[بالألف ارفع المثنى وكلا إذا بمضمر مضافاً وصلا
كلتا كذاك اثنان واثنتان كابنين والبنتين يجريان
وتخلف اليا في جميعها الألف جراً ونصباً بعد فتح ألف]
قوله: (بالألف ارفع المثنى) هذا الحكم، وهو أن يرفع المثنى بالألف، فما هو المثنى؟
يقولون في تعريفه: كل لفظ دل على اثنين بزيادة أغنت عن متعاطفين متفقين لفظاً ومعنى.
قوله: (كل لفظ دل على اثنين) خرج به ما دل على واحد، وما دل على جماعة، فليس بمثنى.
وقوله: (بزيادة) خرج به ما دل على اثنين بغير زيادة مثل: زوج، فإنه يدل على اثنين، ولكنه بغير زيادة.
وقوله: (أغنت عن متعاطفين متفقين لفظاً)، أي: متعاطفين متفقين لا مختلفين، فخرج بذلك ما إذا أغنت عن متعاطفين مختلفين لفظاً، مثل: العمرين، فإنهما غير متفقين لفظاً، لأنهما يطلقان على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهما غير متفقين لفظاً.
وقوله: (معنى) احترازاً مما إذا قلت: أكرمت الواقفين، تريد بأحدهما الواقف قائماً، وتريد بالثاني: الذي وقف بيته، فهذان متفقان لفظاً مختلفان معنى، فيكون ملحقاً بالمثنى، وليس مثنى.
ومثال المثنى: جاء المحمدان، فأغنت كلمة (المحمدان) عن محمد ومحمد.
يقول المؤلف: (بالألف ارفع المثنى..).
فيرفع المثنى بالألف، وأما الجر والنصب فسيأتي ذكرهما في قوله رحمه الله تعالى:
(وتخلف اليا في جميعها الألف جراً ونصباً بعد فتح قد ألف)
إذاً: ينصب المثنى ويجر بالياء، ولهذا قال: (تخلف الياء في جميعها الألف)، فالياء: فاعل تخلف، والألف: مفعول به، يعني: أن الياء تكون بدلاً عن الألف جراً ونصباً، أي: في حال الجر وفي حال النصب، ومن هنا عرفنا حكم المثنى، وأنه يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء.
فتقول: قام الرجلان، ورأيت الرجلين، ومررت بالرجلين.
وقوله: (بعد فتح قد ألف) يعني: قد أُلف لغة عند العرب، فلا يكسرون ما قبل الياء في المثنى بل يفتحونه، فتقول: مررت بالرجلين، وأكرمت الرجلين.
(... وكلا إذا بمضمر مضافاً وصلا)
التقدير: وارفع (كلا) بالألف إذا وصل بمضمر حال كونه مضافاً إليه، وقوله: (وصلا) الألف فيه للإطلاق وليست للتثنية، والضمير في قوله: وصل، يعود على كلا، يعني: أن كلا تعرب إعراب المثنى بشرط أن تضاف إلى الضمير، تقول مثلاً: جاءني كلاهما، ورأيت كليهما، ومررت بكليهما.
فإن أضيفت إلى غير المضمر لم تلحق بالمثنى وأعربت بحركات مقدرة على الألف، فتقول: جاء كلا الرجلين، ورأيت كلا الرجلين، ومررت بكلا الرجلين، قال الله تعالى: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً [الكهف:33] فهنا: كِلْتَا لا نقول إنها مرفوعة بالألف، وإنما نقول: مرفوعة بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر.
وقوله: (كلتا كذاك):
المشار إليه: (كلا) يعني أن (كلتا) كـ (كلا) ترفع بالألف إذا أضيفت إلى ضمير.
وقوله: (اثنان واثنتان كابنين وابنتين يجريان):
اثنان واثنتان أيضاً من الملحق بالمثنى، فترفع بالألف، وتنصب وتجر بالياء، قال الله تعالى: لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ [النحل:51] وتقول: رأيت اثنين من الناس، وتقول: أقبل اثنان من الرجال، وتقول: مررت باثنين من الرجال.
واثنتان كذلك، لكن الفرق بين اثنين واثنتين أن الأول للمذكر والثاني للمؤنث.
وقوله: (كابنين وابنتين يجريان):
يعني أن (ابنين وابنتين) تعربان إعراب المثنى، فترفعان بالألف وتنصبان وتجران بالياء، سواء أضيفتا أو لم تضفا، فتقول: هذان ابنا زيد، وتقول: ابنان من زيد، ولا يشترط أن تكون مضافة.
إذاً ذكر المؤلف رحمه الله أن المثنى يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء، وأنه يلحق به أربع كلمات: كلا، وكلتا، واثنان، واثنتان.
وذلك أن (كلا وكلتا) ليس لهما مفرد لفظهما، ونحن قلنا: إن المثنى ما دل على اثنين بزيادة أغنت عن متعاطفين متفقين لفظاً ومعنى، وكلا ليس له مفرد، وكذلك كلتا.
واثنان أيضاً ليس له مفرد من لفظه، وإن كان له مفرد من معناه وهو (واحد) من اثنين، و(واحدة) من اثنتين، فالذي ذكر المؤلف رحمه الله مما يلحق بالمثنى أربع: كلا وكلتا إذا أضيفتا إلى الضمير، واثنان واثنتان مطلقاً.
أما قوله: (كابنين وابنتين يجريان) فليس (ابنان وابنتان) ملحقين بالمثنى، بل هما مثنى حقيقة؛ لكنه رحمه الله يقيس الملحق بالمثنى على المثنى حقيقة.
[بالألف ارفع المثنى وكلا إذا بمضمر مضافاً وصلا]
بالألف: جار ومجرور متعلق بارفع، أي: ارفع بالألف ..
المثنى: مفعول ارفع.
وكلا: معطوف على المثنى.
يعني: وارفع كلا أيضاً بالألف، ولكن اشترط في كلا أن تكون مضافة للضمير.
قال: (إذا بمضمر مضافاً وصلا):
مضافاً: حال من نائب الفاعل في وصلا، يعني: إذا وصل مضافاً بمضمر فإنه يكون ملحقاً بالمثنى، فإن أضيف لغير مضمر فإنه لا يلحق بالمثنى، كقوله تعالى: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا [الكهف:33] ومثل: كلا الرجلين قائم، فهنا (كلا) ليس ملحقاً بالمثنى لأنه أضيف إلى اسم ظاهر، و(كلتا) أيضاً غير ملحق بالمثنى؛ لأنه أضيف إلى اسم ظاهر.
إذا قائل قائل: لماذا قلنا: إن (كلا وكلتا) ملحقان بالمثنى؟
نقول: لأنه لا ينطبق عليهما حد المثنى، لأن المثنى ما دل على اثنين أو اثنتين بزيادة أغنت عن متعاطفين متفقين لفظاً ومعنى، و(كلا) ليست دالة على اثنين باعتبار أنك لو فصلت بعضها عن بعض تكون دالة على المفرد، أي أنها وضعت هكذا، فليس لها مفرد من لفظها، وبهذا نعرف أن كل شيء ليس له مفرد من لفظه فإنه لا يكون مثنى بالمعنى الذي ذكرناه.
كلتا كذاك: أي مثل كلا، يكون ملحقاً بالمثنى إذا أضيف إلى الضمير، قال الله تعالى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23].
ثم قال: (اثنان واثنتان كابنين ابنتين يجريان):
اثنان: مبتدأ.
واثنتان: معطوف عليه.
كابنين: جار ومجرور، وهو خبر المبتدأ.
يجريان: حال، ويجوز أن نجعل (يجريان) هي الخبر و(كابنين وابنتين) متعلق بيجريان.
المعنى: أن اثنين واثنتين يلحقان بالمثنى ويعربان إعراب ابنين وابنتين، فتقول مثلاً: عندي رجلان اثنان، وتقول: عندي امرأتان اثنتان، فترفعهما بالألف.
وتقول: رأيت رجلين اثنين، ورأيت امرأتين اثنتين.
وتقول: مررت برجلين اثنين، ومررت بامرأتين اثنتين.
وتلحق بالمثنى لأنه ليس لها مفرد من لفظها، يعني: لا يقال: اثن واثن، ولا: اثنة واثنة، بل وضعت هكذا.
[وتخلف اليا في جميعها الألف جراً ونصباً بعد فتح قد ألف]
في جميعها: أي: المثنى والملحق بالمثنى. وقد تقدم شرح ذلك.
فصار المثنى يعرب كالتالي: إذا كان مرفوعاً فبالألف نيابة عن الضمة، وإذا كان منصوباً فبالياء نيابة عن الفتحة، وإذا كان مجروراً فبالياء نيابة عن الكسرة.
فإذا قال قائل: كيف عرفنا هذا؟
فنقول: من تتبع كلام العرب، وعلماء اللغة تعبوا تعباً عظيماً في طلب اللغة، حتى كان الواحد منهم يسافر إلى البادية في شعاف الجبال وفي مهافت الرمال يبحث عن أعرابي يسأله عن مسألة نحوية، وهذا من لطف الله؛ لأن هذا يحفظ اللغة العربية التي هي لغة القرآن والحديث.
فهذان بابان من الأبواب التي تنوب فيها الحروف عن الحركات.
قال الناظم رحمه الله تعالى:
[وارفع بواو وبيا اجرر وانصب
سالم جمع عامر ومذنب
وشبه ذين]
هذا باب جمع المذكر السالم، يقول المؤلف:
ارفع بواو نيابة عن الضمة، وبيا اجرر وانصب؛ نيابة عن الكسرة في الجر، وعن الفتحة في النصب.
قوله: (سالم جمع عامر ومذنب) يريد بذلك الجمع السالم مفرده؛ لأن الجموع تنقسم إلى قسمين:
جموع لا يسلم مفردها من التغيير عند الجمع، فهذه خارجة بقوله: (سالم جمع).
وجموع لا يتغير مفردها، فهذه داخلة في قوله: (سالم جمع).
ولنضرب لذلك أمثلة:
رجل: جمعه (رجال) فليس جمع مذكر سالماً؛ لأن المفرد تغير عند الجمع.
مسلم: جمعه (مسلمون) فسلم مفرده عند الجمع، فهو جمع مذكر سالم.
وقوله: (سالم جمع عامر ومذنب):
كلمة (عامر) علم، وكلمة (مذنب) صفة.
فأفادنا المؤلف رحمه الله بذلك أن جمع المذكر السالم يكون جمعاً للأعلام ويكون جمعاً للأوصاف، وهو كذلك، ولا يخرج عن هذين الأمرين، فغير العلم لا يجمع جمع مذكر سالماً، بل يكون ملحقاً به، فأرضون -مثلاً- ملحقة بجمع المذكر السالم وليست جمعاً مذكراً سالماً؛ لأنها ليست علماً.
ولكن ننظر أيضاً: كلمة (عامر) فنجد أنها علم لمذكر عاقل خال من تاء التأنيث ومن التركيب.
والمراد بالعاقل هنا ما من شأنه أن يعقل، فلو فرض أن عندنا عشرة مجانين، كل واحد اسمه عامر، فإنهم يجمعون جمع مذكر سالم؛ لأن المراد بالعاقل هنا ما من شأنه أن يعقل.
لو سمينا حصاناً باسم علم، وسمينا أيضاً بهذا العلم خيولاً أخرى، فلا نجمعها جمعاً مذكراً سالماً؛ لأنها ليست لعاقل، لأنه لا بد أن يكون لمذكر وأن يكون لعاقل.
وهناك شروط أيضاً: أن يكون سالماً من التاء، فإن كان متصلاً به التاء فإنه لا يجمع جمع مذكر سالماً، مثل: (حمزة)؛ لأن فيه التاء، وإذا كان فيه التاء فإنه يجمع إما جمع مؤنث سالماً أو يؤتى بكلمة (ذوو) مضافة إلى المفرد.
وقوله: (ومذنب): هو وصف لمذكر، عاقل.
وما أذكى المؤلف رحمه الله حين أتى بكلمة (مذنب) لأن الذنب لا يكون إلا من العقلاء، فالبهائم لا توصف بأنها مذنبة، فكأنه رحمه الله أشار إلى أنه لا بد أن يكون الوصف وصفاً لمذكر عاقل، وذلك بقوله: (مذنب)، لأن غير العاقل لا يوصف بالذنب أبداً، فهذا من ذكائه رحمه الله.
[وارفع بواو وبيا اجرر وانصب
سالم جمع عامر ومذنب]
هذا مستثنى مما يرفع بالضمة وينصب بالفتحة، ويجر بالكسرة، وهو باب جمع المذكر السالم.
فقولنا: جمع المذكر؛ احترازاً من جمع المؤنث.
وقولنا: السالم؛ أي: الذي سلم فيه بناء المفرد فلم يتغير، وخرج به الجمع الذي يتغير به المفرد، فهذا لا يرفع بالواو ولا ينصب بالياء ولا يجر بالياء، مثال ذلك: الأعراب، الرجال، الأقوام، هذه لا ترفع بالواو ولا تنصب وتجر بالياء، لأنها ليست جمع مذكر سالماً، والمؤلف يقول: (سالم جمع عامر ومذنب).
وكلمة (عامر) يشير بها إلى العلم، و(مذنب) يشير بها إلى الصفة، لأن مذنباً وصف، وعامراً علم، أي: اسم رجل، ولا يريد المؤلف بكلمة (عامر) اسم الفاعل الذي عمر البيت مثلاً، إنما يريد أنها علم لرجل، مثل: عقبة بن عامر ، أبوه اسمه عامر ، وليس معناه أن أباه عَمَر بيوتاً، فأشار بهذين المثالين إلى العلم وإلى الصفة.
فنستفيد إذاً أن جمع المذكر السالم لا يكون إلا علماً أو صفة، فإن كان غير علم ولا صفة فإنه يكون ملحقاً بجمع المذكر السالم في إعطائه حكمه إعراباً، وإن لم يكن منه حقيقة.
وجمع المذكر السالم هو الذي سلم فيه بناء مفرده، مثل (رجال) جمع مذكر، ولكن ليس بسالم، لأن رجالاً جمع رجل، فانظر كيف تغير رجل، كان (رَجُل) مفتوح الراء مضموم الجيم، فلما جُمع صار مكسور الراء مفتوح الجيم، وزيد فيه ألف: (رِجَال).
أما جمع المذكر السالم فلا يتغير المفرد فيه، فمثلاً (عامر) تقول فيه: عامرون، و(مذنب) جمعه: مذنبون، فالآن لم يتغير المفرد إطلاقاً، غاية ما فيه أنه لحقته العلامة وهي الواو والنون فقط.
ولهذا نقول: سنة جمعها سنون، وليس جمع مذكر سالماً؛ لأنه تغير المفرد، لكنها ملحقة بجمع المذكر السالم.
أرض نقول في جمعها: أرضون، ولا تكون جمعاً مذكراً سالماً، لأن المفرد تغير، إذاً هي ملحقة بجمع المذكر السالم، أي: تعرب إعرابه وإن لم تكن منه.
نرجع مرة ثانية إلى بحثنا في (عامر ومذنب) وجدنا أن عامراً علم ومذنباً صفة، إذاً لا يمكن أن يكون جمع المذكر السالم إلا علماً أو صفة.
عامر: علم لمذكر وليس علماً لأنثى، وهو عاقل، وليس كلاحق اسم فرس، وما أشبه ذلك.
وهو خال من التاء، فما قيل: عامرة.
وخال من التركيب.
والتركيب إما تركيب مزجي أو تركيب إضافي أو تركيب إسنادي، المهم أنه خال من التركيب.
فهو علم لمذكر عاقل خال من التاء ومن التركيب، فالشروط خمسة.
فإن لم يكن علماً، كثوب مثلاً، فلا يمكن أن يكون جمع مذكر سالماً، لأنه ليس علماً، لكن لو سميت ابني (ثوب)، لجمع جمع مذكر سالماً؛ لأنه علم لمذكر، أما ثوب بمعنى ما يلبس فهذا لا يجمع جمع مذكر سالماً.
وقولنا: (علماً لمذكر)، فإن كان علماً لأنثى، فإنه لا يجمع جمع مذكر سالماً، مثل: سعاد، لا نقول في جمعها: سعادون، لأنها علم على أنثى.
وقولنا: (عاقل) إذا كان علماً لمذكر غير عاقل، مثل: لاحق اسم فرس، وواشق اسم جمل، فإنه لا يجمع جمع مذكراً سالماً؛ لأنه علم لغير العاقل.
وقولنا: (خال من التاء): خرج به مثل (طلحة) فهو علم لمذكر عاقل، لكن فيه تاء التأنيث، فلا نقول في الجمع: طلحون؛ ولكن الصحيح في هذا أنه يجمع جمعاً مذكراً سالماً؛ لأن التاء فيه بنية الانفصال، فهي زائدة، وعلى هذا لو كان عندنا ثلاثة رجال اسم كل واحد طلحة، نقول: جاء طلحون، ولا بأس بذلك، لأن التاء في نية الانفصال لكونها زائدة.
قتادة: لا تجمع جمعاً مذكراً سالماً على حسب الشروط التي ذكرنا، لكن على الراجح أنها تجمع، فنقول: قتادون، إذا كان عندنا ثلاثة رجال يسمون بهذا الاسم.
وقولنا: (خال من التركيب) خرج به ما كان مركباً تركيباً مزجياً، والتركيب المزجي: ضم كلمتين بعضهما إلى بعض لا على سبيل الإضافة، مثل: بعلبك، لو سميت ولدك: بعلبك، وكان زميلك سمى ولده بعلبك، وزميلك الثاني سمى ولده بعلبك، وجاء البعالبك، فلا تقول: جاء بعلبكون! لأنه مركب تركيباً مزجياً، لكن تأتي بـ(ذوو) بمعنى: أصحاب، فتقول: جاء ذوو بعلبك، أي: أصحاب هذا الاسم، والمسألة سهلة، بدل ما تقول: جاء بعلبكون، تقول: جاء ذوو بعلبك.
ولكن ذهب بعض علماء النحو إلى جواز جمع المركب تركيباً مزجياً جمعاً مذكراً سالماً، وعلى هذا فتقول للثلاثة: جاء بعلبكون، وهذا بناء على القاعدة السائرة السائدة الشامخة: أنه إذا اختلف النحويون في مسألة على قولين أخذنا بالأسهل، فنقول على القول الراجح: جاء بعلبكون، ولا مانع.
بقينا بالتركيب الإضافي، كيف نجمعه؟ إذا سميت ابني عبد الله، والثاني سمى ابنه عبد الله، والثالث سمى ابنه عبد الله، فجاء العبادلة الثلاثة، ماذا نقول؟
إن قلت: عبد اللّهون، وقعت في مشكلة، حيث جمعت المضاف إليه، وهو سبحانه وتعالى واحد، فهذا مانع شرعي. وإن قلت: عبدو الله بالواو على أنهم جمع، فكأنك أضفت جميع هؤلاء إلى واحد، فلا يعلم المخاطب أنهم جماعة، قد يظن أنه لفظ مجموع على صيغة الجمع وهو لواحد!
ولكن الصحيح أنه يصح، وأنه يجمع الجزء الأول منه ويضاف إلى الجزء الثاني، فتقول: جاء عبدو ربهم، أو عبدو الله، كما تقول: عبدا الله، في المثنى ومنه قول الملغز في التثنية:
لقد طاف عبدا الله بالبيتَ سبعة
وحج من الناسُ الكرام الأفاضل
وهذا بيت غريب حيث رفع (الناس) بعد حرف الجر (من) ونصب (البيت) بعد حرف الجر الباء، لكن أصل البيت: لقد طاف عبد الله بي البيتَ سبعة
وحج منى الناسُ الكرام الأفاضل
فالبيت مفعول طاف، والباء جارة لضمير متصل بها محذوف، أي: بي أنا، و(من الناس) أصلها (حج منى الناس) فالناس فاعل حج والمفعول (منى) تدغم ألفها عند النطق لسكونها والتقائها بساكن صحيح بعدها.
والحاصل: إنه يجوز أن يجمع صدر المركب تركيباً إضافياً ويضاف إلى عجزه.
التركيب الثالث: التركيب الإسنادي، وهو تركيب جملة، وهو المشكل، فإن جمعه صعب، هناك رجل يسمى شاب قرناها ، مثلما تسمي خالداً وعمراً، فإذا سميت ولدي شاب قرناها، وسميت أنت ولدك شاب قرناها، وسمى الثالث ولده شاب قرناها، وحضر الثلاثة، فلا بد أن نأتي بذوو، فنقول: جاء ذوو شاب قرناها، أي: أصحاب هذا الاسم، لأنك لا تستطيع أن تجمع جملة فعلية.
وكذلك قد يكون التركيب الإسنادي جملة اسمية، مثل: الشنفرى ، الشن: مبتدأ، وفرى: الجملة خبر، فإذا سميت ولدي بالشنفرى، وسميت ولدك كذلك والثالث سمى ولده بذلك، فلا يمكن أن نجمع إلا إذا وصلنا بكلمة: ذوو، فنقول: ذوو الشنفري.
فتبين بهذا أن القول الراجح أن المركب تركيباً مزجياً أو إضافياً يمكن أن يجمع جمع مذكر سالماً، وأما المركب تركيباً إسنادياً فلا.
تم الكلام على جمع المذكر السالم إذا كان جمع علم، وبقي الكلام في الصفة.
تقدم الكلام على عامر، وأنه إذا تأملته وجدت أنه علم لمذكر عاقل خال من التاء ومن التركيب.
وقد تكلمنا على هذا، منطوقاً ومفهوماً.
أما قوله: (مذنب) فهو اسم فاعل من أذنب، وهو وصف وليس اسماً، فلا يوجد من يسمي ابنه مذنباً، وإنما هو وصف، يعني: فاعلاً للذنب.
هذا الوصف إذا تأملناه وجدنا أنه وصف لمذكر عاقل، لأن الذي يوصف بالذنوب هم العقلاء، أما المجانين فليس لهم ذنوب.
وأيضاً (مذنب) خال من تاء التأنيث، أما التركيب فغير وارد، لأنه لا تركيب في الصفات، لكن يقولون هنا: ليس من باب أفعل فعلاء، ولا فَعْلان فَعلى، ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، وأنا أرى أن نحذف هذا، وأن نقول: وصف لمذكر عاقل خال من تاء التأنيث، فقط.
وأما قولهم: وليس من باب أفعل فعلاء، ولا من باب فعلان فعلى، ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، فكل هذا موضع خلاف، ونحن ابتدائيون، لا حاجة لنا في أن ندخل أنفسنا في غمار خلاف مرجوح.
مثال ذلك: (مذنب) تقول فيه: مذنبون، قائم: قائمون، راكع: راكعون، ساجد: ساجدون.. وهلم جرا.
أما (حامل) فإذا كان يَقصد به امرأة حاملاً، فهذا لا يجمع جمع مذكر سالماً، لأنه ليس وصفاً لمذكر، وإذا قصد رجلاً حاملاً فهذا يجمع.
ولهذا لو قال لك قائل: هل تجمع (حاملاً) جمع مذكر سالماً؟ فالجواب: بالتفصيل: إن أردت به المرأة الحامل فلا لأنه وصف لمؤنث، وإن أردت اسم الفاعل ممن يحمل العفش مثلاً فهو وصف لمذكر فيجوز أن يجمع جمع مذكر سالماً.
قولنا: (خال من التاء)، فإن كان مقروناً بالتاء لم يجمع جمع مذكر سالماً ولو كان وصفاً لمذكر عاقل، مثل: علاَّمة، لو جاءك ثلاثة علماء كل واحد يستحق أن يقال له علامة، فلا تقول: جاءني علامون.
ولكن هذا فيه خلاف أيضاً، يقول بعض النحويين: إذا علمنا المراد فهو جائز، حتى وإن كان مقروناً بالتاء.
وكذلك نابغة، فلا تقل: نابغون؛ لأنه مختوم بالتاء.
ولكن نقول: إن اشتراط ألا يكون مختوماً بالتاء ليس عليه دليل، لا من القرآن ولا من السنة ولا من الإجماع. فإذا لم يكن كذلك فإنه لا يعتبر، فالصحيح أنه يجوز. المهم أن نفهم المعنى.
والذين قالوا: لا يجوز، قالوا: إنك إذا قلت علامون في جمع علاَّمة، فإنك لم تفصح بالتاء التي فيها زيادة المبالغة، لأن علاَّمة أشد مبالغة من علام.
قالوا: فإذا قلت علاَّمون، ظن السامع أنه جمع علاَّم، وهو أقل رتبة من علامة.
وتبين مما سبق أنه إذا لم يكن الاسم علماً ولا وصفاً، فإنه لا يجمع جمع مذكر سالماً ولو كان لعاقل، كرجل فإنك لا تجمعه على (رجلون).
وإنسان، لا يجمع على (إنسانون) لأنه ليس علماً ولا وصفاً.
وبشر: لا يجمع على (بشرون).
فإن سميت ابنك رجلاً، وزميلك سمى ابنه رجلاً، والزميل الثاني سماه رجلاً، فجاء هؤلاء الأبناء، فإنك تقول: جاءني رجلون؛ لأن رجلاً هنا صار علماً.
وإذا سميت ابنك بَشَراً، وزميلك كذلك والزميل الثاني كذلك، فتقول: بَشَرون؛ لأنه صار علماً، أما إذا كان اسم جنس فإنك لا تجمعه جمع مذكر سالماً.
قوله: (وشبه ذين) يعني ما شابههما في كونه علماً أو صفة على الشروط التي ذكرنا.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر