أيها الإخوة النبلاء! عنوان هذه المحاضرة "احذروا البدع".
البدع تشويه للإسلام, وجرح لوجه هذه الرسالة التي أتى بها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام, وهي علامة على تخلف الأمة, وعدم معرفتها لميراث نبيها صلى الله عليه وسلم, والبدع طريق للكافر للدخول لخدش الدين وتشويه معالمه.
ولهذه المحاضرة عناصر:
1- الأسباب التي أدت إلى انتشار البدع في الأمة الإسلامية.
2- أضرار البدع وأخطارها.
3- من صور البدع ونماذج من البدع الموجودة في العالم الإسلامي.
4- الوسائل التي تكافح وتحارب بها البدع.
وقف عليه الصلاة والسلام في عرفات في حجة الوداع -وهي الوحيدة التي حجها عليه الصلاة والسلام- فأنزل الله قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً [المائدة:3] معنى الآية: تم الدين, وكمل وانتهى التشريع, فليس لأحد من الناس ولا من البشر أن يشرع أو أن يقترح في دين الله, ولا أن يستحسن من جيبه ولا من كيسه شيئاً, فالشريعة توقيفية, قال الله وقال الرسول عليه الصلاة والسلام, وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها, لا يزيغ عنها إلا هالك) فانتهى الأمر, وهي بيضاء كالشمس، مسلوكة مدروسة.
يخطب أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه في أول خطبة فيقول: [[يا أيها الناس! إني متبع ولست بمبتدع]] هذه مؤهلات الخليفة, فأول شيء يفعله أبو بكر أنه يعلن سياسة حكومته, وهذا أسلوب عصري, يستخدمه مثل صاحب الرحيق المختوم المباركفوري وأمثاله, أول بند: إني متبع ولست بمبتدع, فأنا إذا قرأت عليكم دستوراً فإنما هو من القرآن والسنة.
شعوبك في شرق البلاد وغربها كأصحاب كهف في عميق سبات |
بأيمانهم نوران ذكر وسنة فما بالهم في حالك الظلمات |
ويقول عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم , فمن عمل عملاً ليس عليه أمرنا, ولا أتاه بيان من الله ولا نور, ولا هداية, ولا عليه أثر من دليل فهو مردود يضرب به وجه صاحبه, ولو كان شيخ المشايخ, ولو كان مفتي الدنيا؛ لأنه لا يطلب إلا من هناك, من عند محمد عليه الصلاة والسلام.
يقول مالك: "ما منا إلا رادٌ ومردود عليه, إلا صاحب هذا القبر " عليه الصلاة والسلام, وصح عنه عليه الصلاة والسلام في لفظ آخر أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وكلمة أحدث توحي أنه عمل حدثاً في الدين, وأنه أتى بشيء مر, وأتى ببشاعة وبوقاحة، ولذلك يسمون الحدث الأصغر والحدث الأكبر, ويسمون أهل الحداثة: حداثة؛ لأن حدثهم أكبر.
هؤلاء الحداثيون حدثهم أكبر والنظر إليهم ينقض الوضوء, وهذه ليست فتوى, ومن نظر إليهم فعليه أن يتعوذ من الشيطان الرجيم, فسمَّوهم أهل الحداثة لأنهم محدثون في الدين, وحدثهم أعظم من الجنابة, لأن الجنابة تغسل بالماء ولكن هم لا يغسلون.
تلطخ ما تدنس منك حتى كأنك في حياتك ما طهرتا |
وتشفق للمصر على الخطايا وترحمه ونفسك ما رحمتا |
مشيت القهقرى وخبطت عشوى لعمرك لو وصلت لما رجعتا |
والله لو رأيت نور محمد ما رجعت, ولا استهزأت, ولا سخرت, ولا نكصت, ولا عدت, ولا تقهقرت لكنك -للأسف- ما رأيت نور محمد.
ويقول عليه الصلاة والسلام: (وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) فكل من استحدث في هذا الدين فهو مبتدع.
عدد الحصى والرمل في تعدادهم فإذا حسبت وجدتهم أصفارا |
من كل مفتون على قيثارة كل وجدت بفنه بيطارا |
أو كاذب خدع الشعوب بدجله عاش السنين بعمره ثرثارا |
بدع, وخرافات, وهوايات, وأطروحات، قد يكون علمانياً ويصلي, وصوفياً مشركاً قبورياً ويصلي ويدعي أنه مسلم.
إن طلبة العلم والعلماء, والقيادات العلمية في العالم الإسلامي هي المسئولة, وهي مقصرة كل التقصير في عدم توضيح الحق للناس.
من أسباب انتشار البدع:
- الجهل.
- اتباع الهوى.
- اتباع المتشابه.
- اعتقاد العصمة في غير المعصوم.
- الاستحسان.
أما عباد المسلمين الجهلة والضلال فأشبه الناس بالنصارى، قال الله: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [الحديد:27] فالجهل طريق للبدع.
ولذلك لا تنتشر البدع إلا في المناطق التي يكثر فيها الجهل, فتجدها في القرى أكثر منها في المدن, وفي البوادي أكثر من القرى؛ لأنها تروج على الجهلة؛ ولأن البدعة مزخرفة, وظاهر المبتدع أنه يحب الرسول عليه الصلاة والسلام ويدعو إليه, وأنه يريد أن ينتشر دينه, وباطنها من قِبله العذاب.
يقول أحد البطائحية من غلاة الصوفية لشيخ الإسلام ابن تيمية: يا ابن تيمية! حسبنا الله، نأتي إليك فَتَبْطُل كراماتنا ونذهب إلى التتار فتنجح كراماتنا -التتار الكفرة هم الذين داهموا العالم الإسلامي بقيادة هولاكو وجنكيز خان -فهو يقول: نحن نأتي إليك فلا تصلح كراماتنا معك, ولكن إذا ذهبنا إلى التتار كان لكرامتنا وقع ونجاح, قال ابن تيمية: مثلنا ومثلك ومثل التتار كمثل فرس أبلق, والتتار خيولهم سود ونحن خيولنا بيض, وخيلك أنت أبلق, فإذا دخل الخيل الأبلق -الأبلق هو الذي ليس بأسود ولا أبيض- بين البيض أصبح أسوداً, وإذا دخل بين السود أصبح أبيضاً, فأنت إذا ذهبت إليهم وعندك شيء من الإسلام أصبح فيك بياض, وإذا أتيت إلينا وفينا نور كثير من السنة أصبحت أسوداً, وهذا مثل لمن يروج على الجهلة وهم أهل البدع والخرافات.
فالرياسة الدينية أغلى من الذهب والفضة, فإذا وصل الشيخ إلى هذه المرتبة ثم فهم الحق لا يعود أبداً إلى الحق, وتجد بعض أتباعه يعودون إلى السنة ولكنه لا يعود, تصبح يده مثل الحجر الأسود..! بل وجد منهم من تقبل قدمه في الأرض, ومنهم من إذا مشى أُخذ من آثار ترابه ووضع في الماء واغتسل به, ووالله! لقد حدثنا أحد الدعاة أن صوفياً غالياً في بعض البلاد الإسلامية ركب سيارة، فلما مر من بين أتباعه لحقوا آثار عجلات السيارة, يأخذون التراب يتمسحون به..! أي إسلام وتوحيد؟ وأي دجل وخرافة؟ ثم بعضهم يقول: عالم إسلامي.
لكنه عالم إسلامي تجد فيه الهزيمة والفشل إلا أن يرحمنا ربنا مع هذه اليقظة والعودة إلى الله عز وجل.
وهذه الخزعبلات من الرؤى لا نبطلها ولا نقرها بإطلاق, فالرؤى مبشرات, لكن لا يؤخذ منها أحكام لا تحليل ولا تحريم, وإنما هي مبشرات يراها الرجل الصالح, أو تُرى له أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فهؤلاء يتعلقون بالمتشابه، كأن تكون الآية تحتمل معانٍ, فيأخذ بالمعنى الضعيف في الآية, أو للآية مؤدى باللفظ فيتعلق بهذا المؤدى ويقول: هذا دليلي, فهم يتعلقون بالمتشابه، وهم بهذا ينشرون البدع في العالم الإسلامي.
يقول عبد الله بن تيمية أحد علماء السنة -أخو شيخ الإسلام - يقول لأحدهم وقد تكلم يرد على ابن تيمية قال: اسكت والله لو أتيت لك بقصص من الخزعبلات, وأحاديث من صحيح البخاري وموضوعات، لما استطعت أن تفرق بين هذه وهذه..!
ولذلك هم من أجهل الناس, ولا يفتحون باب الفتيا, ولا يدرسون, وإنما هي مواعظ عامة, ورقائق, وتخويفات, ومراسيم, ونشيد وتقبيل ورقص وأكل وشرب..
وقالوا سكرنا بحب الإله وما أسكر القوم إلا القصع |
يرقص أحدهم على الطبل والأغنية والنشيد ثم يقع مغمىً عليه, فتوقظه وتقول له: ما لك؟ قال: سكرت بحب الإله.
فيقول الشاعر:
وقالوا سكرنا بحب الإله وما أسكر القوم إلا القصع |
أي: الثريد؛ لأنهم كما يقولون: من أكثر الناس أكلاً, وهم أكثر الناس فتكاً، إذا أكل يأكل ما يقارب أربعة أنفار, فاحذر أن تدعوه إلا أن تكون متهيئاً له, تراه يلبس مرقعاً ولكن يأكل ستة كيلو..! فيقولون: هم مشهورون بهذا, ومشهورون بالرقص, ويقولون: إنهم لا يقومون الليل وإنما يتبعون الرقص، يرقص أحدهم ثلاث ساعات.
ومن نشيدهم في الرقص، يقول لـابن الفارض- في مجلس الرقص:
من لقلب حل جرعاء الحمى ضاع مني هل له رد علي |
فاسألوا سكان وادي سنمٍ فهو ما بين كداء وكدي |
وإذا الحسن همى فاسجد له فسجود الشكر فرضٌ يا أخي |
ومع تعبداتهم الباطلة المحرفة التي تبلغ الزندقة، فيستتاب صاحبها, فإن تاب وإلا قتل, أنهم ينظرون إلى الأمرد والفتاة الجميلة, ويتفكرون فيهما! فإذا قلت لهم: لا تنظر, غض بصرك, قال: نتفكر في خلق الله!
قال تعالى: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة:30] وقال: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً [التوبة:31] وهم من أكثر الناس جمعاً للأموال, والله عز وجل لما ذكر المنحرفين الذين يكنزون الذهب والفضة ذكر معهم الأحبار والرهبان؛ لأنهم من أكثر الناس جمعاً للأموال, يقول أحدهم: عندنا صدقة, وزكاة, وفقراء, ثم يجمع من الذهب والفضة ما الله به عليم، والعامة يعتقدون أنه معصوم.
يقول أحدهم وهو في بعض البلاد -وأنا لا أسميها- وقد جلس معه شباب فقال: من شيخكم؟ قالوا: فلان, فقال: حسبنا الله! هذا قبوري, قالوا: لا تسبه، فإنه يسمعك..!! وبينهم وبين الشيخ خمسمائة ميل- قال: كيف يسمعني؟ قال: له أولياء, وهو يسمع ما نقول فيه وإذا حركنا أيدينا هنا رآها الشيخ هناك قال: ويقولون لنا: ألقوا العمائم, فيلقون العمائم في الجلسة, فيقال: كلٌ يرفع عمامته لأن الشيخ الآن يحضر تحت العمائم, ترفعون عمائمكم وبركة الشيخ تحل..!
فأحد المشايخ -جزاه الله خيراً- وضع عمامته سريعاً, ثم كشفها وقالوا: ما لك؟ قال: أريد أن أرى الشيخ مباشرة, فقيل له: لا. قم يا مبتدع, فأخرجوه من المسجد, سبحان الله! لقد أصبح هو المبتدع.
وهذا من اعتقاد العصمة في غير معصوم, فكلامه عندهم مثل القرآن, وعندهم في الحرم أوراد ترونها قبل صلاة المغرب، فتجده قبل أن يأكل التمر يخرج ورده, فإذا قلت له: اقرأ القرآن, قال: لا. ورد الشيخ أفضل في هذه الساعة, وكلامه ملعثم، يقول: يا دهر الدهارير! يا حي يا حي يا حي! يا هو يا هو يا هو!! وهذا نباح كلاب, وصياح دجاج, وليس بذكر, هؤلاء جزاؤهم عند الشافعي أن يضربوا بالجريد والنعال ضرباً مبرحاً, حتى يعرف العقيدة الصحيحة, ويخرج من المسجد ويؤدب.
وهذه الكتب موجودة وتنشر نشراً عظيماً بين الجهلة، حتى إنه وجد بعض الجهلة الذين هم في الأصل سنة, يشترونها ويقرؤنها وما دروا ولا علموا.. لأن طلبة العلم مقصرون في تعليمهم, وفي تثقيفهم.
يقول سبحانه: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً [فاطر:8] والبدعة مزينة في عين صاحبها.
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم |
وهذا شأن المبتدع, فإنه دائماً كلما بينت له قال: سبحان الله! تمنعني أن أذكر الله, فهو جالس في الحرم ويقول: يا لطيف يا لطيف يا لطيف يا لطيف...!! قال: أوصاني الشيخ أن أقولها سبعة آلاف مرة, قلنا: قل: سبحان الله. قال: تمنعني أن أقول: يا لطيف! أليس اللطيف هو الله؟ يقول: يا حي يا حي يا حي! قلنا: يا أخي! ادع دعاءً شرعياً أتى من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: الحي من هو؟ تقول: الله, فهم يلزمونك بشيء مستحسن في الظاهر, ولهم نسب من التهريج والترويج في هذه المداخل.
فالبدعة طمس للسنة ومحاربة للدين، ومنها اتهام الدين بالنقص, فالمبتدع في الظاهر يقول: الدين كامل لكن لا يقر ذلك بعمله, يقول سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة:3] لكنه بعمله ومن داخله يرى أن الدين ناقص, فيكمله بهذه الزيادات, وهذا اتهام خطير للإسلام أنه ناقص, وأنه محتاج لهؤلاء الدراويش أن يكملوه أو يزيدوا فيه وينظموه.
أخبرنا بعض الإخوة أنه يعرض في القنوات على مستوى أمريكا صورة الإسلام, ويأتون بصور دراويش الصوفية , أتعلم ماذا يفعلون؟ يترك أحدهم ثوبه ستة أشهر لا يغتسل, حتى ينتثر القمل من على أذنيه, وإذا قلت له، قال: البذاذة من الإيمان، والتواضع، والدنيا فانية، ويتباكى بين يديك..! ويصلي أحدهم في اليوم سبعمائة ركعة وهو ناعس, وإذا جاء الظهر صلّى وهو جالس.
يقول الخطابي -وقد ذكرت هذا كثيراً في كتاب العزلة -: أحدهم أخذ لاصقاً فوضعه على عينه اليسرى ثم أغلق عينه, فقيل له: ما لك؟ قال: إسراف أن أنظر إلى الدنيا بعينين, عجباً لهذا المتخلف! فالله تعالى يقول: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:8-10] ويقول ابن الجوزي في كتابه صفة الصفوة: أحدهم يقول لتلاميذه: أين أنتم مني؟ والله! ما أكلت الرطب أربعين سنة! والرطب: البلح الذي يباع في الأسواق، الذي هو أحلى من العسل، وقد أكله محمد صلى الله عليه وسلم, وأكل العسل, واللحم، وهم لا يأكلون الرطب لأنهم جهلة, أي أنهم حرموا أشياء أباحها الله عز وجل: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [الحديد:27] فهذا تشويه للإسلام.
ومنها: أنهم يأتون في أعياد الميلاد وبعد التراويح في رمضان, فيرقصون حلقاً في المسجد, فتسلط عليهم الكاميرات وتنقل لبلاد الكفار, فانظر شعور الأمريكي إذا نظر إلى هذا..! وهو ممزق الثوب وهو يرقص مثل المجنون, وبعد ساعة يقع مرمياً على الأرض, ويرش بالماء, ويقول: هو هو هو..!! حي حي حي...!! فهل يحب بعدها أن يدخل الإسلام؟ وهل له رغبة أن يدخل في هذا الدين؟ وهل يفكر في يوم من الأيام أن يكون مثل هذا الإنسان؟
وفَد وفد من اليمن، فقالوا للإمام مالك: يا أبا عبد الله! عندنا قوم يرقصون ويغنون ثم يقعون ويغمى عليهم, ويقولون: هو من حب الله. قال الإمام مالك: أصبيان هم؟ قالوا: لا. قال: أمجانين هم؟ قالوا: لا. قالوا: فضحك مالك..! يعني أنه لم يجد جواباً, ثم قام إلى غرفته فقال تلاميذه لهؤلاء: حسبنا الله عليكم أضحكتم إمامنا ما ضحك من سنوات, كان الإمام مالك صاحب هيبة يتبسم فقط ولا يضحك, لكن أحوجه الأمر والحدث أن يضحك.
فهذا تشويه لجمال الإسلام, حتى إن بعضهم رفض أن يدخل في الدين عندما رأى هذه الصور.
وهؤلاء المبتدعة ليس عندهم باب الجهاد في كتبهم, حتى إن أبا حامد محمد بن محمد الطوسي الغزالي صاحب الإحياء ليس عنده كتاب الجهاد, وكلها مرابطة ومؤانسة ومكاشفة. والفناء والشهود والحال والمقام، فلا يعرفون الجهاد, وبعضهم خذل عن الجهاد الأفغاني, يقولون: لا تجاهدوا الآن وجاهد قلبك.
اسمع معاني تفسير القرآن عندهم، قال: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه:24] اذهب يا لساني إلى قلبي فقل: يا طاغية! إنك طغوت فعد إلى الله, فلساني موسى, وقلبي فرعون, فهذه هي الخرافة.
ومن معاني تفسيراتهم: آلم , قال: ألف: ألَّف الله محمداً فبعثه, ولام: لام الله المشركين, والميم: معاوية ما أنصف, فهم يشتركون مع بعض الفرق في بعض التفاسير.
ومنهم من يقول: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [آل عمران:152] قال أحد علمائهم ومشايخهم وليس عنده علم: لا إله إلا الله -عندما قرأ الآية- أين الذي يريد الله؟! وذلك لأن الله يقول للصحابة: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ والذين يريدون الآخرة هم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام, لكن هذا الشيخ الضال يقول: ليس هناك من الصحابة من يريد الله, أما أنا فأعبد الله وحده، ولا أعبده للجنة.
ويقولون من ضمن مفترياتهم: نحن نعبد الله حباً له, ولا نطلب الجنة، حتى يقول أحدهم:
وحقك لو أدخلتني النار قلت للـ ذين بها قد كنت ممن أُحبه |
وأفنيت جسمي في علوم كثيرة وما امنيتي إلا رضاه وقربه |
أما قلتم من كان فينا مجاهداً سيحمد مثواه ويعذب شربه |
يقول: يا ربِّ! لو أدخلتني النار فأنا أحبك، ولا أريد الجنة, وهذا يرد عليه بقوله: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ [آل عمران:133] ويقول للصحابة: يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً [الفتح:29] فالفضل الجنة, والرضوان رضوان الله.
فهذه العقائد والمعاني والأفعال من ضمن مفترياتهم التي شوهوا بها الإسلام.
والإسلام تشوه من اثنين:
1- من جاحد.
2- ومن جامد.
فالجامد مثل بعض الناس تجده واقفاً على ما قبل ستين سنة, لا يتزحزح خطوة, تقول له: نريد أن نستفيد من هذه الوسائل لخدمة الدين, قال: هذا حرام.
يا شيخ! ما رأيك في التكلم في المكرفون حتى يستمع الناس وينتفعوا خارج المسجد؟
قال: في التكلم في المكرفونات نظر, لأن الذي صنعها كافر, وأخشى إذا دخل إلى المسجد أن يكون فيه شبهة.
والمسجل -يا شيخ- ما رأيك إذا سجلت المحاضرات وتنتقل الأشرطة للملايين والآلاف؟
قال: الشريط صنعه كافر والمسجل كذلك, والصحابة منهم أبو بكر وعمر ما كانوا يسجلون محاضراتهم قلنا: اكتشفت الآن.
قال: الأحوط تركها.
فهذا جامد دائماً, وإلا فلو أخذناه بالقياس لقلنا: لا تركب السيارة؛ فإن عمر ما ركب السيارة, ولا تكتب بالقلم, فالقلم ما كان عند الرسول صلى الله عليه وسلم, ولا تلبس النظارة لأن الذي صنع النظارة ياباني، وهو كافر لا يصلي, ثم قس على ذلك من الأمور الكثيرة.
والجاحد: رجل تربى في بلاد الإسلام ثم جحد عقيدته فأخذ يسب الدين, فهو عربي ويصلي ويصوم ويعتمر ويحج لكن في قلبه ظغينة على الإسلام, لأن الإسلام عنده ظاهر, ولكنه ماركة مسجلة من لينين واستالين أي: جاء متعوباً عليه من هناك, ظاهره مسلم ولكن باطنه -والعياذ بالله- زنديق.
يا مدعي حب طه لا تخالفه الخلف يحرم في دنيا المحبينا |
أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهوينا |
خذها جميعاً تجد فوزاً تفوز به أو فاطرحها وخذ لبس الشياطينا |
هذه هي البدع..!
فهل هذا بيع جمل أم بقرة؟! هل تشهد على الله عز وجل أن هذا يقبله ولا يعذبه..؟ سبحان الله!
يقول ابن الجوزي: حج أحد الحمقى البدو, فلما انتهى من منى ورمى الجمرات نفر يوم جمرة العقبة, ووصل إلى البيت قبل الحجاج ودخل مسرعاً وتعلق بأستار الكعبة، قال: اللهم اغفر لي قبل أن يزدحم عليك الناس..! سبحان الله! لا تختلف عليه الحاجات, ولا تتعدد عليه النغمات, ولا اختلاف اللهجات، يعطي كل سائل مسألته, ولا ينقص مما عنده إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر.
وبعضهم يوسد الميت فيلقنه الكلمات, وتلقينه الكلمات حديث ضعيف, والأحاديث الضعيفة يقوم عليها كثير من البدع ولا تكفي وحدها في التشريع.
ومن بدعهم أيضاً أنهم يقرءون دعاء الوسيلة بصوت مرتفع في المكرفونات, فيقول: {اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة...} الحديث, ويصلي بصوت مرتفع.
ومن بدعهم أيضاً أنهم يقولون: حي على خير العمل.. حي على خير العمل.. وهي لم ينـزل الله بها من سلطان، ولم تثبت، وآثارها واهية، وهي خلاف السنة.
ومن بدعهم أيضاً: السلام بمصافحة الأيمن والأيسر، وإدامة ذلك بعد كل صلاة، وتجدونه في الحرم, وفي كل مكان.
فإذا انتهيت من الصلاة سّلم عليك، وقال: تقبل الله, وبعضهم يتبرع فيسلم عن يمينه ويساره وأمامه وخلفه, ومن داوم عليها فقد ابتدع, وسئل عنها شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: بدعة, ولكن من فعلها نادراً فلا بأس، مثل رجل قدم من سفر ووجدته في الحرم، أو في المسجد فسلم عليه, أو رجل لك منه فترة.
أما أنها تتخذ عادة كلما سلّم المسلم صافحوه, فهذه من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان.
إنها أربع وسائل:
1- نشر السنة.
2- التشهير بالمبتدعة والتحذير منهم.
3- هجر المبتدع.
4- الرد على المبتدعة بالتأليف والمواعظ والدروس والمحاضرات.
خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري |
وهذا تماماً مثلما يفعل الإنسان، قال تعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36] فإذا خلت الساحة من الأبرار تولاها الأشرار.
كيف يردون علينا ويشهرون بنا، ونرد عليهم بحكمة؟ أهذه هي الحكمة؟
لا. بل بد من التشهير بهم والتحدث بأخطائهم وزلاتهم حتى يتجنبها الناس.
أحمد بن أبي دؤاد صاحب القول بخلق القرآن، ووزير المعتصم , وهو قاضي صاحب مروءة وكرم وشهامة, لكن الله أعمى قلبه عن السنة, فعادى الإمام أحمد، ومن عجيب أمره أنه كان ينفق في الجلسة الواحدة ألف ألف درهم, ويفك الرقاب, ويصلح بين القبائل, حتى يقول أبو تمام في بيتين فيه من أعجب ما قيل:
لقد أنست محاسن كل حسن محاسن أحمد بن أبي دؤاد |
وما سافرت في الآفاق إلا ومن جدواه راحلتي وزادي |
فوقف الإمام أحمد في صلاة العيد, فسمع واعظاً يحذر من أحمد بن أبي دؤاد ويخبر ببدعته ويخبر أنه خالف السنة, فتبسم الإمام أحمد وقال: "ما أحسن هؤلاء الوعاظ للعامة" يعني أن الإمام أحمد يؤيده ويشيد به ويحترمه ويقره على ما فعل لأنه شهَّر به.
فمنهج أهل السنة هجر المبتدعة بالسلام والكلام والزيارة والمصافحة, بعد أن يعلموا ويذكروا وينبهوا ويوصوا وينصحوا, فإذا لم يستجيبوا فالهجر.
وهجر أهل المعاصي ومنهم أهل البدع من منهج أهل السنة والجماعة , كما فعل عليه الصلاة والسلام مع كعب بن مالك ومن تخلف عن غزوة تبوك من إخوانه.
والرد على المبتدعة يكون بذكره في المواعظ العامة, وهذا ليس من باب إثارة الخلاف, ولا من باب المحاربة إو إثارة النزعات والنعرات, ولا يخاف من هذا بل هو إسعاد للعباد والبلاد لأنه نشر للأمن والرخاء.
ويكون الرد أيضاً بالدروس والجلسات الخاصة حتى تنتشر وتشتهر السنة.
ولا ينجو -أيها الإخوة- إلا من كان على ما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه, ووصيتي لنفسي ولكم بالدعوة إلى سبيل ربنا.
ومن أعظم وسائل الدعوة أن ننشر السنة, وأن نقضي على البدعة, وأن نكون سفراء خير ورسل حق إلى بلادنا, وأن ننقل إليهم السنة الصحيحة التي أتى بها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام بالحكمة, ولكن من الآداب ألا ننازعهم أول الطريق, فإنك إذا دخلت مباشرة على أهل البدع ثم صدمتهم وسببتهم لا يستجيبون لك.
لكن أرى أن الحكمة أن تجادلهم بالتي هي أحسن، أو تأخذ من أتباعهم, ولا تذهب إلى الشيخ أو المسئول أو الرئيس، وإنما تبدأ بأعضائهم وأفرادهم واحداً واحداً حتى تفتت تجمعاتهم، وتضعف كيانهم، ثم تبدأ تدعو من منطق قوة بالتي هي أحسن.
وأرى ألا تبدأ بالمسائل الخلافية, وأرى أن تعرض إليهم المنهج السديد، وتقول: يا شيخ! ماذا ترى في هذا المنهج؟ فإنه سوف يسلم لك , وسوف يسمع أتباعه أنه سلم لك, فعلى ذلك أرشده إلى هذا المنهج السديد, ثم سوف يظهر للناس فيما بعد أن منهجهم كان خطأ.
نسأله سبحانه أن يتغدمنا وإياكم بواسع رحمته وفضله وبره وكرمه, ونطلب منكم أن تلحوا بالدعاء للمسلمين بالنصر والتأييد والتمكين في الأرض، ولأنفسكم ولإخواننا ولإخوانكم جميعاً، عسى الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتجاوز عنا وعنكم سيئها.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر