إخوة الإيمان، حملة المبادئ، رواد التوحيد! عنوان هذا الدرس: قض نهارك مع ابن المبارك، وهذا عنوان كتاب للذهبي -الإمام العلامة، مؤرخ الإسلام- كتبه عن الإمام ابن المبارك، ولكنه لم يخرج إلى الناس، ولا زال مخطوطاً ومفقوداً، فآثرت أن أختار هذا العنوان لنصاحب هذه الليلة ماجداً من أمجاد محمد عليه الصلاة والسلام، وشيخاً عظيماً من مشايخ الإسلام، وأستاذاً جليلاً عبقرياً، وسوف تجدون المكرمات في شخصيته، ثم أجرد هذه الليلة العاطفة وأجعلها بعيدة من هذا الدرس، ولكننا نأتي بنقولات عنه، ليكون هذا الدرس إن شاء الله مفيداً للمسلمين، وإني أعتبر الدرس من أحسن ما يكون وليس الفضل لي، بل الفضل لله، لكن الشباب خاصة بحاجة إلى أئمة يعيشون معهم ويقتدون بأخلاقهم وصفاتهم وسلوكهم.
النسب والبطاقة الشخصية: نسبه يتصل "بإياك نعبد وإياك نستعين"، أما أبوه فمولى من الموالي، والليلة ترجمة ابن المبارك تكسر التمييز العنصري لأننا نخجل من أنفسنا أن يوجد في أوساطنا تمييز عنصري، أقول هذا وكلنا خَجَلٌ، فإن في بعض النواحي لا زال التميز العنصري وارداً، ولا زال التميز الطبقي حاصلاً، فمن أين أخذناه؟ أمن الكتاب والله يقول: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]؟
أم من السنة والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أبيض على أحمر إلا بالتقوى} أو كما قال عليه الصلاة والسلام؟
وإنما أخذت هذه من الجاهلية، أخذت من الأرض، أخذت من السفهاء، حتى وجدت في بلاد الإسلام.
ابن المبارك أبوه مبارك مولى من الموالي، دخل بلاد الإسلام واعتنق هذا الدين وشرف به.
والرسول عليه الصلاة والسلام كانت أعظم المؤهلات عنده من يحمل لا إله إلا الله محمداً رسول الله بصدق.
ومن يتشرف بحمل العقيدة فهو ولي الله وحبيبه، بلال من أساتذة الإسلام، وصهيب وعمار وسلمان وأنسابهم ليسوا من العرب القح، فأين أبو جهل؟ وأين الوليد بن المغيرة؟ وأين حاتم الطائي؟ وأين عنترة بن شداد؟ لا شيء قال تعالى: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد:17].
دخل سيده ومعه ضيف يزور البستان، قال: يا مبارك! ائتنا برمان، فأتى برمان حامض، ووضعه بين يديه، قال: هذا حامض، ائتنا بغيره، فأتى برمان حامض، قال: أنت لا تفهم ولا تعي؟ هذا حامض، قال: والله لا أعرف الحامض من الحلو، قال: أما ذقته وأنت في البستان من كذا وكذا سنة؟ قال مبارك: أنت لم تأذن لي أن أذوق ما في البستان.
أي ورع هذا! أي صفاء عقدي! أي عبادة! أي مراقبة لله! فأنجب هذا المبارك -وهو مبارك على اسمه- عبد الله بن المبارك، وترعرع شاباً فصيحاً ذكياً، لكن يقال: إذا واجهته عرفت أنه ليس بعربي، تعرف أنه مروزي وعجمي من شكله. كان فصيحاً ينظم الشعر البليغ، وهو من أكبر الشعراء، وسوف تسمعون هذه الليلة أبياته التي تهز أنياط القلوب وهو يحرك بها الأمة الإسلامية من شرقها إلى غربها.
عاش رحمه الله فتتلمذ على كتب الحديث، ثم بدأ مسيرته فغطى جوانب الكمال، حتى قال بعض الفضلاء: لو قيل لي: اختر رجلاً بعد الصحابة اجتمعت فيه الفضائل، لاخترت عبد الله بن المبارك، وكان بعض تلاميذه يقول: تعالوا نجلس ونعدد فضائل ابن المبارك، فيعدودن قالوا:
كان يقوم الليل، ويصوم النهار، ويتصدق، ويجاهد، ويدعو إلى الله، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ثم هو شاعر، وأديب ولغوي، وهو مع ذلك فقيه محدث.
هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله |
وهذه هي صفات يتقلدها عباد الله الصالحون يوم يشربون هذا الدين كالماء الزلال، اسمحوا لي أن نبدأ وهذا للذهبي، لكنه فقد كتابه قضِّ نهارك مع ابن المبارك، يقول: ابن المبارك إمام شيخ الإسلام، عالم زمانه، وأمير الأتقياء في وقته أبو عبد الرحمن الحنظلي مولاهم التركي، ثم المروزي الحافظ الغازي، أحد الأعلام.
حديثه حجة بالإجماع، روى عنه البخاري ومسلم، وتجاوز القنطرة وهو محدث جهبذ صادق لا يعرف الكذب أبداً، ينقي الأحاديث تنقية كما ينقي الصيرفي البهرج من الذهب.
أتوا بكذاب إلى هارون الرشيد وضع أربعة آلاف حديث هي كذب على محمد عليه الصلاة والسلام، فقال هارون الرشيد: والله لأذبحنك الآن، قال: اذبحني أو لا تذبحني والله لقد وضعت عليكم أربعة آلاف حديث، قال: ما علي! يعيش لها الجهابذة عبد الله بن المبارك وأبو إسحاق المروزي، ثم استدعى عبد الله بن المبارك وذاك فنقوها في ثلاثة أيام وأخرجوا أربعة آلاف حديث. قالوا: هذه كلها كذب.
وهو مؤلف أيضاً، له كتاب: الزهد مطبوع في مجلد، كانوا إذا قربوا منه كتاب الزهد يقرأ عليهم في الجامع الكبير كأنه بقرة منحورة من البكاء، لا يستطيع أن يقرأ كما قال الذهبي.
كان يعيش في خراسان، وهو يعيش في خراسان، وإذا أراد أن يخرج لحج أو عمرة أو جهاد خرج أهل خراسان، رجالهم ونساؤهم وأطفالهم يودعونه، لأن أمواله كانت تطوف على فقرائهم وعلى مساكينهم، وكان ينفق الطعام على كل بيوت خراسان، فكانوا يبكون ويقولون الأبيات المشهورة التي صنفها شاعرهم حيث يقول:
إذا سار عبد الله من مرو ليلة فقد سار منها نجمها وهلالها |
إذا ذكر الأحبار في كل بلدة فهم أنجم فيها وأنت هلالها |
وكان إذا صلى العصر دخل غرفته وأغلق عليه الباب، وأخذ القرآن فقرأ قليلاً، وكتب الحديث فعاش مع محمد عليه الصلاة والسلام فيقول له تلاميذه، أو بعض الفارغين -بعض الناس فارغ في الحياة، لا يستطيع أن يجلس وحده ساعة، يستوحش، حتى تجده إذا وجد فراغاً في حياته ذهب إلى جاره أو زار فلاناً أو علاناً، أو جلس على الرصيف يعد السيارات الذاهبة والآيبة، أو تجده يجلس عند الدكاكين، أو القماشين، أو البزازين ويقول: يا فلان! نريد أن نقطع اليوم تعال نتحدث- قالوا له: ألا تستوحش؟ قال: [[كيف أستوحش وأنا مع الرسول عليه الصلاة والسلام ومع أصحابه؟!]] فالذي يجلس مع محمد عليه الصلاة والسلام لا يستوحش، والجلوس معه عليه الصلاة والسلام يكون بالجلوس مع سنته، مع تعاليمه التي هي مودعة في الكتب.
الإمام أحمد شكى إليه أحد تلاميذه، قال: أخاف الوحشة إذا سافرت، قال: خذ لك كتباً تقرأها في السفر، فإذا أغلقت عليك بابك وعندك كتاب فلا تستوحش، حتى قال الجاحظ: الكتاب هو الأنيس الذي لا يؤذيك، والرفيق الذي لا يملُّك... متى احتجت إليه فتحته، ومتى استغنيت عنه أغلقته، لا يفشي عنك سراً، ولا يطيل الجلوس، ولا يملُّك أو كما قال، فهذا هو الكتاب، حتى يقول المتنبي:
أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب |
وهي من قصيدته المشهورة التي يقول في آخرها:
ليعلم قوم خالفوني وشرقوا وغربت أني قد ظفرت وخابوا |
إلى أن يقول:
وما أنا بالباغي على الحب رشوة أطيف هوى يبغي عليه ثواب |
أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب |
دخل الخليفة الرقة ودخل ابن المبارك في وقت واحد وفي ساعة واحدة، وكانت المدينة متهيئة لاستقبال الخليفة الذي يتحدى السحاب في السماء أن يمطر على الأرض وهارون الرشيد شاور بل فاوض ملوك الأرض وقاتل نقفور كلب الروم وفرض عليه الجزية، وأدخل الذلة بلاده، وبلغت هيبته إلى فرنسا.
دخل الرقة واستعد الناس لاستقباله، لكن فوجئ الناس بدخول ابن المبارك على بغلة ومعه تلاميذه، فترك أهل الرقة جميعهم الرشيد وانصرفوا إلى ابن المبارك حتى تقطعت النعال من الزحام، وبقي هارون الرشيد في ملأ قليل من الناس معه حرسه ووزراؤه، فقالت المرأة وهي في القصر: -امرأة هارون - من هذا؟ قالوا: عالم خراسان عبد الله بن المبارك، قالت: هذا والله الملك لا ملك هارون الذي يجمع الناس بالسياط والسيوف، هذا يجمعهم بالحب، يجمعهم بالولاية، يجمعهم بالرسالة، يجمعهم بإياك نعبد وإياك نستعين.
يأبى السؤال فلا يراجع هيبة والسائلون نواكس الأذقان |
أدب الوقار وعز سلطان التقى فهو المطاع وليس ذا سلطان |
كان عنده مئات الألوف من الدراهم، حتى لامه العلماء، مثل سفيان الثوري وإسماعيل بن علية والفضيل بن عياض لاشتغاله بالتجارة، فقال: [[والله لولاكم ما اشتغلت بالتجارة]] لأنه ينفق عليهم كل سنة.
ولذلك كان يعطي سفيان الثوري عشرة آلاف درهم كل سنة، ويعطي الفضيل مثله، نفقاتهم كلها من عند ابن المبارك.
المقصود: فلما انتهوا من الزيارة قال: أحد منكم يريد هدية لأهله؟ فيشتري لهم، ثم يرتحل فإذا وصل إلى خراسان، دعا أهل خراسان في وليمة عامة مع الحجاج ومع ذويهم وأهاليهم وضيفهم، ثم دعا الحجاج ورد لكل نفقته مكتوب اسم صاحب النفقة عليها، قالوا: كيف؟ وأين نفقتنا في الحج؟ قال: أما سمعتم في الحديث أنه يبارك للحاج في نفقته؟ فقد بارك الله لكم في نفقتكم.
حج مرة فوصل إلى الكوفة، يقولون: كان إذا ارتحل كأن موكبه موكب ملك، حتى يقولون: إنه يأخذ الدجاج المشوي على اثني عشر جملاً، وكان يطعم الناس الفالوذج، وهي أكلة طرية لو رأيتموها لسال لعاب الواحد منكم، فكيف لو أكلها، قالوا لـأبي يوسف القاضي: الفالوذج والبالوذج أحسن؟ قال: لا يحكم على غائبين -وهو قاضي الدنيا- لا بد أن أراهما في صحنين ثم أحكم، فقدموهما في صحنين، فأكل من هذا لقمة وأكل من ذاك لقمة، فقال: كلما أدلى هذا بشهادة أدلى هذا بشهادة، حتى صفى الصحنين ثم قال: كلهم سواء في الميزان.
فـابن المبارك كان يطعم الناس الفالوذج، وكان يسرد الصيام سرداً، وكان يدور ويغرف من القدور المرق للناس في الصحون.
لما حج ووصل إلى الكوفة، وهو في طريقه يخترق من خراسان يريد مكة، فمر بـالكوفة فوجد أهل الكوفة في سنة مجدبة، في قحط لا يعلمه إلا الله، بلغ بهم الجوع إلى أن خرجت جارية من بيت إلى مزبلة -قمامة- فأخذت غراباً ميتاً وذهبت به إلى البيت فقال لغلامه: بالله اذهب واسألها لماذا أخذت الغراب؟ فسألها فقالت: والله مالنا من طعام منذ ثلاث ليال إلا ما يلقى في هذه المزبلة، فلما أخبروا ابن المبارك، بكى وجعل يده على وجهه وقال: الله المستعان! نحن نأكل الفالوذج وهم يأكلون الغربان الميتة، قسموا هذه القافلة على أهل الكوفة وعودوا لا حج لنا هذه السنة، فقسموا على أهل الكوفة كل ما على القافلة من البر والزبيب والمأكولات والمطعومات، ورجع بدون حج من الطريق، فلما وصل إلى خراسان ونام أول ليلة. رأى قائلاً في المنام يقول: حج مبرور، وسعي مشكور، وذنب مغفور -فعسى الله أن يتقبل منا ومنه الحج، فإن هذا من أعظم المقاصد التي قد تكون أعظم من الحج؛ لأن بعض الناس يتنفل بحج وجاره جائع بجانبه، وجاره فقير ولا يجد أكلة، فهذا من فقه ابن المبارك وعلمه، وهذا من سعة إدراك ابن المبارك - ونريد أن نكرر من تلاميذ الإسلام من مثل ابن المبارك.
حب المسلمين يجري في دمه، حتى يؤثر عنه أنه قال: [[ياليت أن الله يجعلني فداء لأمة محمد]] وكان يقول لتلاميذه إذا أراد أن يرسل أحداً منهم في السفر:
إذا صاحبت قوماً أهل ود فكن لهم كذي الرحم الشفيق |
ولا تأخذ بزلة كل قومٍ فتبقى في الزمان بلا رفيق |
يقول: حاول أن تصاحب الناس، لكن احذر دائماً أن تبحث عن أخطائهم وتعلق على نواقصهم، فإن العبد فيه نقص، وتجد بعض الناس يطلب الكمال من غيره وهو ليس بكامل، ويطلب أن يخلص الناس أنفسهم من العيوب وهو كله عيوب، مثل ما يقول ابن تيمية: "بعض الناس كالذباب لا يقع إلا على الجرح" فتجده دائماً نقاداً، لا يستطيع أن يعيش مع أحد ولا يستطيع أن يصاحب أحداً، ولا يستطع أن يسافر مع أحد، ثم يوصي كذلك ببيتين آخرين وهما منهج تربوي لمن أراد أن يتعلم أدب السفر وأدب الصحبة مع الناس يقول:
وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفاف وحياء وكرم |
قوله للشيء لا إن قلت لا وإذا قلت نعم قال نعم |
يقول: إذا صاحبت إنساناً فابحث لك عن إنسان سمح في طاعة الله عز وجل، ليس سمحاً في معصية الله، لا تصاحب رجلاً شكوساً عبوساً، بعض الناس مفطور على المخالفة، كما يقول الشريف الرضي:
مشغوفة بخلافي لو أقول لها يوم الغدير لقالت ليلة الغار |
فيقول ابن المبارك: حاول أن تقول: نعم، إذا قال صاحبك: نعم، وإذا قال صاحبك: لا، فقل: لا، إلا في المعصية، هذه من مدرسته.
يقول سفيان الثوري وهو عالم الدنيا: "إني لأشتهي عمري كله أن أكون سنة مثل ابن المبارك فما أقدر أن أكون مثله ثلاثة أيام".
كان ابن المبارك يجاهد نفسه حتى يجلس اليوم الطويل لا يتحدث إلا بطاعة، وكان يقول: [[إن عليكم ملائكة يكتبون ما تتكلمون به]] فكان يحصي كلامه؛ ماذا يقول، وكيف ينطق؛ لأنه يخاف الله.
قال ابن عيينة: "نظرت في أمر الصحابة وأمر عبد الله بن المبارك فما رأيت لهم عليه فضلاً إلا بصحبتهم النبي صلى الله عليه وسلم وغزوهم معه عليه الصلاة والسلام".
وقال سويد بن سعيد: "رأيت ابن المبارك بـمكة فلما طاف وأتى زمزم -والناس ينظرون إليه- أخذ شربة بيده ثم استقبل القبلة وقال: [[اللهم إن ابن أبي الموالي -هذا راوي، يعرض السند على الله، لأنه يتعامل بالسند- حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر عن نبيك عليه الصلاة والسلام أنه قال: {ماء زمزم لما شرب له} اللهم إني أشرب هذا لظمأ ذاك اليوم]].
يقول ابن عباس: [[إن سألت الله أن يشفيك به شافاك، أو يرزقك علماً غزيراً رزقك، أو مالاً رزقك الله مالاً، وماء زمزم لما شرب له]] وهذا حديث صحيح، ابن المبارك لم يطلب علماً لأنه عالم، ولا مالاً ولا رزقاً بل قال: [[اللهم إني أشربه لظمأ ذاك اليوم]] وظمأ ذاك اليوم معروف، نسأل الله أن يروينا من حوض الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن الناس يكونون عطشى ويشتد بهم العطش والكرب.
ودنت الشمس من الرءوس وكثر الكرب على النفوس |
واستشفع الناس بأهل العزم في راحة العباد من ذي الموقف |
وليس فيهم من رسول نالها حتى يقول المصطفى أنا لها |
أما بعضهم فيضمأ فيشرب ثم يروى، ومن شرب من حوض محمد صلى الله عليه وسلم شربة فلن يظمأ بعدها أبداً، وبعضهم يبقى ظامئاً صادياً ويدخل النار وهو ظامئ، نعوذ بالله من ذلك.
قال نعيم بن حماد: [[كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرقاق يصير كأنه ثور منحور أو بقرة منحورة من البكاء، لايجترئ أحد منا أن يسأله عن شيء إلا دفعه، كان إذا أقبل عليه سائل يرده في صدره]] يبكي لا يستطيع يتكلم وقالوا: كان إذا ذكر الموت مات كل عضو منه على جهة.
أتاه تلاميذه مرة يودعونه يريدون السفر فبكى وقال:
وخفف وجدي أن فرقة واحد فراق حياة لا فراق ممات |
يقول: الذي يخفف علي الحزن أنكم سوف تأتون، تغيبون وتحضرون لكن المشكلة والمصيبة من غاب ثم لم يحضر. لكل إنسان غيبة، إلا من مات فإن غيبته لا يعود بعدها إلا في العرصات.
يقول أحد الناس وهو يودع بعض أحبابه:
إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا |
والتهامي الشاعر الأديب كان عنده ابن مات في الخامسة عشرة من عمره، فمن شدة ولهه به وأسفه عليه وحزنه؛ دفنه في جرين البيت -في الحوش- قالوا: لماذا؟ قال: لكي لا يبتعد عني، فكان إذا أظلم الليل قام عنده وقال: يا فلان أقريب فتناجيني أم بعيد فتناديني فلم يجبه فألقى قصيدة يقول:
يا كوكباً ما كان أقصر عمره وكذا تكون كواكب الأسحار |
جاورتُ أعدائي وجاورَ ربه شتان بين جواره وجواري |
طول الحياة إذا مضى كقصيرها والعسر للإنسان كالإيسار |
في قصيدة طويلة مبكية، يقول: أنت جار لله، لست بجار لي، فهنيئاً لك بجوار الله.
قال أبو حاتم الرازي وهو يروي حديثاً عن ابن المبارك عن أحد أهل العلم قال: كنا سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو؛ فلما التقى الصفان خرج من العدو رجل فدعا إلى البراز -المبارزة- فخرج إليه رجل مسلم فقتله يعني الرومي قتل المسلم- ثم خرج رجل آخر فقتله الرومي، ثم خرج رجل مسلم فقتله الرومي الكافر، ثم دعا إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله، قال: فلما فتك هذا الرجل الرومي بالناس خرج ابن المبارك ملثماً -وكان بطلاً قوياً شجاعاً- فتبارز هو والرومي، فذبحه ابن المبارك، ثم قتل في تلك المعركة سبعة، ودخل خيمته فقال قائد المعركة: التمسوا لي من هذا؟ -وكان قد خمر وجهه حتى لا يعرف في المعركة- فذهبوا فوجدوه ابن المبارك، قالوا: القائد يريدك ليعرفك قال: [[لكن الله يعرفني]] إذا عرفني الله انتهى الأمر.
وما مصلحة أن يعرفه القائد؟ وما مصلحة الدعايات إذا برزوا في سبيل الله؟ إذا عرفه الله فكفى.
لما فتح المسلمون قندهار؟ قتل كثير من الصحابة هناك فقال عمر: [[من قتل في قندهار قالوا: قتل فلان وفلان وفلان، قال: ومن؟ قالوا أناس لا نعرفهم، فبكى عمر وقال: لكن والذي نفسي بيده، إن الذي خلقهم ليعرفهم]] فالله عز وجل يعرف الصادق من الكاذب، وهو أعرف سبحانه بأعمال عباده من غيره.
دمشق في سوريا ومرو في جهة شرق إيران أو شمال إيران، استعار قلماً من رجل دمشقي يكتب به، فكتب به ووضعه في جيبه ونسي أن يرده وركب بغلته وسافر ما يقارب خمسة عشر أو عشرين يوماً، فلما دخل مرو نظر فإذا القلم في جيبه، قلم لا يساوي درهماً، لكنه ركب البغلة ورجع ووصل إلى الدمشقي وقال: هذا قلمك، فانظروا هذا الورع العظيم.
وبعض الناس جهاراً نهاراً يتلاعب بالأموال، ويحاول أن يحتال بكل وسيلة ليخدع عباد الله، من أجل أن يحصل على شيء من المال، فانظر إلى هذا، أين هذا الورع؟ قلم واحد لا يساوي درهماً، الناس الآن لا يسألون عن هذا، ولا يسأل أحدهم عن هذه الأمور البسيطة، حتى لو حدثتهم أنت عن هذا لضحكوا عليك؛ لأن بعض الناس أصبح يأكل من الحرام كالجبال.
الآن مثلاً: كثير من التجار أموالهم رباً، يأكلون ويشربون ويلبسون من الربا، ويطعمون أطفالهم من الربا، سيارتهم وفللهم رباً ويأتيك ويسأل: هل يقص الشارب أو يحلق؟ ويقول: الضحى أربع ركعات أم ركعتان!
يقول عليه الصلاة والسلام عن صاحب الربا وهو يدعو الله: {يارب يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، ومشربه حرام، فأنى يستجاب له!} الله يحرم الربا، ويعلن الحرب والقتال لمن يأكل الربا، وهؤلاء يصلون ويصومون ويحجون ويعتمرون وهم أغنياء ولكن كله رباً، أنا أوقف هؤلاء أمام قلم ابن المبارك.
قال: كان ابن المبارك إماماً يقتدى به، كان من أثبت الناس في السنة، إذا رأيت رجلاً يغمز ابن المبارك، فاتهمه على الإسلام، أي: اعرف أن في إسلام هذا الذي يغمز ابن المبارك شيئاً؛ لأن هذا إمام نصر الله به الدنيا، وقالوا: كنا نعد خصال ابن المبارك، وكان فيه العلم والفقه، والأدب والنحو واللغة، والزهد والفصاحة والشعر، وقيام الليل والعبادة والحج، والغزو والشجاعة، والفروسية والقوة، وترك الكلام فيما لا يعنيه، والإنصاف، وقلة الخلاف على أصحابه.
كان أبو حنيفة جالساً فقدم عليه رجل عليه شارة وأبهة، وجمال ووسامة وعمامة، وكان أبو حنيفة ماداً رجله، فضم رجله وتهيأ لاستقبال الرجل، واستقبله وأجلسه بجانبه، وهابه واستحى منه، فسكت الرجل فكان أبو حنيفة يستحي منه ويتكلم معه بوقار، ثم بدأ الرجل يسأل ويتكلم -أنطقه الله الذي أنطق كل شيء- قال: يا إمام! متى يفطر الصائم؟ قال: أبو حنيفة إذا غربت الشمس، قال: فإذا لم تغرب إلا نصف الليل؟ -حلها الآن! سمعتم عن شمس لا تغرب إلا نصف الليل، فلماذا يأتي الليل إذاً؟! سبب مجيء الليل غروب الشمس- قال: فإذا لم تغرب الشمس إلا نصف الليل؟ فمدد أبو حنيفة رجليه الإثنتين وقال: [[آن لـأبي حنيفة أن يمد رجليه]].
[[ ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) وقليل من ينصح، قليل من الناس من ينصح، حتى إنه أصبح كثير من الناس متهم في النصيحة، فيقول: [[ [[ ولذلك إذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث. بعض الناس تستطيع أن تعدد سيئاته وتقول: فيه كذا وكذا، لكن بعضهم لا تستطيع أن تعدها لا في العبادة ولا في الأخلاق ولا في السلوك ولا في الصدق، ولا في الأمانة ولا في التعامل، ولا في المأكل ولا في المشرب، فنسأل الله أن يحفظنا وإياكم، وهذا المنهج الذي يقوله ابن المبارك هو منهج القرآن، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى في سورة الأحقاف: أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [الأحقاف:16]. هل علمت معصوماً بعد الرسول عليه الصلاة والسلام؟ ما من فاضل ولا عالم ولا زاهد ولا شريف ولا وضيع من المسلمين إلا وله سيئات وحسنات، لكن إذا زاد حسنه فهو الحسن، وإذا زادت مساوئه فهو السيء، هذا ما يقرره لك ابن المبارك في هذا المنهج، فحاول أن تتذكره دائماً في الحكم على الأشخاص وعلى الهيئات. وقيل لـابن المبارك: إذا أنت صليت، لم لا تجلس معنا؟ قال: [[أجلس مع الصحابة ومع التابعين أنظر في كتبهم وآثارهم، فما أصنع بكم؟ أنتم تغتابون الناس]]. كان يفر من المجالس العامة، وإذا حضر مجلساً اندفع في الحديث يحدثهم قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام. قال: ويقول رحمه الله: [[أول شيء من منفعة العلم أن يفيد بعضهم بعضاً]] أي: أنك تستفيد وتفيد، المجالس العلمية، الندوات والمحاضرات أن ينصح الناس بعضهم لبعض، وهم أفضل الناس، وجاء أن ابن المبارك [[ سئل: من أحسن الناس؟ قال: العلماء، قال: فمن الملوك؟ قال: الزهاد، قيل: من الغوغاء؟ قال: خزيمة وأصحابه]] خزيمة رجل مبتدع وشرير، والغوغاء هؤلاء الذين ليس لهم عمل إلا تتبع الشائعات والحوادث وسد السيل وإطفاء الحريق، ويستبشرون بالحوادث. الآن الحوادث المرورية إذا وقع حادث تجد الغوغاء ثلاثمائة في دقيقتين تجدهم واقفين وتجد أحدهم يبقى عند الحادث أو عند الحريق، ويبقى عند الزحام في السير وعند الطوارئ التي تحدث والشائعات ساعات طوال، يقول أهل العلم: رأى عمر رضي الله عنه وأرضاه رجلاً جُلِدَ من المسلمين، وإذا هو يمشى به إلى بيت عمر رضي الله عنه وإذا الناس وراءه كثير، الغوغاء الذين يسمعون بالمجلودين والحوادث، أي: كل الذي وقع في السوق يخبرك به، لأنه لا يقرأ ولا يسبح ولا يشتغل بنفسه، فقط معه الحوادث، فأخذ عمر حفنة من التراب وحثا بها على وجوههم قال: [[شاهت هذه الوجوه التي لا تُرى إلا في الشر]] يعني: لو دعوتهم في الخير لا يأتون، مثل المحاضرات والدورس العلمية واللقاءات التربوية والعبادات والجمع والجماعات. [[قيل: فمن السفلة؟ قال: الذي يعيشون بدينهم]] الذي يعيش بدينه، هذا يسمى سافل أي: أنه يتظاهر بالدين ليعيش به، تجده يتقرب إلى الناس ليعيش بدينه، ويتقرب إلى الظلمة ليعيش بدينه، فيفتي ويتكلم ويمدح وينافق ويجامل.
وبعضهم يتصدق بالمليون لكن فيه من الرياء والسمعة وحب الذكر، من يتبرع في مشاريع الخير الآن والجهاد، والفقراء والمساكين، ثم يطلب من الصحافة أن تعلن باسمه في الصحف والتلفاز والراديو، ما حكم هذا في الإسلام؟! فيأتون يقرءون على الأسماع، والصحف الصباحية: تبرع بمائة ألف ريال فلان بن فلان بن فلان، أين الإخلاص؟! {من راءى راءى الله به ومن سمع سمع الله به} أول ما تسعر النار بجواد أنفق ليقال.. جواد أو كريم فتسعر به النار، فأين الإخلاص؟! كان السلف إذا أراد أحدهم أن يتصدق جعل يده اليسرى في جيبه، لأن بعضهم يفهم من حديث: {ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه} يقول: ربما يحتمل أنها قد تعلم، فيجعل شماله في جيبه ويخفيها. وكان علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنه وأرضاه إذا أظلم الليل ونام الناس، أخذ الصدقات وحملها على كتفه ووزعها على فقراء المدينة، فلا يعلم الفقير من الذي أعطاه، لكن الواحد الأحد يعلم. فيا أيها الإخوة لنتجنب الشهرة في أعمال الخير، ولنحذر الرياء والتبجح بما قدمنا قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23] وقال ابن المبارك: [[في صحيح الحديث شغل عن سقيمه]] يقول: يكفيك الحديث الصحيح عن غيره، فتشاغل به واستنبط منه، تجد بعض الناس حاطب ليل يتكلم من الأحاديث الموضوعة والضعيفة، والأحاديث الصحيحة لا يمسها، حتى إني أعلم أن بعض الشباب يركز مثلاً على غير الكتب الستة ليبرز للناس، ليقولوا: ماشاء الله يقرأ حتى وصل إلى الطبراني! فدائماً يقول: رواه الطبراني، رواه الدار قطني، رواه ابن خزيمة، هذا إذا كان طالب العلم متضلعاً في طلب الحديث، أو أحوجه العلم إلى ذلك الأثر فلا بأس، أما أن يذهب يقفز هناك ويترك كتب العلم المشهورة فهذا فيه نظر. فيا أيها الإخوة: يوجد من الوعاظ والخطباء من يأتي إلى الحديث الضعيف ويشرحه للناس، أليس عندنا أحاديث صحيحه؟ أليس عندنا البخاري ومسلم؟ أنا أنصح الخطباء إذا تكلموا أن ينقلوا من القرآن ومن الصحيحين وهذا يكفي الناس، أما من يأتي بالغرائب، حديث علقمة، حديث ثعلبة، والناس يحبون الغرائب، حتى تجد في الترهيب والترغيب حديثاً يقول: {من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله بنى الله له سبعين قصراً في الجنة، في كل قصر سبعين حورية، على كل حورية سبعين وصيفة، في كل سبعين وصيفة سبعين...} فيبقى في السبعين ساعة ونصف! كله موضوع، ألا تكفينا الأحاديث في البخاري ومسلم؟! فلا تشغل الأمة بالحديث الضعيف ولا الموضوع، ولا بالغرائب والخرافات والخزعبلات.
الهاشمي هذا شريف من الأشراف السادة، جاء والطلاب فقراء عند ابن المبارك، فأراد هذا الشريف أن يأخذ ابن المبارك في مجلس خاص ويحدثه بالحديث، قال ابن المبارك: لا. أنا لا أحدثك وحدك، اجلس مع الطلبة وأنا أحدثك معهم، فقام وقال: أنا استأذنك إذن، سبحان الله! بعض الناس فيهم الكبر، حتى أعرف أن من المسلمين من يمنعه كبره من حضور مثل هذه الندوات أو الدروس، يقول: أنا أحضر مع هؤلاء! لقد قرأت ترجمة رجل ترك صلاة الجماعة يقول: والله تركت صلاة الجماعة لئلا أزاحم السوقة بأكتافي، أنا أزاحم هؤلاء!!! فتجده يصلي في البيت، حتى بعضهم يسأل ويقول: من أين أتيتم؟ قالوا: من الدرس، قال: ما في هذه الدروس؟ قالوا: علم، أو فهم، أو توجيه عام، قال: لا بأس بها، لا بأس بها، والحمد لله أعطانا الله من علمه ما أعطانا!! فلذلك يقول مجاهد: [[لا ينال العلم متكبر ولا مستحي]]. قال ابن المبارك: لا أعطيك، فخرج هذا الرجل الشريف، فأمسك ابن المبارك بركابه يهيء له الركاب لأنه من أسرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وحق علينا أن نقدر الطائعين من أسرته عليه الصلاة والسلام، قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23] قال هذا الشريف: تمنعني من الحديث الآن وتهيء لي ركابي، قال: [[أذل لك بدني ولا أذل العلم]] أو كما قال. يقول ابن المبارك: [[السيف الذي وقع بين الصحابة فتنة، ولا أقول أن أحداً منهم مفتون]] يقول: الذي وقع بين الصحابة في الجمل وصفين فتنة، لكن لا أقول لأحد منهم: مفتون؛ لأن الله عصم الصحابة في مجموعهم من الفتنة فليسوا بأهل فتنة رضي الله عنهم، بل كلهم -إن شاء الله- في الجنة، لكن أن نقول: أنهم مفتونون أو نخوض فيهم، فحذارِ حذارِ من هذا، وليس من السداد أن يتكلم الإنسان في أعراض الصحابة، أو يخوض فيما شجر بينهم فإن الله قد غفر لهم سيئاتهم، وتقبل منهم حسناتهم، أسأل الله أن يجمعنا بهم في دار الكرامة.
وكان ابن المبارك رحمه الله يعجبه إذا ختم القرآن أن يكون دعاؤه في السجود، فقد كان للسلف ختمات، ومعظم السلف يختمون القرآن في سبعة أيام، كانوا يحزبون القرآن، يجعلون لليوم الأول ثلاث سور، واليوم الثاني خمس سور، واليوم الثالث سبع، اليوم الرابع تسع سور، واليوم الخامس إحدى عشرة سورة، واليوم السادس ثلاث عشرة سورة، واليوم السابع من (ق) إلى (الناس) وهذا ترتيب وتجزئة للقرآن، فإن لم يستطيعوا ختموه في شهر، فكل يوم جزء وهو ثلاثون جزءاً، وما كانوا يتجاوزون الشهر، فكان ابن المبارك إذا ختم القرآن يجعل آخر ختمة في صلاة؛ فإذا وصل إلى (قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس) صلى ركعتين وختم فيها القرآن ودعا وابتهل لأنه يؤثر أن من أحوال إجابة الدعاء ختم القرآن. يقول ابن المبارك: [[من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته]] وهذا كلام عجيب، يقول: من استخف بأهل العلم واستهزأ بهم ولم يتأدب معهم أذهب الله عليه آخرته؛ لأنهم خلفاء الأنبياء، ومن استهزأ بالسلطان وسخر منه ذهبت دنياه، يقول: احذروا السلطان واحذروا بطشه لأنه إذا قال فعل [[ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته]] فيصبح بلا أخ. ويقول: [[الحبر في الثوب خلوق العلماء]] أي: الحبر في الثوب خضاب العلماء، ما أجمل الحبر في ثوب طلبة العلم وهو شرف لهم!! ودخل أحد العلماء على خليفة وعلى ثوبه حبر فوصل إليه فجلس بجانبه، قال: "والله للحبر الذي على ثوبك أحسن عندي من الدم الذي على الشهيد الذي قتل في المعركة"، وذكر الغزالي في الإحياء: "أن الحبر الذي يكتب به العلماء يوزن يوم القيامة بدم الشهداء" ولكن هذا يحتاج إلى نقل من المعصوم عليه الصلاة والسلام، وقد تفقه ابن المبارك بـأبي حنيفة وأحبه، وهو معدود في تلامذته، ولو أنه لا يوافقه في كثير من المسائل، لأن ابن المبارك محدث وعالم في الحديث، ومن ضمن ما اختلفوا فيه: أن أبا حنيفة صلى إماماً وعلى ميمنته ابن المبارك، فكبر أبو حنيفة فرفع ابن المبارك يديه، والأحناف لا يرفعون أيديهم إلا في تكبيرة الإحرام، أما ما بعدها من التكبيرات فلا يرون الرفع، وابن المبارك محدث يرى أن ترفع الأيدي مع التكبيرات الأربع، فكان أبو حنيفة لا يرفع يديه وكان ابن المبارك كلما قال أبو حنيفة: (الله أكبر) وهو إمام قال ابن المبارك: الله أكبر، ورفع يديه، فلما سلم قال أبو حنيفة: خشيت أن تطير من جانبي -أي: كأن له جناحين وكأنه طائر- قال ابن المبارك: لو أردت أن أطير لطرت في الأولى، أي أنا وإياك كبرنا سوياً في تكبيرة الإحرام، لكن لم نطر والحمد الله، والصواب مع ابن المبارك.
فلما بنى مسجداً قال الإمام أحمد: "لا تصلوا فيه" فكان الجسر هذا من المشاريع التي نفذها أبو مسلم على نهر دجلة، وكان الإمام أحمد إذا وصل إلى رأس الجسر ضرب البغلة وردها، انظر الورع حتى لا تمر البغلة من على الجسر، فـابن المبارك وأمثاله يتورعون من هذا ويخافون كثيراً، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:113]. وقد رأى الحسن البصري رجلاً ينظر إلى موكب ظالم، قال: [[لا تنظر إليه، قال: وماذا يضر النظر؟ قال: يقول الله: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:113]]].
يعرض بـالفضيل يقول: إن كنت تبكي بالحرم وتسيل دمعوك على خدك فو الله إن نحورنا تسيل بالدماء صباحاً ومساء، أيهما أغلى الدم أم الدمع؟ الدم الأحمر الذي يسيله شباب محمد صلى الله عليه وسلم في الجبهات، قال: خيول المسلمين أصبحت للسباق فقط، أما الجهاد في سبيل الله فالحمد لله الذي لايحمد على مكروه سواه، قال: يقول: أنتم بالمجامر في الحرم تدار عليكم البخور والألوة، البخور الكمبودي، أما نحن فالغبار كل صباح من الخيل، وهذا أحسن من بخوركم. لأن الله لا يجمع يوم القيامة في أنف عبد بين دخان جهنم وغبار في سبيل الله أبداً تظن أن رجلاً خرج في سبيل الله عز وجل ودخل الغبار أنفه أن الله يدخله نار جهنم على أنفه، لا. قال: فلقيت الفضيل بكتابه بالحرم، فقرأه وبكى حتى بله بالدموع وقال: [[صدق نظر في المرآة وكان شاعراً فرأى الشيب، والعرب يفرون من الشيب، ويبكون منه، ويندمون ويرون أنه نذير الموت، ويقول ابن عباس في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37] قال: [[الشيب نذير الموت]] وقال الإمام أحمد: "والله ما مثلت الشباب إلا مثل شيء كان في يدي ثم سقط منها" قال: تعرفون أن الذي يدخله الشيب -خاصة من توغل فيه- لم يعد يجد قوة الشباب، ولا طعم الطعام في الشباب، ولا شرب الشراب في الشباب، ولا المزح في الشباب قال: وكان ابن المبارك يقول: شاعر الجهاد اسمع إليه، واسمع إلى العلم كيف يقفز به في قضايا الإسلام! والحرارة في الدفاع عن بلاد الله عز وجل! وكان ابن المبارك يقول وهو يندِّم الناس على فضل أوقاتهم وعلى ماضاع من أعمارهم: اسمعوا ديباجة الأدب والفصاحة المتناهية! وهي فصاحة كسبها من الكتاب والسنة.
فمن السنة ألا تضجره فإن أمامه هول وفزع وخوف ومشقة، يتذكر صحفه وعمره وسيئاته، ثم تلاحقه: قل لا إله إلا الله قل: لا إله إلا الله. فأكثر عليه فقال له: [[لست تحسن -يقول وقال محمد بن الفضيل بن عياض: [[رأيت ابن المبارك في النوم، فقلت: أي العمل أفضل؟ قال: الأمر الذي كنت فيه، قلت: الرباط والجهاد؟ قال: نعم. قلت فما صنع بك ربك؟ قال: غفر لي مغفرة ما بعدها مغفرة]] أي: أتت على جميع الخطايا. وقال: [[سمعت أبا حاتم الفربري يقول: رأيت ابن المبارك واقفاً على باب الجنة بيده مفتاح فقلت: ما يوقفك هنا؟ قال: هذا مفتاح الجنة، دفعه إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: حتى أزور الرب، فكن أميني في السماء كما كنت أميني في الأرض]] هذا ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء، وذكره غيره من أهل العلم وقال: [[رأيت الحارث بن عطية في النوم، فسألته فقال: غفر لي، قلت: فـابن المبارك، قال: بخ بخ -أي: حسن جميل- ذاك في عليين، ممن يلج على الله كل يوم مرتين]] يزور الله مرتين كل يوم، أي: يرى ربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. ورؤية الله ثابتة عند أهل السنة في الآخرة، كل يوم مرتين لأعماله ولخيره ولفضله، ولما جعل الله فيه من الصدق والإخلاص، وعن نوفل قال: [[رأيت ابن المبارك في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي برحلتي في الحديث، عليك بالقرآن، عليك بالقرآن]] أي: اقرأ القرآن كثيراً، عليك بالقرآن لأنه شفيع مشفع عند الله عز وجل ولأنه يقود صاحبه إلى الجنة إذا عمل به، ولأنه شاهد صادق ناطق يوم العرض الأكبر على من قام به آناء الليل وأطراف النهار.
فـابن المبارك يعلمك الأدب، يقول: ما عليك ألا تتكلم وقد وجد عالم في الحلقة، فعلمه في أذنه، أو لا حظ عليه، لا أن تفتي معه وتتكلم، وكذلك من الأدب ألا تتكلم، وهناك من هو أولى منك بالكلام في المجلس، بل تجد أحياناً بعض الكبار من العلماء يحضرون مجالس العامة فتجد شباباً يتكلمون في حضورهم فيبدأ الشاب وبدون حياء، ويقول: (إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، أمَّا بَعْد: فنرى أن نمضي هذا الوقت فيما ينفع، ومن الواجب عليّ ألا أكتم العلم الذي عندي) وليس عنده ما يملأ كوباً، بينما العلماء الكبار موجودون، فمادام أن العالم موجود فقد عفاك الله عز وجل فأحل عليه، ثم أن هذا من الوقار وحسن الأدب أن تحول الكلام إليه وتقول: الشيخ موجود ولا نتكلم بوجوده، و(لا يفتى ومالك في المدينة) ونريد منه أن يتحفنا، ثم إذا أردت أن تتكلم أنت فتكلم لكن بأدب بعد أن تقول: كما تفضل والدنا وشيخنا في هذه الكلمة المباركة ,وأنا لست زائداً عليه ولا أريد أن أضيف إلى كلامه شيئاً، لكني أعرض عليكم بعض المسائل، هذا من الأدب ومن الوقار ومن هذا الأمر الذي يريده ابن المبارك رحمه الله. وقالوا: سئل ابن المبارك بحضور سفيان بن عيينة عن مسألة فقال: [[إنا نهينا أن نتكلم عند أكابرنا]] ما شاء الله ابن عيينة أكبر منه سناً، وابن المبارك أصغر، فسئل وابن عيينة جالس فقال: [[نهينا أن نتكلم عند أكابرنا]] ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {كبر كبر} أي ابدأ بالكبير، فإذا عرضت عليك مسألة وفي المجلس من هو أولى منك فأحل إليه المسألة وقل: مارأيكم في هذا؟ وقد قلت وقال غيري من طلبة العلم ومن الدعاة: إن هناك أشياء تنقص في بعض الشباب منها: عدم احترام الكبير: تجد أحياناً كبير سن في السبعين من عمره -وأقصد: ممن يتبعون السنة، أما كبير في السن وهو فاسق فهذا لا تكرمه، لكن أقصد شيخاً كبيراً على السنة، يحب الله ورسوله تجده يجلس في طرف المجلس وتجد الشباب في صدر المجلس هذا خلاف السنة، أو تجد أحياناً بعض القضاة يدخل فيجلس في طرف المجلس فهذا ليس من السنة فلا بد أن يكرم، وسلطان عادل يحكم بالكتاب والسنة ويخاف الله لا بد أن يكرم. وحامل القرآن لا بد أن يكرم، وداعية له أثر لا بد أن يكرم، وشيخ قبيلة له أثر في الخير يحب الله ورسوله ويفعل الخير لابد أن يكرم، فإنزال الناس منازلهم وارد، أما بعضهم فإنه يقول: لا. ليس عندنا تميز كلنا سواسية، الإنسان يجلس بأي مكان، وكان صلى الله عليه وسلم لا يقام له، صحيح وضعٌ للنصوص في غير مواضعها، بل لابد من إنزال الناس منازلهم، واحترام الناس.
قوله في أثر النية على العمل
توقيره للحديث ولآل البيت
الأتقياء لا يأمنون من أربع
من ورع ابن المبارك
رسالة ابن المبارك إلى الفضيل في الجهاد
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضب خَده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب ولقد أتانا من مقال نبينا قول صحيح صادق لايكذب لا يستوي وغبار خيل الله في أنف امرئ ودخان نار تلهب هذا كتاب الله ينطق بيننا ليس الشهيد بميت لا يكذب أبإذن نزلت بي يا مشيب أبإذن نزلت بي يا مشيب أي عيش وقد نزلت يطيب وكفى الشيب واعظاً غير أني آمل العيش والممات قريب كم أنادي الشباب إذ بان مني وندائي مولياً ما يجيب كيف القرار وكيف يهدأ مسلم والمسلمات مع العدو المعتدي كيف القرار وكيف يهدأ مسلم والمسلمات مع العدو المعتدي الضاربات خدودهن برنة الداعيات نبيهن محمد القائلات إذا خشين فضيحة جهد المقالة ليتنا لم نولد ما تستطيع ومالها من حيلة إلا التستر من أخيها باليد اغتنم ركعتين زلفى إلى الله إذا كنت فارغاً مستريحا وإذا ما هممت بالنطق بالـ باطل فاجعل مكانه تسبيحا فاغتنام السكوت أفضل من خو ض وإن كنت بالكلام فصيحا وفاة ابن المبارك وماله من المبشرات
ابن المبارك عند الإمام مالك
طرق طارق على الفضل بن دكين فقال أبو نعيم: وكان مزاحاً: من؟ وكان وراء الباب، قال: معك رجل من ذرية آدم! فخرج واحتضنه وقال: ماشاء الله ماظننت أنه بقي من ذرية آدم أحد!
فكلنا والحمد لله من ذرية آدم، خلق الله آدم واحداً ثم أتت الذرية منه، فيأتي لنا الآن ليقول: خط مائتين وعشرين وخط مائة وعشرة، وأنا أسرتي كانت تفعل وتفعل، وأنا من فلان بن فلان بن فلان وينسب لك ويحسب {من افتخر بتسعة آباء في الجاهلية، فهو عاشرهم في النار} [حديث حسن يرويه البخاري في الأدب المفرد، وغيره]
إذا فخرت بآباء لهم شرف نعم صدقت ولكن بئسما ولدوا |
إن الفتى من قال هاأنا ذا ليس الفتى من قال كان أبي |
ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد |
فهل هو من قوله فعلاً؟
الجواب: نعم. للشافعي هذا البيت، لكن على كل حال ليس هذا نصاً شرعياً، وهذه وجهة نظر الشافعي، ثم إنه شاعر ولم يمنعه هذا البيت من قول الشعر فقد قال قصائد كثيرة، لكن أظنه لو كان في درجة لبيد لما امتنع عن الشعر ولما حبس شعره. بل لا بد أن ينطلق، لكنه شاعر ومن العلماء ومكثر، والصحيح في الشعر أن يقلل منه بقدر الحاجة، ولا بأس به فهو كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح.
الجواب: بأن يكون لك جدول، وقت لطلب العلم، ووقت للتجارة، أما قضية أن بعض الناس يقول: لا يستطاع أن يطلب العلم مع التجارة فليس بصحيح، السلف جمعوا بين التجارة وطلب العلم وباستطاعتك أن تفعل هذا، مثلاً: نصف النهار لطلب العلم ونصفه للتجارة، أو أيام من الأسبوع لطلب العلم وأيام للتجارة، وتجمع بينهما، وهؤلاء الصحابة من أين كان دخلهم؟ كانوا مزارعين فلاحين ومجاهدين وتجاراً، وكان أبو بكر يبيع ويشتري وهو سيد الأولياء، ليس التصوف الهندوسي الذين يعتكفون في الزوايا يشحذون من الناس، ويدعون أنهم الأولياء، تولى أبو بكر الخلافة وبعد ثلاثة أيام من توليه الخلافة خرج بالخطام وذهب إلى السوق يبيع جمالاً ويشتري ويزاول مهنته، فلقيه عمر وأبو عبيدة، المستشاران العظيمان اللذان حضرا ساعة البيعة، قالوا: [[إلى أين يا
الجواب: نعم. يشرب لأكثر من سبب، سبب أن يرزق زوجة صالحة، ورزقاً واسعاً، وعلماً نافعاً، وصحة في البدن، ومغفرة في الآخرة.
الجواب: نعم، أرى ذلك، المراكز الصيفية التي قامت على النصح وقام عليها رجال ناصحون -كما هو العادة في معظمها- وقامت على طلب العلم الشرعي، وعلى حفظ شباب المسلمين وتوجيههم، فأرى أنها من أحسن ما يستثمر فيها الوقت في العطل الصيفية، ودفع الشباب إليها فهي من أحسن ما يكون وقد أثمرت، من ثمارها هذا الجيل الرائد الخالد الذي اتجه إلى الله عز وجل والذي ظهر خيره ونفعه للمسلمين.
الجواب: عليك بثلاثة كتب في العقيدة، كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، كتاب معارج القبول للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله، وكتاب شرح الطحاوية لـابن أبي العز رحمه الله، هذه عندك اجلعها مراجعك ودرس الناس منها وسوف تستفيد ويستفيدون.
الجواب: القول الصحيح فيه أنه محرم؛ لأنه من الخبائث، وقد أفتى كثير من أهل العلم بتحريمه.
الجواب: ارتكبت محرماً، لأن مصافحة المرأة الأجنبية محرم، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يصافح النساء وإنما كان يبايعهن من وراء حجاب، وعليك أن تستغفر وتتوب إلى الله عز وجل، وتنبه في مثل هذا الموقف أن هذا أمر محرم، وأنه لا يلزمك أن تمد يدك لأنه لا يتحاكم إلى الجاهلية، ولا إلى الأعراف والتقاليد، حتى بعضهم يعارضك ويقول: هذه نشأنا عليها وأجدادنا وآباؤنا ولا نستطيع أن نجرح شعورهم، فهل ترضيهم وتسخط ربك؟!
الجواب: فيه ملاحظات وأرى أن لا يقرأه إلا حاذق، ولو استغنيت عنه لكان أحسن، وفي كتاب تفسير ابن كثير غنية، وكذا تفسير الشيخ السعدي وابن جرير، فأنا أرى أنه لا يقرأ فيه، وقد نبه على هذا كثير من أهل العلم منهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، ولكن الصابوني أجاد في مختصر ابن كثير وما رأيته تدخل إلا في بعض الملاحظات وهي نسبة بعض الأحاديث إلى غير مراجعها، لكن مختصره في هذا جيد، وعسى الله أن يوفقنا وإياه لكل خير.
الجواب: ما أدري ماذا يقصد بـالتفسير الكبير، لكن خذها قاعدة، كل كتاب لـابن تيمية فاقرأه ولا تسأل أحداً عنه، سل ابن تيمية وحده، ولا نغالي فليس برسول ولا معصوم، لكن من يسأل مثلنا عن ابن تيمية؟! تسأل العلماء عن ابن تيمية! بل اسأله هو عن العلماء.
الجواب: مثل العدة في شرح العمدة والدرر البهية للشوكاني فهو جيد ومختصر ومقرر، ومثل السلسبيل، وهو تعليق على زاد المستقنع للبليهي هذه الثلاثة من أحسن ما يكون.
الجواب: تصبح أختك من الرضاعة كأختك من النسب تماماً، وأمك من الرضاعة كأمك من النسب تماماً {يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب} فتزورها وتجلس معها، ولها أن تسافر معك، وتصبح أختك تماماً، هذا القول الصحيح في هذه المسألة.
الجواب: الصفاء في الشعراء قليل، لكن من الشعراء القدامى حسان بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه، ويستفاد من شعر أبي تمام وشعر المتنبي، وشعر محمد إقبال وهو من أبرز الشعراء، أما المعاصرين فإني أدلكم على شعر الأستاذ الدكتور عبد الرحمن العشماوي فهو شاعر الشباب وشاعر الصحوة وهو لسان الإسلام في الشعر الفصيح، وأنعم به وأكرم! وهو مبرز، ولكن أهل الباطل لا يريدون أن يبرز هو وأمثاله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31].
ولذلك تجدونهم يأتون بشياطين الشعر الأرذال السفلة، الذين يحاربون الله صباح مساء، فيعقدون لهم الدورات، وتستقبلهم الأندية الأدبية، وتحييهم الصحف الصباحية، وصورهم في المجلات، ومقطوعاتهم تكتب بخطوط مكبرة، ويشغل بها الجيل وتنزل دواوينهم وهي مطبوعة على أوراق فخمة، ولكن كما قال الواحد الأحد: فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36].
ينفقونها بدمائهم، ينفقونها بشيكاتهم وملايينهم، ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون، فعليكم بشعر العشماوي فهو شاعر مبرز وصافي المعتقد والوجهة والمبدأ، وهو قوي الإدراك وصاحب فطنة، ومثل هذا لا بد أن يقرأ شعره، ولا بد أن يستضاف في جلسات الشباب والأندية ويكون بدليلاً عن شعراء الضلالة، وهناك كثير من هذا الركب المجيد من الشعراء، مثل الدكتور أحمد بهكلي، والدكتور زاهد بن عواض الألمعي في كثير من قصائده وكثير من دواوينه، والدكتور صالح بن عون الغامدي الشاعر وهو من سكان أبها في كلية اللغة، هؤلاء الشعراء المبرزين الذين يحضروني الآن وغيرهم كثر، لكن هؤلاء الذين لهم تواجد في الساحة، ولهم قصائد وأحب شعرهم وأقرأ لهم كثيراً، وأحذركم من قراءة كتب وشعر بعض الشعراء منهم البردوني ونزار قباني، ومثل كثير من شعر القصيبي ومقالاته، وخاصة القديمة فإن في مقالاته القديمة شعر ينبو عنها الذوق والدين وهذا يلاحظ عليه.
فيجب على المسلم أن يعرف ماذا يقرأ، ونحن صراحة ليس بيننا وبين أحد عداوة، بيننا أن يحمى هذا الدين وتحمى العقيدة، أما الذي يقول: إنه لعداء أو لأمور، فليست بيننا أمور لا خصومة في ميراث ولا في أراض أو سيارات، بل كل ما بيننا من أجل أنا رأينا شيئاً من الباطل ورآه كثير فبيَّنا هذا، وأرى أن تقرءوا ما كتب الدكتور سمير المالكي في هذا الجانب، والدكتور محمد بن سعيد القحطاني والدكتور وليد الطويرقي، والدكتور سعيد بن زعير، وهي أربعة كتب مفيدة نافعة، حتى يتبين لكم من يستحق أن تقرءوا له، وقضية أن الإنسان أحياناً يدافع عن نفسه بمقالة، أو يتظاهر بشيء، فإن الله عز وجل جعل على الإنسان خصيماً من نفسه.
العلماء يقولون: إذا أراد إنسان أن يتبرأ من ماضيه، فعليه أن يعلن للناس أني أتبرأ من ديوان كذا ومن قصيدة كذا، ليفعل مثل ما يفعل الفنانون الآن فإنهم إذا تابوا من الغناء، تبرءوا أمام الناس من هذا وقالوا: نبرأ إلى الله، إعلان أننا نبرأ إلى الله عز وجل من أغنية كذا ومن شريط كذا ومن فيلم كذا، حتى يصدقهم الناس، أما أن يبقى القديم والحديث، صحيح أن بعضهم يحسن في بعض المقالات، لكن القديم هذا الموجود الذي في الأسواق والمكتبات، انزلوا السوق وافتحوا الدواوين التي ذكرت لكم وسوف تجدون قصائد يستحي الإنسان أن يذكرها، قصائد في غرف النوم، وقصائد في الجماع، وقصائد تشيع بالزنى والعياذ بالله، وقصائد في الفاحشة، فمن هو المسئول؟ وإذا ما نبهنا فمن ينبه؟
ثم أيها الإخوة: أذكر في التاريخ أن أبا الحسن الأشعري رحمه الله لما أراد أن يعود عن مذهب الأشاعرة: وقف على المنبر بعد صلاة الجمعة، وقال: أبرأ إلى الله من مذهب الأشاعرة، ووقف كثير من المبتدعة وقالوا أمام أهل السنة، نبرأ إلى الله مما كنا فيه.
ولله الذي لا إله إلا هو ليس بيننا وبين أحد عداوة إلا بسبب هذا الدين أقولها عن نفسي، والله إن الأسماء التي ذكرتها الآن إني أود من قلبي -والله الشاهد على ما أقول- أن يهديهم الله وأن يدخلهم الجنة، فإننا لا نريد لهم الغواية، ولا نريد أن يعذبهم الله بالنار، نشهد الله وملائكته وحملة عرشه والمؤمنين أنا نريد من هؤلاء الذين ذكرت خاصة الأخير منهم، أن يجلعه الله عز وجل داعية من دعاة الإسلام، وشاعراً من شعراء الدين، وأن يشرح الله صدره، وأن ينور بصيرته ومهما تعرض للدعاة أو نالهم بقلمه أو في مجالسه، فغفر الله له إذا اهتدى وأعلن براءته من القديم الذي كتب، ومن الهجوم على الإسلام الذي افترى به، ليعلم بعض الناس؛ لأني سمعت أن بعض الناس يتأثر ويقول لم هذا العداء؟ وأنا ذكرت لكم أنه ليس قصدي -إن شاء الله- إلا النصيحة، والله يشهد على ما أقول: فأسأل الله من هذا المكان أن يهدي قلبه وأن يرده إليه رداً جميلاً، وأن يجعله يتبرأ من ماضيه، ويجعله سيفاً مصلتاً في كف جيل محمد صلى الله عليه وسلم، وألا يجعله ثائراً على شباب الصحوة ودعاتها وعلمائها، وأن يجنبه مزلات الفتن، هذا ما نريده له، ولعل هذا الكلام يبلغه، ليعلم أن ليس هناك ضغينة؛ لأن بعضهم يتصور أن القلوب تغلي حقداً بسبب ثارات أو أشياء جانبية، لا. بل بسبب الدين، كل شيء إلا إياك نعبد وإياك نستعين، كل شيء معنا يمكن أن يتفاوض فيه إلا هذا الدين يبقى مرفوعاً، رءوسنا تقطع، دماؤنا تسيل، أجسامنا تمزق ويبقى هذا الدين، تصوروا هذا التصور، وأنتم من عقولكم تحكمون، وراجعوا تلك الرسائل التي كتبها علماء البلاد، كالدكتور ابن زعير، والدكتور القحطاني والدكتور الطويرقي، والدكتور سمير المالكي.
أسأل الله التوفيق والهداية، والرشد والسداد.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر