في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانـك، وفي البحر عظمتك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، والصلاة والسلام على من أرسلته معلماً وهادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، شرحت به الصدور، وأسمعـت به الآذان، وأريت به العيون، ورفعت به منارة الإسلام، ودكدكت به دولـة الأصنام، ورفعت به راية لا إله إلا الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الناس! يقول الأول:
ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا |
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا |
من مبادئنا الأصيلة، ومن تعاليمنا الجليلة أن نفتخر بهذا الدين، وأن نتشرف بأن جعلنا الله مسلمين، فمن لم يتشرف بالدين، ولم يفتخر بكونه من المسلمين ففي قلبه شكٌ وقلة يقين، يقول الله عز وجل في محكم كتابه عن القرآن مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ [الزخرف:44] أي: شرف لك وشرف لقومك وشرف لأتباعك إلى يوم القيامة، فالواجب أن تتشرف بالقرآن لكونك من أمة القرآن، وأمة الإسلام.
بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدمِ |
لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأممِ |
ولذلك يقول جل ذكره: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139] قال الأستاذ/ سيد قطب: لا تهنوا ولا تحزنوا فأنتم الأعلون: الأعلون سنداً، والأعلون متناً، والأعلون مبادئاً، والأعلون منهجاً، فمبدؤكم المبدأ الأصيل، وقرآنكم القرآن الجليل، وسندكم الرب الفضيل، فكيف يهون من الله سنده؟! وكيف يهون من رسوله قدوته؟! وكيف يهون من دينه الإسلام؟!
ولذلك كان لزاماً أن نفتخر، وأن نشعر أنفسنا بالشرف والجلالة والنبل يوم أن جعلنا الله مسلمين؛ لأن بعض الناس قد يخجل أن ينتسب إلى السنة، أو أن تظهر عليه معالم السنة، وهذا خطأ كبير.
كيف لا يتشرف المؤمن والله جعله عبداً له؟!
ولذلك يسنن الله -عز وجل- ويقنن مبادئ الشرف والرفعة في كتابه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، يقول عن الجاهليين: وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف:31-32] فالشرف كل الشرف ليس في الدور، ولا في القصور والأموال والأولاد، ولا في الهيئات والذوات، بل الشرف أن تكون عبداً لرب الأرض والسماوات، وولي من أولياء الله الذين يعملون الصالحات، ويجتنبون المحرمات.
فعاتبه ربه من فوق سبع سموات، عاتبه في هذا الأعمى المسكين الضرير المحتاج في خطاب يلذع القلوب، يقول الله له: عَبَسَ وَتَوَلَّى [عبس:1] وخاطبه بخطاب الغيبة، ولم يقل: عبست، وإنما يقول: عبس أي: تغير وجهه واكفهـر، عبس هذا الرسول النبي، عبس هذا الداعية في وجه هذا الرجل الصالح، عبس وتولى وأعرض عنه: أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى [عبس:2] أي: كيف تعْبِس وهو أعمى ولا تستقبله؟ مسلم في قلبه قلعة من قلاع التوحيد، في قلبه جامعة من أكبر جامعات الدنيا من الإخلاص والصدق والتعامل: أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى [عبس:2] أما ترق للأعمى؟! أما تحلم عليه؟! أما تعطف عليه؟! ولم يسمه باسمه وإنما علمه بسمته.
ثم قال الله له: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى [عبس:3] من أخبرك أن هذا أراد أن يتطهر بالعلم النافع؟! فقد أراد منك أن تفقهه في الدين، وأراد منك أن تقوده إلى رب العالمين: أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى [عبس:4-5] أما الكافر الذي استغنى عن الرسالة والرسول، وعن القرآن والسنة، وعن الهداية والنور: فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى [عبس:6] تستقبله وتهش وتبش في وجهه، وتلين له في الخطاب، تستقبل هؤلاء الجبابرة الذين أتوك، وأما هذا الأعمى تعرض عنه!
وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى [عبس:7] ليس عليك حساب أن يتطهر هؤلاء، ذرهم يموتون بكفرهم، ورجسهم وعنادهم وجبروتهم فالنار مثواهم: وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى [عبس:8-10] فلا تفعل ذلك.
{فأتى
سلام على ذاك الصديق المخلص، وسلام على ذاك المنيب الذي عرف الله.
والمقصود: أنه تشرَّف بالإسلام، فكان قلعة من قلاع الحق استقبلت نور السماء فوزعته على البشرية، والرسول عليه الصلاة والسلام كما قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: [لا يعجبه شيء في الدنيا إلا التقي]] وعبد الرحمن بن عوف يقول: [والله ما رأيت متقياً لله إلا وددت أنني في مسلاخه]].
فأنت ترى المتقي فيحبه قلبك إن كنت مسلماً، وتظهر عليه علائم النصح والقبول والرضا، وترى الفاجر ولو كان وسيماً جميلاً فعليه آيات السخط، والغضب، وعليه سمات الإعراض عن الله، وقال تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [المنافقون:4] أما الأجسام فطويلة، وأما البشرة فجميلة، ولكن القلوب قلوب ضلالة وجهالة وعمالة.
{جاء
فتزوج بها وعمَّر بيته الذي أسسه من الفقر، فكوخه المسكنة، وإدامه التسبيح والتهليل والتكبير، وظلاله الصلاة في الهجير، والصيام في شدة الحر، وحضر معركة من المعارك، ولما انتهت بالنصر قال صلى الله عليه وسلم: {هل فقدتم أحداً من الناس؟ قالوا: فقدنا فلاناً وفلاناً، قال: وغيرهم؟ قالوا: ما فقدنا أحداً، قال: لكني فقدت
لقد كانت عظمة هؤلاء يوم اتصلوا بالواحد الأحد، عرفوا الله عز وجل؛ فعرَّفهم الله عز وجل على منازل الصديقين.
قال: بماذا حصلت على هذا العلم؟ قال: بترك فراشي في المسجد الحرام ثلاثين سنة ما خرجت منه حتى تعلمت العلم، قال سليمان: يا أيها الحجاج! لا يفتي في المناسك إلا عطاء.
فلما اختلف سليمان هو وأبناؤه في مسألة من مسائل الحج، قال: دلوني على عطاء بن أبي رباح، فأخذوه إلى عطاء، وهو في طرف الحرم والناس عليه كالغمامة، فأراد أن يجتاز الصفوف ويتقدم إليه -وهو خليفة- فقال عطاء: يا أمير المؤمنين! خذ مكانك ولا تتقدم الناس، فإن الناس سبقوك إلى هذا المكـان، فلما أتى دوره سأله مسألة فأجابه، فقال سليمان لأبنائه: "يا أبنائي! عليكم بتقوى الله والتفقه في الدين، فوالله، ما ذللت في حياتي إلا لهذا العبد"؛ لأن الله يرفع من يشاء، ويهدي من يشاء، ويجعل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قيمة من يشاء في تقواه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
وجاء هشام بن عبد الملك الخليفة أخو سليمان، فحج البيت الحرام، وفي الطواف رأى سالم بن عبد الله الزاهد العابد العالم ابن عبد الله بن عمر، وهو يطوف وحذاؤه في يديه، وعليه عمامة وثياب ودجلة لا تساوي ثلاثة عشر درهماً، فقال له هشام: يا سالم! أتريد حاجة أقضيها لك هذا اليوم؟، قال سالم: أما تستحي من الله؟! تعرض علي الحوائج وأنا في بيت من لا يحوجني إلى غيره، فاحمر وجه الخليفة، فلما خرج من الحرم، قال: أتريد شيئاً؟ قال: أمن حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ قال: أما حوائج الآخرة فلا أملكها، لكن من حوائج الدنيا، قال سالم: والله الذي لا إله إلا هو، ما سألت حوائج الدنيا من الذي يملكها تبارك وتعالى، فكيف أسألها منك؟!
إنهم عظماء، إنهم عاشوا في مدرسة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم!
ما بنى جملة من اللفظ إلا وابتنى اللفظ أمةً من عفاء |
أخرج خير أمة للناس يرون الذهب والفضة مع الكفار فيهدمونها ويطئون عليها بالأقدام، فيقول لهم المستعمر والكافر: خذوا هذا الذهب واتركوا بلادنا، قالوا: لا والله، دارنا وبلادنا جنة عرضها السماوات والأرض.
ومن الذي باع الحياة رخيصةً ورأى رضاك أعز شيء فاشترى |
أم من رمى نار المجوس فأطفأت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا |
إنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين! تعال نتباكى ولا يرانا الناس، فانحرفا عن الطريق إلى شجرة، والجيوش تنظر إليهم، والأمراء، والقساوسة، والرهبان، والنصارى، ثم وقفا يبكيان طويلاً، رضي الله عنكم أيها السلف الصالح يوم عرفتم أن الستين والسبعين السنة ينبغي ويجب أن تصرف في مرضاة الله تبارك وتعالى.
يقول رستم قائد فارس -وتحت يديه مائتان وثمانون ألفاً من الجنود الكفرة- لـسعد بن أبي وقاص القائد المسلم: أرسل إليَّ من جنودك رسولاً أكلمه، فأرسل له سعد رضي الله عنه وأرضاه ربعي بن عامر، وعمره ثلاثون سنة من فقراء الصحابة قال له سعد: [[اذهب ولا تغير من مظهرك شيئاً، لأننا قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله]] فخرج ربعي بفرسه الهزيل ورمحه المثلم.
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب |
وجاء بثيابه الممزقة، فلما سمع رستم أن وافد المسلمين سوف يدخل عليه، جمع آل أنو شروان الحاكمة والوزراء والجنود، ولبسوا التيجان ولبسوا الإذربيجي واستعدوا؛ ليرهبوا هذا الوافد عله أن يتلعثم فلا يحسن الكلام، فلما جلس رستم، قال: أدخلوه علي، فدخل يقود فرسه ويعتمد برمحه على فرش رستم ليظهر له أن الدنيا حقيرة ورخيصة وأنها لا تساوي عند الله شيئاً، ومن علامات رخصها وحقارتها أن أعطاها هذا الكافر وجعل سعد بن أبي وقاص ينـام على الثرى، فلما وقف أمامه، قال: اجلس، قال ربعي: ما أتيتك ضيفاً وإنما أتيتك وافداً، فقال رستم -والترجمان بينهما-: ما لكم أيها العـرب -وأقسم بآلهته- ما علمنا قوماً أذل ولا أقل منكم! فللرومان حضارة، ولفارس حضارة، ولليونان حضارة، وللهنود حضارة، أما أنتم فأهل جعلان تطاردون الأغنام والإبل في الصحراء، فماذا أتى بكم؟!
قال ربعي: نعم. أيها الملك كنا كما قلت وزيادة، كنا أهل فحشاء نعبد الأصنام، ويقتل القريب قريبه على مورد الشاة، لا نعرف نظاماً ولا مبدءاً ولا حضارة، ثم انتخى ورفع صوته كأنه الصاعقة في مجلسه فقال: [[ولكن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]] فغضب رستم، وقال: والله! لا تخرج حتى تحمل تراباً من بساطـي، فحمله على رأسه، وقال ربعي: هذه الغنيمة الباردة إن شاء الله، تسليم أرضك وديارك: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45] فلما أشرف على سعد، قال: ماذا على رأسك يا ربعي؟ قال: تراب من تراب أرض رستم وكسرى، فكبر المسلمون حتى اهتز مخيمهم، وقال: هو النصر، هذا تسليم أرضهم بإذن الله.
وفي الصباح الباكر يوم أطلقت الشمس أشعتها على الدنيا كان سعد رضي الله عنه وأرضاه في أول الصفوف، والتقى الجمعان، وبرزت الفئتان، وتبدى الرحمن لحزبه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وفي ثلاثة أيام تُسحق كتائب الضلالة والعمالة، وتُداس الجماجم التي ما عرفت لا إله إلا الله، وتُضرب الرءوس التي ما دخـل فيها نور لا إله إلا الله، ويدخل سعد في اليوم الرابع على إيوان كسرى الذي حكم الدنيا ألف سنة، فيراه مموهاً بالذهب، ويرى سلاسل الزبرجد والمرجان، فيبكي سعد ويقول: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ [الدخان:25-29] فكهين.
من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا |
كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا |
كنا نرى الأصنام من ذهبٍ فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا |
لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا |
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
أيها الناس! إن مما يجب على المسلم الذي يريد أن يربي بيته تربية إسلامية أن يشرّف بيته وأبناءه بالإسلام، وأن يعظم شعائر الله في قلوبهم، ويعظم الحدود التي أمر الله بحفظها، فيكون بيته معظماً لله تبارك وتعالى، ومعنى ذلك: أن تربي في نفس ابنك تعظيـم الله، فلا يكـون أحد في قلبه أعظم من الله ولا أجل منه ولا أحب هذا هو البيت المسلم.
1/ أن تُعظِّم الله في قلب ابنك فتعرفه على الواحد الأحد، فلا يتلفظ بلفظ الجلالة إلا في مكارم الأمور، وفي أشرف المناسبات، وأن تعلمه أين الله تبارك وتعالى، وتعرفه على صفات الواحد الأحد، فتعرفه كرمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وحلمه، وبره، وتريه آثار القدرة في آياته وصفاته، فعندما يأكل الطعام، تقول له: هذا من فضل الله؛ ليحب الله، وعندما يلبس اللباس، فتقول: هذا من جود الله، ليتعرف على الله، وحينما يسكن البيت فتقول: هذا من توسيع الله عز وجل ومن فضله، فيتحبب إلى الله تبارك وتعالى.
2/ تعظيم كتاب الله، فتحبب إليه القرآن وتعظم مبدأ القرآن في قلبه، وتجعل من أعظم اهتماماته في الحياة أن يحفظ كتاب الله، فإن وجدت قصاصة من المصحف رفعتها، وقبلتها، وطيبتها، وهو يراك، ووضعتها على رأسك، فهذه أعظم من مائة محاضرة تحاضر فيها عن عظمة القرآن، وإذا رأيت شيئاً من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم فترفعه، وإذا ذكر لك الرسول صلى الله عليه وسلم في المجلس فتصلي وتسلم عليه، وتدعو الله أن يجزيه عن الإسلام خيراً، وعن الدعوة براً، وعن البشرية فخراً.
3/ أن تُعظِّم في قلبه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وتعظم في قلبه كيف كان صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر وعثمان والصحابة أجمعون، فيعيش ونجوم مجده هؤلاء القوم وليسوا نجوم الفن ولا نجوم الغناء كما يفعل بعض الناس، لأن كثيراً من الأطفال تربوا على أن العظماء هم المغنون والمغنيات الأحياء منهم والأموات، فيرى أن هذا المغني قد شق طريق المجد، وقد صعد وقد نال من الفخر ما لم ينله أحد من العالمين، ويظن بعض الأطفال أن هؤلاء الفنانين والفنانات أنهم رزقوا من العقول والذكاء والجلالة ما لم يرزقه أحد من الناس لا لشيء إلا لأن الطفل يصبح ويمسي على صوت هذا المغني!! وأما ذكر محمد صلى الله عليه وسلم، فقلّ في بيته.
4/ وطائفة من الناس ثقافتهم دخيلة عميلة ضالة رأوا أن نجوم المجد ماركس ولينين وهرتزل ونابليون وهتلر أعداء الإنسانية، يقرءون كتبهم، ويحفظون كلماتهم، وهؤلاء -والذي لا إله إلا هو، والذي شرف وجه محمد بالرسالة- لا يساوون الغبار الذي كان على حذائه صلى الله عليه وسلم، والله إنهم لا يساوون الغبار الذي وطأه صلى الله عليه وسلم، والله إنهم لا يساوون ولو اجتمعوا من الشرق ومن الغرب بصاق أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع |
أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90] أولئك الذين ركبوا مجد التاريخ، وأسمعوا أذن الزمن، وامتطوا البحار يرفعون لا إله إلا الله، أولئك الذين علَّم الله الإنسانية بهم الهداية، وعلم الله بهم الضلالة، ومحق الله بهم العمالة، أولئك الذين كانوا قرءاناً يمشي على الأرض، كانوا يتعاملون بالقرآن، وينامون على حدس القرآن، ويصحون على صوت القرآن، أولئك الذين نظر الله إلى قلوبهم فرضي عنهم ورضوا عنه، فيكلم شهداءهم كفاحاً، ويرضى عن كلام أدبائهم ويثني عليهم وهم في الحياة الدنيا، يجتمعون تحت شجرة فينـزل جبريل بكلام الله، ويقول: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18] يجتمعون في الصباح الباكر، فيتنزل عليهم جبريل بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح:29] جلالة، ونور، وبياض، وإشراق، وبشاشة، أما أولئك الذين أُدخلوا علينا عن طريق المجلات الخليعة والكتب الظالمة الظانة الغاشمة أولئك أنجس خلق الله، فالكلاب أطهر منهم، والحمير أنزه منهم، لأنها مخلوقة بلا عقول تكليف، أما هم فكلفوا بعقول ثم ألحدوا، وكفروا، وأعرضوا فهم أضل منها سبيلاً.
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [الجاثية:23] إن الذي لا يؤمن بالله عليه لعنة الله في الدنيا والآخرة.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ [البقرة:161-162].
أسأل الله بأسمائه الحسنى وبصفاته العلى أن يشرفنا وإياكم، وبيوتنا، وأطفالنا بالإسلام، الذي أتى به رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.
إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها |
بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها |
عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر