وذكر بعض المواقف البطولية، فقد عرض النبي صلى الله عليه وسلم سيفه على الناس ليأخذوه بحقه فأحجموا إلا أبا دجانة فأخذه وفلق به هام المشركين.
وذكر قصص بعض الذين استشهدوا في هذه المعركة: كمصعب بن عمير وعبد الله بن جحش وعبد الله بن عمرو الأنصاري.
أيها الناس: يا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم! يا حملة لا إله إلا الله! نعيش هذا اليوم مع رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في يوم أحد الخالد؛ ذاك اليوم الذي دفع صلى الله عليه وسلم إلى الجنة سبعين من أصحابه، ذبح سبعون من أقرب الأقرباء وأتقى الأتقياء إلى قلب سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165].
قبل المعركة بليلة رأى صلى الله عليه وسلم أن سيفه قد ثُلِمَ ثلمة، وكان تعبير الرؤيا موت سيد الشهداء، ومضى صلى الله عليه وسلم بأصحابه إلى جبل أحد ولما اقترب منه، جلس هناك يستعرض الصحابة ويتكلم إليهم، ثم سل سيفاً في يمينه وقال: (من يأخذ مني هذا السيف يقاتل به هذا اليوم؟ فمد الناس أيديهم؛ كلهم يريد أن يأخذوا سيف الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: من يأخذ مني هذا السيف بحقه؟ -وكلمة بحقه صعبة وضريبة باهظة، من يدري ما هو حق هذا السيف؟- قالوا: ما حقه يا رسول الله؟ قال: حقه أن يضرب به في الأعداء حتى ينحني -ويعوج في رءوس الكفرة والملاحدة- فنزلت الأيدي وبقيت يدا أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدى النخيل
). ألا أقوم الدهر في الكيول أضرب بسيف الله والرسول
ومضى إلى المعركة، وابتدأت معركة الإيمان والكفر، معركة بين لا إله إلا الله وبين لا إله والحياة مادة؛ لأن الشهادة في الإسلام لمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، لتكون كلمة لا إله إلا الله خفاقة منصورة وباقية ثابتة.
إنها التضحيات والبذل ودفع الروح رخيصة في سبيل الله، أما ترى الاشتراكيين والوطنيين والصليبيين والشيوعيين يوم يدفعون أرواحهم من أجل الدنيا، ويقولون: "نصنع التاريخ؟! أما أصحاب الرسول عليهم الصلاة والسلام فيدفعون أرواحهم لتبقى لا إله إلا الله".
أرى كلنا يبغي الحياة بعيشه حريصاً عليها مستهاماً بها حبا |
فحب الجبان النفس أورده البقا وحب الشجاع الحق أورده الحربا |
أتى قتادة بن النعمان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد وسط المعركة، وقد ضربت عينه، فنزلت حتى أصبحت على خده -نزلت عينه بعروقها من مكانها، حتى سالت على خده- وقال: {يا رسول الله! أنظر لعيني! فقال عليه الصلاة والسلام: ادن مني، فدنا منه فأخذ براحته الشريفة ورد عينه مكانها وقال: باسم الله تبارك الله فعادت أحسن من العين الأخرى}. يقول ابنه:
أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد |
وهذه من الأيام المشهودة في تاريخ الإسلام، التي دفع أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام فيها أرواحهم رخيصة في سبيل الله، لتكون كلمة الله هي العليا. ولينتصر الإسلام، ولتبقى شعائر الله، ويبقى القرآن، وأنا وأنت حسنات من حسنات جهدهم عبر التاريخ.
إنها قصة الشهيد الذي كلم الله! إنها قصة المؤمن الذي تحدث مع الله مباشرة! عجباً لهذه الأمة؛ أمة الصحراء، لما حملت لا إله إلا الله؛ تكلمت مع الله كفاحاً بلا ترجمان، فمن هو؟ إنه عبد الله بن عمرو الأنصاري الفقير الزاهد لكنه غني بالإيمان، قوي بالتقوى، خرج من بيته وقد رأى قبل ليلة: أنه يقتل في معركة أحد فاستودع أهله، واستودع بناته واستودع ماله الله الذي لا تضيع ودائعه:
بغض الحياة وخوف الله أخرجني وبيع نفسي بما ليست له ثمنا |
إني وزنت الذي يبقى ليعدله ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا |
وذهب إلى المعركة؛ فقتل بعد أن ضُرب بأكثر من ثمانين ضربة، وسجي بثوب، وقال عليه الصلاة والسلام لابنه جابر وهو يبكي على أبيه: {يا
ومن قاتل لسمعة فلا قبل الله قتاله ولا تضحيته! ولا نفعه جهاده! ومن قاتل لوطنية، أو رياء، أو حمية، أو ليقال: قاتل، أو لمذهب هدام؛ فقد خسر مستقبله وروحه ودمه، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
أقول: ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
أيها الناس! يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: (أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة: رجل آتاه الله شجاعة وجرأة وقاتل في المعركة حتى قتل، فاستدعاه الله على رءوس الأشهاد يوم العرض الأكبر، فقال له: لم قتلت؟ قال: فيك يا رب! -يعني: قاتلت من أجلك- قال الله: كذبت، وقالت الملائكة: كذبت، وقال الله: إنما قاتلت ليقال جريء وقد قيل خذوه إلى النار، فيؤخذ فيلقى في النار).
هذا صنف خرج رياء وسمعة وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) من قاتل لبقاء لا إله إلا الله، ولينتصر الإسلام، وليبقى الدين فهو في سبيل الله.
فبحثوا فوجدوه قد سرق من الغنيمة بردة، لا تساوي أربعة دراهم، وقاتل فقتل، وفي الظاهر أنه شهيد، وفي الباطن أنه ليس شهيداً لأنه خرج لمقصد آخر فانتهى.
ونسأل الله أن يزيل كل طاغية، وأن يمحي أثر كل عاتٍ ومتمرد، وأن ينصرنا بلا إله إلا الله.
عباد الله: صلوا وسلموا على الرسول المجاهد الصادق المخلص، وعلى آله وصحبه والتابعين.
اللهم انصرنا وثبت أقدامنا، اللهم احفظنا واحفظ إيماننا، اللهم من أرادنا بسوء فاشغله بنفسه، اللهم من سل على المسلمين سيفاً فاقتله به، اللهم اهد ولاة الأمر لما تحبه وترضاه، وأصلحهم واجمع كلمة المسلمين وأزِلْ عنا هذه الفتنة وهذه الأزمة، وأخرجنا منها سالمين، واهلك واضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا سالمين غانمين يا رب العالمين.
عباد الله: سلوا الله الثبات، وسلوا الله العصمة، وسلوه النور، يوم يهدي الله الذين آمنوا بنورهم في الظلمات وفي المهلكات.
اللهم إنا نسألك إن أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، ولا مضيعين، ولا مفرطين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر