السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أسعد الله أوقاتكم باليُمن والمسرات، معنا هذه الليلة حبيبنا ورسولنا، وصفوة خلق الله، معنا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، نعيش مع معلم البشرية وهادي الإنسانية ومزعزع كيان الوثنية، في ساعة أحلى ساعات العمر، وأغلى ساعات الحياة، يقول الله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف:3] وعنوان هذا الدرس (من أحسن القصص).
دخل عمر رضي الله عنه المسجد، فوجد رجلاً يقص على الناس من الخزعبلات، وأخبار الماضين والماضيات، التي لا تعتمد على أسانيد ولا على ثقات، فقال: عمر من الرجل؟ قالوا: رجل يا أمير المؤمنين من الناس، قال: وماذا يفعل؟ قالوا: يقص علينا قصصاً، قال: عمن؟ قالوا: عن قوم لا نعرفهم، فعاد رضي الله عنه وأرضاه وأخذ درته، والدرة عصى يحملها عمر دائماً للطوارئ، يؤدب بها ويخرج بها الشياطين من الرءوس، فأتى رضي الله عنه وأرضاه فضرب الرجل وأنزله، وقال سبحان الله، يقول الله: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف:3] وأنت تقص على الناس هذه القصص، فقال أهل العلم: حق على من قص على الناس أن يعتني بالأحاديث الصحيحة، وألا يقص عليهم إلا ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.
إن البرية يوم مبعث أحمدا نظر الإله لها فبدل حالها |
بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها |
عاش في المجتمع أشبه شيء بالبداوة، ومع ذلك كان من أجمل الناس، وجهه كالقمر ليلة أربعة عشر، إذا جلس الجالس أمامه كأنه يجلس أمام الشمس أو القمر، ولذلك إذا صافحه مصافح أثرت أصابع المصافح في جسم الرسول عليه الصلاة والسلام، قال أنس فيما صح عنه رضي الله: {مسست كف الرسول عليه الصلاة والسلام فو الله ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألين من كفه، وشممت رائحة الرسول عليه الصلاة والسلام فو الله ما شممت مسكاً ولا عبيراً أحلى من مسكه عليه الصلاة والسلام}.
ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه من المسك كافوراً وأعواده رندا |
وما ذاك إلا أن هنداً عشيـة تمشت وجرت في جوانبه بردا |
انشـقاق والحديث القمـر وإسنـاده واضح كنجوم السماء.
خرج على كفار قريش وكفار قريش يعرفونه يتيماً وصادقاً أميناً، ما حفظوا عليه كذبة، ولا خان خيانة ولا غدر مرة، خرج عليهم بعد صلاة العشاء، فقال: يا أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، فقال أبو جهل: من أين أتيت قال: أرسلني الله، قال أما وجد الله إلا أنت يرسلك؟! ثم حلف بلاته وعزّاه، لا نؤمن لك حتى تشق لنا هذا القمر، فقال عليه الصلاة والسلام: لئن دعوت الله وشق لي القمر، أتؤمنون؟ قالوا: نؤمن.
فرفع يديه وسأل الله أن يشق له القمر، فشق الله له القمر ليلة أربعة عشر، أما فلقة فذهبت تجاه عرفات في مكة، وفلقة أخرى ذهبت تجاه جبل أبي قبيس، فقام كفار قريش من الحرم جميعاً رجالاً ونساءً وأطفالاً ينفضون رجالهم ويولون وتتساقط بهم أبواب الحرم ويقولون: سحرنا محمد، سحرنا محمد، سحرنا محمد، فأنزل الله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ [القمر:1-3] ولقد جاء هم من الأنباء ما فيه مزدجر: حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ [القمر:5] ولذلك يوردهم الله يوم القيامة إلى النار، والله يستهزئ بهم، وصفة الاستهزاء نثبتها لله على وجه يليق بجلاله بقيد هو: أنه يستهزئ بمن يستهزئ به قال تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة:15] فيقول الله لهم يوم القيامة للنار: أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ [الطور:15] أفهذه النار سحر كما كنتم تقولون في الدنيا سحرنا محمد، فيدخلهم النار، كان عليه الصلاة والسلام قد هيأه الله وهو في السنتين ونحوها ليصلح الدنيا، فكان في قلبه همة لذلك فجده عبد المطلب سيد مكة كان له فراش لا يجلس عليه إلا هو، فكان يجعل الفراش في ظل الكعبة قبل صلاة العصر -ولا يعرفون الصلاة- فيأبى محمد عليه الصلاة والسلام إلا الجلوس على الفراش، وعمره أربع سنوات، كلما أخروه زحف وجلس على الفراش، فيتبسم عبد المطلب ويقول:
والبيت ذي النصب، والشفق والحجب، إن لابني هذا سبب من السبب.
يحلف بالشرك يقول أنه سيكون له أثر في العالم، نعم:
تقدم شاعراً فيهم خطيباً ولولاه لما ركبوا وراءه |
إنشقاق القمر معجزة من معجزاته عليه الصلاة والسلام رآه ذلك أهل الهند، ورآه تجار مكة الذين كانوا في الشام والعراق، قال لهم كفار مكة: أرأيتم في الأفق شيئاً قالوا: قبل ثلاث ليال انشق القمر ورأيناه يوم انشق، وأرخ علماء الهند تاريخ انشقاق القمر على قصر هناك من قصور ملوكهم، فأرخوا كتابة تاريخهم يوم انشق له عليه الصلاة والسلام.
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم |
عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عالٍ من الأطم |
فيقول أبو بكر وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار: {يا رسول الله! والذي نفسي بيده، لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا، فتبسم عليه الصلاة والسلام تبسم الزعيم الواثق الذي بإمكانه أن يقود العالم وقال: يا
وإذا العناية لا حظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمان |
عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عالٍ من الأطم |
ولذلك يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] فما حزن عليه الصلاة والسلام من لثقته بالله، خرج صلى الله عليه وسلم فلحقه سراقة قال أبو بكر: يا رسول الله! سراقة أقبل شاهراً سيفه ورمحه ادع الله عليه يا رسول الله! فتبسم وقال: ما ظنك باثنين الله ثالثهما، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقرأ القرآن على سراقة فساخت به الفرس فوقع على الأرض فقال: سراقة للفرس صه، وهذه الكلمة تقال عند العرب إذا عثر الفرس يعني قم واستيقظ، فقام الفرس وركب وأقبل، فدعا عليه فساخ به الفرس فتعثر على وجهه، فقال: يا محمد! أريد الأمان منك لا تقتلني (فر من الموت وفي الموت وقع) أراد أن يقتل فطلب النجاة والسلامة.
فاشترط عليه الصلاة والسلام أن لا يخبر أحداً من الناس، وأعطاه كتاب أمان، ثم تبسم عليه الصلاة والسلام تبسم الواثق من نصر الله له، وقال: يا سراقة! كيف بك إذا طوقت بسواري كسرى؟ وفي بعض الألفاظ وقيصر؟ فضحك سراقة فقال: أنت فار وصاحبك من مكة تطارد وتملك ملوك كسرى وقيصر، إنها همة بإذن الله تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء، فأعطاه الأمان ورجع، فقال كفار قريش لـسراقة ما وراءك، قال: أما طريق المدينة فقد كشفتها لكم فلا تبحثوا.
أتى سراقة ففتح عمر رضي الله عنه أرض كسرى وقيصر، ودك عروش الخيانة والظلم، والجهالة والعمالة والطاغوت، وداسها هو وسعد بن أبي وقاص بأقدامهم في الأرض ثم أتوا بسواري كسرى وقيصر؛ من ذهب ومرجان ولؤلؤ فأخذها عمر، وقال لـسراقة: تعال ولبسه عمر فبكى سراقة، قال عمر: مالك تبكي؟ -يومٌ نصر الله فيه الإسلام والمسلمين وأنت تبكي- فقال سراقة: والذي نفسي بيده! لقد قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم طاردته: كيف بك يا سراقة إذا سورت بسواري كسرى أو قيصر، فبكى عمر وبكى الصحابة: أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ [الطور:15].
خرج عليه الصلاة والسلام ومر بعجوز خزاعية في خيمة معها عنز مكسورة في جانب الخيمة، فقال لها: هل من لبن؟ قالت: غنمنا خلوف وأبونا مع الغنم، قال: علي بهذه العنز وائذني لي أن أحلبها، فضحكت وقالت: عنز مكسور حائل ما تحلب، قال: أحلبها، فأخذ عليه الصلاة والسلام كوباً عظيماً هائلاً فقال: باسم الله فحلب فحلبت فملأ الإناء فأعطاه أبا بكر فشربه، ثم ملأه فأعطاه العجوز فشربت، ثم ملأه فشرب عليه الصلاة والسلام ثم ملأه ثم جعله عند العجوز فاندهشت.
قالت: ما هذا الكلام الذي تقول، فتبسم عليه الصلاة والسلام ثم خرج، يقول شاعر الجن يخبر أهل مكة لأنهم تلك الليلة لا يدرون أين ذهب، وجعلوا عليه حصاراً عالمياً، وغلقوا المنافذ وأعلنوا حالة الطوارئ في مكة ولكن طريق المدينة لم يبحثوا فيه، فيقول الجان من أعلى جبل أبي قبيس ينشد، وفي الجن شعراء وخطباء:
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد |
جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي |
هما نزلا بالبر وارتحلا به فأفلح من أمسى رفيق محمد |
فيا لقُصي ما زوى الله عنكمُ به من فخار لا تُجازى وسؤددِ |
وذهب صلى الله عليه وسلم ووصل إلى المدينة وأتت معجزاته في المدينة تترا.
الأول: يزداد إيمانك: وأكثر ما يزداد الإيمان إذا تليت معجزات محمد صلى الله عليه وسلم، فإنك تزداد إيماناً ويقيناً ورسوخاً كلما سمعت أخباره.
الثاني: أنك تحبه حباً عظيماً يدخل إلى الروح ويمس شغاف القلب.
نسينا في ودادك كل غال فأنت اليوم أغلى ما لدينا |
في البخاري يقول عمر: {يا رسول الله! والذي نفسي بيده! إنك أحب إلي من أهلي ومالي إلا من نفسي قال: لا يا
الثالث: أن تعلم قدرة الله الواحد الأحد فالمعجزات من قدرة الله.
أنس
: {أنس
والله ما نزل من على المنبر وما هي إلا لحظات، حتى ثارت من علىفأتى هذا لـأربد بن قيس أو لبيد بن ربيعة قال: ما رأيك نقتل محمداً أنا وإياك، قال: نقتله، قال: نذهب أنا وإياك فإذا وصلنا إلى المدينة أخرجناه من المدينة -يعني: الرسول- فإذا أصبح معنا في الصحراء فسوف أشغله بالحديث واقتل الرجل، فأخذا سيفين حادين ماضيين فسما السيفين حتى أصبحا سماً زعافاً، وخرجا إلى المدينة، فلما وصلا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قالا: يا رسول الله! نريدك في أمر فاخرج معنا بأمر مهم، فخرج بردائه لا سيف ولا عصى ولا حرس لكن عين الله ترقبه: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17] إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ [آل عمران:160] فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64].
دعها سماوية تجري على قدرٍ لا تفسدنها برأي منك منكوس |
فيخرج إلى الصحراء فيقول عامر بن الطفيل تعال يا محمد اقرب مني، فاقترب عليه الصلاة والسلام، فأخذ عامر يحدثه ويشير إلى أربد وأربد هذا شاب من أشجع شباب العرب، سل السيف وراء الرسول صلى الله عليه وسلم وحمله يريد ضربه صلى الله عليه وسلم ويشير عامر بعينه لـأربد يقول اضرب فيتوقف، فيحدثه ويشير فلا يفعل، فيحدثه فيشير إليه فلا يفعل حتى طال النهار، وبالأخير ودع الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لـأربد لا تصحبني أنت أجبن الناس، لا تزال جباناً حتى تموت شغلت الرجل عنك وما قتلته، قال: دعني من هذا ما رفعت السيف -ويحلف يميناً- إلا رأيت كالبرق يخطف بصري، ورأيت كأنك بيني وبينه أفأقتلك؟ فلما خرجا من عنده علم صلى الله عليه وسلم الاتهام والريبة، فرفع يديه إلى السماء وقال: {اللهم اكفنيهم بما شئت} فأما عامر ما وصل إلى قرية من القرى حتى نزلت غدة كبيرة كغدة البعير فغطت بطنه، فأخذ يخور كأنه الثور المنحور وهو بعيد عن أهله وقبيلته، يقول: غدة كغدة البعير في بيت امرأة سلولية يقول: أموت في بيت عجوز؟ فيركبونه على الفرس فيموت، أما أربد فخرج بناقته إلى السوق فيرسل الله عليه صاعقةً من السماء:
يا غارة الله جدي السير مسرعة في أخذ هذا الفتى يا غارة الله |
فتحرقه وتحرق وجمله ورحله فيصبح في خبر كان:
لقد ذهب الحمار بـأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار |
قال الحسن البصري: [[يا عجباً! جذع من خشب يحن للرسول عليه الصلاة والسلام وأنتم لا تحنون]].
قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم والله لقد أخذوا جميعاً، وما كأنه نقص تمرة واحدة فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: أشهد أني رسول الله، أخبر عمر بن الخطاب، قال: فذهبت إلى عمر ثم أخبرته، فدمعت عيناه
}.فذبح جابر العناق، وقال لامرأته: اطحني هذا الشعير واصنعيه لنا طعاماً، ثم وضع جابر هذه العناق الصغيرة في قدر صغير من فخار، وقامت امرأته: تصنع الطعام، فقالت له امرأته: اذهب وادع النبي صلى الله عليه وسلم واثنين معه أو ثلاثة، قال: أفعل.
فأتى إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام في الخندق وقال: يارسول! الله تعال أنت واثنين أو ثلاثة معك، فقام عليه الصلاة والسلام فقال: يا أهل الخندق! إن جابر بن عبد الله صنع لكم طعاماً فحي هلاً بكم جميعاً، وهم سبعمائة، أما جابر فأسقط ما في يده ونظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما أدري هل علم النبي صلى الله عليه وسلم بما أقول أم لا؟
فذهب قبل النبي صلى الله عليه وسلم في الطريق ودخل إلى امرأته يضرب على رأسه، تقول: مالك؟ قال: قلت لرسول صلى الله عليه وسلم تأتي أنت واثنين أو ثلاثة، فنادى في أهل الخندق سبعمائة أو أكثر، وقال: يا أهل الخندق! إن جابر بن عبد الله صنع لكم طعاماً فحي هلاً بكم، فأقبلوا جميعاً، قالت: رسول الله أعلم بما يقول -وكانت عاقلة- فأتى صلى الله عليه وسلم ينظر إلى جابر وإلى امرأته ويتبسم صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يعلم أن في البيت تغيرات وخوفاً، فيقول صلى الله عليه وسلم: يا جابر! لا تنزل اللحم من على البرمة ولا تنزلوا طعامكم، ثم يتقدم النبي صلى الله عليه وسلم على البرمة فينفث بريقه الطاهر الطيب المبارك -بأبي هو وأمي- ثم يأتي إلى الطعام فينفث فيه ويسمي ثم يقول: يا جابر! ادع الناس عشرة عشرة، فيدخل الناس عشرة عشرة فيأكلون أكلاً ذريعاً، أكل الجائع في عام القحط.
فلما انتهوا دعا النبي صلى الله عليه وسلم جابراً وجلس معه فقال جابر: جلست معه والله ما نقص منها لقمة واحدة، فيقول صلى الله عليه وسلم: أشهد أني رسول الله، يا جابر! كُل أنت وأهل بيتك ثم تصدق على جيرانكم من هذا الطعام.
قال: فتصدقنا على جيراننا في المدينة، فأمسوا على لحم، ومرق وطعام أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ [الطور:15].
في الغزوة يخرج عليه الصلاة والسلام فينتهي الماء فيقولون: عطشنا يا رسول الله! وهم ما يقارب ألفاً وخمسمائة مقاتل، وعند جابر ألف وأربعمائة عندهم خيول وإبل وبقر فيقول: هل أحد منكم عنده ماء فيأتي أعرابي بإداوة صغيرة فيها ماء، فيأتي صلى الله عليه وسلم بصحفة كبيرة، فيقول: صب عليَّ، فيسكب على أصابعه فيدعو الله فيثور من على أصابعه كالنهر، يقول أنس: يثور من أصابعه كالغيل، فتمتلئ الصحفة وتنثر في الأرض، فيأتي هذا فيملأ قربته ويذهب، ويأتي هذا ويسقي فرسه، ويشرب هذا، ويغتسل هذا، حتى ملئوا كل المخيم والجيش ماءً، فيقول: صلى الله عليه وسلم: أشهد أني رسول الله، فنقول له: نشهد أنك رسول الله أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ [الطور:15].
إنها العلامات التي أتى بها عليه الصلاة والسلام وعند مسلم عن جابر قال: {ذهبت مع الرسول عليه الصلاة والسلام في سفر، والذهاب معه هي أغلى لحظات المسلم أن يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فأراد أن يقضي حاجته في الصحراء قال: يا
فأخذ سيفاً ورمحاً وخنجراً فسمها جميعاً، فما انتهت المعركة وأثخن صلى الله عليه وسلم بالجراح، وأصبح فاتراً من كثرة ما قاتل هو والصحابة أتى هذا ينحدر على فرسه من الجبل والنبي عليه الصلاة والسلام يصلي بالمسلمين صلاة العصر، فلما سلم بعد الجراح بعد ما قتل من أصحابه سبعون منهم حمزة عمه، ومنهم كثير من أحبابه وأقاربه، وكسرت رباعيته، وشج وجهه الشريف، ودخل المغفر في وجهه، وبه من التعب والإعياء ما لا يعلمه إلا الله، فلما سلم من صلاة العصر وإذا بهذا المجرم أقبل قوياً كأنه السيل على فرس، أقبل من الجبل يريد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقام الصحابة يريدون أن يعترضوه، والصحابة من أشجع الناس؛ مهاجرين وأنصاراً، قال صلى الله عليه وسلم: دعوه أنا أقتله إن شاء الله، قال: ناولوني حربة، فناولوه الحربة، ذاك يعلم أن الصحابة سوف يرمونه بالحراب أو بشيء فجعل على جسمه درعين تحت الثياب، وما ترك إلا كالدرهم كل جسمه مغطى، فاقترب من الرسول صلى الله عليه وسلم فهز صلى الله عليه وسلم الحربة وقال: باسم الله، ثم أرسلها فوقعت مركوزة هنا، فوقع عند رجل فرسه، فحمله الكفار يسحبونه قالوا: ماعليك إنما هي قطرة دم، فحلف لهم أن ما به لو كان بأهل سوق المجاز لماتوا جميعاً، ثم ذهب وبعد ليلة مات، وهذا من معجزاته عليه الصلاة والسلام.
وهذه قصة ليست من معجزاته لكن تبين موقف الصحابة وكثرة إيمانهم، ومن أراد أن يتصور الإسلام وعمقه وأصالته فليقرأ سيرة الصحابة، وهي أعظم في الإيمان من الأحكام تربي العقيدة، وتراجم الصحابة توسع مدارك المسلم لمعرفة الدين.
قال عليه الصلاة والسلام: {من يذهب إلى الكفار وأضمن له الجنة؟ فسكتوا جميعاً، فقال عليه الصلاة والسلام: أين
قال: فذهبت مرة أحبو ومرة أمشي، حتى نزلت من عند الخندق فأتيت إلى القوم وهم في شر ليلة، الرياح ما تركت لهم قدراً إلا أكفأته ولا خيمة إلا اقتلعتها، ورأيت أبا سفيان وحوله قادات المشركين، فسمعت أبا سفيان يقول: يا أيها الناس! إني لا آمن من محمد أن يرسل عليناً -جاسوساً- في هذه الليلة الظلماء، فليتفقد منكم كل واحد منكم من بجانبه قال حذيفة: فأسرعت قبل أن يسرعا بي، قلت: لمن بجانبي من أنت قال فلان؟ قلت من أنت؟ قال: فلان، قلت: اسكتا، سكتا إلى غير رجعة، فلما سكتا رجع حذيفة في الليل فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فضمن له الجنة.
وفي الصباح ينزل عليه الصلاة والسلام وإذا بصخرة من أعظم الصخرات داخل الخندق لا تدهدهت ولا تكسرت ولا اقتلعت، فأخذ صلى الله عليه وسلم المعول بيده ونزل، والمنافقون يتضاحكون ويتغامزون حول الخندق -انظر إلى النفاق أعوذ بالله منه، في الدرك الأسفل من النار- يقولون: محمد يمنينا بملك كسرى وقيصر والواحد منا ما يستطيع أن يبول بين النخل من الخوف: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الأحزاب:12].
فنزل عليه الصلاة والسلام فضرب ضربة فبرق بارق في الجو، وانكسرت الصخرة وقال: لقد أُريت قصور كسرى وسوف يفتحها الله علي، صدقت: بعد خمس وعشرين سنة أو أقل فتحها الله.
ثم ضرب ضربة أخرى وقال: وقصور قيصر، لقد أُريت الكنزين الفضة والذهب أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ثم تمتلك أمته قصور كسرى وقيصر بعد سنوات، أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ [الطور:15].
وقد تركت ما بقي من وقت لأسئلة مهمة دائماً تمر، وأعد الأخوة أن هذه الأسئلة سوف تنقح وتنقى وتأمل الإجابة لها وتعرض في دروس مقبلة إن شاء الله.
لكن أكتفي بهذه المحاضرة بعنوان من أحسن القصص، ونستمع إلى أسئلة مهمة تمر كثيراً بطلبة العلم وبالنساء.
وإن من نعمة الله عزوجل أن اهتم كثير من الناس بإحضار زوجاتهم وأخواتهم وقريباتهم؛ ليستمعوا ذكر الله وقول الله، ويحضروا مجلساً من مجالس الإيمان لعل الله أن يرزقهم توبة من الواحد الأحد.
الجواب: أوقات النهي ذكرها عليه الصلاة والسلام في أحاديث منها ما هو في الصحيح عن أبي سعيد وعن أبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس}.
ومنها ما رواه البخاري عن ابن عباس {قال: شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم
وعند مسلم عن عقبة بن عامر قال: {ثلاثة أوقات نهانا صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا، إذا قام قائم الظهيرة تزول الشمس، وإذا بزغت الشمس حتى ترتفع، وإذا تضيفت الشمس للغروب حتى تغيب} فهذه ثلاثة أوقات مع وقتين تصبح خمسة أوقات منهي عن الصلاة لمن تعمدها وأرادها إلا ذوات الأسباب، فذوات الأسباب تصلى في هذه الأوقات، مثل تحية المسجد ولو دخلت المسجد في وقت نهي وما قصدك الصلاة وقصدك تنتظر الصلاة أو تقرأ القرآن أو في مجلس ذكر لا تجلس حتى تصلي ركعتين.
لما روى البخاري ومسلم عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين} ويدخل فيها الجنازة، كذلك الكسوف، وأدخل ابن تيمية ركعتي الوضوء، إذا توضأ المسلم بعد العصر أو بعد الفجر فله أن يصلي ركعتين وتسمى ركعتا الوضوء، واستدل شيخ الإسلام على ذلك بحديث بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {سمعت دف نعليك في الجنة يا
الجواب: نعم. يوم الجمعة لا تكره الصلاة فيه، فيه وقت الزوال، لما روى الحاكم والشافعي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {إلا يوم الجمعة} وهذه زيادة ضعيفة، لكن العمل يؤيد هذه الرواية، فيذكر ابن تيمية وابن القيم أن للمسلم أن يصلي حتى يدخل الخطيب؛ لأن الصحابة فعلوا ذلك والسلف الصالح، ومنها كذلك في الحرم، فلك أن تطوف وأن تصلي في أي وقت أردت لما روى الخمسة، وصححه الحاكم وابن حبان عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً طاف في هذا البيت وصلى في أية ساعة شاء من ليل أو نهار} وهذا رأي الجمهور، إلا عمر رضي الله عنه وعائشة، فكان عمر لا يرى أن تصلى ركعة الطواف إلا بعد طلوع الشمس أو بعد الغروب إذا طاف بعد العصر أو بعد الفجر،والصحيح ما أسلفت وعليه أهل العلم، هذه الأوقات التي لا يقصد بها الصلاة.
أما ركعتا بعد العصر التي ذكرها بعض العلماء، واستدلوا بما روى أحمد: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلاها فسئل عن ذلك، فقال: شغلني وفد عبد القيس عن ركعتي بعد الظهر} والنبي صلى الله عليه وسلم إذا فعل شيئاً داوم عليه، فليس لأحد غيره أن يداوم عليهما ولا يصليهما، وكان عمر يضرب الناس على الركعتين بعد العصر، التي يظنها بعض الناس سنة، وهذا رأي لـابن حزم، وبعض العلماء العصريين.
الجواب: من فاته الوتر وطلع عليه الفجر فلا يصلي إلا ركعتي الفجر ثم يصلي الفريضة، ويؤخر الوتر إلى النهار فيصليه شفعاً ولأهل العلم رأيان وقولان في هذه المسألة: منهم من قال: يصليه في النهار وتراً على هيئته، واستدلوا بما رواه الخمسة عنه عليه الصلاة والسلام: {من فاته وتره من الليل فذكره فليصله متى ذكره} وفي لفظ: {من نام عن وتر أو نسيه فليصله متى ذكره}
قالوا: يصليه في هيئته والرأي الصحيح هو الثاني: أن تصليه شفعاً لما روى مسلم عن عائشة قالت: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر من الليل إحدى عشرة ركعة، فإذا فاته الوتر من الليل لمرض أو سفر صلّى من النهار اثنتي عشرة ركعة} والتنظير العقلي يؤيد هذا الرأي الثاني؛ لأن وتر النهار صلاة المغرب، فلا يجمع وتران في يوم، يكفي صلاة المغرب وعليه فيقضي الوتر شفعاً فإن كان وترك ثلاث ركعات فصلِّ في النهار أربعاً، وإن كانت خمساً فصلِّ ستاً، وهكذا.
الجواب: يكثر هذا السؤال بسبب أنه وجد هناك زواج ووجدت أمور دخلت في الزواجات منها الشرعة، ونقل بعض الثقات أنها بيعت بعض الشرع للنساء بخمسة وعشرين ألف ريال، وبعضها بعشرين، أو خمسة عشر ألف، وهناك منصة تجلس عليها المرأة كأنها تلقي محاضرة أو خطبة جمعة، وذلك في وقت الزواج، وهناك بدعة يدخل عليها الزوج والنساء معها إلا من رحم ربك، وبعض الناس يدخل الزوج وأقاربه في مقابلة مشكوفة وفي لقاء حار ساخن مع نساء العالمين، فيدخل ليرى زوجته وهي أمامه، فينظر إليها، وتنظر إليه (انظرونا نقتبس من نوركم) إنهم من نور رب العالمين إذا اتبعوا سنة سيد المرسلين وخاتم النبيين وخير الخلق أجمعين، وبعضهم يزيد الطين بلة، فيلقط له ولها صورة حية، وهي صورة ميتة، فقد أمات قلبه وأمات قلبها، وبعض السيئين يدخل بكاميرا من النساء أو من الرجال فيلقطون للعرائس صورة تذهب في المجالس والأندية فتكون فضيحة في الدنيا والآخرة، ولقد قال بعض الناس: فوجئ رجل من الرجال بصورته وصورة زوجته في مجلس من المجالس، فاكتشف أنها أخذت يوم الزواج.
والزواج الإسلامي هو الذي يؤسس على التقوى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:109] الدف للنساء جائز بشرط ألا يخالطهم رجل، والدف معناه الآلة التي تضرب من جانب واحد، فللنساء أن يضربن ويرقصن وينشدن نشيداً ولكن لا يجوز لهن أن يستدعين مغنياً فاجراً له عود وكمنجة وناي، مثل المغنين المتطورين المركبين، فهؤلاء من عملاء الشيطان، ولا مغنية ماجنة ومركبة ومتعلمة للغناء لا يجوز، ولا يجوز للرجل أن يدفع أجرة للدقاقين والدقاقات، والرقاصين والرقاصات، والمغنين والمغنيات؛ لأنهم يغضبون رب الأرض والسماوات، إذا وجد فلا بأس أن يفرح النساء، وينشدن نشيداً ويقمن برقص في مكان لا يراهن فيه رجل، فليس بذلك بأس، قال عليه الصلاة والسلام لـعائشة: {هل معكم شيء من اللهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو}.
وصح في أحاديث أن النساء ضربن بالدف في عهده عليه الصلاة والسلام، وعند أبي داود: {أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف}.
لأن هناك من يتشدد وكأنه يريد أن يقوم الزواج فيخرجه كذلك، لكن لا ضرر ولا ضرار، لأن بعض الناس يريد أن يتباكى النساء في الزواج، لا. حتى المحاضرات التي تعرض يوم الزواج يجب أن يكون فيها شيء من المرح، ما يأتي ويذكر لهم عذاب القبر وهم في زواج، فيتباكون، أو يذكر لهم حوادث السيارات، أو الخسف والنسف والإبادة، أو حرب لبنان أو الاشتباك في الفلبين، أو كيف قتل المسلمون في كل مكان.
قال أحد العلماء في خطبة: استدعوا رجلاً أبله أحمق من القراء يقرأ وقت الزواج، فقام فافتتح القراءة وهم في وقت فرح وزواج وقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229] فقام العريس صاحب الزواج فقال: يخرب بيتك، نحن الآن في زواج أو في طلاق، ولذلك كان من الحكمة أن يخاطب الناس بقدر ما يناسب حياتهم.
وخطيب مشهور سمعته يتكلم في محاضرة يقول: استدعوا مقرئاً عند الموت، فقال: كم الأجرة - وهذه من البدع والخزعبلات - قالوا: فلسين أو ثلاثة، وهذه الأجرة ما تساوي شيئاً للمقرئ وقد أتى من مسافة طويلة يريد مبلغاً من المال، فحضر وهو مكسوف البال غضبان على الميت وعلى أهل الميت، لكن مجبور أن يقرأ، فلما وصلوا إلى القبر قالوا: تفضل يا شيخ اقرأ وهم ما أعطوه إلا فلسات بسيطة فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:30-32] قالوا له: قاتلك الله مالك؟ قال هذه: بفلسين فلما أتوا بالجنيهات قرأ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55].
والشاهد أن المحاضر أو الداعية إذا حضر لا بأس أن يدخل شيئاً من الأشعار والأخبار، ولا بأس أن يتمازح الناس في الزواج، ولكن لا يخرجون إلى المعصية.
ولا يكون الزواج إسلامياً إلا بأمور منها: تخفيف المهر، ومنها أن يرحب بالرجل الدين الذي يحب الله ورسوله، ومنها ألا يسرف في الأكل وألا يستحضر المغنين والمغنيات، ومنها أن تبطل العادات الجاهلية والخلطة وأمثالها التي ما أنزل الله بها من سلطان.
الجواب: عورة الرجل من السرة إلى الركبة للحديث الصحيح الذي رواه جرهد قال: قال صلى الله عليه وسلم: {الفخذ عورة}.
قال البخاري في الصحيح: حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط، وحديث أنس معناه أن {رسول الله صلى الله عليه وسلم أجرى في زقاق خيبر في المدينة فظهرت فخذه صلى الله عليه وسلم فرآها أنس}.
قال أهل الأصول: تعارض فعل وقول، قوله (الفخذ عورة) قول، وإذا تعارض القول والفعل قدم القول.
وحديث علي في الصحيح أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: {غطِ فخذك فإن الفخذ عورة، ولا تنظر لفخذ حي ولا ميت}.
فعلى من يلعب الرياضة أو يزاولها أو السباحة، أو أي نشاط رياضي أن يغطي من سرته إلى ركبته، ولا يجوز أن يلعب مع من يكشف فخذه، ولا يسبح معه، ولا ينظر إليه، لأنه ما غطى عورته وهو منكر من الفعل، وفاحشة من التصرف.
الجواب: نعم. قاله بعضهم وكتب في ذلك رسائل.
الصحيح: خلاف ما ذهبوا إليه؛ لأن حديث أسماء الذي استدلوا به حديث ضعيف من ثلاثة أوجه:
الأول: فيه انقطاع.
الثاني: فيه رجل ضعيف، وبعضهم يقول: ضعيفان، الثالث: إرسال.
فلا يستدل به.
الثالث: أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب:59].
الثالث: في صحيح البخاري عن عائشة في قصة صفوان بن معطل قالت: {وكان يعرفني قبل أن ينزل الحجاب}.
فبعد ما نزل دللت على أنه ما يعرفها لأن وجهها مستور.
الدليل الرابع: وهو عقلي؛ أن جمال المرأة وحسنها في وجهها وما تشبث الشعراء ولا مدحوا ولا وصفوا ولا تغزلوا إلا بالوجه، هل سمعتم أن شاعراً مدح أرجل المرأة أو أظافرها دخل رجل فقال:
حلفت لنا ألا تخون عهودنا فكأنها حلفت لنا ألا تفي |
والله ما كلمتها لو أنها كالبدر أو كالشمس أو كـالمكتفي |
المكتفي خليفة، يقول: والله وما كلمتها لو كان وجهها كوجه الخليفة -أحمق هذا- فإنه ما ذكر إلا بالوجه.
وبالمناسبة: أحد الشعراء الماجنين مر ببائعة عراقية تبيع البراقع، والبراقع هذه هي أخطر من ترك الحجاب، ولا يجوز لبسها مطلقاً، وليس هناك دليل ينص على ذلك.
وقد انتشرت الآن هذه البراقع وعيناها سحريتان جميلتان كأنها من أجمل نساء العالم وهي إذا رئيت تخوف في المنام، حتى ربما لو كشفت عن وجهها قلت: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الضراب، وعلى بطون الأودية ومنابت الشجر) ولكن هذا تدليس؛ تركب البرقع فتخرج العينان بالسواد فتقتل الفجرة المعرضين عن كتاب الله، وعن المساجد وتسبب إحراجاً عظيماً وفتكاً هائلاً في الأمة، هذه البراقع أتت بها عراقية في المدينة وأهل المدينة لا يعرفون البراقع، فأتت تبيع لأهل المدينة فما شروها، فكسدت تجارتها، فقالت لجارتها: ماذا أفعل بالبراقع؟ فقالت: ويلك قاتلك الله خذي شاعراً وأعطيه درهمين يمدح البراقع:
فأتت بشاعر عيار ماجن قالت: خذ امدح البراقع قال:
قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بناسك متعبد |
يعني: سعيد بن المسيب سيد التابعين:
والشاعر كذب على الله وكذب على الإسلام يقول سعيد بن المسيب عالم التابعين كان عمره سبعين سنة إحدى عيناه ذهبت من كثرة البكاء من خشية الله، يقول الشاعر أنه خرج إلى المسجد فرأى امرأة عليها برقع أسود ففتنته عن الصلاة فترك المسجد وهام بها:
قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بناسك متعبد |
قد كان يمم للصـلاة بجهده حتى وقفت له بباب المسجد |
فنشروا هذين البيتين فبيعت البراقع كلها بعد صلاة العصر، حتى كانت كل جارية تقول هي المقصودة بالبيتين فأخبر سعيد بن المسيب فتبسم واستغفر الله مائة مرة، وقال: والله ما حدث من ذلك من شيء، ثم قال: فالله خير حافظاً وهو أرحم الرحمين.
يقول: هو الذي يعلم الأسرار ويعلم الخوافي:
كأن رقيباً منك يرعى خواطري وآخر يرعى مسمعي وجناني |
وهذا هو الحجاب الشرعي، والبراقع لا تدخل في الحجاب الشرعي.
الجواب: الضوابط في هذا أقرب لضبط الناس، أن من جزم أن يقيم أكثر من أربعة أيام في بلد فليتم صلاته، ومن رأى أن يقيم أقل من أربعة أيام فليقصر صلاته، هذا تقسيم، ومن لا يدري متى يرتحل اليوم أو غداً، فيقصر أبداً مهما أقام.
واستدلوا على ذلك في الأربعة أيام في حديث أحمد في عمرة القضاء، أن النبي صلى الله عليه وسلم: {قصر ثلاثة أيام وارتحل في اليوم الرابع} ولا ندري ماذا يفعل في اليوم الرابع فهذا الأحوط والأقرب.
الجواب: المذي لا يغتسل منه وهو نجس فيتوضأ منه، أما المني فيغتسل منه، من أصابه المذي وهو يخرج مع تذكر الجماع والشهوة فعليه الوضوء ويغسل ذكره وأنثييه لحديث علي قال: {كنت رجلاً مذاءً فأمرت
أما المني ففيه الغسل سواء بجماع أو احتلام أو عادة سرية وهي محرمة، فلا بد في الجماع من الغسل أما الاحتلام فيشترط فيه أن يجد بللاً لأن بعض الناس قد يحتلم ولا يجد بللاً ثم يصحو فليس عليه غسل.
ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـأم سليم في الصحيح: {إذا رأت الماء} فقيده صلى الله عليه وسلم بالماء وحمل بعض أهل العلم حديث {الماء من الماء} على الاحتلام، قالوا: الغسل لا يكون إلا إذا وجد بللاً، أما إذا احتلم ولم يجد بللاً في ثيابه فليس عليه شيء، ومن قام ووجد عليه بللاً فعليه أن يغتسل.
الجواب:
أولاً: الجنب لا يقرأ شيئاً من القرآن لا نظراً ولا غيباً، لقول علي: {كان صلى الله عليه وسلم يقرؤنا القرآن ما لم يكن جنباً} رواه أبو داود وأحمد والترمذي وغيره، وصححه بعض أهل العلم، وله لفظ عند النسائي {كان لا يحجزه شيء عن القرآن إلا الجنابة}.
وأما المحدث حدثاً أصغر فله أن يقرأ القرآن غيباً ولا يمس المصحف لعموم قوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79].
ولحديث أبي بكر بن حزم في الموطأ عند مالك وهو مرسل لكنه صحيح بطرق أخرى كتب لهم صلى الله عليه وسلم: {ولا يمس القرآن إلا طاهر}.
الجواب: لا يجوز للحائض أن تدخل المسجد لقول عائشة كما في صحيح البخاري {كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض} يخرج رأسه من المسجد -وهي في بيتها- فتمشط رأسه صلى الله عليه وسلم.
فلو كان يجوز لها الدخول لدخلت المسجد معه، ولحديث أبي داود عن علي وهو حديث حسن قوله عليه الصلاة والسلام: {إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب}
ولحديث ابن عباس:{أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف غير أنه خفف عن الحائض} لأنها لا يجوز لها الدخول.
ولحديث أم عطية عند البخاري: {أمر النساء أن يخرجن إلى المصلى وتعتزل الحائض المصلى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين}.
فالحائض إذا أرادت أن تحضر محاضرة أو درساً لها أن تجلس خارج المسجد أو في السيارة أو في مكان مهيأ أما المسجد فلا.
الجواب: الصحيح لا تنقض شعرها من الغسل للجنابة، وإنما تنقضه من الحيض؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام: {أمر
فالمرأة إذا أصابتها جنابة لا يجب عليها أن تنقض شعر رأسها، تغتسل وتحرك أصول الشعر وترويه بالماء وتفيض عليه، وتنقضه من الحيض إذا طهرت.
الجواب: الحلف بغير الله مثل الحلف بالأب وبالأمانة، وبالشرف، وبالدين، أو نحوه فهذا شرك، يقول عليه الصلاة والسلام: {إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم} ويقول عليه الصلاة السلام: {فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت} فلا يجوز لأحد أن يحلف بغير الله، والحلف تعظيم، والتعظيم لله الواحد الأحد.
أما الله فله أن يقسم بما شاء من خلقه، والنجم، والضحى، والليل، والشمس ونحوها.
الجواب: صلاة الرجل في البيت بغير عذر دليل كبير على النفاق، أحكم على من صلّى في بيته بلا عذر وترك المسجد بالنفاق، وأشهد عليه يوم العرض الأكبر بالنفاق، ولو أنه يروى حديث عند الترمذي ولكن في سنده أبو السمح:{من رأيتموه يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان} لكن هذا الحديث فيه نظر، ويكفي الأحاديث التي أوجبها الجماعة، وهي أربعة عشر حديثاً، كحديث: {لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون العشاء معنا فأحرق عليهم بيوتهم بالنار} صحيح، وكحديث {من سمع النداء ولم يأت فلا صلاة له إلا من عذر} صحيح رواه عبد الحق وابن ماجة والحاكم، وحديث: {لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد} وغالب العلماء يقولون: موقوف على علي، وقال عبد الحق الإشبيلي: هو مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
وحديث الأعمى عند مسلم: {أتسمع حي على الصلاة حي على الفلاح قال: نعم. قال: فأجب فإني لا أجد لك رخصة} وحديث ابن مسعود عند مسلم: {وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق} أشهد على من تخلف عن الجماعة بالنفاق وهذا منافق نفاقاً عملياً يستوجب غضب الله وسخطه ومعناه أنه سوف يتدرج في ذلك إلى أن يذهب دينه والعياذ بالله.
الجواب: يجوز للنساء في البيت أن يقدمن للصلاة بهن قارئة عابدة، كما فعل النبي يوم أجاز أم ورقة وهو عند أبي داود وحديث صحيح:{استأذنت النبي أن تؤم بأهل دارها فأذن لها}.
فتصلي المرأة بالنساء في دارها ومعنى دارها: قريباتها من بناتها وعماتها، ومن تمن عليهن من المسلمات تصلي بهن جماعة في البيت، لها ذلك.
الجواب: الخضاب على أقسام: خضاب اللحية وخضاب اليدين والرجلين، تجد بعض الناس يستخدم الحناء في يديه ورجليه، وهذا محرم على الرجال إلا لضرورة من مرض أو دواء طبي يشير به طبيب، أو جرب أنه لمرض، أما لغير ذلك فلا يجوز، وعند أبي داود قال النووي: في السند مجهولان: {أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين مخضوبين -أي: الحنا في يديهما- فعزرهما وأمر بهما أن يخرجا إلى غزير الخضمات من المدينة}.
وفيه تشبه والنبي قال: {من تشبه بقوم فهو منهم}.
وفي حديث صحيح: {لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال}.
فلا يجوز أن يخضب رجليه أو يديه بالحناء أو الخضاب إلا لضرورة، وأما خضاب اللحية فالصحيح أن السواد محرم لصحة الرواية التي فيها: {وجنبوه السواد} وعند أبي داود بسند يحسنه كثير من العلماء: {أنه وصف أقواماً يأتون في آخر الزمان عوارضهم أو لحاهم كحواصل الحمام -سود- لا يريحون رائحة الجنة}.
فالخضاب بالسواد ليس بجائز، ثم أن فيه تمويهاً وتلبيساً، فإن الرجل الكبير المسن يموه ويدلس على الناس بسنه، يأتي رجل عمره تسعون سنة أو ثمانون أو مائة فيخطب امرأة تظنه في الثلاثين أو في الأربعين، ثم يموت بعد شهرين وخمسة عشر يوماً فتخسره، فلو علمت أنه سوف يموت ما تزوجته، أو أنه كبير بالسن، أو يتزوج ويمسي في الأنين طوال الليل:
قالوا أنينك طول الليل يسهرنا فما الذي تشتكي قلت الثمانينا |
هذا فيه تمويه، صاحب الثمانين يتزوج امرأة عمرها ثمانين وهكذا، ولو أن هذا ليس حكماً؛ لكن يجوز للكبير أن يتزوج الصغيرة والكبيرة أن تتزوج الصغير، أمر الله عز وجل سعة لكن ورد عن بعض الفقهاء قالوا: فيه تمويه على المسلمين.
الجواب: كثير من الناس ومن الشباب -هداهم الله- يلبسون الكبكات بذهب أو عليها ذهب، أو النظارات أو الساعات أو الأقلام؛ فهذا إذا ظهر فيه الذهب وتبين نسبة الذهب فهذا محرم على الرجال؛ لقوله عليه الصلاة والسلام، وقد أخذ الذهب والحرير من حديث علي: {إن هذين حلال لنساء أمتي حرام على ذكورها} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فالذهب على الرجال محرم استعماله، والشرب والأكل فيه، أو قلماً أو ساعة أو نظارة أو كبكاً أو ما يشابه ذلك، فليتنبه المتنبه، وهذه موجودة في كثير من الساعات والأقلام، وهذه مخالفة لأمر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، بعضهم يأخذ خاتم ذهب ودبلة ذهب، وهذا يكتوي بكية من نار، ويحمل النار في الدنيا والآخرة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر