فلا بد أن تواجه هذه البدع بنشر العلم، والاعتصام بحبل الله، ورص صفوف أهل السنة بعيداً عن الاختلافات التي تفرق الأمة.
أمَّا بَعْـد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
عنوان هذا الدرس: (أخطاء يقع فيها الناس) ونماذجها وعناصرها كما يلي:
- الزيارة وخطأ الناس في الزيارة.
- السؤال بوجه الله تعالى.
- الحلف بغير الله.
- الحلف بالطلاق.
- قولهم: انتقل إلى مثواه الأخير، وكلام أهل العلم في ذلك.
- وقولهم: فلان غني عن التعريف.
- وقولهم في ذلك الدعاء العامي: الله لا ينسانا ولا يقصانا.
- وموقف أهل العلم من الصفات، وتفصيل ابن تيمية لصفات الله تبارك وتعالى.
- وقولهم: المرحوم فلان، والمغفور له.
- قولهم: لقيته صدفة، وما تعليقنا على الصدفة.
- (حتمية التاريخ) وقول الصحفيين: حتمية التاريخ، وهذه من حتميات التاريخ.
- قولهم: شاءت الأقدار.
- الاستقلالية في الصفات.
- ما رأي الدين، إذا قالوا وسألوا: ما رأي الدين في ذلك.
- قولهم: اللهم اغفر لي إن شئت، وبارك الله فيك إن شاء الله.
- تقديم بعض الألفاظ على السلام، كما يقول بعض العوام: سلمتم والسلام عليكم.
- قولهم: العصمة لله تبارك وتعالى.
قول: صدق الله العظيم في باب التلاوة.
- قول الداخل للإمام لانتظاره: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153].
- رد التحية مثل قول: "أهلاً ومرحباً"، والاكتفاء بلفظ: "صباح الخير، ومساء الخير" بدل تحية الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.
- قولهم بعد لفظ استووا: "استوينا لله" أو "اللهم أحسن وقوفنا بين يديك".
- قول المبتدع: "نويت أن أصلي الظهر أربع ركعات أو غيرها من الصلوات..".
- قولهم: "اللهم صلِّ على محمد، وزيادة سيدنا ".
- التأمين برفع الأيادي بعد الخطيب يوم الجمعة.
- قوله: "لا والله، وفلان" و"لولا الله ومحمد".
- سب الدهر والأيام.
- قولهم: رجال الدين.
- الدعاء بعد الفريضة برفع الأيدي، والمصافحة بعد الفريضة وجعل ذلك سنة.
- وفي الأخير: الألفاظ الشركية كقولهم: "وسوف يبين هذا بدعوة الجان ليتصرفوا بالكائنات والمخلوقات"
أولها: الحكمة في الدعوة.
ثانيها: تحصيل العلم الشرعي.
ثالثها: نبذ الخلاف والفرقة.
لكن الحكمة على حد قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125] وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في رسوله: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
فالحكمة هي: وضع الشيء في موضعه، قال سبحانه: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة:269] والحكمة عند أهل العلم إذا أطلقت انصرفت إلى مدلولين اثنين:
المدلول الأول: وضع الشيء في موضعه، كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة:269].
المدلول الثاني: السنة، قال سبحانه: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب:34] وقوله سبحانه: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2] أي: السنة.
وقضية الحكمة: أن تنطلق من منطلق. أي: أن تصلح أكثر أو تحصل مصلحة أكثر من المفسدة التي تشتمل عليها، قال ابن تيمية في قاعدة نقلها السعدي عنه، ليس الفطن من يعرف الخير من الشر فجل الناس يعرفون ذلك؛ لكن الفطن الذكي من يعرف خير الخيرين وشر الشرين.
ومن مسالك أهل السنة في الدعوة: أن للخاصة دعوة خاصة وللعامة دعوة عامة، ولا أعلم أن مسئولاً إذا عرضت عليه الدعوة عرضاً طيباً كعرض موسى عليه السلام وهارون لفرعون يوم قال الله لهما: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44].
ولا أعلم مسئولاً يوم تعرض عليه الدعوة يكابر إلا في النادر، وليس كل ما يعلم يقال، وليس ما يقال للخاصة يقال للعامة، وليس ما يريد العبد أن ينفذه ينفذه بغض النظر عن المصالح المترتبة على ذلك، وهذا يعني ألا يستعجل مستعجل، وألا يطيل طائل، وألاَّ يتجنى متجنٍ على الدعوة؛ فرب كلمة منعت ألف كلمة، ورب خطوة ردت ألف خطوة.
والعلم -أيها الإخوة- عبادة إذا صاحبته النية، والمقصود هو تحصيل العلم الشرعي وليس تحصيل الفكر، والإنشاء وزبد الكلام.
لقد ذكر الله الزيارة في سورة النور فقال: ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ [النور:58] فهذه الأوقات الزيارة محضورة فيها، وهذه الثلاثة الأوقات؛ أوقات استجمام وراحة، وهي أوقات خاصة للمؤمن مع أهله وفي بيته، وليس من الحكمة أن تزوره قبل الفجر، أسمعت غبياً أو أحمقاً يطرق عليك قبل الفجر، فتفتح له بابك، وتقول له: ماذا تريد؟ فيقول: عندي مسألة أو أريد أن أتحدث معك؟! يا له من حديث ما أسوده! ومن وقت ما أعكره! هذا وقت إما قيام ليل أو وقت نوم لمن سهر من مرض أو سفر، أو وقت خاص فلا يزار فيه.
(وبعد صلاة الظهر -حين تضعون ثيابكم من الظهيرة-) حين تأتون من الأعمال منهكين، عليكم من الكلال والمشقة ما الله به عليم، فهو وقت قيلولة؛ فيطرق الطارق في مسألة وكم يتعرض الإنسان لمثل هذا الأمر، فيجب أن نتقيد بما في الكتاب والسنة، وقضية أن نفقه في الصلاة ولا نفقه في الزيارة ليس بصحيح، فزيارتنا واتصالنا وجلوسنا تؤخذ كلها من مشكاة محمد عليه الصلاة والسلام.
فالزيارة بعد الظهر ليست زيارة إلا أن تكون معدة لوليمة أو دعوة أو جدول عمل مرتب.
(ومن بعد صلاة العشاء) وهذا لا يزار فيه؛ وهو وقت أذهبه كثير من الناس في السهر المضني، والضياع وعدم التحفيز، والسهر الذي فوت على كثير منهم صلاة الفجر.
وإنني أدعو إخواني إلى أن تكون زيارتهم هذه -من باب الاقتراح ووجهات النظر الموافقة للنصوص- من بعد صلاة المغرب إلى صلاة العشاء؛ فهو وقت مستهلك وبسيط على الزائر والمزور؛ وبعض الناس إذا زار أثقل في الزيارة.. يزورك بعد العصر ولا يخرج إلا آخر الليل.
رأى الشافعي رجلاً زاره وكان ثقيلاً -ذكر ذلك الذهبي وغيره- فقال الشافعي: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ [الدخان:12] وكان الأعمش يقول: إني لأسمع بالثقيل فتتمايل بي الأرض، أظن الأرض ستنخسف من جهتي.
وقال ابن الرومي في زائر زاره:
أنت يا هذا ثقيل وثقيل وثقيل أنت في المنظر إنسان وفي المخبر فيل |
ونحن نقول لإخواننا: أنتم مسلمون وأحباب وعلى المقل، وطئوا على شفاف العين، لكن هناك أوقات يرتاح فيها المرء ليأتي بصفاء ذهنه، لأن العبد، وخاصة من يتلقى أمور الناس، كالأئمة والخطباء والقضاة والمسئولين وأعيان الناس.. دائماً عليهم من المشاكل ما الله به عليم، فإذا صار وقت راحتهم مشغولاً مع الناس؛ فلن يجدوا وقتاً للراحة، ولتكدر صفوهم وأُحرجوا حرجاً بيناً. وأشير بحول الله -إن تذكرت- إلى مسألة سارع إليها العلماء وهي "نظام بعض العلماء في المسائل" ونظام الجيران في الحارات.
إن وجه الله أعظم من أن يذكر في هذه المسائل -في ركوب السيارة، والزيارة والطعام- فلنتق الله في ألفاظنا، ولنعلم أن هذا النص عظيم ولا يسوغ استخدامه لأي مسألة، ولا يسأل به إلا الجنة؛ فلك أن تقول: أسألك بوجهك الجنة، أما غيرها من الأمور التافهة فليس بوارد وليعلم هذا.
قال عليه الصلاة والسلام: {من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت} وقال صلى الله عليه وسلم -فيما صح عنه-: {إن الله نهاكم أن تحلفوا بآبائكم} فلا يحلف أحد إلا بالله الواحد الأحد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى العظيم؛ لئن الحلف تعظيم، قال ابن مسعود [[لئن أحلف بالله كاذباً أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقاً]] لأن تحلف بالله وأنت كاذب، أحسن وأقرب من أن تحلف بغيره وأنت صادق؛ لأن الحلف بالله كذباً معصية، والحلف بغيره صدقاً شرك، والشرك أعظم المعاصي وأكبر الكبائر فاستعيذوا بالله من الشرك ظاهراً وباطناً.
ومن المسائل: الحلف بالطلاق.
وهو منتشر؛ بل جعلوه -في الولائم والمناسبات، والحضر والمنع والطلب، وفي الأمور النسبية والعلاقات فيما بينهم- أعظم من الحلف بالله؛ بل إن أحدهم لا يأذن لأخيه إذا حلف عليه.
ويطلق عليه -هذا عند بعض العلماء-: أنه أقسم بغير الله وأشرك؛ وعند بعضهم: أنه حلف وانعقد به الطلاق، وعند بعضهم: أنه صار يميناً توجب به الكفارة.. ولسنا هنا في تفصيل الطلاق؛ ولكن في التحذير من الحلف بالطلاق، وعدم استخدامه على اللسان... ولا يفعل ذلك إلا من قلَّ فقهه في الدين، أو صغرت معلوماته في هذه المسألة الضخمة التي استخدمها كثير من الناس.
وابن سينا هذا ضال، وقد تعرض له بعض العلماء، وتعرض له ابن تيمية فقصم ظهره في أكثر من موطن من كتابه " درء تعارض العقل والنقل"، بل قال مسائل كفَّره بها الغزالي في " تهافت الفلاسفة"، وقال عنه ابن تيمية في بعض المسائل: إن صح عنه ما يقال؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وهذا من أمثال من قال: (انتقل إلى مثواه الأخير) فأخذها بعض الصحفيين، فقالوا: فلان انتقل إلى مثواه الأخير، والقبر ليس مثوىً أخيراً؛ بل المثوى الأخير الجنة أو النار كما بين سبحانه: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7] ومقصود الزنادقة أن يقولوا: إن القبر هو المستقر، ولا حياة بعد القبر، كما قال عمر الخيام:
فما أطال النوم عمراً وما قصر في الأعمار طول السهر |
ثم يواصل فيقول:
لبست ثوب العمر لم أستشر وتهت فيه بين شتى الفكر |
ثم يذكر في القصيدة أن القبر آخر مستقر.. وكذب عدو الله! فليس القبر آخر مستقر؛ بل بعد القبر حياة طويلة إما في الجنة وإما في النار، وبعد القبر حساب وصراط وميزان وتطاير صحف، وأنبياء وشفاعة وملائكة؛ وبعد القبر يوم يشيب من هوله الولدان.. فمن يعلم أن هذه الكلمة خاطئة؛ فليس مثواه الأخير القبر؛ فليعلم ذلك!
يقول إيليا أبو ماضي:
جئت لا أعلم من أين! ولكني أتيت!! |
ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!! |
وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت!! |
كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري!! |
ولماذا لست أدري؟!! لست أدري!! |
فنقول له: والله لتدرينَّ إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور، وكيف لا تدري!
قال الله تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان:1-2].. أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ [البلد:8-9].
إذاً: كلمة (مثواه الأخير) ليست صحيحة، وأعلم أن بعض الإخوة يقول: إن بعض الناس يستخدمها ليس لهذا المقصد؛ لكن إذا اشترك مسلم في كلمة ومقصده صحيح مع مجرم مقصده سيء؛ ولم يقرنا من الكتاب والسنة على هذه الكلمة؛ تحاشيناها. قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:104] فكان الصحابة يقولون: (أَرعنا سمعك) وهذه كلمة فصيحة، واليهود يقولون: (راعناً) وهي الرعونة من السذاجة والخبل والبلادة؛ فنهى الله عنها لاشتراك الكلمتين في بعض الشبه.
فالغني عن التعريف هو الله، وقد عرف نفسه فقال لموسى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] وقال: (ِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً [مريم:65].
وقد ذكرت في مناسبة أن سيبويه توفي فرؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: "غفر لي" قيل: بماذا؟ قال: لما أتيت في الكتاب؛ أتيت بلفظ الجلالة (الله) فقلت: الله غني عن التعريف أي: لا يحتاج إلى التعريف، فغفر الله له.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد |
فيا عجباً كيف يُعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد |
فأنت تعلم بأنه واحد، وما منا من أحد إلا ويحتاج إلى تعريف، ملكاً أو أميراً أو عالماً أو موظفاً أو مسئولاً أو وزيراً لا بد أن يُعرف، وعند الترمذي بسند ضعيف، يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا لقي أحدكم أخاه فليسأله عن اسمه وعن نسبه؛ فإنه واصل المودة} وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه {كان إذا لقي رجل قال: من أنت؟} وفي صحيح مسلم عن ابن عباس {أن وفد عبد قيس قدم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: من القوم أو من الوفد؟ قالوا: من مضر، قال: مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى} وكان عمر يقول: من؟ يسأل عن الرجل، وفي صحيح البخاري عن جابر يقول: {استأذنت على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: من؟ قلت: أنا! قال: أنا، كأنه كرهها} يقول: من أنت؟ فـ(أنا) مجهول، فكل الناس يقول (أنا) لكن من أنت.
واستدل النووي على ذلك -بتسمية الاسم- بأن الرسول صلى الله عليه وسلم مع جبريل طرقا باب السماء فقالوا: من؟ قال: جبريل، قالوا: {ومن معك، قال: محمد، قالوا: مرحباً بك وبمن معك}.
وطرق أبو ذر على الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: {من؟ قال:
فلا بأس بالكنية، وكلنا محتاج إلى تعريف، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13].
ومن الأدب في الإسلام -أيها الإخوة الأحباب!- أن إذا نزل بك ضيف أو وفد أن تسألهم عن أسمائهم. ولا تبق معهم وكأنهم صم بكم عمي فهم لا يرجعون، يتغدون ويتعشون، وينامون ولا تعرف أسماءهم.
فأقول: يا أخي! يا فلان! هذا لا يصح، هذا ليس من أسلوب التعامل وليس من أدب الإسلام، قال الأزدي:
أحادث ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب |
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب |
يقول: أنا من صفتي أنني أحادث الضيف وهو على الراحلة، فكيف إذا نزل!
ومن أدب الضيافة أن تحدثه وتؤنسه، قال بعض العلماء: هذا إشراق، قيل: لما كلم موسى ربه قال: يا موسى!: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى [طه:17].
وهي من المحادثة والأنس؛ وإلا فالله يعلم أنها عصا، وهو الذي خلقها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، ويعلم بفرعون والعصا.
النسيان هنا عند العرب: بمعنى الترك، أي: تركهم، ولا يعني أنه نسيهم ولا غفل عنهم، فقول القائل: "الله لا تنسني" أو "ربِّ لا تنساني " ليس بصحيح.
سبحان الله! خلقك وسيَّرك وأحياك وأماتك ثم ينساك؛ جلَّ الله عن النسيان!!
والنسيان صفة نقص لا تنسب له سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، لا تقييداً ولاإطلاقاً، وتنفى عنه؛ فهو لا ينسى تبارك وتعالى، ولا ينام ولا يصحو ولا تأخذه السِّنة ولا يحتاج إلى الطعام.. لا يطعم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهو يُطعم، فقول الشخص: (الله لا ينسانا) أو قوله: (اللهم لا تغفل عنا) من الألفاظ التي يُنْهَى عنها.
1- صفات نثبتها لله بإطلاق.
2- صفات ننفيها عن الله بإطلاق.
3- صفات نثبتها مقيدة.
4- صفات نستفصل فيها.
- فأما الصفات التي نثبتها لله مطلقاً: فهي الصفات التي أثبتها ربنا لنفسه أو أثبتها له رسوله عليه الصلاة والسلام: مثل: الحكيم، العليم، الواحد، الأحد.. وأمثالها، فهذه نثبتها لله مطلقة.
وأما الصفات التي ننفيها مطلقاً: فهي ما نفاه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن نفسه ورسوله عليه الصلاة والسلام مثل: (السهو، والنسيان، والغفلة، والنوم، والحاجة، والولد، والصاحبة) فهذه ننفيها مطلقة.
- وأما الصفات التي نثبتها مقيدة: فالتي ذكرها الله في القرآن مقيدة مثل قوله تعالى: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [التوبة:79] فنقول: الله يسخر ممن يسخر منه، ولا نقول: ساخر، وكقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة:15] فنقول: "الله يستهزئ بمن يستهزئ به" مقيدة، ولا نثبتها مطلقة، وكقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] فنقول: "الله يمكر بمن يمكر به" مقيدة؛ لا أنه يمكر دائماً، وكقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142].
"فالله يخدع من يخادعه وليس يخدع مطلقاً.
وانظر إلى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الأنفال:71].
ولم يقل: (فخانهم)؛ لأن الخيانة صفة نقص،سواء أطلقت أو قيدت؛ فلم يأتِ بها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.. فليعلم ذلك.
وهذه قاعدة تكتب بماء الذهب، وبيَّض الله وجه شيخ الإسلام يوم حررها.
- أما الصفات المستفصل فيها كصفة الجسم أو الجوهر أو التحيز فنقول: ماذا تريد بها؟ فلو قال مثلاً لنا قائل: "الله مهندس الكون" فلا نقول: لا، ولا نقول: نعم؛ وإنما نقول: ماذا تريد بكلمة (مهندس الكون)؟ فإن قصد بكلمة (مهندس الكون) أنه بنى الكون وشيده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فنقول: صدقت وأحسنت؛ لكن استخدم غير هذه العبارة، قل: الذي خلق السموات والأرض، قال عز وجل: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [البقرة:117].
وإن كان يريد بكلمة (مهندس الكون) مثلاً أنه شارك في خلق السموات والأرض -سبحانه جل عن الند والمثيل- أو قصد مشابهته بمهندس الدنيا؛ فنقول: لم تحسن في هذه العبارة لا مقصداً ولا لفظاً.
وما يدريك فلعل في قبره ناراً تلظي عليه؟!
فكيف تقول: مرحوم أو مغفور له؟!
وكيف نستبدل هذه العبارة؟
نقول للمسلم إذا مات: (فلان غفر الله له، وفلان رحمه الله)؛ لأن هذا من باب الإنشاء، وذاك من باب الخبر، وأجاز أهل العلم الإنشاء ولم يجيزوا الخبر، لأنك إذا قلت: (المغفور له) فإنك تخبر! والخبر عن الله من علم الغيب، ولا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله.
وأما من قال: (رحمه الله) فهو من باب الدعاء، وهو إنشاء؛ فيجوز إنشاءً ولا يجوز خبراً؛ فليعلم ذلك.
وهذا مثل قولهم: (فلان شهيد) فالله أعلم بحاله، لكننا نرجو لمن مات في سبيل الله؛ أنه مات شهيداً، لأنه لم ترد نصوص في ذلك للعلم بها.. وإلا فالرسول صلى الله عليه وسلم قيل له ذلك لما مات عثمان بن مظعون -كما في صحيح البخاري - فغضب عليه الصلاة والسلام وقال: {وأنا رسول الله! والذي نفسي بيده لا أدري ما الذي يفعل بي!} فالعلم عند الله، لكن نشهد للصالح الذي يعتاد المسجد خمس مرات في اليوم، والصادق الصائم المنيب، وبار الوالدين وواصل الرحم، فنثني عليه، ونحن شهداء الله في أرضه، ومثل هؤلاء نشهد لهم في أرضه. وقد ذكره ابن تيمية -على العموم- في الفتاوى في مجلد مجمل اعتقاد أهل السنة وغيرها، يقول: هذا من أقوال أهل السنة تجدونه في المجلد الثالث في باب الاستثناء في الإيمان.
وكل شيء بقضاء وقدر والليالي عبر أي عبر |
قال الحسن البصري لتلاميذه: [[والله لَوَضْعُ يدي هذه اليمني في اليسرى بقضاء وقدر من الله، ومن لم يؤمن بالقضاء والقدر فقد كفر]].
وقال عليه الصلاة والسلام في أركان الإيمان الستة: {وأن تؤمن بالقضاء والقدر حلوه ومره خيره وشره} وعند مسلم في الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام: {احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، ولا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا؛ ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل} ومن أنكر القضاء والقدر فقد كفر، لأنه يقصد به أنه ليس لله سابق علم، وكأن الله لم يقدر في قوله أن نلتقي، بل يقول: بينما أنا في المطار لقيني صدفة! لا. بل لقيك بقضاء وقدر؛ بل قل: قدَّر الله أن يلقاني.
وقول: (ودخلت الفصل؛ فرأيت الأستاذ صدفة) والصدفة مدخل للشيوعية؛ فإنهم دخلوا بثلاث مداخل: دخلوا بـ(لا إله والحياة مادة) وهي التي أسس عليها ماركس كتابه في الشيوعية.. ونحن نقول: (لا إله إلا الله محمد رسول الله). وقبل ثلاثة أشهر كانت هناك مقالة في مجلة الدعوة أنجرباتشوف وأمثاله يعلنون خسارة الشيوعية في العالم، وأن الإلحاد كذبة، وأنه ثقافة، وأنه ليس بصحيح؛ ولذلك عزل ستة وزراء من وزرائه، ولا يريد أن يدخل في التوحيد والإيمان؛ ولكنه يقول: هذا النظام الذي قام على الإلحاد ليس بصحيح، بل هناك قوه فاعلة في العالم يسمونها (الطبيعة) ويسميها ابن سينا (العقل الفعال) ونسميها نحن (الله الذي لا إله إلا هو الذي يملك الضر والنفع، الذي بيده كل شيء) وقتل الشباب في بكين من أسبابه هذه النظرية اللعينة الخاطئة.
ودخلوا كذلك بمدخل (الصدفة) وقالوا: الكون ليس له قضاء وقدر والكون كذا، فأنت تدخل الفصل بلا قضاء ولا قدر، وتأكل بلا قضاء ولا قدر؟
ودخلوا كذلك بمدخل (الطبيعة) وقالوا: "الطبيعة تسير الأحداث" البكتيريا تأتي بالدود، وتأتي بالطيور، وتأتى بالحشرات. فنقول: كذبتم! بديع السموات والأرض وحده لا شريك له. وهذه المسائل التي أحببت التنبيه عليها.
إنه الواحد القهار الذي بيده ملكوت كل شيء وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59].
إذاً: حتمية التاريخ خطأ.
هذه صفات المؤمنين وأما (الأخوة الإنسانية) فما سمعنا بها في آبائنا الأولين، ولا في الكتاب ولا في السنة.. ومعنى ذلك: أنك تدخل القطط والكلاب والحمير والخنازير، والكفرة والملحدين والمعرضين في الأخوة الإنسانية.
أما هذه (شاءت الأقدار) فلا. لأن الله قدر؛ ولأننا لو قلنا: (شاءت الأقدار) أو (أبت الأقدار).. (ما سمحت الظروف).. (لا بل ما سمحت الظروف) فهذا خطأ؛ بل الذي يسمح ويمنع ويقدم ويؤخر هو الله. فقوله: (ما سمحت له الظروف) هو الصدفة، مثل (ما شاءت الأقدار)؛ وهي خطأ فليعلم ذلك.
والدين ليس له رأي، قال تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:4-5].
فالدين قال الله وقال رسوله، والدين ليس رأياً: [[جاء رجل إلى
ولذلك سموا فقهاء الأحناف أو بعضهم لما أكثروا من الرأي (ارتيائيين) أي: ارتيائي على الرأي، والرأي دائماً لا يصيب؛ لأنه إلى من يعود؟ ألآرائنا أو لرأي فلان أو علان!
ولذلك أمرنا الله عند التنازع أن نعود إلى الكتاب والسنة؛ لا لرأي أحد من الناس، ولا لرأي أحد من العلماء.
وسؤال الأخ، إذا سأل وقال: ما رأي الدين ليس بصحيح. وهذه الكلمة يذكرها مثل مجلة المسلمون وعليها ملاحظات، وهي لم تتميز حتى الآن، ولا بد أن يسأل المحررون عليها: ماذا تريدون؟ وأين الصفاء؟ وأي قلم تكتبون به؟ وما هي مقاصدكم؟
فهم مرة يأتون بصورة من صور الإسلام فيظهرونها بصورة مشوهة، ومرة يعرضون قضية تشوه أفكار العامة، ومرة يأتون بفتاوى رخيصة لا تساوي الحبر الذي كتبت به، ويعارضون بها فتاوى أهل العلم، ومرة يأتون بقضايا تشوش على أذهان الناس، وأنصح طلبه العلم أن يحذروا كل الحذر من هذه المجلة، ومن تصيد الأخبار منها؛ يجد أن أسانيدها من الإسرائليات أحياناً.
أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل |
فيوردون في كثير من الأسئلة: ما رأي الدين؟ والدين ليس له رأي، إنما هو كتاب وسنة.
أرحبوا يا ضيفان! الله يحييكم، قال: سلمتم. والسلام عليكم- فهذه مخالفة للسنة، وهذه أقرب إلى عادات الجاهلية، والسنة أن يسكت المستقبلون في أماكنهم، ولا نصفهم بالبخل أبداً، فهم كرماء؛ لكن يتقيدون بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي الضيوف فإذا قالوا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يقولون: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ ثم يقولون: ما أرادوا من الكلام: مرحباً، ألف أهلاً وسهلاً، مرحباً تراحيب السيل، يا أهلاً يا سهلاً، يا مرحباً، وقد عقد البخاري في الأدب المفرد " باب قول المضيف مرحباً " يقول: هل يقول مرحباً؟ وأضاف "باب هل يقال أهلاً" فأورد حديث أم هانئ في الصحيحين وفي المسند والمسانيد: {أنها دخلت على الرسول عليه الصلاة والسلام فسلمت، فقال من هذه؟ فقالوا:
قال: إذا لم يشق على الناس.. والإمام أحمد يرى ألا ينتظره، قال: يصلي صلاته العادية، أي لو تنحنح عشرين مرة، ولو كرر: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153] ألف مرة. لأن وراءك ألفاً أو مائةً أو ثلاثمائة وهم أولى من واحد متأخر لو فرط.
بل يكون ردك إذا سلم عليك. وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، كما قال سبحانه: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86] وقال سبحانه: سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ [الذاريات:25] فالتحية ترد بمثلها أو بأحسن منها، وهي السلام.
ومنها: الاكتفاء عند بعض الناس: أي: قبل أن يسلم عليك، أحدهم يقول: صباح الخير، فتقول: صبحك الله؛ ثم ينصرف فهذا خطأ، ويلقاك في المساء فيقول: (مساء الخير) وإذا اتصلت بالهاتف، قال (ألو) وهي إنجليزية، ونحن لدينا (نعم) فمن أين (ألو) هذه؟ وما الذي أحوجنا إلى هذا الكلام؟! أنحن إنجليز أم عرب؟ فالكلام الذي نتكلم فيه بيننا؛ نتكلم به في التلفون، ونترك هذه المصطلحات المستوردة.
يقول أحد المفكرين: تعلمت من الإنجليز ثلاث كلمات، رأيتها في مذكرات علي الطنطاوي، منها: يقول: (بليز) وهي تعني: من فضلك، ومعناها عندنا بالعربي (إبليس) يقول: قال لأحد الخدم في المطعم: بليز، يطلبه ووتر أي: ماء، قال: يا إبليس! أعطني ماء.. ومنها من الألفاظ، (وِلْكَم) يعني: حياكم أو أهلاً، ومعناها بالعربية (ويْلَكُم) وكلمة نعود إليها، ولعلها تبحث لما فيها من الفوائد والله المستعان.
وعلى كل حال: ألفاظنا ينبغي أن تكون إسلامية. وقد ذكر ابن تيمية -ويعرف ذلك طلبة العلم- في اقتضاء الصراط المستقيم أن من قدم غير اللغة العربية عليها لغير حاجة لها ففيه شعبة من النفاق.. ومثاله: أن يذهب إنسان إلى أهله في بادية أو قرية فيقول: (هلو جدمورنينج سير) ولا يوجد داعي؛ فهم بدو أو عوام أو عجائز لا يعرفون حتى العربية، ولا يعرفون: ضرب زيد عمَراً؛ فيستخدم هذا؛ قال: فهو في شعبة من النفاق وهو الصحيح؛ لأنك لا تجد هذا الصنف إلا يحب الخواجة أكثر مما يحب المسلم، ومتعلق بـأمريكا، فهو في الخميس هنا لكن قلبه في واشنطن فلا يعجبه إلا ذلك الطراز، وصدق ابن تيمية.
لكن عند الحاجة فإنا نطلب أن يتعلم الإنسان اللغة الإنجليزية، فهي واجب على الكفاية، فالرسول صلى الله عليه وسلم: {أمر
فعلى كل حال لا يقال استوينا؛ بل تدعو الله، وتستغفر، وتسبح، وهو أمر مطلق لا تتقيد به دائماً.
وقولهم: (الله أحسن وقوفنا بين يديك) واتخاذه شعيرة أو سنة، فإنها تصبح بدعة؛ لأن تكييفها في حالةٍ وزمنٍ تُدخلها في البدعة.
فرفع المأمومين أيديهم بعد الخطيب يدعون، لا يصح إلا في مسألة واحدة: إذا استسقى الخطيب على المنبر فدعا؛ فعليهم أن يرفعوا أيديهم، أما إذا أطلق الدعاء؛ فلا يرفعون أيديهم، ويؤمن الإنسان في نفسه ولا يردد مع الإمام.
وإذا قال الإمام: فاذكروا الله يذكركم؛ قالوا: (لا إله إلا الله) أو: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب:56] فيرتج المسجد " اللهم صلِّ على النبي"، فهذا من اللغو، بل يصلون في أنفسهم، ويؤمنون في أنفسهم؛ لأن المقصد الاستماع والإنصات {ومن قال لأخيه: "أنصت أو صه" فقد لغى ومن لغى فلا جمعة له} وهذا في سنن أبي داود ومسند أحمد.
لحا الله هذا الدهر إني وجدته بصيراً بما ساء ابن آدم مولعا |
وكقول أحدهم:
(قبحاً لهذا الزمان) أو (خيب الله هذا العهد) أو هذا الدهر، أو هذا الليل، أو زماننا هذا زمان قبيح، وهذا الزمن جر علينا المصائب.
فهذا لا يصح، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم ويسبني ابن آدم ويشتمني ابن آدم، أما سب ابن آدم لي: فإنه يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار كيف أشاء، وأما شتمه إياي " فإنه يزعم أن لي صاحبةً وولداً؛ وما كان لي صاحبة وولد وهو لم يتخذ صاحبة ولا ولداً -أو كما قال عليه الصلاة والسلام- }.
فسب الدهر من كلمات أهل الشرك، ونسبة الأفعال إلى الدهر لا تصح؛ فليعلم هذا حفظكم الله، فسب الدهر -أي سب الليل والنهار- لا يجوز!
والجاهليون الدهريون قالوا: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24] فيعني الدهر (الليل والنهار) فلا يملك إلا الله، ولا يحيي إلا الله، ولا يشافي إلا الله.
والأيام كلها ظروف، يفعل الله فيها ما يشاء.
فنسبة رجال الدين وتخصيصها لنوع من النفر ليس بصحيح، وهذا من الكنيسة النصرانية، ولا يصح تسميتها عند المسلمين.
وكلمة " مطوع " نقول لمن قال هذا: إنها في العربية ليست مستقيمة، بل هي مستبدلة، وإلا مطيع وطائع، والطاعة لله عز وجل: وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [البقرة:285] طائعين، فالصحيح (الطائع أو مطيع).
أما (مطوع) فلا تصح من حيث العربية، واستخدامها لنفر من الناس ليس بالصحيح.. ونقول -لمن قال: مطوع-: وأنت إما أن تكون مطوعاً أو عاصياً، ليس هناك إلا قسمان (عاصٍ وطائع لله) فإما أن تكون طائعاً لله أو عاصياً لأوامر الله تبارك الله رب العالمين.
فأقول الدعاء بعد الفريضة وارد أما رفع الأيدي فلا، فقد صح عن معاذ {أن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: يا
ومنها: اتخاذ المصافحة شعاراً، فتجد بعض الناس -وهم كثير- في الحرمين وفي بعض المساجد إذا صافح قال: (تقبل الله) وقد نص كثير من العلماء على أنه بدعة، وأنه لم يرد عن السلف؛ أما إذا كان أحد من الناس قدم من سفر ورأيته؛ فسلم عليه، أما رجل دائماً معك في كل صلاة فتقول: (السلام عليك... تقبل الله، تقبل الله) فلا. وبعضهم يسلم على ثلاثة عن يمينه وثلاثة عن يساره، وثلاثة أمامه وثلاثة خلفه؛ حتى تجد بعض الناس في الحرم يكلم الناس ويقطع عليهم ذكرهم وتسبيحهم ويشوش عليهم، وهذا من الجهل والبدع.
وأخبرنا أحد الإخوة: أنه نزل إلى السوق يأكل تمراً؛ فأتى عند رجل فقال: ستة.. مبارك.. ثمانية، أي: قفز عن لفظ سبعة في الكلام؛ حتى لا ينصرف إلى الجن، فقال هذا الشاب له: قل سبعة؛ فقفز الرجل على الشاب، وقال: " باسم الله، اللهم احفظني واحرسني" وهذا من اعتقادهم أنهم يضرون وينفعون، ولا ينفع إلا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4] وهذا من الخطأ، ومن صرف الأفعال التي يؤثر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فيها بالكون، والناس لا يملكون ضراً ولا نفعاً.
فهذه من الأفعال التي انتشرت بين الناس وأحببت أن أنبه عليها حتى لا يقع فيها الناس، ونسأل الله لنا ولكم الهداية والرشد والسداد.
مسألة الإرجاء: وهي مسألة منتشرة بين كثير من الناس، وهو مذهب بدعي... فـالمرجئة يقولون إن الإيمان قول واعتقاد، أما العمل فلا يدخل فيه، والناس متساوون في الإيمان، ولا يلزم الإنسان أن يفعل صالحاً إذا آمن، قال ابن تيمية في المجلد السابع: " جعل المرجئة الإسلام كالثوب البالي"، والمرجئة منتشرة بين الصفوف، خاصة أن كثيراً من الناس الذين لم يقبلوا على الله فليس عندهم توبة وليس عندهم عمل صالح، فتقول له: صلِّ، فيقول: الله غفور رحيم... ويزني ويقول: الله غفور رحيم، ويقول: الله لا يؤاخذنا بأعمالنا، والله أرحم من ذلك، والله أرحم من أعمالنا!!
وأحد الناس الكبار في السن لقيته مع أحد الإخوة في مسجد من المساجد، فكان جالساً، وليس لديه عمل، دائماً في المسجد؛ لكنه لا يسبح ولا يقرأ ولا يذكر الله.. يعني: ينظر إلى الشارع فيوصل السيارات برأسه، يراقب الأولى ثم يأخذ الثانية ثم الثالثة، فقلت له: يا والد! حفظك الله: لو استغللت وقتك وقلت: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله) وجئت له بأحاديث؛ فقال: يكفي أن أصلي، فالله ليس بحاجة لتسبيحنا، وأنا -والله- لا أريد من الله إلا الصلاة التي أصلي له.. سبحان الله! وهذا حصل معي مع بعض الشباب، وكثير من الشباب الذين عندهم كثير من العلم، لكنهم يقعون في كثير من المعاصي والخطايا ويقولون: (الله غفور رحيم) أما قرأوا: إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وأنه: لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:25-26]؟!
فمذهب الإرجاء منتشر؛ ولذلك تجده يرجو رجاءً عظيماً ويعمل عملاً سيئاً؛ فلْيُعْلَمْ هذا، فهو من الخطورة بمكان، وهو منتشر في صفوف كثير من الناس؛ حتى أخبرنا أن بعض الناس عرف في حيه أنه من أفظع الناس في الخطايا، يرتكب منها أمثال الجبال؛ فلما ذهب بعضهم إليه في البيت لينصحه، قال: اسمع، وكأنه يريد أن يقنعه بالحديث.. فانظر إلى هذا القحط الذي وقع في الدنيا، قال: نحن في خير والحمد لله، ولو ذهبت إلى أمريكا وفرنسا لرأيت العجائب، أما نحن -والحمد لله- فنحن في خير واستقامة، والله عز وجل ليس بحاجة إلى عملنا، وأبشرك أننا مصلحون وفي خير.
ماذا تقول لهذا؟ ألم يقرأ القرآن والسنة؟
فهو يرد عليك بكلام أهل الإرجاء. فهي بدعة مشينة؛ وهي تحطم الدين؛ وتقطع تقوى الله رب العالمين؛ وتسد طريق السالكين إلى الله، فليحذر من الإرجاء، فإن الله قد يغضب من كلمة يقولها الشخص في مجلس، فتهوي به في النار سبعين خريفاً، أو ربما يفعل فعلة لا يرضى الله بها عنه أبداً. بكى الحسن البصري فقالوا: مالك؟ قال: أخشى أن يطرحني في النار ثم لا يلتفت إليَّ. فنسأل الله العافية والسلامة.
الجواب: بحثت عن هذا الحديث مع بعض الإخوة وهو في كشف الخفاء ومزيل الإلباس وقد نسبه للطبراني وقال: سنده حسن عند بعض الأئمة، لكن في القلب من تحسينه شيء، وعلى كل حال تكلم فيه بضعف ثم قال وسنده حسن عند بعض الأئمة، والذي يظهر لي أنه ضعيف، وأن كلام العجلوني أو السخاوي -والسخاوي نص كذلك على نسبته إلى الطبراني في الكبير وحسنه- فيه نظر؛ ولكن الذي أقوله الآن أن النص لا يُطمأن إليه وقد نص بعض العلماء والأئمة أنه ضعيف.
الجواب: الشيطان ملعون، ويجوز لعنه، لكن حُبذ في بعض الأحاديث ألا تلعن الشيطان لأنه ينتفض كالجبل، ولكن استعذ بالله منه، وأنا أرى أن يقال: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" لأنه أفضل، وإلا فيلعن.
الجواب: هذه العبارة لا تستخدم، ولا يجوز أن تلقى على الناس لأنه وقع بها الإيهام الذي نهى عنه أهل العلم، قال علي بن أبي طالب: [[حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذَّب الله ورسوله]] وقال ابن مسعود: [[إنك لست محدثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة]] فلا يحدث بهذه الألغاز، ويضيع بها الحياة إلا من قل حظه من العلم الشرعي، والغريب أنك تجده لا يجيد الوضوء ولا يعرف سجود السهو، ويقول: أنا أسألك عن شيء إذا رفعته بكى وإذا خليته سكت، وأسألك عن معنى " أنا أكبر من الله "، " وأسألك عن شيء إذا اقتربت منه ابتعد عنك وإذا ابتعدت عنه اقترب منك، وهذا كلام خزعبلات يليق بعجائز البربر وشيوخ القمر، أما طلبة العلم والأخيار فليس هذا حديثهم.
وكلمة " أنا أكبر من الله " موهمة، فالكبير هو الله، وما الداعي لقول هذا الكلام، فهذا قد أخطأ وضل ضلالاً مبيناً، وكذب على الله، وأنا أعرف قصده، لكن لماذا يستخدم هذه الكلمة المهينة المشوشة المسيئة. وقوله " أنا أطهر من الكعبة " بل هو أنجس من الكلب -نعوذ بالله- فإن كان قصده هذا الكلام؛ فهو أنجس من الكلب " -إن كان يقصد ما يقول- وإن كان قالها تبجحاً؛ فهو جاهل نأتي به فنعلمه ونؤدبه، ونمر به على القاضي يحكم عليه بعشر جلدات بعد صلاة الجمعة ليذهب يتغدى مع أهله، ولذلك يقول السيوطي من يستخدم الألفاظ المجملة على القضاة أن يؤدبوه، على الناس أن ينتبهوا لهذا.
ويقول في الثاني: أنا أنجس من الكلب ويقصد بها أنه يتنجس من الكلب، فهذا حكم على نفسه، ولا نأخذ إلا حكمه على نفسه.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر