والصلاة والسلام على رسول الله القائل: (إن على الله عهداً أن من شرب مسكراً في الدنيا أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة، قيل: يا رسول الله! وما ردغة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار، أو قيح أهل النار) رواه مسلم.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
عباد الله! إن من أعظم الجرائم وأكبر المشاكل التي تفشت في مجتمعاتنا، وعرضت ديننا وقيمنا وأمننا وأموالنا للضياع وللسفك وللانسلاخ وللتهرب؛ هو ما فشا في مجتمعاتنا من تعاطي المخدرات، إنها مصيبة نكراء، وجريمة شنعاء؛ فتكت بشبابنا، وأذهبت أموالنا، وزعزعت أمننا وسكينتنا، فنشكو حالنا إلى الله تبارك وتعالى.
وقد تحدث الله عزوجل عن المفسدين في الأرض، وتعرض لجرائمهم، وبين أحكامهم، فقال: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:33-34].
ولقد كانت الخمر عند العرب في الجاهلية تسمى أم الخبائث، فلا يشربها عقلاؤهم، ولا يتعاطاها رؤساؤهم، وقد حرَّمها كثيرٌ منهم على نفسه، منهم حاتم الطائي وزيد بن عمرو بن نفيل وهرم بن سنان، وكانت تسمى عندهم السفيهة، والمؤذية، والقبيحة، والمكروهة، فلما أتى الإسلام حرَّمها الله تبارك وتعالى في كتابه، وحرَّمها رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال: (ما أسكر قليله فكثيره حرام). وقال عليه الصلاة والسلام: (إن على الله عهداً أن من شرب مسكراً في الدنيا أن يسقيه الله من ردغة الخبال، فقالوا: يا رسول الله! وما ردغة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار، أو قيح أهل النار).. يجمعه الله فيسقي به من تعاطاها في الدنيا.
وفي الأثر: (من جلس على مائدة يدار عليها خمر، فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم).
وأضرارها وبيلة، ويكفي ما نسمع ونرى وما ينقل إلينا من تلك الأضرار الوخيمة، والعواقب الأليمة التي تفشت في مجتمعاتنا.. من مجازر ومذابح يتعرض لها رجال الأمن من هؤلاء العصابات الفاجرة المجرمة، التي سعت بالإفساد في الأرض، وزعزعت أمن الدولة والأمة، وآذت السكان، وأرهبت أهل البيوت في بيوتهم، وعرضت الأنساب إلى الاختلاط، والأعراض للجريمة، والدماء للسفك، والأموال للهدر، والشباب للضياع.
ومما عصي به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الأرض أم الخبائث؛ -الخمر المسكر- فإن الإنسان إذا سكر هذي، وإذا هذي افترى، وإذا افترى قتل، وزنى، وسرق، واغتصب، وفعل كل خبيثة وفاحشة.
ونسمع قضايا الإعدام دائماً وأبداً، تعرض لهؤلاء المجرمين كما حكم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليهم؛ لأنهم أفسدوا في أرضه.
وأما الأعراض؛ فإن أكبر جريمة بعد شرب الخمر هي جريمة الزنا، ولا تأتي في الغالب إلا بعد أن يذهب العقل بالخمر، حتى حمل بعضهم -لما سكر وشرب الخمر- أن تعدى بالجريمة الفحشاء التي لا تذكر على أمه التي ولدته، فنفذ فيه حكم الله، وهذا أقلَّ ما يفعل به، ارتكب جريمة تقشعر منها جلود اليهود والنصارى والبوذيين، لا تفعلها الكلاب ولا الحمير، ولكنه لما سكر وذهب عقله فعل تلك الجريمة الشنعاء.
وفي الخمر أيضاً إزهاق للأموال، فإنها تؤدي إلى الميسر والقمار، وإلى إتلاف الآلاف والملايين في غضب الله، وسخطه، ولعنته.
ويقول دايل كارنيجي؛ صاحب كتاب دع القلق وابدأ الحياة: إن الأمريكان قد حفروا لأنفسهم قبوراً يردونها؛ لأنهم ما عرفوا الله نصف ساعة في اليوم.
ثم قال: والسبب الرئيسي في ذلك أنهم تعاطوا المخدرات فأذهبوا عقولهم.
ويقول أليكسس كارل الأمريكي في كتابه الإنسان ذلك المجهول: إن من أكبر ما أدى بـأوروبا إلى الانهيار والتحطم الروحي، هو تلك المخدرات التي انتشرت في مجتمعاتها.
وهذا أمر معروف عند العرب، فإنهم كانوا في الجاهلية يسمون الأفيون عطر منشم؛ إذا شمه الجيش، وأروح رائحته، انهزم في المعركة وولى الأدبار، ولذلك يقول زهير في ميميته وهو يمدح هرم بن سنان:
تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم |
فهذه أضرارها؛ بل هي قليل من كثير.
إن معنى تعاطي المخدرات والترويج لها: أن نعيش في إرهاق بين عصابات إرهابية، لا نهنأ بنوم ولا براحة ولا بطعام ولا شراب ولا سكينة.
إن معناه: أن شبابنا بالعشرات وبالمئات إلى النار، وقبلها إلى الدمار والعار.
إن معنى ذلك: أن يُخرج الناس من المساجد فيصبحون شللاً من الإجرام، وشللاً من الانحراف إلا من رحم الله.
إن معنى ذلك: أن تذهب قوة الأمة ومالها واقتصادها، وتتعرض هذه الأمة خاصة في مثل هذه البلاد التي وزعت الهداية على الناس، ووزعت النور على البشرية، إلى ضربة قاصمة.
ولذلك وجد في استطلاعاتٍ قرئت ونشرت، أن أعظم من وزَّع هذه المخدرات، وسهل عبورها إلى دول الإسلام والشرق الأوسط هي إسرائيل عدوة الإنسانية -الصهيونية العالمية - لتضرب الأمة في صميمها وكيانها وفي شرفها ومروءتها.
ولذلك فإن أعظم ما يوصى به في هذا الجانب هو قوله صلى الله عليه وسلم: {احفظ الله يحفظك} فمن لا يحفظ الله لا يحفظه الله، ولو توضئوا وصلوا كل يوم خمس مرات، لحفظهم الله ورعاهم، ولكن تركوا الصلاة، فأوردهم الله موارد الهلاك.
ولذلك جاء في صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فالله الله.. لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء؛ فإنه من طلبه من ذمته بشيء أدركه، ومن أدركه أهلكه}.
فلما تركوا صلاة الفجر في جماعة؛ ابتلاهم الله بالكبائر، وأخذهم من حيث لا يشعرون، فأوقعهم في الرذيلة، وأوقعهم في القبح جزاءً نكالاً.
فإن الأب هو المسئول الأول في إصلاح الشاب وهدايته وتوجيهه، والشاب الذي ينشأ على الأغنية الماجنة لا يُستبعد أن يتناول كأس الخمر، ويتناول الأفيون، ويتعاطى الحشيش، ويروج المخدرات، كيف وقد تربى على الأغنية الماجنة والجريمة والفحش، ولم يترب على سورة (طه) و(الواقعة) و(ق) وما سمع حديثاً من صحيح البخاري ولا مسلم، فتربى على الجريمة حتى تناولها.
فالأب هو المسئول الأول، والأم كذلك مشتركة في المسئولية، فعليهم أن يتقوا الله في أبنائهم.
يقول ابن تيمية: إن القلب إذا لم يمتلئ من محبة الله امتلأ من محبة الشيطان، فقاده الشيطان كما تقاد الدابة حتى يورده موارد البوار.
مرَّ أحد المستهترين بأحد طلبة العلم وهو يقرأ في صحيح البخاري، فقال له ضاحكاً مستهتراً: الناس صعدوا على سطح القمر وأنت تقرأ في هذا الكتاب؟! فرد عليه هذا وقال: أنت ما قرأت في الكتاب ولا صعدت على سطح القمر.
إنهم ما قدموا شيئاً، إنما قلدوا أوروبا في الميوعة والأنوثة وفي التدني والسخف والسفه، لكنهم ما صنعوا لنا طائرة ولا ثلاجة، ولا قدموا لنا خدمات كما فعلت أوروبا، ضاعوا من الدين والدنيا، كفقراء اليهود لا ديناً ولا دنيا: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ [النساء:143].
وما ذهبوا إلى العلاج؛ فإن في بلادنا ما يشفي ويكفي، وما ذهبوا لطلب العلم، فإنهم ما قدموا وما أنتجوا لنا شيئاً، فإن كان عذرهم إحدى هذه الثلاث فصدقوا ونجحوا وأفلحوا وعذروا، وأما غيرها فإن هذا التقليد هو الذي أوردهم الموارد.
فهذه بعض الأسباب التي أحدثت هذا الإرباك والاضطراب.
فنسأل الذي بيده مفاتيح القلوب أن يردنا إليه رداً جميلاً، وأن ينقذنا من هذه الأزمات، وأن يتوب على شبابنا، وأن يهيئ لهم القبول، وأن يحبب لهم طريق المسجد، ولا يعرضهم إلى طريق الخمارة ولا طريق المفسدين والمرجفين في الأرض.
ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يردنا إليه رداً جميلاً، فنعتني بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فنعيش كما أرادنا الله خير أمة أخرجت للناس؛ نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله، ولا نقلد الضالين الضائعين المنحرفين؛ بل نأخذ عن الأمم أحسن ما عندهم مما لا يتعارض مع ديننا، ونرد القشور مما يعارض ديننا وأخلاقنا.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو التواب الرحيم.
عباد الله! هذه هي الأسباب، وتلك هي الأضرار، فما هو العلاج إذن؟
وما هو البلسم الشافي والدواء الكافي من هذه الأزمات والصعوبات والأمراض الوبيئة التي أحدثت بنا هذا الحدث وهزتنا هذا الهز العنيف؟
إن العلاج يكمن في أمور:
فأعظم العلاج: أن نعود بشبابنا وأمتنا إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
فقد جربت الأمم الكافرة، وتعاطت هذه الأمور، فلما سقطت على وجهها في الهاوية، وحلت بها الكارثة، ووقع الشلل في مجتمعها، والاضطراب في كيانها، وأصبح الانتحار عندهم بالعشرات؛ تذكروا في الأخير أنهم أخطئوا في الطريق، وحاولوا الآن العودة إلى الله، يقول كريسي موريسون: الآن عرفت الله لما رأيت أوروبا تزحف إلى النار. عرف الله لما رأى تلك الشعوب تزحف إلى الهاوية.
وبعض الناس يظن أن تلك العلوم المستوردة علم، وهي جهل في الحقيقة؛ لأنها صدت عن الكتاب والسنة.
فمن العلاج أن نأتي بالشباب ونجلسهم في ندوات العلم، ونحبب إليهم سماع الكتاب والسنة، ودروس الفقه، ودروس التفسير، ودروس الأصول؛ لتتجه قلوبهم إلى الله الحي القيوم، ويملأها بالنور والإيمان.
ومن العلاج أيضاً: أن نقضي على فراغهم، ولا نترك لهم دقيقة واحدة إلا في عمل خير: قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ [البقرة:60] فمن كانت وجهته علمية فليذهب إلى مؤسسات العلم التي انتشرت والحمد لله، وسهل فيها طلب العلم، فليبذل جهده في المذاكرة، وفي التحصيل العلمي، وفي رفع مستواه في المعرفة والتفقه في دين الله.
وإن كان له تميزٌ وتخصصٌ وتأهلٌ آخر: فليذهب به إلى تميزه من تجارة نافعة، ومن كسب محمود، ومن عسكرية طيبة شريفة؛ يحمي دينه وأمته في هذا السبيل.
فلا علاج إلا أن يقضى على فراغ هذه الأمة وفراغ شبابها بأن يؤهلوا في مؤهلاتهم وتخصصاتهم.
فسعادتنا في عودتنا إلى الله، وسعادتنا في حمل رسالة لا إله إلا الله، وسعادتنا في عبوديتنا لله.
ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا |
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا |
فيا شباب أمة محمد صلى الله عليه وسلم! ويا شباب الإسلام! عودةً إلى الله.. عودةً إلى المسجد.. عودةً إلى المصحف.. عودةً إلى حلقات العلم.. عودةً إلى تذكر الطريق إلى الله وتذكر الموت ولقاء الله عزوجل.
شباب الدين للإسلام عودوا فأنتم مجده وبكم يسود |
وأنتم سر نهضته قديماً وأنتم فجره الباهي الجديد |
أسأل الله لنا ولكم عودة صادقة إليه.
عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر