هذا شهرٌ كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- فيه كالريح المرسلة بالخير، لا يقول: (لا) ولا يعرف (لا) وإنما كلامه وفعله في البذل والعطاء: نعم.
ما قال (لا) قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم |
والله عز وجل نادى عباده من فوق سبع سموات: أن يتصدقوا، وأن يعتقوا أنفسهم من النار، وأن يقدموا للقبر وظلمته ووحشته، فلما نادى الله العالمين للصدقات والبذل والأعطيات؛ قالت اليهود: الله فقير؛ لأنه يطلب منا أن نعطيه، فرد الله عليهم مقالتهم، وأكذب فريتهم، ودحض دعواهم: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران:181].
فقالوا بعدها: إن الله غني ولكنه بخيل -جلَّ الله عما يقولون، وتعالى عما يأفكون-: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64]؛ قال ابن عباس: [[يقولون: بخيل؛ لأنه سألنا العطاء والبذل]] فرد الله عليهم بقوله، بعد أن قال: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة:64] وانظر ما أحسن الرد! وما أجمل الاعتراض! وما أجمل تدبيج العبارة! هم يقولون: يدٌ واحدة، ولكن قال جلَّ ذكره: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64] وكلتا يديه يمين، ينفق آناء الليل وآناء النهار، خزائنه ملأى، وإنفاقه سحاً، لا يغيض ما أنفق من خزائنه منذ خلق السموات والأرض، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إلا كما يغيض البحر إذا أدخل فيه المخيط: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15].
كل ما عندنا فقر، وليس عندنا شيءٌ من القوة، ولا من العطاء، ولا من البذل، فالمال ماله، والعطاء عطاؤه، والميراث ميراثه:
الله أعطاك فابذل من عطيته فالمال عاريَّةٌ والعمرُ رحال |
المال كالماء إن تحبس سواقيه يأسن وإن يجر يعذب منه سلسال |
يحيا على الماء حبات القلوب كما يحيا على المال أرواحٌ وآمال |
انظر إلى جمال الإبداع! وإلى جمال الصورة في النبات والرواء والحياء! مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261].
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنّاً وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ [البقرة:262-263] ثم يقول عز من قائل بعدها بثلاث آيات: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:267-268].
فهنيئاً لمن أعتق نفسه من النار بالدرهم والدينار، وهنيئاً لمن وسع قبره بالبذل والعطاء، فإن الله لا يستقل شيئاً، والبخل إنما هو من شيمة العبد يوم ينسى الله ولقاءه: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُوراً [الإسراء:100].
وأتى عليه الصلاة والسلام بالآيات البينات التي تدعو إلى الإنفاق؛ والتي نادى الله فيها العالمين قاطبةً إلى البذل والعطاء، فقال جل ذكره: قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ [إبراهيم:31] وقال جل ذكره: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254].
ويستعرض صلى الله عليه وسلم في الصحيح فضل الصدقة، فيقول في حديث عدي بن حاتم: {ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة} وفي رواية:{فمن لم يجد فبكلمة طيبة} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل أحدٍ يوم القيامة في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس، فمنهم من يأتي وصدقته كالجبل، ومنهم من يأتي وصدقته كالشجرة العظيمة، ومنهم من يأتي وصدقته كالكف على رأسه} فانظر لنفسك كيف تنـزل نفسك تلك المنازل، فوالله! لا يبقى للإنسان إلا ما قدم في الدنيا لوجهه تبارك وتعالى.
يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمرانُ |
ويا حريصاً على الأموال تجمعها أقصر فإن سرور المال أحزان |
ولكن أصحاب الرسول -عليه الصلاة والسلام- بعد أن بذلوا أنفسهم وأرواحهم؛ بذلوا أموالهم لمرضاة الله وهم يبكون ويخافون ألا يتقبل الله منهم، وهم الصادقون المخلصون المنيبون.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مرت سحابة فسمع أحد الناس صوتاً في السحابة يقول: اسق مزرعة فلان، اسق مزرعة فلان، فتتبع السحابة فهطلت على مزرعة رجل، فأتى إلى الرجل وهو يعدل الماء بمسحاته، فقال: يا عبد الله! ما اسمك؟ قال: أنا فلان -بالاسم الذي سمعه في السحابة- قال: أسألك بالله، بأي خيرٍ نلت هذا، فإني سمعت صوتاً في السحابة ينادي باسمك، يقول: اسق مزرعة فلان؟ فقال له: أما وقد سألتني، فإن كل ما خرج من أرضي؛ أقسمه ثلاثة أقسام: قسم أتصدق به لمرضاة الله، وقسم أدخره لأهلي، وقسم أرده في هذه الأرض} أولئك الذين عرفوا طريق المال من أين يأتي وإلى أين يذهب.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما تصدق عبدٌ بعدل تمرة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا طيباً- إلا تقبلها الله بيمينه -انظر ما أحسن التعبير!- فرباها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه حتى تصبح كالجبل العظيم} هذه هي الصدقة، يوم يخلص العبد في دفعها ولا يرجو برها وثوابها إلا من الحي القيوم، جل الله تبارك وتعالى.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقول الله تبارك وتعالى: يا بن آدم! أنفق أُنفق عليك} فإن خزائن الله لا تتبدل ولا تتغير ولا تنقص.
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقول الله تبارك وتعالى يوم القيامة لابن آدم -يوم يستوقفه ويحاسبه ويجازيه، يوم يكلمه كفاحاً، يوم لا يكون بينه وبينه ترجمان- يا بن آدم! جعتُ ولم تطعمني -وفي لفظ: يا بن آدم! استطعمتك فلم تطعمني- قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته وجدت ذلك عندي. يا بن آدم! استكسيتك فلم تكسني. قال: كيف أكسوك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان، استكساك فلم تكسه، أما علمت أنك لو كسوته وجدت ذلك عندي. يا بن آدم! مرضت فلم تعدني. قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته وجدت ذلك عندي؟!} حينها يتلهف العبد، ويود أنه أنفق كل شيء، وأنه قدم لنفسه، وأنه مهد للعمل الصالح.
وهل الحياة إلا بذل وعطاء؟!
وهل الإنقاذ من النار إلا أن تقدم من هذا المال الفاني؟! وما منا من أحد إلا يستطيع أن يقدم من ثوبه، ودراهمه ودنانيره، وحبه، وتمره، ومن كلامه الطيب، ومن كفه الأذى، ومن بسمته الراقية الرائقة؛ حينها يتقبل الله عنا أحسن ما عملنا ويتجاوز عن سيئاتنا.
يقولون معنٌ لا زكاة لماله وكيف يزكي المال من هو باذله |
ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله |
هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله |
هذا عبد الله بن المبارك، المحدث الخطير، والزاهد الكبير، والعابد والمجاهد النحرير، مر حاجاً بقافلة عظيمة ومعه الحجيج، وهو الذي يصرف عليهم، فلما وصل البادية، نزل مخيماً تحت أشجار هناك، فإذا بجارية خرجت من بيت، وذهبت إلى المزبلة فأخذت غراباً ميتاً من المزبلة، فقال لأحد خدمه: سلها مالها أخذت الغراب الميت؟ فذهب وسألها، فقالت: "والذي لا إله إلا هو! مالنا من طعام منذ ثلاثة أيام إلا ما يلقى في هذه المزبلة من الميتات". فعاد إلى ابن المبارك، فبكى حتى كاد يغمى عليه، وقال: [[نحن نأكل الفالوذج والناس يأكلون الغربان الميتة، لن أحج هذه السنة، وأعطوا قافلتي ببرها وحبوبها وما عليها من دراهم ودنانير وثياب إلى أهل هذه البادية]] ثم عاد وترك الحج، فلما وصل إلى أرضه -أرض خراسان - رأى في أول ليلة قائلاً يقول له في المنام: "حجٌ مبرور، وسعي مشكور، وذنب مغفور"، وهذه من معالم البذل والعطاء.
وسبحان الله! يوم يرزق الله بعض النفوس فتسخوا بما في يديها؛ تطعم الجائع وهي جائعة؛ وتسقي الظمآن وهي ظمآنة؛ وتلبس العاري وهي عارية، رجاء ما عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
ولا المال يرفعه، فـأمية بن خلف كان يكسر ماله بالفئوس من الذهب والفضة، ولكنه ملعونٌ مخزيٌ مدحور، إنما العبرة بالأعمال الصالحة لمرضاة الله.
هنيئاً لكم الصيام، وهنيئاً لكم القيام، وهنيئاً لكم البذل والعطاء، أبشروا وأملوا في ربكم ما يسركم.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
أمَّا بَعْد:
عباد الله: فإن الله ذم البخل في كتابه، وذمه رسوله صلى الله عليه وسلم، والله يقول: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9].
وذكر الله المنافقين فقال فيهم: وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ [التوبة:67]؛ أي: يمسكون الخير الذي في أيديهم.
وقال عن اليهود: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:37]؛ فوصفهم بخصلتين ذميمتين: بخلٌ في الأموال، وكتمان للعلم.
والبخل من أدوى الأدواء التي أجمع عقلاء الأمم على أنه أفضح فضيحة، وما كان العرب يسوَّدون سيداً بخيلاً فيهم أبداً؛ لأن معناه: أن هذا لا ينفعك أبداً، ولا يمكن أن يشاركك في الحياة، ولا يمكن أن تنال منه معروفاً، ولا يقف معك في الأزمات والنكبات.
ودخل عبد الرحمن بن عوف يحمل أكياس الذهب والفضة حتى وضعها في المسجد وقال: {يا رسول الله! خذ هذا، قال: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت} فتغامز المنافقون وقالوا: "ما قصد بها إلا رياءً وسمعة".
ذاك فقيرٌ معدم لا تغني نفقته، وهذا رياءٌ وسمعة.
إذاً من الصادق عندكم أيها المنافقون؟ ومن المخلص عندكم أيها الكذابون؟ ومن المنيب عندكم أيها الدجالون؟ فأنزل الله فيهم: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:79].
فهو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يكافئ العبد بما فعل؛ ولذلك كان شاهد هذه القصة ألا تحقر من المعروف شيئاً أبداً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق. ألا تعلم أن البسمة صدقة يكتبها الله لك عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى! وأن الكلمة الطيبة صدقة، ولو أن تسقي أو أن تدلي لأخيك وتفرغ في إنائه من إنائك فإنه لك صدقة!
جاء مسكين إلى عائشة رضي الله عنها وأرضاها فسألها الصدقة، فبحثت في البيت فلم تجد إلا عنبة واحدة فدفعتها إليه، فقال أحدهم: ما تغني هذه العنبة؟ قالت: [[إن فيها ذرات كثيرة]] لأن الله يقول: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8]؛ بل شق التمرة يكتبها الله عزوجل عنده، وأصغر من ذلك الذرة الواحدة.
فأنا أدعوكم ونفسي إلى الاهتمام بهذا الشهر فإن: {الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار} والله يغضب على العبد؛ من كثرة معاصيه ومخالفته، فيأتي العبد فيتصدق؛ فيرضى الله عنه من فوق سبع سموات؛ ولذلك كان أجود الناس -كما أسلفت- رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.
يقول جابر كما في الصحيحين: {ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال: لا، إلا مرة -وهذا في المسند -: سأله سائل فقال: لا، وأستغفر الله}:
وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفافٍ وحياء وكرم |
قوله للشيء: لا إن قلت: لا وإذا قلت: نعم قال: نعم |
فنعم محمودة في فعل الخير، و(لا) محمودة في فعل الشر، يوم تدعوك نفسك للفحشاء فتقول: لا. وتدعوك للبر فتقول: نعم.
فهذا هديه صلى الله عليه وسلم.
{نُسج له بردة -ثوب- فأتاه رجلٌ فقال: يا رسول الله! اكسني هذه فإني محتاج، قال: أنظرني قليلاً، فذهب إلى بيته -وما ملك إلا هذا الثوب- فتلفع بشيء من الكساء، ثم خرج بالثوب الجديد ودفعه إلى الأعرابي، فقال الناس: كيف تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس له إلا هذا الثوب؟! قال: إني أرجو أن يكون هذا الثوب كفني، فكان كفنه} رواه مسلم، وهو عن جابر وعن سهل بن سعد في صحيح البخاري.
عباد الله: إن مشاريع الخير تدعوكم، وإن الفقراء ينادونكم، وإن المساكين ينظرون -بعد الله- إليكم، وإن المجاهدين يقفون على الغبراء يتلهفون إلى أموال المسلمين؛ وأعطياتهم، وتبرعاتهم، فهل من منفق؟ وهل من معط؟ وهل من متصدق؟ فوالله لا تتصدقون إلا لأنفسكم، ولا تدفعون إلا لرفع غضب ربكم عنكم، ولا توسعون إلا قبوركم، ولا تظللون إلا نفوسكم.
أسأل الله لكم أجراً كثيراً، ومغفرةً عامةً، وأسأل الله لي ولكم من العيش أرغده، ومن العمر أسعده، ومن الوقت أتمه، ومن الخير أعمه.
عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صل وسلم على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين.
اللهم اجمع كلمة المسلمين، ووحد صفوفهم، وخذ بأيديهم لما تحبه وترضاه، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم اهدهم سبل السلام، اللهم بصرهم بدينهم، اللهم وفقهم لاتباع سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا.
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، ولرفع رايتك، ولنصرة دين نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان وفلسطين، اللهم رد لنا المسجد الأقصى يا رب العالمين، اللهم اجعله في حوزتنا، وطهره من أدناس اليهود؛ أعدائك وأعداء رسلك يا رب العالمين.
اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، اللهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم وخذهم إليك يا رب العالمين واهدهم صراطاً مستقيماً.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
ربنا تقبل منَّا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر