إسلام ويب

البدايةللشيخ : سعد البريك

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن تجديد أساليب الدعوة من الحتميات التي يقتضيها الواقع وتطور العقل البشري وانتشار الفساد في هذا الزمان، ومن أجل ذلك جاءت هذه المادة فاتحة آفاقاً جديدة للدعوة إلى الله، مبينة أهمية تطوير وسائل الدعوة، وإيجاد البرامج العملية للإصلاح، موضحة سنن الإصلاح والتغيير، وأهمية توحيد الجهود من أجل الدعوة والإصلاح، والاستعداد النفسي والبدايات الحسية؛ من تخطيط، وطرد للشك والخوف، وتوحيد الجهود، والاستفادة من الطاقات المعطلة، وفتح بيئة جديدة أمام المدعوين. ثم ذكرت نتائج هذه البدايات مبينة أهمية التخصص في الإصلاح. وقد ختمت هذه المادة بذكر سلاح البداية، وحقيقة الانتصار.

    1.   

    أهمية تطوير وسائل الدعوة

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

    أيها الإخوة! أيها الفتية: يقول الله تعالى: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ [الكهف:13-14].

    معاشر الأحبة! الذين ربط الله على قلوبكم بالإيمان! ومن نسأل الله أن يجعلهم من أهل الصراط القويم عاجلاً غير آجل بمنه وكرمه.

    أيها الإخوة في الله: أعتذر بادئ ذي بدء عن تأخري عن المجيء في الوقت المحدد، وما كان ذاك بملكي، ولكني حملت وزر أحد موظفي الخطوط سامحه الله، أعطاني كرت الصعود على بوابة والرحلة على بوابة أخرى، فكانت أعجوبة والحمد لله على كل حال، ولقد أفرغت جام غضبي في أبيات شعر كتبتها عنه:

    هل ذا سيمنعني الهدى وجباله     أو ذاك يحجبك الشفا ورجاله

    إن المحب إذا تعلق قلبه     جعل المخاطر في النوى سرباله

    كم كنت أنتظر المساء لقربكم     فيه وإني مبتلٍ أقواله

    شاورت فيه النفس قالت لن تطق     صبراً فعجل والهدى أهدى له

    لما أتيت البوابة قالوا: أنت تأخرت

    قالوا تأخرت الغداة ولـم تكن     عند النداء موافقاً ما قاله

    فبثثتهم عذري بأني ساجـدٌ     قبل الرحيل وحجتي أولى له

    أقلعت الطائرة وأغلقت البوابة، ولا تنفع إلا الواسطة في مثل هذه الحالات:

    فهرعت أسرع للوسيط لعلـه     أدرى بسرٍ مسعف من ناله

    فتسابق الخطو الوئيد مهـرولاً     وكررت أسرع تابعاً منواله

    حتى ركبت الفلك يوشك راحلاً     في أرض جدة مدركاً آماله

    ولقيت أحبابي على درب الهدى     و محمداً فوزي ترى أسمى له

    الأخ/ محمد فوزي جزاه الله خيراً استقبلنا، وطار عقلي قبل أن يطير بي من قيادته وسرعة سياقته

    وركبت في سيارة وطريقـها     قد زاد فوزي سرعة أهواله

    حتى بلغت الطائف المحبوب في     أرض الجزيرة حبذا إطلاله

    أيها الأحبة: أسأل الله جل وعلا أن يجعل اجتماعكم في موازين أعمالكم، وأن يجعل اجتماعنا هذا مرحوماً، وتفرقنا من بعده معصوماً، وألا يجعل فينا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً، وقبل الخوض في الموضوع ألا وهو (البداية) أود أن نتساءل قليلا:

    أيها الإخوة: هل نشعر بالمتغيرات التي استجدت في المجتمعات العالمية؟ هل نعشر بالمتغيرات التي تطرأ؟ ليست بالسنة ولا بالشهر ولا بالأسبوع، بل باليوم والساعة، المتغيرات التي استجدت على المجتمعات، وتستجد أيضاً على مجتمعنا هذا، التغير صفة حاصلة، والتقلب أمر نراه في أحوال هذا الزمان وأهله، والتغير نوعان: تغير داخلي في النفس؛ وهذا التغير وإن لم يتغير الإنسان في سلوكه وتصرفاته، لكن تجد عنده تهيؤاً لأن تتغير أحواله، تجد عنده تهيؤاً لأن يغير من طريقته، ومن النمط الذي سار عليه في أيامه وأشهره.

    والتغير الثاني: هو تغير خارجي في مجالات الحياة المختلفة، فهو الذي نراه في صور تمدن أسباب الحضارة وتطورها، هذا التغير كما هو موجود في المجتمعات، وكما هو موجود في النفوس، وترى النفوس متهيئة له، نجده في كل قطاع، أو في كل دائرة، أو في كل جهاز عام أو خاص.

    أقول -أيها الإخوة!-: إن هذه المتغيرات وهذه التطورات موجودة، وأنتم ترون .. ما من دائرة، وما من جهاز، وما من مؤسسة، وما من قطاع عام أو خاص إلا وترى فيه تطوراً، وترى في القائمين عليه رغبة في تطويره، وترى في المسئولين عنه رغبة في تحديث أساليبه، وتطوير أساليب الخدمات التي تقدم للناس.

    خذوا أمثلة لذلك: الهاتف مثلاً، هل خدمات الهاتف اليوم كالهاتف أول ما جاءنا في المملكة ؟ لا، إذاً هناك تطور بالشهر والسنة، خذوا مثالاً: الصحة، تتطور خدماتها بتطور الأيام والسنين والأعوام، والسؤال: هل يوجد لدى الإخوة، ولدى الأجهزة التي تعنى بالدعوة إلى الله، وبالحسبة، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا الحس؟ هل يوجد لدى الدعاة والمحتسبين والمسئولين عن هذه الأجهزة هذا الحس، وهو الرغبة في تطوير الأساليب، وتحديث الوسائل، ونشر مجالات أوسع، وآفاق أرحب لكي تنتشر الدعوة في كل مكان؟

    ومن المسئول عن هذا التطوير والتحديث؟

    من المسئول عن فتح مجالات جديدة للدعوة؟

    من المسئول عن ابتكار وسائل واختيار أساليب جديدة للدعوة إلى الله؟

    هل المسئول عن هذا هم المسئولون عن هذه الأجهزة أم أن المسئول كل من يعنى بأمر الدعوة، وأنتم منهم؟ وكل من يعنى بشأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنتم منهم؟ أم أن أولئك أيضاً معنيون بتطوير وتحديث أساليب الدعوة إلى الله جل وعلا؟

    أيها الأحبة: إن الجهاز القائم على الدعوة إلى الله، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لو ضربنا مثلاً أنه جهاز لا يتطور ولا يتنامى، ولا يدخل التحديث في أساليبه، فإن هذا لا يعفينا أن نبقى جامدين، بل هذا يضاعف المسئولية علينا، لكي نطور من أساليبنا في الدعوة إلى الله، ولكي نفتح مجالات أوسع، وآفاقاً أرحب لنشر دين الله جل وعلا، وما لنا ألا نفعل ذلك والله سبحانه وتعالى قد أثنى على الدعاة، فقال جل من قائل: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].. ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].. قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108].

    أيها الأحبة: الآية الواحدة، بل الكلمة الواحدة في هذه الآيات تجعل الواحد يطير فرحاً، ويحلق شوقاً لكي يدنو من الله جل وعلا، يطير فرحاً لكي يكون جليساً وجاراً للنبي صلى الله عليه وسلم، إذ أن من سلك سبيل الدعوة، وسلك سبيل العلم، فإنه يكون من ورثة الأنبياء: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر).

    ما لنا لا نطور أساليب الدعوة؟ ما لنا لا نجدد الوسائل، ونفتح الآفاق للدعوة إلى الله جل وعلا؟

    لماذا لا نفعل ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من دعا إلى هدى، فله أجره وأجور من عمل به إلى يوم القيامة) ويقول صلى الله عليه وسلم: (فلأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)؟.

    أيها الأحبة: هل نشعر بحاجتنا إلى إصلاح أوضاع مجتمعاتنا؟ هل نشعر بأننا نحتاج إلى أن نصلح أوضاعنا؟ المجال الإعلامي، هل هو على الطريقة التي ترضي الله جل وعلا؟ أو هل هو على الطريقة التي تخرج الأطباء والمهندسين، والدعاة والعلماء والمخلصين لهذا البلد، ولأمة الإسلام أجمعين؟

    إن الجانب الإعلامي لم يستثمر في الدعوة إلى الله حق الاستثمار، قد يقول قائل: لعلنا لا نسلم من شره فضلاً من أن نستثمره، وأقول: لا، هذه نظرة منهزم، لا تقل هذا الكلام.

    لئن كانت الصحف ووسائل الإعلام مناخاً لمن سبق وحِمَىً مباحاً، فليبادر الدعاة إلى الله جل وعلا، وليسابقوا إلى هذا المجال، وليصلحوا مجتمعاتهم من خلال هذا المجال، حتى وإن وجد التنافس، وإن وجدت المزاحمة، المهم أن يسمع الناس كلمة الحق، وأن يعرفوا أن للحق أسلوبه، وأن للصدق عبارته، وأن للهداية أبوابها، إذا قدم هذا للملايين الذين يتربعون الآن أمام الشاشات، ولم يحضروا مثل هذه المحاضرات، أو محاضرات العلماء الأجلاء الذين هم أفضل منا، فهذه من المجالات المتروكة.

    فهل نشعر -أيها الإخوة!- بحاجتنا إلى أن نصلح هذا المجال؟ هل نشعر بحاجتنا إلى إصلاح الأبواب المفتوحة في الأندية، والجمعيات الخيرية، وفي كثير من المجالات القائمة؟ إن الدخول في الشيء مع الحصانة الكافية، والوقاية اللازمة أمر ضروري جداً، إن إصلاح الشيء لا يتم عن بعد، فلا بد أن تدخل في صميمه، ولا بد أن تعرف أحواله، ولا بد أن تسبر عالمه، ولا تستطيع أن تصلح سيارة خربت بمجرد الدوران عليها، لا تستطيع أن تصلحها إلا إذا فتحت مقدمتها، وأخذت تغير وتعدل وتصلح قطعة بدلاً من قطعة، وشيئاً انحرف عن مساره فترده، وجهاد حتى تصل إلى درجة الإصلاح الكامل، أو ثلاثة أرباع الإصلاح، أو نصف الإصلاح، المهم يكفيك نصراً أنك قائم بالدعوة إلى الله جل وعلا.

    1.   

    أهمية إيجاد البرامج العملية للإصلاح

    هل نشعر -أيها الإخوة!- بضرورة إصلاح مجتمعنا؟ هل نشعر بأن من واجبنا أن نطرح البرامج العملية للإصلاح؟ هل نشعر أن من واجبنا أن نحدد الأهداف والغايات من وراء الدعوة إلى الله والإصلاح؟ هل نشعر أن من واجبنا اختيار الوسائل التي نوزعها عل كل فرد بحسب طاقته وقدرته؟ أم لا نزال نردد العموميات: الإسلام هو الحل؟

    أيها الإخوة: كثير من الأحباب والغيورين والطيبين، حينما تتحدث مع أحدهم عن واقع الصحافة، يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، لا حول ولا قوة إلا بالله: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41] تحدثه عن الإعلام فتسمع مثل هذه الحوقلة، حدثه عن كثير من المجالات لا تسمع إلا حوقلة وأنيناً وآهات يرددها، فتقول له: يا أخي الكريم! ما الحل؟ أين البداية؟ كيف تحل هذه المصائب والمشكلات؟ يقول لك: الحل هو الإسلام والقرآن، يا أخي! نحن في مجتمع مسلم، حينما تقول الحل هو الإسلام فإنك لا تأتي بجديد.

    أقول لك: الاقتصاد يحتاج إلى إصلاح، المصارف الربوية كيف تصلحها وتغير أحوالها من الربا إلى المعاملات الشرعية؟ يقول لك: الحل هو الإسلام، كيف تصلح الإعلام؟ الحل هو الإسلام، سبحان الله العلي العظيم! هل تصلح البنوك إذا وضعت المصحف في طاولة البنك، أو وضعت ورقة فيها آيات في صندوق النقد الإلكتروني؟ هذا كلام عام: الإسلام هو الحل، أعطني برنامجاً عملياً وقدمه لي حتى تصلح به هذا الجانب.

    حينما أخبرك عن الاختلاط في المستشفيات، عن مباشرة الأطباء الذكور توليد العفيفات المسلمات المحجبات، ورؤية عوراتهن والإطلاع عليها، كيف تحل هذه المشكلة؟ الإسلام هو الحل، هل تضع مصحفاً في غرفة العمليات لتنتهي المشاكل؟ هل تضع مصحفاً في دائرة من الدوائر لتنتهي المشاكل والمخالفات الشرعية؟ لا. هذا كلام عام، نحن نريد أن نضع الأنامل على مواقع الجراح، لا يكفي أن نقول: نحن مرضى، ليس هناك مسئول أو داعية أو كبير أو صغير، يقول: مجتمعنا هو أكمل المجتمعات، كلنا نعترف بأن في مجتمعنا أخطاء وهي عادة البشر، وحينما يوجد البشر فهم مظنة الخطأ، وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.

    لكن -أيها الإخوة!- هل هذا يكفي بأن نتكلم عن العموميات؟ لا. بل لا بد أن نعرف الطريق والسبيل للبداية التي نصلح بها المجتمعات.

    1.   

    من سنن الإصلاح والتغيير

    اعلموا أيها الأخوة! أن هناك سنناً في الإصلاح والتغيير، أهمهما: الصبر وعامل الزمن:

    الصبر والمصابرة

    أما الصبر فهو سنة من عمل بها وجد النتيجة، الصبر حينما يعمل به اليهود يجدون النتيجة، الصبر حينما يتحلى به النصارى يجدون النتيجة، الصبر حينما يتحلى به البوذيون يجدون النتيجة، الصبر حينما يتحلى به القاديانيون والنصيريون والبريليون والبابويون، وكل أصحاب الطوائف الضالة، من صبر على بدعته، ومن صبر على باطله ومنكره، سيجد نتيجة، كذلك الحق من باب أولى، بل إن الله جل وعلا جعل من أسباب نوال الهداية الصبر، قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24].

    قبل أن أقول لك ما هي البداية، أريد أن تضع في قلبك أن مجتمعك فيه خير كثير، لا تنظر بعين واحدة إلى المجتمع، فلا تبصر فيه إلا السلبيات وتغض النظر عن الإيجابيات.

    وقبل أن أقول لك ما هي البداية، كن كما هو قول الله جل وعلا: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً [الأنبياء:47].

    إن الله يأتي بحسنات العباد يوم القيامة وسيئاتهم، فأنت لا تنظر بعين واحدة، فتقول: في هذا الجانب فساد، وفي هذا الجانب اختلاط، وفي هذا الجانب رباً وتحلل، وتمتلئ عينك ويمتلئ دماغك وعقلك بأن ليس في مجتمعك إلا الشر والمنكر والباطل، والمصائب والآثام، فهذا أكبر باب لحصول الإحباط في نفسك، وهذا أكبر معول تحطم به رأسك قبل أن تخطو إلى الأمام خطوة واحدة.

    أقول لك: يا أخي! لا بد أن تضع في حسبانك أن الصبر وسيلة، وأن تضع في حسبانك أنك في مجتمع فيه الخير والشر، وأن واقعك يختلف عن واقع كثير من البلدان، ومن هنا أعاتب إخواني وأحبابي الشباب، الذين بعضهم يقيس مثلاً أوضاع المجتمع هنا بأوضاع مصر، أو أوضاع سوريا أو تونس، يا أخي الكريم! إياك والتخليط، تاريخك يختلف عن تاريخه، ونشأتك تختلف عن نشأته، ومجتمعك يختلف عن مجتمعه، والأمة من حولك تختلف على الأمة من حوله، وأوضاعك تختلف عن أوضاعه، بل هناك فوارق كبيرة جداً جداً، حتى الفساق الذين في مجتمعنا قد يعتبرون في بعض المجتمعات الأخرى في خطوة لا بأس بها في طريق الهداية في نظر أولئك، وليس هذا مبرراً لبعض المخطئين، أو لبعض الواقعين في المعاصي أن يقولوا: الحمد لله، مثلما قال رجل في قديم الزمان، رجل من أهل نجد سافر البحرين ، فوجد الناس في معاصٍ وفساد -قديماً وحديثاً، وجد الناس في معاصٍ وفساد- فلما رجع قال: إن شاء الله ستدخلون الجنة؛ لأن أولئك سيملئون النار؛ لأنه قاس مجتمعه بفساد أولئك فرأى أبناء مجتمعه متقدمين جداً في الإسلام، هذا الكلام لا يقال.

    نحن لا نقول: اجعل نفسك مقياساً لغيرك، وبالمناسبة هذه حجة كثير من الشباب أو بعض الرجال حينما تدعوه إلى الله، يا أخي الكريم: تب إلى الله، أقلع عن الملاهي، أقلع عن ترك الصلاة مع الجماعة، أقلع عن العقوق، عن المحرمات، عن هذا العبث، عن المعاكسة، عن التساهل بالحجاب، يقول: يا أخي الكريم! احمد ربك فهناك ناس غيرنا لا يصلون بتاتاً، هناك ناس غيرنا يشربون الخمر ويزنون، ومتى كان يحتج بالخطأ على الخطأ؟ ومتى قبلت العقول أن يحتج إنسان بالمنكر على المنكر، هذا ليس بصحيح أبداً.

    فأقول: أيها الأحبة! لا بد أن ننظر إلى مجتمعنا نظرة متزنة ومتعادلة، نظرة نجمع فيها الإيجابيات والسلبيات، خذ مثالاً بسيطاً: أنت في الحي يوجد عندكم مجموعة لا يصلون، اجعل من إيجابيات مجتمعك جماعة المسجد الذين يصلون، يوجد في الحي محل فيديو، في مقابله يوجد محل تسجيلات إسلامية، عندك في المجتمع مثلاً مكان فيه منكرات، في المقابل يوجد مدرسة تحفيظ قرآن.

    إذاً: حينما تريد أن تعمل في المجتمع، حينما تريد أن تصلح مجتمعك، وتدعو إلى الله، اجعل الإيجابيات والسلبيات بين عينيك، وكيف تستثمر الإيجابيات في محاولة القضاء والتقليل على هذه السلبيات، والقضاء على هذه السلبيات والتقليل منها لا ينال في يوم وليلة.

    يا أخي الكريم: لابد من الصبر، وهي سنة من سنن الله جل وعلا، الصبر فيه مجاهدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا [آل عمران:200] هناك مفاعلة ومجاهدة واستمرار.

    وتارة تجد أن الذين في الصف الثاني أو في الطرف المقابل من الذين لم يذوقوا حلاوة الإيمان، لا يزالون يجادلونك بالباطل ليدحضوا به الحق، إما انخداعاً أو شبهات دخلت، أو شهوات تمكنت في نفوسهم.

    أقول: يا أخي الكريم! تحل بالصبر وبالمصابرة، ولن تذوق هداية الاستقامة، والهداية في مجتمعك إلا بالمجاهدة: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].

    عامل الزمن

    عامل الزمن أيضاً أمر ضروري، كما قلنا الصبر سنة من عمل بها وجد النتيجة، فالصبر قرين لعامل الزمن، ففي هذه السنة مثلاً تجد نصف الحي يصلي في البيت، والنصف الآخر يصلي في المسجد، لا تظن أنه بمحاضرة أو بمحاضرتين، أو بإعطاء كل بيت شريطاً، أو بإهداء كل أسرة كتاباً، أن أولئك من ثاني يوم سوف يأتون يبكون في المساجد ويملئونها، لا.

    عامل الزمن أمر ضروري جداً، بل هو من سنن التغيير، بل من سنن خلق السماوات والأرض، الله جل وعلا قادر على أن يخلق السماوات والأرض في أقل من طرفة عين وانتباهتها، ولكن الله جل وعلا يقول: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [ق:38] فاصبر حتى تجد النتيجة، واجعل أمامك عامل الزمن، كيف استطاع أعداء الإسلام والذين يخالفون معتقد هذا المجتمع، والذين يتمنون ويتربصون بأهله الدوائر، أن يغيروا هذا المجتمع، وأن ينشروا فيه الضلالات والفساد؟

    يا أخي! هذا لم يأت بين يوم وليلة، إنما أتى بجهود طويلة جداً جداً، ليست سنة ولا عشر سنوات ولا خمس عشرة سنة؛ بل أكثر من ذلك.

    إذاً: أيها الأحبة! لابد أن نضع بحسباننا عامل الصبر والزمن حتى نصلح الناس، بعض الشباب تجده حينما يدعو إنساناً يظن أنه سوف يصيح ويبكي، وسوف يحطم أشرطته الآن، وسوف يتلف الصور التي لديه، وسوف يحرق مجلاته، وسوف يأتيك بجميع ما لديه من أول كلمة!! لا. ولا أقول هذا الكلام لنظن أن التوبة يمكن أن تتحقق مع وجود المعاصي وأسبابها، لا. إنما أقول: حتى تصل إلى هداية هذا الشاب، والبلوغ به إلى درجة التوبة، لا بد أن تعاود عليه، وأن تحاول معه، وأن تردد المشوار مرات ومرات، حتى لا تدع في قلبه شاردة ولا واردة، ولا شاذة ولا فاذة إلا وقد استأصلتها من فؤاده، فلا يتعلق بها.

    1.   

    أهمية توحيد الجهود من أجل الدعوة والإصلاح

    أيها الإخوة: الملاحظ أن جهودنا في الدعوة إلى الله مبعثرة، وليست على المستوى المطلوب، وإن كانت تتجه نحو الأحسن يوماً بعد يوم، وأسبوعاً بعد أسبوع، وليس لفقير صغير مثلي أن يُقَيِّم الدعوة وجهود الدعاة، ولكن هذا أمرٌ ملحوظ، فلو سألنا أنفسنا: هل واقع الدعوة من حيث الشمول والاتصال بجميع أفراد المجتمع متحقق؟

    هل الدعوة الآن خاطبت شريحة الأطفال؟

    وهل خاطبت الشباب بجميع مستوياتهم؛ المثقفين، والمنحرفين، والبين بين؟

    هل خاطبت الدعوة الشيوخ وكبار السن؟

    هل خاطبت العجائز؟

    هل خاطبت المراهقات من البنات؟

    هل خاطبت المتزوجات؟

    هل خاطبت جميع أفراد المجتمع؟ كذلك: هل مواضيعنا في الدعوة شاملة لكل شيء، أم أننا نريد أو يراد لنا ألا نتكلم إلا في مواضيع محددة؟

    فمثلاً: ليس من العقل أن نشغل الناس منذ عشر سنوات إلى يومنا هذا بالصلاة مع الجماعة، وبتحريم الأغاني، وبتحريم حلق اللحى، وبتحريم كذا وكذا، ليس عندنا إلا هذا، بل من واجبنا كما نحدث الناس عن تحريم هذه المعاصي، أن نحدثهم عن النظام الاقتصادي في الإسلام، وكما نحدث الناس عن خطر الملاهي والمعازف وحرمتها والاتجار بها، علينا أن نحدث الناس كيف لو تولى الإسلام أجهزة الإعلام، ماذا سيقدم للمجتمع؟ إذا كان الإسلام والدعوة إلى الإسلام، وأساليب الدعوة إلى هذا لدين رغم محدوديتها وبساطتها، وبدائية أساليبها أثرت في الناس إلى هذه الدرجة، فما بالك لو تسخرت وسائل الإعلام جميعاً، أو خصصت الساعات الطوال لأجل هذا، هل عندنا الشمول في طرح المواضيع؟ كما نطرح هذه الجزئيات نطرح الكليات، وكما نطرح صغار المسائل نطرح كبارها.

    خذ أخي الكريم! صورة من صور بعثرة الجهود، الخطباء في أنحاء المملكة كم عددهم؟

    يوجد في المملكة إن لم تَخُنِّي الذاكرة قرابة ستة عشر ألف جامع، معدل أو متوسط المصلين في كل جامع كذا، النتيجة أن هناك ثلاثة أو أربعة ملايين رجلاً وشاباً وامرأة، كلهم يطرقون لمدة ساعة كاملة على اختلاف التوقيت في أنحاء المملكة لكي يسمعوا خطبة الجمعة، ولكن انظر مع سخونة الأحداث تجد التباين في طرح المواضيع، فمنا مثلاً من يتكلم عن مؤتمر مدريد، وآخر عن مسح الخفين، وآخر في حرب الخليج، وآخر يتكلم على الخوف من صواريخ اسكود، وآخر يتكلم عن أهمية النظافة، وآخر يتكلم عن أسبوع الصحة والتطعيم، وهلم جرا.

    يا أخي الكريم! هذا من إهدار وتضييع وسائل الدعوة، وعدم استغلالها، عدم وجود استراتيجية وخطة طويلة المدى تشرف عليها الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، لكي تربي هؤلاء الناس، لكي تتابع ما يجد في المجتمع وما يظهر فيه من مصائب.

    حتى الأجهزة الأمنية يمكن أن يستفيد منها خطباء الجمع، كنت ذات مرة أسأل رجلاً من كبار مسئولي الأمن، فقلت له: لماذا لا تزودون خطباء الجوامع على الأقل في الشهر مرة واحدة بأخطر جريمة حصلت في المجتمع، ولك علينا العهد والميثاق ألا نقول اسم المجرم، ولا مكان الجريمة، ولا مدينة الجريمة، إنما سنذكر هذه الجريمة لكي نحذر من الشر الذي تدور حوله، قال: هذا أمر يحتاج إلى نظر، أو يمكن أن نبحث في هذا.

    هنا تضييع وإهدار للوسائل، وعدم استغلال أمثل لهذه الجوانب، ولو رَتَّبَتْ مثل هذه الأجهزة مع مراكز الدعوة أو الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية، أو دعت الخطباء وطلبت منهم على الأقل أن يعرضوا ما عندهم، والخطباء لن يترددوا أن يستفيدوا.

    خذ مثالاً آخر: المخدرات الآن، المخدرات لا يكاد يمر أسبوع وبدون مبالغة في كل مدينة يموت شاب من جراء حقن الهروين وغيرها، والسؤال: هل أخذ التحذير من هذه السموم الخطيرة والضارة حيزه المناسب من جهودنا، ومن صيحاتنا وصرخاتنا؟ وهل هذا المرض الفتاك والداء العضال قد أخذ حيزه المناسب من أجهزة الإعلام مثلاً؟ المسلسلة اليومية، ما ظنك لو أن نصف برنامجها يصرف في بيان أخطار المخدرات، وآثارها، وكيفية الحذر من الوقوع فيها وبداياتها، أو التنبيه على أساليب المروجين والمفسدين الذين يوقعون الجهلاء والمخدوعين في شراكها وشباكها، هل هذا موجود؟ لا. غير موجود.

    إذاً نحن على المستوى العام والخاص لم نستغل ولم نستفد ولم نفد على الوجه الذي ينبغي، خذ مثالاً على ذلك: أهمية هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هل أعطيت هذه الهيئات حجمها؟ ما ظنكم لو أن عشر دقائق من التلفاز يومياً أو من الإذاعة أبرزت بدون أسماء، وبدون أحياء، وبدون أسماء مدن كلاماً عاماً عن حجم الجرائم التي يضبطها رجال الهيئة بالجرم المشهود، فلو فُعل لأدرك الناس أهميه هذا الجهاز، ولتمسكوا به، ولعضوا عليه بالنواجذ، ولشعروا أنهم لا يمكن أن يستغنوا عن مثل هذا الجهاز، بل لرأيت الحاجة إلى تطوير هذا الجهاز وتطوير أساليبه قائمة.

    أيها الإخوة: ما مضى هو استطراد لكي تشعروا حجم الحاجة إلى الإصلاح، ولكي تشعروا بحجم الوسائل التي بين أيدينا وهي مهدرة لم تستغل ولم تستثمر، ولكي تشعروا وتدركوا حجم الخطر الذي يجر أبناء المجتمع إلى الهاوية، ولكن السؤال: البداية كيف ومتى وأين؟

    1.   

    البداية النفسية

    البداية قبل أن أتكلم في وسائلها وأساليبها، سأسألكم أنتم أيها الحضور: هل تهيأت نفوسكم للبداية والانطلاق في إصلاح هذا المجتمع؟

    هل تصيبك الغيرة ويقلقك ضميرك، وهل تتقلب على فراشك وأنت تفكر في حال خمسة أو ستة من جيرانك الذين وقعوا في أسر كثير من الأمراض، والشهوات الخبيثة، والعادات الضارة؟

    هل تنزعج حينما تدخل سوقاً من الأسواق وترى حجم التبرج فيه؟ وهل تنزعج حينما ترى الاختلاط في مجال من المجالات؟

    هل تنزعج وتجد الأسى يعصر قلبك إذا مررت ببنك ربوي، وتقول: متى يكون هذا البنك على منهاج الله ومنهاج رسوله صلى الله عليه وسلم؟ هل وجد هذا التهيؤ النفسي؟

    البداية النفسية قبل البداية الحسية، تهيؤنا لأن نبدأ، وتهيؤ النفس للإصلاح هو أمر مهم جداً من أجل أن يشارك كل واحد منا، ولكي يستلم كل واحد منا دوره، في أن يقدم ولو لبنة واحدة في إصلاح المجتمع والتغيير نحو الأفضل.

    إننا نجد شباباً قد شدوا المآزر، وتعاهدوا بالله، وتعاونوا على مرضاة الله في الدعوة إلى الله جل وعلا، تجد عددهم سبعة .. ثمانية، هم لم يعرفوا عالماً معرفة وثيقة حتى يزوروه ويزورهم، يحضرون مثل هذه المحاضرات، يسمعون الأشرطة، يسمعون خطب الجمعة في بعض الجوامع، فتجد الثمرة الطبيعية في القلوب الحية، وفي العقول الوثابة المتطلعة إلى أن تضع نفسها في موقعها المناسب لإصلاح مجتمعها، ترى الثمرة الطبيعية من هؤلاء الشباب أن يقولوا: ماذا نعمل؟ وكيف نعمل؟

    تجد بعضهم يركز على مجموعة من محلات الفيديو لكي يدعو أصحابها ويتخصص فيهم، وبعضهم يركز على عدد من الشباب الذين في سجون المخدرات أو في مستشفيات الأمل، لكي يحاول أن يدعوهم إلى الله، ويتوبوا إلى الله، ويربط معهم علاقة، ويكون معهم رعاية لاحقة بعد خروجهم من هذه السجون، ومن ثم يفيد ويستفيد بإذن الله جل وعلا.

    أقول: ونِعْمَ هذه الجهود الطيبة التي نراها من شبابنا وإخواننا، فهل كل الإخوان الحضور الآن، وهل جميع شباب الصحوة في أنحاء هذه البلاد الطيبة على مستوىً من الاستعداد للإصلاح؟

    أم أن همنا أن نتناقل الأخبار: سمعت ماذا قال فلان؟ لا والله ما سمعت، قال: كذا وكذا وكذا، الله يجزيه الخير خطبة ممتازة، خطبة حماسية ورائعة، ما رأيك أن نتغدى اليوم سوياً، في أي مطعم؟ الله أكبر! بعد التكبير والحماس، والخطابة والمواضيع، نفكر بالغداء مباشرة، لا يفكر واحد بعد الخطبة أن يقول ماذا أقدم؟ هل بين يدي أمر أستطيع أن أبدأ به؟ هل عندي مجال أستطيع أن أستغله؟ لا. مجرد أن نردد العبارات والكلمات، ثم بعد ذلك تجد الواحد يعود إلى ديدنه وطبيعته ونمط حياته الرتيب الذي لا يقدم فيه للمجتمع خيراً.

    1.   

    البداية الحسية

    أخي الكريم: إن الالتزام والدعوة إلى الله جل وعلا، لا تقف عند إطلاق لحيتك وتقصير ثوبك، أو حرصك على الصلاة فقط، نعم هذه بوادر بناءة وإيجابية وواجبات شرعية، ولو خالفتها لكنت وشيك الإثم، لكن يا أخي الكريم! ماذا قدمت؟ ماذا أصلحت؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه.

    أيها الإخوة! أقول لكم: إن البداية طالما أننا لا نجد تخطيطاً للدعوة إلى الله، ولا نجد جهازاً مركزياً يخطط للدعوة على مستوى المجالات وفي شتى الميادين، وعلى مختلف الشرائح والمستويات الموجودة في المجتمع، أقول: واجبنا نحن أن نبدأ العمل، والبداية تتلخص في الآتي، وليست بجديدة على أسماعكم، لكني رأيت فائدتها، ولمست ثمراتها، ورأينا خيراتها تتدفق بإذن الله جل وعلا، فكان لزاماً عليّ أن أبلغ إخواني، و(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

    التخطيط

    أخي الكريم: إن الدعوة إلى الله جل وعلا، والبداية في إصلاح المجتمع لا تنتظر أمراً يأتيك بها، قد أمرك الله وحثك رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن البداية فيك أنت.

    دواؤك فيك وما تبصر     وداؤك منك وما تشعر

    وتحسب أنك جسم صغير     وفيك انطوى العالم الأكبر

    أنت أخي المسلم! إما نعمة وإما نقمة، أنت طامة أو نعمة عظيمة، ومتى يكون الإنسان طامة أو نقمة؟

    حينما يتخلى عن هذا الدين، ويسلك سبيل المبطلين، ويتبع المنحرفين، ويكون شوكة في حلوق الدعاة والمخلصين، حينئذ يكون طامة. ويكون نعمة عظيمة حينما يقوم بدوره، ويؤدي ما له وما عليه.

    البداية جربناها، ولعل الإخوة جربوها؛ إمام المسجد مع الشباب الصالحين الموجودين في الحي، مثلاً لو قلنا: إن مدينة الطائف مساحتها عشرة كيلو مترات، بجهاتها الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية، لو قسمت مدينة الطائف إلى أربعة مربعات أو أربعة أحياء مثلاً، وكل حي من الأحياء فيه أربع مخططات سكنية، في كل مخطط سكني جامع ومسجدان.

    طرد الشك والخوف

    يا أخي الكريم! الجامع والمسجدان اللذان حوله لو اجتمع الشباب الطيبون الذين في هذه المساجد في بيت أحدهم، وقالوا: نحن في المخطط رقم واحد في الجهة الشمالية من الطائف، كيف نستطيع أن نشارك في بناء المجتمع؟ أولاً: ينبغي أن نشارك بإزالة الأوهام والخوف من نفوسنا، بمعنى أننا إذا اجتمع أئمة المساجد الذين في هذا المخطط في ربع هذا الحي، ينبغي أن يشعروا أننا نمارس عملاً حلالاً مباحاً كما يشربون الماء، فأنت لا تمارس عملاً محرماً، لا تروج مخدرات، ولا تتاجر بأفلام فيديو خليعة، ولا تدعو الناس إلى منكر، ولا تخالف سياسة الدولة، إنما تقوم بعمل إيجابي.

    أيها الإخوة: مصيبتنا في بعض الشباب حينما تقول له: خذ هذه عشرة أشرطة، أعطها أقاربك وجماعتك الذين سيزورونك هذا المساء، يقول: لا، توزيع الأشرطة ممنوع، مسكين، جبان! يا أخي الكريم! الشريط هذا من أين جئت به؟ هل هربته؟ هل أخفيته عن الجمارك؟ هل أتيت به وراء خفر السواحل؟ هل لعبت على حرس الحدود وأدخلته؟ أم أنه شريط من تسجيلات إسلامية مصرح بافتتاحها من الإدارات المسئولة في بلدك؟

    وحينما أقول لك: خذ خمسين كتاباً وزعها على أقاربك في هذا الزواج، تقول: لا، هذا ممنوع، لماذا؟ وهل هذا الكتاب طبع من دار بنجوين في لندن، هذا الكتاب مطبوع في دار الوطن أو دار الصميعي للنشر والتوزيع، أي أن هذا الكتاب قد قرئ في الإفتاء، وقرئ في وزارة الإعلام، وقرئ في مجالات كثيرة، وخضع للمراقبة، إذاً ما الذي يخيفك حتى توزعه؟ أريدك يا أخي أن تزيل عنك وسوسة الشيطان، قال الله جل وعلا: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268].

    كثير من أهل الخير، وكثير ممن في نفوسهم الخير، حتى وإن كان عليه بعض مظاهر التقصير ففيه خير كثير، ولكنه يخاف، ولا يوجد شيء حقيقي يخاف منه، لكن يوجد الوهم الذي يجعله بهذه الحال، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    وقد قلتها في شريط (من هنا نبدأ) قال لي أحد الشباب ذات مرة: أنا يراقبني أربعة، ما شاء الله أربعة يراقبونك، والأخ من الألوية الحمراء، أو من رجال المافيا؟ من أنت يا مسكين؟! بعض الناس بمجرد أنه يصلي الفجر، ويقصر ثوبه، ويشتري أشرطة إسلامية، يظن أن الناس قد أشارت إليه بالبنان، وقد لاحظته بالعيان، وأصبح شخصاً مشكوكاً فيه ومطارداً.

    يا أخي الكريم! أنا أخبرك أن هذه الأوهام جاءت نتيجة قراءة لأوضاع بعض الدول المجاورة، نعم يوجد أن بعض الدول عندهم سماع الشريط جريمة، توزيع الشريط سجن مؤبد، نشر كتاب أعمال شاقة .. وهلم جراً، لكن يا أخي! إياك أن تنقل حقيقة جيرانك إلى أوهام عقلك، فتبقى مقيداً مكبلاً لا تستطيع أن تغير في مجتمعك تغييراً نحو الإصلاح ولو خطوة واحدة، وأهل الشر يفسدون في مجتمعك بالدقيقة واللحظة والثانية.

    توحيد الجهود والبداية بالبيئة المحيطة

    أول شيء نريد أن تعرفه: أنك أنت الأصل، الخير هو الأصل، والدعوة إلى الله هي الأصل، والإسلام هو الأصل، والإيمان هو الأصل، والغيرة هي الأصل، والحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما الأصل، وما جاءنا من سموم وسهام التغريب والعلمنة وإفساد المجتمع هو الطارئ والغريب والدخيل، أصلح هذا الأمر في عقلك، وأصلح هذا الأمر في نفسيتك، وحينئذ ستقتنع أنك قادر على أن تغير في مجتمعك، سيما إذا عرفت الجوانب الإيجابية في المجتمع، وأدركت أنك تعمل في مجتمعٍ الخير فيه كثير.

    أقول أيها الإخوة: ليجتمع إمام المسجد، والشباب الأبرار، والرجال الأخيار في هذا المسجد، الغيورون على صلاح الحي وأهله مع أئمة المساجد المجاورة في بيت واحد، ويقولون: نريد أن نصلح المجتمع كله، ابتداءً من حارة عمار في الحدود وانتهاءً بحدود اليمن ، لا. هذا إصلاح خيالي، نريد أن نصلح المجتمع، أي: المجتمع الذي بين أيدينا، المخطط المجاور لنا، المربع الذي نسكن ونعيش فيه.

    كل مجموعة من الشباب إذا قالت هذا الكلام، فستجد أن الإصلاح عم كل المناطق، كل من كان في حي أو في مربع أو في مخطط سيصلح مربعه ومخططه الذي يسكن فيه، ومن ثم ترى الإصلاح في جميع أنحاء بلادك، وهذا خير عظيم تؤجر وتثاب عليه دنيا وأخرى.

    نبدأ بأن نتآزر وأن نتعاهد على أن يكون هذا العمل خالصاً لوجه الله، ثم إن هذا العمل ليس سرياً، أهلاً وسهلاً بمن أراد أن يشارك في هذا العمل وحياه الله، رجل أمن، مدير الشرطة، رئيس القسم، مدرس، مهندس، طبيب، أياً كان ليشارك معك في هذا الإصلاح؛ لأنك حينما تصلح المجتمع لا تصلح المجتمع بأساليب سرية، ولا تصلح المجتمع بوسائل سرية، وإنما تصلح المجتمع بما يباع في المجتمع، وتصلح المجتمع بما هو موجود في المجتمع، وعندك من المجالات والثغرات التي تحتاج إلى سنين لإصلاحها، لا أقول هذا تثبيطاً، لكن تذكيراً بالصبر وعامل الزمن.

    إذا اجتمعنا وتعاهدنا بالله على أن نصلح مجتمعنا، فنبدأ بتحديد جيران الحي الذي نحن فيه، مثلاً هذا المخطط الذي نسكن فيه، فلنفرض أن فيه مائتي بيت، ونحن ثلاثة أئمة أو اثنان من الأئمة، معنا عشرة أو خمسة عشر من الشباب الملتزم، أو حتى من الغيورين ولو كان فيهم بعض مظاهر المعصية، أو المخالفات الشرعية؛ لأن معصيته لا تدل على أنه لا يغار على المجتمع ولا يرغب في الإصلاح، ثم نوزع على كل بيت شريطا أسبوعياً تجعل الشريط في ظرف، وتطرق الباب: حياك الله يا جارنا الحبيب! هذا من إخوانك في جماعة المسجد تفضل، هذه رسالة من جماعة المسجد تحوي شريطاً، ولو سألك: من أين الشريط؟ قل: الشريط مكتوب عليه اسمه، واسم التسجيلات التي تبيعه، واسم المحاضر الذي ألقاه، ونحن مسئولون عنه، حتى تشعر أنك تقوم بعمل، مثلما يقدم لك قارئ العدادات الفاتورة، هل يتلفت قارئ العدادات حينما يريد أن يقرأ القراءة من عداد الكهرباء، يلتفت هكذا وهكذا ويسقط الفاتورة ويذهب، لا، إنما يطرق الباب، ثم ينظر ويسجل القراءة ويعطيك الفاتورة.

    أقول: يا أخي! بنفس الثقة وبنفس القناعة والطمأنينة لابد أن تقدم لكل بيت مادة نافعة، تقدم في الأسبوع الأول شريطاً، الأسبوع الثاني كتاباً، الأسبوع الثالث شريطاً ونصيحة مطبوعة في ورقة، الأسبوع الرابع كتاباً ونصيحة مطبوعة في ورقة، وحتى لا يقول لك أحد: من أين أتيت بهذه المطبوعات؟ خذ من الرسائل الصغيرة التي هي للشيخ ابن باز أو ابن عثيمين أو ابن جبرين أو الشيخ البراك أو أحد الدعاة المعروفين وقدم ما عندك.

    يا أخي الكريم! ثق تمام الثقة أن هذا الضخ والإعلام وتزويد الجيران أسبوعياً بقضايا تستجد في الواقع، وأحداث مهمة، سوف يجعل هناك وعياً، وإذا وجد الوعي في البيوت والأسر وجد الوعي في المجتمع.

    يا أخي الحبيب! الناس سوف تترك المنكر تلقائياً، وهذا لا يعطل وظيفة الحسبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن سؤال مجتمع من المجتمعات أو حي من الأحياء، بجواره محل تسجيلات أغانٍ ومحل تسجيلات الفيديو الخليعة، وما الذي يحصل فيه، جيران الحي، أو الدعاة، أو جماعة المسجد، أو شبيبة المسجد مع الأئمة قاموا بهذا النشاط، وأصبحوا أسبوعياً يوزعون كتاباً، رسالة، نصيحة، وأيضاً في كل شهر يدعون فقط أهل الحي لندوة خاصة بهم، ليست ندوة عامة يحضرها الجميع، لا، ندوة لأهل الحي، ترتب مع مكتب الدعوة لإقامة ندوة للحي يحضرها أهل الحي، ليس من شرطها أن تكون محاضرة يحضرها آلاف، وإنما ندوة يحضرها مائتان، مائتان وخمسون، ثلاثمائة، مائة وثمانون من جيران الحي، ويكون فيها أحاديث ودية، ونقاش وحوار، وماذا بعد ذلك؟ مثلها مخصصة للنساء.

    هل تظن أن صاحب محل الفيديو الذي يبيع الأفلام الخليعة، وصاحب التسجيلات الخليعة الذي يبيع الأغاني هذه سيجد أحدهم زبائن يشترون منه؟ لا والله؛ لأن الحي هو سوقه ومكان الاتجار فيه، والمستهلكون والزبائن قد ارتفع مستوى الوعي عندهم فعرفوا أن هذا محل فيديو، بل هو وكر من أوكار الشيطان، وهذا محل أغانٍ، بل هو حانوت من حوانيت الفساد، فلما ارتفعت نسبة الوعي قاطعه الناس، فاقتنع وربما أغلق محله.

    الاستفادة من الطاقات المعطلة

    زيادة على توزيع الشريط والكتيب والنصيحة أسبوعياً، والدعوة الشهرية للندوة لأهل الحي شهراً للرجال وشهراً للنساء، أن الشباب الطيب في الحي لا تتركهم هكذا عطلاً، لا تجعلهم هكذا هملاً، أعطهم أدواراً، عندك في الحي مثلاً عشرون شاباً ملتزماً، فتقول: تعالوا أيها الإخوة! أنتم خمسة تزورون محل الفيديو يوم السبت، تبتسمون إليه، واحد يعطيه هدية، وواحد يكرمه، وآخر يدعوه إلى البيت، قد لا يقبل منكم أول يوم، ويمكن أن يأخذ الهدية ويقول: اخرجوا إلى الخارج، مثل المطاعم التي تجعل المرق مجاناً، يشربون المرق ويخرجون لا يشترون.

    فأقول: قد يقبل منك الهدية ولا يقبل منك النصيحة، ولكن ليس هناك مانع فإنما هي هدية ذهبت يأتي الله بغيرها، أرسل إليه الخمسة الآخرين غداً أو بعد غد بنفس الهدية والابتسامة والنصيحة، ادعه إلى البيت قد يقبل أو لا يقبل، بعد ثلاثة أيام أيضاً زيارة.

    أيها الإخوة! عندنا في الحي الذي نسكن فيه افتتح شاب محل فيديو كله أفلام لا تليق، ووالله لو نعرف أن هذه الأفلام تخرج لنا طيارين، أو رجال أمن، أو مهندسين أو أطباء، أو دعاة أو علماء، لساهمنا مجاناً من جيوبنا في هذه المحلات، لكن ماذا تقدم هذه المحلات؟ تقدم الشر والمنكر، وتجعل الناس يتخدرون ويموتون ويقنعون، والواحد لا هم له منذ أن يشتري الشريط إلا أن ينتظر متى تنكشف فخذ، أو تبدو عورة، أو تظهر قبلة، أو يرى مشهداً خبيثاً، فقط لا غير، بل إن بضعهم من كثرة الملل من سيناريو وحوار المادة الإعلامية الموجودة في الشريط، مجرد أن يضع الشريط يجعله يلف سريعاً، حتى يجد المشاهد الحساسة التي تثيره، ويجلس متخدراً تحت جذوة هذه الغريزة التي لا تزيده إلا هواناً وانحساراً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    وماذا بعد ذلك؟ هذه تخدر المجتمعات، هذه أفيون المجتمع، هذه هي مخدرات الواقع، التي تجعل الناس يقبلون الفساد والمنكر والضلال، ولا تتحرك عندهم غيره، ولا تنمو فيهم نخوة أبداً.

    أقول: أيها الإخوة! توزيع الأدوار على هؤلاء الشباب سيجعل من الشاب العاطل جذوة ملتهبة، سيجعل من الشاب الذي تظنه لا يصلح أن يسرح بعنز واحدة، يقود فريقاً من الشباب إلى الدعوة إلى الله جل وعلا، الإنسان الذي لا ترى فيه إلا علامات السكون والخمول، والضعف والدعة، ستجد فيه المواهب المتطلعة، والقدرات العالية التي توظف وتسخر بإذن الله جل وعلا لإصلاح المجتمع.

    أيها الإخوة! من آثار هذا البرنامج لما طبق، أن عدداً من البقالات الآن لا تبيع الدخان، قد يقول قائل: والله مسكين المطوع هذا، يظن أن إصلاح المجتمع بترك الدخان، لا يا أخي! نحن نريد أن نعالج إخواننا الذين يقعون في مثل هذه المصائب بمساهمة من المساهمات، وهو أن نقطع على الواحد منهم سهولة تناول المادة التي يدخنها، فإذا دخل في بقالة.. في اثنتين.. في ثلاث على مستوى محلات كبيرة -ما يسمونها سوبر ماركت- يبحث فيها فلا يجد أحداً يبيع دخاناً، وهذه نعمة عظيمة من الله.

    فأقول لك: محل الفيديو الذي عندنا في الحي دخلت عليه، وإذ بالشباب قبلي قد دكوا أرضيته بالرصاص، فلما دخلت عليه: كيف حالك يا أخي؟ (عساك طيب) يستغرب: ما الذي أتى بهذا الشيخ؟ يشتري مباراة أو فلم كرتون، ماذا يريد؟ فقلت له: أسأل الله جل وعلا أن يبدلك بتجارة حلال أبرك من هذه التجارة المحرمة.

    قال: آمين.. نسأل الله أن يستجيب وأن يسمع منك.

    قلت له: يا أخي الكريم! والله إني أخاف عليك وأحبك، وأنا أعرف أن الشباب جزاهم الله خيراً قد مهدوا الطريق، يا أخي الحبيب: ألا يسوؤك أن من زنى عليك مثل وزره، وأن من فعل الشذوذ، عليك مثل إثمه؟ ألا يكفي أن يتحمل الإنسان ذنوب نفسه بدلاً من أن يتحمل ذنوب الآخرين زيادة؟ يا أخي! ألا يسوؤك أن من مر من أهل الخير إما تعوذ بالله من هذا المحل وصاحبه، أو دعا على صاحبه؟

    قال: يا أخي! الله يجزيك الخير، أين أنت؟ أنا منذ أن فتحت هذا المحل والنوم الطبيعي لا أعرفه.

    بدأ الإنسان يخرج الحقائق، قد يكون صاحب المحل أو صاحب الملاهي وآلات الطرب مكابراً في البداية، تقول له: يا أخي! اللهو قسوة للقلب، يقول: تكذب يا شيخ، بالعكس الواحد ينبسط إذا عزف، وينسجم إذا سمع الوتر والنغم، هو يقول هذا بلسانه، لكنه بقلبه يعرف هذا الشيء: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [النمل:14] في نفسه اليقين بصدق ما تقول، وفي لسانه الجحود بضد ما تقول، وما هي إلا لحظات وكلمات، إذا بك تجد الشاب يستقيم.

    آخر أجريت معه نفس المحاولة، فما الذي حصل منه؟ قال: على يديك، أنا مستعد أن أتنازل عن أكثر من مائة وعشرين ألف ريال في المحل، ولكن خلصني وأعني على الخروج من المأزق وهذه الدائرة، وبالمناسبة من خلال زيارات ولقاءات مع أصحاب محلات الفيديو النتائج الآتية ظهرت:

    أولاً: كثير من أصحاب محلات الفيديو لا زال فيهم خير يمكن أن يستثمر.

    ثانياً: أغروا إغراءً بالربح المادي، وليس في محلات الفيديو وبيع الأشرطة الفاسدة والمتاجرة بها إلا الهم والغم، والإثم والحرام والخسارة، وهم حقيقة مثل الذي يشرب من ماء البحر وهو عطشان، يشرب لكنه يزداد عطشاً، الماء كثير والعطش يزداد، ولما ناقشنا عدداً منهم، قال أحدهم: والله يا أخي! إنني أجد الغلة يومياً كثيرة، لكن تأتي الشركة الدولية للفيديو فنعطيها، مركز كذا للفيديو فنعطيه، والمركز الفلاني فنعطيه، المؤسسة الإعلامية فنعطيها، والموظفين؛ هذا الموظف نحن نصرف راتبه من عندنا، وهذا نعطيه صيانة أجهزة، إيجار محل، آلات تغليف، آلات طباعة، وما الذي يبقى؟ الجيد منهم يبقى معه ثلاثة آلاف ريال، ثم يتحرج أن يأكل بها، أو أن يلبس بها، أو يحج بها، أو يتصدق بها، أو يقدم بها مشروعاً خيرياً.

    إن هؤلاء حينما تكلم أحدهم بصراحة وتدعوه، وتقترب وتدنو منه، ليس بالضرورة في الأسبوع الأول ولا في الشهر الأول، قد يكون في السنة الثانية أو الثالثة، المهم استمر، ودورك شيء والحسبة شيء ثانٍ، دورك الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يظن أحد أن الدعوة هي الحسبة وأن الحسبة هي الدعوة، نعم. الحسبة تتضمن الدعوة، لكن شتان بين هذا وهذا، أنت تدعو بالكلمة، وتؤثر بالأسلوب الرقيق، وترَغِّب بالموعظة اللينة، وذاك يستخدم هذه الأساليب، وحينما يجد ما يستلزم إيقاع العقوبة، أو يرى شيئاً فيه ما يلزم من جرائه غرامة أو إغلاق، أو عقوبة يقدم صاحبها إلى المحاكمة، ولا تنافر بين هذا وهذا.

    فتح مجالات جديدة أمام المدعوين

    الحاصل أيها الإخوة! هذه هي البداية، شباب الحي أيضاً يتعرفون على الشباب المقبل على الله جل وعلا، أو حتى على الشباب المنحرف، يعين مجموعة من الشباب الطيب يعرفون مجموعة من الشباب في الحي يلعبون الكرة بعد العصر يومياً، ما الذي يمنع بعد نهاية المباراة التي تخص هؤلاء الشباب الذين يلعبون في الحي أن يأتي أربعة أو خمسة يقولون: يا شباب ما رأيكم أن نستضيفكم؟

    - على ماذا تضيفوننا؟

    - والله كما تشاءون؛ تريدون بخاري أو مندي حياكم الله، تفضلوا عندنا.

    قد يرفضون، نستضيف اثنين أو ثلاثة منهم، أربعة أو خمسة أو ما يسر الله منهم، أعط شريطاً، كتاباً، موعظة، استدع أحداً من الإخوة تستضيفه ويلقي كلمة أو نصيحة أو موعظة فإنه سيؤثر على هؤلاء الشباب.

    لكن هؤلاء الشباب تعودوا المجالسة طيلة الوقت، العصر يلعب كرة، والمغرب مع الشلة، وبعد العشاء عند الفيديو، فحتى يستمر على الاستقامة والتوبة لا بد أن تفتح له المجال والبيئة التي يصلح بها، وتحافظ عليه فيها بعيداً عن أهل المنكر، ما الذي ينبغي أن تفعله؟ يلزمك يا أخي الحبيب! أن توجد في كل حي مكتبة، هذه المكتبة من شأنها أن يجتمع فيها الشباب بعد العصر، وفي يوم من الأسبوع يخرج شباب الحي لكي يلعبوا الكرة، قدماً أو طائرة، أي لعبة مناسبة للترويح وللسياحة، أو للأكل في أحد منتزهات المدينة، ويعودون وقد أدخلوا ضمن هذه الطلعة القصيرة شيئاً من القراءة أو الفائدة أو الموعظة المؤثرة ونحو ذلك.

    أيضاً: الشاب لو جلس المغرب وحده، فلان صاحبنا الأول، فلان صديقنا الأول، فلانة التي تعاكسه ربما ينتظرها على التلفون، إذا أنت لم تفتح له مجالاً يترك فيه فلاناً وفلانة لكي يأتي عندك، كما قلت: عندك المكتبة تكون مفتوحة، فتحتوي وتؤوي هذا الشاب.

    مثلاً: البيوت بعد المغرب: أنا أفتح بيتي يوم السبت، لو فتحت بيتي طيلة أيام الأسبوع، شغلت عن أهلي وذوي رحمي ومصالحي، لكن أقول يا إخوان! من أراد زيارتي فأنا أفتح بيتي يوم السبت فقط أو يوم السبت والثلاثاء فقط، وأنت -الأخ الفلاني أو إمام المسجد- تفتح بيتك يوم الأحد والأربعاء، وفلان يفتح بيته يوم الإثنين والخميس، ويوم الجمعة مثلاً فليكن يوماً مفتوحاً للجميع، المهم يا أخي! أن نجعل للشاب مكاناً يستطيع أن يرتاده، قد يقول البعض: لا، فليذهب إلى حلقة علم أو محاضرة، (يا سلام!) إذا كانت توجد محاضرة فهذا شيء جيد، لكن ليس كل المناطق فيها محاضرات يومية أو في الأسبوع مرتين أو ثلاثاً، لا. بعض المناطق يكون عندهم في الشهر أو الشهرين محاضرة واحدة فقط.

    ومن هنا تكون الحاجة ماسة إلى المكتبة الخيرية في المسجد أو في أكبر مسجد في الحي، وتكون الحاجة أيضاً ماسة إلى أن تُفتح أبواب الدعاة وأبواب الشباب الراغبين في الخير، حتى لو لم تكن على مستوى كبير في العلم، أياً كان مؤهلك؛ ثانوية المعهد، عندك قراءات، تحفظ من القرآن الكريم، عندك من المعلومات التي لخصتها من الأشرطة التي قرأتها، من الكتب النافعة، افتح بيتك وتحدث مع إخوانك فيما يصلح ذواتكم وأحوالكم وأنفسكم.

    حينئذ لن يجد الشاب الذي وضع قدماً في الطريق إلى الهداية حرجاً في قضاء وقته، حل المغرب أنا أعرف أين الجلسة اليوم هي عند الشيخ فلان، أو اللقاء اليوم عند الشيخ فلان، حياه الله والبيت مفتوح، وحيا الله من نعرفه ومن لا نعرفه، ليس عندنا حديث نخبئه، وليس في كلامنا أسرار، عندنا إصلاح مجتمعنا، كيف نصلح مجتمعنا وأنفسنا، نقرأ في سير الصحابة والتابعين، في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، في أحكام الآيات والأحاديث، هذا من خير ما نستطيع أن نقدمه.

    1.   

    نتائج متوقعة لهذه البداية

    إذا وجدت هذه البداية في جميع الأحياء في الطائف وفي الرياض وفي مكة وفي جدة، والله أيها الإخوان! بعد خمس سنوات سترى أن المجتمع بإذن الله جل وعلا يهجر دكاكين اللهو وأماكن الطرب والإفساد، وستجد الناس يقبلون على الاستقامة.

    كذلك نفس هذا البرنامج مطلوب من الأخوات مثله، حينما يوجد في الحي داعية ومدرسة، ما الذي يمنعها مع أخواتها وصويحباتها أن تطبق مثل هذا البرنامج بقدر ما يناسب المرأة وتخصصاتها.

    أيضاً: إذا وجدت هذه الفكرة في جميع الأحياء والقرى والمدن والمناطق، صار -ما شاء الله- كل المجتمع خَيّراً، ومجتمع الجزيرة أصله خير، حتى الحليق فيه خير، وحتى المدخن فيه خير، وحتى الذي يسمع الغناء فيه خير، لكن نقول: عنده خطأ بهذه المعصية، لا نقول: قد أصبح شراً محضاً، نقول: فيه خير وخير كثير، لكن عنده هذا الخطأ، وهذا الخطأ ربما كان يعيقه عن الغيرة في إصلاح مجتمعه، أو ربما كان سبباً في عدم إدراكه لأهمية إصلاح مجتمعه.

    فإذا صلح هذا المجتمع على هذا المستوى، ظهرت الأقلام التي تنتقد عرض المسلسل الفلاني في اليوم الفلاني، لست وحدك من يكتب إلى المسئول في الإعلام ولا أربعة ولا خمسة بل آلاف الرسائل في المجتمع: إن البرنامج الذي عرض في اليوم الفلاني يخالف الأسس التي قامت عليها البلاد، والتي يقوم عليها الدين، والتي قامت عليها عادات وقيم وتقاليد هذا المجتمع.

    قد تكون فاتت على المسئول، أو زلت على الرقابة فيعرف أن هناك مجتمعاً واعياً، لا تطوف عليه أمور اللهو وأمور الفساد، قد يقول قائل: يا مسكين! أنت تتكلم والبث المباشر قريب والكل سينظر، نكتب رسالة إلى أمريكا : لماذا ترسلون لنا هذا المنكر؟ أقول: يا أخي! أصلح ما بين يديك: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2] ولا تحتج بفساد أولئك لتقبل فساداً في واقعك أو في مجتمعك.

    كذلك الإصلاح في المرافق العامة، المستشفيات، ليست الغيرة عندي ولا عندك بل عند جميع أفراد المجتمع، وخذوا مثالاً بسيطاً: مستوصفات أهلية يدخل الإنسان فيجد في استقبال الرجال ممرضات جميلات، والمستوصف له ثلاث وأربع سنوات لم تتلق إدارة المستوصف أو إدارة الشئون الصحية رسالة واحدة تتضجر أو تشكو أو تنتقد أو تلاحظ هذا المنكر، لماذا؟ لأنه يوجد تبلد، ليس هناك بداية للإصلاح، وليس هناك انطلاقة لتغيير المجتمع نحو الأفضل.

    وبعض الناس يقول: ليس في الإمكان أحسن مما كان، تقول: نريد أن تكون أحسن وأحسن إلى أن نعذر أمام الله جل وعلا.

    وثقوا تمام الثقة أن هذا المشروع وهذه البداية هي طريق إصلاح بإذن الله، إذا صلح المجتمع وأصبح الوعي بهذه الدرجة، ظهرت عندنا العقول المنتجة والمبتكرة، وخرج مجموعة من الشباب يقدمون برامج مختلفة في الإذاعة وفي التلفاز وفي وسائل مختلفة تعالج مصائب المجتمع، لا تقل: نعم، قبلي أغنية وبعدي أغنية، فكيف أقدم برنامجاً إصلاحياً؟ أقول: قدم يا أخي! على الأقل أن تزرع وردة بين الأشواك، أن تلقي نصيحة بين هذا الغث المتتابع من الأمور الرديئة أو المخالفة لأمر الله وشرعه.

    1.   

    أهمية التخصص في الإصلاح

    أخي الحبيب! لئن كنت أنت أو أنا ممن لا يعرفهم الناس، أو لا جمهور لنا يسمعون منا أو يحضرون مجالسنا، إن التلفاز جمهوره الملايين، إن الإذاعة جمهورها مئات الملايين، فلماذا لا تتحرك في هذا المجال؟ لماذا لا تعمل؟ ولكن بطول الصبر والتخصص، تجد بعض الشباب -ما شاء الله- كالنحلة، لكن لا يتخصص؛ فهو يوماً في المخدرات، ويوماً في السجون، وآخر في الإذاعة أو التلفاز، ومثله في الصحافة، ويوماً تعب وكسر القلم، ويوماً مزق الأوراق، ثم عاد إلى المكان الفلاني، ويوماً في الأندية، لا تجد له مكاناً معيناً للإصلاح والدعوة فيه.

    نقول: إن بدايتنا لإصلاح مجتمعنا بهذه الطريقة، سوف تخرج جيلاً فيه مجموعات، مجموعة تتخصص لإصلاح الأندية، ومجموعة تتخصص لإصلاح الإذاعة، ومجموعة تتخصص لإصلاح التلفاز، ومجموعة تتخصص للمشاركة في طرح برامج مالية للشركات.

    أيها الإخوة: نحن نملك الخير الكثير، صافولا شركة الزيوت المعروفة، لما طرحت للاكتتاب، تقاتل الناس من أجل الحصول على كوبونات أو استمارات الأسهم، سبحان الله العلي العظيم! وأصبح الناس يخدع بعضهم بعضاً: تعطني تابعيتك وتابعية أولادك ولك على الرأس أربعون ريالاً، بيع غنم ما شاء الله.

    السؤال: صافولا لما طرحت الأسهم للاكتتاب، غطت مرات عديدة أكثر من رأس المال، فهل فكرنا أن نطرح شركة إسلامية طبية، شركة للعناية بالشئون الصحية، وهذه من المجالات المفتوحة، ويكون أهم دور من مهمات هذه الشركة إيجاد مستشفيات للولادة لا يوجد فيها رجال أبداً إلا في الحالات الضرورية، أو الحالات التي لا بد من وجود جراح أو رجل فيها، هذا مشروع من المشاريع.

    لو قلنا: إن شعب المملكة بلغ عشرة أو أحد عشر مليون نسمة، هل لا يوجد في المجتمع إلا مليون أو مليونان من الصالحين؟ أنا أجزم أن (80%) ثمانية ملايين نسمة كلهم من الغيورين، وقد أكون مجحفاً بحق المليونين الباقيين، بل كل هؤلاء فيهم الغيرة على إصلاح المجتمع، لا نظل كل واحد يدخل زوجته على الطبيب، وهذا يقول: الضرورات تبيح المحظورات، وهذا يقول: يا رجل! مرة واحدة في العمر، ما الذي يمنع من خلال هذه البدايات أن يفرز لنا هذا البرنامج عقولاً اقتصادية لاستثمار الأموال، بدلاً من أن يكون عندي في البنك عشرة آلاف، وأنت عندك مائة ألف يرابى بها في البنوك، بل لربما رحلت الأموال لكي يرابى بها في بنوك عالمية، لماذا لا نوجد شركات إسلامية كبيرة؟ شركة للأمور الطبية والصحية، شركات للأغذية، شركات للتجارة، وستستغل أموال الناس وتحركها في الخير، وتوظفها في الحلال، وتقدم للمجتمع، لكن المصيبة أن يقول القائل: إما أن يقوم المسئولون والأجهزة المسئولة بتقديم هذا الأمر، وإما لا.

    لا يا أخي الكريم! بل إن من صور المجتمعات المتحضرة أن تجعل كثيراً من المصالح يقوم بها القطاع الخاص إحياءً لروح التنافس، وتوظيفاً للأموال، هذا لو قدم لوجدنا خيراً كثيراً بإذن الله جل وعلا.

    فأقول: يا أخي الكريم! ابدأ مع إخوانك وإمام المسجد وجيرانك، وكلٌ في حيه والمخطط الذي هو فيه، وابدأ بداية معقولة، لا تقل: والله أنا سوف أغطي ألف بيت في هذا المشروع، لا، غط مائتين أو ثلاثمائة بيت، استمر في هذه الثلاثمائة بيت على حدود جيدة، وبتواصل وعطاء مستمر وسترهقك الأعباء المالية، هذا المشروع مكلف، لكن حينما يتبرع كل واحد من دخله بجزء بسيط، مائتين أو ثلاثمائة ريال شهرياً، مبلغ ليس بكثير على دين الله والدعوة إلى الله جل وعلا.

    أيها الإخوة! قد يقول قائل: مسكين هذا الشيخ، مسكين هذا المتكلم عنده آمال خيالية، البث المباشر يفسد، المجلات تفسد، ادخل مكتبة لترى صور النساء العاريات الكاسيات، انظر إلى القنوات لترى الفساد في الإعلام، انظر إلى الأسواق لترى التبرج، أقول: يا أخي الكريم! هي سنة من سنن الله، لا بد أن تعمل وتصبر، وسوف تؤذى ويستهزئ بك: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ [المطففين:29-30] .. وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [الأنعام:10] .. الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:1-3].

    يا أخي! إن قليلاً من الحق يزهق كثيراً من الباطل: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً [الإسراء:81] .. بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:18] وقديماً قيل: الحق أبلج والباطل لجلج.

    1.   

    سلاح البداية

    إن هذه البداية: أن يجتمع الأئمة وشباب الحي لكي يرتبوا ويطوروا هذه البرامج، ليست هذه الفكرة وحياً منزلاً لا تتعدونه أو تحذفون منه أو تعدلونه، طوروا هذا الأسلوب كما تطورت أساليب الصحة وأساليب الهاتف وغيرها من الأساليب والخدمات، طوروا هذه النظريات لكي تخدموا بها دين الله، والدعوة إلى الله، وتصلحوا بها مجتمعاتكم، أقول: هذه البدايات سوف تكشف لكم عن قدرات ومواهب وطاقات جادة وقابلة للعطاء، بدلاً من أن نترك شبابنا كل يحتقر نفسه، أو الذي عنده على الأقل موهبة يحتقر نفسه، والشيطان يخذل من شأن هذه، ويقول: أنت لست بشيء ولست بكفء أن تقدم هذا.

    الإخلاص وطلب العلم

    أيها الإخوة! هذه البداية سلاحها الإخلاص وطلب العلم، والذين يقومون على هذا البرنامج ينبغي أن يكون لهم دروس علمية على العلماء في بيوتهم أو في المساجد، وإذا لم تكن هناك دروس علمية، فاشتر من أشرطة العلماء، الأشرطة في العلم المتخصص؛ في فقه الحلال والحرام، في قواعد الشريعة، في المصالح العامة ومقاصد الشريعة، اقرأ أصول الفقه وتعلمه، واقرأ الفقه والقواعد الفقهية، والتفسير والفرائض، إذا لم يوجد عالم يدرس هذا، فهناك أشرطة مسجلة تستطيع أن تخصص من وقتك في اليوم ساعة أو ساعتين للدراسة، وستجد نفسك بإذن الله واحداً من طلبة العلم الذين يقدرون بإذن الله على إصلاح مجتمعاتهم.

    عدم استعجال الثمرة وجودة التخطيط

    أيضاً: من سلاح هذه البداية: عدم استعجال الثمرة، والاعتبار بتجارب الآخرين.

    أيها الإخوة: إن ما نراه من مصائب المسلمين في الدول المجاورة، وذلك إما بسبب سوء تخطيط أو سوء ترتيب، أو سوء منهجية، أو استعجال بعض الثمرات التي أوقعتهم في اشتباكات وفي مصائب وأمور خطيرة، والحذر الحذر من الاستفزاز والاستدراج.

    اعلم يا أخي المسلم! اعلم يا أخي الداعية! اعلم يا أخي الغيور! حتى ولو كنت واقعاً في بعض الذنوب والمعاصي، أقول: اعلم أنك لست وحدك تعمل في الساحة، الذي يقول: كل من في الجزيرة على قلب رجل واحد من الإخلاص والولاء والنصرة، وحب المسلمين والصدق في النصيحة، نقول: هذا جاهل؛ لأنه لا يخلو مجتمع من المنافقين والمتربصين والأعداء.

    إذاً لست وحدك من يعمل، بل هناك أعداء يعملون في السر، وهناك أعداء يحرصون على أن يتسللوا إلى مواقع التوجيه والنفوذ والسيطرة لكي يؤذوك ويؤذوا غيرك من إخوانك المسلمين، وهناك من هو أذكى من أولئك، هناك من أعدائك وأعداء علمائك، وأعداء ولاة أمرك من يثير الفتنة بينك وبين العلماء، أو يشعل النار بينك وبين ولاة الأمر ويتفرج عليك، لكي يؤذيك ويؤذي علماءك، ويؤذيك ويؤذي ولاة أمرك، وحينئذ يكون ذكياً بدرجتين: ذكي لأنه خطط لإشغالك، وذكي؛ لأنه خطط لإشغال نفسك عنه، فهو ذكي؛ لأنه ضرب اثنين بحجر واحد، وهذا هو الذي يدور الآن.

    بعض الشباب يظن أن كثيراً من الاستفزازات في الصحافة، وبعض الاستفزازات والتصرفات سوف تأتي من باب العفوية، أو من باب الصدفة، لا يا أخي! هذه استفزازات لكي تزعج جهة على جهة، وفئة على فئة، وفريقاً على فريق، ونحب أن نقول لكل من يستفز هذا المجتمع: نحن نشعر أننا فئة واحدة وأمة واحدة علماء وحكاماً، ودعاةً وأفراداً، ولا يعني ذلك أن ليس بيننا علمانيون ومنافقون ومتربصون ومن يريد أن يوقع بين هؤلاء جميعاً، بل يوجد من يتربص الدوائر لإفساد هؤلاء.

    إذاً: أخي لكريم! انتبه من الاستفزاز والاستدراج، واحذر من الوقوع في الفخ، وهناك مثل عند أهل الحجاز يقول: (حفروها الفيران ووقعوا الثيران) فأر يحفر وثور يقع، انتبه جيداً لمثل هذا.

    1.   

    حقيقة الانتصار

    أخي الكريم! اعلم أن حقيقة انتصارك في هذا البداية أن تستمر وأن تبلغ، حتى ولو لم تجد أدنى نتيجة في السنة الأولى أو الثانية، قال صلى الله عليه وسلم: (ورأيت النبي ومعه الرجل...) الرسول صلى الله عليه وسلم يصف مشهداً من مشاهد يوم القيامة، وهذا المشهد يتكلم عن الأنبياء والذين استجابوا لهم وقبلوا دعوتهم واتبعوهم فيما جاءوا به، قال: (ورأيت النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي وليس معه أحد) انظر: نبي مؤيد بالمعجزة والوحي والعصمة فيما يبلغ، ومع ذلك ربما لا يهتدي على يده غير واحد أو اثنين، هل نقول: هذا نبي فاشل؟ لا. بل هو نبي منتصر، وحقيقة انتصاره أنه بلغ رسالة الله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67] .. إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ [الرعد:7].

    ولا تنزعج إذا لم يستجب البعض، أو لم يقبل البعض، أحد الشباب لما جاء يوزع على الجيران الظرف كالعادة أسبوعياً فيه كتيب وشريط، وطرق الباب على أحد الجيران: السلام عليكم، ماذا تريد؟ قال: يا أخي الحبيب! إخوانك جماعة المسجد يهدونك وأسرتك كتيباً وشريطاً، قال: تريدون أن ندخل في الإسلام؟ سبحان الله! من الذي قال لك هذا؟ بل يا أخي! أنت عمدة، أنت بركة، أنت خير، لكن اقبل هذه الهدية، فيها ما يعينك ويسددك ويحذر أولادك من الوقوع في الفساد والانحراف، ثم أصبح بعد ذلك يتقبل هذا الأمر.

    إذاً: ضع في بالك أنك ستجد من يخالفك: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً [الكهف:6] .. فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [فاطر:8] كونك تجد اثنين أو ثلاثة أو عشرة أو عشرين أو مائة لم يقبلوا منك فلا يدل هذا على فشلك، ولا يعني أن مشروعك فاشل، إنما عليك الاستمرار، ومواصلة العطاء بإذن الله جل وعلا.

    أيها الأخ الحبيب! حسبك أنك بصير وكثير من الناس يتخبطون، وأنك تبذل من مالك والشح قد قتل كثيراً من الآخرين، حسبك أنك تقتدي بالرسول وغيرك قد قتله الهوى، حسبك أنك راغب في الآخرة وغيرك راغب في دنيا مؤثرة، حسبك أنك متجرد للحق وغيرك قد أعجب برأيه، وحسبك يا أخي! عبوديتك لله جل وعلا، وأنك عبد لله إذا استعبد الضالين الدرهم والدينار والخميلة والخميصة.

    أسأل الله أن يجعل هذا حجة لي ولكم، وألا يجعله حجة علي وعليكم.

    أيها الإخوة! فيكم خير كثير، أنتم تصلحون مجتمعكم، حتى وإن كنتم ترون في ظاهر وجوهكم أو ظاهر سمتكم شيئاً من التقصير أو المخالفات الشرعية، اعمل لإصلاح مجتمعك وتب وعد إلى الله، وستجد هذه بداية لإصلاح الأمة أجمع، أسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يدمر أعداء الدين.

    اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وولاة أمرنا، اللهم لا تفرح علينا عدواً، اللهم لا تشمت بنا حاسداً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    1.   

    الأسئلة

    المنهجية الدعوية تكون بحسب البيئة المحيطة

    السؤال: فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كيف يمكنني أن أدعو الناس بهذه الطريقة الجيدة التي ذكرتها وأنا من مصر ، وأنت تعرف ما يعانيه الشعب عندنا من سوء المعيشة، فكيف يمكنني الدعوة وبأي طريقة وفقكم الله؟

    الجواب: يا أخي الكريم! نحن نتكلم عن إصلاح السلوك وتصحيح العقائد، ولا نتكلم عن إصلاح المعيشة، وقصدي بهذا أخي الكريم! أن تدعو الناس بالحسنى وباللين بما تستطيعه، سواء كان الجو المحيط بك الذي يقبل منك ثلاثمائة أو مائتان أو مائة أو خمسون أو أربعة أو عشرة، المهم أن يستمر العطاء، أنا قلت: إن لكل بلاد ظروفها، ولكل دولة وضعها، وينبني على ذلك وضع المنهج الدعوي الذي يقوم فيها، وإني أسأل الله أن يربط على قلوب إخوتنا الدعاة والصالحين في مصر العزيزة، ولا نجهل ما يدور فيها من الابتلاء والامتحان لإخواننا في الله، ولكن أقول: اعمل على قدر ما تستطيع، لا تستعجل النتائج، وليس بالضرورة أن تجني الثمرة أنت، قد يجنيها ولدك أو حفيدك، لكن هذه خير وسيلة لإصلاح هذا المجتمع الذي تعيش فيه بإذن الله جل وعلا.

    حكم تسجيل الندوات والمحاضرات بالفيديو

    السؤال: فضيلة الشيخ الحبيب سعد بن عبد الله وفقه الله! أرجو توضيح حكم تسجيل الندوات والمحاضرات في أفلام الفيديو التي ربما تكون بديلاً عن غيرها من أفلام الفساد؟

    الجواب: قرأت فتوى للجنة الدائمة برئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، عن رجل يسأل يقول: أنا صاحب محل فيديو، وأريد تحويله إلى فيديو إسلامي لتسجيل وتصوير المحاضرات والندوات فما الحكم في ذلك؟

    فأجابت اللجنة باختصار بما معناه وموجزه: طالما كان في هذا مصلحة وخير، فالأمر فيه سعة بإذن الله جل وعلا. ولعلك يا أخي صاحب السؤال! أن تأخذ هذه الفتوى وتعمل بها، وزيادة على ذلك نحن نقول: إن الشريط فيه بركة، لكن بعض البيوت ربما عندهم من الأفلام الكثير، فلا حرج أن تزاحمهم بمادة مصورة على مثل هذا الفلم لعل الله أن ينفع بها.

    حكم الطبلة

    السؤال: فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نسأل فضيلتكم عن الطبلة وحكمها، علماً بأن صوتها يختلف تماماً عن صوت الدف المعروف، وهي مما عمت به البلوى، وصارت شائعة بين الناس، وقد شاع أنها جائزة؛ لأنها مثل الدف مفتوحة من جهة ومغلقة من الأخرى، فنريد الجواب الشافي الكافي هل هي جائزة أم لا؟

    الجواب: والله يا أخي! لم أرها حتى أفتي، لكن الذي نعرف أن الدف مشروع: (أعلنوا هذا النكاح واضربوا فيه بالدف) أما الطبلة بهذا الوصف والتفريق فلا أعرفها، والحكم على الشيء فرع عن تصوره.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    768035737