وهذا الدرس يتحدث عن هديه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الطعام ، ومداره على قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للغلام : (يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك).
أمَّا بَعْد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ولا زلنا في موكب محمد صلى الله عليه وسلم، نعيش مع أحاديثه، ونتدارس عبره وعظاته التي تركها للناس برهاناً وشريعة وسنة، تتحدى كل سنة وكل شريعة من شرائع البشر أو من قوانين الأرض، والرسول عليه الصلاة والسلام لم يترك منحى من مناحي الحياة -أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى من الطريق- حتى تحدث للأمة فيه، تحدث في الطعام والشراب، وفي اللباس والمنام، وتحدث في الصلاة والشرائع والعقائد والمعاملات والأخلاق والآداب والسلوك، حتى مات وما ترك خيراً إلا دلنا عليه، وما ترك شراً إلا حذرنا منه، فمن سار مسيرته فليحمد السُرى، ومن لم يفعل فلا يلومنّ إلا نفسه.
وهذا الحديث اتفق الشيخان الجليلان البخاري ومسلم على إخراجه، هذا الحديث الأغر لفظه وجيز قصير، لكنه شهير منير، يقول عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه وأرضاه: (كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك).
هذا حديث في آداب الطعام يتبعه أكثر من خمسين حديثاً كلها صحيحة في جانب الطعام من حياة المؤمنين، الذي ما ترك صلى الله عليه وسلم فيه جانباً كغيره من الجوانب حتى ملأه إرشاداً وحكمةً ونوراً، يقول عمر: (كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
أما عمر بن أبي سلمة فهذا الرجل أسدي، وهو ابن أم سلمة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ربيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عاش في حجره، فتلقن الأدب، ورضع الحكمة، واستسقى بنور الوحي الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد قبل الهجرة بسنتين، وتوفي عام ثلاث وثمانين للهجرة، بعدما شاخ في الإسلام، وهرم في الإسلام في الصلاة والصيام.
مفاد القصة: أن الرسول عليه الصلاة والسلام من تواضعه كان يدنو على مائدته الكبير والصغير، والأعرابي والحاضر، فكان لا يأنف صلى الله عليه وسلم أن يأكل مع الناس جميعاً من تواضعه، خلاف بعض الناس وأرباب الدنيا الذين لهم مجلس خاص، وأكل خاص، وكلام خاص، أما هو فكلامه عام صلى الله عليه وسلم، ووجه عام، جلس معه هذا الفتى وهو غلامٌ يافع لم يبلغ رشده، والغلام هو الذي ناهز الاحتلام، قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على مائدته، فأخذت يدي تطيش في الصحفة، والصحفة: إناء واسع رحراح متسع يأخذ كمية من الطعام، قال بعض أهل اللغة: تكفي للأربعة والثمانية والعشرة وتكفي الجمع الغفير.
فهذا الغلام ما قرأ في الأدب شيئاً، وما علم شيئاً، لماذا؟
لسببين: الأول: أنه صغيرٌ في سنه، والعاقل قد يرشد في أكله وفي كلامه وفي طعامه وفي أخذه وعطائه.
والثاني: أنه من الأمة العربية التي ما عرفت شيئاً حتى عرفها محمد صلى الله عليه وسلم، وما علمت شيئاً حتى علمها محمد صلى الله عليه وسلم، من الأمة العربية التي عاشت مخفوضة الرأس، حتى رفع رأسها محمد صلى الله عليه وسلم.
إن البرية يوم مبعث أحمـد نظر الإله لها فبدل حالها |
بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها |
لبس المرقع وهو قائد أمـة جبت الكنوز فكسرت أغلالها |
يقول الله جل ذكره: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2] كانوا في ضلال في العقائد، وفي العبادات والمعاملات، حتى الأكل والشرب ما يحسنوا أن يأكلوا ويشربوا، فأتى هذا الغلام فطاشت يده في الصحفة، أي: لعبت في الصحفة يمنة ويسرة، شمالاً وجنوباً، وشرقاً وغرباً، فقال عليه الصلاة والسلام له: (يا غلام!) وفي الصحيحين، من رواية وهب بن كيسان: (يا بني! أدنُ، وسم الله، وكل بيمنك، وكل مما يليك) ورواية الصحيحين الأخرى من طريق الزهري (يا غلام! سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك).
والغلام قلنا: الفتى اليافع الذي ناهز الحلم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ [الكهف:74] انطلق موسى والخضر فلقيا غلاماً مناهزاً للحلم فقتله الخضر، فلامه موسى في قصة طويلة، ثم قال وهو يفصل له الجواب: وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ [الكهف:80] فهنا غلام ما بلغ رشده قتله.
فلماذا يقتله؟
للفائدة: قال: لأنه خاف أن يرهق أبويه طغياناً وكفراً -يدخلهم في الكفر والعياذ بالله- وهذا من العلم الذي اختصه الله بالخضر، وهذا ليس بسط هذه المسألة، إنما قال: (يا غلام! سم الله).
ولذلك وفِد وفد بني سلمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من سيدكم يا بني سلمة! قالوا: سيدنا الجد بن قيس على بخل فيه، قال صلى الله عليه وسلم: (أواه، وهل داء أدوى من البخل، بل سيدكم الجعد الأبيض
الجد بن قيس هذا شيخ كبير، لكنه كبير في الضلالة والجهالة، ملأ النفاق قلبه، لما استنفر صلى الله عليه وسلم الصحابة لغزوة تبوك، قال: يا رسول الله! إذا رأيت النساء فلا أصبر، فكيف إذا رأيت نساء بني الأصفر -أي: نساء الروم- ائذن لي ولا تفتني.
يقول: اتركني في المدينة ولا تفتني، فأنزل الله رداً عليه: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ [التوبة:49].
قال سلمة بن الأكوع: ما أنسى الجد بن قيس بعد بيعة الرضوان -الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة- أتى هذا الرجل فضاع بعيره، فقالوا له: تعال بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والله لأن ألقى جملي أحب إلى من أن يستغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: تب إلى الله واستغفر فأتى ولوا رأسه، فنقل الله الحدث والصورة والمقالة والهيئة، فقال: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ [المنافقون:5] ويقول تعالى: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة:80].
ولذلك فهم صلى الله عليه وسلم أن السبعين ليس حداً للعدد، فقال: (والذي نفسي بيده، لو أعلم أني لو زدت عن السبعين مرة فغفر الله لهم لاستغفرت الله لهم) ولكن يقول عز وجل على سبيل المثل، كقولك: لو حياك سبعين تحية فلا تدخل بيته، وهو لو حياك سبعين تحية ما دخلت، وبسط هذا في موضع آخر.
الشاهد: أن الضيافة عند العرب من أعظم الأمور، ولذلك روى الترمذي في سننه بسند حسن، عن عبد الله بن سلام، وأصله يهودي لكن منَّ الله عليه بالإسلام، وهو الذي ذكره الله في سورة الأحقاف، قال: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأحقاف:10].
فالشاهد من بني إسرائيل هو عبد الله بن سلام هذا، وقال عنه صلى الله عليه وسلم لما أسلم وغيره: (لو آمن بي عشرة من علماء اليهود لآمن بي اليهود جميعاً) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فـعبد الله بن سلام يقول: سمعت الناس انجفلوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى المدينة -انجفلوا: أي: سعوا وجروا وهرولوا- قال: فانجفلت مع من انجفل، سمع الضجة والصجة وسمع الناس يحتشدون فاحتشد معهم، قال: فأتيت فإذا هم في سوق المدينة، قلت: من؟ قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من مكة وعبد الله بن سلام يقرأ التوراة بين يديه، ويعلم أوصاف الرسول عليه الصلاة والسلام.
قال: فنظرت إليه، فلما استبنت وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، ولذلك يقول ابن رواحة: لما رأى وجه الرسول عليه الصلاة والسلام:
لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبئك بالخبر |
يقول: يكفي أنه لا يأتي بمعجزات، يكفي أن تنظر إلى وجهه وحسب، وقالوا لـأبي هريرة: ( كيف كان وجهه صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان كالقمر ليلة أربعة عشر) وقال: غيره، كأن الشمس تجري في وجهه صلى الله عليه وسلم، قال: فلما استبنت وجهة -يقول: ابن سلام - عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، قال: فسمعته يتكلم -اسمع لكلمات الرسول عليه الصلاة والسلام- يقول: (يا أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام) راوي الحديث عبد الله بن سلام، وآخر الحديث سلام، رواه الترمذي بسند على رجاله السلام.
وللبخيل على أمواله علل زرق العيون عليها أوجه سود |
ولذلك يقول الأول الأزدي -جدكم يا بني الأزد-:
أحادث ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب |
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب |
ولذلك قال بعض أهل البلاغة: مصداق هذا البيت من كتاب الله عز وجل.
قوله: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى [طه:17] فإن موسى كان ضيفاً على الله عز وجل في طور سيناء قبل أن يكلمه الله بالوحي ويرسله برسالة التوحيد، والله تعالى يعرف أنها عصا، ويعرف أن هذا موسى، ويعرف أن هذا الجبل هو الذي خلقه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وخلق العصا وخلق موسى، لكنه لو نادى موسى لأول وهلة، وقال: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا [طه:14] كان هلع وخاف، فأراد أن يلاطفه وأن يوانسه وقال: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى [طه:17].
ولذلك العرب إذا دخل عليهم الضيف، قالوا: كيف حالكم؟ هل أتاكم من مطر؟ ما اسمك؟ ومن أي قبيلة أنت؟
وفي سنن الترمذي بسند فيه نظر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا تعرف أحدكم على أخيه فليسأله عن اسمه وعن نسبه فإنه واصل المودة} فالله عز وجل يقول: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى [طه:17] فهش وبش للخطاب، وزاد في الجواب، قال الحسن البصري وهو يقرأ هذه الآية رحم الله موسى، سأله الله بكلمة، فأجاب بكلمات شوقاً في الخطاب، كان الجواب في لغة العرب لما قال له الله: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى [طه:17] أن يقول: هي عصا، لكن تحرك وألقى محاضرة، فقال: قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى [طه:18] فأراد أن يستطيل في الكلام، فقال الله عز وجل: أَلْقِهَا يَا مُوسَى [طه:19].
قالوا: هذه العصا كانت هي الرسالة، وكانت عليها الأحداث، وكانت أم الأخبار، وما أدراك ما أخبارها؟!
فألقاها فإذا هي ثعبان فولى وتركها، وقبل أن يدخل خلع حذاءه، وبعد أن خرج ترك عصاه، وفي الأخير أخذ ينجو بنفسه، فناداه الله، ولكن موسى كان ذكياً فاهماً شجاعاً؛ ولذا سماه الله القوي الأمين، فعاد إلى الله عَزَّ وَجَلّ -ولا بأس بالاستطراد في هذا ولو أنه ليس مفاد الدرس- فلما عاد إلى الله قال له الله: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه:24].
ليته أرسله إلى بني كنعان في أريحا، أو إلى أهل العراق، لكن أرسله إلى الخصم اللدود الذي يطارد موسى في الجو والأرض، فماذا قال موسى -انظر إلى ذكائه وفطنته وفقهه في دين الله- قال: قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي [طه:25] وهذه أول منة يمنها الله على العبد، ولذلك امتن الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، أول منة فقال له: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1] ثم قال: وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي [طه:26] القصة.
إذاً فأول ما يأتي الخدمة وهي طلاقة الوجه، ولذلك يقول المقنع الكندي:
وإني لعبد الضيف ما دام نازلاً وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا |
يقول: أنا بي صفة من صفات العبد، ولكن لست بعبد أنا حر، لكن إذا نزل الضيف كنت عبده، ولذلك في صحيح البخاري، قال المغيرة بن شعبة: {استضافني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ يقطع لي اللحم بيده عليه الصلاة والسلام} رسول البشرية عليه الصلاة والسلام يستضيف أحد أصحابه فيقطع له اللحم ويضيفه، وكان عبد الله بن المبارك إذا دخل عليه ضيوفه قام فخدمهم، فلا بد في أمر الضيافة من الخدمة.
تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله |
وسوف يمر معنا في هذا إن شاء الله كلام عن المكثرين في الطعام والمقلين، وعن الكرماء والبخلاء، وعن المتطفلين، ولا بأس أن نورد طائفة عن التطفل، التطفل: فن ورد عند العرب وأصله في الجاهلية، معناه أن يكون الإنسان في كل بيت، سواء يدعونه الناس أو لا يدعونه، يحضر الولائم متبرعاً بالحضور، ليس عنده أي ظرف أو أي شاغل يؤخره عن الحضور، فإذا سمع أن هناك وليمة، ذهب واستعان بالله واحتسب خطاه في سبيل الله وذهب وتغدى، وإذا سمع أن هناك عشاء جرى إلى ذاك البيت ليتعشى.
والطفيليون ألف فيهم ابن الجوزي كتاباً وألف فيهم الخطابي صاحب كتاب العزلة، وغيرهم من أهل العلم كثير.
روى ابن قتيبة في عيون الأخبار عن أحد الطفيليين هؤلاء الذين يريدون أكل أموال الناس بالباطل، لا يدعون ولا ترسل لهم دعوات، لكن يتبرعون بالمجيء، قال: أطل الطفيلي في بستان، فوجد صاحب البستان قد أحضر طعامه أمامه وبناته حوله، فلما نظر على سور البستان، وإذا هذا الطفيلي قد أطل برأسه، فقام ليضربه، ويقول صاحب البستان: أتنظر في بناتي؟ فيقول الطفيلي وكان ذكياً: إنك لتعلم ما لنا في بناتك من حق، وإنك لتعلم ما نريد، أي: يريد الطعام، فأنزله وخبأ بناته، وهذا حديث يطول سوف يمر معنا.
والتسمية تكون في أمور:
الأمر الأول: عند الوضوء، والوضوء ورد في السنة وقد صح الحديث في ذلك والحمد لله، فروى الترمذي والدارقطني وعبد الرزاق في المصنف، بسند صححه أهل العلم، أن الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول: {لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه} وبعض العلماء ضعفوا هذا الحديث، وقالوا: لا يصح بالكلية، لكن الصحيح أنه صحيح.
قال الشوكاني: إذا ذكر العبد وجب عليه أن يسمي في أول الوضوء، وإذا نسي سقطت عنه التسمية، ففي الوضوء لا بد من التسمية قبل أن يتوضأ العبد.
الأمر الثاني: عند الذبح، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث البراء بن عازب: {ومن لم يكن ذبح في الأضحية فليذبح بسم الله} فهو سنة من السنن عند الذبح، وإذا أهدي له لحم من مسلمين أو من أهل كتاب، وعلم أنهم يذبحون على الطريقة الإسلامية ويسمون، وإلا فليسم.
الأمر الثالث: عند الخلاء، لحديث عند أبي داود أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر الداخل إلى الخلاء أن يقول: {بسم الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم الرجس النجس} وأيضاً: {أعوذ بالله من الخبث والخبائث} لكن بسم الله ورد عند أبي داود في السنن، فعندما يدخل العبد بيت الخلاء ودورة المياه فعليه أن يسمي، له ذلك كما ورد في السنة.
الأمر الرابع: عند الطعام والشراب: وهذا مفاد حديثنا، لحديث عمر هذا: {سم الله} ولأحاديث أخرى سوف نذكرها عند استعراض فوائد الحديث أو مسائل الطعام.
الأمر الخامس: عند قراءة الفاتحة، دل على ذلك نصوص، وعليه أهل العلم، واختلفوا في مسألة هل يجهر بها أم يسر بها، لكن أما البسملة فإنها واردة، والذي نفاها كـأنس رضي الله عنه، نفى، الجهر بها، ما نفى أنها لا تقرأ، بل تقرأ في أول الفاتحة، فإذا استفتح العبد صلاته فليقل: بسم الله الرحمن الرحيم، ويبدأ بالفاتحة، وعند قراءة القرآن، وفي أول كل سورة، إلا سورة التوبة، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في السنن: {أنزل علي آنفاً سورة ثم قرأ عليه الصلاة والسلام بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]} فعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ بسم الله وجعلها في أول السورة.
الأمر السادس: في أول الرسائل، والمسلم له تميز في سلوكه وتعامله ورسائله، فمن السنة إذا كتبت رسالة أن تقول: بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأن الحمدلة للخطب، والبسملة للرسائل، والدليل على ذلك ما في البخاري، من حديث ابن عباس، أن الرسول عليه الصلاة والسلام كتب إلى هرقل عظيم الروم فقال: {بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى
الأمر السابع: عندما يجامع المسلم أهله، يقول عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس المتفق عليه: {لو أن أحدكم إذا أتى أهله فقال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فرزق مولوداً لم يصبه الشيطان} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
الأمر الثامن: عند دخول المنزل، لحديث جابر في مسلم {إذا دخل العبد المسلم بيته، فقال: بسم الله، فإذا أكل قال: بسم الله، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا طعام فإذا دخل وذكر اسم الله، وأكل ولم يذكر اسم الله، قال الشيطان: أدركتم الطعام، ولم تدركوا المبيت، فإذا دخل ولم يسم في دخوله ولا على طعامه، قال الشيطان: أدركتم الطعام والمبيت} نعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
الأمر التاسع: عند الخروج من المنزل: يسمي العبد، وقد ورد في حديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: {بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله} ثم حديث أم سلمة {اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي... } الحديث، هذه الأماكن وغيرها من المواقف والحالات التي ينبغي على العبد أن يذكر الله عز وجل فيها، وهو متلبس في هذه المواطن، وكلما ذكر الله حفظه الله ورعاه ووقاه. هذه مسألة التسمية.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بعض الناس يعرف من الإسلام المجمل، لكن تفصيل الإسلام لا يعرفه، ولا يعرف هذا تفصيل الإسلام إلا بالسنة المطهرة التي أتت تبياناً لكل شيء مع القرآن.
فهذا تفسير الإسلام الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم؛ ففي لبس الحذاء يلبس اليمنى، وإذا أراد أن يخلع يبدأ بخلع اليسرى، والترجل معناه: تمشيط الرأس، لمن أراد أن يرجل رأسه، إذا ربى المسلم رأسه، بشرط أن يربي لحيته، أما أن يربي رأسه ويحلق لحيته على الصفر، فإذا قلت له في ذلك، قال: أنا أتبع السنة، أين السنة؟ لا بد أن تكون في الرأس وفي اللحية أما:
يوماً يمانٍ إذا لاقيت ذا يمن وإن لقيت معدياً فعدناني |
فلا ينبغي هذا، فالترجيل في الشعر هو أن يبدأ بميمنة رأسه ثم بالميسرة، وعند الطهور يبدأ من الميامن، وهذا عند كثير من المحدثين من الواجبات، وبعضهم قال: ليس من الواجبات، ونقلوا عن علي كما في مصنف ابن أبي شيبة [[أنه وضأ يده اليسرى رضي الله عنه وأرضاه ثم غسل اليمنى، ثم وضأ رجله اليسرى ثم غسل اليمنى]] لكن الصحيح أن يتيامن العبد في وضوئه، وهذا الذي دلت عليه النصوص، وحديث عائشة بعمومه يدل على هذا.
السواك: يحب صلى الله عليه وسلم التيمن حتى في السواك، لكن الآن هل معنى التيمن أن يأخذ المسلم السواك بيمينه إذا تسوك أم لا؟ لأن عند أبي داود في زيادة عن إسماعيل بن إبراهيم.. {كان يتيمن صلى الله عليه وسلم حتى في سواكه} يقول بعض أهل العلم: التيمن أن يبدأ بميمنة الفم عند السواك، وقال غيرهم أن يأخذه بيمينه، أما ابن تيمية في مجلده الحادي والعشرين من الفتاوى، فيقول: يتسوك المسلم بيسراه، وهذا قد مر معنا في بحث، والصحيح أن يأخذه باليمنى بأدلة.
والأكل والشرب -كما مر معنا- يكون بالميمنة، وفي حديث ابن عمر يقول عليه الصلاة والسـلام: {إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله}.
المصافحة: من سنته عليه الصلاة والسلام هو والصحابة أنهم يتصافحون بأيمانهم، وقال عليه الصلاة والسلام لما أتى أهل اليمن، فصافحوا الصحابة بأيمانهم، قال: {أتاكم أهل اليمن بالمصافحة} والأخذ والعطاء في البيع والشراء والمعاطاة والمقاضاة بالميمنة إلا من عنده عذر.
وشكا وحشي قاتل حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود وابن ماجة وأحمد شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: {يا رسول الله! إنا نأكل ولا نشبع، قال عليه الصلاة والسلام: لعلكم تفترقون، اجتمعوا واذكروا اسم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يبارك لكم فيه} . وحشي
وما تأثر عليه الصلاة والسلام من قتلى أحد، ولا من إراقة دم أحد من أصحابه ما تأثر من قتل حمزة، حتى وقف عليه وقال: {لأمثلن منهم بسبعين} ووحشي هذا قيل: إنه لما أسلم، وقتل مسيلمة، قال: قتلت أعظم المسلمين، وقتلت أعظم الكافرين، أو كما قال.
لكن ورد في السيرة -تعرض القصة للاعتبار- قال أحد الناس: دخلت عليه فإذا هو شيخ كبير -وحشي هذا- قد سقط حاجباه على عينيه وهو يتعاطى الخمر، فرفع أمره إلى عمر رضي الله عنه، فقال عمر: [[والله الذي لا إله إلا هو إن الله لا يفلت قاتل حمزة]] ثم جلده، فأمره عند الله عز وجل، لكن هذا ورد للذكرى وللاعتبار، ولا يغتر المسلم، وليسأل الله عز وجل حسن الخاتمة، فإن الأمور بالخواتيم، ومن أحسن الله خاتمته ثبته وهداه سواء السبيل.
والمسألة الثانية: كما مر معنا الأكل باليمين، ودليلها: {لا يأكل أحدٌ منكم بشماله، ولا يشرب بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله} روى هذا الحديث مسلم ومالك في الموطأ وأبو داود في السنن والترمذي في السنن، وإذا روى البخاري حديثاً أو مسلم فحسبك به، فقد تجاوز الحديث القنطرة.
خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل |
إذا سمعت أنه رواه البخاري ومسلم فليطمئن قلبك وليهدأ بالك، فكأنك عاينت الأمر معاينة.
وعن سلمة بن الأكوع عند مسلم، وهو يذكر الحديث عن المتكبرين الذين يأكلون بالشمال، أن رجلاً وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ يأكل بشماله، فقال عليه الصلاة والسلام: {كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال عليه الصلاة والسلام -يدعو عليه-: لا استطعت، ما منعك إلا الكبر، فما رفعها إلى فمه} يبست وانتهت وجفت وشلت فما رفعها أبداً؛ لأنه خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].
والمسألة الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم: { كل مما يليك} عن عكراش بن ذؤيب قال: {وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمت لنا صحفة كثيرة الوذر أي: عليها دسم وشحم وسمن كثير- فأخذت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي صلى الله عليه وسلم: يا
هذا إذا كان التمر أنواعاً، أو كان يقدم اللحم فجعل الشحم مما يليك، وجعل اللحم مما يليه، فإنه يجوز لك أن تقتحم وتخترق الأجواء حتى تصل إلى اللحم، وهذا الحديث رواه الترمذي وضعفه؛ لأن فيه العلاء بن فضل، قال: يضعف في الحديث، لكن معانيه ظاهرة، فإذا اختلفت الأنواع، فليتميز وليختر العبد، وإذا كان أرزاً واحداً أو ثريداً واحداً، فليس له ذلك وما له إلا مما يليه، كما قال عليه الصلاة والسلام.
إذاً فنهى صلى الله عليه وسلم عن الاتكاء، وأن يأكل العبد متكئاً، لماذا؟
قيل: لأن هذه الهيئة هيئة المتكبرين المتجبرين، وكذلك يلحق به الشراب، ألا يشرب العبد متكئاً، ولا يأكل متكئاً؛ لأن المتواضع يجلس ويحمد الله على هذه النعمة، أما الجبار المتهتك؛ فإنه يتكئ، ويغني وهو يأكل، لا يسمي ولا يحمد الله عز وجل ولا يذكر هذه النعم.
{ دخلت امرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يأكل وهو متمسكنٌ في هيئته، فقالت: انظروا له، يأكل كما يأكل العبد، ويجلس كما يجلس العبد، فقال: وهل هناك عبدٌ أعبد مني} فهو عبد الله ورسوله الذي عرف حقوق العبودية.
ولذلك دخل عليه أحد الناس -قيل: إنه ابن قيلة - يوم الفتح، فلما رأى الرسول عليه الصلاة والسلام، ورأى الحرس من الصحابة الأخيار قد سلوا السيوف على رأسه، ورأى الكتائب قد تدفقت كأنها أمواج البحر دخلت الحرم عشرة آلاف، أخذ هذا العربي يرتجف وترتعد يداه، ويكلم الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقول عليه الصلاة والسلام: {هون عليك فإني ابن امرأة كانت تأكل القديد بـمكة} يقول: أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد -والقديد: هو اللحم الذي يجز ثم يطبخ بالملح، ثم يعلق بالبيت ويبقى له أشهر ما يتعفن- فيقول: أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بـمكة.
نعم ابن امرأة كانت تأكل القديد في مكة، لكنه محرر أذهان البشرية من الخرافة والوثنية، وباني مجد هذه الأمة بفضل الله وبعونه، ومؤسس نور الإسلام عليه الصلاة والسلام.
هذه الهيئات نهى عنها صلى الله عليه وسلم، ويلحق بها هيئة المنبطح، فقد ورد في حديث فيه ضعف: {أنه نهى صلى الله عليه وسلم أن يأكل العبد منبطحاً على بطنه أو منقعراً على ظهره} إلا من عذر كمرض أو عاهة أصابته فهذا عذره الله عز وجل حتى في الصلاة.
وأما في القيام فهل للعبد أن يأكل أو يشرب قائماً أو وهو يمشي أم لا؟
يقول ابن عمر رضي الله عنه: {كنا نمشي ونحن نأكل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم} وفي لفظ: {كنا نأكل ونحن نمشي في عهده صلى الله عليه وسلم} لكن في صحيح مسلم عن قتادة عن أنس، قال: {نهى صلى الله عليه وسلم أن يشرب العبد واقفاً} قال قتادة لـأنس: [[والأكل، قال: الأكل أخبث]].
فما دام نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب واقفاً، فالأكل كذلك أولى أن ينهى عنه، لكن الشرب والأكل لأعذار، إما في زحمة أو في عجلة فلك ذلك، وأما في غير ذلك فلا يستصاغ، فالرسول صلى الله عليه وسلم شرب واقفاً كما في زمزم، قيل: لعذر الزحام، أو قيل: لعذر العجلة.
أما في غيرها فلا ينبغي، لكن إذا كنت مستعجلاً، أو في مكان لا يناسب الجلوس، أو كان في مكان ازدحم فيه الناس فلك أن تأكل واقفاً وتشرب واقفاً.
لكن رسول الهداية صلى الله عليه وسلم أمر بلعق اليد؛ لأنها نعمة من نعم الله عز وجل، ولا يدري العبد في أي طعامه البركة، هل في أوله أو في آخره؟ أو البركة في هذا الشيء الملعوق الذي بقي في اليد؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: {إذا أكل أحدكم طعاماً فليلعق يده أو يُلعقها} يَلعقها بنفسه، أو يعطيها ابنه أو بنته تلعقها، وكذلك الصحفة، روى هذا الحديث البخاري ومسلم وأبو داود، وهذا من ألطف الآداب التي أتى بها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.
ولذلك روي عن تاجر في عهد السلف الصالح من أكبر التجار، حتى إنه كان يقول: ما أدري أين أضع مالي؟ قال له بعض الناس: أسألك بالله وما هي هذه التجارة وما أولها وقد كنت من أفقر الناس، قال: كنت في بيتي إذا أكل أهلي الطعام أقوم في البيت فأدرج، فإذا وجدت فتاتاً رمي في الأرض أخذته وجمعته وأكلته، وحمدت الله؛ فرأيت أن هذا من سبب هذا، فمن يقدر نعمة الله ويشكرها ويعيدها، ويستغلها في طاعته يوزعه الله شكرها ويزيده: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].
ولذلك ذكر أهل التاريخ قصص كثير من الناس أساءوا في استخدام هذه النعمة فعدموا وأملقوا، منهم خليفة عباسي، قيل: القاهر، وقيل: المقتدي، بنى داراً له، فجعلها كلها من فضة، وجعل أعمدتها من ذهب، والأواني كلها من فضة خالصة، وفي الأخير رأى الله تلاعبه بالمال، وإسرافه فأخذه أخذ عزيز مقتدر، يقول ابن كثير -وعودوا إليه في المجلد الحادي عشر- انتهى به الحال إلى أنه عزل من الخلافة، وقام يستجدي الناس في المساجد ويتطلب، لأنه لم يشكر نعمة الله عز وجل، ويستغلها ويصرفها في مصارفها، جعله الله عبرة أن يقف أمام الناس ويطلبهم، ويستقرضهم من مال الله عز وجل، وكثير من العبر التي ذكرها الله عز وجل، كما في قصة قارون وغيره.
قال ابن قتيبة رحمه الله: الوضوء قبل الطعام معناه غسل اليدين، هذا الوضوء عند العرب، توضأ، أي: أن تغسل يديك، وقيل: أن تمسح وجهك كذلك، والصحيح: أنه على فرض صحة الحديث فمعناه: الوضوء غسل اليدين كما قال ابن قتيبة، وعلى ضعفه فالحمد لله ضعف الحديث فلك أن تغسل يدك من باب الأدب.
وأما عمر رضي الله عنه فإنه قضى حاجته وأتى وقد قدموا السفرة الخوان ليأكل رضي الله عنه وأرضاه وهو خليفة، فقال له رجل من أهل اليمامة من بني حنيفة: يا أمير المؤمنين! أتأكل ولا تتوضأ، قال: أجئت بهذا من عند نبيك مسيلمة؟! أي: أتيت بهذا الحديث من عند نبيك مسيلمة؟! كيف لا يعلم عمر رضي الله عنه، وهو ثاني خلفاء الإسلام، وحصن من حصون هذا الدين.
قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها |
فيعلمه السنة، يقول: جئت بهذا الحديث من عند مسيلمة؟
أي: لو كان من عند محمد صلى الله عليه وسلم كنا عرفناه، فأكل، وقالوا لـابن عمر: ألا نقدم لك وضوءاً تتوضأ قبل أن تأكل، قال: لولا التغطرس لما غسلت يدي، ذكر هذا الحديث عن ابن عمر ابن الأثير في المجلد السادس من كتاب جامع الأصول.
إذاً: فغسل اليد وارد إذا كانت وسخة، وهو من بركة الطعام إن شاء الله؛ إذا كان هذا الحديث قائماً على أرجله.
{إن الشيطان حساس لحاس} قالوا حساس: قوي الإدراك، لحاس: يلعق بلسانه، فمن بات وفي يده أو فمه شيء من وضر أو غمر أو ودس أو دسم فأصابه شيء، أي: مس من جن أو غيره، فلا يلومن إلا نفسه.
كان هذا في أول الإسلام، لكن قال جابر وغيره من الصحابة كان آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، إذاً فالحمد والشكر لله، كل ما مست النار إذا كان حلالاً طيباً نأكله ولا نتوضأ منه إلا من لحوم الجمال، فإنه صح الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة، قال: {قلت: يا رسول الله! أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم}.
فالتوضؤ من لحوم الإبل وارد وهو السنة، وهو القول الراجح لهذا الحديث ولغيره من الأدلة، وأما غيره من الأطعمة فلا يتوضأ منها.
وإذا بدأ المسلم -كما في أثر- يقرأ القرآن وضع الملك فمه على فم المسلم وهو يقرأ القرآن، ولكن في بعض الأوقات قد تمر بالإنسان ظروف أو عجله، فله أن يدخل في الصلاة بلا مضمضة، يقول المغيرة بن شعبة كما في صحيح البخاري: {استضافني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ يقطع لي اللحم بالسكين، فلما أكلت وأكل سمع النداء فقام ولم يتوضأ} ولم يذكر المضمضة، فالمسكوت عنه مسكوت، لا نحدث نحن احتمالاً ونقول: يمكن أنه تمضمض ثم قام صلى الله عليه وسلم.
وفي السنن: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام زار بني سلمة، فمر عليه الصلاة والسلام وإذا بقدر يغلي فيه لحم جمل، فأخذ منه قطعة صلى الله عليه وسلم، قال الراوي: فو الله ما أزال أذكره صلى الله عليه وسلم يلوكها في فمه، حتى دخل مسجده وهو يمشي، وهو يقول للناس: استووا فابتلعها، ثم كبر عليه الصلاة السلام} وهذا من قوله عز وجل: وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى [الأعلى:8] فهو من أيسر الناس في تعامله عليه الصلاة والسلام وفي حياته كلها.
والمكثرون من الأكل في الإسلام كثير منهم عمرو بن معدي كرب الزبيدي، ليس الرواي هذا، قيل: غيره، يقولون: كان من أكثر الناس، وهو زبيدي مذحجي، لكنه مقدام العرب، هو أشجع العرب في الإقدام، إذا تقدمت الصفوف، وسلت السيوف، وارتفع الصياح، وامتزجت الرماح رأيت عمرو بن معدي كرب في الصف الأول، ولذلك ذكروا عنه أنه في الجاهلية فر قومه جميعاً، وهو لم يحضر المعركة، فعاد إلى أخته -ذكر هذا أهل التاريخ- فقال: اصنعي لي طعاماً، وذبح هو عنزاً، فصنعت له كثيراً من الطعام، فأكله جميعاً وأكل العنز، ثم أخذ سيفه وأتى المعركة، وقد فر أصحابه.
أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصاحبي هجوع |
إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع |
فأخذ يطارد الخصم والأعداء وهو وحيد حتى قتلهم، وأخذ الأموال فسموه عند العرب مقدام العرب، ولذلك يقول أبو تمام للمعتصم:
إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس |
سمع عمر رضي الله عنه بـعمرو بن معدي كرب الزبيدي، فقال: "ليته يقدم علينا " فقدم وأسلم، ولما أتى كان الناس يتحدثون حتى في المدينة عن شجاعته، وعن سيف عمرو بن معدي، وعن ضربه في الأعداء، فدخل على عمر وإذا بهذه الجثة التي ما شاء الله تبارك الله فيما خلق الله عز وجل، فقدم له عمر أقراصاً من شعير وزبيب وشيئاً من تمر فأكله، ثم قدم له طعاماً آخر فأكله، قال: "يا أمير المؤمنين! ضيفني، قال: أضيفك حجار الحرة " الحرة: حرة في المدينة فيها حجارة سود، ثم قال له عمر: "يا عمرو بن معدي كرب! أين سيفك الصمصامة؟ قال: هذا هو يا أمير المؤمنين! فسل سيفه، فأخذه عمر فهزه" وإذا السيف ليس بذاك الذي يذكر، فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه لقد ذكر لي السيف أكثر من هذا، فقال: يا أمير المؤمنين! إنك رأيت السيف وما رأيت اليد التي تضرب بالسيف فشكره عمر، وقام عمر يتكلم في الوفود، فقال: الحمد لله الذي خلقنا وخلق عَمْراً.
وذكر ابن كثير وغيره كـابن جرير، أنه حضر معركة القادسية مع سعد رضي الله عنه وأرضاه، فلما أتت المعركة كان عمرو أعمش البصر لكبر سنه، فأتى أول المعركة فأخذ سهماً، ثم أطلقه يريد به أحد الفرس فوقع هذا السهم في أذن فرسه، فتضاحك المسلمون.
فغضب رضي الله عنه وأرضاه، ونزل من على الفرس ثم أخذ رجلاً من فارس من الكفار، فوضع يمناه على رأس هذا الفارسي، ووضع يسراه بأرجله ثم رفعه وكسر ظهره، وقال: افعلوا بهم هكذا، ذكره أهل التاريخ ولا يستبعد.
هذه بعض اللطائف عن الخلفاء التي وردت عنهم، وإنما نذكرها كما ذكرها أهل العلم، ومن أراد أن يعود إليها فليعد إليها، وهي لا تنفع ولا تضر، ولكنها كالوردة تشم ولا تعك إن شاء الله.
بقي من الآداب التي ينبغي أن تذكر في مثل هذا المكان، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال كما في صحيح البخاري ومسلم والموطأ والترمذي: {المسلم يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء}.
وسبب هذا الحديث أن جهجاه الغفاري قدم على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان كافراً فأسلم، فطلب لبناً فحلبوا له شاة فشربها، وحلبوا الثانية فشربها، وحلبوا الثالثة فشربها، حتى أعدم حليب سبع شياه، فلما أسلم في اليوم الثاني شرب حليب شاة واحدة فكفاه، فقال: {يا رسول الله! شربت البارحة حليب سبع شياه -وهذا في الصحيح- وما كفاني، واليوم كفاني حليب شاة؟! قال صلى الله عليه وسلم: المسلم يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء}.
وهذا من بركة الإسلام؛ لأن الشيطان، وإخوان الشيطان، وأخوال الشيطان وأعمامه يأكلون مع الكافر، أما المسلم فلا يأكل معه شيطان.
الدليل على ذلك: حديث أبي هريرة قال: {ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه} وكان يمدح بعض الأطعمة، حتى ولو كانت حامضة، الخل فيه حموضة، يقول صلى الله عليه وسلم: {نعم الإدام الخل} أنه يتأدم به، فمن أدب المسلم أن يحمد الله عز وجل.
وذكروا عن بعض الصالحين أنه ما قدم له طعام فقال فيه كلمة، يأكل ما استطاع أو يترك، ويقول: الحمد لله، وهذا في سيرهم كثير.
إذا وقع الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه |
وتجتنب الأسود ورود ماء إذا كن الكلاب ولغن فيه |
فيقول: أنا ما آكل طعاماً ولا أشرب شراباً وقع الذباب فيه، أما الإسلام فيقول: لا؛ كيف تهدر النعم التي أنعم بها الله تعالى عليك، والله عز وجل إنما أعطاك هذه النعم رزقاً لك، لتستعين بها على طاعته، ولتقدر بها هذه النعمة، فكلما رأيت شراباً سفكته، من لبن، أو سمن، أو عسل؛ لأن فيه ذباباً، ليس هذا منطق لا عند العقلاء ولا عند العلماء.
فالرسول عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري، وفي سنن أبي داود، قال: {إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، ثم لينزعه، فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر دواء}.
يقول الأستاذ عبد المجيد الزنداني وهو يتكلم عن هذه المسألة، وقد سمعه كثير منكم.. إن هذا الداء والدواء سرٌ اكتشفه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تحدث به، وهو من الأسرار العجيبة في هذا الدين، وتكفي في هذه النظرية لأهل الطب الكافر الملحد أن يؤمنوا ويدخلوا في دين الله أفواجاً، واكتشفوا هذه النظرية بعد خمسة عشر قرناً، ووجدوا أن الداء هو الذي يقع من الذباب سابقاً في الطعام أو في الشراب، فالدواء هذا يطفئ الداء الذي فيه -والحديث صحيح بلا شك- سواء في لبن أو سمن أو عسل أو في غيره، ويصدق العبد بهذا، ويمتثل أمر الله عز وجل.
من السنة إذا أَذَّن المؤذن أن ينتظر قليلاً، ليفرغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والمتوضئ من مدخله، لا يؤذن ثم يقيم مباشرة، لكن يؤذن ثم يقف لحظات حتى يأتي المسلمون، الدليل على ذلك حديث جابر عند الترمذي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـبلال: {إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر، واجعل بين أذانك وإقامتك بمقدار ما يفرغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والداخل من دخوله} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، هذا الحديث رواه الترمذي وفي سنده عبد المنعم بن نعيم البصري وهو متروك، فضعف به الحديث.
وأما إذا حضرت الصلاة فابدأ بالطعام قبل الصلاة، بشرط ألا يكون هذا من الحيل المذمومة، يجعل الإنسان قدره في وقت الأذان، فإذا سمع الله أكبر، أنزل القدر وحول، وقال: الله المستعان حبسنا عن الصلاة التي تعادل أجر الجماعة سبعاً وعشرين مرة، لكن الطعام حضر، والله يعلم السر وأخفى، يعلم أنه وقَّت ليكون حاجباً له عن الصلاة، هذا لا يجوز وهذه حيلٌ باطلة وتلاعب: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142].
لكن إذا حضر في بعض الأوقات فلقول أنس: [[إذا قدم الطعام فابدءوا به قبل أن تصلوا المغرب]] هذه رواية الصحيح؛ لأن الصحابة أو كثيرٌ منهم كانوا يأكلون قبل صلاة المغرب.
وهناك أمور في الدرس كقصص سليمان وعمرو بن معدي كرب، أقول: هذه ليست في صحيح البخاري وليست في صحيح مسلم، وليست من كلام الله عز وجل، ولا من كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، والعهدة على أصحابها كـابن كثير وابن عبد ربه وابن قتيبة كما أوردوها، وهذا ليس فيه حلال ولا حرام، ولا عقائد ولا شرائع، وإنما تورد كما أوردها أهل العلم استئناساً، وقد أورد ابن الجوزي كثيراً منها، كما في الحمقى والمغفلين، وأورد ابن قتيبة أكثر من هذه -لكن أعرضت عنها- في عيون الأخبار وابن كثير في البداية والنهاية، ومن قرأ عرف هذه، لكن هذه تسمى عند أهل العلم من السير ومن اللطائف والأخبار التي هي كزهر الربيع تشم ولا تعك؛ لأنه لا ينبني عليها شيء.
ونحن لو ذهبنا نتقصى بعد كل قصة وردت، ووراء كل حدث وقع في الدنيا لما بقيت لنا ولا قصة واحدة، كمعركة بدر الآن، عدد المقاتلين، وعدد الحضور، والقتلى، وهيئة المعركة ليست في البخاري ولا في مسلم، لكن في السير لابن إسحاق وابن هشام وغيره، فلو ذهبنا نضعف كل رواية لما طلع لنا إلا ما يقارب عشرة أحاديث فما تصورنا المعركة تصوراً تاماً.
والإمام أحمد يقول: ثلاثة علوم لا أساس لها، المغازي والفتن والملاحم، وقيل: التفسير بدل الملاحم؛ لأنها المغازي.
والأخ الثاني يقول: إنني ذكرت أنه يتوضأ من لحم الإبل، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكرت أنا أنه أتى من بني سلمة وهو يلوك لحم جمل ثم دخل في الصلاة؟ أقول: أما الحديث فلا بد أن يُتأكد منه، وأنا مر بي ومر بكثير من الإخوة وهو في السنن، وإما أن يكون في سنده شيء، وإما أن يكون نسخ ترك الوضوء منها، وأمر صلى الله عليه وسلم بالوضوء من لحمها عليه الصلاة والسلام.
وأكرم العرب حاتم الطائي ما نفعه ذلك عند الله شيئاً؛ لأنه طلب الذكر والصيت في الدنيا، فأفلس وهو من أهل النار نعوذ بالله من النار، قال عدي بن حاتم: {يا رسول الله! إن أبي كان يحمل الكَلَّ، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، فهل ينفعه ذلك عند الله؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: إن أباك طلب شيئاً فأصابه} أي: طلب الذكر في الدنيا فأصاب الذكر، ولذلك يذكر وهو جاهلي حتى اليوم، فلا له إلا الذكر والسمعة والصيت، وأما الأجر والمثوبة فليس له شيء.
وعبد الله بن جدعان كان في الجاهلية من أهل مكة يقري الضيوف، وما يأتي حاج إلا ويزوده إلى أهله، ويسمى زاد الراكب، فلما توفي قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: {يا رسول الله! إن
الجواب: الذي أعرفه أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول كما في الترمذي: {البيت قبلتكم أحياءً وأمواتاً} وإنه إذا كان الذبح لله عز وجل فإنه يستقبل به بيته، لكن لا يحضرني الحديث ولا الدليل في هذا، ولا بد من البحث.
الجواب: هذه مسألة كثيرة الوقوع في الناس، وهي هل السنة أن إذا دخلت تقدم مثلاً الطعام أو الشراب مثلاً أو شيئاً من الشاي أو القهوة أو الطيب أن تبدأ باليمين أو تبدأ بأكبر أهل المجلس، ثم يكون الناس عن يمينه هم اليمين، السنة في هذا كما دلت عليها الأحاديث، أن تبدأ بيمين المجلس الذي هو كبير المجلس، إما أن يكون كبيراً في السن، أو رجلاً له جلالة في الإسلام، أو سلطاناً أو رجلاً وجيهاً أو شيخاً كبيراً أو طالب علم فتبدأ به، ثم تبدأ من عن يمينه، أما أن تأتي دائماً بميمنة المجلس، وتقول: التيامن، فما تبدأ وتصل شيوخ الناس حتى تنتهي من أطفال الحارة، وقد أعطيتهم القهوة والشاهي، هذا ليس من السنة.
بل كان الرسول عليه الصلاة والسلام جالساً في وسط الصحابة، فأتي له بلبن وبشراب -هنا قصتان- فأعطوه صلى الله عليه وسلم وهو وسطهم، ولو كان عليه الصلاة والسلام في عهده يعطى الميمنة لأعطوا أبا بكر؛ لأنه عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن بدءوا بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر عن يساره، والأعرابي عن يمينه، فلما شرب صلى الله عليه وسلم سلمه الأعرابي؛ لأن السنة ميمنة الرجل الضيف، فقال عليه الصلاة والسلام: {الشربة لك، فهل تأذن لـ
وأما حديث أنس فإنه يقول: {قدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لبن، وكان عن يساره الأشياخ -أي:
إذاً يبدأ بوسط المجلس أو بالمكان الذي فيه الصدر.
دخل بعض الناس من الوجهاء والنبلاء، في القرن الثاني اسمه حجاج بن أرطأة فجلس عند الأحذية، فقالوا: تقدم في وسط المجلس، قال: أنا صدر أينما جلست، قيل: هذا من العجب، ولذلك كانوا يبدءون به، فالمقصود أن أكبر من جلس في المجلس يبدأ به، لا أكبرهم سناً لكن قدراً، كالسلطان وغيره الذين ذكرنا، هذه السنة في هذا إن شاء الله.
وفي الختام نتوجه إلى الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه، وألا يجعل في أعمالنا رياءً ولا سمعة، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر