وهنا يحرص الشيخ أن يعطي ملخصاً للدين في كلمات يسيرة مبسطة يفهمها كل من يسمعها أو يقرؤها، وهي مع ذلك تشتمل على أصول الإسلام.
اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
إخوة الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عنوان هذا الدرس (اعرف دينك) في مساء يوم السبت السابع من شهر ذي القعدة لعام ألف وأربعمائة واثنى عشر للهجرة.
(اعرف دينك) موجز مبسط سهل ميسر لهذا الدين الذي بعث به محمد عليه الصلاة والسلام.
من أسرار رسالته عليه الصلاة والسلام أنها ميسرة ومبسطة وسهلة قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17].
ومن خصائص هذا الدين أنه يفهمه الشيخ الكبير المسن، والأمي العامي، والطفل والأعرابي، فقد جعله الله ديناً عاماً للبشر، فكان لزاماً على من يدعو إلى الله عز وجل أن يحاول أن يعرضه وأن يطرحه للناس، علَّ هذا الدين أن يدخل في أهل المدر وأهل الوبر وأن يعيه الناس، ولو قدمنا الإسلام سهلاً ميسراً كما قدمه الرسول عليه الصلاة والسلام لدخل الناس في دين الله أفواجاً، فقد عرضه عليه الصلاة والسلام على الجارية الصغيرة حين تأتي إلى المعلم العظيم عليه الصلاة والسلام فيقول: أين الله؟ فتشير إلى السماء، فقال: (أعتقها فإنها مؤمنة).
يأتيه الأعرابي يسأله عمن رفع السماوات وبسط بالأرض ونصب الجبال، فيخبره النبي عليه الصلاة السلام فيؤمن ويدخل الجنة، أعرابي آخر يأتي من الصحراء وقد ترك ناقته وغنمه، ويسأل الرسول عليه الصلاة والسلام عن الدين قال: (أنا أدعو إلى الله الذي إذا أصابك قحط فدعوته كشفه عنك، وإذا ضلت ناقتك في الصحراء فدعوته ردها عليك) فكيف نعرض الدين؟ وكيف نخبر الناس بموجز مبسط.
أما سبب المحاضرة فإني أريد من نفسي وإخواني أن نتنزل في المعلومات والمصطلحات، وأن نقرب الكلمات ليعي الناس هذا الدين بشكل موجز مبسط.
أما فائدة مثل هذا الدرس: فهو مفتاح الجنة، إذا عملت به أخذت المفتاح ودخلت الجنة، وثمرته النجاة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، ومعناه أن تتابع محمداً عليه الصلاة والسلام وتركب سفينته، وسنته كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك.
تصور الإنسان العربي قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام بعقله وجثمانه، بدمه، وتفكيره وبصيرته وبصره، يأتي فيجمع حفنة من التمر، فيسجد لها من دون الله، فإذا جاع أكلها، ويذهب إلى الصنم فيرى الثعلب يبول على الصنم فيسجد للصنم، إن حتى أحدهم أنف من هذا فيقول:
أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب |
فأتى عليه الصلاة والسلام فعلمنا من هو الله، وكيف خلق السماء، وكيف خلق الأرض، وماذا يستحق، وكيف ندخل الجنة، وكيف نتجنب النار، فأخبرنا أن الخالق هو الله، والرازق هو الله، وأنه لا يستحق العبادة إلا هو سبحانه، وأنه لا يجوز أن يشرك هذا العبد مع الله إلهاً غيره، ثم أخبرنا عليه الصلاة والسلام أنه بشر وأنه يبلغ الدعوة، ولكنه لا يملك ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِك مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً، ولا يشافي ولا يعافي ولا يحيي ولا يرزق إلا الله.
لا إله إلا الله معناها: أنه لا يعبد إلا الله الواحد الأحد؛ لأنه كان هناك آلهة، وكفار قريش آمنوا بالرب سبحانه أنه خالق ورازق، لكنهم جعلوا معه آلهة أخرى، فتوجهوا لها بالعبادات، فأتى صلى الله عليه وسلم يقول: لا إله إلا الله، لا يعبد إلا الله، ولا يسأل إلا الله، ولا يستغاث إلا بالله، ولا يرجى إلا الله، ولا يخاف إلا الله، ولا يرغب إلا فيما عند الله، ولا يرهب إلا مما عند الله عز وجل، حتى يقول لكفار قريش: { قولوا كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم، فقال
الثاني: اليقين: ومعناه أن تتيقن بقلبك وتعتقد اعتقاداً جازماً بهذا؛ لأن المنافق قد يعلم لا إله إلا الله، ولكن لا يعتقد جدواها، يعلم مثلاً أنه لا يستحق العبادة إلا الله، لكن قلبه يأبى، أما المؤمن فيتيقن يقيناً لا شك فيه.
الثالث: القبول: فبعضهم يعلم ويتيقن، ولكن لا يقبل لا إله إلا الله، ولا يقبل ما بعث به عليه الصلاة والسلام، فلابد أن تقبله وتجعله على عينك ورأسك قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] وبعض الناس يأخذ شيئاً من الإسلام ويترك شيئاً، انظر إليهم في السنن الآن، بعضهم يتضايق من بعض السنن، يقول: يكفي أن أصلى وأن أصوم وأن أحج، أما هذه فثقيلة أو لا أستطيع، فهم من الذين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض، وهم من الذين جعلوا دينهم عضين، ومن الذين فرقوا دينهم، فهؤلاء لا يرضى الله عملهم حتى يتموا القبول من الرسول عليه الصلاة والسلام، فعليك أن تقبل وأن تجعل ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم أغلى عندك من مالك ودمك وأهلك ونفسك.
الرابع: الانقياد: إذا قبلت ما جاء به صلى الله عليه وسلم فعليك أن تنقاد كما ينقاد الجمل لصاحبه، والمؤمن أكرم لكنك تسلم مقاليد نفسك وحياتك للرسول صلى الله عليه وسلم، فتعطيه معتقدك وحياتك وأدبك وسلوكك وأخلاقك، وتلزم كل حياتك على منهجه صلى الله عليه وسلم، فإن بعضهم الآن يأخذ منهج حياته في المعتقد من الإسلام، وفي الأخلاق من الغرب، وفي السلوك من الشرق، وفي الأعمال والمعاملة من فلان وعلان، فخذ أنت منهجك من محمد عليه الصلاة والسلام وحده: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
الخامس: الإخلاص: فلا تقولها رياءً، أو لا تعبد الله عز وجل رياءً بل كما قال تعالى: مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5].. أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3] فهو الذي يطلع على السرائر، وهو الذي يعلم ما في الضمائر، فتخلص له العبادة.
يقول الله عز وجل: {من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه} رواه مسلم. ولو ذرةً، تركه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وما عمل، فلابد أن يكون عملك خالصاً لوجه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
السادس: الصدق: فلا تكن كاذباً في قولك، ولا فعلك، ولا كاذباً في اعتقادك، ويظهر الكذب في بعض الناس، فمن يقل: لا إله إلا الله ولا يصلي الفجر في جماعة فهو كاذب في لا إله إلا الله، ومن يقل: لا إله إلا الله وأمواله في البنوك الربوية فهو كاذب في لا إله إلا الله، من يقل: لا إله إلا الله وهو يوالي أعداء الله على أولياء الله فهو كاذب في لا إله إلا الله!
لا إله إلا الله ليست كلمة فقط، فلو كانت كلمة فحسب لقالها اليهودي والنصراني والبوذي والشيوعي ودخلوا الجنة، لكن حرمها الله عليهم لأنهم ما عملوا بمقتضاها وما صدقوا فيها.
من الكذب في الأخلاق: أن تتعامل مع المسلمين بأخلاق اليهود فتخونهم، وتتعرض لهم، وتضمر لهم الدسائس، وتكيد لهم المكائد، وتطلب لهم العثرات، وتفرح بزلاتهم، وهذا كذب في لا إله إلا الله، وقس على ذلك كثيراً من السنن.
السابع: المحبة: أن تندفع إلى الدين بمحبة وبقلب، أن تأتي للمسجد وصدرك منشرح، لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قال في المنافقين: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:142] ويقول: وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة:54] فالمنافق ينفق وهو كاره، ويأتي للمسجد وهو كاره، ويحضر المحاضرة وهو كاره، أما أنت فتحب وتحمد الله عز وجل على أن أجلسك في المسجد، وعلى أن جعلك تصلي وتصوم وتحج وتعتمر، ولم يجعلك شيوعياً ولا نصرانياً ولا يهودياً ولا بوذياً.
وقد كان في استطاعة الله وبحكمته أن يولد الإنسان كافراً وأن يعيش كافراً وأن يموت كافراً، لكن اختارك الله واجتباك واصطفاك من بين الألوف المؤلفة والملايين المملينة لتكون مسلماً، تقول: لا إله إلا الله بمحبة، وتعتقد لا إله إلا الله محبة، وتعمل السنن بمحبة، بعض الناس يتضايق من السنن، يعمل بعض السنن ويقول: والله في قلبي حرج، ولولا بعض الأمور والمجاملات لما فعلت، فهذا في قلبه حرج، لا يحب ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
الثامن: الكفر بما سوى الله تعالى قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ [البقرة:256] التخلي والتحلي؛ أن تكفر بغير الله عز وجل فلا تتعلق بغيره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من وثن أو صنم أو نجم أو كوكب أو شمس أو قمر أو شيخ أو معلم أو مرءوس، فلا تتجه إلا إلى الله الواحد الأحد قال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] وصور الشرك كثيرة، منها متطور ومنها بسيط، ومنها أبجدي ومنها عالي المستوى معقد، فكل بحسبه، الأعراب عند المشعوذين والكهنة والسحرة والأنصاب والأزلام إلا من رحم الله، بعض الذين تعلموا وأخذوا نصيباً من العلم عند المشايخ، يقدم رأي الشيخ على كلام الله عز وجل وكلام رسوله إلا من عصم الله عز وجل، بعض الناس عند الكيانات والاتجاه إلى غير الله عز وجل وإلى المصادر التي ما أنزل الله بها من سلطان، هذه صور من صور الشرك، وهي تتطور مع تطور الزمن، ولكن تبقى مظلة لا إله إلا الله محمد رسول الله.
ألا تخاف إلا منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيما لا يخاف إلا منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ليس الخوف الطبيعي، فإن الإنسان قد يخاف من الأسد، ويخاف من الثعبان، فهذا مركب في الفطرة، لكن بعض الناس يخاف من بعض الناس أن يمنعه الرزق أو يعطله من الحياة، أو يغير عليه القضاء والقدر، أو يمنعه من الولد أو غير ذلك، وهذا سوء ظن بالمولى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويدخل في المسألة: {وإذا سألت فاسأل الله} فلا تسأل فيما لا يقدر عليه غير الله عز وجل إلا الله تبارك وتعالى، فإذا سألت غيره ما كان لك من نصيب، وما لُبِّيَ طلبك وخسرت الدنيا والآخرة.
قال تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65] وفي حديثه لـأبي ذر: {لا تشرك بالله -هذا حديثه صلى الله عليه وسلم لـ
ومما يلحق بهذا الذبح بعض الاعتقادات التي توجد في بعض المجتمعات أن المرأة إذا انتهت عدتها فإنه لا بد أن يذبح لها ذبيحة، وهذا في حد ذاته مخالف لسنة المعصوم عليه الصلاة والسلام، وهو بدعة، ولم يعرف عنه عليه الصلاة والسلام ولا عن أصحابه أنه أمر أو سن الذبح للمعتدة إذا خرجت من العدة.
إن المرأة تكرم في أي وقت، لكن أن تتخذ مراسيم ثابتة دائمة مستمرةٌ، فهذه البدعة التي نهى عنها النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد}.
ومنها عدم صرف أي شيء من العبادة لسوى الله عز وجل: مثل الدعاء أو التوجه أو القصد أو المسألة أو الخوف أو الرجاء، وكلها تنافي معتقد التوحيد.
فتعرف الله معرفة كما عرفها الأنبياء والرسل، والثاني الرسول عليه الصلاة والسلام تعرف من هو هذا الرسول، والثالث: الإسلام.
أما توحيد الربوبية فقد أقربه أبو جهل وأبو لهب ومشركو قريش قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزمر:38] وأقر أبو جهل أن من خلق الشجر الله والجبال والأحياء هو الله، لكنه خالف في توحيد الألوهية، والأنبياء بعثوا بتوحيد الالوهية، ويقول شيخ الإسلام في كلام ما معناه: الأمم جميعاً تثبت توحيد الربوبية لله، حتى فرعون أنكر الصانع في الظاهر، لكن أثبت الخالق في الباطن، حتى يقول له موسى: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً [الإسراء:102].
ثم توحيد الألوهية: أن تعتقد أن لا إله إلا الله، ولا يستحق العبادة بأنواعها إلا الله من ذكر ودعاء واستعانة ومسألة وخوف ورجاء وحب.. إلى غير ذلك.
وأما توحيد الأسماء والصفات: فهي أن تقر وتثبت لله ما أثبته له أنبياؤه ورسله عليهم الصلاة والسلام من صفة أو اسم من غير تمثيل ولا تحريف ولا تشبيه ولا تعطيل؛ كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].
وأهل السنة لهم قواعد أربع في الأسماء والصفات: الإثبات المفصل، النفي المجمل، الإثبات المقيد، الاستفصال.
فأما الإثبات المفصل فهم يثبتون صفات الكمال مفصلة، فيقول: كريم، رحيم، عليم، حليم، واسع، بر، لطيف، إلى غير ذلك، فيثبتونها مفصلة.
وأما في النفي فإنهم ينفون مجملاً فيقولون: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] فلا يقولون: الله لا يجوع أو لا ينسى، الله لا يضل والله لا يبخل لا يقولون هذا، وهذه طريقة علماء الكلام.
الإثبات المقيد يثبتون لله الصفة مقيدة مثل قوله تعالى: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [التوبة:79] فالله عز وجل لا يقال له ساخر، ولكن تثبت هذه الصفة مقيدة، فيقول: يسخر بمن يسخر به: وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة:14-15] فهو يستهزئ بمن يستهزئ به إثباتاً مقيداً، ومنه: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ [الأنفال:30] ويُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142].
وأما الاستفصال فـأهل السنة يستفصلون في ألفاظ ليست في الكتاب ولا في السنة، كأن يقال لك: الله مهندس الكون فإن ذهبت تقول: نعم، أخطأت لأنه قد يكون في الكلام أسرار لا تدري بها، وإن قلت: لا، أخطأت لأنك قد تنفي معنى صحيحاً، لكنك تستفصل، فتقول للقائل: ما معنى مهندس الكون؟ فإن قال: خالق الكون والذي صنع الكون فتقول: معناك صحيح، ولكن اللفظ خطأ، قل: الله خالق الكون، هذا استفصال، وإذا قال: مهندس الكون معناه أنه يهندس الكون مثلما يهندس المهندس العمارة فإنك تقول: أخطأت في المعنى وفي اللفظ، فهذه مسائل أهل السنة في هذا.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحدُ |
فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحدُ |
قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. [يونس:101] وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ [ق:10-11] وقال تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية:17-20].
هذه آياته دلت عليه، كل شيء مكتوب عليه بقلم الوحدانية ويراع الصمدانية؛ لا إله إلا الله، يقرؤها الأمي وغير الأمي، أما تأملت الروض؟ أما دخلت الحديقة؟ أما فتشت البستان؟ كل ورقة من زهرة، وكل نبتة من نامية، وكل لمعة من ضوء وكل قطرة من ماء تدل على الله.
تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك |
عيونٌ من لجين شاخصاتٌ بأحداقٍ هي الذهبُ السبيكُ |
على قُضُبِ الزبرجدِ شاهداتٌ بأن الله ليس له شريكُ |
كل الكون كتاب مفتوح؛ بعث الأمي الذي ما حمل قلماً ولا طبشورة، ولا رأى سبورة ولا شيخاً ولا أستاذاً، بعثه فقيل له: (اقرأ) وهو في الغار، وما عنده أقلام ولا دفاتر ولا مراسم ولا طباشير، أين يقرأ؟ قيل: معناها اقرأ في الكون، اقرأ في السماء من خلقها ورفعها وأوجدها.
وكتابي الفضاء أقرأ فيه صوراً ما قرأتها في كتابِ |
فلا بد أن نقرأ جميعاً.
ويا أيها الإخوة! تبلد إحساسُنا وماتت عواطفنا، فما أصبحنا نقرأ في الكون، شغلتنا الغسالة والبرادة والثلاجة والحفارة والطائرة والسيارة عن الكون، وعن الجمال في الكون، الزرع بديع، والروض مخضر، والسماء تتحدث، وقلم الصمدانية ويراع الواحدانية يكتب، ولكن من يقرأ؟ لا بد أن نقرأ وأن نتأمل.
والإسلام الآن يعبر الكرة الأرضية، فهذا القرن الذي نعيشه قرن الإسلام، هذه الجمهوريات الشمالية انهارت على رءوس الشيوعية وعلى أنقاض الوثنية، وبدأ التكبير على المآذن: الله أكبر الله أكبر.. الله أكبر الله أكبر.
في موسكو العام الماضي خرج منها ثلاثة آلاف حاج يحرمون من موسكو من أرض لينين واستالين، يقولون عند الكرملن: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، لأنه دين حق يصل إلى الفطرة، أصيل كالمعدن الأصيل، تقبله العقول، ليس فيه خرافات، وليس أضحوكة مثل دين اليهود أو دين النصارى، لا يضحك على العقل، حتى الطفل لا يضحك عليه، بل يخبره أن هناك إلهاً قديراً، وأن هناك رسولاً بصيراً، وأن هناك مصيراً، فيسلم الإنسان ويصدق لأنها حقائق: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [يونس:101] قال تعالى: فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ [الذاريات:23] أصيل يصل إلى القلب ويخاطب الوجدان.
الدرجة الثالثة العليا: الإحسان، وهو: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:218-219] وهذا أغلى وأعلى شيء، وهي درجة أبي بكر الصديق، ذكر الإمام أحمد في كتاب الزهد عن أبي بكر أنه قال على المنبر: [[يا أيها الناس! استحيوا من الله حق الحياء، فوالله الذي لا إله إلا هو إني لأذهب إلى الخلاء لقضاء حاجتى، فأضع ثوبي على وجهي حياء من ربي]] بلغ منـزلة ما بلغها أحد وهي درجة الإحسان، ولابد أن ندرب أنفسنا مع الأيام، ومع التوبة والاستعداد والعمل والمزاولة إلى أن يصل الإنسان إلى هذا المستوى، فهذا ليس خاصاً بالأنبياء، بل يصلها العباد، وربما كان منكم الآن من بلغ درجة الإحسان، فما خلت الدنيا ممن بلغ درجة الإحسان، وربما كان منكم الآن من لو أقسم على الله لأبره. فالإنسان لا ييئس من روح الله، والإنسان يثق فيما عند الله، ويعرف أن الولاية لا تنقطع، كما قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63] فالإنسان يتأمل ويتشوف وتكون همته عالية.
عجباً من همم بعض الناس كيف تكون محصورة في أمور ضيقة، ثم لا تطمح هممهم إلى المنازل العالية التي تقربهم من الله، يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: عجباً لـأبي مسلم الخراساني هددنا بهمته وإذا همته منصب وملك، ثم ذبح على الملك، فعلى ماذا حصل؟ لا على جنة عرضها السماوات والأرض، ولا ندري فمصيره إلى الله، والمتنبي يقول عن نفسه:
أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في ثمودِ |
يقول: أنا في الأمة المحمدية مثل صالح عليه السلام في ثمود، فماذا قدم لنا؟ قصائد معدودة يطلب بها جدوى ويعطى دارهم، ثم مات مذبوحاً في بادية فزارة، هذا هو المكسب، لكن أعظم الناس همة من يصل إلى درجة الإحسان مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم:17].. {أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يرك} والله! لا أعلم همة أعلى من همة الصحابة.
والبراء بن مالك يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في برد ممزق فيقول صلى الله عليه وسلم: {رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، منهم
الأول: خبر ما مضى من القرون السابقة فنصدقه صلى الله عليه وسلم، فإذا أخبرنا عن أمة نوح أو عن قوم فرعون أو عن أية قرية صدقناه صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لا ينطق عن الهوى ولا يكذب على الله، وهو معصوم من الكذب.
الثاني: أخبار الأمور المستقبلة كأن يخبرنا بعلامات الساعة، وخروج الدجال والدابة، وطلوع الشمس من المغرب وغيرها من الآيات، صدقناه عليه الصلاة والسلام واعتقدنا أن ما قاله صحيح، ثم إذا أخبرنا عن الأمور الغائبة كاليوم الآخر والصراط والميزان والعرش والكرسي والجنة والنار صدقناه عليه الصلاة والسلام، ومن لم يفعل هذا فهو كاذب عند الله؛ لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.
يا رسول الله يا من ذكره في نهار الحشر رمزاً ومقاما |
فأقل لي عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاما |
من فعل ذلك فقد أشرك، أو من يذهب ويقول: يا محمد يا رسول الله امرأتي مريضة شافها يا رسول الله، فقد أشرك بالله.. إلى غير ذلك، وهنا قصص طويلة، لكني أحببت أن يكون هذا ملخصاً ميسراً لا استطراد في مسائلة.
عجباً للإنسان يوم يمرض أو تمرض زوجته أو طفله، فيذهب إلى رجل يقرطس ويشعوذ وينفث ويسمي، ثم يدعي أنه شافيه ومعافيه، ويعود بدون لا إله إلا الله، فيعود بلا دين! وهؤلاء الواجب الأخذ عليهم ومضايقتهم ومحاربتهم ورفعهم، والتنكيل بهم، وتشهير أمرهم والوقوف ضدهم، فهم أخطر من أي مجرم في الأرض.
الساحر عند أهل العلم أخطر ممن يروج المخدرات؛ لأن ذاك شهواني صاحب فجور، وهذا صاحب كفر في الدين ومروق عن الملة وحرب على لا إله إلا الله.
ومن هؤلاء من يدعي أنه يعرف الماء في الآبار، ومن علامة كذبه أنه لا يأتي إلى مكان البئر، فيدعي أن فيها ماء، فإذا حفرت كذا متراً وجدت الماء، فهذا كاذب عدو لله عز وجل، ويجب رفع أمره، ومنهم من يدعي أنه يعرف أسماء المرضى فيقول: اسمها فلانة بنت فلان، واسم أبيها كذا، فهذا كذلك كاذب يستخدم الجن ولا يجوز إتيانه.
أيضاً من الملاحظات أنني رأيت في بعض المجالس يكتبون اسم الجلالة في الميمنة (الله) وفي الميسرة (محمد) وهذا لا يجوز نبه كثير من العلماء على هذا، اللوحات التي يكتب فيها الله ومحمد لا تجوز، فإن الله إله، ومحمد بشر وعبد خلقه الله، فحتى الموازاة في الاسم لا تجوز، الله وحده لا إله إلا الله!
ومنها ما يقوله بعض الناس: الله والنبي محييك.
وهذا خطأ وشرك، ولا يجوز قولهم: لولا الله وفلان، إنما يجوز لولا الله ثم فلان، أما وفلان فهذه من الألفاظ الشركية المخالفة لما أتى به عليه الصلاة والسلام.
ما للواحد إلا رفيقه إما باعه وإلا شراه |
ليس للواحد إلا رفيقه في القبيلة فإما أن تبيعه في الدنيا أو تشتريه، سواء في الظلم أو في الباطل، فمهما يكن فأنت معه، وهذا حلف يخالف منهج الرسول عليه الصلاة والسلام، ويخالف الإخاء الإيماني الذي بعث به عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً [آل عمران:103].
ومنهم من يقول: حشرني الله مع قبيلتي ولو في النار، أعوذ بالله! ويقول: لا أريد إلا قبيلتي ولو كانوا في جهنم، أي من حبهم وموالاتهم حتى على الباطل، ومنهم من يقوم فيحلف مع قبيلته على جبل لا يعرفه أو على أرض لا يعرفها، ولا يدري بما قال، وإنما من أجل القبيلة ويظن أن هذا موقف تظهر فيه الرجولة، وهذا من الحلف المبتدع المعاند لما بعث به عليه الصلاة والسلام.
وبعضهم يخالف في مسألة الحجاب، إذا أمرتهم بالحجاب رفضوا وقالوا: ليس في قلوبنا شيء، نشأنا والمرأة عندنا لا تتحجب، والجماعة إخوانها وأقاربها وأعمامها، وليس في قلوبنا شيء، قلوبنا نظيفة وطاهرة وطيبة، أما القراطيس التي أتيتم بها فلا نريد أن نسمعها، قال ابن القيم: يخالفون الشرع الحنيف بعاداتهم، فهي من الطواغيت، وهذا طاغوت يسمى طاغوت القبيلة وطاغوت القرية وطاغوت البادية.
فينادي الرسول عليه الصلاة والسلام ولا ينادي الواحد الأحد سبحانه، ومحمد صلى الله عليه وسلم ميت لا يملك ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً، وهو ينادي رسولاً ويترك الواحد الأحد: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:218-219].
ومنهم من يعلق تميمة، قال صلى الله عليه وسلم: {من اتخذ تميمة فلا أتم الله له} أي: لا أتم أموره.
ومنهم من يأخذ فتخة أو خاتماً أو دبلة، ورأيت بعضهم يحزم خيطاً صغيراً قلت: مالك؟ قال: فيَّ عين، والشيخ الفلاني ربط أصبعي، نسأل الله أن يهديه.
صد عن منهج لا إله إلا الله بهذا التصرف؛ خيط بسيط يربط في الكف حتى يشفى من العين! والرسول صلى الله عليه وسلم بُعث لرفع الجهالات والخزعبلات والمضحكات، حتى إن الأمم الأخرى لو رأت مثل هذه الأمور لضحكت علينا، مع العلم بأن ديننا أصيل صادق مبني على حقائق، وتقبله العقول ولا تخالفه.
ومنها تعليق الحجب، والحجب هذه قراطيس يضعونها على المرضى، ورأيت بعضها ملفلفة في مثل الدفتر الصغير، وخيطت بإبرة أو بمخيط، ومكتوب فيها كلمات لا تعرف، فمن علق هذه فلا أتم الله له، ولا شفاه ولا عافاه ولا كفاه، ومنهم من يدفع دراهم ونقوداً ليعلق هذا، ومنها أن العقيم تأخذ خيطاً لتحمل من مقرطس أو مشعوذ، وهذا مخالف لمنهجه صلى الله عليه وسلم.
ومنها أن بعضهم يأخذ شيئاً يمنعه من العين، ويعلقه على باب البيت، ومنهم من كان يعلق بيض الدجاج ويقول: هذه تمنع من العيون والحساد، ومنهم من يتشاءم بأصوات مثل صياح الثعلب، فيقول: أعوذ بالله من البلاء! أعوذ بالله من الشر! فال الله ولا فالك! والثعلب لا يملك ضراً ولا نفعاً، ومنهم من يتشائم بالغراب حتى يقول:
نعب الغراب فقلت نُحْ أولا تَنُحْ فلقد قضيت من الغني ديوني |
وقال آخر:
زعمَ البوارحُ أن رحلتنا غداً وبذاك تنعابُ الغرابِ الأسودِ |
يقول: ولذاك صاح الغراب، وأخبرنا أننا سوف نرتحل غداً، والغراب لا يعرف شيئاً.
ومنهم من يتشاءم بالأرقام، فإن بعضهم يأتي إلى سبعة يقول: ستة وهو يكيل فيقفز السبعة يقول: موفي ثمانية! فمن فعل ذلك فقد اعتقد في الأرقام وقد أشرك في هذه الأمور، واعتقد أن غير الله يضر، مع أنه لا يضر ولا ينفع إلا الله عز وجل، فلا بد للإنسان أن يقول هذا الرقم معتقداً أنه رقم، لا أنه يدعو الجن ولا أنه يناديهم، فهم لا يضرون ولا ينفعون.
قد ترد وتقول: كيف تقول: إنها بدعة وهي صدقة وإطعام للجيران وللضيوف وفيها فعل الخير؟! أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً [فاطر:8] أنا أقول لك وأسألك: ما دليلها من الشرع؟ لأنه لو فتحنا الباب الذي تذكر أنت انفتحت المسألة، ما دليل هذه الحفارة على الميت؟ ليس عليها دليل، تصدق عنه، أما أن يكون كلما مات ميت يذبح غنم بعد موته، ويجمع الناس أو يتصدق بها فإنها بدعة، أقولها جازماً بذلك بعد مداولة ومشاورة وتأمل وسؤال أهل العلم.
إن بعض النساء تعتقد أنه لا يجوز لها أن تلبس إلا السواد مدة الحداد، وغيره من الألوان لا يجوز، وهذا لا يصح وليس بثابت، ولها أن تلبس الألوان غير المتشبهة بالرجال.
ومقصودي من هذا أن كثيراً من الناس يعظمون القسم بغير الله أعظم من تعظيمهم للقسم بالله، وبعضهم بالحرام ونسأل الله العافية، وبعضهم يقول: وحياتي وشرفي ونجاحي والنبي والكعبة، وكلها ألفاظ شركية ما أنزل الله بها من سلطان، والواجب على طلبة العلم إذا سمعوا رجلاً يقول هذا أن ينبهوه في الحال، ومنهم من يقسم بالأمانة، وهذا من الشرك أيضاً، ومنهم من يظاهر بقصد اليمين، وهذا له حكمه لكن أحذر إخواني من استخدام الحرام والطلاق وأن يبقوا على الأيمان الشرعية في وقت الحاجة، يقول الشافعي: ما حلفت بالله صادقاً ولا كاذباً. وذلك لتوقيره لله عز وجل وحدوده ولتأدبه مع ربه لم يحلف بالله صادقاً ولا كاذباً.
لا تقل كيف ولا أين الوصول واتبع خير الملا ذاك الرسول |
أيا رب تخلق ألحاظَ حورٍ وأوراق رند وكثبان رمل |
وتنهى عبادك أن يعشقوا أيا حاكم العدل ذا حكم عدل |
يقول: يا رب تجمل وتزين، ثم تقول: لا تنظروا، فاعترض على الله فكفر بهذا، وهذا يقوله زنديق من الزنادقة. ومنهم ابن الراوندي كان على نهر دجلة يأكل خبزاً يابساً، وكان فيلسوفاً ذكياً لكنه كلب معفر، يقول الذهبي: الكلب المعفر ابن الراوندي، وقد ذكرت هذا كثيراً، كان يأكل خبز الشعير، فمرت عليه خيل مسومة عليها قناطير مقنطرة من الذهب والفضة قال: لمن هذه الخيل؟ قالوا: لفلان المولى، فالتفت إلى السماء قال: يارب أنا فيلسوف الدنيا وذكي العالم، ولي من الكتب كذا وكذا، وهذا مولى لا يجيد اسمه، وتعطيه الخيل المسومة والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وتعطيني كسرة خبز، إن هذه لقسمة ضيزى، فأخذ الخبز وضرب به في النهر، فكفر وخرج من الملة.
سمعت أن أحد الناس في بعض البوادي كانت له طفلة صغيرة، ولجاره تسع بنات، فمرضت بنته وَمَرَّضَهَا، وقد كان مشفقاً عليها لأنه رزقها بشق الأنفس، كانت امرأته عقيماً، ثم رزقه الله هذه الطفلة، والله الحكيم هو الذي يأخذ ويعطي ويتصرف في الكون ونحن ودائع عنده، له أن يأخذ الوديعة متى شاء لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] فلا أحد يسأل الله، فيقول له: لماذا قدمت هذا وأحييت هذا، أو نجحت هذا، أو رسبت هذا، أو أفقرت هذا، أو كبرت هذا، أو صغرت هذا، فهو له الحكمة فهو الحكيم نحن عبيد والعبد لا يسأل سيده، بل يسلم ويؤمن ويصدق ويتبع.
فمرضت هذه البنت، ولما أشرفت على سكرات الموت خرج من بابه والتفت إلى السماء وقال: أما فلان لأن عنده تسع بنات فلا تستطيع تأخذ منهن بنتاً، أما أنا فعلي، لأنها بنت واحدة أخذتها، فنسأل الله العافية والسلامة، ونسأل الله أن يتوب علينا. فبعض الناس لا يتكلم وتراه من داخله يتطاحن.
حتى إن بعضهم الآن يرسب في مستويات حتى جامعية، فيتطاحن من داخل ويغضب، وتجده أحياناً يؤخر الصلاة كالمغضب على الله، في أيام الامتحان يقوم قبل الفجر بنصف ساعة، والآن انظر إلى الطلاب إذا أتت الامتحانات، فهم في صلاة الفجر في الصف الأول مع الدعاء والابتهال: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65] فإذا طلعت النتيجة تركوا المساجد إلا من رحم ربك، فقد أثرت النتيجة في عمله فلا يندفع إلى المسجد، وتجده لا يقرأ القرآن، تقول: لماذا؟ يقول: أنت ما قرأت النتيجة! فكأنه يعترض على الله من داخله.
أيها الناس! هذا موجزٌ بسطته للمقصرين من أمثالي حتى يعرف هذا الدين وأسأل الله أن ينفع به.
في المحاضرات السابقة والدروس كنا نتوسع في الجزئيات والمصطلحات والنقولات، ولطلب كثير من العلماء وكثير من الفضلاء عُرض هذا العرض، فإن وفقت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله منه بريئان، ثم اعلموا أنني أشكر الله عز وجل على أن سهل هذا الاجتماع وعلى أن علمنا ديننا، وأشكركم على حضوركم، ولا أنسى أن أشكر المشايخ الأساتذة في جامعة الإمام بكلية الشريعة وأصول الدين، والأساتذة في مدرسة تحفيظ القرآن الذين نفعوا ببعض الملاحظات وبعض الاقتراحات في هذا الدرس، أسأل الله أن يثيبهم جميعاً وأن يثيبكم، وما بقي من الوقت فللأسئلة، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
الجواب: القسم بآيات الله عند كثير من أهل العلم جائز، فقد جوز كثير من أهل العلم القسم بآيات الله وبكلامه، أما رب المصحف ففيه تفصيل، ولو قال منـزل القرآن لما كان هناك بأس، لكن (رب) توقف فيه بعض الأئمة؛ لأن القرآن ليس مربوباً وليس مخلوقاً، بل القرآن كلام الله، وليس من خلقه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فكلمة رب يوهم أنه خلق المصحف أو خلق الكلام، وهو ما خلقه بل هو كلامه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فالواجب الانتهاء وترك هذا اللفظ.
أيها الإخوة الكرام: أسأل الله أن يجمعنا على كلمة الحق، وأن يوحد بين قلوبنا على ما يرضيه، وأن يفقهنا في الدين، وأنا أمامكم أخ لكم ومحب أقدم رسالة متواضعة إلى جنابكم الشريف، والأمة تنتظر منكم كل خير، لأنكم صفوة الناس أن تنقلوا هذه المعلومات المبسطة الميسرة أو انقلوها إن شئتم من أي كتاب، وأكثر ما نقلت من مثل الأصول الثلاثة للشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فأدعوكم أن تنقلوا هذه المعلومات للناس في البوادي والقرى وألا يتخلف كل إنسان منكم عن نقل مثل هذه المعلومات المبسطة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} ويقول: {بلغوا عني ولو آية} وهي مسئوليتكم أمام الله وجهادكم الأكبر في طرد الشرك والشعوذة والسحر وتعليم الناس الدين، وهو الجهاد الأكبر، ولا جهاد أعظم منه، وهو أن ترد الناس إلى منهج الله، وهذه وصية أقدمها لكل واحد، لا أعلم أحداً في هذا المسجد من هذه الوجوه المئات الحاضرة الطيبة مهما قل مستواه إلا ويستطيع أن يبلغ هذه المعلومات للناس جميعاً.
فأسأل الله أن يثبت وينفع بالأسباب، وأن يهدي وأن يسدد وأن يصلح منا الطوية والنية، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر