أما بعد:
أيها الأحباب الكرام: إني أحبكم في الله، وأسأل الله أن يحشرني وإياكم في ظل عرشه، ومستقر رحمته، وأوصيكم ونفسي بتقوى الله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
أيها الأحباب الكرام: بارك الله لكم في شهر رمضان، وجعلنا الله وإياكم من الصائمين القائمين إيماناً واحتساباً، وجعل هذا الشهر شهر نصر وتمكين للإسلام والمسلمين، نسأله أن يحرر الأقصى الشريف، وأن ينصر المجاهدين في كل مكان، وأن يتقبل شهداءنا، ويشفي مرضانا، ويرحم موتانا، ويفك أسرانا، ويعيد المخطوفين المغدورين المحجوزين إلى أهلهم سالمين، آمين برحمتك يا أرحم الراحمين!
أحبتي في الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء رمضان؛ فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين) متفق عليه. تفتح أبواب الجنة والناس لا يزالون في دار العمل لم ينتقلوا إلى دار الجزاء، تفتح لهم أبواب الجنة حقيقة فالجنة مخلوقة لها أبواب ثمانية ما بين مصراعي الباب كما بين مكة والمدينة ومنهم من يكون كمسيرة أربعين يوما، يأتي الناس يوم القيامة يزدحمون بالأكتاف والمناكب عند دخول الجنة على سعة أبوابها، وكما تعلمون -أيها الأحباب- أن من هذه الأبواب باب الريان للصائمين ينادى يوم القيامة: أين الصائمون؟ ادخلوا من باب الريان، فإذا دخلوا لم يدخل معهم أحد فيغلق فلا يدخل بعدهم أحد.
باب الريان على وزن (فعلان) صيغة مبالغة، فالري فيه كثير، والخير فيه كثير، والثمار والأشجار والأنهار والأطيار، وكل صائم عليه أن يتخيل الآن أن قدمه اليمنى دخلت من هذا الباب. الله أكبر! إنه باب ملك الملوك، في كل رمضان يَفتح الله أبواب الجنان والناس لا يزالون في دنياهم يعملون فكأنه يقول لهم: أنتم ضيوفي، وهذا نزلكم، فَتحت أبوابه وجهزته وهيأته وما عليكم إلا أن تعملوا على الدخول من هذه الأبواب.
الله جل جلاله يحرك كوامن النفوس، فالإنسان عندما يرى الأبواب أمامه مفتحة يندفع ويتشجع، إذا زار الإنسان السلطان فرأى أبوابه مغلقة وليس عندها أحد فإنه لا يقترب، أما إذا زاره ووجد الأبواب مفتوحة، والأضواء مشعة، والروائح تفوح، والخدم والحشم على أبوابه فإنه يتشجع، الله سبحانه يحرك كوامن النفوس فيقول: إذا صمتم وقمتم هذا الشهر إيماناً واحتساباً فلن تجدوا جنتي مغلقة، إنها تناديكم بأبوابها المفتوحة، والله يدعو إلى دار السلام، فهيا إلى هذه الأبواب بالصيام والقيام فما بينك وبينها إلا أن تفيض الروح إلى الله: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:31-35]
ما أجمل هذا اليوم! يوم أن ينادى عليك وأنت عند باب جنة ربك واقفاً مع نبيك صلى الله عليه وسلم وهو يقعقع الباب فيقول الرضوان: من؟ فيقول: محمد. فيقول: لك أمرت أن أفتح، فتفتح من جديد للمسلمين كما فتحت وهم في دار العمل، فتفتح بقيادة محمد صلى الله عليه وسلم وهم في دار الجزاء، نعم، فقفوا عند أبواب الله ولا تقفوا عند أبواب الحكام الذين يستذلون العباد ويسلبون الثروات، هذا الباب الذي يسع الخلق من أهل الإيمان والإسلام، فقفوا عند باب الله، قفوا عند باب ملك الملوك ولا تمدوا أيديكم إلا إليه وحده لا شريك له، فعرشه هو العرش الباقي، وكرسيه هو الكرسي الباقي، وكل العروش والكراسي زائلة.
أحبتي في الله: إننا نرى بعض الوجوه التي لا تصلي ولا تصوم ولا تزكي، عيونها ليست كالعيون، وجباهها ليست كالجباه، لأن الله خلق الجبهة أن تسجد وهو يمنعها ستين عاماً لا تسجد لله، الله أمر العيون أن تدمع له وهي لا تدمع ولو مرة واحدة لله، الله أمر الأنوف أن تخضع له وهو شامخ بأنفه إلى السماء؛ فوجهه وملامحه تغيرت؛ لأن أعضاء الوجه لم تؤد العبودية المطلوبة منها لله، فوجهه -والعياذ بالله- كوجه إبليس، من هنا كانت وجوه أهل الجنة كالقمر ليلة البدر، قال: (والتي تليها على أضوء كوكب دري في السماء، لكل امرئ منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وما في الجنة أعزب) ليس في الجنة أعزب.
الله جل جلاله يجعل لكل شاب وشابة زوجة وزوجاً، فالجنة دار نعيم ومن النعيم أن يلتقي الزوج بالزوجة، أقول هذا للذين يحرمون الناس من أزواجهم.. الذين يدخلون البلاد ومنهم أئمة مساجد ومؤذنون ومدرسون يعملون في المجالات الصالحة تمضي خمس سنوات أو ست بلا زوجة، أنا لا أدري كيف يفكر هذا وهو يصلي بالناس! كيف يخشع وهو يصلي بالناس! كيف يؤذن وقلبه مع أهله وزوجته! كيف؟! كيف؟! الخير كثير، والمال كثير، والرزق كثير، والله سبحانه قد ضمن الرزق للناس وخلق الأرض وقدر أقواتها سبحانه في أربعة أيام، ومع هذا يظل المسكين في عذابه وهمومه وأحزانه يتعرض للفتن في كل لحظة، الله يجعل لكل مسلم زواجاً خاصاً به في الجنة -خاصة- لمن حُرم الزواج في الأرض أو منع من أهله، متزوج أعزب! كيف يكون؟! وليت العزوبية استمرت شهراً أو شهرين إلى أن ينجز المعاملات والأوراق.. لا. بل سنوات! لماذا سنوات؟ قال: إذا سمحنا له أن يأتي بزوجته وأهله سيكلف الدولة دواءً وعلاجاً في المستشفيات ومصاريف: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268]وتأتي الحروب تأكل المليارات؛ لأنهم حرموها الصالحين والصالحات.
وكأني أرى هذا القلب المتلفت الخائف المضطرب هو ما يتعرض إليه المستضعفون في هذه الأمة من سجون ومعتقلات وتشريد، خائف على عرضه أن يهتك، خائف على رزقه أن يقطع، خائف على أولاده أن يفصلوا من المدارس، أنا لو عملت إحصائية لشعوب الأمة العربية والإسلامية لوجدت معظم قلوبها كقلوب الطير المذكورة في هذا الحديث، وبالأخص شباب الصحوة الإسلامية مساكين! في تونس مسجونون.. في الجزائر .. في مصر .. في ليبيا .. في المغرب في العراق .. في سوريا من عام (1970م) قلوبهم كقلوب الطير لو قعقع الباب.. أسرانا! أسرانا! من الأطفال والنساء والعجائز قلوبهم كقلوب الطير، لا يسمعون خطوات السجان ولا يقعقع الباب ولا يهز الريح إلا وفرت قلوبهم من بين أضلاعهم كقلوب الطير، بعض الشعوب الذين تتسلط عليهم رجال المخابرات وأمن الدولة، يحارب في لحيته.. في ثوبه.. في صلاته، بعض الدول لو أطال في المسجد أكثر من عشر دقائق يعتقل، وبعض المساجد ممنوع فيها المحاضرات والدروس، التدين ذنب لا يغتفر عند بعض الأنظمة!
مساكين قلوبهم كقلوب الطير، وأكثر ما يهجمون عليهم في صلاة الفجر.
طفل صغير اسمه تيمور يقول: لما أطلقوا الرصاص العشوائي ونحن في الحفر لم تصبه الرصاصة وتسلق على جماجم الناس وجثث الناس في الحفرة في الليل يقول: وتحتي طفلة حية أردت أن آخذها معي ولكن الرعب والخوف قد شل قدميها فلا تستطيع أن تتحرك، وانطلق الجنود يخبرون (البلدوزر) ليدفنوهم وهم أحياء وجرحى وموتى، يقول: فخرجت ففررت في الظلام فجاء (البلدوزر) ودفن الناس، ويظنون أنهم لا يراهم أحد وإنما يراهم الواحد الأحد الذي جعل هذا الطفل الصغير يكشف جرائمهم ويفضحهم، وسيرون ما يفعل الله بهم يوم أن يأتي هؤلاء المساكين كأفئدة الطير، لا أدري كيف كانت أفئدتهم وهم يرون التراب ينزل عليهم في ظلام الليل! بأي خوف كانوا وفي أي وجل! ليتوهم كل واحد منكم أنه معهم في تلك الحفرة بين صراخ النساء والأطفال وعويلها، وتفجر الدماء، وتطاير مخ الإنسان على وجه صاحبه ورعشة الإنسان وهو يحتضر، ورائحة الدم المخلوطة بالعرق واللعاب الممتزج بالتراب والرعب والضجيج عبر الصحراء. كيف يكون حال الإنسان؟؟
قال: (يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير) كأني أراهم والله، بعض الأسر المتدينة الصالحة في بعض الأوطان العربية الأذان الأول يقول: حي على الصلاة، ورجال أمن الدولة يقولون: حي على الاغتصاب.. حي على الاعتقال.. حي على السحل.. حي على إفزاع الأطفال في مهودها، ويرفسون الأبواب ويهبطون من فوق الجدران، الطفل في سريره يتلبط في دمه، والوالد يجر من لحيته، والأطفال يتعلقون بثيابه، والأم لائذة بحزنها عند باب بيتها ترجوهم وتقبل أياديهم أن يتركوه فلا يتركونه.
أسأل الله أن يرني في أمثال هؤلاء المجرمين والحاكمين عجائب قدرته، أسأل الله أن يفرج عن إخواننا المسجونين والمعتقلين في سجون طواغيت العرب وطواغيت اليهود إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك. فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب! أي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول سبحانه: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً).. وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التوبة:72] فيا خسارة من يتلمس رضوان الجبابرة والطواغيت! يحمل سلاحه يجري خلفهم يتلمس حركات عيونهم وشفاههم، يا له من خسران مبين! إنما السعيد يوم القيامة من عمل برضوان الله فحازه.
نسألك اللهم رضوانك في الدنيا والآخرة، ألق علينا محبة منك، وأنزل لنا الرضا والقبول، ألف على الخير قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، واجعل حظنا الأوفر والأكبر يوم لقائك: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].
نسألك بوجهك الذي لا يُسأل به إلا الجنة نسألك الفردوس الأعلى، ووالدينا ووالديكم والمسلمين أجمعين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين!
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
عباد الله! أوصيكم بذكر الله: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].
أحبتي في الله: قال صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلاً في كل زاوية منها أهلون -أي: زوجات- لا يرون الآخرين) لا يدرون بهم لسعة مساحة تلك الجنة، في زواياها المتباعدة زوجات، يذهب إلى هذه فلا ترى تلك لسعة مساحتها، قال: (في كل زاوية منها أهلون لا يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن، وإن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة فتهب عليهم ريح الشمال) ريح الشمال عندنا تأتي بالغبار، أما في الجنة فتأتي بالمسك والجمال: (تهب عليهم ريح الشمال فيزدادون حسناً وجمالا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً! فيقولون: وأنتم والله، لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالا) معنى هذا أن جمال أهل الجنة متجدد من حسن إلى أحسن.
تأمل الزوج فيها محاسناً ليس تنفد |
الحسن في كل جزء منها معاد مردد |
فبعضه بانتهاء وبعضه يتولد |
وكلما عدت فيه يكون في العود أحمد |
نعم، فأقول للذين تزيغ أعينهم في الأسواق والجمعيات وعند الإشارات على النساء مما حرم الله: تذكر هذا الجمال الدائم فضح بالجمال الزائل، تذكر ما عند الله:
أذلك خير أم القاصرات تخال مباسمهن البروقا |
قصرن على حب أزواجهن فمشتاقة تتلقى مشوقا |
وترفلن في سرقات الحرير فتبصر عيناك مرأىً أنيقا |
إذا هبت الريح فوق الكثيب أثارت على القوم مسكاً سحيقا |
ويوم زيارتهم يركبون من الخير والنور نجباً ونوقا |
كلوا واشربوا فلقد طالما أقمتم بدار الغرور الحقوقا |
ويقول عليه الصلاة والسلام: (ألا أخبركم بأهل الجنة؟ قالوا: بلى. قال: كل ضعيف متضعَّف -وفي رواية- متضعِّف) ضعيف ويستضعفه الجبابرة، يذلونه.. يقهرونه.. يسحلونه، ما أكثرهم في هذه الأمة -أيها الأحباب- ما أكثرهم! فكم في السجون من أبرياء في عالمنا: (كل ضعيف متضعف) ويقول عليه الصلاة والسلام تكمالاً في صفته: (لو أقسم على الله لأبره، ثم قال: ألا أخبركم بأهل النار؟ قالوا: بلى. قال: كل عتل جواظ مستكبر)ويقول: (رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره) لاحظ: أشعث، أول ما يتبادر إلى ذهنك صورة هذا المعتقل من الشباب الصالح أشعث لا يمشط شعره، لا يأذنون له أن يغتسل ولا أن يتنظف؛ حتى إن رمضان يدخل ولا يخبرونه أن رمضان دخل، مسكين لا يعرف متى يبدأ الشهر ومتى ينتهي، لا يستطيع أن يقضي حاجته إلا في إناء واحد يأكل منه ويقضي حاجته فيه، نسأل الله العافية!
نعم (أشعث) الهوام في شعره من القمل وغيره ابتلاء، ولو علم أهل العافية ما لأهل البلاء عند الله يوم القيامة لتمنوا أن يقرضوا بالمقاريض، ما ذاق من زهرة الدنيا شيئاً ولا من حلاوتها .. بعيد عن زوجته.. بعيد عن أولاده.. بعيد عن مسكنه، في زنزانته مدفوع بالأبواب، وهذا شهدناه في الأفلام الوثائقية، يجرونه من عنقه، وإذا جاء عند الباب دفعوه أو ركلوه في صدره بالحذاء العسكري: (مدفوع بالأبواب).
والزوج الظالم المتجبر الذي يدفع زوجته عند أبواب بيته وفي داخل بيته طغياناً وكبراً وعلواً لا ذنب لها إلا أنها مسلمة، الولد الصالح الذي يضربه والده من أجل صلاحه، والله إن أماً اتصلت فقالت: تعال انظر! ابني يصوم وعمره اثنا عشر عاماً يصوم الإثنين والخميس، وأبوه وقت الغداء يضع الطعام في فمه ويصفعه ويقول: لماذا تصوم؟! يضربه لأنه يصوم، هذا الأب العلماني الشيوعي الخبيث. نعم.. الأمة ابتليت بهذا الصنف من الناس.. في السجون.. في البيوت.. في الشوارع.. عند أبواب المخافر، قال عليه الصلاة والسلام: (رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره) الله يبر قسمه، أي: لو قال: اللهم إني أسألك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، أقسم باسمك الأعظم أن تفعل كذا وكذا لفعل الله له سبحانه وتعالى، وأبر قسمه سبحانه عاجلاً أو آجلاً.
قال: (ذو سلطان مقسط متصدق موفق -والصنف الثاني- ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم) سبحان الله! صفة عجيبة رجل: فيه صفات الرجولة، رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، والله أعرف بعض الأقارب مليونير وعنده أخت أو عمة أو خالة تأخذ من الشئون! لا يعرفها ولا يصلها ولا يذكرها، وإذا ذهبت إليه ونصحته لا يرضى كأنه يقول: تريد أن تساويني مع هذه الحافية! من قال لها ألا تكون غنية؟! وكأن الفقر والغنى بيد الناس.
وقال في النوع الثالث من أهل الجنة: (وعفيف متعفف) عفيف أي: شريف.. لا يزني.. لا يأخذ رشوة.. لا يغش.. لا يخدع.. لا يغدر.. عفيف. متعفف أي: لا يمد يده إلى الناس إذا احتاج: يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ [البقرة:273]ومع أنه محتاج لأن أولاده كثير قال: (عفيف متعفف ذو عيال) العيد مقبل، ويحتاجون إلى ملابس وهو لا يملك أن يشتري لهم ثياباً جديدة ولا يشتكي، عفيف متعفف.
قال: (هم الذين فيكم تبعاً لا يبغون أهلاً ولا مالاً) لا يحتاج إلى زوجة لأنه عنده ماجنات زانيات فاجرات، عنده جنس مشاع وليس عنده استعداد لكي يتحمل مسئولية بيت وزوجة وأولاد، لهم سهرات، كل فريق وكل فيلق وكل كتيبة فيها فرقة ترفيهية قال: (لا يبغون أهلاً ولا مالا) لماذا لا يبغون مالاً؟ لأن قائد الحزب أغناهم وأعطاهم كل ما يريدون.
النوع الثاني قال: (والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه) خائن يخون في كل شيء، في المسمار .. في الدبوس .. وفي الورق وفي السواك وفي كل شيء ثم يعلن بهذا، يأتي ويقول: أنا سرقت اليوم كذا وكذا وفعلت كذا وكذا ولا يبالي، لماذا لا يبالي؟ لأن ظهره قوي فوق القانون، القانون لا يطوله، ولو بحثت فهو غير محتاج، وإنما السرقة والخيانة عنده مرض نفسي لا يرتاح ولا ينام حتى يخون.
وقال عليه الصلاة والسلام: (ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك في أهلك ومالك) نسأل الله العافية. يخادعك في أهلك: يتسلط على أولادك يحولهم من مصلين إلى سكارى متعربدين، يبعث أولاده اذهبوا إلى أولاد فلان خذوهم إلى الملهى، وعلى أهلك: يرسل زوجته حتى تخون الزوجة، ولماذا أنت صابرة على هذا المتدين؟ على هذا المعقد؟ على هذا الأصولي المتطرف؟ اذهبي .. سافري .. ارقصي .. وغني .. واحضري الحفلات، ضعي (مكياجاً) واكشفي الشعر، ذوقي طعم الحياة، تحرري مثلي، لماذا هذه العقد؟ لماذا هذه القيود وأنت شابة؟
انظر إلى الخيانة العجيبة! قال: (يخادعك في أهلك ومالك ثم ذكر البخيل الكذاب والشنظير الفاحش) شنظير فاحش: لسانه بذيء والعياذ بالله، إن كتب مقالاً يستهزئ بالمحجبات اللواتي يطبقن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الله حرم أن تصافح المرأة الرجل الأجنبي وهو يستهزئ بهن لأنهن يحرمن ما حرم الله! شنظير.. حتى عندما نفسر هذه الكلمة فهي تفسر نفسها (شنظير) كلمة تخوف نسأل الله العافية.
أيها الأحباب الكرام: نسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة ولا يجعلنا من أهل النار هو ولي ذلك والقادر عليه، اللهم إنا نسألك علماً نافعا ورزقاً واسعاً وشفاءً من كل داء، اللهم إنا نسألك أن تفك أسرانا يا أرحم الراحمين! وأن تفرج عن كل ضعيف متضعِّف مدفوع بالأبواب، اللهم فك أسر المأسورين وسجن المسجونين من شباب الصحوة في كل مكان.
اللهم انصر المجاهدين في فلسطين ، وانصرهم في أفغانستان وانصرهم في الجزائر وانصرهم في الصومال وإرتيريا وكشمير والفلبين وفي كل مكان، اللهم انصرهم ومكن لهم برحمتك يا أرحم الراحمين! واجعل بلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين أمناً وإيمانا سخاءً رخاءً، احكمنا بكتابك وسنة نبيك.
اللهم اجعل حياتنا حياة الطيبين، ونسألك لأمتنا من مشرقها إلى مغربها خليفة ربانياً يحكم بكتاب الله وتحرسه أنت ولي ذلك والقادر عليه.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ؛ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر