إنها صيحة: الله أكبر! فتحت كابول، فتحت بعد أن دنستها الشيوعية الكافرة فيا ترى من فتحها؟
وماذا قدم لفتحها؟
وما سبب فتحها؟
وما هو واجبنا نحو هذا الجهاد؟
كل هذا ما ستعرفه في هذه المادة.
أيها الإخوة الفضلاء! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذا اليوم (29) من شوال (1412هـ) وهذه المحاضرة من جامع أبي بكر الصديق في أبها بعنوان "فتح الفتوح".
السيف أصدق إنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب |
بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب |
فتح الفتوح تعالى أن يحيط به نظم من الشعر أو نثر من الخطب |
فتح تفتح أبواب السمـاء لـه وتبرز الأرض في أثـوابها القشب |
أبقيت جد بني الإسلام في صعد والمشركين ودار الشرك في صبب |
رمى بك الله برجيها فهدمها ولو رمى بك غير الله لم يصب |
أبقت بني الأصفر المصفر كاسمهم صفر الوجوه وجلت أوجه العرب |
سوف نتحدث عن فتح العاصمة الأفغانية كابل وقبل ذلك نذكر ثناء الله على نبيه إذ يقول: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً [الفتح:1-2] ويقول المعصوم عليه الصلاة والسلام: (نصرت بالرعب مسيرة شهر).
نُصرتَ بالرعب شهراً قبل موقعةٍ كأن خصمك قبل القتل في حلم |
إذا رأوا طفلاً في الجو أذهلهم ظنوك بين بنود الجيش والحشم |
إن فتح كابل فتح للمؤمنين، وعليهم أن يحمدوا الله عليه: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160] فلله الحمد أن أرانا أصنام الملحدين تتهاوى تحت أقدام المجاهدين، ولله الحمد أن أرانا أوثان الكافرين تتهاوى تحت ضربات المؤمنين.
بالأمس صلى المسلمون في كابل، واستقبلوا القبلة، وقام رئيس جمهوريتهم المسلم يخطب في الألوف المؤلفة، فيقول: الله أكبر، فيكبر وراءه مئات الألوف.
ولأحد الفضلاء من المشايخ شريط بعنوان "الله أكبر سقطت كابل " وهو فاضل ذكي، لكنه قال: سقطت، وودت أنه قال: الله أكبر فتحت كابل، فإن السقوط لغير كابل، بل هو فتح ورفعة لها، والله عز وجل سمى انتصارات رسوله عليه الصلاة والسلام فتحاً، فقال: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [الفتح:1].
والآن ميلاد كابل في هذه الأيام، فهو فتح كابل، وليس سقوط كابل، فالسقوط والهبوط والاحتراق والخراب لغيرها، أما هي فتوجت بدماء الشهداء، وبجماجم المجاهدين، وأصبحت تعزف على عزف بنادق المؤمنين الذين بايعوا ربهم: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111] ولهذا الدرس سبب:
إنه يجب علينا كمسلمين أن نعيش قضيتنا، فإن الولاء بيننا يتحرك، والمسلم مع إخوانه يسعد لسعادتهم، ويأسى لمآسيهم وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] و(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
والحقيقة أن عقول المؤمنين سالت بقرائح مبدعة، وببنات أفكار عجيبة فرحة بهذا النصر، وقد وصلتني عشرات الرسائل إن لم أقل مئات الرسائل ما بين نثرية وشعرية وكثير من القصائد ما بين عربية فصيحة ونبطية -أي: عربي وبلدي- واخترت بعض القصائد، وأعتذر للإخوة الذين لا أقرأ قصائدهم، فإن مقصودي أن ألقي درساً لا أمسية، ومقصودي أن أختار بعض القصائد وأن أرجئ بعضها داعياً الله عز وجل لمن نظم قصيدةً مشيداً ومثنياً وفرحاً أن يكمل فرحه في جنات النعيم.
سألت: أين الوفا؟ أين التواصل؟ قلت: أحلى ملتقىً في عرس كابل |
من حوالينا بدور أشرقت بالجهاد الحر في كل المعاقل |
يلتقي القادات في قواتهم لالتحام الصف من تلك الفصائل |
والجباه السمر من خوض الوغى سطعت نوراً وباتت كالمشاعل |
فإلى كابل تنداح الرؤى واجتماع الشمل أولى بالتواصل |
نظرت ليلى وقالت: حسرةً فاضت الأنباء من حقٍ وباطل |
والإشاعات بدت آثارها في اختلال النصر في تلك المحافل |
وانقسامات القوى تضعفها واختلاف الرأي أدنى للتقاتل |
قلت يا حسناء! لا تصغي إلى خدعة الخصم وأفاكٍ وسافل |
فالأباة الصيد ما لانت لهم عزمةٌ أو حال دون النصر حائل |
والمغاوير الألى قد وثبوا وثبة الأسد ونهر الموت سائل |
رفعوا الرايات فانجاب الدجى ومضوا في عزة الشهم المنازل |
فسلي بامير عن صولتهم وسلي كابل عن تلك الجحافل |
واطربي إن كان للنصر هوىً في شغاف القلب واجتازي المهازل |
هذه كابل في قبضتهم هذه الدنيا صغت والنصر ماثل |
أينما وجهت في تلك الذرى خلتها تفخر بالصيد البواسل |
والأنوف الشم في أرجائها عشقت في الله أصوات القنابل |
وقفت كالطود في ساحِ الوغى دحرت قوات زنديقٍ وصائل |
أنقذت كابل من وحشتها وأزاحت بالهدى كل العوازل |
فالأناشيد والأبيات شدت في الربى في البيد في قفرٍ وآهل |
والهتاف الحر دوى بهجةً عازفاً ألحان مقدام مقاتل |
وصدى التكبير في رحب الفضا يملأ الآفاق في رعدٍ وهاطل |
قادة الأفغان لا تختلفوا فانقسام الصف لا يرضاه عاقل |
أنتم اليوم على بوابةٍ يرصد العالم مقتولاً وقاتل |
فعلى درب الجهاد انتظمـوا فالمدى أبعد في سير القوافل |
السيف أفصح من سحبان في الخطـب سل كابل الفتح عن خطابها النجب |
واهتف لقومٍ أقاموا من دمائهمُ جسراً إلى مجدهم من أعجب العجب |
عزف البنادق أندى في مسامعهم من عزف غانيةٍ في ساعة الطرب |
صدت عن الوصل كابل وأطمعها في الهجر بعد محبيها فلم تجب |
فأمهروها رءوساً لم تكن سجدت إلا لخالقها في أروع القرب |
كابل ميلادك الأسمى يضرجه دمٌ يروي عروق السفح والحدب |
كابل باب سماء النصر يفتحه كتائب من بني الإسلام لم تهب |
كابل من بدر تروي كل قصتها يا أختها من صميم الأصل والنسب |
فتح الفتوح وأعلام العلا رفعت وارتجت الأرض من روما إلى النقب |
أصنام لينين أصخت وهي عابسةٌ تذوي على النار أو تهوي إلى اللهب |
معاطسٌ كفرت بالله فاندحرت على أزيزٍ من البارود والقضب |
والشمس في هالةٍ غبراء قد كسفـت غابت من الهول فيه لا فلم تغب |
تسربل الصيد في قاني دمائهمُ ما بين مختضبٍ أو غير مختضب |
فتحٌ تشيعه الأملاك من فرحٍ وتبرز الأرض في أثوابها القشب |
و مكة تتهادى رجع فرحتها وطيبة الفضل تروي مجد كل أبي |
واستبشر القدس والمسرى وعاوده ما عاود الصيد في يافا وفي حلب |
فتحٌ وقيمته أرواح من نسجوا ثوب المعالي من الأفغان والعرب |
أيها الإخوة الفضلاء! هذه نتائج الجهاد، وثمرات البذل والتضحية.
ثمن المجد دمٌ جدنا به فاسألوا كيف دفعنا الثمنا |
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا |
وصلوا الجمعة في صفوف متراصة كأنها السدود تتجه إلى الكعبة حيث انطلقت منها لا إله إلا الله، وأثبتوا للعالم أن الأرض التي تؤخذ بالسلاح لا تستعاد إلا بالسلاح، وأن المبادئ التي تسحق لا بد أن تعاد بالسحق لمن سحقها، هذه قضية، ثم أروا العالم أن الشجب والتنديد والاستنكار لا يأتي بشيء بل يأتي بقوة السلاح بعد الاعتصام بالله عز وجل.
إن من يحسب أنه سوف يدخل الجنة، وهو قاعد على فراشه، لا يدعو، ولا يبذل، ولا يضحي، ولا يغضب لله، ولا يبيع دمه وماله وعرضه من الله، فقد غلط في الحسبان، وأخطأ في العدد، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] (فينا) انظر إلى الضمير (فينا) ما أحسنها من نسبة!
لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي |
قال: فينا، حتى يقول ابن أبي الحديد مخاطباً ربه:
وحقك لو أدخلتني النار قلت لـ ـلذين بها قد كنت ممن أحبه |
وأفنيت جسمي في علومٍ كثيرةٍ وما منيتي إلا لقاه وقربه |
أما قلتمُ من كان فينا مجاهداً سيحمد مثواه ويعذب شربه |
قال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا [العنكبوت:69] فهي نون النسبة، فهم منتسبون إلى الله، جاهدوا من أجله ولوجهه، ومن أجل مبادئه، ومن أجل لا إله إلا الله، ومن أجل عين لا إله إلا الله، وجمال لا إله إلا الله، وروعة لا إله إلا الله، لا من أجل التراب والوطن، والدم، والجنس، ولا أي كيان وإنما (فينا).
وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54] فإذا أرضوا الله، فما عليهم من لوم اللائمين، ولو لامهم العالم، ولو قال لهم العالم: أنهم متطرفون، أو متشددون، أو متزمتون، أو إرهابيون فهم إنما يجاهدون في سبيل الله، وهي الكرامة، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَ3ِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [التوبة:41].
يقولون: كان أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أرضاه شيخاً كبيراً قد شارف على الثمانين، فسمع بالجهاد لفتح القسطنطينية في عهد يزيد، فخرج ولبس درعه، قالوا له: أنت كبير، أنت ثقيل، قال: لا. إن الله يقول: انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً [التوبة:41] والله لأنفرن، فقتل هناك، وسوف يبعث هناك بين قوم كفار يقول: لبيك اللهم لبيك.
وقال عز وجل: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ [الحج:78] وحق جهاد الله أن يسيل الدم لمرضاته، وأن يقطع الرأس من أجله، وتدفع الدنيا بما فيها وبزينتها وبذهبها ليرضى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى:
أيا رب لا تجعل وفاتي إن أتت على شرجعٍ يعلى بخضر المطارف |
ولكن شهيداً ثاوياً في عصابةٍ يصابون في فجٍ من الأرض خائف |
إذا فارقوا دنياهمُ فارقوا الأذى وصاروا إلى موعود ما في المصاحف |
قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً [النساء:95] ولم يسم لنا الأجر، ولم يعدده لنا، إنما هو أجر عظيم، والأجر عند الله، فالمجاهدون أفضل من القاعدين بلا شك، المجاهدون من أجل لا إله إلا الله، والقاعدون يكفيهم اسم القعود، فلم يقل عنهم غير ذلك، إنما سماهم (القاعدون) لأنهم قعدوا، فكأنهم ليسوا قياماً، ولو في ديارهم، إنما لقلة هممهم وعزائمهم قاعدون فهذا وسام لهؤلاء، أما أولئك فـ (المجاهدون- الشهداء في سبيل الله) وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:95].
هذه آيات، وغيرها كثير، وآيات الجهاد تربو على مائتين وأربعين آية في كتاب الله، وقال صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة مائة درجة؛ ما بين الدرجة والتي تليها كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيله}.
ومعنى الحديث: من مات ولم تخالجه نية الجهاد، ولم يعزم على أن يجاهد، ولم يحدث نفسه مرة من المرات، ولم يزاول حركة الجهاد، ولم يغز بماله، أو بنفسه، مات على شعبة من النفاق، يلقى الله وفي قلبه، وعمله، وميزانه شعبة من شعب النفاق، فليحـذر العبد، وليجاهد بلسانه وبسنانه كما سوف يأتي في الحديث، وليجاهـد بكلمتـه، وبقلمه، وبماله، فهو الجهاد العظيم.
قال أهل العلم في قوله: {من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق} قالوا: هي مرحلتان:
الأولى: مرحلة الغزو المباشرة.
الثانية: مرحلة التحديث.
والتحديث معناها: مزاولة النية، واستثارة القلب من أجل التصميم على الجهاد إذا سنحت الفرصة، حتى إن بعض أهل العلم كان يصعد الجبال في الصباح، ويتدرب على حمل السلاح، فقيل له: لم ذلك؟ قال: أتهيأ للجهاد في سبيل الله.
وفي سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه صعد جبل كسروان، ونزل هابطاً، فقيل له في ذلك، قال: أتهيأ للغزو في سبيل الله.
وعن أنس رضي الله عنه وأرضاه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم} رواه أحمد والنسائي وصححه الحاكم وهو حديث صحيح.
جاهد بماله ونفسه، فهو بأعلى المنازل، وقد أرسل ماله، وقد قدم الله المال على النفس؛ لأنه يتيسر أكثر، والنفس وهي أرقى ما يبذله الإنسان.
يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أعلى غاية الجود |
ويظن بعض الناس وهم على أجر ومثوبة أنهم إذا تنفلوا بالصلوات في المساجد أو في البيوت، وتركوا الجهاد ومراغمة أعداء الله والمنافقين؛ أنهم أفضل من أولئك، نعم.. هم على أجر، لكنهم ليسوا بأفضل، ولذلك يحقق هذه المسألة ابن المبارك أمير المؤمنين في الحديث، ويخرج التحقيق في أبيات:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب |
من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب |
والجهاد باللسان يدخل فيه: المقالة، والخطبة، والدرس، وكلمة الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والقلم، والذاكرة، والفكر، والأدب، والثقافة، والتراث، كلها تكون لمرضاته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله} متفق عليه، وسبب الحديث: {أن رجلاً قال: يا رسول الله! الرجل يقاتل شجاعةً، ويقاتل رياءً، ويقاتل ليرى مكانه، ويقاتل حمية؛ أي ذلك في سبيل الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله} قال بعض العلماء: هذا حصر، ومفهوم المخالفة في هذه الكلمة: أن من قاتل لغير أن تكون كلمة الله هي العليا، فليس في سبيل الله.
هذه وصاياه عليه الصلاة والسلام لأتباعه ولجنوده في المعارك، من حفظ للعهد، ومراعاة للذمة، واحترام للمواثيق، وعدم فساد في الأرض، وتحرير للعقول، وإزالة للباطل عن طريق الدعوة حتى تصل إلى مستحقها وإلى أهلها.
يقول عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لا يُكْلَم -من الكلم وهو الجرح- أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يُكْلَم في سبيله إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم، والريح ريح المسك) أخرجه مسلم.
ريح المسك ينبعث منه يوم القيامة، وقد قتل من مئات السنوات وآلاف السنوات، فيجعل الله وسامه يوم العرض الأكبر دمه يسيل أمام الناس أجمعين، وفي الترمذي عنه قال: (ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين، أو أثرين، قطرة دمعة من خشية الله، أو قطرة دمٍ تراق في سبيل الله، وأما الأثران فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله) أخرجه الترمذي وسنده حسن.
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما من عبد يموت له عند الله خير، لا يسره أن يرجع إلى الدنيا وأن له الدنيا وما فيها إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى) وفي لفظ: (أن يقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي.
ومنها أن أم حارثة بن سراقة لما قتل ابنها يوم بدر، أتت تبكي، فقالت: (يا رسول الله! ابني في الجنة فأصبر، أو أحتسب، أم هو في غير ذلك فسوف ترى ماذا أصنع؟ قال: أهبلت! أجننت! والذي نفسي بيده إنها لجنان كثيرة، وإن ابنك في الفردوس الأعلى) فنسأل الله الفردوس لنا ولكم، ونحن نطمع في رحمة الله فإن الله لا يتعاظمه شيء، وهذا الحديث رواه البخاري من حديث أنس.
وقال عليه الصلاة والسلام: (إن أرواح الشهداء في جوف طيور خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع عليهـم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئاً؟ فقالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث نشاء؟! ففعل بهم ذلك ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب! نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرةً أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا) أخرجه مسلم.
ومعنى الحديث: أن الله عز وجل كلم الشهداء كثيراً فيما يشتهون، قالوا: بيضت وجوهنا وأرضيت أرواحنا، فسألهم ربهم كثيراً، فقالوا: تعيدنا إلى الدنيا فنقتل فيك، فلم يعطوا ذلك، لأن الله يقول: أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ [يس:31] فلا يرجعون إلى الدنيا أبداً في علم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وقضائه وقدره.
الثانية: {ويرى مقعده من الجنة} قال بعضهم: يراه قبل أن يقتل، وقال بعضهم: في سكرات الموت، فيرى مكانه الذي خصصه الله له.
الثالثة: {ويحلى حلية الإيمان} وهي علامة خاصة بالمؤمنين، وهي للمجاهدين، ودل عليها القرآن في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ [الحديد:19].
الرابعة: {ويزوج من الحور العين، ويجار من عذاب القبر} فلا يأتيه عذاب من القبر، وهذه للشهداء والأنبياء.
الخامسة: {ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها}.
السادسة: {ويزوج اثنتين وسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه} ذكره أحمد وصححه الترمذي، وهذا الحديث ذكره ابن ماجة مع أحمد وهو من حديث المقداد بن معد يكرب، وإسناده صحيح، والأحاديث في ذلك كثيرة، وقد تقدم منها أحاديث في كثير من المناسبات.
وفي المسند مرفوعاً: {الشهداء على بارق نهر باب الجنة في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشية} رواه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي.
وقال عليه الصلاة والسلام: {لا تجف الأرض من دم الشهيد حتى تبتدره زوجتاه كأنهما ظئران أضلتا فصيليهما في براح من الأرض -البراح: البيداء- وفي يده كل واحدة منهما حلة خير من الدنيا وما فيها} أخرجه أحمد وابن ماجة وفي سنده شهر بن حوشب وهو ضعيف وهلال بن أبي زينب وهو مجهول.
وفي المستدرك وعند النسائي مرفوعاً:{لأن أقتل في سبيل الله أحب إلي من أن يكون لي أهل المدر والوبر}.
وفيهما: {ما يجد الشهيد من القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة} والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وهناك قصص ضرجت بها كتب السنة، ودبجت بها دواوين الإسلام للشهداء في سبيل الله، ومن أراد أن يتأمل هذا الباب، فعليه بالمجلد الثالث من زاد المعاد محققاً في باب الجهاد في سبيل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وعليه بكتاب الجهاد من صحيح البخاري مع فتح الباري، وبأحاديث الجهاد التي جمعها مثل ابن المبارك رضي الله عنه وأرضاه في الأربعين من كتبه، وغيره ممن جمع في ذلك، وألف فيها رسائل، ولكني أدل نفسي وإخواني على مسألة، وهي أن السائل عندما يسمع هذه الأخبار، يقول: كيف أحصل على الشهادة في سبيل الله تعالى؟ وأحياناً لا أستطيع أن أحصل عليها لظروف في نفسي، وبيتي، ومجتمعي، أو لبعض الظروف والطوارئ، فأقول: عليك بأمرين اثنين:
أولاً: أن تنوي نيةً صادقةً مخلصةً الغزو في سبيل الله، وأن تحدث نفسك بذلك دائماً ليلاً ونهاراً، وأن تعلم أنك إذا لم تحدث نفسك ببيع نفسك من الله والقتل في سبيله، ففي إيمانك نظر، فعليك أن تزاول هذا دائماً في حركاتك وسكناتك، وتتحرى اليوم الذي تقتل فيه شهيداً في سبيل الله في حرب الكفار.
ثانياً: أن تسأل الله عز وجل الشهادة في دبر كل صلاة، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام عند مسلم من حديث أبي هريرة قال: {من سأل الله الشهادة بصدقٍ، بلغه الله منازل الشهداء، ولو مات على فراشه} فجزاء من يسأل الله، ويعلم الله نيته وصدقه ودعاءه أن يثيبه أجر الشهداء، ولو مات على فراشه كما حدث لـخالد بن الوليد سيف الله المسلول.
ثالثاً: عدم الركون إلى الدنيا فقد قال تعالى: أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة:38] فإن من باع حظه من الله- عز وجل- ومن جنته بشيء من الدنيا، فلا خلاق له عند الله يوم القيامة، فنسأل الله أن يخرج حب الدنيا من قلوبنا، وأن يجعلنا من أوليائه الصادقين الذين باعوا أنفسهم له تبارك وتعالى.
ثم اعلموا حفظكم الله أن من يفرح بفرح المسلمـين، فهو دليل على إيمانه وصدق يقينه، ومن يغضب ويتأثر لما يصيبهم، فهو دليل كذلك على صدقه ويقينه.
وهذا الجهاد -كما قلت- أمنية للمسلمين، فمنذ سنوات صرفت فيه الملايين، وأسيلت فيه الدماء، وذهبت فيه الجماجم، وأصبح حديث الناس في المشرق والمغرب، وأصبح قصة الدنيا، وسارت به الركبان، ولا بد لنا أن نبدأ من أول الخيط في عجالة لهذا الجهاد.
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا |
أذكر أول ليلة طرق أسماعنا هذا الغزو وسمعنا خبره المفجع، وأذكر تلك الليلة أنني سمعت في إذاعة لندن هيئة الإذاعة البريطانية الخبر، قالوا: وقد توجه الكثير من الأفغان إلى سفارات الاتحاد السوفيتي في عواصم كثيرة يحرقون علمها ويحاصرونها وينشدون في الشوارع البيت المعهود المعروف:
نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبدا |
قلبوا الأرض على المستعمر، وما هي الدولة التي واجهتهم؟ إنها دولة تملك من المساحة ثلث الكرة الأرضية، هذه الدولة في عنفوان شبابها، وعنفوان قوتها، يحكمها طاغية لا يعرف مصادرة القرار ولا الاستثناء، دولة لم تشعر أنها سوف تتفكك أبداً، فحركت قواتها، لقد أخبرنا المجاهدون أنهم كانوا يجدون القذائف مكتوب عليها تاريخ ذلك الأسبوع أي: أنها خرجت من المصنع، أي: أن المخازن انتهت، وصنعت هذه القذيفة في التو، وخرجت بالرقم في تاريخ ذلك الأسبوع من المصنع مباشرة ليُضرب بها المجاهدون، فماذا حدث؟ وصلت أنا هناك مع بعض الإخوة، فوجدنا كثيراً من جنبات الجبال احترقت، رأينا بعض الصخور محترقة من كثرة ما ألقت الطائرات اللهب، أحرقت الشجر والمزارع، وأصبحت لا تصلح للزراعة، أصبحت الأرض قنابل، والسماء قنابل، والبيوت مفجرة بأهلها، والمشوهون مئات الألوف، وأصبحت هذه القوة العظمى تعبث بالقيم، وتعبث بالناس، بعتو وبتهور لا يعلمه إلا لله.
تأتي مائتان من الطائرات في دفعة واحدة فتلقي حمولتها على قرية صغيرة، ويكفي هذه القرية عشر طائرات، لكن من البغض والحقد والحنق على الإسلام والمسلمين تدمر هذا التدمير، فماذا فعلوا؟
لقد استعان المسلمون بالله عز وجل، وما وهنوا وما استكانوا وما ضعفوا، بل زادهم هذا إصراراً وثباتاً وقوة، وأنتم تعلمون أن الشيخ/ يونس خالص أحد القادة الأفغان -وهو في السبعين من عمره وهو عالم من علماء الأحناف- دخل على أحد الرؤساء العالميين الكبار، فقال له ذلك: نفاوض في قضية الأفغان، قال: قبل القضية أدعوك إلى الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم رعيتك، وأتوا يساومونهم قالوا: على ماذا نساوم؟ أعلى لا إله إلا الله؟ لا مفاوضات، لا جلوس على مائدة مستديرة، ولا مربعة، ولا مثلثة، ولا مسدسة، إنما عندنا لغة النار.
فروا على نغم البازوك في غسقٍ فقهقهت بالكلاشنكوف نيران |
يسعى فيعثر في سروال خيبتـه في أذنه من رصاص الحق خرصان |
ماذا فعلوا؟ لقد تجمعوا في حشود هائلة، والذين حول كابل من المجاهدين الذين يحملون السلاح، ومتدربون من المجاهدين الأفعان ما يقارب (500.000) غير الذين في المدن الأخرى، ولما سمعوا أن كابل تداعت كلهم اتجه في طريقه، وذهب في ليلة الفتح، يوم فتحت كابل أشعلوا سمائها بالنيران، حتى أصبحت كأنها نهار، كأن الشمس ما غابت، وأخبروا الشيوعي الذي فر أننا هنا، وأعلنت روسيا أمام العالم أنها تنسحب بعد أن قتل منها الألوف المؤلفة من أبنائها، وخسرت ذخيرتها ورغم أنفها أمام العالم، حتى قال بعض المراقبين: إن سبب انهيار الاتحاد السوفيتي هو الجهاد الأفغاني المسلح ضد هذه القوة الكافرة، ولما وصل رباني موسكو سمعت مراسلاً يراسل الشرق الأوسط يقول من هناك بالهاتف في الراديو: هذه القوة العظمى سحقت بسلاح المجاهدين، وقد تيقن هؤلاء أنهم لا يستطيعون لهؤلاء المجاهدين بالسلاح إلا بالمفاوضة السلمية، ثم قال البيت الشعري:
كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهنهـا فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل |
وهذا الأمر مشهود، أما أسباب قيامهم بالجهاد فمنها:
السبب الأول: لقد احتلت أرضهم، ومزقت مبادئهم، وديست عقيدتهم، وهدمت مساجدهم، وألغيت صلاة الجمعة في كثير من المدن، وبقرت بطون الحوامل، وديس المصحف بأحذية الشيوعيين أبناء لينين هناك.
السبب الثاني: أن دين الله حوصر في الأرض.
السبب الثالث: أن الدماء تجري كالماء على وجه الأرض، أما المعاناة فلا أستطيع أن أخبركم؛ لأن الأمر مشهود، وأنتم أمة عشتم الجهاد بأموالكم وأنفسكم ودمائكم من أوله إلى آخره، فجزى الله من جاهد وبذل وأعطى خير الجزاء، وإنه واجب على المجاهدين أن يشكروا الله، ثم يشكرونكم على ما فعلتم، فقد فعل العرب المسلمون فعلاً جميلاً حتى إنهم يقولون: إن العربي إذا كان هناك أصبح في الكتيبة الأولى وتترس به، لأنا لا نقول عصبية ولا عاطفة ولا تميزاً، وإنما نقصد أن هؤلاء لهم موقف مشرف في الجهاد الأفغاني -أثابهم الله- ولا أعلم بلداً عربياً مسلماً إلا شارك بأبنائه مع المجاهدين في سبيل الله عز وجل.
السبب الأول: أن الله نصرهم، هذا السبب الأعظم، وهناك أسباب أخرى، لكن السبب الأول وبيت القصيد أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى نصرهم إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ [آل عمران:160] وكتب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن ينصرهم فنصرهم، وإلا من يعتقد أن دولة صغيرة عدد سكانها ما يقارب (20.000.000) وهي دولة فقيرة اقتصادياً، ودولة جغرافيتها من الصعبة الشائكة الجبلية، ومعداتها وأسلحتها بدائية، وهي من الدول النامية تصادم دولة عدد سكانها أكثر من (300.000.000) وهي إحدى الدولتين العظيميين في العالم، وقد بلغت في الأسلحة الذرية مبلغاً لم تبلغه دولة، ثم يقاومهم هؤلاء المجاهدون؛ لأن الله معهم.
السبب الثاني: شجاعة هذا الشعب، فليس الأفغان شعباً خانعاً، بل بالإجماع لا يُرى أشجع من الشعب الأفغاني، فهم إذا تمازحـوا، تمازحوا بالرصاص، إذا مازح بعضهم بعضاً يترامون بالرصاص، وقَتْل الرجل عندهم كقتل الدجاجة، ترى المجاهد جالساً في الخيمة ويأتيه خبر أبنائه يقول: قتل أربعة أبناء لك، قال: الحمد لله! الله المستعان! إنا لله وإنا إليه راجعون! ثم يعبئ الكلاشنكوف ويخرج يقاتل في سبيل الله، تبتر ساقه فيحمل نفسه على الساق الأخرى ويقاتل بعضهم على خشبتين، وهو يأخذ المدفعية والبازوكة، ويلقي في سبيل الله عز وجل بالقذائف.
أي صبر؟! إلى أي حد يبلغ هذا الإنسان القوي الشجاع؟! إن طبيعتهم كذلك فقد رأينا جبالهم فإذا هي لا تصلح إلا لإخراج الأسود، لا تعيش فيها الأرانب أبداً، حتى أنه ذكر لنا -وقد ذكرت ذلك في ليالٍ في أفغانستان قبل ما يقارب سنة- أن شعب قندهار إحدى الشعوب الأفغانية هؤلاء من أشجع الناس، ولهم تميز خاص، ويرون أن الانبطاح وقت هطول القنابل عيب، لا ينبطحون، والتعاليم العسكرية تقتضي أنك إذا رأيت القنبلة تهوي، فعليك أن تضطجع على بطنـك، فيرفضون، فترصعهم القنابل ويرصعون وهم وقوف، هذه من الأسباب.
السبب الثالث: أن عندهـم همة لا تعرف الرجـوع إلى الوراء، فقد قدمـت لهم عروض سلميـة، وتدخـلت جهـات، ورفضوا، فهي همة عالية، تنطح الثريا، وعزم نبوي يزعزع الجبال.
السبب الرابع: وقوف المسلمين في مشارق الأرض معهم بالمال والسلاح والأنفس، ونشكر المسلمين جميعاً على ما فعلوا أثابهم الله ثواباً عظيماً، فقد دفعوا الملايين المملينة والسلاح والأبناء، وما أعلم من مدينة من المدن إلا أصيبت بشهيد، أو شهيدين، أو أكثر في سبيل الله في أفغانستان.
السبب الخامس: أن الشعب كله مجاهد، فقد خرجوا بالقبائل يحملون السلاح، ويرون أن من العار ألا يوجد بيت لا يحمل السلاح، والبيت الذي لا يخرج مجاهداً، أو لم يقتل منه قتيل يشعر بذلة وبخيبة أمام المجاهدين.
حيوا الجهاد فذكره يشجيـني وأخص حكمتيار قلب الدين |
أسدٌ براثنه شباب محمدٍ قاد الكتائب وهو في العشرين |
آماله ضرب الجماجم في الردى سماه مادحه صلاح الدين |
شكراً لأستاذ المبادئ والنهـى سياف رمز القائد المأمون |
لا تنس أستاذ المبادئ والنهى سياف رمز القائد المأمون |
وتذكر الأمجاد في ساح الوغى الشيخ يونس صاحب السبعين |
لا تنس رباني فإن حديثه كالشهد أو كالتوت في تشرين |
إن هذا الجهاد:
1- رفعة لجباه المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فإن المسلمين فرحوا بهذا، وحمدوا الله عز وجل على هذا النصر العظيم.
2- اندحار للكفر، ودرس قاسٍ لكل كافر ألا يغتر بقوته مهما بلغت، فإن الله أقوى منه، ومهما نظر إلى الشعوب المستضعفة المسلمة، فلا توسوس له نفسه، ولا يخطر له شيطانه، ولا يملي له غيه أنه سوف يغلب هؤلاء، ما دام الله معهم.
3- اتخذ الله به من عباده شهداء، فإن الله يصطفي من يشاء من الشهداء.
4- إيجاد أرضية للمسلمين يجاهدون فيها في سبيل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
5- تصفية للقلوب من حب الدنيا، ومن شهواتها، ومناصبها، فقد كان هذا المعترك على مدى (14) سنة معتركاً هائلاً لامتحان القلوب، وتصفية النفوس وقد قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:2-3].
ندعو الله في هذا اليوم الفضيل، ومن على هذا المنبر الفضيل، ومن هذا المكان الفضيل، والجمع الفضيل -وهو سبحانه كريم- أن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يثبت أقدامهم، وأن يعلي كلمة المجاهدين في مشارق الأرض ومغاربها، كما ندعوهم إلى الائتلاف ونبذ الفرقة، وتوحيد الصف: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46].
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً وإذا افترقن تكسرت آحادا |
فالفرقة داء، سواء على صعيد البيت، أو المدينة، أو القرية، أو الأمة، وإني أوصي إخواني من طلبة العلم والدعاة والأخيار والصلحاء والفضلاء والمجاهدين ألا يتركوا للشيطان فرصة ليشتت الشمل، ويحرش بين المؤمنين، فإنه سوف يدخل على المؤمنين بتسويفه دخولاً شانئاً، نسأل الله أن يكفينا شره وكل ذي شر.
واجبنا:
1- أن نسجد لله سجود الشكر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم سجد في الفتوح، وسجد أبو بكر لما أخبر بقتل مسيلمة وانتصار المسلمين، وغير ذلك من القصص.
2- أن نشاركهم فرحتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يجمع الله كلمتهم على الحق؟
3- ألا نصدق الشائعات التي تفسد ما بين القلوب، وتشكك في نيات المجاهدين، فإن بعض المنافقين يقول: هؤلاء ما خرجوا إلا لأجل السلطة، أو لأجل المناصب، أو لأجل المال، أو ما خرجـوا لمقصد وجه الله عز وجل، إلى غير ذلك من الكلمات التي نسمعها، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يعلم ذلك.
من الشمم أيها الإخوة! ما ذكر - كما تعرفون - قبل ما يقارب سنتين أن وفد المجاهدين وفدوا هيئة الأمم المتحدة، فلما حانت صلاة الظهر، قام أحد الوفد من مشايخ الجهاد الأفغاني، وأذن في هيئة الأمم للظهر بصوته العالي المرتفع، فارتجت الهيئة، وهي أول يوم في التاريخ تسمع فيه الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ليس غريباً أن ترى هذه الوجوه، وأن ترى هؤلاء المصلين، وهذه الأمة، فإننا كنا في فترة من الفترات مع قتيبة بن مسلم حول كابل نرفع لا إله إلا الله، حاصرها، وحاصر تلك المدن قتيبة بن مسلم، ورفع عقيرته يهتف وينادي ربه أن ينصره، فنصره الله نصراً مؤزراً.
الجواب: ما اشتركت، اشتركت بالدعاء، لأن على المؤمن أن ينصر إخوانه بالدعاء، أو بالنية، أو بالمال إذا لم يستطع بنفسه، والله يقول: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ [التوبة:122] وهذه الآية تساعدنا كثيراً، وهي معنا دائماً وأبداً، ولكن على كل حال لا يلزم أن كل المؤمنين يقاتلون، فإن الجهاد ليس القتال فحسب، الآن يأتي التخريج: الخطبة جهاد، والدرس جهاد، والكلمة جهاد، والمال جهاد، والدعاء بظهر الغيب جهاد، قال عليه الصلاة والسلام:{إنما تُنْصَرون وتُرزقون بضعفائكم} رواه أحمد والترمذي وغيره من أهل السنن.
فدل ذلك على أن الضعفاء من أمثالنا ينصر بدعائهـم، والله عز وجل يريد من المؤمنين أن يؤدي كلٌ ما في استطاعته وقدرته.
الجواب: ما سمعت إلا خيراً، والأنباء التي وصلت أن بينهم اجتماعاً وألفة، وأنهم والحمد لله كانوا في منظر بهيج أمس في صلاة الجمعة، وأن المساجد اكتظت بالمصلين، وقام الخطباء على المنبر ولأول يوم بعد سنوات عديدة يعيدون الخطبة كما كانت من قبل سنوات.
الجواب: هذه مثل كتب بني إسرائيل اروِ عنها ولا حرج، لا تصدقوهم، ولا تكذبوهم، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، لكن أحياناً قد يكون فيها حقائق، فإنه مثلاً في بعض الأوقات ينقل عن مراسل، والمراسل يخبرك بأنه واقف على شفير المعركة، أو يرى، أو يسمع حتى إنه يخرج لك دوياً وصوتاً، فقد يكون هذا.
الأمر الثاني: أنه قد لا تكون لهم مصلحة في الكذب فينقلون الحقيقة.
الثالث: أنه قد يتواتر الخبر، فترويه عدد من الإذاعات ومن الصحف ومن المراسلين، فيدل على أن للخبر أصلاً، أما أن يقول بعـض الناس هذه الإذاعـات الأجنبية لا تسمعها أبداً، فهذا ليس بصحيح، وبعضهم يقول: صدقها، وخذ ما قالت، وهذا ليس بصحيح، ولكن أمرنا الله بالعدل والتثبت والتأمل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات:6].
الجواب: ربما لقلة اطلاعك، أو عدم اهتمامـك، وإلا فلك منافذ، ولك وسائل أن تطلع، وأن تقرأ، وأن تسأل، وأن تعيش قضايا المسلمين، حتى إن بعض الناس يقول قبل سنوات، أو قبل سنتين: سمعت أحدهم يقول: المجاهدون هؤلاء بعضهم يقتل بعضاً، وإلا فالشيوعيون خرجوا، يظن أن الشيوعيين فقط هم الروس ولا يعلم أن هناك شيوعيين أفغان ما زالوا جاثمين إلى الآن في المدن، ثم فتحت المدن والحمد لله فهذا ظن الناس، وبعضهم يقول: هؤلاء ما قصدهم وجه الله، وبعضهم يقول: لا تتبرعوا لهم.. إلى أشياء كثيرة من قلة الاهتمام والمعرفة، أيضاً على المسلم ألا يظن أن قضية المسلمين فقط أفغانستان هناك (بورما والبوسنة والهرسك والصومال وفلسطين) وكثير من بلاد المسلمين فيها قضايا، ولا تسمع الأخبار الآن والقتل والدماء إلا على المسلمين، حتى إن بعض الكتبة يقول: أرخص الدماء في هذا العصر دماء المسلمين. ولكن أبشركم بشرى أن هذا القرن هو قرن الإسلام، فانهيار الاتحاد السوفيتي أخرج لنا جمهوريات مسلمة مؤمنة بالله في غالبها، فكثير مما حصل هو قرن للإسلام في صالح الإسلام، ولكن لا بد من المراغمة والعثرات، ولا بد من الصدمات، ولا بد من القتل في سبيل الله، ولكن عزاءنا أن من عاش يعيش عزيزاً، وأن من مات يموت شهيداً إن شاء الله.
الجواب: لك أن تسجد لله سجود الشكر، وأن تحمد الله عز وجل وأن تتصدق بصدقة، أو ترسل بصدقتك للجهاد، أو تكتب مقالة، أو قصيدة، أو أي شيء ينصر به الدين، فافعل وكلٌ على ما يسره الله له، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام كما سلف في الحديث الذي رواه أحمد: {جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم} فكان حسان بلسانه، وكان الآخر بخطبه كـثابت بن قيس بن شماس، وكان خالد بسيفه، وكان عمرو بن العاص برأيه، فكلٌ فيما ينصر به الدين، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الموفق.
الجواب: معناه يا أخي! أن تكتب في الدعوة، تنشر الدين بالقلم؛ بالمقالة، بالقصيدة، توضح العقيدة، تدافع عن الجهاد، تدعو المسلمين إلى الخير، تحذرهم من الشر، هذا معنى الجهاد بالقلم، لا أنك تحمل القلم لتقاتل به والجهاد باللسان أنك تقول وتتحدث، لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى جعل لكل عضو جهاداً، فجهاد اللسان أن تقول به، وتدعو، وتحاضر، وتخطب في سبيل الله.
الجواب: صلى عليه الصلاة والسلام يوم الفتح ثمان ركعات كما في الصحيحين من حديث أم هانئ، وقال بعض أهل العلم: إنها للفتح، وقال بعضهم: بل ضحى، وكثير من المسلمين حتى من الصحابة الذين فتحوا تستر صلوا ركعتين، فالمجاهدون هناك هم الذين عليهم صلاة ركعتين، أما نحن فعلينا أن ندعو الله عز وجل لهم، وأن نفرح بهذا، ولو أن المسلم يوم سمع الخبر سجد لله سجود الشكر كان مأجوراً، وكان على سنة من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
أيها الإخوة الفضلاء! أسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لي ولكم التوفيق والهداية والرشد والسداد، وأن يحسن منقلبنا وعاقبتنا وخاتمتنا في الأمور كلها، كما أعتذر للإخوة الذين جلسوا في آخر المسجد في البرد، وأسأل الله عز وجل أن يثيبهم على ما عانوه وما يعانونه من مشقة، ووددنا أن صدورنا تتسع لهم جلوساً، ولكن حباً وكرامةً ومثوبةً، وأسأل الله أن يجمعنا بكم مرات ومرات ليكون لقاؤنا الأخير في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر