إسلام ويب

رسالة إلى أهل الباديةللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من صفات الأعراب وأهل البادية؛ الكرم، الشجاعة، الرجولة.

    ولذلك كان ولابد من أن يخصهم العلماء بالحديث، وهذا الدرس موجه إلى أصحاب البادية، عما يلزمهم من أمور الدين كالإيمان والتوحيد والصلاة.

    1.   

    إقامة الحجة وتبليغ الأمانة وأداء الحق

    الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً.

    أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المعلم الجليل، المؤيد بجبريل، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    ما أروع البناء! وما أحسن المسجد! وما أجمل العمار! أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:109] ما أحسن هذا المسجد! وما أحسن من بناه! وما له عند الله من أجر إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [التوبة:18] وقبلها يقول جلت قدرته: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ [التوبة:17].

    لا إله إلا الله ما أحسن عمارة المساجد! لا إله إلا الله ما أروع البناء!

    أيهما أحسن! ذاك الذي دفع ماله ليعمر مسجداً فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ [النور:36-37].

    أم ذاك الذي دفع ماله فبنى خمارة وبارة ودار لهوٍ ومسرحاً مهدِّماً، وداراً للشياطين؟ هذا يبني روضة من رياض الجنة ليسجد فيها عباد الله، ويبنـي بناءً ليذكر فيها اسم الله جلت قدرته، فما أحسن البناء ولكن ليس العمار فحسب أسمنت وخرسان وحديد وبلك، لا. بل عمار قلوب، ندوات ودروس وذكر وعلم، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، يقول إقبال:

    أرى التفكير أدركه خمول     ولم تبق العزائم في اشتعال

    وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال

    وعند الناس فلسفة وفكر ولكن أين تلقين الغزالي

    وجلجلة الأذان بكل حيٍ      ولكن أين صوت من بلال

    منائركم علت في كل ساح      ومسجدكم من العباد خالي

    أشكركم يا أهل هذه المنطقة شكرين اثنين:

    الشكر الأول: نحبكم في الله الواحد الأحد، والشكر الثاني: شكراً خاصاً، فما أتى لكم داعية إلا واحترمتموه واستقبلتموه، بالأمس أتى إليكم القرعاوي يحمل لا إله إلا الله ومعه حافظ فقدمتم النفس والنفيس والدماء والأموال والأرواح، وكل يوم تقدمون؛ لأنكم لا تصلحون إلا بلا إله إلا الله، فطرتم على لا إله إلا الله، ونشأتم على لا إله إلا الله، وابنكم رضع لا إله إلا الله، فأسأل الله أن يميتني أنا وإياكم على لا إله إلا الله.

    نعم. عنوان الدرس: رسالتي إلى أهل البادية، صمم خططها ونظم أفكارها فضيلة الشيخ عبد الله بن عائض الجهري -حفظه الله ورعاه- وإنها لرسالة من رسالة محمد عليه الصلاة والسلام، هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2].

    الرسول عليه الصلاة والسلام أحب البادية، وحسنت به البادية وعاش فيها، واستنشق هواءها، ورضع لبنها، يبدو وإخوانه بادية بني سعد، والبادية فيها رجال، وتغرس فيها الشجاعة، وتنبت فيها غصون الكرم، والبادية فيها المثل العليا، والعرب يحبون البادية، والقرآن تكلم عنها وعن عيشها وعن سكناها، وعن أين يسكنون وأين ينتجعون وأين يرتحلون.

    وسبب هذه المحاضرة أمور ثلاثة:

    لإقامة الحجة

    لأن الدين أمانة

    السبب الثاني: أنها أمانة في عنق كل داعية يتكلم بها في الحاضرة والبادية، يتكلم بها للملك في ملكه، ولصاحب الدكان في دكانه، وللقاضي في محكمته، وللأستاذ في فصله، رسالة محمد عليه الصلاة والسلام الرسالة الخالدة التي عبرت المحيط والبحر والنهر، وسارت على الجبال، ذهبت مشرقة إلى السند ومغربة إلى الأندلس.

    لتقصيرنا مع أهل البادية

    السبب الثالث: أننا قصرنا مع أهل البادية، لقد عشنا في المدن المحاضرات والدروس، والندوات واللقاءات، والمواعظ والخطب، أما أهل البادية فقد قصرنا معهم تقصيراً عظيما، وأنا بين يدي قضاة وعلماء وطلبة علم ودعاة ووجهاء وصلحاء فعلهم أن ينقلوا الكلمة لأهل البادية الذين ما سمع بعضهم عن كثير من هذا الدين، عرف ناقته وشاته، وخيمته وخبزته، لكنه ما تفقه في الدين؛ لأنه لم يجد من يفقهه في دين الله عز وجل.

    1.   

    عليكم بتوحيد الله

    المحاضرة على مسائل:

    أولها: ما هي رسالته عليه الصلاة والسلام ملخصة؟

    إن رسالته أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور، رسالته في أن يهدي العبد إلى طريق الجنة: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21] لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].

    رسالته أن يأتي بالعرب العرباء أهل الجعلان والجرابيع والضباب ويجعلهم فاتحين للدنيا وسرجاً لها ومشاعل فيها.

    إن البرية يوم مبعث أحمد      نظر الإله لها فبدل حالها

    بل كرم الإنسان حين اختار من     خير البرية نجمها وهلالها

    لبس المرقع وهو قائد أمة     جبت الكنوز فكسرت أغلالها

    رسالته عليه الصلاة والسلام: أتى ليخبرنا أن للسماء وللأرض إلهاً واحداً، وأنه هو الذي يرزق ويعافي ويشافي، وأنه الذي ينجح ويرسب، وأنه هو الذي يحيي ويميت تبارك اسمه: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:26-27].

    رسالته: يقول للأعرابي في البادية: لا تعبد الحجر، لا تعبد الشجر، لا تعبد الوثن، اعبد الله الذي لا إله إلا هو، من هو المحيي، من هو المميت؟

    من هو الرازق، من هو الخالق، من الذي يستحق العبادة؟

    على من تعتمد؟

    من الذي يشافي مريضك، من الذي يعافي مبتلاك؟

    من الذي يقضي دينك؟ الله الذي لا إله إلا هو: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19].. وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الزمر:65-66].

    ديننا سهل ويسر

    يأتيه عليه الصلاة والسلام أعرابي من بني سعد من أخواله من الرضاعة اسمه ضمام بن ثعلبه والحديث في الصحيح فيقول: {يا رسول الله! من رفع السماء؟ -أعرابي بدوي يسأل عن رافع السماء، من الذي رفعها؟- قال: الله، قال: من بسط الأرض؟ قال: الله، قال: من نصب الجبال؟ قال: الله، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ وكان متكئاً -بأبي هو وأمي- فجلس وقال: اللهم نعم، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم، فتولى بعد أن سأل عن الإسلام وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص أنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر فيقول عليه الصلاة والسلام: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا}.

    دين سهل وبسيط ويسير، دين تقبله الفطرة.. تفهمه العجوز.. يفهمه الطفل.. يعشقه البدوي.. دين محبب: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30] وأنا لا أستطيع أن آتي على أبواب التوحيد، لكنني أعالج المسائل التي تخص بابنا ورسالتنا.

    التحذير مما يعارض التوحيد

    مما يعارض توحيد الباري أن تجعل معه شريكاً آخر، إما وثناً، أو حجراً، أو شجراً، أو كاهناً، أو ساحراً، أو مشعوذاً، تذهب إليه فيعالج ابنك، أو يداوي مريضك، أو يتسبب في نفعك؛ فتشرك به مع الله إله آخر فيحبط الله عملك، هذا من الشرك، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد} وقال عليه الصلاة والسلام: {من أتى عرافاً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً} حديث صحيح.

    من الذي يشافي؟ من الذي يعافي؟ من الذي يمرض إلا الله عز وجل، فاطلب الشفاء والرزق والحياة والخير والنفع منه، واستدفع الضر من الواحد الأحد.

    قل للطبيب تخطفته يد الردى      من يا طبيب بطبه أرداكا

    قل للمريض نجا وعوفي بعد ما     عجزت فنون الطب من عافاكا

    دخلوا على أبي بكر وهو مريض قالوا: أمريض أنت؟ قال: نعم، قالوا: ألا ندعو لك طبيباً؟ قال: الطبيب قد رآني، من هو الطبيب؟ الله يراك، الله الذي أمرضك والذي يشافيك، {لبيك وسعديك والخير كله بيديك أنا بك وإليك لا إله إلا أنت}.

    كان عليه الصلاة والسلام إذا قام من الليل يصلي ولحيته الطاهرة الشريفة تتقاطر بالماء من الوضوء قال: {اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، اللهم إنك حق ووعدك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد عليه الصلاة والسلام حق} قالوا لـأبي بكر: [[ألا ندعو لك طبيباً؟ قال: قد رآني الطبيب، قالوا: ماذا قال لك؟ قال: قال: إني فعال لما أريد]].

    1.   

    أركان الإيمان

    معاني التوحيد كما قال علي بن أبي طالب لما سئل عن التقوى قال: [[هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل]] واعلم يا أخي المسلم! يا من يسمع الرسالة من مسلم ومسلمة أن هناك أموراً لابد أن تعرفها:

    الإيمان بالله

    أولها: الإيمان بالله، وما معنى الإيمان بالله؟

    أن تؤمن بالله خالقاً وكلمة "خالقاً" لا تكفيك لأن فرعون يعرف أن الخالق هو الله، وأبو جهل يعرف أن من خلق السماء والأرض هو الله، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25] ويقول موسى عليه السلام لفرعون: قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً [الإسراء:102].

    فلا يكفيك أن تعرف أن الخالق هو الله، فهذا يعرفه أبو جهل والمشركون، لكن لابد أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأنه لا يستحق العبادة بحق إلا الله الواحد الأحد.. الصلاة، الصيام، الحج، الذكر، الخوف، الرجاء، الرغبة، الرهبة، الاستغاثة، والذبح كل هذه الأبواب لابد أن تعلم أنه لا يستحقها إلا الله تبارك وتعالى.

    الإيمان بالملائكة

    ثم تؤمن بالله وملائكته.. تؤمن أن لله ملائكة سمى بعضهم ولم يسمِ بعضهم، فأهلاً وسهلاً بمن سمى، وأهلاً وسهلاً بمن لم يسم من الملائكة.

    أنت جالس معي الآن ومعك ملكان عن اليمين وعن الشمال، ولك إذا قمت ملائكة أمامك وخلفك يحفظونك لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11].. مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].

    فلا إله إلا الله ما أشد جند الله! وما أعظم جلال الله! ذكر ابن القيم -وهذا من باب الاستطراد- في الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: أن رجلاً من الصالحين خرج ببغلته، عليها طعامه وشرابه وتجارته، فذهب مسافراً، وكان هذا الصالح يحفظ الله في الليل والنهار.. نهاره صيام وليله قيام، والله يحفظ من حفظه، فلما أصبح في الطريق عرض له لص فقال: أوصلني إلى تلك البقعة فصدقه فأركبه معه على بغلته، ولكن فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64] فلما اختفيا في الغابة أخرج اللص خنجره وقال للرجل الصالح صاحب البغلة: والله لأقتلنك، قال: أسألك بالله الذي قامت به السماوات والأرض أن تتركني لأهلي، ورائي أطفال وأهل وأسرة، قال: والله لأقتلنك، قال: أسألك بالله أن تتركني فأتوضأ لأصلي ركعتين لتكون آخر عهدي من الدنيا، قال: استعجل، فتوضأ وقام واستقبل القبلة وأراد أن يصلي ركعتين ولكن كيف يصلي، سيف مشهور، وكفن منشور، وقبر محفور، يصلي والخنجر على أذنه، قال: فنسيت كل آية حتى الفاتحة ما ذكرت إلا قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62]

    قلت: يا من يجيب المضطر إذا دعاه! يا من يجيب المضطر إذا دعاه! يا من يجيب المضطر إذا دعاه! قال: فوالله ما أتممت كلامي إلا وأنا بملك على فرس مقبل معه خنجر رمى هذا اللص فقتله، قلت: أسألك بالله من أنت؟ قال: أنا رسول من يجيب المضطر إذا دعاه، لما دعوت الدعوة الأولى كنت في السماء السابعة، ولما دعوت الثانية كنت في السماء الرابعة، ولما دعوت الدعوة الثالثة كنت في هذه الأرض؛ لأقتل هذا المجرم وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [المدثر:31]. الله كل يوم هو في شأن، ملك ينزل وملك يصعد، كتبة يكتبون الحسنات وكتبة للسيئات، مرابطون في صلاة العصر، ومتعقبون في صلاة الفجر، وصاعدون بالأعمال ونازلون بالأرزاق، هذا للقطر وهذا للمقادير وهذا للموت وهذا يكتب على النطفة (شقي أو سعيد) عمره كذا، أجله كذا، لونه كذا، صفته كذا، ملك ينفخ في الصور، يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: { أَطَّت السماء وحق لها أن تئط...} أي: ثقل ما عليها كالرحل على المركوب على الجمل {أَطَّت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موطن أربع أصابع إلا وملك ساجد أو راكع} يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ [فصلت:38] وفي آية يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20].

    لا إله إلا الله ما أعظم خلق الله!

    الإيمان بالكتب

    وتؤمن بالكتب، وأولها القرآن، وذكر التوراة والإنجيل والزبور وصحف موسى وصحف إبراهيم وبالكتب التي نزل الله علينا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، نزل القرآن لهدايتنا -والله- لا سعادة إلا بالقرآن، ولا فلاح إلا بالقرآن، تؤمن بمحكمه ومتشابهه، تؤمن به جملة وتفصيلا، فهو حبل الله المتين، وصراطه المستقيم، وهو المحجة الواضحة الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه}.. أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].. أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].. كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29].

    الإيمان باليوم الآخر

    ومن الإيمان بالله عز وجل إيماننا باليوم الآخر: أن الله يجمعنا حفاة عراة غرلاً بُهْماً كما قال: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ [الأنبياء:104] يعيدنا -سبحانه- فلا إله إلا الله من يوم ما أصعبه! ولا إله إلا الله من يوم ما أهوله! ولا إله إلا الله من يوم ما أشده! هو الطامة، والقارعة، والحاقة، والواقعة، والصاخة، وسماه الله بأسماء عديدة، يقول عالمكم رحمه الله الشيخ حافظ:

    واستشفع الناس بأهل العزم في      إراحة العباد من ذي الموقف

    وليس فيهم من رسول نالها      حتى يقول المصطفى أنا لها

    وتؤمن أن قبل ذلك حياة برزخ، إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، فتعلم أن ما فعلت في الحياة تجده في هذا القبر، إن أصلحت وصليت وصمت وزكيت وراقبت الله وخشيته وتصدقت ووصلت رحمك وجيرانك وحجبت زوجك جعل الله قبرك عليك روضة من رياض الجنة، قال عالمكم:

    والقبر روضة من الجنان     أو حفرة من حفر النيران

    إن يك خيراً فالذي من بعده     أفضل عند ربنا لعبده

    وإن يكن شراً فما بعد أشدّ      ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ

    وإن كانت الأخرى: أعرضت عن صلاة الجماعة، ما تعلمت الطهارة ولا الصلاة، أعرضت عن القرآن.. عن الحجاب.. عن تربية البيت.. عن رعاية الجار.. عن صلة الرحم.. عن بر الوالدين؛ فحفرة والله من حفر النيران، هم وغم وسجن وكرب ونكد.

    ذكر أبو نعيم في الحلية وغيره أن مطرف بن عبد الله بن الشخير أحد الصالحين مر على المقبرة في الليل يسلم عليهم، قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم دعا لأهل القبور، فذهب فنام في بيته فرأى في المنام أهل القبور، فقالوا له: يا مطرف! والذي لا إله إلا هو إن الله يوسع علينا بدعائك قبورنا أسبوعاً كاملاً وينور الله علينا قبورنا بدعائك أسبوعاً، يا مطرف! تزود من لا إله إلا الله، فوالله ما وجدنا كلا إله إلا الله، يا مطرف! حيل بيننا وبين لا إله إلا الله، نريد أن نقول لا إله إلا الله فما نستطيع أن نقولها وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ [سبأ:54].

    هنا اعمل فالعمل هنا، هنا دار البذل، هنا الصلاة والصيام والزكاة، أما هناك فحساب، يقول علي فيما علقه البخاري في كتاب الرقاب كلاماً كالذهب والدرر والجواهر يقول أمير ا لمؤمنين أبو الحسن علي -رضي الله عنه وأرضاه-: [[ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل]] ويقول علي في الجنة:

    واعمل لدار غداً رضوان خازنها      الجار أحمد والرحمن بانيها

    قصورها ذهب والمسك طينتها      والزعفران حشيش نابت فيها

    فيا مسلم! أمامك قبر إما أن تحوله إلى روضة من رياض الجنة بصلاحك، أو تحوله إلى حفرة من حفر النار بفسادك وفجورك وإعراضك.

    الإيمان بالقضاء والقدر

    اعلم أن من أركان الإيمان عند أهل السنة والجماعة الإيمان بالقضاء والقدر، كل شيء بقضاء وقدر، إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر:49-50] وقال سبحانه: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد:22-23].

    وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك} يموت ابنك بقضاء وقدر، ينجح بقضاء وقدر، يرسب بقضاء وقدر، صح عنه عليه الصلاة والسلام عند أحمد وغيره أنه قال: {كتب الله مقادير الخلق قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة} فهو في كتاب عنده، فلا إله إلا الله! في ذاك الكتاب سعيد وشقي، غني وفقير، أصفر وأحمر، يموت يوم كذا أو يوم كذا، يموت في بلدة كذا وانتهى الكتاب، يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39].

    وفي الصحيحين وغيرهما عنه عليه الصلاة والسلام قال: احتج آدم وموسى، واسمع إلى المناظرة الحارة، مناظرة ساخنة بين نبيين اثنين التقيا، هذا آدم قبل موسى عليه السلام بآلاف السنوات، ولذلك بين أهل السنة خصومة أين التقوا، أين كانت الندوة، قال بعضهم في حياة البرزخ، وقال بعضهم في الجنة، والراجح أنها كانت في السماء، فالتقيا: أي آدم أبونا الذي خرج من الجنة بمعصية، والله أخرجه بذنب واحد يقول:

    تأتي المعاصي أنت أكبر آثم      ترجو الخلود بعيش ظل خالد

    ونسيت أن الله أخرج آدماً      من جنة المأوى بذنبٍ واحد

    يقول: تأتي بآلاف الذنوب والخطايا وتعصي الله وتفجر، تسمع الغناء، وتشرب المسكر -والعياذ بالله- أو تتعامل بالربا، وتغش، وتشهد الزور، وتكذب، وتؤذي الجار، وتقطع الرحم، وتعق الوالدين، وتأتي بهذه الحملة من الذنوب وتدخل باب الجنة وآدم أكل فقط من شجرة فخرج من الجنة.

    نعود للقصة، قال: {احتج آدم وموسى -التقيا- قال موسى: وكان جريئاً شجاعاً دائماً يتكلم حتى مع الله يقول: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي [الأعراف:143]- قال موسى: أنت أبونا، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، قال: أنت موسى بن عمران الذي اصطفاك الله على الناس بكلماته، وكتب لك التوراة بيده، بكم وجدت الله كتب أن آكل من الشجرة قبل أن يخلقني؟ قال: بأربعين سنة -وجدها في التوراة- قال: فتلومني على شيء كتبه الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة -فيتدخل محمد عليه الصلاة والسلام يحكم- قال: فحج آدمُ موسى، فحج آدمُ موسى، فحج آدمُ موسى} أي: غلبه، وبعض القدرية يقولون: فحج آدمَ بالنصب موسى، أي: يجعلون موسى الفاعل والمفعول به آدم كأن المحجوج آدم وكذبوا لعمر الله، الشاهد أن تؤمن بالقضاء خيره وشره، وحلوه ومره من الله الواحد الأحد، فإذا أتتك مصيبة موت أو فقر أو جوع أو رزق أو غنى أو نجاح أو رسوب أو رعد أو برق أو مطر أو ريح قل: قدر الله وما شاء فعل، هذا معتقد أهل السنة والجماعة.

    1.   

    إقامة الصلاة

    يا مسلمون: اعلموا أن من أعظم أركان الإسلام الصلوات الخمس.. لا إله إلا الله ما أعظمها! الإسلام هو الصلاة، والصلاة هي الإسلام، هي عمود الدين، يوم كان محمد صلى الله عليه وسلم في سكرات الموت يقول: (الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم) ويقول: [[لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة]] ويقول عمر: [[من حفظ الصلاة حفظه الله، ومن ضيع الصلاة ضيعه الله]] ويقول سبحانه: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5] من ترك الصلاة فقد كفر، أتى بذلك الأثر.

    قال عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) وصح عنه عليه الصلاة، والسلام أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (بين المسلم والكافر ترك الصلاة).

    حكم مخيف في ترك الصلاة

    من ترك فريضة واحدة ظهراً أو عصراً أو مغرباً أو عشاء أو فجراً عامداً متعمدا؛ً فقد خرج من الدين وارتد وكفر بالله العظيم، واستوجب النار وأصبحت زوجته لا في عقد صحيح بل في سفاح وزناً إن مكنته من نفسها كما قال ذلك علماؤنا مستنبطين ذلك من النصوص.

    واعلم أن في الصلاة قضايا ثلاث:

    أولها: لا يقبلها الله إلا في جماعة إلا من عذر، حيث ينادى بها في مسجد، أو في جماعة عندما يجتمع الناس في بادية سواء عند شجر، أو في وادٍ، أو في مسجد، يؤذن بالصلاة فيجتمعون، فلا يقبلها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلا في جماعة حيث ينادى بها إلا من عذر، قال عليه الصلاة والسلام: {لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا، فأحرق عليه بيوتهم بالنار} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا من عذر} حديث صحيح، وعن علي موقوفاً عليه وقال: [[لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد]].

    وقال ابن مسعود: [[ولقد رأينا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق معلوم النفاق]] الذي يتخلف عن الصلاة بلا عذر، منافق مطبوع على قلبه، تائه مدهوش الفكر، لا نور ولا حياة ولا إيمان، أتظن أن رجلاً عنده إيمان يسمع "الله أكبر" "الله أكبر" ثم لا يجيب داعي الله بلا عذر، والله ما أصبح فيه إلا النفاق والعياذ بالله!

    ثانيها: أن تكون بخشوع، تصلي صلاة تصلك بالواحد الأحد قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2] خشوع.

    كان أبو بكر إذا قام في الصلاة كأنه إسطوانة كأنه عمود، بعض الروايات تقول: يأتي الطير فيقع على رأسه من خشوعه، كان كثير من السلف لا يتحرك، لأن قلبه مع الله؛ لأنك تناجي الواحد الأحد، الصلاة لابد فيها من خشوع ليقبلها الله، وإذا خشعت في الصلاة نهتك عن الفحشاء والمنكر، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45].

    ولعلك تسألني فتقول: ما للناس يصلون ويقعون في المخدرات؟ مالهم يصلون ويرابون؟ مالهم يصلون ويزنون؟ مالهم يصلون ويسرقون؟ هذا يغش، وهذا يكذب، وهذا يسرق، وهذا يخون، وهذا يغدر، وهم يصلون؟ والجواب كما أجاب أهل العلم: إن الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي الصلاة التي فيها الخشوع والخضوع والإقبال على الله، والصلاة الحقيقية: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45].

    السلف والصلاة

    نقل عن بعض التابعين أن الأعمش قال لابنته وهي تبكي عليه وهو في سكرات الموت، ساعة الصفر سكرات الموت التي سأذوقها أنا وإياك، وابني وابنك وكما ذاقها أبي وأبوك وجدي وجدك إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30] ساعة الصفر.

    نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها     وعل الردى مما نرجيه أقرب

    ونبني القصور المشمخرات في الهوا     وفي علمنا أنا نموت وتخرب

    فبكت ابنته وهو في سكرات الموت فقال: يا بنتي، لا تبكي علي، والله، ما فاتتني تكبيرة الإحرام في الجماعة ستين سنة وفي رواية خمسين، وقال سعيد بن المسيب وهو في سكرات الموت لأطفاله: لا تبكوا علي فإني آمل من الله خيراً، والله، ما أذن المؤذن من أربعين سنة، إلا وأنا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    وقفات مع الوضوء

    اعلم أن الصلاة لا يقبلها الله إلا بوضوء إذا أحدث العبد لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ) وفي حديث صحيح (مفتاحها الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم).

    وأقف عند الصلاة لأنتقل إلى الطهارة في مسائل:

    كيفية الوضوء

    الوضوء الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يقبله الله حتى يكون كوضوء الرسول صلى الله عليه وسلم، تبدأ بعد ما تنتهي فتغسل كفيك ثلاثاً، وإن استيقظت من نومك فلا تدخل يدك في الإناء حتى تغسلها ثلاثاً، ثم تتمضمض وتستنشق وتستنثر ثلاثاً ثلاثا، ثم تغسل وجهك ثلاثاً أو مرتين أو مرة إن كفت وتخلل لحيتك أحياناً، والوجه من منابت شعر الرأس إلى ما استرسل من اللحية، ومن وتد الأذن اليمنى إلى وتد اليسرى، ثم تغسل يدك اليمنى حتى تشرع في العضد فوق المرفق، ثم تغسل اليسرى ثلاثاً، وتخلل بين الأصابع حتى تشرع في العضد فوق المرفق ثم تأخذ ماء أو بماء الوضوء فتمسح رأسك تأخذ بيديك الاثنتين وتدبر بيديك إلى آخر رأسك ثم تعيدها من حيث بدأت ثم تدخل سبابتيك الإصبعين الاثنتين هاتين في الأذنين وتحرك الإبهامين على الأذنين ثم تغسل قدمك الأيمن ثلاثاً حتى تشرع في الساق أو مرتين أو مرة وتخلل بين الأصابع وكذلك تفعل بالرجل اليسرى، فإذا انتهيت فقل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، من فعل هذا ما هو أجره؟ أمال؟ أفلة من فلل الدنيا؟ أسيارة؟ إنه أعظم من ذلك.

    جزاء من أحسن الوضوء

    اسمعوا، في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء} لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، وضوء في دقائق وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله تفتح لك أبواب الجنة الثمانية تدخل من أيها شئت. وفي سنن الترمذي بسند صحيح يقول بعد {أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين}.

    وقل لـبلال العزم من قلب صادق     أرحنا بها إن كنت حقاً مصليا

    توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً     به ترق أبواب الجنان الثمانيا

    والعجيب أن في الوضوء أحاديث صحيحة منها: {أنك ما توضأت فغسلت وجهك إلا تتحات الخطايا من عينيك ومن أنفك ومن وجهك مع آخر قطر الماء، وتغسل يدك اليمنى فتحات واليسرى مع الأصابع مع آخر قطر الماء ثم القدمين} حديث صحيح، رحماك يا رب! حتى في صحيح مسلم قال: {فيغفر الله له خطاياه -يعني السيئات الصغار- وصلاته وذهابه إلى المسجد نافلة} لك الحمد والشكر ما أوسع حلمك! وما أعظم كرمك!

    واعلم يا مسلم! أن من أصابته جنابة من احتلام أو من جماع، فإن الله لا يقبل صلاته ولا قراءته للقرآن حتى يغتسل الغسل الشرعي الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم، والغسل الشرعي الكامل أن تبدأ فتتوضأ وضوءك للصلاة مثل الوضوء الأول، ثم تبدأ فتفيض الماء على رأسك حتى تروي أصول الشعر، خلل الشعر وأنق البشر وتدخل أظافرك بين شعرك حتى يصل الماء إلى البشرة، والمرأة في الجنابة ليس عليها واجب أن تنثر ضفائرها وجدائلها وما لفت من شعرها بل في الحيض فقط، إذا حاضت وطهرت واغتسلت تنقض شعرها، أما في الجنابة فتغتسل هكذا وتبقي جدائلها على حالتها ولكنها تحرك أصول الشعر، فإذا انتهيت من إرواء الرأس فخذ ثلاث حفنات وأروه فإن تحت كل شعرة جنابة، فإذا انتهيت فابدأ بميامين جسمك وما تياسر وما علا قبل ما سفل حتى تتطهر ثم تتشهد، فتخرج من الجنابة، فالغسل من الجنابة واجب وهي أمانة بين العبد وبين الله، لا يدري أنك اغتسلت من الجنابة إلا الله، من يدري؟ لعل من يجلس في بعض المساجد عليه جنابة، لعل من يقرأ القرآن عليه جنابة، لعل من يضحك على المسلمين عليه جنابة لكن الذي يعلم السر وأخفى لا يقبل صلاة المجنب ولا قراءته للقرآن حتى يغتسل الغسل الشرعي الذي ذكرت لكم، إلا إذا كنت في البادية فلم تجد ماء وعليك جنابة فتيمم، اضرب الصعيد بيديك ضربة ثم امسح يدك اليمنى واليسرى بوجهك ثم امسح اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى ضربة واحدة، فاضرب الصعيد ضربة، أو كان بك جروح لا تستطيع استخدام الماء، أو كان الماء في درجة برودة وليس عندك وقود ولا نار تدفئ الماء وتحميه وخفت على نفسك من الموت، لم تخف من ضرر البرد لا. لا يكفي هذا، خفت من الموت فتيمم كما فعل عمرو بن العاص وأقره عليه الصلاة والسلام، هذا في أمر الصلاة وأمر الطهارة.

    1.   

    وقفات مع الزكاة

    هناك أمور لا بد أن يعلمها الإنسان وهي متعلقة بالركن الثالث من أركان الإسلام الزكاة، وهذه الزكاة فريضة.. من تركها وترك أداءها مثَّل الله له بماله يوم القيامة -كما في الصحيح- بنحو ماله، إن ترك زكاة الذهب جعل الله الذهب والفضة صفائح فأحماها في نار جهنم فكوى بها جبهته وظهره وجنوبه حتى يفصل بين الناس، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:35].

    ومن ترك زكاة الإبل مثلها الله وأتى بها كما كانت في الدنيا على أحسن هيئاتها بقوتها وسمنها وضخامتها فأوصده الله عز وجل وبطحه وطرحه في العرصات، ثم يأتي بإبله فتمر عليه تطؤه ذاهبة آيبة حتى يقضي الله بين الناس في العرض الأكبر، فإن كانت بقراً جعلها الله بقرونها وأظلافها وضخامتها وسمنها ثم طرحه وبطحه فمرت أولها على آخرها.

    جاءتك تمشي رافعاً ذراها     أولها ردت على أخراها

    حتى يقضى بين الناس، والضأن كذلك والماعز فاختر لنفسك أي السبيلين أردت، إما أن تنجو من هذا المال بأن تدفع زكاتك للمستحقين وهم ثمانية أصناف، وإما أن تبوء بسخط وغضب وعذاب في اليوم الأكبر -فنعوذ بالله من الخذلان- والأنصبة يسأل عنها القضاة لأن هذه المحاضرة لا تستوعب ذكر الأنصبة، لكن يعاد إلى قاضي المحكمة وإلى الأستاذ والمعلم فيسأل عنها فسوف يخبر بإذن الله تبارك وتعالى.

    وزكاة حلي المرأة، وحلي المرأة فيها زكاة على الصحيح من أقوال أهل العلم، وقد صحت فيها أحاديث وقد أفتى بذلك سماحة والدنا وشيخنا وعلامتنا الشيخ/ عبد العزيز بن باز وهو حجة.

    إذا قالت حذام فصدقوها     فإن القول ما قالت حذام

    فتزكي المرأة زكاة الحلي تقدر ما في يديها من بناجر وما فيها من فِتَخٍ وحلق وخُتَّم بمال ثم تدفع زكاة هذا المال في المائة ما يقارب الريالين والنصف، وفي الألف خمسة وعشرون ريالاً، هذا في الزكاة.

    1.   

    وقفات مع الصيام والحج

    اعلم أخي المسلم! يا من لم يأته بصيص من العلم أو قصر الدعاة في تعليمه! أن هناك شهراً كتبه الله على العباد هو: شهر رمضان.

    صيام رمضان

    إن صيام رمضان واجب على المكلف إلا من عذَره الله إلى فترة، فالحائض لا تصوم فإن الله عذرها ولكن تقضي ما فاتها من الشهر، المرأة إذا حاضت لا تصوم مدة الحيض ولا تصلي، أما الصوم فتقضيه، وأما الصلاة فلا تقضيها، إذا طهرت تغتسل فتقضي الصيام ولا تقضي الصلاة، ومن ذلك النفساء، من ولدت أو أسقطت جنينها تدخل في حكم النفساء لا صيام عليها ولا صلاة مدة النفاس وخروج الدم، فإذا طهرت واغتسلت قضت الصيام ولم تقض الصلاة، والمريض الكبير إذا لم يستطع الصيام أطعم عن كل يوم مسكيناً، والمسافر إذا شق عليه أولم يشق عليه عند بعض العلماء، فعليه أن يؤجل الصيام لأيام أخر.

    وأما حد المكلف فهو من استطاع الصيام، وقد كان السلف يأمرون أبناءهم بالصيام حدود العشر، وكانوا يعودون أبناءهم على الصيام من الثمان إلى التسع، فلا بد من الصيام لأنه فريضة من الله وركناً من أركان الإسلام، ومن أقام بلا مرض ولا سفر ولم تكن المرأة حائضاً ولا نفساء فلم تصم فقد خسر نصيبه من الله، وقد استوجب عذاب الله وغصبه تبارك وتعالى.

    حج بيت الله

    اعلم أيها المسلم! أيتها مسلمة! أن الحج ركن من أركان الإسلام يجب في العمر مرة، أن تحج إن استطعت إلى البيت سبيلاً بما قدرك الله والسبيل: الزاد والراحلة، أن تمتلك مالاً يكفيك إلى مكة بزادك وراحلتك، فعليك الحج في العمر مرة، ومن لم يحج فليحج عنه وليه: ابنه أو أخوه أو أبوه أو قريبه أو خاله أو من تبرع عنه من المسلمين، والشيخ الكبير العاجز عن الحج يرسل قريبه ليحج عنه لحديث الخثعمية وغيره من الأحاديث.

    1.   

    أنت مسئول عن أسرتك

    أتينا إلى باب الأسرة المسلمة، كم قصرنا في الأسر وكم قصرنا في حياة البيوت، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] الابن في البيت، البنت والمرأة ماذا تُدخل في البيت وماذا تُخرج منه؟ تدخل في البيت الإسلام وتخرج الكفر، تدخل في البيت النور وتخرج الظلام، تدخل الهداية وتخرج الشقاوة، إن كنت تريد لبيتك الجنة، تريد أن تؤسس بنيانك على تقوى من الله ورضوان، أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:109].

    يا أخي المسلم! الصلوات الخمس في البيت، الحجاب للنساء، ذكر الله، سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، إدخال الشريط الإسلامي، والكتيب الإسلامي، تعلم أهلك الطهارة، الحجاب، الصلاة، الذكر، الخوف من الله، التوحيد، تحذرهم من الشرك، من الفاحشة، من الزنا، من الكذب ومن كل ما يغضب الله، هذا هو البيت المسلم، لكن كيف يحيا بيت فيه غناء؟! فيه شاشة مهدمة؟ فيه فيديو مخرب؟ فيه مجلة خليعة؟ فيه سيجارة؟ فيه شيشة؟ فيه كل ما يغضب الله عز وجل؟ فيه دخان وبلوت، وفيه ورقة كيف يصحو؟! كيف يهتدي؟! كيف يسلك طريق الجنة؟!

    يا عباد الله: البيوت التي تسلك هذا المسلك بيوت تقود أهلها إلى النار: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:8-10].

    فواجبك أنك راع، ووالله، الذي لا إله إلا هو أنها أمانة في عنقك، البيت أمانة بأطفاله بالزوجة وبالبنات وبالأخوات وبالقريبات، إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72] وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته) أنا أعرف أو أسمع عن بعض الناس عن بيوتهم ماذا فعلوا، يصلي في المسجد ولا يأمر أهله بالصلاة، والله ذكر إسماعيل فقال: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً [مريم:55].

    عمر بن الخطاب مع أبنائه

    كان عمر يأخذ الدرة -عصا- فيقوم في صلاة الليل -رضي الله عنه وأرضاه- فيضرب أبواب بيوت أبنائه فيقول: قوموا صلوا قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ [القصص:17] تصلي وابنك في البيت! تصلي وما علمت زوجتك الصلاة! تصلي وما علمت بناتك الصلاة! أي منكر هذا؟ أي فاحشة هذه؟ أي إدراك هذا؟ أي عقل تحمله؟

    ثم اعلم أن بعض الآباء ترك أبناءه سوائب، ابنه في المقهى، ملئت المقاهي في بعض الأمكنة ممن لا يعرف عن الإسلام شيئاً، عنده سيارة، ولكنه لا يعرف إلا السيجارة، ولا يعرف إلا البلوت، ولا يعرف إلا الورقة والشيشة والدخان والغيبة والزنا والفحش، لا إله إلا الله! أظلمت القلوب بالمعاصي كما أظلمت الأودية من ظلام الليل وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].

    من المنكرات خروج المرأة سافرة

    ومن الآباء من ترك زوجته.. ما علمها الصلاة، وما حجبها، وما علمها ذكر الله، خرجت سافرة من بيته تبيع وتشتري في السوق كاشفة، سافرة لا حجاب عليها، تقف تبيع الغنم والإبل والسمن والعسل وتبيع الرياحين والأجانب ينظرون إليها وقد أبطلت حشمتها وهتكت حجابها، والمرأة إذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه سافرة متطيبة متعطرة لم تزل الملائكة تلعنها حتى تعود إلى بيتها، فهل وعت العقول وهل أبصرت العيون؟

    ومن المنكرات: أن تذهب المرأة فتخالط الأجانب في الأسواق فيكلمها فلان، وتركب مع فلان، وتأتي مع فلان وتخلو مع فلان قال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {ما خلت امرأة برجل إلا كان الشيطان ثالثهما} فاحذروا رجالاً ونساءً من أن تغضبوا الواحد الأحد فإن الله إذا غضب، غَضِب غَضَب عزيز مقتدر، وعند أحمد في كتاب الزهد {يقول الله تبارك وتعالى: عجباً لك يا بن آدم خلقتك وتعبد غيري، ورزقتك وتشكر سواي، أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وتتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إليّ، خيري إليك نازل وشرك إلي صاعد} فاعلموا هذا الباب فإنه باب عظيم.

    1.   

    حرمة الأغاني

    واعلم أيها المسلم! أن الأغاني حرام، حرمها علماء الإسلام وإن قلت بالإجماع ما أبعدت القول،وقد دل على ذلك آيات وأحاديث وقال عليه الصلاة والسلام في الصحيح: (ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) وقال عليه الصلاة والسلام عند ابن خزيمة وغيره بسند صحيح (إني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة، وصوت عند مصيبة) الدف والطبل حرام للرجال، والموسيقى والعود والكمنجة، حرام للرجال وللنساء، وإنما الجائز للنساء فحسب الدف في الأعراس، أن يضربن بالدف وحدهن بلا خلطة، مع رجال، وبلا نظر إلى رجال، وبلا قول فحش. أن يضربن بأيديهن بالدف لحديث أبي داود في ذلك.

    الغناء أفسد الشباب، وخرب البيوت، وأورث النفاق، وأتى بالزنا، وبغض القرآن إلى القلوب، وأخذ قطاعاً هائلاً من المسلمين وطردهم عن المسجد، وقطع الحبال التي بين العباد وبين الله.

    في الغناء ثلاث مصائب

    قال أحد العلماء: للغناء ثلاث مصائب:

    أولها: قسوة القلب، فلن تجد مغنياً وقلبه لينٌ أبداً بل قلبه أقسى من الحجر ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [البقرة:74].

    ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في بني إسرائيل فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة:13].

    والمصيبة الثانية: وحشة بين العبد، بين المغني وبين الله، المغني لا يقبل الذكر، لا يحب الندوات، لا يحب ذكر الله، لا يحب الدروس، أعرض وامتلأ من الفاحشة، قال ابن تيمية: " الغناء بريد الزنا وما داوم عبد على الغناء إلا وقع في الزنا والعياذ بالله " والمصيبة الثالثة: أنه يحرم غناء الجنة، من أدمن الغناء في الدنيا، صاحب أشرطة الكاسيت، صاحب العود، صاحب الكمنجة، صاحب الفيديو المهدم، صاحب الموسيقى، حرام عليه غناء أهل الجنة، قال الإمام أحمد في المسند بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة جوارٍ يغنين يقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، نحن الخالدات فلا نبيد، طوبى لمن كنا له وكان لنا} دبجها ابن القيم ونظمها فقال:

    قال ابن عباس ويرسل ربنا     ريحاً تهز ذوائب الأغصان

    فتثير أصوات تلذ لمسمع الـ     إنسان كالنغمات بالأوزان

    يا خيبة الآذان لا تتعوضي     بلذاذة الأوتار والعيدان

    فمن حرم على نفسه الغناء؛ سمع غناء تطرب له القلوب حتى تتحرك أشجار الجنة من الغناء هناك نسأل الله من فضله.

    1.   

    حكم السيجارة والشيشة والقات

    واعلموا أن الدخان محرم نص عليه علماؤنا واستدلوا بعموم قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى في حق رسوله عليه الصلاة والسلام: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] فالدخان حرام تعاطيه وبيعه وحمله وإهداؤه وتناوله، فمن يفعل ذلك دخل في الحرمات، والشيشة كذلك والقات محرم نص عليه علماؤنا الحاضرون وسبق إلى ذلك علماء هذه المنطقة على رأسهم الشيخ الإمام حافظ بن أحمد الحكمي له منظومة ورسالة في ذلك وهو الصحيح؛ لأنه مفتر والعياذ بالله.

    1.   

    ثلاث جرائم في شهادة الزور

    ومن المحرمات الغيبة والنميمة وشهادة الزور. شهادة الزور قرنها الله بالشرك: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30].

    شهادة الزور: كادت تتشقق لها السماء، شهادة الزور: تزول لها الجبال، شهادة الزور: ضُلِّلَ بها القضاة، قضاتنا وعلماؤنا في المحاكم ضُلِّلُوا بواسطة شهادة الزور، شاهد الزور: أخذ من الظلم كالجبال، كان عليه الصلاة والسلام يقول: (ألا أخبركم بأكبر الكبائر ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين وكان متكئاً ثم جلس قال: ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت).

    شهادة الزور فيها ثلاث مآثم وجرائم:

    أولها: تضليل القاضي: القاضي يحكم على حسب ما رأى، بعض المخذولين --والعياذ بالله- أخذ في القضية عشرة آلاف وأخبر صديقه أنه شهد شهادة زور بعشرة آلاف، قال صديقه: والله الذي لا إله إلا هو لو ملأوا لك السماء والأرض ذهباً وفضة لأنت الخسران الطريد البعيد من رحمة الله إن لم تتب، عشرة آلاف، مائة ألف الدنيا وما فيها، الذهب، الفضة كاد شاهد الزور أن يكون طريداً بعيداً مغضوباص عليه من الله.

    ثانيها: سلب حقوق المسلمين.

    ومن المنكرات يا عباد الله! الرشوة:

    قال عليه الصلاة والسلام: (لعن الله الراشي والمرتشي) وفي لفظ يروى (والرائش) لعن الله الراشي والمرتشي والرائش، الراشي: الذي يدفع الرشوة للمسئول من أمير أو شيخ أو نائب أو قاض أو أحد من الناس عنده حكم ونفع وضر فيدفع القضية عنه فملعون من دفعها ومن قبلها.

    والرائش: هو الذي يسعى بالواسطة -قبحه الله- أي واسطة قبح الله وجهه في أخذه للمال وفي إعطائه للآخرين فقد خسر خسراناً مبينا، والرشوة منتشرة يوم ضعف الإيمان، ويوم ضعف أثر الصلاة في القلوب، ويوم قلت رقابة الواحد الأحد في نفوس الناس.

    1.   

    احذروا الربا

    اعلموا أن من المنكرات التعامل بالربا، وذلك بالزيادة في الجنسين أو التأجيل فيهما، وعند أهل العلم الربا قسمان: ربا فضل، وربا نسيئة، فربا الفضل هي: أن تزيد في الجنس على جنسه ولو كان يداً بيد، وربا النسيئة هي: أن تؤجل الجنس بجنسه ذهباً بذهب مؤجلاً، أو أن تؤجل من غير الجنس لكن تشترط الزيادة كما سوف أوضحه، قال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: (الذهب بالذهب، مثلاً بمثل، سواء بسواء هاءِ وَهاءَ -يعني يداً بيد- والفضة بالفضة مثلاً بمثل سواء بسواء هاء وهاء -يداً بيد- والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء هاء وهاء -يداً بيد- والبر بالبر مثلاً بمثل سواء بسواء -يداً بيد- الشعير بالشعير مثلاً بمثل -يداً بيد- هاء وهاء) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فهذه الأصناف يشترط في بيعها شرطان اثنان:

    أولاً: المساواة: الذهب بالذهب لا تزد غراماً على غرام، الشعير بالشعير لا تزيد على هذا كيلة ولا وزناً على هذا.

    والشرط الثاني: يداً بيد: لا يجوز أن تبيع براً ثم تأخذ قيمته براً بعد شهر أو أسبوع فهذا ربا.

    وربا النسيئة من صوره ما يفعله بعض الناس في البنوك: يستودع ماله في البنك بفائدة، يحددون له الفائدة الربوية فيقول: لك عشرة بالمائة، أو يقترض من البنك الربوي فيقترض مائة ألف فيأخذون عليه عشرة آلاف ويقضيهم مائة ألف هذا ربا، قال عليه الصلاة والسلام: (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم في الإثم سواء أو قال: هم سواء) وعند الحاكم وغيره من العلماء عن ابن مسعود من حديث يحسنه البعض قال عليه الصلاة والسلام: (الربا ثلاثة وسبعون باباً أدناها مثل أن ينكح الرجل أمه) فنعوذ بالله من الربا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:130] ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278-279].

    واعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم ذكر الرجل العابد: (...أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء ومطعمه حرام، وملبسه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام ويقول: يا رب يا رب يا رب! فأنى يستجاب له!) كيف يستجيب الله له وماله غش؟! أوصيكم يا إخوتي! بالدخل الحلال، بأن تتأكد من مكسبك ومطعمك وملبسك ومشربك ومسكنك أن يكون دخلاً حلالاً ليتقبل الله منك، يروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لـسعد بن أبي وقاص خاله مزعزع دولة الكفر والطغيان، دولة العمالة والضلالة دولة فارس، قال: (يا سعد! أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة).

    1.   

    حقوق المسلم

    واعلموا -حفظكم الله-: أن هناك ثلاثة حقوق: حق للمسلم، وحق للوالدين، وحق للرحم.

    التسليم

    المسلم حقه إذا لقيته أن تسلم عليه، تبدأه بالسلام، ولا يغني أهلاً ولا مرحباً ولا صباح الخير حتى تبدأه بتحية الله التي أنزلها في كتابه وفي سنة رسوله عليه الصلاة والسلام: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) فهي التحية الحقة التي أتى بها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، ثم ترد إن بدأك بالسلام فعند أحمد عن أبي أمامة: {أولى الناس بالله، من بدأهم بالسلام} فإن بدأ هو فرد عليه بأحسن مما قال، فإذا فعلت ذلك فلا بأس أن تقول: مرحباً أو أهلاً أو سهلاً أو صبحك الله بالخير أو مساك الله بالخير.

    التناصح

    ومنها: أنه إذا استنصحك أن تنصح له، أي: إذا طلب منك النصيحة أن تنصح له، تخلص له النصيحة كأنك تنصح لنفسك {الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم} وقال صلى الله عليه وسلم لما بايع جرير بن عبد الله البجلي: {والنصح لكل مسلم}.

    التشميت

    ومنها: أن إذا عطس فشمته، فإذا عطس وقال: الحمد لله، فقل: يرحمك الله، ثم يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم.

    الزيارة

    اتباع جنازته

    ومنها: أن إذا مات مسلمٌ موحدٌ أن تشيع جنازته وأن تحضر الصلاة عليه، وأن تدعو الله له، وأن تواسي أهله بالعزاء، وأن تقف معه بالدعاء الخالص والاستغفار حتى يدفن في قبره، فلك إذا فعلت ذلك من الصلاة والدفن قيراطان من الأجر كل قيراط كـجبل أحد من أعظم جبال المدينة.

    عدم إيذاء الجار

    ومنها: حق الجار، قال عليه الصلاة والسلام: {ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه} وقال سبحانه: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ [النساء:36].

    اعلموا: أن الجار حقه عظيم، (الجار ولو جار) والعرب جعلت ذلك مثلاً، قالت آسية امرأة فرعون كما قال ابن القيم: سبحان الله! طلبت الجار قبل الدار قالت: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم:11] فطلب جوار الله قبل تلك الدار، قال أحد الشعراء يوم دفن ابنه:

    جاورت أعدائي وجاور ربه     شتان بين جاره وجواري

    الجوار تعامل، وذوق، وأخلاق، وإيمان.

    من حق الجار: ألا تؤذيه، وألا تتعرض لحرمه، ولا تنظر إلى عوراته، ولا تكشف ستره، ولا تنهش عرضه، وإن احتاج إليك أن تواسيه، وإن طلبك مالاً وعندك مال فاعطه، وأن تسر لسروره وأن تحزن لحزنه، وأنا أذكر نماذج في حديث حسن ويضعفه بعض العلماء: {أن رجلاً أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! جاري آذاني، قال: اصبر واحتسب، فصبر فزاد جاره من الإيذاء، قال: يا رسول الله! جاري آذاني، قال: خذ متاعك وأهلك وانزل إلى السكة في الطريق، فنزل بأهله فمر الناس على ذاك الرجل فقالوا: مالك؟ قال: أخرجني جاري من داري، قالوا: لعنه الله، فكان المصبح يلعنه والممسي يلعنه، فلما سمع جاره أتى إليه قال: عد والله لا أعود}.

    كان جار ابن المبارك يهودياً، ابن المبارك المجاهد الزاهد العابد الرائع العلامة الذكي الغني، الباذل نفسه في سبيل الله صاحب القصيدة الجميلة: (يا عابد الحرمين لو أبصرتنا) كان جاره يهودياً، كان ابن المبارك إذا اشرى لحماً بدأ بجاره اليهودي، وإذا اشرى فاكهة أعطى أطفال اليهودي، وإذا اشرى ملابس كسا أطفال اليهودي، وفي الأخير أتى تجار لليهودي قالوا: نشتري دارك التي بجوار دار ابن المبارك، قال: داري بألفي دينار، ألف قيمة الدار، وألف قيمة جوار ابن المبارك، قال ابن المبارك لما سمع: لا تبعها وهذا ألف دينار، ثم رفع ابن المبارك يديه ودمعت عيناه وقال: اللهم اهده إلى الإسلام فأتى في الحال وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ثم يقول: والله إن ديناً أخرجك لدين حق، إي والله، الدين المعاملة، أجدادنا فتحوا كثيراً من الدنيا بالمعاملة، إندونيسيا وماليزيا لم تفتح بالسيف، بل فتحت بالجوار، بالمعاملة، بالصدق، فيا أخوتي في الله! الله الله في الجار، (الجار ولو جار) يقول عنترة الوثني يمدح نفسه:

    وأغض طرفي إن بدت لي جارتي     حتى تواري جارتي مأواها

    يقول: من كرمي ومن شيمتي أن جارتي إذا خرجت من بيتها أغض طرفي حتى تعود إلى بيتها، هذا هو الجوار: ألا تفتح نافذة تكشف بها جارك إذا تضرر منها، ألا ترفع صوت المذياع على جارك، ألا تنهره، ألا تسبه، ألا تتسخط على أطفاله، ألا تكون حرباً له، ألا تضايقه في سكة أو طريق، أو شارع أو ممشى، أو بيت أو نافذة أو ما في حكمه.

    1.   

    بر الوالدين

    اعلموا -حفظكم الله- أن من القضايا الكبرى في حياتنا: بر الوالدين، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً [الإسراء:23].

    الوالد والوالدة، للوالدة ثلاثة أرباع الحقوق من الاحترام والتقدير لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح لما سأله رجل: (من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك).

    من حقوق الوالدين: أن إذا دخلت أن تسلم، وأن تقبل أياديهما، وأن تجلس مكسور الجناح أمامهما، لين الكلمة متواضعاً مستجيباً سهلاً كأنك خادم.

    عق ابن أباه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما يفعل بعض الناس في هذا العصر، وكما تعلمون أن بعض الناس تطاول به الإجرام إلى أن يضرب أباه وأمه، فذهب هذا الأعرابي وقد لوى ابنه يده، فذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: ( يا رسول الله! ابني ظلمني عقني ضربني، أطعمته فكبر، وأسقيته فروي، ونومته فنام فلما أصبح هكذا تغمط حقي، قال: هل قلت فيه شعراً، قال: نعم -يذكر ذلك الطبراني وغيره- قال: ماذا قلت؟ قال: قلت لابني:

    غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً      تعل بما أجري عليك وتنهل

    إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت      لسقمك إلا شاكياً أتململ

    كأني أنا الملدوغ دونك بالذي      لدغت به دوني فعيناي تهمل

    فلما بلغت السن والغاية التي      إليها مدى ما فيك كنت أؤمل

    جعلت جزائي غلظة وفضاضة      كأنك أنت المنعم المتفضل

    فليتك إذ لم ترع حق أبوتي      فعلت كما الجار المجاور يفعل

    فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبكى الصحابة، واستدعى ابنه فأخذه بتلابيب ثوبه وهزّه وقال: أنت ومالك لأبيك) أنت لأبيك، أنت ملك له، أنت كالمتاع والبيت، هو سببٌ في إيجادك فلا تكن سبباً في عدمه وإعدامه، هذا من حقوق الوالدين، ولو كان الوالدان عاصيين أو كانا فاجرين أو كافرين فصاحبهما في الدنيا معروفاً، وكلمة المعروف: اللين، أطعهما في طاعة الله ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

    1.   

    صلة الأرحام

    اعلم أن صلة الرحم من أعظم الأعمال، قال سبحانه: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23] قال عليه الصلاة والسلام: (لما خلق الله الرحم تعلقت بالعرش قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: نعم. قال: فذانك لك) قال عليه الصلاة والسلام في الصحيح: (لا يدخل الجنة قاطع).

    ومما اشتهر من قطيعة الرحم: حرمان القريبة الوارثة ميراثها، الأخت، العمة، البنت، بعض الناس يحرمونها الميراث، ومنهم من يقطعها الزيارة، ومنهم من لا يزورها ولا يسلم عليها، ولا ينفق عليها إذا احتاجت، هذه من المسائل، ولعل في الأسئلة ولخوف الإطالة ما يكون تكملة لهذه الرسالة التي بعنوان: (رسالتي إلى أهل البادية) وعذراً إن كان الأمر مفهوماً أو أن كثيراً من المصطلحات محصلة، فإنني أعرف أين يتجه هذا الشريط وإلى أين يذهب ومن أكلم، ومن عندي يزدادون -إن شاء الله- بصيرة إلى بصائرهم، ويتذكرون معلوماتهم، ولعل في الإيرادات ما يكون سداً للخلل الذي وقع، فإن أصبت فمن الواحد الأحد، وإن أخطأت فمن الشيطان ومن نفسي وأستغفر الله العلي العظيم.

    فإن تجد عيباً فسد الخللا     فجل من لا عيب فيه وعلا

    إن السلام وإن أهداه مرسله     وزاده رونقاً منه وتحسينا

    لم يبلغ العشر من قول يبلغه     أذن الأحبة أفواه المحبينا

    آخيتمونا على حب الإله وما     كان الحطام شريكاً في تآخينا

    اللهم اجمع بيننا وبين هؤلاء الصلحاء في دار الكرامة في مقعد صدق عند مليك مقتدر، تحيتي مع هذا الشريط لكل مسلم ومسلمة وأطلب منهم الدعاء بظهر الغيب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    1.   

    قضايا مهمة

    وهنا قضايا أحب أن أنبه عليها:

    ألفاظ شركية

    من القضايا المهمة التي أنبه عليها وهي منتشرة في بعض النواحي: ألفاظ الشرك التي يستخدمها بعض الناس متساهلين في ذلك، مثل: ما شاء الله وشئت، وهذا لا يجوز بل ما شاء الله وحده، أو يقول: لولا الله وفلان، أو لولا الله والقاضي، وهذه ليست بجائزة؛ لأن واو المعية والتشريك ليست بواردة، ومثل ألفاظ الشرك التي يدعيها بعض الناس وأشركوا بها وهو نسبة الضر والنفع، والعطاء والمنع، والأخذ والهلاك إلى الجن، كخذوه للجن أو شلوه أو اقتلوه إلى غير ذلك من الألفاظ فهي شرك.

    لا تسأل بوجه الله إلا الجنة

    ومن الألفاظ وهي المسألة الثانية استخدام وجه الله كقولهم: وجه الله عليك أن تفعل كذا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة} وعند الطبراني {ملعون من سأل بوجه الله وملعون من لم يجب} فلا يجوز للمسلم أن يعرض وجه الله لكل قضية صغيرة أو كبيرة، جليلة أو دقيقة. فهذا -والعياذ بالله- من الخذلان وهو من المعصية الظاهرة.

    إحياء السنة

    ومن القضايا: مسألة إحياء السنة، المسلم يقتدي بمحمد عليه الصلاة والسلام سراً وعلانية، ظاهراً وباطناً قال تعالى:لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21]

    والرسول عليه الصلاة والسلام صح عنه أنه قال في صحيح مسلم: {والذي نفسي بيده، لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار} فليعلم هذا.

    من إحياء السنة إعفاء اللحية، وحلقها حرام عند أهل العلم، وجعلوا من يفعل ذلك فاسقاً، وقد صح في إطلاقها وإعفائها أكثر من عشرة أحاديث عن المعصوم عليه الصلاة والسلام، وتربيتها واجب بالإجماع، وحلقها محرم بالإجماع فليعلم ذلك.

    من المخالف للسنة: إسبال الثياب، قال عليه الصلاة والسلام: {ما أسفل من الكعبين فهو في النار} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، يدخل في ذلك إنزال الملابس إلى تحت الكعبين كالثوب والبنطلون والبشت والسروال وما في حكمه.

    ومن المسائل كذلك المخالفة للسنة: لبس الذهب والحرير للرجال، فهو حلال للنساء حرام على الرجال لقوله عليه الصلاة والسلام عند أحمد والنسائي: {هذان -وأخذ حريراً وذهباً- حلال لإناث أمتي حرام على ذكورها} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

    ومما أدعو إخواني إليه: التأكد عند الصلاة من ستر العورة، فإن عورة الرجل من السرة إلى الركبة، فالأزر وما في حكمها من الملابس القصيرة والفوط وما في حكمها على صاحبها أن يتأكد من لبسها وأن يتأكد ألا تظهر الفخذ فإنه قد صح في حديث جرهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {يا جرهد! غط فخذك فإن الفخذ عورة} فمن السرة بل يجعل السترة فوق السرة مما يلي البطن ويجعل من السرة إلى الركبة مستوراً في الصلاة وفي غيرها، فإن عورة الرجل من السرة إلى الركبة، والمرأة كلها عورة إلا وجهها وكفيها في الصلاة.

    غلاء المهور

    من المسائل المهمة التي أنوه إليها: مسألة تسهيل الزواج، فقد علمنا والله بالمعضلات، وسمعنا بالمنكرات في أمر غلاء المهور عند الزواجات، بعضهم أوصلها إلى المائة، وبعضهم إلى المائتي ألف، وبعضهم إلى ثلاثمائة ألف، والذي يفعل ذلك فإنما هو متاجر في عرضه بائع لبناته، لو كان يتقي الله لستر كريمته برجل صالح، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {خيرهن أيسرهن مئونة} أو كما قال.

    وبعض العلماء يصحح هذا الحديث، وعند الترمذي قال عليه الصلاة والسلام: {إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} فليعلم أيها المسلمون! أن تسهيل الزواج بأمور:

    أولها: ألا ترد مستقيماً حسن الخلق إذا تقدم لكريمتك، فإن فعلت ذلك وقدمت صاحب دنيا لا تظفر لا في الدنيا ولا في الآخرة ويصيبك الله برجل فاجر لا يعرف الله.

    ثانيها: أن تسهل مئونة المهر، بعض السلف كان يأخذ أربعة دارهم تعادل أربعة ريالات، خذ يا أخي! مئونة سهلة، والله، لو دفعت أنت المهر وتزوج ابنتك أو أختك أو قريبتك رجلاً صالحاً وكفلها وحفظها وسترها؛ لكنت أنت الفائز في الدنيا والآخرة، والله، ليس وراء المهر المغالى بركة ولا خير ولا طائل، وإنه يعقب صاحبه حسرة وندامة. وإن زواجاً يترتب على مشقة وصعوبة وتكاليف إنه زواج صعب وزواج لا خير فيه إلا أن يشاء الله، وإني أدعو القضاة وشيوخ القبائل، والنواب، والعرائف إلى أن يلموا شملهم فإن كان هنا سهولة فالحمد لله وقد حصل، وإن لم يكن فلينظروا إلى هذه المأساة التي أدمت القلوب وندى لها الجبين، مسألة غلاء المهور، عوانس في البيوت، ست وسبع وثمان في كثير من البيوت ما تزوجن، شباب ما تزوجوا، حواجز وضعت من المال. الله حسيب من فعل ذلك! الله يتولاه بجميل عدله ويكفينا شره وأن يصلح حاله لعله أن يرتدع.

    شرب الشمة يا أيها الإخوة! أمر لا تقره الشريعة لأنه يدخل في عموم الخبائث، فقد ثبت ضرره عند أهل العلم، وما ثبت ضرره وزادت مفسدته على مصلحته فهو محرم بلا شك فليعلم ذلك.

    النظر المحرم

    من المسائل: النظر المحرم وانتشاره بين الناس، إطلاق النظر في الأسواق وفي بيوت الناس وفي الصور الجميلة الخليعة هذا محرم، والنظر سهم من سهام إبليس من كتمه أو غضه أبدله الله حلاوة إيمان يجد حلاوته في صدره.

    وأنا الذي جلب المنية طرفه      فمن المطالب والقتيل القاتل

    غض طرفك، قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30].

    وأنت متى أرسلت طرفك رائداً      إلى كل عين أتعبتك المناظر

    أصبت الذي لا كله أنت قادر      عليه ولا عن بعضه أنت صابر

    ضياع الوقت

    وبقيت مسألة وهي خطيرة: ضياع الوقت عند كثير من الناس، رأينا بعض الناس يجلس في المقاهي بلا قرآن، بلا طلب علم، بلا تفقه في الدين، بلا ذكر لله، بلا حفظ لوقته، يجلس في الغيبة مع الشيشة والدخان والبلوت والباصرة والورقة، فأضاع دنياه وآخرته: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116].

    وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ} وصح عنه أنه قال عليه الصلاة والسلام: {لن تزولا قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن أربع وذكر عمره فيما أبلاه} أين صرفت عمرك، لياليك وأيامك دقائقك وثوانيك؟

    دقات قلب المرء قائلة له     إن الحياة دقائق وثواني

    فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها     فالذكر للإنسان عمر ثاني

    يا شبابنا! مالكم والمنتزهات التي تشغي وتلهي. يا شبابنا! مالكم وما للإعراض. يا شيوخنا يا كبار السن! مالكم وما للغيبة -إلا من رحم ربك- العود الجميل محاسبة الأنفاس: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18].

    غداً يظهر العمل، غداً يظهر الحساب، ويرجح الميزان قال تعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام:94] هذه رسالة أحببت أن أبعثها لأهل البادية جزى الله خيراً من أرسلها، أو ساهم في توزيعها، أو بلغها لتبلغ منا الحجة، وتوضع عنا المئونة، ولئلا نكون كتمة للعلم ولنبرئ ذممنا فقد أسأنا وقصرنا وأخطأنا مع أهل البادية، فيا طلبة العلم! يا قضاتنا، يا دعاتنا! هذه البادية قد رحبت بكم وقد مدت ذراعيها مستقبلة لكم فهل من داعية وهل من محتسب يذهب يعلم الناس الفاتحة، الصلاة، الغسل من الجنابة، التوحيد، يحذرهم من الشرك سوف يلقى الله بخير إن شاء الله كثير.

    وفي الختام أشكر من بنى هذا المسجد وأشكر إمامه ومؤذنه وأهل العلم والحضور وأشكركم شكراً جزيلاً وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767941947