اطلب حاجتك من ملك الحاجات، ثم لا تكن كمن قال الله فيهم: (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)[العنكبوت:65].
واعلم علم اليقين أن دعوة المضطر سهام صائبة، ثم لا تستعجل الفرج (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)[النساء:19].
شكر الله لأهل الفضل فضلهم، وعلى رأسهم مدير معهد محايل وأساتذته وطلابه والحضور الكرام، وعنوان هذه المحاضرة: أمن يجيب المضطر إذا دعاه.
أيها المسلمون:
يا مالك الأملاك أنت المقصد يا من له كل البرايا تصمد |
أبواب كل مملك قد أوصدت ورأيت بابك واسعاً لا يوصد |
الصالحون بنور وجهك آمنوا عافوا بحبك نومهم فتهجدوا |
لا إله إلا الله، من ذا الذي يجيب المضطر إذا دعاه؟!
من الذي يجيب حاجة المحتاج؟!
من الذي يغفر ذنب المستغفر؟!
من الذي يعفو عن الزلل؟!
إنه الله لا إله إلا هو: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:25-26] التجأت الكائنات إلى الله، والتفتت الأبصار، واتجهت القلوب إليه، كل المعمورة إلا الكافر تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
ولهذه المحاضرة خمسة عناصر:
أولها: فضل الدعاء وما ورد فيه.
الثاني: آداب الدعاء.
الثالث: دعاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
الرابع: دعاء الأولياء.
الخامس: فوائد الدعاء.
وقبل أن أبدأ اعلموا -يا مسلمون- أن الدعاء حبل بين العبد وبين الله، ولا يصدق العبد في الدعاء إلا إذا صدق مع الله، ولا تأتي حاجة الدعاء عند كثير من الناس إلا في الأزمات: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت:65] يوم تشتد الأزمات فلا تجد إلا الله، ويوم تجتمع عليك المشاكل والأحداث والمصائب فلا تجد إلا الله، وحين تضيق بك الكوارث فلا تجد معيناً ولا ناصراً ولا هادياً إلا الله.
يا حافظ الآمال أنت حميتني ورعيتني |
وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فمنعتني |
فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني |
أتدرون ماذا تقول النملة؟
تقول: يا حي يا قيوم! أغثنا برحمتك، فبكى سليمان وقال لقومه: عودوا فقد سقيتم بدعاء غيركم.
النملة تعلم أن لا إله إلا الله وتشتكي ضرها إليه، وهكذا العجماوات والسمكة في البحر والدودة في الطين:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد |
فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد |
والبقر تشهد أن لا إله إلا الله، وقد ورد عن عيسى عليه السلام أنه مر ببقرة وهي في الولادة وقد اعترض ابنها في بطنها، فأخذت البقرة تنظر إلى السماء تطلب العون من الله، فأنطقها الله الذي أنطق كل شيء، وجعلها الله داعية متكلمة تقول: يا حي يا قيوم! يسر علي!! ثم قالت: يا روح الله! أسألك أن تدعو الله أن يسهل علي، فبكى عيسى ودعا الله فسهل الله عليها.
وكل الكائنات تلتجئ إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وقد أخبرنا شيخ جليل لا يزال في أبها وهو حي يرزق يقرأ كتاب الله، يقول: سافرت في سفينة في البحر الأحمر، قريباً من باب المندب الذي يشرف على عدن، فحانت صلاة المغرب وأنا في وسط البحر في السفينة، فقمت أؤذن، فكان هناك ثعبان في البحر كلما قلت: الله أكبر؛ رفع نصفه من البحر واستقام، فإذا انتهيت عاد إلى الماء، فإذا قلت: الله أكبر؛ عاد من جديد واستقام، فإذا سكت عاد، فما قلت كلمة ولا جملة من الأذان إلا رفع جسمه ثم نزل بعد أن سكت. من علمه؟
إنه الله لا إله إلا هو.
يا طبيب! يا من عنده العلاجات! يا حامل الأدوية!
قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا |
يا طبيب! من الذي أرداك وقتلك وأماتك؟
قال: أشتكي ذنوبي. قالوا: ماذا تريد؟
قال: أريد المغفرة. قالوا: ألا ندعو لك طبيباً؟
قال: قد رآني الطبيب. قالوا: فماذا قال؟
قال: يقول: إني فعال لما أريد.
كيف أشكو إلى الطبيب ما بيا والذي قد أصابني من طبيبيا |
قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا |
قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا |
إبراهيم عليه السلام مرض فقال: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:80] فانظر إلى الأدب: نسب المرض إلى نفسه ونسب الشفاء إلى الله، وإلا فالشافي والمعافي والنافع والضار هو الله: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً [الفرقان:3].
نظرت إلى فيلم مع بعض الإخوة للمجاهدين الأفغان في منطقة ترخم، وقد رفعوا أياديهم قبل القصف المسلح وهم يحملون الكلاشنكوف فبكينا جميعاً.
من أين يأتي المدد؟ أخذوا المدد من الله، لا من هيئة الأمم، ولا من مجلس الأمن، ولا من موسكو، ولا من واشنطن، ولكن إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:160] النصر من السماء، كان الصحابة إذا حضروا طلبوا من الله أن ينصرهم فينصرهم سبحانه. فقبل المعركة لهم دعاء، واتصال بالله.
وقف حبيبنا ورسولنا ومعلمنا صلى الله عليه وسلم في معركة بدر يدعو إلى الفجر حتى سقطت بردته من على كتفيه.
يقول سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] إذا قالوا لك: أين الله؟ هل هو قريب أو بعيد؟
إذا سألك العباد عن قدرة ربك، وعن سمعه وعلمه، فقل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] ولم يقل: فقل لهم إني قريب، قال أهل المفسرين: ترك الفصل لشدة الوصل، ولم يقل: فقل لهم: إني قريب. لأن في هذا فصل، وإنما قال: إني قريب، ترك الفصل لشدة الوصل ولاتصال الكلام أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186] وسبب نزول هذه الآية أن الصحابة أتوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم حديثو عهد بالجاهلية التي كانت تجعل الإنسان يعبد الوثن واللبن والتمر والحجر والمدر، فجعلهم عليه الصلاة والسلام يعبدون الله، جعلهم أمة ربانية تتصل بالله، بينها وبين الله جسور، أمة ليس بينها وبين الله واسطة إلا في التبليغ عن طريق محمد عليه الصلاة والسلام. قالوا: {يا رسول الله أربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟}.
يقولون: يا رسول الله! أخبرنا وأفتنا أربنا قريب يسمع فنتكلم بصوت خافت أم هو بعيد فنرفع أصواتنا؟ ولذلك يقول ابن مسعود: [[كنت متستراً في لباس الكعبة فمر بي مشركان كثيرة شحم بطونهما، قليل فقه قلوبهما، فسمعت الآخر يقول: أيسمعنا رب محمد إذا تكلمنا؟ فيقول أخوه التيس الأعمى الذي هو غبي مثله قال: إذا رفعنا سمعنا، وإذا خفضنا لا يسمعنا. فيقول: خفض صوتك]].
وبالمناسبة كان هناك رجلان مشركان، وقد أسلما فيما بعد، جلسا تحت ميزاب الكعبة والرسول -عليه الصلاة والسلام- في المدينة وكما قيل: أين مناخ العيس من حلب. لا هاتف، ولا فاكس، ولا اتصال، ولا برقيات ولا شيء، أمة صحراء، الجمل يأخذ من المدينة إلى مكة عشرة أيام، فقال صفوان بن أمية لـعمير بن وهب: ما رأيك يا عمير في محمد قتل آباءنا وإخواننا وأعمامنا في بدر؟ ما رأيك لو قتلته؟ قال عمير بن وهب: أريد أن أقتله لكن من يقوم بأطفالي وأهلي؟ قال: أنا أقوم بأطفالك وأهلك، الهدم هدمي والدم دمي والحياة حياتي والموت موتي. فأخذ عمير سيفه فسمه حتى أصبح السيف أزرق، فذهب إلى المدينة يريد أن يقتل محمداً عليه الصلاة والسلام ولم يدر أن الله قال: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67].
عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عالٍ من الأطم |
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم |
وصل عمير إلى المدينة يريد تنفيذ خطة من أبشع خطط البشر، فوصل إلى المسجد فرآه عمر، فقام عمر وهو مجرد من السلاح وذاك عنده السيف، فأخذه عمر بسيفه وثيابه ومماسكه وقاده كما يقود التيس، حتى أدخله على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد. فقال عليه الصلاة والسلام: يا عمير! ماذا جاء بك؟
قال: جئت أفادي أسرانا في بدر.
قال: بل كذبت! جلست أنت وصفوان تحت ميزاب الكعبة، فقال لك صفوان: كذا، وقلت له: كذا وكذا وجئت لتقتلني، وما كان الله ليسلطك علي. قال عمير بن وهب: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. من الذي علمه؟ من هو القريب؟
قالوا: { أربنا قريب فنناجيه أو بعيد فنناديه؟ فسكت عليه الصلاة والسلام فأنزل الله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]}.
ذكر الله إبراهيم عليه السلام فوصفه أنه كان أواه منيب، وقد اختلف أهل التفسير في تفسير كلمة "أواه" قال بعضهم: كان يقول: أواه من ذنوبي، أواه من خطاياي، أواه من معاصي، أواه من تقصيري. وبعضهم قال: كان كثير الدعاء، وكثير المسألة والإلحاح.
ألحوا في الدعاء فإن الله يحب الملحين في الدعاء. ألح في الدعاء فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى واسع المغفرة.
الله يغضب إن تركت سؤاله وترى ابن آدم حين يسأل يغضب |
لو سألت الإنسان، طلباً وطرقت عليه بابه، وألححت عليه يغضب منك، أو يطردك أو يسأم منك إلا الله. وكلما اقتربت من الله ودعوته وصدقت معه زادك توفيقاً وهداية ورشداً. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن زكريا وغيره من الأنبياء وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90].
ولو سئل الناس التراب لأوشكوا إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا |
أما خزائن الله فملأى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً [الإسراء:100].
أ- دعاؤه سُبحَانَهُ وَتَعَالى بالأسماء الحسنى والصفات العلى.
ب- الإلحاح في الدعاء.
ج- عدم التعرض والتعدي والظلم في الدعاء.
د- توخي الأوقات الفاضلة في الدعاء.
هـ- ترك السجع والتكلف.
و- الدعاء بالجوامع.
ز- الإخفاء في الدعاء.
فلو أتاك رجل عند الباب واسمك محمد، فقال: يا محمد، يا محمد، يا محمد، يا محمد. فتقول: نعم. فيقول: يا محمد، يا محمد. فتقول: نعم. فيقول: يا محمد. ما هذا! ماذا تريد من محمد؟ إن الاسم لابد أن ينادى بمشتق أو بفعل أو بطلب، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك، يا أكرم الأكرمين أكرمنا بطاعتك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة.
ووردت أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، كقول بعضهم كما يذكر الغزالي صاحب كتاب الإحياء: يا دهر الدهارير. سبحان الله! وهل من أسماء الله دهر الدهارير؟! هذه طلاسم ما أنزل الله بها من سلطان، أسماؤه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى توقيفية وهي التي سمى بها نفسه وسماه بها رسوله عليه الصلاة والسلام.
جاء عند أحمد في المسند بسند صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول: {اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، وجلاء همي وغمي، وذهاب حزني} ما أجمل هذا الدعاء! وما أحسن هذا الكلام! وعند البخاري عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:{إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة} قال أهل العلم: معنى (من أحصاها) على أحد معان ثلاث: من أحصاها قيل: حفظها، ومن أحصاها قيل: عمل بمقتضاها، ومن أحصاها قيل: عرف معانيها. والكل صحيح.
والدعاء بالأسماء الحسنى يكون بأن تثني على الله قبل أن تدعوه كما كان يقول عليه الصلاة والسلام في الليل: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون! اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم}.
أتريد أن تنفذ إرادتك على الله؟
أتريد أن يلبي الله لك طلبك في أسبوع؟!
أنظر إلى موسى، وقف عليه السلام داعياً يقول رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [يونس:88] فيقول أخوه هارون وهو بجانبه: آمين، آمين، آمين. فأخبر الله أنه استجاب لهما فسماهما داعيين، قال: قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا [يونس:89] قال أهل العلم: كان بين الدعاء والإجابة أربعون سنة. أربعون سنة مكث موسى ينتظر عذاب الله على فرعون وقومه.
شاعر يمني موحد له منظومة عجيبة اسمها: (الجوهرة) مثل العسل المصفى، تبكي عيون الموحدين، يعارض بها ابن دريد صاحب قصيدة:
يا ظبية أشبه شيء بالمها ترعى الخزامى بين أشجار النقا |
والتي يقول فيها من الأبيات الجميلة:
والناس ألف منهم كواحدٍ وواحدٌ كالألف إن أمر عنا |
وآفة الرأي الهوى فمن علا على هواه رأيه فقد هوى |
وإنما المرء حديث بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعى |
فرد عليه اليمني وهو يتوجه إلى الله في جبل من جبال صنعاء ويبكي ويقول:
لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف سجى |
كم فرج بعد إياس قد أتى وكم إياس قد أتى بعد النوى |
سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولا يزل مهما هفا العبد عفا |
يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا |
الإلحاح أن تستمر في الدعاء {ليسأل أحدكم حاجته حتى شسع نعله -وفي بعض الروايات- حتى الملح فإنه إن لم ييسره الله ما تيسر}.
القلوب بيد الحي القيوم، ولا يفتح القلوب إلا هو، والمفاتيح عنده: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59].
سمع سعد بن أبي وقاص -المجاهد العظيم الشجاع فاتح العراق- ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض على يمين الجنة -اشتراط: قصر أبيض وعلى يمين الجنة في الشارع الثاني، قصر على شارعين!- قال: يا بني، إني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:{ليكونن أقوام من أمتي يعتدون في الطهور والدعاء} فلا تكن منهم، ولكن ادع الله الجنة واستعذ به من النار.
يقول ابن الجوزي: أتى أعرابي ووقف بـعرفة ثم نزل وبات بـمزدلفة وفي اليوم الأول رمى الجمرات، وسبق الناس إلى الحرم ودخل الحرم مسرعاً، ثم تعلق بأستار الكعبة وقال: اللهم اغفر لي قبل أن يكثر عليك الناس. لا إله إلا الله! يقول: نفِّذ طلبي يا رب الآن قبل أن يأتي الناس ألوف مؤلفة. وهو الذي لا تختلف عليه اللهجات، ولا يضيق بتعدد الحاجات، ولا تختلط عليه النغمات ولا السمات ولا الأعراف ولا القبائل ولا الجهات، لو اجتمع أهل الأرض من خلق الله من ذرية آدم إلى قيام الساعة في صعيد واحد قال: {فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر} رواه مسلم.
هذا من دعاء الأعراب، وهو من الجهل بما عند الله، وهو من التعدي، بل بعضهم كان يدعو بالدعاء الجاهلي الذي ذكره أهل العلم ولا يليق بذلك قال بعض الأعراب: اللهم اغفر لي وإن كنت غفرت لي فأرني علامة. يقول: أرني علامة لأرى هل غفرت لي أم لا.
وكان بعضهم إذا دخل في الإسلام كما ذكر ذلك ابن عباس يقول: اللهم ارزقنا دراً -أي: لبناً- وزرعاً وضرعاً. فكان إذا لم يرزق ارتد عن الإسلام، يعبد الله على حرف: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ [البقرة:200] دعاء في الدنيا فقط، فيأتيه دعاء الدنيا ومعيشة الدنيا لكن لا حظ له عند الله، فالمسلم لا يتعدى في الدعاء.
ومن التعدي في الدعاء أن تقول: اللهم إني أسألك أن ترفعني على فلان وفلان في الجنة، وأسألك أن تدخلني الجنة وترزقني ثلاثة قصور: قصر أبيض وقصر أزرق وقصر بنفسجي. هذا من التعدي والاشتراط الذي ما أنزل الله به من سلطان.
قلت لليل هل بجوفك سر عامر بالحديث والأسرار |
قال لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحاري |
نام الناس ورقدوا وغفلوا إلا الله، وفي الصحيحين:{ينـزل ربنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلى سماء الدنيا، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فاغفر له؟ هل من داع فأجيبه؟ فإذا طلع الفجر ارتفع الله} فالسحر عجيب وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:18] وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ [آل عمران:17] إن كنت تريد الخير فكن من الداعين في الثلث الأخير يوم تنام العيون إلا عين الله:
نامت الأعين إلا مقلة تذرف الدمع وترعى مضجعك |
فالسحر السحر.
والسجود من الأماكن والحالات الفاضلة، يقول عليه الصلاة والسلام:{إني نهيت أن أقرأ القرآن وأنا ساجد، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم} -أي جدير- حديث صحيح. وصح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال:{أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد}.
يقولون: كان محمد بن جعفر الصادق إذا سجد في المقام بكى عند الكعبة حتى يبكي الناس، ويقول: مسكينك بين يديك، فقيرك بين يديك.
نور الدين محمود بن سبكتكين التركي المجاهد العظيم كان إذا سجد يقول: اللهم اغفرلي، فإن عندي من الخطايا كالجبال. هذا هو الصدق والإخلاص.
محمد بن واسع الأزدي يوم فتح المسلمون كابل عاصمة أفغانستان طوقوها فأخذ يرفع سبابته ويتكئ على رمحه، ويقول: يا حي يا قيوم! انصرنا. فيقول المجاهد قائد المعركة قتيبة بن مسلم: والله لأصبع محمد بن واسع عندي خير من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف شاب طرير.
إذاً: توخي الأوقات الفاضلة ومنها الساعة التي بعد صلاة العصر إلى المغرب من يوم الجمعة فما جاء في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: {إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله عز وجل أو يصلي -كما في رواية
ومن الأوقات: يوم عرفة، حيث يتجلى الله للناس يوم عرفة فيقول: {يا ملائكتي! انظروا لعبادي أتوني شعثاً غبراً ضاحين، أشهدكم أني قد غفرت لهم}.
اللهم يا رافع القصور، ويا موسع الدور، ويا كسار الظهور، وشارح الصدور..، ثم يمول دعاءه ويتكلف فيه، وهذا خلاف السنة. وقد نبه على ذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في كثير من المناسبات، فليجتنب الإنسان التكلف، فإننا ديننا بسيط سهل، الأولى أن يبكي من القرآن، وادع بما عندك، وكان السلف يكرهون التكلف، والدعاء هو الذي يخرج من القلب لا ما حفظ في الرأس أو في القرطاس، فهذا يطير مع الهواء والأنفاس.
العجم كانوا يدعون بلغاتهم ولكن الله يستجيب لهم، حتى سئل ابن تيمية قالوا له: لو دعا الله داع بلغة عامية أيستجاب له؟ قال: سبحان الله! المهم أن يوجد الصدق والإخلاص لأنهما طريق الاستجابة وليس الفصاحة، كم من فصيح قلبه أعمى، وأعجم، وأبكم.
ومن الأدعية الجوامع: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللهم إني إسألك العفو والعافية، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اهدني وسددني، اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك. هذه هي الأدعية الجوامع ونحوها مما ورد في السنة.
ونوح عليه السلام له دعوات، فقد دعا بالرحمة للمؤمنين ودعا بالهلاك للكفار يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً [نوح:26] يقول: لا تترك منهم ساقاً يدور ولا قدماً تمشي؛ لأنه جربهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، فما نفع فيهم إلا الدعاء وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً [نوح:26-27] فدعا عليهم بالهلاك، ورسولنا عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك، {أتاه ملك الجبال وملك الريح وأرادا أن يطلب منهما طلباً لينفذاه في قريش الكفرة، قال: لا. لكني أسأل الله وأرجوه أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً} فجزاه الله عنا خير الجزاء وآتاه الله الوسيلة صلوات الله وسلامه عليه.
قام قارون فأرشى امرأة وأعطاها كنزاً، وقال: إذا حضرنا فادعي على موسى أنه فعل بك الفاحشة. فقامت المرأة أمام الناس تضرب شعرها ووجهها، وتقول: إن موسى فعل بها الفاحشة. فقام موسى أمام الناس وقال: يا أمة الله! أسألك بمن شق لي البحر، وبمن أنزل علي الألواح، وكتب التوراة لي بيده، أنا فعلت ذلك؟ قالت: لا. قال: اللهم خذ قارون : فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ [القصص:81].
موسى عليه السلام قال له الله: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه:24] كان فرعون في عاصمة مصر يحكم مصر، وكان حرسه ستة وثلاثين ألفاً مدججين بالسلاح، وكان موسى يرعى الغنم ومعه عصا يهش بها على غنمه، قال:اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى [طه:24-36] قال المفسرون: قال سؤلك ولم يقل أسئلتك. لأنها اعتبار عن سؤال واحد، إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.
وفي الصحيحين : {أنه عليه الصلاة والسلام كان يتكلم إلى الناس في خطبة، وفي أثناء الخطبة -والجماهير أمامه- وإذا بأعرابي أتى من البادية يدخل من الباب ويقطع الخطبة مباشرة، وقال: يا رسول الله! جاع العيال، وضاع المال، وتقطعت السبل فادعو الله أن يغيثنا -هل فكر الرسول عليه الصلاة والسلام؟ هل تلعثم؟- لا بل رفع يديه على المنبر وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا}فما انتهى من دعائه إلا ونزل المطر نزولاً شديداً، وظل ينزل أسبوعاً كاملاً حتى كانت الجمعة القادمة فدخل الأعرابي وقال: {يا رسول الله! جاع العيال وضاع المال، وتقطعت السبل فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر} قال أنس: [[فوالله ما يشير إلى جهة إلا ويتحدر الغيث إلى تلك الجهة]] سبحان الله! لا إله إلا الله! يشير يمنة والغيث يمنة، ويشير يسرة والغيث يسرة، فخرج الناس والمدينة كالجوبة كأنها مفصلة في ثوب على المدينة شمس وصحو وحول المدينة غيث ومطر.
أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الأموات أحياه |
من وحد العرب حتى صار واترهم إذا رأى ولد الموتور آخاه |
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
فما استأذن الله؛ لأنه ضاق بقومه فركب السفينة، والمعاصي تدمر وتغرق السفن، وتسقط الطائرات من السماء، وتحطم السيارات.
يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه |
كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه |
ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي نسيناه |
ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله |
سبحان الله! ركب يونس عليه السلام في السفينة فأتت الريح تلعب بالسفينة، قال ربانها وقائدها: فينا عاص لله، أنزلوه في البحر، السفينة سوف تهلك وتغرق، فأقرعوا فوصلت القرعة والسهم إلى يونس، فقالوا: ننزلك. قال: أعيدوا القرعة. فساهم ثانية فوقعت فيه، فساهم ثالثة فوقعت فيه، فأخذوه بثيابه وأطرافه وألقوه في البحر فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ [الصافات:141] أخذوه وما أعطوه منقذاً ولا حبلاً قالوا: رموه وسط الليل بعد صلاة العشاء، فوقع في ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الحوت. وليته حين وقع في الماء كان قريباً من الشاطئ لكن وسط لجة البحر، وليته كان في النهار لتراه السفن لكن كان في الليل، وليته كان عنده قارب لكن لا قارب له، وليته كان بعيداً عن الحوت لكن كان هناك حوت عظيم يستقبله ليضيفه في ليلة طيبة الأنداء، دافئة الظلال، ففتح فمه وابتلعه فأصبح بين الضلعان.
لا إله إلا الله! ما أبعده من مكان..!! ماذا فعل؟ تذكر الزوجة.. لا زوجة، تذكر الولد.. لا ولد، تذكر القوم.. لا قوم، فقال كلمة من أروع الكلمات، رفع سبابته في بطن الحوت بين اللحم والعظم في ذلك المكان الضنك وقال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. وارتفعت مباشرة إلى الحي القيوم إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10].
قيل في سيرته عليه السلام سمعت الملائكة هذا الصوت فبكت، وقالت: يا رب! صوت معروف من عبد معروف لا ندري أين هو -الملائكة لا يدرون، لا يدري جبريل ولا ميكائيل ولا إسرافيل أين يونس- قال الله: أنا أدري أين عبدي سوف أنجيه فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144] فأخرجه الله عارياً ليس عليه شيئاً وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [الصافات:146-148].
وعند مسلم عن عائشة: { كان عليه الصلاة والسلام إذا قام من الليل يقول: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم}.
كان يدعو فتأتي الإجابة مثل فلق الصبح، أتاه رجلان من العرب يريدان قتله، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت. والعربيان هما: عامر بن الطفيل سيد من سادات العرب، وأربد بن قيس يريدون ذبحه فمنعه الله، فأما عامر بن الطفيل فأصابه الله بغدة كغدة البعير فقتلته في بيت عجوز سلولية، وأما أربد بن قيس فأرسل الله عليه صاعقة من السماء فأحرقته.
ابن أبي لهب آذى الرسول -عليه الصلاة والسلام- وقال بعض أهل السير: قام ابن أبي لهب فتفل في وجه المصطفى عليه الصلاة والسلام (بصق في وجهه). لا إله إلا الله! جازاه الله بصنيعه. فقال عليه الصلاة والسلام: اللهم سلط عليه كلباً من كلابك. فسافر هذا الرجل مع قافلة إلى الشام، فكانوا إذا أرادوا أن يناموا توسطهم، قالوا: ما لك تخاف؟! قال: دعا علي محمد، ودعوته لا تخطئ وأنا أخاف من السباع في الليل، ويوم اقتربوا من الشام نام وسط القافلة فأتى أسد في الليل -حيدرة وما أدراك ما حيدرة!- الأسد ليس بذئب ولا كلب ولا ثعلب، الأسد إذا زمجر يخلي الحارة من سكانها -يحكى أن ليثاً دخل من غابة إلى عاصمة أسبانيا مدريد فأعلنت حالة الطوارئ في العاصمة- يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ [المدثر:50-51] الأسد هذا أمره عجيب! ولذلك يقولون: أشجع العرب من يقتل الأسد بالعصا، وما حدث هذا في التاريخ إلا مرة من أحد أمراء الأردن، فقد سمع بأن أسداً دخل عمان -وهذا في عهد المتنبي في القرن الثالث- فأخذ عصا -لكن عصا ليست صغيرة تنكسر- بل لو ضرب الحمار بها لمات، وقد كان الأمير من أشجع الناس، فترك السيف في البيت لأن السيف كل إنسان إذا ضرب به أصاب، أما سلاح البنادق فالنساء والجبناء والأطفال كلهم شجعان بالسلاح الناري. فأخذ السوط بيده وأخرج عصا قوية مديدة والتقى هو والأسد والناس على سطوح المنازل ينظرون إليه، فتقدم الأسد فوثب على الأمير، فوثب الأمير على الأسد فضربه على هامته، ثم ضربه على هامته ثم ثنى ثم ثلث حتى ضربه سبعاً فقتله.
يقول المتنبي:
أمعفر الليث الهزبر بسوطه لمن ادخرت الصارم المسلولا |
يقول: هذا بالعصا فكيف إذا خرجت بالسيف؟ لمن ادخرته؟
فسلط الله على ابن أبي لهب أسد، أتى يتشمشم الناس وهم نائمون، فكان يفتح الإنسان عينيه فينظر إلى الأسد فيغمض، ماذا يفعل؟ يعض الأسد أو يقوم ليخانق الأسد؟ كان الإنسان إذا فتح عينيه ورأى نيوب الأسد كالأصابع غمض وسكت مكانه منتظراً للموت، ولكن الأسد يريد ابن أبي لهب لأنه مرسول من الله على رجل، فكان يشم هذا فيتركه، فيشم الثاني فيتركه، ولسان حاله يقول: أنت لم تنطبق عليك الوصفة أو العنوان خطأ، فيصل إلى ابن أبي لهب فاعتلف رأسه وأكله. وهذا ثابت في السيرة وهو من دعائه -عليه الصلاة والسلام- إلى غير ذلك من الأدعية التي ليس هذا مجال بسطها.
يقول الله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] حتى لو كان المضطر كافراً فإن الصحيح عند علماء السنة أن الكافر إذا اضطر في الدعاء وصدق، يجيب الله دعوته فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ [العنكبوت:65] هؤلاء هم المشركون دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت:65].
يقول ثمانية عشر أمريكي أصحاب - كتاب " الله يتجلى في عصر العلم ": أنهم نزلوا في سفينة في المحيط الأطلنطي فانقطع جهاز الإرسال (الأريال) وانقطعوا عن جهاز الاتصال بالأمريكان وبالسفن المحيطة، فغاصت بهم السفينة وعادت الفطرة إلى الله فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30] وأخذوا يقولون بلغتهم: يا ألله (قود قود) فأخرجهم الحي القيوم ونجاهم فأسلموا.
دعاء المضطر علامة للتوحيد وانقياداً للإيمان، ووسيلة لمعرفة الواحد الديان، وعلامة ظاهرة على صدق البرهان: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19].
إنه صحابي جليل، كان من أفرس الصحابة، وكان أسداً يفترس الرجال مثلما يفترس الأسد الماعز!! دخل عليه أخوه أنس وإذا البراء في بيت من بيوت الأنصار وإذا به يرفع صوته بنشيدة إسلامية، وضع رجلاً على رجل وهو ينشد مرتاحاً بعد صلاة الظهر قال له أخوه أنس: أنت صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنشد؟!
قال: اسكت يا أنس! والله لقد قتلت مائة فارس مبارزة ولا أموت إلا شهيداً.
لماذا يحلف؟ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: {رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره منهم
حضروا في معركة تستر والمسلمون مع أبي موسى الأشعري فلما حضرت المعركة وبدأت ساعة الصفر، قالوا: يا براء! نسألك بالله أن تقسم على الله أن ينصرنا. قال: انتظروني قليلاً. فاغتسل ولبس أكفانه وأتى بالسيف، وقال: اللهم إني أقسم عليك أن تجعلني أول قتيل وأن تنصرنا. فكان أول قتيل وانتصر المسلمون.
إن هذه الأمة ربانية؛ لأنها اتصلت بالله، ولقد تكرر مجدها مع كل وقت وحين، ولذلك أنتم ترون المجاهدون وتسمعون من أخبارهم وعجائبهم ما يرفع إيمانكم إن شاء الله، يقفون ويكبرون ثم يطلقون الرصاص من السلاح العادي الكلاشنكوف فتسقط الطائرات سبحان الله! يضعون عتادهم على الحمير، ويسحقون الدبابات الروسية كل ذلك بسبب دعاء الأولياء.
قال: أسألك بالله أن تتركني لأهلي وخذ ما عندي.
قال: والله لأذبحنك.
قال: إذاً، اتركني أصلي ركعتين.
قال: فتوضأ وقام يصلي، فضاعت الآيات وكثرة الدمعات، من الذي لا تضيع الآيات عنده والخنجر على رأسه؟! بل لعلك تنسى اسمك.
قال: فوقف بالخنجر على رأسه.
قال: فوالله لقد نسيت كل آية في القرآن الكريم إلا قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] فقلت: يا من يجيب المضطر إذا دعاه! يا من يجيب المضطر إذا دعاه! يا من يجيب المضطر إذا دعاه! فإذا بفارس على فرس وقد أرسل رمحه فقتل هذا اللص.
قلت: من أنت؟
قال: أنا رسول من يجيب المضطر إذا دعاه، لما دعوت الدعوة الأولى كنت في السماء السابعة، ولما دعوت الدعوة الثانية كنت في السماء الرابعة، ولما دعوت الثالثة كنت في السماء الدنيا لأقتل هذا المجرم وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [المدثر:31].
روى البخاري في الصحيح في باب الصلاة: أن عمر سأل الناس عن سعد بن أبي وقاص وكان سعد أميراً من قبل عمر، فسأل عمر الناس عن إمرة سعد وعدله، فأثنوا عليه خيراً إلا رجل كبير، قال: إذا سألتنا بالحق؛ فإن سعداً لا يمشي في السرية، ولا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية.
فقام سعد وقال: اللهم إن كان قام رياءً وسمعة فأطل عمره وأكثر ماله وولده وعرضه للفتن. فطال عمر هذا الشيخ حتى سقط حاجباه على عينيه وأخذ يغمز نساء الناس في السكك والشوارع ويقول: شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد.
وذكر الذهبي في السير أن رجلاً سب علياً رضي الله عنه وأرضاه، وقد مات علي فقال سعد: لا تسب أخي. قال: لأسبنه. قال: اللهم سلط عليه ما شئت. فإذا بجمل أقبل مسرعاً من الكوفة فلطم هذا الرجل الساب فقتله.
بعض الناس يقال له: ادع الله. يقول: هذا مكتوب علي سواء أدعو أو لا أدعو، إنْ كتب الله عليَّ أن أنجح نجحت، وإن كتب عليَّ أن أرسب رسبت، لا فائدة من الدعاء.
سمعت رجلاً مريضاً في قلبه، قيل له في سبب دنيوي: ادع الله، قال: الأمر سواء، إنه مكتوب علي ما حدث. ولقد أخطأ خطأً بيناً وخالف الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم.
لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه من جود كفيك ما علمتني الطلبا |
هذا البيت يورده ابن القيم، فأحب الناس إلى الله أكثرهم دعاء، فأرجو من نفسي وإياكم كثرة الدعاء والابتهال والإلحاح في السجود وأدبار الصلوات وبين الأذانين وفي السحر دعاءً خالصاً أن يعيننا الله.
فيا أيها الإخوة: أكثروا من الدعاء وارفعوا أياديكم إذا دعوتم، واطلبوا من الله عز وجل العون والسداد، وادعوه بالأسماء الحسنى، وصلوا في دعائكم على الرسول عليه الصلاة والسلام.
وأحسن الدعاء ما كان في الأوقات الفاضلة واستقبل به القبلة، وكان بعد ذكر وتسبيح وتحميد وثناء وتهليل، ودعي بأسماء الله الحسنى، وكان بعد تسيوك وطهارة، وكان في مكان فاضل في مسجد أو في مقعد ذكر أو في الكعبة وهي من أشرف الأماكن، أو في الحرم.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية، والرشد والسداد، وشكر الله لمن أحسن، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
الجواب: التصفيق ليس بوارد، وليس من فعله عليه الصلاة والسلام، ولا من فعل أصحابه، ولا من فعل السلف الصالح، وهو أمر أجنبي وارد على المسلمين، وقيل: أول من أتى به الفرنسيون، ولم يصح عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه كان يصفق ولا أحد من أصحابه.
وسمعت أن بعض الناس ترشح للفتيا وهو ليس بمفتي، ويقول: لا بأس به. هؤلاء الناس أدخلوا كل شيء وأباحوها من خلال فتاوى رخيصة. فنقول: من أين لك بجوازك بالتصفيق؟ ولماذا وضعت نفسك مفتياً، خف من الله عز وجل!
وكان الصحابة إذا أعجبهم شيء كبروا، يقولون: الله أكبر. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يكبر، أتى عمرو بن ود يتقاتل هو وعلي فلما حجبهم الغبار انكشف الغبار وقد قتل علي عمرو بن ود فقال المسلمون: الله أكبر.
الجواب: قول "صدق الله العظيم" بعد القراءة بدعة، وإن كان المعنى صحيح ولكن الفعل ليس بوارد، وإلا فالله يقول: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ [آل عمران:95] أما أن تقال بعد التلاوة فليست بواردة.
الجواب: الإسبال محرم، سواء لخيلاء أم لغير خيلاء، وسواء كان البشوت، أو البنطلون، أو السراويل... أو غيرها.
الجواب: الغناء محرم بالإجماع، نقل الإجماع الشوكاني وأبو بكر الآجري وغيرهم. وأنا أدلكم على شريط بعنوان: رسالة إلى المغنين والمغنيات تسمعون فيها أحكام أهل العلم والنقولات من السلف، وتسمعون بشرى سارة: سبعة من المغنيين في بلادنا تابوا -ولله الحمد- من أمثال أبو الكرم وعودة العودة وفهد السعيد ومشاري ومحمد البيتي ومسفر القثامي كلهم تركوا الغناء واستبدلوا مكان الوتر والموسيقى مصحفاً وسنةً وتلاوةً وذكراً.
الجواب: المسلم لا يلعب البلوت، المسلم حياته أعظم من لعب البلوت، لعب البلوت ليس إلا للفاشلين في الحياة، والذي يعرف أن أنفاسه تكتب عليه ليلاً ونهاراً أيلعب بلوت؟! أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116] أبناء سعد بن أبي وقاص وخالد بن الوليد وطارق بن زياد يلعبون البلوت؟! أحفاد أبي بكر وعمر يلعبون البلوت؟! المؤمنون المصلون يلعبون البلوت؟!
أنا لا أريد الآن أن أقول هو حرام أو حلال، لكن هل يعقل أن من يريد جنة عرضها السماوات والأرض أن يلعب البلوت أو الباصرة أو ما في حكمهما؟! أو يسهر في المقهى للساعة الثانية؟ أين الإيمان؟! أين الرسالة الخالدة؟!أين حفظ الوقت؟!
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني |
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني |
كان معاذ وسعد وخالد وطارق ليلهم سهر مع الله، صلاة وبكاء وعبادة، وليل كثير من شبابنا في المقاهي اليوم إلى الساعة الثانية يلعبون بلوت وباصرة ودخان وسيجارة وبعد عن الله، أولئك كما يقول الأول:
عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه |
وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون لقياه |
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه |
متى كان المسلم يلعب بلوت؟ متى كان المسلم همه جمع الطوابع؟ متى كان المسلم ضائعاً في أموره؟ متى كان المسلم يعيش بلا رسالة؟ يوم سلخ المسلم بثقافات غربية ديكارت وكانت وأعداء الله سلبوه الإيمان والبعد عن الكتاب والسنة، وأصبح لاهياً عابثاً لعاباً طبالاً.
كذلك أخرج الإسلام قومي شباباً مسلماً حراً أميناً |
وعلمه الريادة كيف تشرى فصاهر أن يقيد أو يهونا |
انظر إلى الصنفين من الشباب، شباب في المساجد في الصف الأول يتلون كتاب الله، وشباب يدخلون الرعب على الناس: تفحيط، وصد عن منهج الله، وجلسته سيئة، وعقوق للوالدين، وقطيعة للرحم، ومقاطعة لكتاب الله. فرحماك يا رب!
شباب في أفغانستان يحملون السلاح، وشباب عندنا يسهرون على المعصية لا يعرفون المسجد، كم الفرق بين الشبابين؟ وهؤلاء المجاهدون بعمائمهم ولحاهم أذلوا روسيا، لقد سحق المجاهدون هناك الشيوعيين الروس وعلى رأسهم جرباتشوف.
فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ |
يسعى فيعثر في سروال خيبته في أذنه من رصاص الحق خرصان |
ردوه كالقرد لو بيعت سلامته بشعبه لشراها وهو جذلان |
شكر الله لكم، وشكر الله لمدير المعهد، وشكر الله لأساتذة هذا المعهد الرائد معهد محايل وللطلاب ولكم أيها الحضور وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر