إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عائض القرني
  5. سؤالات واستفسارات عن الرسالة والرسول

سؤالات واستفسارات عن الرسالة والرسولللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من دلائل رسالة الإسلام شهادة العقلاء على أنه حق، ومما يستوقف الناظر في صحيح البخاري حديث المحاورة الشهيرة بين هرقل وأبي سفيان التي تصل القمة في روعتها عند قول هرقل: (ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه) والحق ما شهدت به الأعداء، وفي هذه المادة تفصيل وبيان لهذه المحاورة الجميلة.

    1.   

    هرقل يحاور أبا سفيان

    الحمد لله القائل: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ * قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ * إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ * وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [الأنبياء:107-112].

    والصلاة والسلام على رسول الله القائل: (والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون).

    وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أمَّا بَعْد:

    أيها الناس: فهذه مناظرة حارة ومقابلة ساخنة بين أبي سفيان؛ قائد المشركين في حروبهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين هرقل؛ ملك الروم، وعظيم الروم.

    عنوان هذه المحاضرة: سؤالات واستفسارات عن الرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم.

    ولنستمع إلى أبي سفيان وهو يروي القصة وهي في صحيح البخاري، كتاب الإيمان.

    يقول: كنا في المدة التي ماددنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم -يقصد الصلح الذي وقع في الحديبية سنة 6هـ- فخرجنا تجاراً إلى الشام، وبينما نحن في تجارتنا في سوقٍ من أسواق الشام، وإذا بجنود هرقل يطلبوننا، وهم يسألون في السوق: هل هنا في السوق أحدٌ من العرب؟ فدلهم الناس علينا، فألقوا القبض علينا وذهبوا بنا وأدخلونا على ملك الروم، وإذا حوله البطارقة والقساوسة والوزراء وقواد جيشه وقد اكتظ بهم المكان.

    قال أبو سفيان: فقال هرقل: من منكم أقرب الناس نسباً من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ -يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم- فقال أبو سفيان: أنا أقربهم نسباً. -وهذا الكلام يجري عن طريق الترجمة، والمترجم يترجم العربية لـهرقل ويترجم لغة هرقل لـأبي سفيان- قال: اجلس أمامي، قال: فأجلسني أمامه.

    ثم دعا برفقتي فأجلسهم خلفي، ثم قال لهم: إني سائل هذا الرجل عن الرجل الذي يزعم أنه نبي، فإن كذبني فكذبوه يقول هرقل: إن افترى عليَّ ودجل فكذبوه حتى يعرف الكاذب.

    وقد صدق أنه من أقرب الناس نسباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو من عبد شمس والرسول عليه الصلاة والسلام من بني هاشم.

    فقال أبو سفيان: فوالله لولا أن يتحدثوا عني بالكذب لكذبت عليه؛ لأنهم لن يكذبوه وهو منهم وهو سيدهم.

    فسأله السؤال الأول: كيف نسبه فيكم؟ أي: الرسول عليه الصلاة والسلام.

    قال أبو سفيان: هو فينا ذو نسب. وصدق فما هناك في العرب، بل في المعمورة، بل في الكرة الأرضية، أرفع نسباً، وأطهر محتداً، وأشرف مولداً من الرسول عليه الصلاة والسلام.

    ثم قال: هل كان من آبائه ملكاً؟ أي: على العرب.

    قال: لا. وصدق أبو سفيان فليس من آبائه صلى الله عليه وسلم من ملك، ولكنهم سادة كرماء أشراف.

    قال: فهل قال أحدٌ هذا القول قبله منكم؟

    قال: لا. وصدق فإنها لا تعرف هذه المقالة في العرب.

    فقال هرقل: أأشراف الناس يتبعونه على دينه أم ضعفاؤهم؟

    قال أبو سفيان: بل ضعفاؤهم.

    قال: أيزيدون أو ينقصون؟

    قال: بل يزيدون.

    قال: أيرتد أحدٌ منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطةً عليه؟

    قال: لا، لا يرتد أحدٌ منهم بعد أن يدخل دينه.

    فقال: أقاتلتموه؟

    قال: نعم، قاتلناه.

    قال: كيف قتالكم معه؟

    قال: يدال علينا ونديل عليه، فالحرب سجال، مرةً يغلبنا ومرةً نغلبه.

    قال: فهل يغدر؟

    قال: لا، ونحن منه في مدة لا ندري هل يغدر أم لا.

    قال أبو سفيان: ولم تمكني كلمة أدخل بها عليه إلا هذه الكلمة، فهو يريد أن يقدح في الرسول عليه الصلاة والسلام، لأنهم أعداء؛ ولكنه ما استطاع، وما وجد فرصة في القدح فيه صلى الله عليه وسلم.

    ثم قال هرقل: بم يأمركم؟

    قال: يأمرنا بأن نعبد الله ولا نشرك به شيئاً، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.

    قال: فهل جربتم عليه كذباً؟

    قال: لا.

    استنتاجات هرقل

    انتهت هذه الأسئلة؛ وهي أحد عشر سؤالاً من أعظم الأسئلة في الرسالة، دلت على عظم عقل ذاك الملك الذي سألها، ودلت على صدق أبي سفيان الذي أجاب عليها.. فإليكموها بالتفصيل، والذي يفصلها هرقل.

    ثم قال لهم: إني سألتكم عن نسبه، فقلتم: إنه فيكم ذو نسب، والله عزوجل يبعث الأنبياء في نسب من قومها. فنسبه صلى الله عليه وسلم أرفع نسب:

    نسبٌ كأن عليه من شمس الضحى      نوراً ومن فلق الصباح عموداً

    قال: وسألتك: هل قال أحد هذه المقالة قبله؟ فقلتَ: لا، فقلتُ: لو أنه قال أحد هذه المقالة لقلت رجلٌ يقلد غيره.

    وقلت لي: إنه ليس في آبائه من ملك؛ فلو كان من آبائه ملك، لقلت: رجلٌ يطلب ملك آبائه، ومجدهم وتراثهم.

    فلم يكن من آبائه ملك؛ لأن العرب في الجاهلية تطلب ملك آبائها ومجدها؛ حتى تريق في ذلك الدم الأحمر، أما سمعتم لامرئ القيس يوم قال:

    ولو أنما أسعى لأدنى معيشة     كفاني ولم أطلب قليل من المال

    ولكنما أسعى لمجدٍ مؤثلٍ     وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي

    أي: أنه يطلب ملك آبائه.

    ثم قال هرقل: وسألتك: أضعفاء الناس يتبعونه أم أشرافهم؟ فقلت: ضعفاؤهم؛ فعلمت أنه دين من عند الله، فإن الضعفاء أتباع الرسل.

    وأول من يستجيب لدعوة الله هم الضعفاء والمساكين، وأول من يعادي الرسل هم المترفون؛ لأن فيها إضراراً بمصالحهم ودكتاتورياتهم في المجتمعات، فهم ينصبون لها العداء.. وهذا الدين للمستضعفين وللسادة سيان، فهو يساوي بين الأحمر والأسود، وبين الغني والفقير، وبين الكبير والصغير، وميزانه: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] يرفع بلال بن رباح العبد المولى، فيجعله سيداً من سادات المسلمين، ويبني الله له قصراً أبيض كالربابة في الجنة، ويخسئ هذا الدين أبا جهل؛ وهو فطحلٌ، صنديد من صناديد المشركين، ويخسئ أبا لهب؛ عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عارض هذا الدين.

    إذاً: فهو يقرب الضعيف لتقواه، ويرفع المسكين لمحبته لربه ومولاه، ويخسئ الفاجر المتكبر ولو كان صدراً وسيداً في قومه.

    ثم قال: فقلت لك: أيزيدون أم ينقصون؟ فقلت لي: بل يزيدون؛ فعلمت أن هذا الدين سوف يستمر، وأن اتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام يزيدون.

    ثم قلت لك: هل يرتد أحد منهم سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فقلت لي: لا؛ وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشته القلوب.

    إنه دينٌ تحبه القلوب، وترتاح له الأرواح.

    إنه دينٌ محبوب، إذا أدخله الله في قلب العبد، فلو أعطى له كنوز الدنيا، وخزائنها ذهباً وفضة على أن يعود عن دينه ما عاد طرفة عين؛ إذا ذاق حلاوة الإيمان، لا يعود عن دينه ولو يقذف في النار، فبشاشة الإيمان إذا دخلت في القلب لا ينتكس صاحبها، ولا يشتري الضلالة بالهدى، ولا الغي بالرشاد، ولا الظلام بالنور: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:22] وقوله عز من قائل: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125].

    ثم قال: وسألتك: هل جربتم عليه كذباً؟ فقلت لي: لا؛ فوالله ما كان له أن يدع الكذب عليكم ويكذب على الله.

    فهو ليس كذاباً، وما وجهه بوجه كذاب، بل هو صادق: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33].. وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:1-4].

    ثم قال: وسألتك: هل قاتلتموه؟ فقلت: نعم، تُغلبون.. تديلون وتدالون؛ وكذلك الرسل تبتلى حتى تكون لهم العاقبة.

    وسألتك: هل يغدر؟ قلت: لا؛ وكذلك الأنبياء لا تغدر.

    ومحمد صلى الله عليه وسلم لا يكذب ولا يغدر.

    وإذا وعدت وفيت فيما قلته     لا من يكذب فعلها أقوالها

    أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة     أدبت في هول الردى أبطالها

    فهو لا يكذب لأنه شجاع، ولا يجبن لأنه صادق.

    قال: وسألتك: بماذا يأمركم؟ فأخبرتني أنه يأمركم بعبادة الله، وبالصلاة والصدق والعفاف والصلة؛ وهذه دعوة الرسل.

    ثم قال هرقل لـأبي سفيان: وقد كنت أعلم أنه سوف يملك مكان قدمي هاتين.

    وصدق هرقل فما هي إلا خمسٌ وعشرون سنة، وإذا بكتائبه صلى الله عليه وسلم تتدفق كأمواج البحر، عليها قيادة أبي سليمان؛ سيف الله المسلول، خالد بن الوليد يخوض المعركة، ويرفع لا إله إلا الله، وإذا بـهرقل يولي الأدبار، وينظر إلى قصره في الشام، ويقول: سلامٌ عليك يا سورية، لا لقاء بعد اليوم.

    ويدخل خالد، ويجلس على سريره ويقول: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ [الدخان:25-28].

    قال هرقل: ولو كنت أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه أي لسافرت إليه في المدينة لكنه يخاف من قومه ومن شعبه ومن دولته أن يقتلوه.

    وقال: ولو كنت عنده؛ لغسلت الغبار عن قدميه.

    نص رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل

    ثم توقف أبو سفيان وتوقف هرقل، وسكتت البطارقة والقساوسة، وخفض القواد والوزراء رءوسهم في صمت، وإذا بطارق يطرق القصر، فخرج أحد الحجبة وقال: من أنت؟ قال: أنا دحية بن خليفة الكلبي، أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، معي رسالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم.

    قال أبو سفيان: فأدخلت الرسالة، وتناولها القواد سريعاً حتى وصلت إلى هرقل، فنظر فيها ثم دفعها إلى الترجمان، قال: اقرأها علينا.

    قال فرفع صوته وقرأ، وهذا نص الرسالة: { بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم؛ السلام على من اتبع الهدى، أمَّا بَعْد: فأسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64]} فلما انتهت الرسالة وترجمت، قال أبو سفيان: كثر اللغط، وارتفعت الأصوات، واحتدمت الضجة، واختلط الناس، فأخرجنا الجنود من القصر، فقلت في نفسي: لقد أَمِرَ -أي: قوي- أَمْرُ ابن أبي كبشة، إنه ليخافه ملك بني الأصفر أي: ملك الروم.

    وعاد أبو سفيان، وأسلم بعض الروم بهذه الرسالة، وارتفعت دعوته صلى الله عليه وسلم.

    ما يستفاد من المحاورة

    ويؤخذ من هذه المقابلة والمحاورة أمور:

    الأول: أن هذه الرسالة صادقةٌ صدقها الأعداء قبل الأصدقاء,.

    شهد الأنام بفضله حتى العدا     والحق ما شهدت به الأعداء

    الأمر الثاني: أنه لا هداية، ولا نور، ولا فلاح إلا فيها، ومن اعتقد الفلاح في غيرها؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

    الأمر الثالث: أنها عامة، وأنها عالمية، من لم يدخل فيها فلا قبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً، ولا فتح له أبواب الجنة.

    الأمر الرابع: أن الأتقى هو الأشرف في الرسالة، وهو الأقدم والأوسم والأعظم، فلا ميزة لغني عن فقير، ولا لنسيب عن مسكين، وإنما الميزة لمن عمل بهذه الرسالة واتقى الله فيها.

    الأمر الخامس: أنه ينبغي تبليغها للناس كافة؛ ملوكاً ومملوكين، كباراً وصغاراً، أغنياء وفقراء، لأنها رسالة لأهل الأرض جميعاً.

    الأمر السادس: أن على المسلم أن يتذوق حلاوة الإيمان؛ ليثبت الله الإيمان في قلبه، ويؤيده بروح منه، ويكتب هذا الدين في فؤاده يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27].

    الأمر السابع: أن الله نشر هذه الدعوة كما نشر الليل والنهار، فصارت مشرقة ومغربة، فانطفأت بشموسها أقمار ضلالة الأصنام، ونجوم عملاء الضلالة.. إلى أن تهاون المسلمون برسالتهم:

    من الذي رفع السيوف ليرفع اسمك      فوق هامات النجوم منارا

    كنا جبالاً في الجبال وربما     صرنا على موج البحار بحارا

    بمعابد الإفرنج كان أذاننا     قبل الكتائب يفتح الأمصارا

    لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها     سجداتنا والأرض تقذف نارا

    كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها     ونهدم فوقها الكفارا

    لو كان غير المسلمين لصاغها      حلياً وحاز الكنز والدينارا

    أرواحنا يا رب فوق أكفنا     نرجو ثوابك مغنماً وجوارا

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

    1.   

    واجبات المسلم تجاه رسالته

    الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وحجة الله على الناس أجمعين، وقدوة السالكين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    عباد الله: من أراد أن ينقذ نفسه من الضلالة، وأن ينقذ نفسه من غضب الله ولعنته ومقته فليقبل على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ويدمن النظر في سطورها، وليتعلمها ويتفقه فيها، فإن واجب المسلم نحو رسالته صلى الله عليه وسلم ثلاث واجبات:

    الواجب الأول: أن يعتقد أنها صادقة، وأنها حق وصحيحة، وأن النجاة والفلاح فيها لا في سواها؛ ومن اعتقد أن الخير في سواها فهذا رجل ختم الله على سمعه، وطبع على قلبه، وأخزاه ولعنه ومقته، وجعله من أهل النار، ولا يقبل منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً يوم القيامة.

    أوصد الله أبواب الجنة وأغلقها فلا تفتح لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من طريقه، فمن اعتقد أن غير طريقه سليمة، ومؤدية إلى رحمة الله؛ فقد ضل وشقي وخسئ في الدنيا والآخرة، عليه الخزي من الله والعار والشنار والنار.

    الواجب الثاني: أن يعمل وأن يعتقد أنها شرف له؛ فيطبقها في حياته، ويأخذ السنة بحذافيرها، فلا يأخذ شيئاً منها ويدع شيئاً آخر: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة:85]:

    يا مدعٍ حب طه لا تخالفه     فالخلف يحرم في دنيا المحبينا

    أراك تأخذ شيئاً من شريعته     وتترك البعض تدويناً وتهوينا

    خذها جميعاً تجد خيراً تفوز به     أو فاطِّرحها وخذ رجس الشياطينا

    فواجب المسلم أن يأتي إلى هذه السنة، فيطبقها في بيته وفي نفسه ظاهراً وباطناً، فهذا هو النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، وأن يتشرف بأنه ينتسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].

    الواجب الثالث: أن ينشرها بين الناس، وأن ينصرها ويوزع هدايتها في بيوت الناس، وفي أنديتهم ومحافلهم، وأن يفرح أن السنة تُعلَّم، وتُدرس، وتُنشر، وإذا لم يكن ناصراً للسنة فلا يكن عدواً لها ولا حجر عثرة في طريقها، ولا واقفاً ضدها، بل يتشرف بأنها تدرس وتعلم وتفقه، فهذا واجب المسلم.

    قصة جذع النخلة ودلالتها

    جاء في صحيح البخاري عن جابر رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال عليه الصلاة والسلام لامرأة من الأنصار: {مري غلامك النجار أن يصنع لي منبراً أخطب الناس عليه. فصنع ذاك الغلام له صلى الله عليه وسلم منبراً، فأتى عليه الصلاة والسلام، وهجر الجذع الذي كان يخطب عليه سابقاً -جذع نخلة- وأخذ هذا المنبر، فلما رقى على هذا المنبر وصعد عليه، وترك ذاك الجذع؛ حنَّ ذاك الجذع وبكى، قال جابر: والله لقد سمعنا له صوتاً كصوت العشار -أي: النوق- وقال أنس: والله لقد سمعنا له بكاءً كبكاء الأطفال في المسجد -شهد هذه القصة أكثر من ألف من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم- ثم نزل عليه الصلاة والسلام من على منبره، وقطع خطبته، وأتى إلى الجذع فوضع يده عليه يقرأ عليه، ويسمي عليه، ويدهده عليه كما يدهده على الأطفال حتى سكت}

    قال الحسن البصري: [[يا عجباً لكم! جذعٌ من نخلة يحن لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم لا تحنون لسنته]].

    إن واجبنا في الرجوع إلى الله في هذه الأيام -وفي عودة المسلمين- أن نأتي بحرارة إلى كتب السنة بعد القرآن، ونترك تلك الثقافات الدخيلة التي شوشت قلوبنا، ولعبت بعقولنا، وضيعت أوقاتنا.. الثقافات التي صدرها نابليون في حملاته، وكانت وديكارت؛ فأخرجت جيلاً ليسوا بجيلٍ كجيل الصحابة، وثقافات مشوهة.. فلابد أن نعود إلى المنبع العذب الصافي؛ منبع محمد صلى الله عليه وسلم.

    نسينا في ودادك كل غالٍ     فأنت اليوم أغلى ما لدينا

    فلام على محبتكم ويكفي     لنا شرفاً نلام وما علينا

    ولم نلقاكم لكن شوقاً     يذكرنا فكيف إذا التقينا

    تسلى الناس بالدنيا وإنا     لعمر الله بعدك ما سلينا

    عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً}.

    اللهم صلِّ وسلم على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداءك أعداء الدين، اللهم اقطع دابرهم وزلزل الأرض من تحت أقدامهم، والعنهم لعنة تدخل معهم في قبورهم يا رب العالمين.

    اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق؛ أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا.

    اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم وفق إمام المسلمين لما تحبه وترضاه، اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتأخذ بيده إلى الصواب.

    اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك؛ في برك وبحرك.

    اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان وفي فلسطين وفي الفلبين وفي كل بلد من أرضك يا رب العالمين.

    ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

    ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767960501