حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما سالمناهن منذ حاربناهن، ومن ترك شيئاً منهن خيفة فليس منا) ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في قتل الحيات.
وهنا لفظ الحيات مطلق يشمل الحيات التي تكون في البراري والفلوات والتي تكون في البيوت، وقد جاءت الأحاديث في هذا وفي هذا.
فجاء في حيات البيوت أن الإنسان يحذرها قبل أن يقتلها، ويكون ذلك لمدة ثلاثة أيام أو ثلاث مرات، كما جاءت بذلك الأحاديث التي ذكرها أبو داود، وأما التي في غير البيوت، فتقتل من أول وهلة، ومتى تمكن الإنسان يبادر إلى قتلها.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما سالمناهن منذ حاربناهن) يعني أن العداوة موجودة بين الإنسان وبين الحيات، وأنه لا يكون بينه وبينها مسالمة، ومعنى ذلك: أن من الأصل وطبع الإنسان أنه محارب لها وهي محاربة له، هي عدوة له يحصل منها ما يحصل من الضرر، وهو كذلك عدو لها لما يخشى من ضررها، فهو يقتلها ويبادر إلى قتلها إذا كانت في غير البيوت، وأما إذا كانت في البيوت فإنه لا يقتلها إلا بعد تحذيرها كما سيأتي في الأحاديث.
قوله: (ومن تركهن خيفة فليس منا).
وهذا يدل على أن الإنسان يحرص على قتل الحيات إذا وجدهن، وأنه كان مأذوناً بقتلهن من أول وهلة، وأن لا يتهاون في ذلك؛ لأن في ذلك قضاء على الشر وعملاً على التخلص من الشر، حتى لا تتمكن من إيذاء أحد؛ لأن بقتلها تحصل السلامة منها.
ذكر صاحب العون بأن المراد العداوة التي بينها وبين آدم عليه السلام على ما يقال: إن إبليس قصد دخول الجنة.
ولا نعلم ورود شيء من ذلك، وهذه أمور غيبية لا يقال بها إلا إذا ثبتت، ولا نعلم شيئاً يدل على ثبوتها.
إسحاق بن إسماعيل ثقة أخرج له أبو داود .
[ حدثنا سفيان ].
سفيان بن عيينة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عجلان ].
هو محمد بن عجلان المدني صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
وهو لا بأس به -وهو بمعنى صدوق- أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقتلوا الحيات كلهن، فمن خاف ثأرهن فليس مني)، يعني كل حية، ولكن -يخرج- من ذلك حيات البيوت كما سيأتي.
(فمن خاف ثأرهن) يعني: خاف أن يحصل ثأر منهن، أو أن تناله بأذى إذا أقدم على قتلها، أو أذى من غيرها ممن هو مثيل لها إذا أقدم على قتلها، فليس منا.
هنا السكري قيل نسبة إلى بيع السكر، وهناك شخص يقال له أبو حمزة السكري، ولكنه ليس منسوباً إلى السكر، وإنما هي نسبة إلى غير ما يتبادر إلى الذهن، لأنه كان حلو المنطق، وكان كلامه جميلاً فهو مثل السكر، فقيل له السكري، فهي نسبة إلى غير ما يتبادر إلى الذهن.
أما هذا فنسبته نسبة إلى بيع السكر، وذاك نسبته إلى أنه حلو المنطق وفصيح اللسان، وحسن الكلام، فكان يقال له السكري، وهذا من جنس يزيد بن صهيب الملقب بالفقير، والمتبادر إلى الذهن أنها نسبة إلى الفقر، ولكنه منسوب إلى فقار ظهره، فقد كان يشكو فقار ظهره فقيل له الفقير، فهي نسبة إلى غير ما يتبادر إلى الذهن.
ومثل ذلك خالد الحذاء لم يكن حذاء لا من حيث الصناعة ولا من حيث البيع، ولكنه كان يجالس الحذاءين فقيل له الحذاء.
و أبو حمزة هو محمد بن ميمون المروزي السكري ثقة فاضل، أخرج له أصحاب الكتب.
[ عن إسحاق بن يوسف ].
إسحاق بن يوسف الأزرق، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شريك ].
شريك بن عبد الله النخعي الكوفي ، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي إسحاق ].
أبو إسحاق السبيعي وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قاسم بن عبد الرحمن ].
قاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
عبد الرحمن بن عبد الله وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن مسعود ].
[ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وابنه عبد الرحمن هذا هو الذي كني به؛ لأن كنيته أبو عبد الرحمن .
أورد أبو داود حديث ابن عباس، وفيه مثل الذي تقدم من النهي عن ترك قتل الحيات مخافة طلبهن، أو ثأرهن، وهو الذي مر في الحديث السابق، والمقصود بالثأر كونهن يطلبنه.
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
عثمان بن أبي شيبة ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي إلا النسائي فأخرج له في عمل اليوم والليلة.
[ حدثنا عبد الله بن النمير ].
عبد الله بن النمير ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا موسى بن مسلم ].
موسى بن مسلم لا بأس به، أخرج له أبو داود والنسائي في خصائص علي وابن ماجة .
[ سمعت عكرمة ].
عكرمة هو مولى ابن عباس ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
وهو صحابي جليل، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يريد أن يكنس زمزم وينظفها، وأن فيها من هذه الحيات الصغار، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهن.
ومعلوم أن الحيات اللاتي في العمران، قد جاءت الأحاديث بتحذيرهن لمدة ثلاثة أيام كما سيأتي، وهنا ذكر الحيات الصغار اللاتي يقال لها الجنان وهي في زمزم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهن.
والحديث في إسناده انقطاع؛ لأن الذي يروي عن العباس قيل إن في سماعه منه نظراً، ولهذا قال الشيخ الألباني : صحيح إن كان سمع منه عبد الرحمن بن سابط .
أحمد بن منيع ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا مروان بن معاوية ].
مروان بن معاوية الفزاري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي يقال عنه بأنه مشهور بتدليس الشيوخ؛ لأن التدليس نوعان: تدليس إسناد وتدليس شيوخ.
تدليس الإسناد: هو رواية الراوي عن بعض شيوخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم للسماع كعن أو قال، وإذا كان الشيخ معروفاً بالتدليس فإنه يعول على حديثه إذا وجد التصريح بالسماع في موضع آخر، وأما ما كان في الصحيحين من العنعنة من المدلسين فإنها محمولة على الاتصال؛ لأنهما إنما أدخلا في صحيحيهما من الأحاديث ما كان صحيحاً، فما أخرجاه عن المدلس فهو صحيح عندهما.
وأما تدليس الشيوخ فهو أن يذكر الراوي شيخه بلفظ غير مشهور به، كأن يذكره باسمه وكنية أبيه، أو يذكره منسوباً إلى جد من أجداده، فلا يكون معروفاً، ولهذا يكون في الوصول إليه وعورة، وقد يقال: إنه مجهول وغير معروف، وقد يقول الراوي: لم أقف له على ترجمة، مع أن له ترجمة وأنه معروف، ولكنه ذكر بغير ما اشتهر به.
[ عن موسى الطحان ].
موسى الطحان هو موسى بن مسلم الذي مر في الإسناد السابق.
[ عن عبد الرحمن بن سابط ].
عبد الرحمن بن سابط ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في عمل اليوم والليلة، وابن ماجة .
[ عن العباس بن عبد المطلب ].
العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وموسى بن مسلم الطحان ، قال عنه أبو حاتم : مات خلف المقام وهو ساجد.
وبعض العلماء ذكر عنه أنه مات وهو ساجد، أو وهو في الصلاة، وقالوا في ترجمة زرارة بن أوفى : إنه كان يصلي بالناس الفجر، وإنه قرأ سورة المدثر فلما جاء عند قوله: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ [المدثر:8]، بكى وغشي عليه ومات.
وكذلك أيضاً جاء عن حميد بن أبي حميد الطويل أنه مات وهو يصلي، فهذه آجال كتبها الله عز وجل في أحوال معينة، وقد مات هؤلاء في الصلاة.
وهل للمرء أن يدعو الله بمثل هذه الخاتمة؟
لا. لكن يسأل الله عز وجل أن يختم له بخاتمة السعادة بدون أن يحدد هذا الشيء.
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (اقتلوا الحيات وذا الطفيتين والأبتر).
وهذا من عطف الخاص على العام، فقد ذكر الحيات عموماً ثم عطف عليها بعض أنواعها، وخصها لشدة ضررها، فيكون هذا الخاص قد ذكر مرتين، مرة مندرجاً تحت العام، ومرة منفرداً، وتنصيصه على الخاص من أجل الاهتمام به، أو لخطره وشدة ضرره، ولهذا قال: (فإنهما يلتمسان البصر ويسقطان الحبل)، يعني: حمل المرأة، أي أن فيهما من الشر والبلاء أن المرأة إذا نظرت إليهما، أو نظرا إلى المرأة يحصل منها سقوط الحمل الذي في بطنها، وكذلك أيضاً العين يصيبها الضرر بالنظر إليها، فلهما تأثير على نظر الإنسان وحصول الضرر له، وهذا بقدرة الله عز وجل.
وقيل: إن معنى ذلك أنهما يقفزان إلى العين، وأنهما يلسعانها.
وقيل: إن المعنى الأول هو الأظهر، وذلك لخاصية جعلها الله عز وجل فيهما مثلما يكون بالنسبة للعائن الذي ينظر إلى شيء ثم يحصل الضرر بنظره، فهذا من جنس نظر العائن.
(وذا الطفيتين) أي: أن فيه خطين على ظهره مثل الخوص، وهو ورق النخل، وقال في الشرح: ورق المقل، وهو نوع من الأشجار يقال له المقل، وثمره كبار.
يعني: أن ثمرته تكون قطعة كبيرة، وتوجد في بعض النساء اللاتي يبعن هذه الأشياء في المدينة النبوية، ويسمى الدوم، وبين شجره وشجر النخل فرق، وثمره هو الذي يسمونه الدوم.
والأبتر: هو حية ذنبها صغير.
مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
سفيان
هو ابن عيينة.والزهري محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سالم ].
سالم بن عبد الله بن عمر ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد الصحابة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
كان عبد الله بن عمر يقتل كل حية بناءً على ما جاء في هذا الحديث: (اقتلوا الحيات، وذا الطفيتين والأبتر)، فكان يقتل كل حية لقيها، فأبصره أبو لبابة وهو رفاعة بن عبد المنذر الأنصاري ، أو زيد بن الخطاب الذي هو عمه فقال: إن الرسول نهى عن قتل ذوات البيوت، يعني: عوامر البيوت، واللاتي يكن في البيوت، فدل هذا على أن ذوات البيوت مستثناة من هذا العموم، ولكن قتلهن يكون بعد الإيذان والتحذير، وأما غيرهن فيقتلن من أول وهلة.
وأبو لبابة هو رفاعة بن عبد المنذر وهو صحابي أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة .
و زيد بن الخطاب أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأبو داود .
أورد أبو داود حديث أبي لبابة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الحيات اللاتي تكون في البيوت إلا ذا الطفيتين والأبتر، وبين أنهما يخطفان البصر، ويسقطان ما في بطون النساء، وعلى هذا يستثنى من ذوات البيوت هذا الصنف وهذا النوع من الحيوان الذي يكون هذا ضرره.
قوله: [ حدثنا القعنبي ].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
وهو ابن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن نافع ].
نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي لبابة ]
أبو لبابة رضي الله عنه مر ذكره.
والإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود .
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر، أنه وجد حية بعد ما حدثه أبو لبابة بالنهي عن قتل حيات البيوت، فأمر بإخراجها إلى البقيع، يعني أنه لم يقتلها، ولكنه عمل على إخراجها فذهبت.
قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ].
محمد بن عبيد بن حساب ، وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[ حدثنا حماد بن زيد ].
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أيوب ].
أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ بعدما حدثه أبو لبابة ].
أبو لبابة مر ذكره.
وليس الأثر عن أبي لبابة، إنما هو عن ابن عمر ولكن كان ذلك بعد قصة أبي لبابة لما وجده يتتبع حية فأخبره بالنهي.
أورد أبو داود الأثر عن نافع وقال: إنه أخرجها إلى البقيع، ثم قال بأنه وجدها بعد في بيته، أي: في بيت عبد الله بن عمر، رجعت من البقيع ودخلت فيه.
قوله: [ حدثنا ابن السرح ].
هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ وأحمد بن سعيد الهمداني ].
أحمد بن سعيد الهمداني ، صدوق أخرج له أبو داود .
[ حدثنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني أسامة ].
أسامة بن زيد الليثي صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن نافع ].
نافع مر ذكره.
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
قوله: (إن الهوام من الجن) قيل: المقصود بها الحيات، وقيل: هي أعم من ذلك.
والمقصود من ذلك أنها تتلون وتتحول، وتنقلب من هيئتها إلى هيئة الحيوانات كالحيات وغيرها كما تتحول على صورة الإنسان، لما جاء في قصة صاحب أبي هريرة الذي كان يأخذ من الطعام، وفيها أنه علمه أن يأتي بآية الكرسي، وأنه لا يقربه شيطان، وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق وهو كذوب).
فالجن يتشكلون على هيئة حيوان من حيات أو غير حيات، ومعلوم أن الملائكة تتشكل على صورة الإنسان، والجن يتشكلون على صورة الإنسان وعلى صورة الحيوان.
قوله: (إن الهوام من الجن، فمن رأى في بيته شيئاً فليحرج عليه ثلاث مرات).
معناه: أنه يؤذنها ويقول لها: أحذرك إن لم تخرجي فسأقتلك، أو اذهبي وإلا قتلتك، فيأتي بكلام ويخاطبها، فإن خرجت قبل ثلاث فإنها تسلم، وإن بقيت بعد ثلاث فإنه يقتلها فهي شيطان. (فإن عاد فليقتله، فإنه شيطان).
يعني: شيطاناً من شياطين الجن جاء على صورة حية.
وإذا لم تخرج فإنها تقتل، وقد تكون حية عادية، وإن خرجت بعد الإيذان فهي شيطان فلذلك قال: (فإنه شيطان) فقيد أنه إذا بقي بعد الثلاث بأنه شيطان، وقد تكون حية عادية، فإذا لم تخرج بعد التحذير فلأنها ليست من الجن فلم تفهم.
على كل بعد مضي ثلاث يقتل سواء كان متشكلاً من هيئته إلى هيئة الحية، أو أنها حية، فهي مقتولة على كل حال، ومأذون له بقتلها مطلقاً.
مسدد مر ذكره.
و يحيى هو ابن سعيد القطان ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن أبي يحيى ].
محمد بن أبي يحيى صدوق أخرج له أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة .
[ حدثني أبي ].
أبوه لا بأس به أخرج له أصحاب السنن.
[ عن رجل عن أبي سعيد ].
أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث ضعيف بهذا الإسناد، لكنه جاء ما يدل على معناه، وفيه زيادة: (إن الهوام من الجن).
والألباني ضعف الحديث بسبب هذا الرجل المبهم؛ لكن الإيذان جاءت به أحاديث أخرى.
أورد أبو داود قول أبي السائب: أتيت أبا سعيد الخدري ، فسمعت صوتاً تحت السرير، فنظرت فإذا حية، فقمت فقال: ما لك؟ قال: حية، قال: وماذا تصنع بها؟ قال: أقتلها، فأشار إلى دار مقابلة لداره، وقال: إن ابن عم له كان فيها، وإنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، وإنه كان حديث عهد بعرس، واستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذهب إلى أهله، فأذن له وأمره أن يذهب بسلاحه معه، حتى إذا لقيه أحد من اليهود، أو أحد يريد أن يناله بأذى يستطيع أن يدافع بسلاحه عن نفسه، فلما جاء وجد امرأته بالباب، فغضب فأهوى إليها بالرمح، وأراد أن يقتلها بسلاحه، فقالت: انتظر حتى تنظر ما في البيت، فدخل فإذا حية، فضربها بالرمح الذي معه، فجعلت تضطرب في الرمح، فقال: لا أدري أمات قبلها أو ماتت قبله، معناه: أنه مات بسرعة، وأنه حصل موته كما أنه حصل موتها.
فجاء أصحابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: ادع الله أن يعيده، فقال: (استغفروا لأخيكم) ثم قال: (إن نفراً من الجن أسلموا بالمدينة، فإذا رأيتم أحداً منهم فحذروه ثلاث مرات).
يعني: إذا رأيتم حيات فقد تكون من هؤلاء الذي أسلموا في صورة حيات، فحذروه ثلاث مرات، فإن عاد بعد أن حذرتموه فاقتلوه.
وهذا يدل على أنه يكون هناك إيذان وتحذير، وأنه إن بقي بعد ثلاث فإنه يقتل.
وورد هنا ثلاث مرات، وسيأتي ثلاثة أيام، ولكن يمكن أن يجمع بينهما: أن في اليوم يحذر مرة، وإن حذره ثلاث مرات في يوم واحد لكنه لا يقدم على قتله إلا بعد ثلاثة أيام، ويمكن أن يحذر في أول الأمر ثلاث مرات، ثم يترك ثلاثة أيام ويقتل بعد ذلك.
يزيد بن موهب الرملي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا الليث ].
الليث بن سعد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عجلان عن صيفي أبي سعيد ].
ابن عجلان مر ذكره.
وصيفي ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ عن أبي السائب ].
أبو السائب ثقة، أخرج البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي سعيد الخدري ].
مر ذكره.
وهذا مثل الذي قبله، فإنه يؤذنه، والإيذان هو الإعلام، ويقول له: إن لم تخرج خلال ثلاثة أيام فسوف أقتلك.
قوله: [ حدثنا مسدد عن يحيى عن ابن عجلان ].
كل هؤلاء مر ذكرهم.
وهذا فيه تنصيص على ثلاثة أيام، وبعد ثلاثة أيام فاقتلوه فإنما هو شيطان.
قوله: [ حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني أخبرنا ابن وهب ، أخبرني مالك عن صيفي مولى ابن أفلح أخبرني أبو السائب عن أبي سعيد ].
كلهم مر ذكرهم.
أورد أبو داود حديث أبي ليلى والد عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم منهن شيئاً في مساكنكم).
يعني إذا رأيتم حيات في مساكنكم.
(فقولوا: أنشدكن) وهذا فيه بيان الكيفية التي يكون فيها التحذير.
(العهد الذي أخذه عليكن نوح وسليمان) وذكر نوح يمكن أن يكون على اعتبار أنهم كانوا معه في السفينة ونجوا من الغرق، وسليمان سخر الله له الجن والإنس والطير، وعلمه منطق الطير، ولكن الحديث في إسناده مقال، وهو غير صحيح.
ويكون التحذير بغير هذه الصيغة، يقول: أحذركن إن لم تخرجن قتلتكن، بدون أن يأتي بهذه الصيغة.
سعيد بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن علي بن هاشم ].
علي بن هاشم صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن ابن أبي ليلى ].
هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وهو صدوق سيئ الحفظ جداً، يعني: ليس سهلاً وخفيفاً، وإنما هذا السوء الذي في حفظه شديد وكثير، وهو سبب ضعف الحديث، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن ثابت البناني ].
ثابت البناني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ].
وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
أبو ليلى وهو صحابي أخرج له أصحاب السنن.
أورد أبو داود هذا الأثر عن ابن مسعود قال: [ اقتلوا الحيات كلها إلا الجان الأبيض الذي كأنه قضيب فضة ].
وذلك من شدة بياضه، وهذا أثر عن ابن مسعود ولكنه غير ثابت من جهة الانقطاع بين إبراهيم النخعي وابن مسعود، ومن جهة أن المغيرة بن مقسم يدلس ولا سيما عن إبراهيم ، وهذا الحديث من روايته عن إبراهيم .
وإبراهيم النخعي ، لم يدرك عبد الله بن مسعود ؛ وذلك أن ابن مسعود توفي سنة (32هـ)، وإبراهيم توفي سنة (97) وعمره خمسون سنة تقريباً، ومعنى ذلك أنه ولد بعد وفاة ابن مسعود بمدة فلم يدركه، ففيه انقطاع.
[ قال أبو داود : فقال لي إنسان: الجان لا ينعرج في مشيته، فإذا كان هذا صحيحاً كانت علامة فيه إن شاء الله ].
هذا يوجد في بعض النسخ، قال: الجان لا ينعرج في مشيته، معناه: أنه لا يتلوى في مشيته؛ لأن الحيات تتلوى ولا تمشي باستقامة، وإنما يحصل فيها التلوي، فإذا كان الجان الذي هو على هيئة الحيوان فمن علامته أنه لا ينعرج في مشيته بل يمشي في استقامة، وأما الذي يتلوى فليس مما جاء على صورة الجان أو على هيئته.
قوله: [ فإذا كان هذا صحيحاً، كانت علامة فيه إن شاء الله ].
يعني إن كان الكلام صحيحاً فهذه علامة أن ما لم يكن يتلوى فإنه ليس بجان.
عمرو بن عون ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا أبو عوانة ].
أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مغيرة ].
مغيرة بن مقسم الضبي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إبراهيم ].
إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن مسعود ].
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مر ذكره.
والشيخ الألباني صحح الحديث، ولكن كما هو واضح فيه انقطاع.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر