إسلام ويب

عقيدتناللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن مما يثبت المسلم على دينه أن يكون لديه عقيدة صحيحة يدفع بها الشبهات والشهوات التي تعترضه، وقد ضلت كثير من الفرق في هذه العقيدة المأخوذة من الكتاب والسنة، فليحذر المسلم منها، وقد اختصر الشيخ عقيدة أهل السنة والجماعة في سبع وعشرين مسألة مبسطة سهلة الفهم لطالب العلم بل والعامي.

    1.   

    حقيقة الإيمان

    الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وحجة الله على الهالكين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

    سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسعد الله ليلكم باليمن والمسرات.

    أما بعـد:

    فإن معنا في هذه الليلة درس بعنوان (عقيدتنا) وهذا اقتراح من بعض الإخوة، لما رأى من الحاجة في بعض النواحي، واقترح هذا الأخ الكريم أن تبسط العقيدة الإسلامية، عقيدة السلف الصالح، بسطاً يسيراً مسهلاً يفهمها الناس في القرى والبوادي، وكثير من الأماكن.

    وهذه العقيدة أسأل الله عز وجل أن تكون صائبة وموفقة، وأن يعيننا وإياكم على العمل بها، واعتقادها حتى نلقى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وقد حرصت كل الحرص أن تكون مدللة بالكتاب والسنة، وبما قاله سلف الأمة، فإن أصبت فمن الله وحده سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان والله ورسوله بريئان من الخطأ.

    عقيدتنا هي عقيدة أهل السنة والجماعة التي أتى بها محمد عليه الصلاة والسلام، والتي ذكرها الله في كتابه، وقد جعلت هذه العقيدة في سبع وعشرين مسألة:

    الأدلة على زيادة الإيمان

    المسألة الأولى: الإيمان قول وعمل.

    نقول: إن الإيمان قول وعمل واعتقاد، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والدليل على ذلك قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح:4] وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] فدل ذلك على أن الإيمان يزيد وينقص، فيزيد بالطاعة ويتعاظم، حتى يكون كأمثال الجبال الرواسي، ويقل حتى يكون في القلب كأمثال الهباء أو الذرة، يزيد بطاعة الله، بالإخلاص في القلب، وبالتواضع لله، وبالحب لله ولرسوله، ويزيد بالأعمال الظاهرة، وبكثرة النوافل، وبالجهاد، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالصدقة، ووالله الذي لا إله إلا هو لا نجعل إيمان أبي بكر كإيمان الواحد منا، كما قالت المرجئة، وقد أخطأت خطأً بيناً، حيث جعلوا الإيمان تصديقاً فحسب، قالوا: من صدق واعتقد بقلبه فكفى، ولا يزيد الإيمان ولا ينقص، وقد أخطئوا خطأً بيناً، بل يزيد وينقص، وإيمان الواحد منا ليس كإيمان جبريل عليه السلام.

    الإيمان قول باللسان

    أما قولنا الإيمان قول: فأول ما يدخل المؤمن في هذه الدين بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله} وليس بصحيح ما قالت المناطقة: أن يبدأ بالنظر والاستدلال قبل الشهادة، بل طالب عليه الصلاة والسلام الناس كافة عرباً وعجماً ورجالاً ونساء بقول: لا إله إلا الله، ولم يقل لهم قبل ذلك: انظروا واستدلوا، بل يأتي النظر والاستدلال قبل وبعد ومع لا إله إلا الله محمد رسول الله.

    ومما يقوي الإيمان النظر في آيات الله الكونية والشرعية بالتدبر، قال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:190-191] ويقول تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية:17-20].

    الإيمان عمل

    وقولنا عمل: أي: أن العمل يدخل في الإيمان، ولا يخرج كما قالت المرجئة، ومن قال: أحب الله بقلبي ولا أصلي في المسجد كذبناه، ومن قال أحب الله بقلبي ولا يصلي ولا يزكي ولا يحج كذبناه، وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105].

    وقولنا اعتقاد: أي: من اعتقد ولم يشهد ولم ينطق بالشهادة وهو مستطيع فهذا كاذب، ومن اعتقد ونطق ولم يعمل فهذا كاذب، ومن نطق وعمل ولم يعتقد فهذا منافق، والمؤمن يعتقد وينطق ويعمل فهذا هو الإيمان الصحيح الذي نسأل الله أن يتوفانا وإياكم عليه.

    1.   

    حكم مرتكب الكبيرة

    المسألة الثانية: أن صاحب الكبيرة تحت مشيئة الواحد الأحد.

    تحت مشيئة أرحم الراحمين، إن شاء عذبه وإن شاء رحمه، ولكن من يعمل كبيرة ولا يستحلها نخاف عليه العذاب، ومن استحل الكبائر فقد كفر، لكن من شرب الخمر، أو سرق، أو زنى وهو مسلم ولم يستحل ذلك، قلنا: هو تحت مشيئة الله.

    مرتكب الكبيرة عند الخوارج والمعتزلة

    لا نقول كما قالت المعتزلة: هو في منـزلة بين منـزلتين، يقولون: ليس بمسلم وليس بكافر، وقد أخطئوا، ويخلدونه في النار.

    وقالت الخوارج: من ارتكب كبيرة فهو كافر خالد مخلد في النار، وقد كذبوا.

    ونحن نقول: لا يزال مسلماً.

    وأما قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن} فالمعنى أنه مسلم، لكن يرتفع الإيمان عنه، كما قال عطاء وغيره، فهو في حالة مزاولته الزنا، يرتفع عنه الإيمان حتى يصبح كالظلة فوق رأسه، لكنه ما خرج من دائرة الإسلام، فالإسلام دائرة واسعة، وداخلها دائرة الإيمان، وداخل دائرة الإيمان دائرة الإحسان، فكل محسن مؤمن، وكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمن، وليس كل مؤمن محسن فليعلم ذلك.

    الرد على الخوارج والمعتزلة

    والدليل على أن صاحب الكبيرة لا يكفر، قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] وقوله سبحانه: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].

    والدليل أيضاً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يُصَلَّى في عهده على المرجوم الزاني، وشارب الخمر، والسارق، ولم يخرجهم من الملة، وكانوا يدفنون في مقابر المسلمين، فليعلم ذلك.

    وأيضاً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أوتي بشارب الخمر، فجلده أمام الناس، فقال رجل: أخزاه الله -أي: شارب الخمر- ما أكثر ما يؤتى به، وقيل: لعنه، فقال عليه الصلاة والسلام: {لا تلعنه! فوالذي نفسي بيده إني لأعلم أنه يحب الله ورسوله} فهو لا يزال مسلماً.

    1.   

    توحيد الربوبية

    المسألة الثالثة: توحيد الربوبية.

    وهذا القسم من أقسام التوحيد قد أقر به المشركون، ومن أقر بتوحيد الربوبية، ونفى توحيد الألوهية، فلن ينفعه ذلك عند الله، بل فرعون اللعين عليه لعنة الله أقر بتوحيد الربوبية.

    تعريف توحيد الربوبية

    وتوحيد الربوبية: هو اعتقاد أن الله خالق، ورازق، ومصرف الكون، ومدبره، فهذا أقر به المشركون وفرعون، قال موسى عليه السلام لفرعون: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً [الإسراء:102].

    يقول: يا لعين! يا خسيس! أنت تعلم أنه ما أنزل الآيات، وما أنزل هذا الكلام، وما بنى هذه السماء والأرض إلا رب السماوات والأرض، ولكنك جحدت، وهذا صحيح، وقد أنكر فرعون الصانع، وأنكر توحيد الربوبية في الظاهر لكنه في الباطن يدري، ولذلك يقول لقومه: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51].

    إقرار مشركي قريش بتوحيد الربوبية

    المشركون، ومنهم: أبو جهل وأبو لهب وأمية بن خلف وأمثالهم وأشكالهم وأضرابهم، أقروا بتوحيد الربوبية، ولكن أنكروا توحيد الألوهية، قال سبحانه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25] فهم يدرون أن الله خلق السماوات والأرض، ولكن أنكروا توحيد الألوهية.

    إذا علم هذا؛ فمن اعتقد أن الله خالق ورازق، ولم يعبد الله، ولم يوحده بالعبادة؛ فهو من أهل النار.

    وأحمد زكي هذا الرجل، محرر مجلة العربي وقد هلك منذ زمن، له كتاب من آيات الله في السماء، أثبت بها توحيد الربوبية، وقال: هو الذي دعت إليه الرسل، وقد كذب على الله، فالرسل دعت إلى توحيد الألوهية مع توحيد الربوبية.

    1.   

    توحيد الألوهية

    المسألة: الرابعة: توحيد الألوهية.

    وهو: إفراد الله بالعبادة، وأن يوحد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولا يصرف لغيره شيء من العبادة، فمن فعل ذلك فقد أشرك، وهو الذي دعت إليه الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، كل واحد منهم يقول لقومه: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [المؤمنون:32] فكلهم أتى بهذه الكلمة، وهو توحيد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقال سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ * بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ [الزمر:65-66] وقال سبحانه: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19] وقال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5] وقال سبحانه: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3] وقال عز من قائل: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [فصلت:6].

    إذا علم هذا، فتوحيد الألوهية؛ هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو: إفراد الله بالعبادة، ولا يشرك معه غيره تبارك وتعالى.

    1.   

    توحيد الأسماء والصفات

    المسألة الخامسة: الاقرار لله بالأسماء والصفات.

    معنى توحيد الأسماء والصفات

    نقر لله عز وجل بالأسماء والصفات، التي أتت في السنة الصحيحة، ونعتقد أن له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى صفات تليق بجلاله، لا نكيفها، ولا نمثلها، ولا نحرف، ولا نعطل وإنما نثبت له الصفة التي أثبتها هو لنفسه تبارك وتعالى، وأثبتها رسوله صلى الله عليه وسلم، كصفة اليد نقول: لله يد تليق بجلاله، بلا كيف، ولا تمثيل، ولا تحريف، ولا تعطيل، ولا تشبه أيدي المخلوقين، لكن نثبت له يداً تليق بجلاله، وكالعين، والاستواء، والكلام، والمشيئة، وكل الصفات التي وردت في الكتاب والسنة هذا هو المعتقد.

    موقف أهل البدع من توحيد الأسماء والصفات

    ولا نقول كما قالت الأشاعرة، الذين أثبتوا سبع صفات، ونفوا بقية الصفات، فقد أخطئوا وابتدعوا.

    ولا نقول كما قالت الجهمية، الذين نفوا الأسماء والصفات، فقد أخطئوا وابتدعوا.

    ولا نقول كما قالت المعتزلة، الذين أثبتوا الأسماء ونفوا الصفات، فقد أخطئوا وابتدعوا، بل نقول كما قال أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام في الأسماء والصفات: نثبتها كما أثبتها الله لنفسه، بلا تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف ذلك الدين الخالص كما قال الشافعي: آمنت وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    الرؤية

    المسألة السادسة: الرؤية.

    يثبت أهل السنة والجماعة إن الله عز وجل يرى في الآخرة تبارك وتعالى، يراه المؤمنون بعيونهم زيادة في النعيم، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن المعرضين: كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15] فلما حجب أهل المعصية والإعراض والفجور، دلل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بمفهوم المخالفة أن المؤمنين يرونه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

    وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامُّون في رؤيته -أو لا تضارون في رؤيته-).

    فنقول: يُرى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، يراه المؤمنون وهي الزيادة في القرآن، كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد فسرت في الحديث بالنظر إلى وجهه الكريم، فنسأل الله أن يرينا وجهه في جنة عرضها السماوات والأرض، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة.

    موقف أهل البدع في إثبات الرؤية

    وذهبت المعتزلة إلى أنه لا يرى سبحانه لا في الدنيا ولا في الآخرة، وذهب غلاة الصوفية إلى أنه يرى في الدنيا وفي الآخرة، فأخطأ الفريقان، وأصاب أهل السنة، فقالوا: لا يرى في الدنيا تبارك وتعالى، ويرى في الآخرة، والله يقول في سورة الأعراف لموسى: لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً [الأعراف:143].

    قال ابن مالك في الألفية:

    ومن رأى النفي بلن مؤبدا     فقوله اردد وسواه فاعضدا

    إذاً: فالله يُرَى في الآخرة، يراه المؤمنون، ويحجب عنه الكافرون.

    مقتل الجعد بن درهم

    أقول: وقد كلم الله موسى تكليماً، واتخذ إبراهيم خليلاً، وقد أنكر ذلك الجعد بن درهم المبتدع الضال المنحرف، أنكر أن الله كلم موسى تكليماً، وقال: لم يتخذ الله إبراهيم خليلاً، فأتى خالد بن عبد الله القسري أمير العراق، فأخذ سكيناً يوم عيد الأضحى، والجعد مربط بالحبال عند أساس المنبر، فخطب الناس خالد، وقال: يا أيها الناس! إن الجعد زعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، فضحوا تقبل الله منا ومنكم، فإني مضح بـالجعد بن درهم، فذبحه كما تذبح الشاة.

    قال ابن القيم ممجداً وشاكراً خالد القسري.

    ولأجل ذا ضحى خالد بـالجعد يوم ذبائح القربان

    إذ قال إبراهيم ليس خليله     كلا ولا موسى الكليم الداني

    شكر الضحية كل صاحب سنة     لله درك من أخي قربان

    يقول: شكر الله لك، ولله درك هذا الذبح وهذا القربان، الذي تقربت بدمه إلى الله، فمعتقد أهل السنة أن الله كلم موسى تكليماً، ولم يكلم أحداً من الناس، وإنما المكلم موسى عليه السلام، وقالت الأشاعرة في مقولة لهم: خلق الله الكلام في الشجرة، فسمعه، تعالى الله!! بل كلمه الله عز وجل كلاماً معروفاً يعرفه الناس.

    1.   

    القرآن كلام الله

    المسألة السابعة: القرآن.

    القرآن عند الجهمية

    ونقول وهو معتقد أهل السنة والجماعة: القرآن كلام الله عز وجل، وليس بمخلوق، والكلام صفة من صفات الله، قديم النوع، حادث الآحاد، فالله متكلم بما شاء وكيف شاء، ومتى شاء، ويتكلم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ومن كلامه: القرآن، وقد أنكر ذلك الجهمية وقالوا: القرآن مخلوق وليس بصفة، وكذبوا لعمر الله!! والله يقول: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6] فقام الإمام أحمد في وجوههم، وقد أنكر ذلك المأمون وزعم أن القرآن مخلوق!! وقامت فتنة القول بخلق القرآن؛ فتصدى لها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وبيض الله وجهه يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106].

    نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم

    أنزل الله القرآن على قلب محمد صلى الله عليه وسلم نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:194-195] نزل منجماً، وهو في اللوح المحفوظ، من الله بدأ وإليه يعود، متعبد بتلاوته، معجز في لفظه ومعناه، فتعالى الله من أنزله ومن تكلم به، قال تعالى: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42] وقال: كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [فصلت:3] وقال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] وقال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] وقال تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29].

    من معتقدنا وهذه أهم من فرعيات العبادة، وأهم من كل موضوع، وأجل من كل مسألة، فهذا هو علم أصل الأصول، الذي ينبغي للعبد أن يكرر هذه المسائل، وأن يستمعها كثيراً، وأن يعتقدها، وأن يسأل عنها؛ حتى يثبته الله بالقول الثابت.

    1.   

    الاستواء

    المسألة الثامنة: الاستواء.

    نقول: إن الله مستوٍ على عرشه -تبارك الله- استواءً يليق بجلاله فوق سماواته، بائن من خلقه، ليس في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، تعالى الله.

    معنى الاستواء عند الخرافيين

    وقد قال أهل الحلول عليهم من الله ما يستحقونه: إن الله قد يحل في أحد الناس. وأتى غلاة الصوفية المعرضون عن الله عز وجل، فيقول أحد شيوخهم: ما في الجُبة إلا الله!! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

    ويقولون: إذا صفا أحدهم وتنـزه، وأصبح في منـزلة، حلَّ الله فيه، تعالى الله علواً كبيراً!

    وأتى أهل الاتحاد كـابن عربي وابن سبعين عليهم من الله ما يستحقونه، فقالوا: اتحد الله في مخلوقاته، فاتحد بالشجر، والحجر، والجبال، والإنسان، والحيوان، والطيور، والحشرات، وقالوا: ما في الدنيا إلا هو، وهو في الكائنات متحد -تعالى الله- كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً [الكهف:5] فالله على العرش استوى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] وهو معنا بعلمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وبمراقبته لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5] يسمع دبيب النمل، في حندس الليل، على الصفا السوداء، في الليلة الظلماء.

    يا من يرى مد البعوض جناحها     في ظلمة الليل البهيم الأليل

    ويرى نياط عروقها في نحرها     والمخ في تلك العظام النحل

    اغفر لعبد تاب من زلاته     ما كان منه في الزمان الأول

    معنى المعية عند أهل السنة

    فهو معنا بعلمه، ومعيته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لأوليائه المؤمنين بالتأييد والنصرة، قال سبحانه عن صاحب الغار صلى الله عليه وسلم، وعن صاحبه: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] وقال سبحانه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ [المجادلة:7] أي: بعلمه وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ [المجادلة:7] أي: بعلمه وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ [المجادلة:7] يعني: بعلمه أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7] فالقلوب تلهج إلى فاطرها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وباريها، والقلوب تتجه إلى العلو إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10].

    1.   

    النزول إلى السماء الدنيا

    المسألة التاسعة: النزول إلى السماء الدينا.

    فقد ثبت في الصحيحين (ينـزل ربنا إلى سماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:18] هذا معتقد أهل السنة والجماعة.

    فالله ينـزل إلى سماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، نزولاً يليق بجلاله، (فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟) فله نزول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يليق بجلاله، دل على ذلك الحديث في الصحيحين من رواية أبي هريرة.

    1.   

    الإيمان بالملائكة

    المسألة العاشرة: الإيمان بالملائكة.

    نقول: ونؤمن بأن لله ملائكة، سمى الله بعضهم في القرآن كجبريل وميكال، ولم يسمِ بعضهم، فنؤمن بمن سمى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وبمن لم يسم، قال تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285].

    أما من قال: عزرائيل ملك الموت، فما سمعت في الكتاب ولا في السنة الصحيحة أن اسمه عزرائيل، وإنما سماه الله ملك الموت، وإسرافيل ورد بهذا الاسم، فمن سمى الله من الملائكة نؤمن به تفصيلاً، ومن لم يسم نؤمن به إجمالاً، فالملائكة فيهم حفظة، وموكل بالقبر، وفيهم موكل بالتعقيب على الناس لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11] وصنف منهم موكل بقبض الأرواح، فنؤمن بالجميع على التفصيل والإجمال، ومن لم يؤمن بذلك بعد أن سمع البينة فقد كفر.

    1.   

    الإيمان بالكتب

    المسألة الحادية عشر: الإيمان بالكبت المنزلة.

    فنؤمن بكتبه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ [البقرة:285] وقد سمى الله منها: الزبور لداود، والتوراة لموسى، والإنجيل لعيسى، والقرآن لمحمد عليهم الصلاة والسلام فنؤمن بما سمى وبما لم يسم.

    ونقول: هناك كتب ما سماها الله، نؤمن بها ولكن ذكرها الله بالإجمال، وعند ابن ماجة عن الحسن البصري: إن الله أنزل مائة وأربعة كتب، فنؤمن بجميع كتب الله التي أنزلها الله على رسله، ومن كفر بشيء منها، فقد كفر بالله العظيم.

    1.   

    الإيمان بالرسل

    المسأله الثانية عشر: الإيمان بالرسل.

    فنؤمن برسل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنهم كثير؛ وقد سمى الله لنا بعضهم.

    قال بعض العلماء: سمي خمسة وعشرون نبياً ورسولاً، لكن من سمى الله نؤمن به، ومن لم يسم وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ [النساء:164] فمن قص الله نؤمن به، كنوح، وإبراهيم، وإدريس، وإسماعيل، وذا الكفل، ولوط، ويونس، وسليمان، وداود، وعيسى، وموسى، ومحمد وكثير ممن سمى الله، وبعض الناس يقول: هم مائة وأربعة وعشرون ألف، لحديث أبي ذر ولكن تكلم في الحديث، على كل حال، سواء عرفنا عددهم أو لم نعرف عددهم، فنقول: آمنا برسل الله من سمى ومن لم يسمِ إجمالاً وتفصيلاً.

    1.   

    الإيمان باليوم الآخر

    المسألة الثالثة عشر: الإيمان بالبعث والحساب.

    نؤمن بأن الله سوف يبعث من في القبور، وأنه سوف يحاسبهم ليوم لا ريب فيه، قال تعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ [الأنعام:94] وقال سبحانه: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً [مريم:94-95] وقال سبحانه: فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [يس:51-52] وقال سبحانه: أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ [العاديات:9-10] فمعتقدنا أن الله سوف يبعثنا من القبور ليحاسبنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

    فلا إله إلا الله من يوم ما أرهبه! ولا إله إلا الله من يوم ما أرعبه! ولا إله إلا الله من نهار ما أشده! نسأل الله أن يسهله علينا وعليكم.

    1.   

    الإيمان بالقدر

    المسألة الرابعة عشر: الإيمان بالقضاء والقدر.

    القضاء والقدر حق، فلا يقع شيء في العالم إلا بعلم، وإرادة، ومشيئة، وقدرة الله تعالى، قال سبحانه: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] ومن أنكر القضاء والقدر فقد كفر، وقال سبحانه: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22] وقال: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:156-157].

    وقال عليه الصلاة والسلام كما ثبت ذلك في صحيح مسلم: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل) وفي لفظ: (قدَر الله وما شاء فعل) وعند الترمذي بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) وفي لفظ صحيح: (واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك) وفي حديث جبريل الصحيح أن الإيمان: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخرة، وتؤمن بالبعث بعد الموت، وتؤمن بالقضاء والقدر حلوه ومره) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

    فهذا معتقد أهل السنة والجماعة يؤمنون بقضاء الله، وإذا حدثت لهم مصيبة قالوا: قدر الله وما شاء فعل، وقالوا: هذا بكتاب من الله، وهذا قضاء الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

    1.   

    الإيمان بفتنة القبر

    المسألة الخامسة عشر: الإيمان بنعيم القبر وعذابه.

    نعيم القبر وعذابه ومساءلته حق نعتقد بذلك، ونسأل الله أن يجعل قبورنا وقبوركم رياضاً من رياض الجنة.

    ومن كلام الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي في معتقده.

    والقبر روضة من الجنان     أو حفرة من حفر النيران

    إن يك خيراً فالذي من بعده     أفضل عند ربنا لعبده

    وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ      ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ

    وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (القبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار) وصح عنه صلى الله عليه وسلم كما في حديث البراء عند أبي داود في مسائلة الميت، وصح عنه صلى الله عليه وسلم عند البخاري من حديث أسماء أن المنافق أو المرتاب إذا سئل يقول: (هاه هاه لا أدري؛ فيضرب بمرزبة) وأما المؤمن، فيصدق بالله رباً، وبمحمد نبياً، وبالإسلام ديناً، وذلك مصداق قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27].

    وقال سبحانه في عذاب القبر: وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100] استدل بها عند بعض المفسرين على عذاب القبر، قال سبحانه: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] والمعنى: يعرضون عليها غدواً وعشياً قبل قيام الساعة وهو عذاب القبر، ومن لا يؤمن بعذاب القبر فلا يقبل الله منه إيماناً ولا يكلمه ولا ينظر إليه وله عذاب أليم، والإنسان من يوم يموت إما منعم أو معذب والله يتولى السرائر، وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن الرسول عليه الصلاة والسلام مَرَّ على قبرين فسمعهما يعذبان، فأخذ جريدة خضراء فشقها، وجعل على كل قبر شق، وقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير! أما أحدهما: فكان يمشي بالنميمة في الناس، وأما الآخر: فكان لا يستتر من البول) أي: لا يتنزه ولا يتنقى ولا يتطهر، وفي لفظ: (أرجو أن يخفف عنهما ما لم ييبسا أو تيبسا) أي: هذا الشق الأخضر من العصا.

    1.   

    الميزان

    المسألة السادسة عشر: الإيمان بالميزان.

    نعتقد اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الميزان ينصبه الله يوم القيامة للأعمال، وأنه الحاكم، وأن الأعمال الصالحة توضع في كفة، والسيئة توضع في كفة، كما صحت بها الأحاديث، وأتت بها الآيات، قال الله تبارك وتعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47] فلا إله إلا الله ما أدق الحساب! ولا إله إلا الله ما أصعبه على من نوقش! وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من نوقش الحساب عذب أو هلك) فنسأل الله أن ييسر ويخففه علينا، وأن يأخذنا برحمته ولطفه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقال سبحانه: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ [القارعة:6-9] فعلم أن هناك ميزان له كفتان توضع الحسنات في كفة، والسيئات في كفة، فمن مالت حسناته بسيئاته فهنيئاً له، وطوبى وكرامة له، ومن مالت سيئاته بحسناته فخسارة وندامة له، نسأل الله العافية والسلامة.

    1.   

    الإيمان بنشر الصحف

    المسألة السابعة عشر: الإيمان بالصحف التي توزع يوم القيامة.

    ومن معتقدنا أن هناك صحفاً توزع على الناس، فآخذ بيمينه، وآخذ بشماله، نسأل الله أن يسلمنا وإياكم صحفنا بأيماننا، قال سبحانه: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ [الحاقة:20-23] وقال سبحانه: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً [الانشقاق:7-8] وقال سبحانه: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:25-32].

    فهذا معتقد لا بد أن يعتقده المسلم حتى يلقى الله.

    1.   

    الصراط

    المسألة الثامنة عشر: الإيمان بالصراط.

    ونقول: هناك صراط مده الله على متن جهنم -نسأل الله أن يسهل مرورنا عليه- أحد من السيف، وأدق من الشعرة، يمر عليه الناس بحسب الأعمال، فمار كلمح البرق، وكلمح الطرف، ومار كالريح، وكالجواد المسرع، ويسير أو يسعى أو يمشي، ويحبو أو مكردس على وجهه في النار، فعلى حسب الأعمال لا بد منه، والأنبياء والرسل بجنباته، كلٌّ يقول: اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم.

    1.   

    الحوض

    المسألة التاسعة عشر: الإيمان بالحوض.

    من مسائل أهل السنة والجماعة: اعتقاد وتصديق أن هناك حوضاً جعله الله في عرصات القيامة، قيل: هو الكوثر للرسول عليه الصلاة والسلام، وقيل: غيره، والدليل على ذلك قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3] طول الحوض شهر، وعرضه شهر، وفي بعض الأحاديث: مثل ما بين صنعاء في اليمن إلى أيلة أي: بيت المقدس في فلسطين، ماؤه: أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وعدد أكوابه عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لا يضمأ بعدها أبداً، يرده المؤمنون، ويصرف عنه المعرضون، والرسول عليه الصلاة والسلام إذا رأى بعض أمته يصرفون، يقول: (يارب! يارب! أمتي أمتي: فيقال له: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك، فيقول: سحقاً سحقاً) أي: هلاكاً هلاكاً، ويشربه أتباعه عليه الصلاة والسلام في سنته، المقتدون به في سيرته، عليه صلاة الله وسلامه.

    1.   

    الموحد لا يخلد في النار

    المسألة العشرون: الموحد لا يخلد في النار.

    لا يخلد أحد من المؤمنين الموحدين في النار، قد يدخلها بعض أهل القبلة بذنوب وكبائر لكن لا يخلدون، وقد كذب الخوارج والمعتزلة في قولهم بتخليد الموحدين العصاة، بل الموحد لا يخلد في النار، لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال ذرة من إيمان) فدل على أنه يدخل النار، ولا يخلد فيها ويخرج منها؛ لأنه موحد، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة ولابد أن يعرف.

    1.   

    الشفاعة

    المسألة الواحدة والعشرون: الشفاعة.

    الشفاعة حق لمن أذن الله له بالشفاعة، ولمن رضي أن يشفع له، ولرسولنا صلى الله عليه وسلم شفاعات، قال سبحانه: وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ:23] وقال سبحانه: وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى [الأنبياء:28] وقال سبحانه: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] وقال تقدس اسمه: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26].

    شروط الشفاعة

    ويشفع الشافع بشرطين:

    أولها: أن يأذن الله لهذا الشافع، من نبي، أو ولي، أو رجل صالح، في أن يشفع عنده، على خلاف سلاطين الدنيا فإنه لا يشترط عندهم هذا الشرط، فقد يشفع الشافع بغير إذنهم.

    ثانيها: أن يرضى تبارك وتعالى عن المشفوع فيه، فيأذن ويرضى عنه فيشفع له.

    أنواع الشفاعة

    ولرسولنا عليه الصلاة والسلام شفاعات، والأنبياء يشفعون، أما الشفاعة الكبرى فهي خاصة لرسولنا عليه الصلاة والسلام، يوم يقول كل واحد من أولي العزم: نفسي نفسي، ويأتي الناس إلى رسولنا عليه الصلاة والسلام، فيقول: أنا لها -فهو المقام المحمود- فيسجد تحت العرش، وينهال بثناء عظيم على الله لا يتذكره في الدنيا، فيقول الله له: {ارفع رأسك وسل تعطى واشفع تشفع} قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي:

    واستشفع الناس بأهل العزم في     إراحة العباد من ذا الموقف

    وليس فيهم من رسول مالها     حتى يقول المصطفى أنا لها

    ثم يشفع الأنبياء، ثم يشفع الأولياء، ومنهم يشفع في اثنين، ومنهم من يشفع في أهل بيته إذا كانوا مسلمين.

    1.   

    الشهادة للمعين بالجنة أو النار

    المسألة الثانية والعشرون: الشهادة لأشخاص بالجنة.

    ونشهد بالجنة لمن شهد له رسول الله عليه الصلاة والسلام، كالعشرة المبشرين بالجنة، فنشهد أن أبا بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد وأبو عبيدة وثابت بن قيس بن شماس، كلهم في الجنة رضوان الله عليهم، ومن ذكره عليه الصلاة والسلام.

    وذكر ابن تيمية مسألة أخرى، هل من اشتهرت عدالته وجلالته وإمامته يشهد له بالجنة ولو لم يأت نص بذلك؟

    قال: لأهل العلم قولان: منهم من يقول: لا، حتى يأتي نص، ومنهم من قال: نشهد له بالجنة كالإمام أحمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة، واستدلوا بحديث الجنازة التي شهدوا لها بالخير، فقال عليه الصلاة والسلام: (وجبت وجبت وجبت) وقال للثانية التي شهدوا لها بالشر (وجبت وجبت وجبت) فقال: في الأولى (تلك شُهد لها بالخير، فقلت: وجبت لها الجنة، وهذه أثني عليها سوءً فقلت: ولها النار، أنتم شهداء الله في أرضه).

    1.   

    أفضل الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم

    المسألة الثالثة والعشرون: أفضل الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم.

    وأفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، فـأبو بكر أفضل الناس بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد صح في فضله أحاديث، كقوله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت متخذاً خليلاً من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر؛ ولكن صاحبكم خليل الرحمن) وكقوله عليه الصلاة والسلام، عند الترمذي من حديث حذيفة: (اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر) واستفاضة عدالته رضي الله عنه وأرضاه، وتقديم الصحابة له بالخلافة والإمامة والجلالة، وكذلك تخليفه بعد الرسول عليه الصلاة والسلام في الصلاة، وأمره صلى الله عليه وسلم أن يصلي بالناس في مرض موته عليه الصلاة والسلام ثم عمر بن الخطاب لجلالته، ولذكره عليه الصلاة والسلام له بالأحاديث المشهورة، فـعثمان لقول ابن عمر في الصحيحين [[كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر فـعمر فـعثمان]] ثم علي بن أبي طالب أبو الحسن رابعهم في الفضل وفي الخلافة، وننـزله منـزلته التي أنزله الله فيها، فلا نفعل ما فعلت الشيعة، ولا نفعل ما فعلت النواصب، فـالشيعة غالوا فيه حتى إن من فرقهم من جعلته إلهاً تعالى الله، ومن النواصب من غلوا في بغضه حتى لعنوه رضي الله عنه وأرضاه، بل نحبه ونتولاه وننـزله في المنـزلة التي أنزله الله ورسوله فيها رضي الله عنه، وعن سائر صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    حكم إتيان الكهان والعرافين

    المسألة الرابعة والعشرون: إتيان العراف أو الكاهن.

    إن من معتقد أهل السنة أنه (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) وهؤلاء هم الذي يدعون علم الغيب، أما ما سلف أو ما استقبل من الزمان، ويستخدمون الجن، فمن أتى إليهم مصدقاً لهم وطالباً النفع منهم، أو دفع الضر منهم، فقد كفر بالكتاب والسنة، وبما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصح عند مسلم في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافاً أو كاهناً لم تقبل منه صلاة أربعين يوماً) فليعلم ذلك.

    1.   

    التمائم

    المسألة الخامسة والعشرون: التمائم.

    التمائم: من خيوط أو حلق أو حديد، من علقها معتقداً فيها جلب النفع أو دفع الضر، فقد أشرك، واستثنى بعض العلماء ما علق من آيات قرآنية، والصحيح: المنع سداً لذريعة الشرك، وسداً لباب الشرك، وغلقاً لهذه الفتنة فـ(من تعلق بتميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق بشيء يمنعه من الواهنة ما زادته إلا وهناً) ومن تعلق عليه خيطاً خلط عليه أمره، ومن تعلق حديداً ليدفع عنه أو يقرب له النفع حبسه الله في حديد نار جنهم، فلا ينفع ولا يدفع ولا يرزق ولا يعافي ولا يشافي ولا يحيي ولا يميت إلا الله، وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً [الفرقان:3] وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لـحصين بن عبيد الخزاعي (كم تعبد؟ قال: سبعة، قال: أين هم؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء، قال: من لرغبك ولرهبك؟ قال: الذي في السماء، قال: فاترك الذي في الأرض واعبد الذي في السماء).

    1.   

    السحر

    المسألة السادسة والعشرون: السحر.

    الساحر ملعون، وحده القتل بالسيف، فمن سحر أو تعلم السحر فقد كفر عند كثير من الأئمة وارتكب مكفراً، وعند البعض ارتكب كبيرة من السبع الموبقات، نسأل الله العافية والسلامة.

    وقال كثير من العلماء: تعلم السحر حرام، ولو للنشرة عن المسحور، وإنما ينشر عن المسحور بما ورد في السنة، بأن يأخذ سبع ورق من السدر -ذكر ذلك ابن حجر في الفتح وغيره من العلماء في باب النشرة- فيسحقها مع الماء ويقرأ القواقل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ثلاثاً قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] ثلاثاً قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] ثلاثاً ثم يغتسل بهذا الماء ويستشفي ويقرأ القرآن، ولا يطلب حله من كاهن، أو عراف، أو ساحر، فإن فعل ذلك فقد أساء وظلم نفسه.

    1.   

    موقف أهل السنة والجماعة فيما شجر بين الصحابة

    المسألة السابعة والعشرون: عدم الخوض فيما دار بين الصحابة.

    فلا نخوض فيما شجر بينهم، بل نتولاهم جميعاً رضي الله عنهم، ونترضى عنهم، ونكف عما شجر بينهم، ولا نخوض بألسنتنا في المجالس، ولا نحمل لهم ضغينة، قال سبحانه: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10] فنترضى عنهم جميعاً، ونستغفر الله لنا ولهم، ونقول: ما شجر بينهم بقضاء وقدر، كما حدث بين علي في الجمل وبين الزبير وطلحة وعائشة ونقول: اجتهدوا وكلُّ واحد مأجور في ذلك، من أصاب منهم فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد.

    سئل عامر الشعبي لماذا التقى الصحابة بعضهم ببعض في صفين ولم يفر بعضهم من بعض؟

    فقال: أصحاب الجنة التقوا فاستحيا بعضهم أن يفر من بعض.

    وسئل عمر بن عبد العزيز عن ما وقع بين الصحابة من فتن وحوادث وحروب، قال: [[تلك أمور سلم الله منها سيوفنا من دمائهم، فلماذا لا نسلم ألسنتنا من الخوض فيها]] ومن فعل ذلك، واستوشى الأخبار في المجالس، وبثها، فهي علامة النفاق.

    ومن كره معاوية بن أبي سفيان فهذه علامة النفاق، فهو خال المؤمنين وعلي أفضل منه، والحق مع علي بن أبي طالب أبا الحسن ومعاوية مؤمن بالله، ومن كتبة الوحي، ومن أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن أبغض الأنصار فهو من علامة النفاق، قال عليه الصلاة والسلام: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار) وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يحب الأنصار إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق).

    1.   

    المسح على الخفين

    ونعتقد في جزئية فرعية من الفقه الإسلامي، أن المسح على الخفين سنة، لأنه خالفنا فيه بعض الطوائف، فأنكروه.

    قال الإمام أحمد: روي المسح على الخفين عن سبعين من أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام.

    هذا أيها المسلمون ملخص لمعتقد أهل السنة والجماعة، بعنوان عقيدتنا، اقترحه بعض الإخوة علي، فأسأل الله أن يرحم عبداً أعان على نشر هذا الشريط، أو وزعه؛ لأنه ملخص لمعتقد أهل السنة والجماعة حرصت أن يكون ميسراً ومقرباً، مأخوذاً بأساليب شيخ الإسلام ابن تيمية عله أن ينفع في كثير من الأماكن، وعند كثير من طلبة العلم، والبيوت، والقرى، والبوادي، لأن العقيدة أهم شيء في حياة الإنسان، ويوم يلقى العبد ربه بهذه العقيدة يلقاه بقلب سليم إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:89] ويلقاه مبيض الوجه يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:106-107].

    1.   

    عقيدتنا إجمالاً

    أيها المسلمون: هذه سبع وعشرون مسألة أعود بتلخيصها رءوس أقلام لتلخص لنا ما مر من درس:

    نقول: عقيدتنا: الإيمان: قول وعمل واعتقاد ينقص ويزيد، وصاحب الكبيرة تحت المشيئة ولا يكفر بارتكابها ما لم يستحلها.

    وتوحيد الربوبية أقر به المشركون ولكنهم نفوا توحيد الألوهية.

    وتوحيد الألوهية هو إفراد الله بالعبادة وهو الذي بعث به الرسل.

    أسماء الله وصفاته نقر بها ونعتقدها على ما أتت في الكتاب والسنة، بلا تكييف ولا تمثيل، ولا تعطيل ولا تحريف.

    والله عز وجل يُرَى في الآخرة، يراه المؤمنون ويحجب عنه الكافرون.

    والقرآن كلام الله ليس بمخلوق، منه بدأ وإليه يعود.

    والله مستوي على عرشه، بائن من خلقه، ليس في خلقه شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من خلقه، استواءً يليق بجلاله على عرشه تبارك وتعالى.

    والله ينـزل إلى سماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، نزولاً يليق بجلاله.

    ونؤمن بأن لله ملائكة سمى بعضهم ولم يسم البعض.

    ونؤمن بكتب الله سمى بعضها ولم يسم البعض.

    ونؤمن برسل الله الذي سمى والذي لم يسم تبارك وتعالى.

    ونؤمن بأن الله يبعث من في القبور ويحاسبهم.

    ونؤمن بالقضاء والقدر، وأنه لا يقع شيء في العالم إلا بعلم الله، وبإرادة الله، وبمشيئة الله، وإذن الله.

    ونؤمن بأن نعيم القبر حق، وأن عذاب القبر حق، ومساءلة القبر حق، وأن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.

    ونؤمن بأن الميزان ينصبه الله لوزن الأعمال يوم القيامة وقد مرت الأدلة.

    ونؤمن بأن الصحف يعطاها الناس بحسب أعمالهم، فآخذ كتابه بيمينه وآخذ بشماله، وقد دلت عليه النصوص.

    ونؤمن بأن الصراط على متن جهنم يمر عليه الناس بحسب أعمالهم.

    ونؤمن بأن الحوض المورود يشرب منه المؤمنون، ويحرمه المعرضون فلا يشربون منه.

    ونؤمن بأنه لا يخلد أحد من المؤمنين الموحدين في النار، بل يخرجون بحسب إيمانهم فلا يخلدون.

    ونؤمن بأن الشفاعة حق، وأن الله يقبل الشفاعة لمن أذن أن يشفع، ولمن رضي أن يشفع فيه.

    ونؤمن بأن الجنة حق ونشهد بها لمن شهد بها الرسول صلى الله عليه وسلم له.

    ونؤمن ونقول: إن أفضل الأمة بعد نبيها: أبو بكر فـعمر فـعثمان فـعلي ثم المؤمنون على منازلهم في الإيمان.

    ونؤمن بأن من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد، وأن من أتاه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً.

    والتمائم من خيوط أو حلق أو حديد وغيرها من علقها واعتقد نفعها أو أنها تضر فقد أشرك.

    وكذلك من ذبح لغير الله، ومن أقسم بغير الله، ومن أتى قبر صالح أو ولي أو غيره، فتبرك به، ليرفع حوائجه إلى الله فقد أشرك.

    وكذلك من جعل طاغوتاً من الناس حاكماً، فأحبه ووالاه، وأخذ كلامه شرعاً من دون شرع الله، فقد أشرك.

    ومن صرف الولاء والبراء لغير الله من طاغوت بشري، أو هيئة، أو جهة، أو مقصد، أو محب من غير الله فقد أشرك.

    ونقول: إن صور الطاغوت كثيرة، قد يكون في إنسان، أو هيئة، أو جهة، أو حجر، أو حب يحب به غير الله تبارك وتعالى.

    ونقول الساحر ملعون، حده القتل بالسيف، وتعلم السحر وطلبه حرام.

    ونقول في الأخير: لا نخوض فيما شجر بين الصحابة، بل نترضى عنهم ونسأل الله أن يجمعنا بهم في دار الكرامة.

    رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ [آل عمران:193] وقد انتهى هذا الدرس بعنوان (عقيدتنا) وهو ملخص لما كتبه علماء أهل السنة، إن كان من صواب فمن الله، وإن كان من خطأ فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    1.   

    الأسئلة

    بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    حكم الجمعية الشهرية

    السؤال: حكم الجمعية التي يفعلها كثير من الناس، يجتمع مجموعة من الأساتذة والموظفين فيجتمع راتبهم كل شهر، ثم يدور على البقية، فهل هذا جائز؟

    الجواب: قال سماحة الشيخ هذا محرم؛ لأنه قرض وشرط ولم يستدل بالحديث؛ لأنه يقول إنه ضعيف، لكن معناه مجمع عليه حديث {كل قرض جر نفعاً فهو ربا} ضعيف، لكن معناه مجمع عليه، بل قال: قرض وشرط، فقال: بالتحريم.

    حكم التمثيل

    السؤال: سألنا سماحته: عن التمثيل الذي يزاوله كثير من الشباب في المراكز الصيفية والمخيمات؟

    الجواب: قال: محرم، لأنه مبني على الكذب.

    العروضات الشعبية

    السؤال: وسألناه وفقه الله: عن العروضات الشعبية التي يزاولها القبائل؟

    الجواب: قال: لا يجوز أن تكون بدف، أو طبل، أو نحوها، لحديث عند أحمد في المسند، وإنما يجوز أن تكون بالحراب، وبالسلاح، عرضات حربية بلا دف ولا طبل كما فعل الحبشة عنده صلى الله عليه وسلم.

    هذه بعض المسائل التي عرضت عليه، وفي أوقات أخرى نعرض بعض المسائل التي عرضت عليه، ثبتنا الله وإياه بالقول الثابت.

    بعض الأبيات المنسوبة للشافعي

    السؤال: أرجو أن تبدي رأيك في قول الشافعي رحمه الله في هذين البيتين، وهل في ذلك تعارض مع قول الله تعالى: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12] أو ما شابهها، قال الشافعي:

    لا يكن ظنك إلا سيئاً     إن سوء الظن من أقوى الفطن

    ما رمى الإنسان في مهلكة     غير حسن الظن والقول الحسن

    فما رأيكم؟

    الجواب: أولاً: صحة هذه الأبيات للشافعي ليست بصحيحة، وربما رآها الأخ في بعض ما نسب للشافعي، أقول لك: كثير من القصائد نسبت للشافعي ليست بصحيحة.

    ثانياً: ولو كانت صحيحة للشافعي فليس الشافعي معصوماً، بل يؤخذ من كلامه ويرد كما قال مالك: ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب ذاك القبر، يعني: رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإذا أتى كلام لبشر وأتى كلام رب البشر، وبينهما تعارض جعلنا كلام رب البشر على العين وعلى الرأس، ورمينا بكلام البشر، بل ضربنا به عرض الحائط، كما قال الشافعي عن نفسه وأبو حنيفة ومالك وأحمد فإنهم طالبوا ألا يقلدوا في أقوالهم، وإذا عارضت أقوالهم قول الله، أو قول رسوله عليه الصلاة والسلام، فلا نلتفت إلى أقوالهم أبداً، سواءً في الأصول، أو الفروع، أو الآداب، أو السلوك.

    وبالمناسبة وأنا أذكر في العقيدة قد مر بعض الأبيات التي أساءت على العقيدة، لما أدخل بنا الأخ في بحر الشعر، ندخل معه في باب المعتقد عن قصائد لا يجوز الاستشهاد بها، ومن اعتقدها فقد كفر، كقول ابن هانيء الأندلسي وقد دخل على سلطان من السلاطين:

    ما شئت لا ما شاءت الأقدار     فاحكم فأنت الواحد القهار

    فابتلاه الله بمرض، حتى كان ينبح كما ينبح الكلب على فراشه، ويقول هذا الشاعر:

    أبعين مفتقر إليك نظرتني     فأهنتني وقذفتني من حالق

    لست الملوم أنا الملوم لأنني     علقت آمالي بغير الخالق

    وكما قال الشاعر القروي عليه من الله ما يستحقه، وإن كان مات عليها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، دخل دمشق وسط عاصفة من التصفيق مع القوميين فأخذ يقول:

    هبوا لي دينا يجعل العرب أمة     وسيروا بجثماني على دين برهم

    ثم يقول:

    فيا مرحباً كفراً يؤلف بيننا     وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم

    ومنهم البرعي البدعي الغالي القبوري، وصل قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، فوقف عند القبر، وقال: يا رسول الله -يناديه وهو في قبره صلى الله عليه وسلم- يقول:

    يا رسول الله يامن ذكره     في نهار الحشر رمزاً ومقاماً

    فأقلني عثرتي يا سيدي     في اكتساب الذنب في خمسين عاماً

    فقد أخطأ وأشرك.

    ومنها قول البوصيري في آخر البردة:

    يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به     سواك عند حدوث الحادث العمم

    إن لم تكن في قيامي آخذاً بيدي     فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم

    القصيدة في أولها جميلة، ولكنه أساء في الأخير بكل إساءة.

    وقال أبو فراس ولا نستطيع أن نشركه ونجعله مشركاً بهذه الأبيات، ولكن ذكرت بذلك قول ابن القيم في بدائع الفوائد قال: أحسن هذا الشاعر في نظمه، وأساء في أن صرفها لمخلوق، يقول أبو فراس لـسيف الدولة ابن حمدان:

    فليتك تحلو والحياة مريرة     وليتك ترضى والأنام غضاب

    وليت الذي بيني وبينك عامر     وبيني وبين العالمين خراب

    إذا صح منك الود فالكل هين     وكل الذي فوق التراب تراب

    فنقول: أسأت كل الإساءة لما جعلتها لمخلوق، ولو أنك قلت للخالق هذه الأبيات لأحسنت كل الإحسان.

    وأورد ابن عساكر في تاريخه بيتين لم أرهما في ديوان المتنبي ذكرهما ابن كثير وغيره أن المتنبي يقول لـسيف الدولة:

    يا من ألوذ به فيما أؤمله     وأستعيذ به مما أحاذره

    لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره     ولا يهيضون عظماً أنت جابره

    قال ابن كثير: وسمعت شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إني أدعو في سجودي بمضمون هذين البيتين.

    أي: يحول مضمون البيتين لله الواحد الأحد، فلا يعاذ إلا بالله، ولا يلاذ إلا بالله، ولا يجبر الكسير ولا يكسر الجابر إلا الله، ولا يعافي ولا يشافي ولا ينفع ولا يضر إلا الواحد الأحد.

    مدح الكفار أو العجب بهم

    السؤال: دار نقاش بين مجموعة من المدرسين عن المخترعات الحديثة، فقال أحد مدرسي اللغة الإنجليزية وبملء فيه: لو حملنا الأمريكيين على ظهورنا لم نكافئهم بما قدموا لنا من اختراعات، وأخذ يسرد لنا منجزات، فما كان من المدرسين إلا أن دخلوا في عاصفة من الضحك، ولم يتمعر وجه أحد منهم، وعندما عوتب على إعجابه بالكفار، قال: أقصد العلماء منهم الذين يمضون الساعات في الخنادق للبحث والتحليل، فما حكم ذلك، وأرجو توجيه وصية لهذا الأستاذ؟

    الجواب: جعلك تحملهم على ظهرك حتى تلقى الله.

    أولاً: أقول لهذا الأستاذ: ما ينبغي لك أن تعجب بالكافر، قال سبحانه: وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ [التوبة:85] وقال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً [النساء:51-52] وقال سبحانه: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [المنافقون:4] لا تعجب بالكافر؛ لأن ثقافته وحضارته وإبداعه ظاهر في عالم المادة، وقد شاهر الله بالحرب، قال سبحانه: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7] وقال سبحانه: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ [النمل:66].

    وهذا الأستاذ على أحد نوعين من الناس:

    الأول: إما معاند معجب بالكفار ممسوخ مغسول الدماغ؛ لأن من الناس من درس هناك فمسخ وغسل دماغه، فأتى لا يتحدث إلا بثقافتهم، يصبح ويقول: أصبحنا وأصبحت أمريكا لله، وأمسينا وأمست أمريكا لله، إن حدثته عن تقدمنا وعن بلادنا، حدثك عن بلادهم، وإن حدثته عن شمسنا حدثك عن شمسهم.

    من بلادي يُطلب العلم ولا     يطلب العلم من الغرب الغبي

    وبها مهبط وحي الله بل     أرسل الله بها خير نبي

    قل هو الرحمن آمنا به     واتبعنا هادياً من يثرب

    فنستتيب هذا، ونقول: عد إلى رشدك، فإنك قد غسلت تماماً، وينبغي لك أن تتشرف بأن تسير في موكب محمد عليه الصلاة والسلام، وأن تنتسب في سلسلة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.

    أولئك آبائي فجئني بمثلهم     إذا جمعتنا يا جرير المجامع

    وأن تبتعد عن ريجن ونيكسون وجونسون وبوش وعن أضرابهم وأمثالهم، فقد أعلنوا العداء لله، ولا يعجبك ما قدموا من حضارة، فهذه قد يقدمها الإنسان المسلم والكافر.

    ونحن نقول: بما قدموا من حضارة التقصير منا وعلينا أن نفعل كما فعلوا، وأن نبني كما بنو، ولا نكتفي بما عندنا من دين، بل علينا أن نستعمر الأرض التي استعمرنا الله فيها وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60].

    الثاني: إما أن يكون هذا الأستاذ جاهل، ولا يدري بمدلول هذه الكلمة، فكيف يحمل الكافر على ظهره، مسلم يصلي لله خمس مرات في اليوم والليلة، متوضئ عرف الله وعرف عبودية الله، ويحمل الخواجة الكلب على ظهره، هذا جاهل، فإن كان جاهلاً فليبصر، أما إخوانه الذين ضحكوا وما أنكروا فقد يكونون من زمرته، وقرص في طرف عجينة، فربما اشتركوا في الهوى، وكانوا إخوة في الهوى.

    ولذلك يقول العربي الأول:

    فإما أن تكون أخي بصدق     فأعرف منك غثي من سميني

    وإلا فاطرحني واتخذني     عدواً أتقيك وتتقين

    فإني لو تخالفني شمالي     ببغض ما وصلت بها يميني

    إذاً لقطعتها ولقلت بِيْنِ     كذلك أجتوي من يجتويني

    قال تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ [المجادلة:22] من أحب الكافر فقد حاد الله بموادته لهذا الكافر؛ نسأل الله العافية والسلامة وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:113].

    حدثنا أحد الأساتذة بسند جيد، قال: حدثني شيخ لي أن الإنجليز لما دخلوا السودان البلد المسلم ونزلوا الخرطوم أتى إنجليزي بريطاني عليه من الله ما يستحقه، ومسك إشارة في المرور -كان رجل مرور- وكان هناك مسلم سوداني في قرية من القرى، ما رأى الكفار على وجهه، هذا المسلم السوداني كان من مصحفه إلى المسجد ومن المسجد إلى البيت، ومن البيت إلى المصحف لم يرى خواجة ولا سمع، يظن أن الكرة الأرضية كلها تسجد لله رب العالمين، لا يعرف أن في الدنيا كفرة ولا يدري أنه وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13] وما يعلم وأنه وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116] فأتت له حاجة أصيب بمرض، فنقل إلى مستشفى في الخرطوم فأدخل، فلما تشافى نزل، فرأى هذا الأحمر الأشقر المبرقع الإنجليزي وهو عند الإشارة.

    قال السوداني: ما هذا؟ قالوا: هذا إنجليزي، قال: ما معنى إنجليزي؟ قالوا: كافر قال: كافر بماذا؟ قالوا: يكفر بالله، قال: وهل في الدنيا أحد يكفر بالله! ثم أمسك بطنه وطرش وذهل، فهذا مربى على العقيدة.

    وأحدثكم عن طالب علم كان في قرية من قرى الجنوب، عاشوا على التوحيد والإيمان، فأتى بقصاصة ورق من كتاب الله جل جلاله لـسعيد حوى، مكتوب في فصل من الفصول الدليل على وجود الله، وهذه مباحث بحثها أهل السنة، لكن هذا الرجل الذي في القرية الشيخ الكبير الذي عاش على العقيدة مثل الجبال يرى أنه ليس هناك داعي أن نكتب الدليل على وجود الله، فأتى ابنه بالورقة، قال أبوه: اقرأ علي يا بني ما عندك، قال: بسم الله الرحمن الرحيم.

    يقول: المؤلف رحمه الله: باب الدليل على وجود الله، فضرب الأب ابنه على وجهه وأخذ الورقة وقطعها، وقال: من هذا عدو الله الذي يكتب الدليل على وجود الله، وهل يحتاج الله إلى أن ندلل عليه بدليل.

    هذا من عمق الإيمان، لكن بعض الناس يصل إلى درجة أن يقول: إن بيننا وبين الحضارة الغربية قدر نسبي من الإخاء، كما فعل بعض المفكرين، يوم قال في كتابه ظلام من الغرب: لا بأس أن نجتمع مع النصارى في وجه الصهيونية العالمية، ولا بأس بالأخوة الإنسانية، وأمثال ذلك، بل بعد ذلك قال الأخ العزيز شنودة، ثم هاجم بعض المستقيمين، نسأل الله أن يغفر لنا وله، ويتجاوز عنا وعنه.

    وهذا من تمييع القضايا، أو تمييع الولاء والبراء، ليس عند المسلم تمييع القضايا.

    وقولهم: لا بد أن نظهر بحسن خلق، ولا بد أن لا نفاصل الناس، ولا نظهر للأمريكان أننا سيئو الأخلاق؟

    نقول: التعامل شيء، والولاء والبراء شيء آخر.

    نحن لا نقول: إذا أصبحت الصباح تضرب الخواجة على وجهه، وتقول: أتقرب بهذا إلى الله، لا. هذا ليس من الإسلام وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة:83] لكن أن تواليه أو تحبه أن تجعله كأخيك، وتقول: والله إني أحبك في الله، وأرى آثار الإيمان، وإشراق الطاعة من وجهك، لا. لك أن تحسن له، أن تحسن في معاملته في أسلوبك، لكن الولاء والبراء والحب والبغض لا يصرف إلا في مرضات الله، ولوجه الله تبارك وتعالى.

    أيها المسلمون: ما بقي من أسئلة فنرجئها إلى درس قادم إن شاء الله، والدرس القادم سوف يكون بإذن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الجامع الكبير في الخميس، مساء السبت، وأسأل الله أن يتولانا وإياكم، وأن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت، وأن يحسن إلينا وإليكم، وأن يغفر لنا ولكم الذنوب والخطايا سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182] وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767943196