إسلام ويب

لقاء مفتوح في الرياضللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذا اللقاء مواضيع عدة من هنا وهناك، وهي: واجبك نحو المنكرات.

    كيف تخشع؟

    الخطيب المؤثر.

    الطريق إلى إزالة الحواجز النفسية.

    وصية للشاب المسلم.

    هكذا رأيت أمريكا وأهلها!

    قصائد في مدح العلماء.

    التكني، وهل يجوز التكني بكنية النبي صلى الله عليه وسلم.

    أمراض القلوب وعلاجها.

    وسائل حفظ العلم.

    1.   

    كيف تصبح خطيباً مؤثراً

    السؤال: فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب أحب أن يكون لي دورٌ في المجتمع بالخطابة، ولكني أجد في نفسي العجز عن ذلك، فكيف العمل حتى أصل إلى هذا الهدف الطيب؟ وجزاك الله خيراً.

    الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أمَّا بَعْد:

    أولاً: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    يا رياض الخير قد جئت وفي     جعبتي أبها للقياك تسامى

    حلفت لا تشرب الماء ولا     تأكل الزاد ولا تلقى مناما

    أو ترى الأحباب في نجد فإن     لم تجدهم صار ممساها حراما

    فسلام الله أهديه لكم     يا رجال النبل في نجد الخزامى

    أنا قد أحببتكم في الله ما     كان قلبي في سواه مستهاما

    أما هذا السؤال، وهو أن الأخ يسأل: كيف يكون خطيباً مصقعاً، حذقاً، موجهاً في الأمة؟

    الخطابة هي قبل كل شيء موهبة من الله عز وجل، ولكنها تتعلم، وهناك وسائل تحسين، وتدريب، ورياضة، حتى يصل الإنسان إلى مبتغاه، والمقصد أن المسلم ينبغي أن يقصد بعمله وجه الله عز وجل، والله تبارك وتعالى يوزع على الناس المواهب والتخصصات، فكل واحد له تخصص، بعضهم كاتب، والآخر خطيب، والثالث شاعر، والرابع مفتي.

    فالمقصود أن تخدم الإسلام بالدعوة أينما كانت الدعوة، فالصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا كلهم علماء، ولا مفتين، ولا خطباء، وإنما كان فيهم الخطيب كـثابت بن قيس بن شماس الذي استخدم خطابته في نصرة لا إله إلا الله، وفي الدعوة إلى لا إله إلا الله، ومنهم من ليس بخطيب ولكنه مقاتل كـخالد بن الوليد سيف الله المسلول، فاستخدم سيفه في نصرة الإسلام، ومنهم الشاعر كـحسان فقد أخذ القوافي يرسلها كالصواعق على رءوس الملاحدة والزنادقة والفجار.

    إذاً: فعليك أن تعرف تخصصك الذي يمكن أن تخدم الإسلام به، فإن الله عز وجل سوف يسألك عما وهبك من الكتابة، أو من الخطابة أو من العلم، فأخلص مقصدك لوجه الله عز وجل.

    أما الخطابة فتعتمد على الأمور الآتية:

    أولاً: على الجرأة، ولذلك يقول ابن قتيبة في عيون الأخبار: "الخطابة عند العرب تبنى على الجرأة، وهي أن تكون جريء القلب ثابت الجنان شجاعاً؛ لأن مقابلة الصفوف ليست بسهلة، ومقابلة الناس أمر صعب، فهذا يأتي بالدربة.. فعليك أن تدرب نفسك على الخطابة، وعلى الإلقاء، وعلى الدعوة إلى الله عز وجل، وأن تخرج إلى القرى، وإلى الضواحي، فتدعو الناس هناك، فسوف يرزقك الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، القبول وسوف يهدي على يديك، وسوف يكون لك باع في الخطابة.

    ويؤثر أن عبد الملك بن مروان ذكر عنه في تراجمه أنه سئل عن سبب شيبه فقال: صعود المنابر وخوف اللحن.

    وذكر ابن الجوزي في كتاب الحمقى والمغفلين "أن أحد الخطباء استقل المنبر ليتكلم، فأراد أن يقول: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، فقال: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أشهر، فرد عليه الناس، فقال: والله لقد تقاللت ستة أشهر وأردت أن أقول ست سنوات"فأولها الجرأة.

    ثانياً: التحضير، وفي صحيح البخاري أن عمر رضي الله عنه وأرضاه لما ذهب إلى سقيفة بني ساعدة، قال: [[فزورت كلاماً في صدري]] أي: هيأه ليتكلم به عند الأنصار في سقيفة بني ساعدة.

    فعلى الخطيب إذا أراد أن يتكلم أن يحضر العناصر في ذهنه أو الموضوع، ويحفظ الآيات والأحاديث، ولا يرتجل من غير تحضير، فيأتي بكلمة من البر وكلمة من البحر.

    ثالثاً: بل هو أن يخلص، وأن يدعو الله، ويسأل الله القبول والصدق، فإنه الذي يفتح سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ولذلك ذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أنه كان إذا أراد أن يتحدث قال: "اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أصول، وبك أقاتل، وبك أحاول، وكان يكثر من الاستغفار كثيراً ليفتح الله عليه.

    رابعاً: على الخطيب أن يستقرئ أحوال الناس، فيعرف المقام الذي يتكلم فيه، فلا يخاطب أناساً في موضوع ليسوا بحاجة إليه، كأن يذهب إلى أهل البادية الذين لا يعرفون التوحيد، وهم واقعون في الشرك، فيتكلم في البنوك الربوية، وليس عند أهل البادية بنوكٌ ربوية ولا هم يحزنون، أو يأتي إلى مجتمعات في الضلال مرتكسة، فيتحدث لهم في جزئيات.

    إنسان لم يسلم، ولم يعرف لا إله إلا الله ولا أنواع التوحيد، فيتحدث له عن إسبال الإزار وعن تحريم حلق اللحى.

    خامساً: أن يراعي الموقف، فيعطي الناس ما يشتهون، فإن كان في خطبة جمعة فعليه أن يقصر ويوجز، وأن يطرق الموضوعات المهمة، وإن كان في درس فعليه أن يطيل وأن يتوسع بقدر الحاجة. ثم مسألة الصوت، ومسألة النبرات، ومسألة النغمات هذه أمور أخرى.

    ومن أحسن من كتب في الخطابة، كتاب الخطابة مفهومها ودلالتها للشيخ محمد أبي زهرة، وهو من أحسن الكتب في ذلك لولا بعض الملاحظات عليه.

    1.   

    الخشوع من القرآن

    السؤال: فضيلة الشيخ! نقرأ من حياة الصحابة والتابعين أنهم كانوا يخشعون عند سماع القرآن، ويبكون عند تلاوته، ولكني لا أستطيع ذلك، فما السبب الذي يجعلهم يخشعون ويجعلنا أقل خشوعاً؟ وما هو الطريق إلى التأثر عند سماع أو تلاوة القرآن الكريم؟

    الجواب: الخشوع عند قراءة القرآن والتأثر والبكاء قد مدح الله به المؤمنين، وله أسباب، وكلما عظم إيمان العبد كان أكثر خشية الله عز وجل، ولذلك ذكر الله العلماء ووصفهم بوصف، فقال: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] فمن لم يخش الله عز وجل فليس بعالم، ولو حفظ النصوص واستحضر الأدلة؛ لأن المسألة مسألة خشية، ولذلك قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: "ما فاقهم -يقصد الصحابة- أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولا صدقة، ولكن بإيمان وقر في قلبه".

    وعن الحسن البصري أنه قال: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.

    حتى تقول عائشة كما في الصحيحين (إن أبا بكر رجل أسيف) أي: كثير البكاء، وكثير الحزن، وكذلك كان عمر رضي الله عنه وكان إذا قام في صلاة الفجر قرأ سورة يوسف فما يبلغ قوله: وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ [يوسف:84] إلا وينهدُّ باكياً، وينهد المسجد معه من البكاء.

    وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد، أن أبا بكر دخل مزرعة رجل من الأنصار؛ فرأى طائراً يطير من شجرة إلى شجرة، فبكى وقال: [[طوبى لك أيها الطائر! ترد الماء وترعى الشجر، ثم تموت لا حساب ولا عقاب، يا ليتني كنت طائراً]] وهذا من خوفه لله عز وجل.

    أما الأمور التي يحصل بها الخشية -إن شاء الله- فهي:

    أولاً: الصدق والإخلاص، أن تصدق في نيتك وفي إخلاصك في تلاوة كتاب ربك تبارك وتعالى، فلا تقصد به الناس، ولا ثناءهم ولا مدحهم.

    ثانياً: أن تتدبر ما تقرأ، وأن تقف مع عجائب القرآن، ومع غرائبه، وأن تستحضر أن الذي يتكلم به هو رب العالمين حقيقة سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأنزله على قلب الرسول عليه الصلاة والسلام.

    ثالثاً: أن تحزن صوتك بالقراءة؛ تحزن صوتك وتنغم صوتك، علك أن تحزن وأن تخشع.

    رابعاً: وقد سئل فيه الإمام أحمد، وهو أن تختار لنفسك وقت الراحة، فالشبع الكثير لا يناسب الرقة في القراءة، أو التعب الكثير أو النعاس، وقد ورد فيها آثار، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال عمن قام يصلي وهو ينعس: (فليرقد، لعله أن يستغفر فيسب نفسه) فمن باب أولى قراءة القرآن، فتختار الوقت المناسب لقراءته.

    خامساً: أن تستشعر قلة المقام بهذه الدار، وأنه كتاب الرحيل، وأنه زاد إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

    فإذا تم ذلك، وإلا فادع الله، وراجع فتح الباب من الاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، نسأل الله أن يتقبل منا، ومنك، ومن كل مسلم.

    1.   

    واجبك نحو المنكرات في بيتك

    السؤال: فضيلة الشيخ حفظك الله! أنا شاب ممن هداه الله، ولكني أشكو من المنكرات التي في بيتي، فما هو واجبي نحوها؟

    الجواب: المنكرات ليست في بيتك فحسب، بل هي في كثير من البيوت، وكثير من المجتمعات، ومن المدن والقرى، ومشكلتنا ليست مشكلة قلة العلم، إنما مشكلتنا الكبرى قلة الدعوة، ودعوة الناس إلى لا إله إلا الله، وتفهيمهم وتعليمهم الناس، وقد سبق في بعض المناسبات القول: بأن هناك في المجتمعات من لا يحسن الفاتحة، وقد اشتغل كثير من الدعاة وطلبة العلم بالرسائل والتحقيق؛ وقد ضاعت الأمة.

    فمسألة المنكرات ليست في بيتك فحسب، بل هي منتشرة ويرجع إلى فضل الله عز وجل ورحمته، ونحن نرجوه أن يغير الحال إلى الأحسن، ثم إلى جهود طلبة العلم والدعاة أن ينشروا دين الله عز وجل، وأن ينشروا الدعوة والفهم في الناس.

    وأما المنكرات في بيتك فعليك أن تكون ذا أناة وصبر، فإن بعض الشر أهون من بعض، وحمل عدم الفهم بعض الشباب لما رأوا بعض المنكرات إلى عقوق الوالدين، فعق والديه من أجل بعض الأمور السهلة، فكان كما قيل:

    ووضع الندى في موضع السيف بالعلى     مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى

    قد يكون في البيت غناء، لكن لا يحملك على ترك البيت، وعقوق والديك، وقطيعتهما لتغير هذا المنكر، فإن عقوق الوالدين من الكبائر، واستماع الغناء معصية، وعقوق الوالدين أعظم.. فأنا أدعوك إلى الصبر، وإلى الحكمة في الدعوة، والحكمة أن تلين لوالديك، وأن تدعو لهما في كل صلاة، وأن تدعو لهم بالرفق، علَّ الله أن يهديهما على يديك، فإن لم تستطع فعليك بالصبر على أذاهم أو على ما يأتيك منهم، فإن لم تستطع فإن المعاصي منها ما يقاطع عليها، كترك الصلاة، فعليك أن تقاطع أهلك إذا تركوا الصلاة، أما المعاصي فتناصحهم وتصبر حتى يفتح الله عز وجل قلوبهم لك، والله معك إذا أكثرت من الدعاء وكنت صادقاً مخلصاً وأنبت إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

    1.   

    حكم تارك الصلاة.. وماذا يفعل المذنب

    السؤال: فضيلة الشيخ، السلام عليكم، أنا شاب حائر أحاول أن أغير من وضعي السيء، فأنا أترك الصلاة أحياناً، وأعمل بعض الأعمال السيئة، ولكني لم أستطع، كلما تركت المعصية راودتني نفسي بالرجوع إليها، فما الذي ترشدني إليه حفظك الله؟

    الجواب: نسأل الله أن يتوب علينا وعليك، وكفى بترك الصلاة معصية! فإن من ترك صلاة واحدة عامداً متعمداً فقد كفر، وسماحة الشيخ ابن باز يرى أن من ترك الصلاة عامداً حتى انتهى وقتها فقد كفر، فلا يقضيها بعد الوقت؛ لأنه في تلك الفترة قد كفر بالله العظيم، وليس له أن يقضيها؛ بل عليه أن يعود إلى الإسلام، ويعود من جديد، ويتوب إلى الله، ويدخل في الدين.

    فتركك لبعض الصلوات أو لصلاة واحدة، معناه الكفر نسأل الله العافية، حتى قال بعض أهل العلم من المحدثين: ليس بصحيح تقسيم تارك الصلاة إلى متهاون وجاحد، بل من ترك الصلاة بلا عذر فقد كفر، فعليك أن تتقي الله، كل شيء إلا ترك الصلاة فإنه الكفر.

    يقول عليه الصلاة والسلام: كما في حديث جابر عند مسلم (بين المسلم والكافر ترك الصلاة) وعند أبي داود من حديث بريدة بن الحصيب: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) فنعوذ بالله من التاركين للصلاة، ونسأل الله أن يهدي شباب الإسلام، فإذا اهتديت وواظبت على الصلاة، فسوف يهديك الله سواء السبيل، وأرشدك إلى أن تصلي الخمس في جماعة وتحافظ عليها ظاهراً وباطناً، وتحسن خضوعها وركوعها وخشوعها، فإنك إن فعلت ذلك فسوف تهتدي بإذن الله، ولا تنس الدعاء، أما بقية المعاصي فلم يسلم منها أحد.

    لكن أرشدك إلى أن تعزم على التوبة، وإذا وقعت في ذنب فاستغفر وتب، وأن تفعل من الحسنات ما يمحو السيئات، والله معك.

    1.   

    وصية للشباب المسلم

    السؤال: فضيلة الشيخ، الشباب المسلم يتألم حين يرى الواقع السيء الذي تعيشه الأمة، وقد يئس من عودة العزة والنصر للمسلمين، فما الذي توجهون به الشباب الذين يعيشون مثل هذا التصور؟

    الجواب: الحل بأيدي الشباب المسلم، إذا استطاعوا وإذا علموا ذلك، فالحل أن ننطلق بالدعوة، والتوجيه، والتوعية لوجه الله عز وجل، والحل أن نصدق مع الله عز وجل، وأن نبذل مثل ما يبذل غيرنا، أو عشر ما يبذل أعداؤنا، فأنتم ترون بعض الدعوات المغرضة البدعية الشركية كم يبذل دعاتها والقائمون عليها من الجهود، ومن التضحية، ومن الإعلام، ومن المؤلفات، ومن الصحف، والمجلات... فما هي مسئوليتنا نحن؟ أم أن ننتظر ونتمسكن ونقول: نفسي نفسي، ونتخشع في بيوتنا فليس هذا بحل، بل نزيد الأمة وهناً إلى وهن، وهزيمة إلى هزيمة، والحق أن ندعو ونوجه بالحكمة وبالتي هي أحسن، ونقود الناس إلى صراط مستقيم.

    فلو أن كل شاب اهتدى حاول أن يهدي معه شاباً آخر لهداه الله سواء السبيل: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) لكن تجد كثيراً من الشباب المستقيم ركن وانزوى عن المنابر، فلا يخطب، ويخاف على نفسه من الشهرة والرياء، وهذا مدخل عجيب للشيطان، فالشيطان يأتيه من هذا المدخل ليعطله عن الدعوة إلى الله، ويأتي الشباب المتعلم الذي عنده خير كثير من العلم، فيقول: لا تجلس إلى الناس، حتى تتمكن في العلم، ويرسخ قدمك.. فيظل لا يدعو حتى يموت.

    ويأتي للآخر الكاتب فيقول: لا تكتب، فإن الكتابة شهرة، ومن هذا القبيل.. فضربنا الشيطان وشتتنا، مع أن الحل بأيدينا إذا صدقنا مع الله وعز وجل، والناس الآن يعيشون في صحوة والحمد لله، وكم في هذه الصحوة من طالب علم، وخطيب، ولبق، وكاتب مبدع، وإذا استطاع أن يوجه قدراته لخدمة الإسلام فسوف ينصر الله هذا الدين لا محالة.

    1.   

    الطريق إلى إزالة الحواجز النفسية

    السؤال: أنا شاب محب للخير، ولكني أجد في نفسي حواجز عن مجالسة الصالحين، وأحياناً أترك مجالس الطيبين خشية أن يستهزئ بي الناس، فبماذا تنصحني؟

    الجواب: هذا الأخ يشكو من الخجل، أو من الحواجز التي بينه وبين الناس، أو العقدة النفسية، وحل هذا أنَّ عليه أن يجالس من زملائه وأقرانه الذين يجرئونه على مجالسة الناس، فإنه ليس واجباً على المسلم أن يجالس الناس، فقد يكون الأصلح لقلبه أن يعتزلهم لبعض الأمور، أما أن تكون لك جبلة حتى يحرمك هذا الخجل عن الفائدة والاستفادة، وتوجيه الناس وتعليمهم فهذا ليس بصحيح.

    قال مجاهد كما في صحيح البخاري: [[لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر]] فأرشدك إلى تقوى الله عز وجل، وأن تكون جريئاً في مواقف الحق، وأن تبدي ما عندك، فإنك على صراط مستقيم، وأنت لا تخجل، لأنه لا يخجل إلا غيرك، لا يخجل إلا من ضيع شبابه في الغناء والترهات وضياع الساعات، وارتكاب النزوات والشهوات، والمعاصي والمخالفات.. لا يخجل من أنار الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى قلبه بالقرآن، ولا يخجل من يصلي لله كل يوم خمس صلوات، ولا يخجل من يتوضأ كل يوم خمس مرات.. لا والله.

    ومما زادني شرفاً وفخراً     وكدت بأخمصي أطأ الثريا

    دخولي تحت قولك يا عبادي     وأن صيرت أحمد لي نبيا

    فأنت في مقام الفخر والعزة بالإسلام، فلا تخجل ولا تتأخر، وإنما درِّب نفسك على الجلوس مع الناس، وعلى الأخذ والعطاء رويداً رويداً، وسوف تنحل هذه العقدة بإذن الله.

    1.   

    هكذا رأيت أمريكا وأهلها

    السؤال: فضيلة الشيخ! في ذهابك إلى أمريكا، ما هي تصوراتك للإسلام فيها؟ ويقال: إن الشعب الأمريكي يتوفر لديه الصدق، والأمانة، وغيرها مما لا تحضرني الآن، فهل يمكن أن تعطينا نبذة قصيرة عن ذلك؟

    الجواب: الذهاب إلى أمريكا لا ينصح ولا يوصى به، لكن قد يضطر الإنسان إلى أن يسافر، إما لدعوة أو لعلاج لم يجد له بديلاً في بلاد المسلمين.. أو لدراسة ينفع بها الإسلام والمسلمين لهذه الأمور، ومن ضمن ما كَتبَ الله عز وجل السفر إلى أمريكا حضوري لمؤتمر الشباب العربي المسلم العاشر، في أوكلاهوما شمال أمريكا، وهذا المؤتمر حضره أكثر من أربعة آلاف شاب مسلم، وحضره ما يقارب خمسين داعية وعالماً ومفكراً.

    وأقول:

    إن الأخ حين يقول: إن الشعب الأمريكي شعب صادق وأمين، فهو إما واهم، وإما ناقل خطأً، فقد أخطأ كل الخطأ، بل إن شعب الكذب هو الشعب الأمريكي، وهو شعب الخيانة والعمالة، والضلالة. والجهالة، وقلة الحياء والمروءة، ومن لم يصدق فلينظر إليهم، فهم يعبدون الدينار من دون الله، ولا تجد أبخل منهم في شعوب الأرض، وهم أمة قطع الله الأواصر والوشائج بينهم، يقف الإنسان صاحب السيارة وهو في الثلج من العشاء إلى الظهر في اليوم الثاني لا يجد من ينجده، لأنه تعطلت به سيارته، فيقف، فلا يقف له أحد خوفاً منه، وخوفاً من البوليس، وخوفاً من المتابعة، وإذا انتهى الإنسان من لا إله إلا الله فما عليه إن أصبحت أفعاله كلها ذنوباً وخطايا.

    ولذلك قلت:

    ورأيت أمريكا التي نسجوا لها أغلى وسام

    قد زادني مرأى الضلا     ل هوىً إلى البيت الحرام

    وتطاولت تلك السنون      فصار يومي مثل عام

    ما أرضهم أرض رأيت      ولا غمامهم غمام

    وعجبت للإنسان مبتور     الإرادة والمصير

    يسعى بلا هدف ولا خير      ولا هدي منير

    مركوزة قدماه في ظل المرارة والسعير

    زيف من الهالات في     قسماته شعبهم الحقير

    إذاً: فاخلع من ذهنك أنهم أوفياء، أو أمناء وصادقون.. نعم. هم صادقون وأمناء إذا علموا أنهم سوف يكسبون منك منفعة أو مصلحة، لكن إذا علموا أنه ليس عندك منفعة لهم ولا مصلحة، فلماذا يتقربون منك؟ حتى يحصل الواحد منهم على ثلاثين حسنة عند الله أو أربعين! هو لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ولا بالجنة ولا بالنار، فهو شعب يعبد الدرهم والدينار، وشعب متمرد على الله، وهو الذي أدخل الشهوات في أذهان المسلمين، ومكر بالأديان في الأرض، ولذلك:

    فواحش قد أظلمت منها السما     والأرض منها أوشكت أن تقصما

    يقدسون الكلب والخنزيرا     ويبصرون غيرهم حقيرا

    ما عرفوا الله بطرف ساعة     ولا أعدوا لقيام الساعة

    فهم قطيع كشويهات الغنم     لهو ولغو وضياع ونغم

    1.   

    قصائد متفرقة في المدح

    السؤال: فضيلة الشيخ، إني أحبك في الله حباً لا يعلمه إلا الله، وبما أن هذا الوقت لقاء مفتوح فأسمعنا من شعرك ما تنعش به النفوس، وجزاك الله خيراً.

    الجواب: أحبك الله الذي أحببتني فيه، وحشرنا وإياك والسامعين في روضة من رياض الجنة.. أما الشعر فهناك قصائد والذي وصل الآن أربع طلبات: وكلها والحمد لله في المشايخ، كأننا متخصصون في مدح المشايخ، ونسأل الله عز وجل أن يجعل هذا في ميزان الحسنات، وألا يجعل فيه رياءً ولا سمعة، وليسوا في حاجة إلى مدحي، لكن من باب أن يفهم الناس أنا نقدر العلماء وأهل العلم والفضل.

    فعندنا الآن أربع قصائد في الشيخ ابن باز وابن عثيمين، وسياف وعن شهر رمضان، ونبدأ بالشيخ عبد العزيز بن باز وقد مر في مناسبات أن بعض الإخوة أخبرني أنه سوف يؤلف كتاباً يجمع فيه القصائد اسمه الممتاز في مدائح الشيخ عبد العزيز بن باز، قلت: حبذا لو أسميته نسيم الحجاز في الثناء على الشيخ عبد العزيز بن باز، وكلها سواء لكن بعضها يمتاز عن بعض، ولا بد من النسيم، حتى يكون هناك ثناء عاطر.

    وأنا أستحسن قصيدةتقي الدين الهلالي؛ لأنها جميلة، وهو محدث كبير رحمه الله وأظنه هو قد وفد على الشيخ، وكان في الجامعة الإسلامية، وقال قصيدة تقارب ستين بيتاً، يقول فيها:

    خليلي عوجا بي لنغتنم الأجرا     على آل باز إنهم بالثنا أحرى

    وزهدك في الدنيا لو ان ابن أدهم رآه رأى فيه المشقة والعسرا

    ... إلى آخر القصيدة.

    ويقول: المجذوب:

    روى عنك أهل الفضل كل فضيلة     فقلنا حديث الحب ضرب من الوهم

    فلما تلاقينا وجدناك فـوق ما     سمعنا به في العلم والأدب الجم

    فلما أر بازاً قط من قبل شيخنا     يصيد فلا يؤذي المصيد ولا يدمي

    وقصيدتي البازية قلت فيها:

    قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي     فقمت أنشد أشواقي وألطافي

    لا أبتغي الأجر إلا من كريم عطا     فهو الغفور لزلاتي وإسرافي

    عفواً! لك الله! قد أحببت طلعتكم     لأنها ذكرتني سير أسلافي

    يا دمع، حسبك بخلاً لا تجود لمن     أجرى الدموع كمثل الوابل السافي

    يا شيخ يكفيك أن الناس قد شغلوا     بالمغريات وأنت الثابت الوافي

    أغراهم المال والدنيا تجاذبهم     ما بين منتعل منهم ومن حافي

    مجالس اللغو ذكراهم وروضتهم     أكل اللحوم كأكل الأغطف العافي

    وأنت جالست أهل العلم فانتظمت      لك المعالي ولم تولع بإرجافَ

    بين الصحيحين تغدو في خمائلها     كما غدا الطل في إشراقه الضافي

    تشفي بفتياك جهلاً مطبقاً     وترى من دقة الفهم دراً غير أصداف

    ... إلى آخر القصيدة.

    ومنها:

    أراك كالضوء تجري في محاجرنا     فلا تراك عيون الأغلف الجافي

    كالشدو تملك أشواقي وتأسرها     بنغمة الوحي من طه ومن قاف

    يكفي محياك أن القلب يعمره     من حبكم والدي أضعاف أضعاف

    أما الشيخ ابن عثيمين فقد زرناه قبل عشرة أيام في عنيزة في بيته، وجاءنا قبل ثلاثة أيام إلى أبها، يداً بيد، مثلاً بمثل، سواءٌ بسواء، زارنا ليفيدنا، وزرناه لنستفيد منه، المقصد أن البحر هذا الذي مدحت عليه الشيخ وأثنيت عليه هو بحر مسبوق، يقول علي رضي الله عنه على هذا البحر والقافية:

    لا دار للمرء بعد الموت يسكنها     إلا التي كان قبل الموت يبنيها

    فإن بناها بخير طاب مسكنه     وإن بناها بشر خاب بانيها

    أموالنا لذوي الميراث نجمعها     ودورنا لخراب الموت نبنيها

    فاعمل لدار غداً رضوان خازنها     والجار أحمد والرحمن بانيها

    قصورها ذهب والمسك تربتها     والزعفران حشيش نابت فيها

    فقلت على هذا المنوال في الثناء على الشيخ:

    دنياك تزهو ولا تدري بما فيها     إياك إياك لا تأمن عواديها

    تحلو الحياة لأجيال فتنعشهم     ويدرك الموت أجيالاً فيفنيها

    عارية المال قد ردت لصاحبها     وأكنف البيت قد عادت لبانيها

    والأينق العشر قد هضت أجنتها     وثلة الورق قد ضجت بواكيها

    يا رب نفسي كبت مما ألم بها     فزكها يا كريم أنت هاديها

    هامت إليك فلما أجهدت تعباً     رنت إليك فحنت قبل حاديها

    إن لم تجرني برشد منك في سفري     فسوف أبقى ضليلاً في الفلا تيها

    قل للرياح إذا هبت غـواديها     حي القصيم وعانق كل من فيها

    واكتب على أرضهم بالدمع ملحمة     من المحبة لا تنسى لياليها

    أرضٌ بها العلم أو حاذق فطن     يروي بكأس من العلياء أهليها

    عقيدة رضعوها في فتوتهم     صحت أسانديها والحق يرويها

    ما شابها رأي سقراط وشيعته     وما استقر ابن سينا في بواديها

    ولـ ابن تيمية في أرضهم علـم     من الهداية يجري في روابيها

    إذا بريدة بالأخيـار قد فخرت     يكفي عنيزة فخراً شيخ ناديها

    محمد الصالح المحمود طائره     البارع الفهم والدنيا يجافيها

    له التحية في شعري أرتلها     بمثل ما يرفع الأشواق مهديها

    ... إلى آخر القصيدة.

    وهذه قصيدة اسمها المدوية، أو الإسعاف في إتحاف سياف:

    سياف في ناظريك النصر يبتسم      وفي محياك نور الحق مرتسم

    وفيك ثورة الإسلام مقدسة بها      جراح بني الإسلام تلتئم

    حطمت بالدم أصناماً محجلة      وصافحت كفك العلياء وهي دم

    ثأرت لله والدين الحنيف فلم      يقم لثأرك طاغوت ولا صنم

    على جبينك من سعد توقده      وخالد في رؤى عينيك يقتحم

    حلق إذا شئت فالأرواح طائرة      فعن يمينك من عاهدت كلهم

    وصغ من المهج البيضاء ملحمة      يظل يقرؤها التاريخ والأمم

    موتاً على صهوات البيد يعشقها     أهل البسالة في عليائهم شمم

    يا موت من تسهر اللذات فتنته      حياته في الورى سيان والعدم

    سياف خذ من فؤادي كل قافية      تجري إليك على شوق وتستلم

    قد صغتها أنت إسلاماً ومكرمة      وفي سواك القوافي أشهرٌ حرم

    كادت معاليك أن ترويك معجزة     لكن تواضعك الأسمى لها كتم

    كأن ما أنت كررت الألى ذهبوا      هذا صلاح ومحمود ومعتصم

    ورمضان له أربعة أبيات:

    مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام     يا حبيباً زارنا في كل عام

    قد لقيناك بحب مفعم     كل حب في سوى المولى حرام

    فاغفر اللهم ربي ذنبنا     ثم زدنا من عطاياك الجسام

    لا تعاقبنا فقد عاقبنا     قلق أسهرنا جنح الظلام

    1.   

    التكني لمن ليس له ولد

    السؤال: ما حكم الكنية بأسماء الصحابة مثل: أبي حمزة، وأبي عمر، وليس له ولد بهذا الاسم، إنما يتكنى بها المتكني تفاؤلاً؟

    الجواب: الكنية بأسماء الصحابة من أشرف الكنى، والتكني وليس لك ولدٌ جائز في الشريعة الإسلامية، ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه، قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أبا عمير! ما فعل النغير) وأبو عمير أخو أنس طفل صغير كان يلعب بطير معه، فمات الطائر بعد فترة، فكانت مصيبة عند هذا الطفل الصغير؛ لأن الأحداث في أذهان الصغار أحداث عالمية، كأنها الحرب العالمية الثالثة، فأراد صلى الله عليه وسلم من باب الدعوة والدخول إلى قلوب الأطفال؛ لأنه يسبي القلوب ويشتريها.

    محاسنه هيولي كل حسن     ومغناطيس أفئدة القلوب

    ولذلك يقول الله عز وجل: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] فأراد أن يقف نفس مشكلة الحزن التي يعيشها هذا الطفل الصغير، ليربيه على لا إله إلا الله، وليس المقصود الطائر، فبعد الطائر عشرة طيور، فدخل عليه الصلاة والسلام وقال: ( يا أبا عمير، ما فعل النغير) وهو قد كناه وليس له ولد، فلك أن تتكنى.

    وهنا فائدة: بعض الزنادقة -والعياذ بالله- يقولون: المحدثون فقط يروون أحاديث وليس لها معنى، ليس فيها فائدة، مثل: (أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها) (ويا أبا عمير، ما فعل النغير) فما هي الفائدة من هذا؟ قال ابن حجر ذكر عن الإمام ابن القاص أو غيره، أنه استخرج من هذا الحديث ستين فائدة، وذكر منها:

    اللعب بالطائر، وتكنية من لا كنية له، وزيارة الأحباب والأقارب ولو كانوا أطفالاً، والمزاح معهم، والسجع بلا تكلف.. إلى غير تلك الفوائد.

    فلك أن تتكنى، والعرب تستشرف الكنية، ولذلك يقول شاعرهم:

    أكنيه حين أناديه لأكرمه      ولا ألقبه والسوءة اللقب

    كذاك أدبت حتى صار من أدبي     إني وجدت ملاك الشيمة الأدب

    ومن أحسن ما يزرع لك الود في صدر أخيك أن تقول: يا أبا فلان! يا أبا طلحة! يا أبا حمزة! كما فعل صلى الله عليه وسلم صيف ربى الجيل المتجه إلى الله، ويقول: يا أبا بكر، يا أبا حفص، يا أبا الحسن، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

    1.   

    حكم مشابهة الرسول صلى الله عليه وسلم في اسمه وكنيته

    السؤال: إذا تسمى المسلم باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكنى بكنيته، فما هو الحكم؟

    الجواب: وهناك يقول صلى الله عليه وسلم: (تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي) حديث عارضه يقول: (من أباح اسمي ومن حرم كنيتي) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وأهل العلم على ثلاثة مشارب في هذا:

    منهم من منع التسمي والتكني مطلقاً، ومنهم من أجازهما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال بجواز أحدهما إما الكنية أو الاسم.

    والصحيح أنه لا بأس بها إن شاء الله بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فإن الذي يعرف من قرائن النهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يمشي حول مقبرة بقيع الغرقد، فنادى رجل: يا أبا القاسم، فالتفت صلى الله عليه وسلم، فقال: أريد فلاناً ولا أريدك يا رسول الله، فقال: (تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي).

    فلما مات عليه الصلاة والسلام، فلنا في الظاهر أن نتسمى باسمه ونتكنى بكنيته، ووجد هذا في علماء الأمة، فـمحمد بن أبي بكر الصديق كنيته أبو القاسم والقاسم بن محمد ومحمد بن القاسم، هؤلاء من ذرية محمد بن أبي بكر.. وغيرهم كثير من علماء ومجاهدي الإسلام.

    1.   

    حكم التباكي في الصلاة

    السؤال: هل التباكي خلال الصلاة من النفاق؟ أرجو أن توضح لنا ذلك.

    الجواب: الله أعلم بنيتك وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) والله هو الذي يطلع على الضمائر والقلوب؛ فإن القلوب مكان نظر الرب تبارك وتعالى، فالله أعلم، فإن تباكيت خشية لله عز وجل، أو خشعت في صلاتك فلك ذلك، لكن بشرط ألا تخرج بعض الحروف، أو لا تشوش على الناس، أو لا تقطع قراءتك إلا من بكاء لا بد منه.

    أما التباكي خارج الصلاة فوارد.. لك إذا قرأت القرآن ولم تبكِ أن تتباكى، لكن لا تقصد بالبكاء غير وجه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.

    أثر عن الحسن البصري أن رجلاً بكى في مجلسه، فقال الحسن: والله ليسألنك الله يوم القيامة عن هذا البكاء أقصدت به وجهه أم لا، فالله الله في قصد الله بالعمل، وأكثر ما يدخل الرياء، والنفاق، ومصانعة الناس من طريق البكاء، فإن بعض الناس قد يبكي ليظهر للناس أنه خاشع، وقلبه ليس بخاشع، فلا تبك إلا إذا غلبك البكاء، وإذا كنت وحدك فحاول أن تتباكى أو تبكي للحديث: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) خالياً؛ لأنه أصدق وأخلص.

    1.   

    التخلص من جليس السوء

    السؤال: إذا أتى أحدٌ من جلساء السوء يريد أن يجالسني ويسبب لي المشاكل، فماذا أفعل؟ هل ابتعد عنه؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً!

    الجواب: أنت أدرى بظرفك، فإذا جاءك جليس وكان من المناسب أن تدعوه إلى الله عز وجل فلا تذهب، وعليك باللين والمصابرة علَّ الله عز وجل أن يهديه على يديك، فلا تظن أن الله طبع على قلوب الناس فلا يهتدون، فإن الله هدى أهل الضلالة وكثيراً من المشركين، وقد عبدوا الأصنام، وزنوا، وبغوا في الأرض، وأفسدوا فيها كل الفساد، فلا تظن أن الله طبع على قلوب الناس، لكن تجلس وتحاول أن تؤثر فيه.

    أما إذا حاولت معه، ويئست منه، فعليك أن تنصرف عنه، لكن لا تقابله بالجفاء فإذا جلس قمت مباشرة، أو إذا صافحك سحبت يدك، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن معاملته مع الناس هكذا، قال تعالى عنه: وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] والله يقول: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] فقد صافح الكفار، وصافح اليهود وصافح المنافقين ودعاهم.

    فاللين مطلوب، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة:83] فعليك أن تحسن من خلقك بالبسمة وباللين، لكن الموادة شيئ آخر، لا فلا تواده ولا تحبه ولا تصانعه ولا تجامله ولا تزره، لكن إذا بليت به، فكن كأنك لم تسمع وهو لم يقل! حتى يفرج الله عنك وييسر الحال.

    1.   

    حكم الصور

    السؤال: ما حكم من يحتفظ ببعض الصور للذكرى؟

    الجواب: الصور كثر الكلام فيها، وكثرت المؤلفات والفتيا، فالصور لا تجوز إلا للضرورة.. ضرورة ملحة يحتاجها المسلم في حياته، أما صور الذكرى والتعظيم فهي محرمة، وهذا أحسن ما قيل، وهو الذي يظهر لي والله أعلم.

    1.   

    حكم الوسوسة في الصلاة

    السؤال: الذي يفكر ويسرح في الصلاة، ماذا يفعل، هل يسجد سجود سهو أم ماذا؟

    الجواب: الذي يسرح عليه أن يتقي الله عز وجل قبل أن يبدأ، لأن الهيام أو الشرود أو السرحان في الصلاة على أنواع، منها:

    ألا تشعر هل قرأت الفاتحة أم لا، وهذا هو عند كثير من أهل العلم يبطل الصلاة، أي: أنك لا تعرف هل قرأت الفاتحة، ولا تعرف ماذا قلت، وأما أن يشرد قلبك خطرات فهذا لا يسلم منه أحد، ولا يمكن أن يتخلص من هذا الوارد؛ لأن الشيطان بعد أن تقام الصلاة يأتي ليوسوس ويقول للعبد: اذكر كذا، اذكر كذا.

    أما متى تسجد سجود السهو؟ فإذا تركت ركناً أو واجباً من واجبات الصلاة، فعليك أن تتقي الله وتسجد، أما أن تسجد كلما شردت؛ لأنه لم يقم على ذلك دليل، والناس يبتلون بهذا، ولو كان فيه أثر لعُلِمَ ولنُقِلَ؛ لأنهم يبتلون دائماً بالشرود والخطرات والواردات، ولا أعلم أن هناك سجوداً لذلك.

    1.   

    كيف تقنع مدخناً؟

    السؤال: كيف يكون النصح والإرشاد للإنسان الذي يشرب الدخان؛ لأن لدي أقارب يشربون الدخان، وأحب أن أكون ناصحاً لهم؟

    الجواب: يكون النصح بالوسائل التي يهديك الله إليها، منها: أن تلين في التوجيه والتعليم، وأن تعطي المسألة حقها من الاهتمام ومن التوجيه، فإن بعض الناس إذا جاء يدعو شارب الدخان أقام الدنيا وأقعدها على شارب الدخان، وقال: ويل لك من الله، ومن عذاب الله، ومن غضبه ولعنته، وصاح عليه حتى كأنه كفر بالله العظيم، لكن لا بد أن تأخذ كل معصية من المعاصي قدرها، وهذا وهو منهج القرآن، القرآن ذكر الشرك فذمه وعظمه، وأكثر القول فيه، وذكر بعض الذنوب فأعطاها مساحتها وحقها كالغيبة والنميمة، وشهادة الزور.

    فأنت عليك أن تقوم بدفع هذا المنكر، وتعرف أنه حرام، لكن تعرف أنك تتخاطب مع مسلم يقيم الصلاة، ويخاف من الله عز وجل، فتخاطبه بأن هذا حرام، ويكون الخطاب بالوسائل العلمية، وبالكتب التي ألفت، في ذم الدخان وتحريمه.. تهديها له، أو تكتب له رسالة إذا رأيت ذلك، أو تتصل به، أو تجلس معه، فتبين له أضرار الدخان الصحية والمالية والنفسية والدينية حتى تقنعه إقناعاً، أما الغضب فلا يقنع أحداً.

    وربما أحرجته بالغضب وبالتهديد، فجاملك يوماً من الأيام، لكنه لم يقتنع، والدعوة تبنى على الاقتناع.

    1.   

    وسائل حفظ العلم

    السؤال: يقول السائل: فضيلة الشيخ، ما أسهلُ طريقة لحفظ العلم؟ جزاكم الله خيراً!

    الجواب: حفظ العلم أوله حفظ القرآن، ووسائل حفظ القرآن تكمن فيما يأتي:

    أولها: تقوى الله عز وجل، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً [الأنفال:29] فإن من اتقى الله فتح عليه، وسهل له أموره، وحفظه ما تعلم.

    ثانياً: كثرة الاستغفار والتوبة. ذكر عن ابن تيمية أنه يقول:" إنها تصعب علي المسألة فأستغفر الله أكثر من ألف مرة -أو أقل- فيفتحها الله علي". والذنوب سبب للنسيان والذهول والشرود، فعليك أن تكثر من الاستغفار إذا أردت أن تحفظ، وقبل أن تحفظ، وبعد أن تحفظ.

    ثالثاً: أن تقلل من المحفوظ، فلا تكثر على نفسك، فإنه من أخذ العلم جملة، ضيعة جملة كما قال: الزهري، فلا يمكن أن تأخذ العلم في يوم أو يومين أو شهر أو أسبوع، بل تأخذه قليلاً قليلاً، وقطرة قطرة، وآية آية، وحديثاً حديثاً، فقلل من المحفوظ، فهو أصل عظيم للحفظ.

    رابعاً: أن تكرر ما تحفظ، كأن تأخذ أربع آيات أو خمس فتكررها كثيراً، خمسين مرة إلى مائة مرة، قبل أن تنتقل إلى غيرها من الآيات.

    خامساً: أن تقرأ ما حفظت من القرآن في الصلوات وفي النوافل.

    سادساً: أن تذاكر بالعلم الذي حفظته، كأحاديث حفظتها، مثل: رياض الصالحين وبلوغ المرام، أن تذاكر مع زملائك وإخوانك وإن كان لك تلاميذ، فاعقد معهم جلسة؛ لأن العلم يحيا بالمذاكرة.

    سابعاً: أن تعمل بما علمت، ليحفظك الله عز وجل ما تعلمت.

    ثامناً: أن تحقق المسائل، فإنها حفظ للعلم، وتخرج، وتنقح، وتؤلف إذا بلغت درجة التأليف.

    1.   

    أمراض القلوب وعلاجها

    السؤال: أرجو أن تتحدث عن أمراض القلوب وعلاجها، مع الأدعية إذا أمكن، وادع للجمع الحاضر؟

    الجواب: أمراض القلوب على قسمين: أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات.

    فأمراض الشبهات في المعتقد والعلم، وأمراض الشهوات في العمل.

    وأمراض الشبهات شك وريبة ووسوسة، وقد تصل إلى الزندقة والإلحاد.. نعوذ بالله من ذلك!

    وأما أمراض الشهوات فهي المعاصي.. كالزنا، والسرقة، والاعتداء على الناس، والبغي في الأرض، والغيبة، وأكل الأموال المحرمة، هذه من الشهوات.

    فأما علاج الشبهات:

    فالعلم واليقين وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] فأوصيك باليقين عند الشبهات، وطلب العلم، قال ابن دقيق العيد: "أصابتني في بدء حياتي وسوسة، فسألت العلماء، فقالوا: عليك بطلب العلم! فطلبت العلم؛ فأذهب الله عني الوسوسة أي: الشبهات فعليك بطلب العلم، والجلوس مع العلماء، وقراءة كتب السلف الصالح من كتب الحديث والتفسير والفقه، ليذهب الله عنك مرض الشبهات.

    وأما علاج الشهوات:

    فبالصبر، وبكثرة النوافل والدعاء، بعد إحسان الفريضة ظاهراً وباطناً، والتزود بالنوافل وكثرة الدعاء والذكر وتدبر القرآن.. هذه تذهب.. إن شاء الله.. مرض الشهوات.

    والدعاء الذي أنصحك في صحيح مسلم عن عائشة أن الرسول عليه الصلاة والسلام، كان يدعو ويقول: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) و(يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب والأبصار صرف قلبي على طاعتك) وقال عليه الصلاة والسلام: (اللهم اهدني وسددني، اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي) ويقول: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ودعاء، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8].

    وأسأل الله لي ولكم أن يتقبل منا ومنكم، وأن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت حتى نلقاه إنه على كل شيء قدير.

    1.   

    وصايا لمن عنده موهبة في الشعر

    السؤال: سائل يقول: إذا أردت أن أكون شاعراً في الإسلام فماذا أفعل؟

    الجواب: الشعر لا يأتي بالقوة، إنما الموهبة، فمن كان عنده موهبة فلينمها، ومن لم تكن فليرح نفسه؛ لأن كثيراً من أهل العلم ومن السلف الصالح ومن الصحابة ليسوا شعراء، وإنما بذلوا ما أعطاهم الله عز وجل، ولذلك بعض العلماء يرى أن الشعر يزري بالعلماء وبطلبة العلم، حتى يقول الشافعي:

    ولولا الشعر بالعلماء يزري     لكنت اليوم أشعر من لبيد

    فبعضهم يرى أنه خفة، وطيش، وأنه يزري، لكن الصحيح أنه إذا اقتصد فيه، ووجهه إلى الدعوة الإسلامية وخدمة العلم، فهو إن شاء الله فيه خير.

    أما إذا أردت أن تكون شاعراً؛ فإن كان عندك موهبة فنمها بالاطلاع، وبكثرة حفظ الشعر، يقولون: عليك أنت تحفظ آلاف الأبيات من الشعر، وخاصة الشعراء الذين أجادوا، كـالمتنبي وأبي تمام وجرير والبحتري، وهؤلاء الطبقة.

    الأمر الثاني: أن تقرض الشعر، وأن تقلل من قرضه، أي: قليلاً حتى تعتمد على الكيف لا الكم، لأن بعض الشباب إذا بدءوا في الشعر نظموا كل يوم عشر قصائد، فتأتي مهزوزة، لم يقرأ ولم يطلع في الأدب، وبعد سنوات ينتهي، فالمقصد أن تطالع كتب الأدب كثيراً، ولا يشغلك الشعر عن العلم، لكن يكون له أوقات.

    وذكر في الأدب أن شعراء اجتمعوا عند نهر، وكان معهم رجل، فقال: لا بد لكل واحد منا أن يصنع بيتاً في هذا المقام، وكان معهم رجل ليس بشاعر، فألحوا عليه، وكل منهم نظم بيتاً، فلما أتى له بيته قال:

    كأننا والماء من حولنا     قوم جلوس حولهم ماء

    فبعض شعر الناس من هذا القبيل، حتى ذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد أن بعضهم يقول:

    الليل ليل والنهار نهار     والأرض فيها الماء والأشجار

    ظاهر البيت أنه بيت شعر، ليس مكسوراً بل هو موزون، لكن ليس فيه من المعاني ولم يأتِ بجديد، فالشعر يعتمد على أربعة أمور:

    أولاً: البحر، وبحور العرب خمسة عشر بحراً، وزاد الأخفش واحداً، فأصبحت ستة عشر بحراً.

    ثانياً: القافية، أن يكون على قافية واحدة فلا يأتي بالراء، ثم ينتقل إلى السين، ثم الطاء، ثم الخاء، ثم إلى الجيم.. هذا لعب.

    ثالثاً: الأسلوب، فإن النظم شيء والشعر شيء آخر، ابن مالك يوم يقول:

    قال محمد هو ابن مالك أحمد ربي الله خير مالك

    ولا يجوز الابتدا بالنكرة     مالم تفد كعند زيد نمرة

    فهذا نظم وليس بشعر، لكن الشعر مثل قول المتنبي:

    وقفت وما في الموت شك لواقف     كأنك في جفن الردى وهو نائم

    تمر بك الأبطال كلمى هزيمة     ووجهك وضاح وثغرك باسم

    فهذا الأسلوب لا بد منه.

    رابعاً: الخيال، لا بد أن يكون عند الشاعر خيال، يتخيل الأمور، فلا يقول الشمس شمس، ولا المسجد مسجد، ولا المكرفون مكرفون، هذه أمور مسلمة، لكن يأتي بصورة بديعة، مثل قول بشار بن برد:

    كأن مثار النقع فوق رءوسنا     وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه

    أو كقول امرئ القيس:

    مكر مفر مقبل مدبر معاً     كجلمود صخر حطه السيل من علٍ

    إلى غير تلك التشبيهات.. فهذا الخيال لا بد منه، ولذلك تجد الآن في الساحة شعراً ليس فيه خيال، ولا أسلوب، ولا روي، ولا قافية إنما هو كلام.

    وإذا أراد أن يسمى شاعراً أتى بأمور، حتى لو سألته هو عن معانيها لما استطاع أن يجيبك، ويقول: هذه رموز ومصطلحات لا يدركها عامة الناس ومستواه أضعف من مستواك، حتى تقول: بارك الله فيك، فتح الله عليك، أنا لم أعرف هذه القصيدة؛ لأنه يقول:

    في وهج الليل سرحت..ونمت في جنح الضحى

    ثم سقط علي الشاطئ بلمعانه.. وإذا بريق الشمس فوق حاجبي.. فماذا أفعل؟

    فإذا قلت: بارك الله فيك أفتنا، استنبط لنا من هذه الكنوز ومن هذه البضاعة، قال: أنت مستواك ضعيف، عقلك لم يبلغ إلى هذا الرقي العلمي. نقول له: جزاه الله خيراً، هذا يبقى هو وبضاعته، وسوف يثبت المتنبي أنه شاعر استمر وأبو تمام وجرير وحسان؛ لأنهم أجادوا وأتوا بالشروط الأربعة.

    1.   

    أبيات في أهوال الآخرة

    السؤال: يقول السائل: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، إلى الشيخ عائض إني أحبك في الله، هل نظمت شعراً في أهوال الآخرة؟ فإن كان الجواب نعم؛ فأرجو منك أن تسمعنا شيئاً في ذلك؟

    الجواب: عندي قصيدة (الدمعة الخرساء) فيها من ذكر أهوال الآخرة:

    دنياك تزهو ولا تدري بما فيها     إياك إياك لا تأمن عواديها

    تحلو الحياة لأجيال فتنعشهم     ويدرك الموت أجيالاً فيفنيها

    عارية المال قد ردت لصاحبها     وأكنف البيت قد عادت لبانيها

    والأينق العشر قد هضت أجنتها     وثلة الورق قد ضجت بواكيها

    يا رب نفسي كبت مما ألم بها     فزكها يا كريم أنت هاديها

    ... إلى آخر القصيدة.

    هذا ما يحضرني أني نظمت فيه، لكن من أعظم ما قرأت في أهوال الآخرة، قصيدة لأحد الشعراء المستقيمين العلماء، حضر عند نور الدين محمود زنكي أستاذ صلاح الدين الأيوبي، وهو من العلماء والفضلاء والزهاد، حتى يقال: هو سادس حكام الإسلام عدلاً، كان من أعدل الناس، وكان يصلي الليل إلا قليلاً، وكان يصوم أغلب الأيام، وكان لا يسمع الموعظة إلا بكى، وجاهد في سبيل الله حتى كان في أرجله جروح كثيرة من كثرة ما ركب الخيل.

    عمل نور الدين في دمشق مهرجاناً حافلاً كبيراً حضره أمراؤه ووزراؤه وقواده وجيشه والناس، فأتى هذا العالم والناس قد اكتظوا في المهرجان، فوقف أمام نور الدين محمود فألقى قصيدة كأنها تتقطع من القلب، يقول لـنور الدين:

    مثل لنفسك أيها المغرور     يوم القيامة والسماء تمور

    إن قيل نور الدين جاء مسلماً     فاحذر بأن تأتي ومالك نور

    حرمت كاسات المدام تعففاً     وعليك كاسات الحرام تدور

    إلى أن يقول:

    هذا بلا ذنب يخاف لهوله     كيف المصر على الذنوب دهور

    قصيدة وأبياتها تقارب أربعين بيتاً، فلما ألقاها أغمي على نور الدين محمود، وسقط من كرسيه على الأرض مغشياً عليه حتى رش بالماء, ويقولون: هي أول توبته في الإسلام.

    ومن أحسن ما قرأت كذلك في شعر الآخرة، قصيدة للشاعر الكبير محمود بن عثيمين الذي توفى قبل سنوات، وقد رثى علامة من علماء نجد اسمه عبد الله العجيري، وقصيدته محزنة مرثية، يقول فيها:

    هو الموت ما منه ملاذ ومهرب     متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب

    نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها     وعلَّ القضا مما نرجيه أقرب

    ونبني القصور المشمخرات في الهوا     وفي علمنا أنا نموت وتخرب

    نشاهد ذا عين اليقين حقيقة     عليه مضى كهل وطفل وأشيب

    ولكن علا الرانُ القلوبَ كأننا     بما قد رأيناه يقيناً نكذب

    إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا     وفي كل يوم واعظ الموت يندب

    ... إلى آخر تلك القصيدة.

    1.   

    سعة رحمة الله ومغفرته

    السؤال: أنا شاب ابتليت بصحبة سيئة، ووقعت في بعض المحرمات والكبائر، فما هو السبيل للرجوع إلى الله؟ وهل إذا تبت تقبل الله توبتي؟

    الجواب: سبحان الله! كيف لا تقبل توبتك وقد قبلت توبة المشركين الذين عبدوا الأصنام والأوثان من دون الله، وزنوا، وسرقوا، وكذبوا، وفجروا، وألحدوا؟! بل أنت من أحب الناس إذا تبت إلى الله عز وجل، وقال قال صلى الله عليه وسلم: (الله أفرح بتوبة عبده من أحدكم كان على راحلته عليها طعامه وشرابه فضلت منه فوجدها، فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك! أخطأ من شدة الفرح).

    والله ينادي الناس صباح مساء: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135] وقوله جل ذكره: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] وعند مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) وعند مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم آخرين يذنبون، فيستغفرون، الله فيغفر لهم).

    وعند مسلم عن معاذ رضي الله عنه في الحديث القدسي: (يا عبادي، إنكم تذنبون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم).

    وورد عنه صلى الله عليه وسلم عند الترمذي أنه قال: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون).

    فنسأل الله أن يتوب علينا وعليك، فإذا تبت وافعل من الاستغفار، وأكثر من الحسنات ما تكفر السيئات، فإن الله يقول: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] ويقول: وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ [الرعد:22]

    ثم عليك أن تجانب جلساء السوء فلا تجلس معهم، إلا أن ترى أنك سوف تحولهم وتقبل بقلوبهم على الله فلك ذلك.

    وللتوبة شروط:

    أولاً: أن تعزم على ألا تعود إلى ما كنت تفعل.

    ثانياً: أن تندم على ما فعلت من المعاصي.

    ثالثاً: أن ترد حقوق الناس إن كان عندك حقوق، كأن تكون أخذت مالاً، أو غصبت ملكاً، أو انتهكت عرضاً، عليك أن ترد هذه الحقوق إلى أهلها إن استطعت، وعليك أن تتصدق به إذا كان مالاً وخفت إن أعدته أن يجلب عليك بعض الأمور التي لا يحمد عقباها، فتصدق به على نية صاحبه وتصله، والله يتولانا وإياك.

    والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767951660