخول والخروج؛ لأن قيساً أراد أن يرافقه وأن يمشي معه، والرسول صلى الله عليه وسلم أراد منه إما أن يركب وإما أن ينصرف، فانصرف.
قوله: [ حدثنا هشام أبو مروان ].
هشام أبو مروان ، صدوق، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[ ومحمد بن المثنى المعنى ].
هو أبو موسى الزمن العنزي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ قال محمد بن المثنى : حدثنا الوليد بن مسلم ].
يعني: ساقه على لفظ محمد بن المثنى ، والوليد بن مسلم هو الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الأوزاعي ].
أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، فقيه الشام ومحدثها، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ قال: سمعت يحيى بن أبي كثير ].
يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة ].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قيس بن سعد ].
قيس بن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه وعن أبيه وعن الصحابة أجمعين، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقيس هذا كان مشهوراً بالطول، وذكر في ترجمته أن شخصاً من الروم كان طويلاً فطلب من يطاوله، فقيل لـقيس في ذلك: فأعطاهم سروايله وقال: أعطوه إياها، فلما لبسها الرومي وصلت إلى حلقه.
[ قال هشام أبو مروان : عن محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة ].
هشام أبو مروان مر ذكره.
[ عن محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة ].
محمد بن عبد الرحمن يعني: أنه روى بلفظه عن الشيخ الأول؛ لأنه ساقه على لفظ محمد بن المثنى الشيخ الثاني، وكان الأول فيه الإخبار والثاني فيه العنعنة.
هذا هو الفرق بين الطريقين: طريق محمد بن المثنى فيها الإخبار بين يحيى بن أبي كثير وبين محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة .
وأما طريق هشام أبي مروان ففيها: أن رواية يحيى بن أبي كثير عنه بالعنعنة.
[ قال أبو داود : رواه عمر بن عبد الواحد وابن سماعة عن الأوزاعي مرسلاً ولم يذكرا قيس بن سعد ].
[ رواه عمر بن عبد الواحد ].
عمر بن عبد الواحد ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ وابن سماعة ].
إسماعيل بن عبد الله بن سماعة الرملي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن الأوزاعي مرسلاً ].
يعني: لم يذكروا قيساً، ومعناه أن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة لم يذكر قيساً .
و الألباني ضعف هذا الحديث وقال: إنه ضعيف الإسناد، ولا أدري ما هو وجه هذا التضعيف، إلا أن يكون رجح المرسل على المسند، وإلا فرجاله كلهم ثقات، وفيه التصريح بالتحديث لأن يحيى بن أبي كثير اليمامي مدلس ولكنه صرح بالتحديث.
فهو من حيث الإسناد واضح أن الذي ساقه المصنف إسناد صحيح؛ لأن رجاله كلهم ثقات، والألباني قال: إنه ضعيف الإسناد، ولا أعرف له وجهاً إلا كونه لعله رأى أن المرسل مقدم على المسند.
السؤال: هل في الحديث دليل على أنه إذا استأذن أحد وأنت لا تريد أن يدخل فترد عليه السلام بصوت خفي؟
الجواب: إذا كنت لا تريد أن يدخل يمكن أن تخرج إليه وتعتذر.
وإن لم تفعل فلا شك أن كون الإنسان يرد عليه رداً خفياً هو الذي ينبغي، لكن كونه يخرج إليه ويعتذر ويطلب منه أن يأتي في وقت آخر يتفقان عليه أولى.
السؤال: هل يدل هذا الحديث على الاكتفاء بالسلام دون أن يقول: أأدخل؟
الجواب: نعم. هو يكفي كما سبق أن مر، والأولى الجمع بينهما، ولكن السلام يكون أولاً، فإذا حصل رد السلام يستأذن بالدخول.
السؤال: مر في حديث قيس بن سعد: (ثم ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران أو ورس فاشتمل بها)، وهذا يخالف أحاديث النهي عن الثوب المزعفر؟!
الجواب: سبق أن مر في بعض الأحاديث أن التزعفر هو لبس الثياب المزعفر والمعصفر، وقد جاءت الأحاديث في ذلك، وهنا جاء فيه ذكر المزعفر، فلعل هذا قبل أن يحصل تحريم المزعفر.
السؤال: هل يستفاد من الحديث جواز التنشيف بعد الطهارة؛ لأن هناك من يكره تنشيف الأعضاء بعد الطهارة؟
الجواب: نعم هو يدل على الجواز، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينفض الماء بيده ويكتفي، والتنشيف جائز.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني في آخرين قالوا: حدثنا بقية بن الوليد حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن بسر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: السلام عليكم، السلام عليكم، وذلك أن الدور لم تكن عليها يومئذ ستور) ].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا جاء إلى بيت فإنه لا يستقبل الباب، وإنما يكون في ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول: السلام عليكم، السلام عليكم، ثم قال: وبيوتهم ليس عليها ستور، يعني: الستور التي تكون في الأبواب، فإذا كان الباب مفتوحاً وعليه ستر فإنه يمنع من البصر ومن النظر إلى ما في الداخل، فإذا كان ليس فيه ستر والباب مفتوح فإن الإنسان يرى ما أمامه.
قوله: [ (والأبواب يومئذ ليس عليها ستور) ] وهذا شاهد للحديث الذي سبق أن مر من قوله صلى الله عليه وسلم: ولكن هكذا وهكذا! يعني: أنه يكون على الجوانب، فهذا من فعله وذاك من قوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا من الآداب الجميلة والأخلاق الكريمة، يعني: كون الإنسان لا يستقبل الباب؛ لأنه إذا استقبل الباب قد يرى من في الداخل، ولكنه إذا كان على اليمين أو الشمال يكون بعيداً عن أن يقع بصره على أمر لا يريد صاحب المكان أن ينظر إليه أو يطلع عليه.
قوله: [ حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني في آخرين ].
مؤمل بن الفضل ، صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ في آخرين ].
يعني: ومعه غيره، أي: جماعة، ولكنه ذكر واحداً منهم وأشار إلى الباقين بقوله: (في آخرين).
[ قالوا: حدثنا بقية بن الوليد ].
بقية بن الوليد ، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثنا محمد بن عبد الرحمن ].
محمد بن عبد الرحمن بن عرق ، وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن عبد الله بن بسر ].
عبد الله بن بسر رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهذا من الرباعيات عند أبي داود ، وهي أعلى ما يكون عنده من الأسانيد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر