وقد عرفها الصحابة والتابعون، وقد نقلت إلينا عنهم مواقف تبين تقواهم لله، ولعل من أسباب التقوى التعرف على سيرهم والأخذ بأسباب التقوى الموصلة إليها، ومن ذلك تدبر القرآن والدعاء وذكر الله دائماً وأبداً.
في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك.
لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.
والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، هدى به الله الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية، فعليه صلاة الله وسلامه، وعلى آله، وكل من سار على منواله إلى يوم الدين.
أمَّا بَعْد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
فتقوى الله وصيته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للأولين والآخرين.
كثير من الناس يظن أن معنى الحياة أن يأكل ويشرب، ويتمتع ويركب، ويسكن ويتكلم، وينام ويقوم، إنَّ حصر مفهوم الحياة في هذه الأمور يعني الحياة البهيمية -فالكافر وهو كافر يأكل ويشرب ويتمتع، ويركب ويسكن ويقوم وينام، لكنه كافر- لأن معنى الحياة أن تخرج من الضلالة إلى النور، ومن الغواية إلى الهداية، وأن تنقذ نفسك بتقوى الله من غضب الله، ولذلك يقول عز من قائل: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَات لَِيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122] أومن كان ميتاً في شهوته، وفي ضلالته، وفي عمايته، وفي غوايته -يتبع كل ناعق- كمن أحياه الله بالإيمان وبلا إله إلا الله، وشرح صدره لهذا الدين، وجعل له الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى نوراً وبَصَّره، وعلَّمه كيف يعيش ولماذا يعيش، وإلى أين يسير.
ولذلك يقول ابن تيمية رحمه الله: " من اعتقد أنه سوف يهتدي بغير هدى الله الذي أنزل في كتابه، وأرسل به رسوله صلى الله عليه وسلم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً" لأن المؤمن يعيش مرتين، أو يولد مرتين، والكافر يموت مرتين، فميلاد المؤمن يوم أتت به أمه يوم عرف الحياة، يوم نزل وأول ما وصل رأسه إلى الأرض، فأتى يبكي من ظلم الحياة ومن غوايتها ومما سوف يواجهه من مصاعب ومن مشاكل، ولذلك يذكر ابن كثير في ترجمة زكريا عليه السلام في البداية:
ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا |
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً |
ولدتك أمك باكياً والناس حولك يضحكون سروراً لمجيئك، فأنقذ نفسك قبل أن تأتيك سكرات الموت وقبل أن يأتيك وعد الله واليوم الموعود وتشتد عليك السكرات، فأنقذ نفسك لتبتسم في تلك الساعة، ولذلك يقول الله عز وجل في هذه الساعة: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27] ويقول عز من قائل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32] فالحياة كل الحياة أن تحيا بالقرآن وبالإيمان فهذه هي الحياة الثانية أو المولد الثاني.
وقف أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وهو -كما يقول ابن كثير - في عهده (بعد موت عثمان) أزهد الناس، وأخشى الناس، وأعلم الناس؛ لأنه تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقف على منبر الكوفة، فسئل عن التقوى؟ قال: [[هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل]] اسمع لكلمات النور وحرارة الإيمان التي بعثها جيل محمد صلى الله عليه وسلم في قلوب الناس، هي الخوف من الجليل، والجليل هو الله، والعمل بالتنزيل، فالذي يتقي الله ثم لا يعرف ماذا يتقي ولا تكون تقواه على بصيرة من الكتاب والسنة ما اتقى الله.
والرضا بالقليل، ألا تكون الدنيا أكبر همك، بل ترضى منها ما يكفيك؛ كالمسافر إذا أراد سفراً، والاستعداد ليوم الرحيل، هذا هو تعريفها عند علي رضي الله عنه وأرضاه.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو يسأل عن التقوى، وقبل أن نأتي لسؤال عمر نقف مع عمر وقفة قصيرة:
عمر أحياه الله عز وجل وولد مرة ثانية في الحياة الدنيا، لأنه -كما أسلفت- أن مولد الكافر مولداً واحد، لكن موته مرتين، فـعمر عاش رضي الله عنه قبل أن يسلم في الجاهلية لم يكن يعرف إلى أين يتجه ولماذا يعيش؟ كما يعيش كثير من الناس اليوم.
كثير من الناس اليوم يعيشون على الطعام والشراب، وعلى المنام والكلام، ولكنهم لا يعرفون معنى الحياة، يظنون أنها كأس، ومتعة، ولهو، وغناء، وطرب، وبعد عن الله عز وجل.
فلما أراد الله أن يحيي قلب عمر رضي الله عنه.
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذاك القول العظيم بكتاب الله الكريم، فسمع عمر رضي الله عنه قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه:1-2] فاهتز لهذه الكلمات وسقطت كل ذرة من ذرات الشرك من جسمه، وأتى إيماناً كاملاً من أخمص قدميه إلى مشاش رأسه، فذهب ليبايع الرسول صلى الله عليه وسلم، وانضم إلى هذا الموكب الكريم الذي يتصل أول سنده بنوح عليه السلام، وآخر السند بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى آخر مؤمن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
يقول ابن كثير: ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه مرض شهراً كاملاً لما سمع قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ [الصافات:24-26] لكن عمر رضي الله عنه في بردته البالية، وبعصاه، وبخوفه الذي يعيش فيه، اهتز له كسرى وقيصر فرقاً وخوفاً؛ لأنه خاف الله، ومن خاف الله خوف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله خاف من كل شيء، ولذلك يقول الأول:
يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه |
يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه |
يوم كنا نخاف الله، خوّف الله منا كل شيء، كانت ترهبنا الدنيا، وتخافنا المعمورة، ويدين لنا الكفرة، ويسلم لنا المعاندون، وتضعف أمامنا الجيوش الجرارة؛ لأنا خفنا الله.
أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجواراً |
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا |
لو كان غير المسلمين لصاغها حلياً وحاز الكنز والدينارا |
ثلاثون ألفاً مقابل ثلاثمائة ألف، فلما تلاقى الجمعان، أرسل سعد أحد شباب الإسلام، ألا وهو ربعي بن عامر، ذلك الشاب في الثلاثين من عمره، لا يملك من الدنيا شيئاً إلا ثوبه الذي عليه والرمح الذي بيده، والفرس التي يركبها، لكنه يملك أكبر طاقة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، طاقة لا إله إلا الله، وطاقة أنه يعرف الله، ويريد وجه الله، فدخل ربعي على رستم، فلما رآه رستم ضحك وضحك وزراء رستم الكافر الذي ما عرف الله طرفة عين.
فقال لـربعي: أجئتم تفتحون الدنيا بهذا الفرس المعقور، وبهذا الرمح المثلم، وبهذه الثياب الممزقة، فرفع ربعي رأسه الذي رفعه محمد صلى الله عليه وسلم...
إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها |
بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها |
لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها |
فقال ربعي: [[نعم، ابتعثنا الله، لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]] وكانت الواقعة، ونصر الله جنوده الذين كانوا يسجدون له، ويركعون له ويسبحون بحمده، وهزم الله أعداءه الكفرة الملاحدة الفجرة.
ودخل سعد رضي الله عنه وقد فر كسرى صاحب الإمبراطورية العاتية، الذي ظن أنها لا تهزم أبد الدهر، فلما دخل سعد ورأى إيوان كسرى، إيوان العدوان، والظلم، والبغي، والفجور، قال سعد: الله أكبر، فانصدع الإيوان، انصدع كما يقول أهل السير، فدمعت عينا سعد فرحاً بموعود الله، وقال: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ [الدخان:25-29]. لما اتقينا الله رفع الله -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- رءوسنا في القرون المفضلة، ونصرنا ومهد لنا الدنيا، وأعلى ذكرنا ورفع شامتنا، فلما داخلتنا المعاصي، داخلتنا الذلة، وأصبحنا منزوين مستضعفين مستذلين، أصبح هم الواحد منا -إلا من رحم الله- أن يملأ بطنه، وأن يقضي شهوة فرجه، وأن يسكن بيتاً وارفاً، وأن يركب سيارة فاخرة، أهذه أمنيات المسلم؟!
أهذا هو الطموح الذي يريده الله ويريده رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لا والله!!
يا لتلك التقوى التي عاشها أولئك النفر الصالح البار الراشد، الذي رباه محمد صلى الله عليه وسلم على سمع وبصر.
والسؤال: في ماذا تكون التقوى؟
كثير من الناس يدَّعي التقوى، ويقول بلسانه: إنه متقٍ، لكن ما هي التقوى، تقوى الله (عز وجل) أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، ولذلك كلمة عمر السالفة التي توقفنا عندها، وقال أيضاً لـأُبي وقيل لـكعب:[[ما هي التقوى؟ صف لي التقوى، قال: يا أمير المؤمنين! أمررت بأرض أو بطريق فيه شوك؟ قال: نعم، قال: فماذا فعلت؟ قال: تحفزت وتحذرت، قال: فذلك التقوى]].
ما دام أن هذه الطريق ذات الشوك يتحفز ويتحذر منها المار فكذلك الحياة الدنيا.
فتقوى الله معناها: المحافظة على أمر الله والانتهاء عما نهى الله عز وجل، وتقوى الله تكون في اللسان، وأعظم ما ابتلينا به اللسان، ولذلك يقول بعض أهل العلم: تسعة أعشار الذنوب من اللسان، واللسان هي أخطر ما يمكن أن تجر على المؤمن من الذنوب والخطايا.
ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] ووصف المتقين عز من قائل، فقال: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3].
فنعوذ بالله من أضرار اللسان، ولذلك عرف الصالحون ضررها وعلموا أنه لا يمكن أن تكمل تقوى الله إلا باجتناب ضرر هذه اللسان.
يقول أحد التابعين: رأيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وقد أخذ بلسان نفسه، وهو يحاسب نفسه، ويقول: [[هذا أوردني الموارد]] أي: أوردني موارد الهلاك، هذا وهو أبو بكر الصديق صاحب القدم الثابت في الإسلام، والأول استجابة من الكبار، وصاحب الإنفاق في سبيل الله، وخليفة المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يُدعى يوم القيامة من أبواب الجنة الثمانية. لأن للجنة أبواباً ثمانية كما تعرفون، يقول عليه الصلاة والسلام: { إن للجنة أبواباً ثمانية، فمن كان من أهل الصلاة، دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، إلى آخر تلك الأبواب، فقال
إن لم يكن هذا وفاءً صادقاً فالناس في الدنيا بغير شعور |
رحماك ربي هل بغير سجودنا عرف السجود لبيتك المعمور |
أي جيل هذا الجيل؟! وأي طراز هذا الطراز الذي رباه محمد صلى الله عليه وسلم؟!
من أراد أن يتعرف على تقوى الله فليدرس حياة هؤلاء. فالذي لا يعرف حياتهم، أو لا يدرس حياتهم، أو لا يعرف ما قالوه وما سطروه وما تركوه، سوف يبقى في جهل، وفي عماية وغواية؛ لأنهم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرف الناس بالإسلام.
قال أحد التابعين: جلسنا مع عطاء بن أبي رباح ثلاثين سنة في الحرم ما كان يتكلم إلا بذكر الله أو بآيات الله، أو بأمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو بحاجة لا بد منها، فقلنا له في ذلك، فقال: [[مالكم! أتنسون أن عليكم من يحفظ أنفاسكم ومن يسجل كلماتكم ويحاسبكم به أمام الله؟ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]]] فالله الله في حفظ اللسان.
تحفظ اللسان من اللعن والبذاءة والفحش، ومن الإسراف في المزاح الذي لا يرضي الله عز وجل، ومن كثرة اللغو بغير ما يرضي الله عز وجل، ومن الغيبة، والنميمة، والاستهتار والاستهزاء، خاصة بالأخيار، وبالعلماء، وبطلبة العلم، وبالدعاة، فإن هذا هو النفاق الظاهر الذي لا نفاق بعده.
أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، أي: أحسن هذا المطعم وليكن حلالاً يجيب الله دعاءك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك ذكر صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: {الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له!} أي: كيف يستجاب لمن مطعمه حرام؟ وكيف تقبل صلاته، وصيامه، وحجه، وعمرته، وذكره، وتلاوته للقرآن وقد أكل الربا، ولبس منه وتغذى به وشرى سيارته وبنى بيته بالربا!! وبه ربى أطفاله فأي عبادة هذه؟!
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لعن الله آكل الربا ومؤكله، وكاتبه وشاهديه، وقال: هم في الإثم سواء} فلما قال سعد: {يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، قال: أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، ثم قال صلى الله عليه وسلم: اللهم أجب دعوته وسدد رميته} يدعو لـسعد بن أبي وقاص فاتح العراق، أحد العشرة المبشرين بالجنة، الذي حضرته الوفاة وهو في البادية، كما يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء، فلما أتته الوفاة قربت ابنته عائشة منه وأخذت تبكي، فقال لها: ابكي أو لا تبكي، والله إنني من أهل الجنة، فقال الذهبي: صدقت هنيئاً لك ومريئاً، نشهد أنك من أهل الجنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شهد له أنه من أهل الجنة، ومع ذلك فكان دائماً طيب المطعم، خائفاً من الله وجلاً، فأجاب الله دعوته في أكثر من موضع.
وفي سير أعلام النبلاء أن سعداً رضي الله عنه صلى بالناس في الكوفة فلما خرج من المسجد رأى أناساً مجتمعين على رجل، قال: من هذا الرجل؟ قالوا: هذا الرجل يسب علياً بعد أن توفي علي، [[قال سعد رضي الله عنه: لا تسب أخي علي بن أبي طالب، قال: والله لأسبنه، فقال سعد: اللهم أكفناه بما شئت، قال أحد التابعين: والله ما فارقنا المكان إلا وقد ند بعير -جمل- فأقبل إلى الناس فتنحى الناس عنه فاقترب من هذا الرجل فضربه البعير بيده فأرداه قتيلاً في الأرض ونحن ننظر]] لأنهم صدقوا الله وعرفوا تقوى الله، والتمسوا رضا الله، فأجاب الله دعاءهم -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- وأعطاهم ما تمنوا في الدنيا والآخرة.
نصرهم على أعدائهم وثبت الإيمان في قلوبهم، وكتب حبه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في أرواحهم، وجعلهم خيرة الناس؛ لأنهم يتقونه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: [[خرجنا مع العلاء بن الحضرمي في سرية أرسلنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتهنا وضعنا في الصحراء، فانتهى طعامنا ونفذ ماؤنا، فاستيقنا بالموت، حتى حفر بعضنا قبورهم، وجلسنا ننتظر الموت، ثم التفتنا إلى العلاء بن الحضرمي فقلنا: يا علاء! ادع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لنا، فإن الله يجيب دعاءك، فرفع العلاء بن الحضرمي يديه وقال: يا عليَّ يا عظيم! يا حليم يا عليم! أغثنا، فقال أبو هريرة: فوالله ما كأنه انتهى من دعائه إلا وإذا بسحابة تغطي مخيمنا، وتهطل علينا، فتوضأنا وشربنا واستقينا واغتسلنا]].
هذا لأنهم عرفوا الله عز وجل فلبَّى الله لهم ما سألوا، فتقوى الله عز وجل تكون في المطعم الحلال أن يتقي الله الإنسان فيما يدخل بطنه فلا يدخل بطنه إلاَّ كل حلال طيب؛ ليقبل الله منه أحسن ما يعمل ويتجاوز عن سيئاته فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [الأحقاف:16].
وتقوى الله عز وجل تكون في السمع والبصر، ولذلك يقول الإمام الشافعي:
لسانك لا تذكر بها عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن |
وعيناك إن أبدت إليك معايباً لقومٍ فقل يا عين للناس أعين |
وذلك بأن تجعل الله رقيباً عليك في سرك وعلانيتك، فإنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لا تخفى عليه خافية، وهو معك أينما كنت. فهو مع الكافر والفاجر، معية إحاطة وإدراك، وهو مع المؤمن معية نصرة وتأييد وحفظ، ولذلك اتق الله الذي هو معك الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:218-219].
فاجعل منه رقيباً سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، اعبده كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهذا تعريف الإحسان الذي عرفه به محمد صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الطويل.
واعلم أن المراقبة من أعظم ما يمكِّن التقوى في القلب خاصة في السر؛ لأن كثيراً من الناس يراقبون الله في العلانية، وإذا خلوا في السر تهتكوا بحرمات الله ولعبوا بحدود الله، فويلهم من الله.
جاء في سنن ابن ماجة عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ليأتين أقوامٌ يوم القيامة بحسنات كـجبال تهامة، يجعلها الله هباءً منثوراً، قالوا: يا رسول الله! أليسوا بمسلمين هؤلاء، قال: بلى مسلمون، يصلون كما تصلون ويصومون كما تصومون، ولهم حظ في الليل ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها} فهؤلاء يجعل الله أعمالهم يوم القيامة هباءً منثوراً، ويوردهم موارد الظالمين نعوذ بالله من ذلك.
كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: [[الله الله في السرائر! اللواتي هن خفيات على الناس، وهن عند الله بوادي]] أو كما قال.
يقول الأندلسي يوصي ابنه:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان |
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني |
هذا الأمر الأول المراقبة ودوام المراقبة.
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المجلد العاشر من فتاويه، سأله أبو القاسم المغربي عن أعظم وصية توصيني بها، وعن أعظم عمل أعمله بعد الفرائض، وعن أجل كتاب بعد كتاب الله، وعن أحسن مهنة، قال: أما أعظم وصية فلا أظن أعظم من وصية الله للأولين والآخرين وهي تقوى الله، وهي التي وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم جيوشه ورسله حينما كان يرسلهم، كـمعاذ حينما قال له صلى الله عليه وسلم -كما في الترمذي-: {اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن} وأما أعظم عمل -يقول ابن تيمية: لا أعلم عملاً بعد الفرائض أعظم -وهو كالإجماع عند العلماء- من ذكر الله عز وجل. فليكن ذكر الله وردك -يا أخي المسلم- دائماً وأبداً، اذكر الله جالساً وقائماً وعلى جنبك وسفرك وفي حلك وترحالك وفي ليلك ونهارك؛ ليتولاك الله وليشرح صدرك للإسلام، وليحبب لك الطاعة وليكفر عنك سيئاتك، وليجتبيك وليلهمك رشدك، وليبصرك بحقائق هذا الدين, وليجعلك من الأخيار الأبرار، فعليك بذكر الله دائماً وأبداً.
ولذلك من فوائد التقوى أن الله يجعل للمتقي بصيرة وفرقاناً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الأنفال:29] وقال عز من قائل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3] وقال: ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً [الطلاق:5] وقال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4] فهذه الأمور كلها نتائج لتقوى الله.
يقول الشافعي في رسالة للإمام أحمد:
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة |
وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سواء في البضاعة |
فالله الله في محبة الصالحين، وفي الاستفادة منهم، وفي الجلوس معهم، وفي طلب دعائهم فإنه من أعظم العون في الدنيا والآخرة.
إخوتي في الله: لا أحب أن أطيل عليكم ولكنها وصيتي الجامعة بتقوى الله عز وجل، في السر والعلن وفي الحل والترحال، أن نتقي الله في أسماعنا وأبصارنا وألسنتنا وفي قلوبنا وفي مطاعمنا ومشاربنا وملابسنا، وأن نتقيه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في كل أمر ليكون الله سبحانه معنا، وليكفر عنا سيئاتنا وليتقبل منا أحسن ما كنا نعمل.
اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
كثيراً ما يجد الإنسان بينه وبين ربه وحشة، فمن آثار هذه الوحشة، أن هذا الإنسان لا يخشع في صلاته ولا يملك الراحة النفسية في حياته، ما أسباب ذلك، وما علاجه؟
الجواب: أحبكم الله الذي أحببتمونا فيه، هذه الوحشة ترد على القلوب وهي تتفاوت تفاوتاً لا يعلمه إلا الله عز وجل، وأعظم وحشة في الحياة الدنيا وحشة الكافر، فإن وحشته لا أكبر منها ولا أعظم ولا أفحش، قال عز من قائل: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126] ثم وحشة الفاسق وهو مجرم وإن كان مسلماً، لكنه متهتك في حدود الله، إن كان مسلماً في الجملة فإنه قد يكون مسلماً، لكنه قد يكون فاسقاً، يرتكب بعض الكبائر، ويصر على الصغائر فوحشته كذلك بعد وحشة الكافر، ثم الوحشة تتنوع بحسب قوة الإيمان وضعفه، فالأقوى أقل وحشة، حتى إن منهم من لا يجد وحشة أبداً، وهؤلاء الذين كتب الله الإيمان في قلوبهم، وأيدهم بروح منه.
فالوحشة التي تجدها -يا أخي- في بعض الأوقات هي من آثار الذنوب والخطايا، والمعاصي، أو كثرة المباحات، أو تجدها من الغفلة والفتور عن ذكر الله، وعلاجها يسير على من يسره الله عليه، أولاً: عليك بالمحافظة على فرائض الله عز وجل، وخاصة الصلوات الخمس بأركانها وركوعها وسجودها، وادع الله في أدبار الصلوات، وبين الأذان والإقامة في أن يفتح الله عليك، وأن ينور قلبك لذكره وأن يهديك سواء السبيل.
الأمر الثاني: عليك بكثرة ذكر الله عز وجل لتنفي عنك الغفلة، لأن الوحشة من آثار الغفلة، وابن القيم يقول: إن من فوائد ذكر الله عز وجل: أنه ينفي الغفلة عن العبد والوحشة التي يجدها العبد بينه وبين الله، فسبب الوحشة بينك وبين الله من المعاصي والمخالفات وترك ذكر الله عز وجل هي قسوة القلب.
الأمر الثالث الذي أنصحك به: تلاوة كتاب الله وليكن أنيسك دائماً وأبداً واحفظ منه ما تيسر، وردد آياته، ورنم ما فيه من آيات ورتلها لعل الله عز وجل أن يجعل لك أنساً بهذا الكتاب.
الأمر الرابع: جالس الصالحين كما سلف في الحديث وزرهم، واطلب دعاءهم، وأحبهم في الله عز وجل ليكون هذا المؤنس.
والذي يورث الوحشة هي المعاصي وهي البعد عن الصالحين، وهي هجر كتاب الله عز وجل، أو التخلف عن بيت الله -المسجد- فهذه كلها أسباب الوحشة والهم، والحزن، والخيبة والندامة، واللعنة والغضب والسخط في الدنيا والآخرة، فنعوذ بالله من ذلك!
الجواب: الغناء من أكبر ما ابتليت به الأمة ومن أكبر ما عرضت الفاحشة في الأمة، وهو بريد الزنا كما يقول أهل العلم، ولا يقع الإنسان في الزنا حتى يأخذ هذه الوسائل، سماع الغناء الكثير، وكله رخيص، والغناء الماجن يحبب الفاحشة من الغزل والعشق وذكر الأحبة، وهم في الحقيقة أعداء، والله عز وجل ذكر هذه الجريمة في كتابه سبحانه فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [لقمان:6] فاشتراء لهو الحديث قيل: هو الغناء، وقال: [[
وأكثر ما ابتليت به مجتمعاتنا من الفواحش الكبار هي بأسباب هذه الأمور والوسائل التي جذبتها وجرتها إلى تلك الحفر الرديئة نسأل الله العافية!
وفي صحيح البخاري عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ليكونن أقوامٌ من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} قال أهل العلم: إنما قال يستحلون بعد التحريم، ومن المعازف العود والوتر والناي والطبل والدف وكل ما دخل في هذا، وإنما يباح الدف في صورة واحدة للنساء في الأعراس وأما الرجال فلا يباح لهم بحال، لا الطبل ولا الدف، وكيف يتقي الله سبحانه من يرقص قلبه على معصية الله عز وجل؟! والغناء حكمه التحريم، وهو الظاهر من كلام أهل العلم، فصاحبه آثم، وارتكب أمراً محرماً، وجزاؤه في الآخرة كما ورد في بعض الآثار أن يصب الله الآنك في أذنيه وهو الرصاص المذاب، وأن يحرمه الله غناء الحور العين في الجنة اللواتي ثبت في السنن وفي مسند أحمد: {إن هناك في الجنة الحور العين ينشدن ويقلن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبأس، طوبى لمن كنا له وطوبى لمن كان لنا}.
قال ابن القيم رحمه الله في منظومته:
قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان |
فتهز أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات في الأوزان |
يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان |
فمن آثار الغناء:
أولاً: أنه يضعف الإيمان أو يلاشيه إلى النهاية.
الأمر الثاني: أنه يحبب الفاحشة ويحبب الزنا، ويحبب الجريمة والبعد عن الله.
الأمر الثالث: أنه يصد عن ذكر الله عز وجل، فصاحب الغناء والمستمع له لا يذكر الله كثيراً، وإن ذكره فإنما هو ذكر المنافق، يقول الله عز وجل: يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:142].
الأمر الرابع: أنه يفتر عن طاعة الله عز وجل، ويجعل أنكد الأمور وأثقلها على المستمع للغناء الصلاة، وتلاوة القرآن.
الأمر الخامس: أنه يشعب القلب، ويورث فيه الهموم والأحزان، ويبتليه بمرض العشق وداء الوله والغرام، الذي يصاب به المنكودون المحرومون، المخذولون من طاعة الله عز وجل، ومن التلذذ بذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
الأمر السادس: أنه يحرم العبد لذة استماع الحور العين في الجنة.
الأمر السادس: أن الله يعاقب من استمع إلى الغناء في الدنيا بأن يصب في أذنه الآنك يوم القيامة، فنعوذ بالله من هذا الأمر، ونسأل الله أن يسلم الأمة وشبابها من هذه الجريمة إنه على كل شيء قدير.
الجواب: نعم. يمر الإنسان بظروف وبأزمنة وملابسات قد لا تطرأ على باله ولا يتهيء ولا يستعد لها، فما هو الحكم في هذه الحال والحل، قال السائل: هل يعمل بما يعمل به الناس أم ماذا يفعل؟ لا. عليه في هذه الحال وفي هذه المسألة التي لا يعرف الحكم فيها أو الموقف أو الزمان أو ملابسة الحال أو القرينة، أو الظرف الذي يعيش فيه بثلاثة أمور:
الأول: أن يدعو الله عز وجل أن يوفقه وأن يلهمه رشده، وأن يكثر من ذكر الله عز وجل، فإن من يدعو الله عز وجل يوفقه سبحانه ويسدده، والدعاء كذلك بحفظ أوامر الله، فإنه إذا حفظ أوامر الله حفظه الله عز وجل وألهمه رشده ووفقه، ومن الدعاء المطلوب في هذا الجانب أن يقول كما علم صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب كما في الصحيح قل: {اللهم اهدني وسددني} وقال حسين بن معبد: {يا رسول الله! علمني دعاءً أدعو به، قال: قل: اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي}.
يقول ابن تيمية رحمه الله: من أحسن ما يدعو به العبد الدعاء الصحيح كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون؛ اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم} فعليه بالدعاء.
الأمر الثاني: عليه بالتفقه في الدين وليخصص من وقته ولو كان موظفاً أو تاجراً أو في أي مهنة أن يخصص من وقته أو من يومه بعض الوقت للسماع أو قراءة بعض الكتب الإسلامية التي تعين على التفقه في الدين، أو سماع الأشرطة الإسلامية وهو أعظم ما يعين كذلك، أو مجالسة أهل العلم، أو سؤال طلبة العلم والدعاة عن هذا الحكم.
الأمر الثالث: أنه إذا أشكلت عليه مسألة أن ينظر إلى أهل الخير وأهل الاستقامة والذين يلتمس فيهم الخير فليسألهم، أو يفعل كما يفعلون فإنهم إن شاء الله على خير وبصيرة، وخاصة إذا كانوا كثيرين، ولا ينظر إلى عامة الناس، فإن الله يقول: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116] ويقول: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13] أي أن الكثير ضالون، فلا ينظر إلى فعل الناس، وكثير من الناس يستدل على الجرائم والمعاصي إذا لابسها واقتحمها، قال: ذاك فعل الناس، أما ترى كيف يفعلون؟ وهذا ضال مضل، وهذا سخيف عقل، نعوذ بالله من ذلك، وهذا ليس له رشد؛ لأنه لو كان راشداً لنظر إلى الصالحين ولو كانوا قلة، ونظر إلى ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ونظر إلى الأفاضل من العلماء والأخيار، وما يتبع عامة الناس إلا جاهل مغرور بنفسه معجب برأيه، ونسأل الله أن يثبتنا وأن يثبت كل مسلم حتى نلقاه.
الجواب: ذكر الأخ في السؤال أموراً منها فريضة ومنها نافلة، فمثل صلاة الفجر فريضة، لا يعذر مسلم بتركها، ومن تركها فهو كافر، ومن ترك أداءها في الجماعة فهو فاسق مضيع مفرط يأثم وقد ارتكب أمراً محرماً، وأما الوتر فهو سنة مؤكدة لا يتركه ومن داوم على تركه فهو فاسق أيضاً، وحفظ القرآن على القدرة، وهو من أفضل الأعمال، فأما صلاة الفجر ففي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله! لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من طلبه في ذمته بشيء أدركه من أدركه وأهلكه} فعلامة إيمان المؤمن الصلاة مع الجماعة في صلاة الفجر ومع بقية الصلوات، لكن كثيراً من الناس قد يصلي أغلب الفرائض ويترك صلاة الفجر في المسجد، وهذا علامة النفاق، قال ابن مسعود كما في صحيح مسلم: [[حافظ على هذه الصلوات الخمس فإنهن من سنن الهدى، وإننا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتخلف عن الصلاة إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل يهادى به بين الرجلين حتى يقام في الصف]] فصلاة الفجر جماعة هي فريضة ولا تترك بحال، ومن يتركها تركاً فهذا كافر، وأما أن يصليها في بيته ففاسق نسأل الله العافية والسلامة!
فالمداومة عليها حفظ للنهار فمن داوم عليها في جماعة حفظه الله في يومه، قال بعض أهل العلم: يحفظه الله من الكبائر، فلا يصاب ذلك اليوم بكبيرة أبداً؛ لأن الله حفظه وسدده بسبب صلاة الفجر.
والوتر -بارك الله فيكم- لا يترك أبداً، وهو من أعظم الأمور، وآخر الليل أحسن أوقات الوتر، وإن لم يستطع العبد فعليه أن يوتر قبل أن ينام، كما قال صلى الله عليه وسلم وهو يوصي أبا هريرة، يقول أبو هريرة رضي الله عنه في الصحيحين: {أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن حتى أموت، بركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر} فعلى المسلم إذا لم يستطع أن يقوم آخر الليل أن يوتر قبل أن ينام، وأن يحفظ الله في هذه النوافل ليحفظه الله في الفرائض.
قال ابن المبارك رحمه الله: من تساهل في الآداب عاقبه الله بترك النوافل، ومن ترك النوافل عاقبه الله بترك الفرائض، ومن ترك الفرائض ابتلاه الله بالكفر، نعوذ بالله من الكفر!
وأما حفظ القرآن فهو من أجل الأعمال يقول عز من قائل: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49] ولكن قد يشق على كثير من الناس حفظ القرآن كاملاً فعليه أن يحفظ ما تيسر له، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الترمذي: {إن القلب الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب} فعليك -يا أخي في الله- أن تحفظ ما استطعت من كتاب الله، وأن تردد ولو جزءاً بسيطاً من القرآن وليكن غذاءك، وروحك، ودواءك، وشفاءك ليهديك الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى سواء السبيل.
الجواب: نعم. بارك الله فيك وفي كل مسلم، يستطيع كثير من المسلمين في هذا العصر أن يدخل في أكثر من باب من أبواب الجنة، لا لشيء إلا لكثرة أبواب الخير التي جعلها الله عز وجل وأنزلها في كتابه وعلم بها رسوله صلى الله عليه وسلم.
فأبواب الخير كثيرة، والصالحون ما انقطعوا أبداً بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن في آخر الزمان من يأتي أجره أجر خمسين من الصحابة رضي الله عنهم؛ لكثرة الفتن والمشاغل والمشاكل وكثرة الأمور والجرائم التي أحدثها الناس والمفاسد، فهو لحفظه لدينه ومحافظته على أمر ربه؛ جعل الله أجره أجر خمسين من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فبإمكان كثير من الناس، ونعرف وتعرفون ونعلم وتعلمون، أن هنا من الأخيار والعباد من ليسوا بعلماء، ولكنهم من عبَّاد الله، حافظوا على الصلوات الخمس، أكثروا من صيام النافلة، أكثروا من ذكر الله عز وجل، زهدوا في الدنيا، كفوا أنفسهم عن المعاصي: عن الربا، والزنا، والغناء، والفحش. حافظوا على أوامر الله عز وجل، تصدقوا وجاهدوا في سبيل الله، كفلوا أيتاماً، فتحوا مشاريع، هؤلاء يدخلون يوم القيامة أو يدعون، ولو أن الداخل يدخل من باب واحد ولكن يدعون من أكثر باب على حسب ما فعلوا، وابن القيم يقول في طريق الهجرتين: إن بعض الناس من المسلمين يفتح الله عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من أبواب الخير، فمنهم من يفتح عليه من باب الذكر، ومنهم من يفتح عليه باب الجهاد، ومنهم من يفتح عليه باب العلم، فلا يشترط أن يكون أهل الخير كلهم علماء، الصحابة لم يكن فيهم إلا ثلة قليلة من العلماء، وفيهم العوام وفيهم العباد وفيهم الزهاد فكثير من الناس يدخلهم الله عز وجل ولو في هذا العصر والعصر المتأخر بعد هذا العصر، أو يدعى يوم القيامة من كثير من أبواب الجنة نسأل الله من فضله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إنه على ذلك قدير.
الجواب: أحبكم الله الذي أحببتمونا فيه، أما ذكرك أنك تجالس بعض الصالحين، ولكنك لا تجد فيهم العون، أو تجد بعض الاستهزاء، فهؤلاء من تقصيرهم في هذا الجانب، وأنت أبصر بنفسك، وأعلم بما يرتاح له قلبك، إن كان قلبك يرتاح بترك هؤلاء والجلوس معهم، وأن تجلس وحدك تتدبر كتاب الله وتقرأ كتب العلم وتستمع الأشرطة الإسلامية، فأنت وذاك، وهو أنفع لك لأنك أعرف وأنت فقيه نفسك، وإلا فاستبدل غيرهم من الصالحين؛ لأنه ليس كل الصالحين يفعلون ذلك، وهؤلاء الذين يستهزئون أو يعلقون أو يستهترون هذا من نقصهم ومن ذنوبهم وتقصيرهم، وإلا لو كانوا يريدون خيراً؛ كانوا شجعوك على الخير واستأنسوا بمجلسك، وحاولوا أن يفيدوك، فأنت بارك الله فيك عليك أن تفهم أو تعي أو تبصر ما هو الأفضل أو المفيد لقلبك والأريح لروحك.
وحلك إما أن تجلس وحدك إذا لم تكن تخاف من العزلة، لكن هذا إذا كنت تستغل العزلة، فإن كثيراً من الشباب قد يستفيد لوحده أكثر مما يستفيد من الناس، وإن كنت تخاف على نفسك من العزلة، وأن الشيطان قد يحاصرك أو تستوحش؛ فعليك أن تبحث على إخوة آخرين، فإن الله قد كثر من الخير، ولن تعدم الأخيار إذا التمستهم، ولم تعدم أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الأخيار، فعليك أن تبحث عنهم وتجلس معهم؛ خاصة من عنده علم ويستفيد من الوقت، ويستغل الساعات والدقائق فيما يقربه من الله عز وجل ونسأل الله أن يثبتنا وإياك حتى نلقاه.
الجواب: أما قراءة القرآن من المصحف للإمام أو للمأموم في الفريضة فليست جائزة وليست واردة، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يسن هذا أو لم يجوز هذا ولا أحد من أصحابه فيما أعلم، وما فعله أحد من الناس؛ بل في سنن أبي داود: {أن رجلاً سأل الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا يقرأ فأخبره قال: اقرأ ما تيسر معك من القرآن، قال: فإن لم أستطع -وفي لفظ- لا أستطيع أن آخذ شيئاً من القرآن فقال: قل: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله} فلو كان جائزاً لنبه على جوازه عليه الصلاة والسلام أو لذكره بعض أهل العلم أو بعض الصحابة، أما في النافلة -أذكره للفائدة ولو أنه لم يرد في السؤال- فإنه يجوز في النافلة أن يستصحب المصحف.
ذكر ابن حزم في المحلى أن عائشة رضي الله عنها كان يؤمها مولاها ذكوان في المصحف فلا بأس بأخذه في النافلة.
وشق السؤال الآخر: إذا تثاءب ليس هناك ذكر في الصلاة، ولم يسن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكراً مخصصاً للتثاؤب؛ فعليه أن يضع يده على فمه، وأن يكظم من نفسه ليس إلا، في الصلاة أو في خارج الصلاة وليس هناك ذكر.
الجواب: أنا أعرف أن الكتاب اسمه الفتح الرباني ليس الفيض الرحماني إلا أن يكون في طبعة حُرِّفَ اسمه، فـالفتح الرباني هذا هو مواعظ، والشيخ عبد القادر نفسه من المشايخ الذين يحبون في الله، وهناك كلمات وردت منه نتوقف عنها؛ لأنه لم يسندها الكتاب ولا السنة، وكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب ذاك القبر عليه الصلاة والسلام فهو المعصوم، فهذا الكتاب عليه أن يقرأه إن استطاع، وإن وجد غيره فهو أفيد، فأنا وجدته وقرأته ولم أجد فيه كثير فائدة، إنما هو مواعظ ورقائق وكثرة كلام لم يسندها بأحاديث ولا بآيات، وفيها كثير من كلمات الصوفية كالحال والمقام والشاهد والفناء، ونحن في غنية فيما عندنا من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أما الشيخ عبد القادر فقد مدحه ابن تيمية في كثير من كتبه وشرح له كلمات، لكن على الشاب أن يستغني بغير هذا الكتاب من كتب أهل العلم ككتب ابن تيمية، بعد الكتاب والسنة وكتب ابن القيم وكتب ابن كثير، فإن فيها الفائدة المرجوة والنفع التام بإذن الله.
وأما أشرطة التسجيل التي فيها قرآن فالظاهر عدم جواز الدخول بها في دورات المياه، هذا في وقت قضاء الحاجة يعني في المكان التي تقضى فيه الحاجة، أما دورة المياه إذا كانت مفتوحة وواسعة ولها مكان فله ذلك، إذا كان يجدد لا يدخل في نفس الدورة التي يقضى فيها الحاجة، لأنه يجب أن يحترم كتاب الله: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32] فلا يجوز أن يمتهن كتاب الله عز وجل، لا في شريط ولا في ورقة ولا في مصحف، ولا يترخص في ذلك مسلم.
الجواب: أما لعن الكفار على الجملة فهذا وارد، ألا لعنة الله على الكافرين، ولعنة الله على الكاذبين، وأما على التخصيص في الأعيان فالأولى ترك ذلك؛ لأن الله قد يتوب عليه أو يهديه، وإلا فقد لعن صلى الله عليه وسلم بعض أعيان الناس من الكفار، وبعض أهل العلم يقول بجواز لعن الكافر بعينه، إذا لم يدخل في دين الله وعلمنا كفره الظاهر، وأنه شاهر بكفره وأظهره، ولكن الأولى والأورع للمسلم ألا يلعن الكافر على الخصوص أي بعينه، ويتوقف عن ذلك، وأما على الجملة فيلعنون.
الجواب: المتقون يتعارفون في الجنة يوم القيامة، ويجلس بعضهم مع بعض ويتزاورون، ودلت على ذلك آيات كثيرة منها قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الصافات: إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ [الصافات:51-52] وأقبل بعضهم على سرر، فهذا من النعيم أنهم يتزاورون ويتواصلون، ويعرف المسلم أهله في الجنة، وأقاربه، وأخواله، وأعمامه، وأنسابه، وأصهاره، وأصدقاءه في الحياة الدنيا، يقول عز من قائل: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21] فمن تمام النعمة على هؤلاء أن يجمع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للرجل أهله وكل من يريد في الجنة، وأن يقاربهم على اختلاف في الدرجات، وهم يتزاورون؛ لأنه لا يتم نعمة بعض الناس إذا كان أهله في مكان وهو في مكان، إلا إذا كانوا كفاراً أو مشركين من الذين استوجبوا دخول النار، فهذا أمر آخر، أما لو كانوا في الجنة فإن الله يجمع كل قرابة، فيتزاورون، ويتجالسون، ويتذكرون أيامهم في الدنيا؛ وكنا نرى كذا، أما رأيت يوم فعلنا في الدنيا كذا وكذا، كما يعيشون هذه الأيام، وهذا من تمام النعيم بأنهم بعقولهم وبإدراكاتهم، ويتذكرون أيامهم في الدنيا.
وأما إذا اختلفت الدرجات فإن الله عز وجل قد يلحق بعض الصالحين بأقاربه أو بأهله، فيرفع هذا إلى درجاتهم مناً من الله عز وجل قاله بعض أهل العلم: إذا كانوا من أهل الجنة، وليسوا من أهل النار فيدخله الله عز وجل الجنة بسبب أهله، ولا ينفع هذا إن كان من أهل النار. إنما يكون في الجنة لكن أقل درجة، كما قال عز من قائل: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ [الطور:21] بإيمان شرط أن يكون هذا التابع مؤمناً: أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور:21] أي رفعناهم معهم وجمعناهم معهم: وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الطور:21] فتدخل الجنة برحمة الله عز وجل، ولكن الدرجات بالأعمال الصالحة في الدنيا، فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة، وأن يجعلنا من وُرَّاثها في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر