إخوة الإيمان! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عنوان هذا الدرس "رسالة من الفقراء"، وهذه الرسالة مرفوعة من الفقراء الذين يلبسون الثياب الممزقة، والأحذية المرقعة، ولا يجدون كسرة الخبز اليابسة، يجوعون إذا شبع الناس, ويسهرون إذا نام الناس, ويبكون إذا ضحك الناس، أرسلوها إلى المترفين الذين ينامون في القصور المنيفة؛ المذهبة الملمعة المزخرفة, ويدوسون الفرش الوثيرة بالأحذية الناعمة, لا يعرفون البرد ولا الجوع ولا الضمأ ولا العري.
وهذه الرسالة سوف نبحث فيها مسائل مهمة، وسوف نخبر من لم يكن عنده علم أن عندنا فقراء, وأن هنا أسراً فقيرة تعيش الفقر المضني، والديون الباهضة، واليتم والبؤس، أقولها تبرئة للذمة، ولا ينكر هذا إلا رجل لا يعرف المجتمع, ولم يسبر أغواره، ولم يداخل أسراره، يعرف هذا الوضع إمام المسجد والخطيب والداعية الذي يخالط الناس، فكان لزاماً على الدعاة وطلبة العلم أن يقفوا في صف هؤلاء الفقراء, يرفعون حوائجهم، ويتكلمون عن معاناتهم، ويقدمون ويقضون طلباتهم؛ ليرحم الله عز وجل هؤلاء برحمته الواسعة، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الراحمون يرحمهم الرحمن).
لا بد للعبد أن يكون رحيماً بعباد الله عز وجل، وأن يتقرب إلى الله بالشفاعة لهم، جاء عند البخاري ومسلم من حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اشفعوا تؤجروا, وليقض الله على لسان نبيه ما شاء) فالواجب على المسلم أن يرفع حاجات هؤلاء, وأن يتفقد أمورهم, وأن يقف معهم وأن يشفع لهم، وأن يسعى بكل ما أوتي من قوة وبسالة من أجل إسعادهم.
ولا يصح -أيها الإخوة- أن تعيش طبقة منا مترفة غنية؛ تلعب بالأموال في بذخ لا يعلمه إلا الله، وطبقة أخرى تنام على التراب، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس أنه قال: (يقول الله عز وجل يوم القيامة وهو يحاسب الإنسان: يابن آدم, جعت فلم تطعمني، قال: كيف أطمعك وأنت رب العالمين؟ قال: أما تعلم أن عبدي فلان بن فلان جاع فما أطعمته، أما إنك لو أطعمته وجدت ذلك عندي، يابن آدم, ظمئت ولم تسقني. قال: كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان ظمئ فما أسقيته, أما إنك لو أسقيته وجدت ذلك عندي. يابن آدم, مرضت فلم تعدني. قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما تعلم أن عبدي فلان بن فلان مرض فما عدته, أما إنك لو عدته وجدت ذلك عندي).
يروى أن ابن المبارك -رحمه الله- أمير المؤمنين في الحديث -كان إذا اشترى فاكهة بدأ بأبناء جاره اليهودي فيوزع الفاكهة عليهم، وإذا اشترى لحماً بدأ بأبناء اليهودي فوزع عليهم اللحم, وبعدها أسلم اليهودي؛ لأن ديناً أخرج مثل ابن المبارك دين صحيح وثابت، ومعقول، أما أن تكون المشاركة بالكلمات والخطب الرنانة فقط, ثم نترك هؤلاء، فلمن نتركهم؟
أقول هذا من تجربة، أيها الإخوة! وما يمر يوم إلا وعشرات من المديونين ومن اليتامى ومن المساكين, ومن الذين لا يستطيعون الزواج يقدمون أوراقهم، وقد أحرج مثلي وأمثالي من هذه المسائل والقضايا، ماذا يفعل بها؟ أيبقى دائماً يجمع تبرعات؟ أم يذهب فيشفع دائماً عدة مرات، حتى سال ماء الوجه عند كثير من الناس، فالحل أن نتبنى قضية المستضعفين والفقراء والمساكين جميعاً.
أيها الإخوة! إن تفريج الكرب أعظم -عند علماء السنة- من بعض النوافل اللازمة، فأنا أرى أن من يذهب للشفاعة عند مسئول لفقير أو مسكين أو محتاج أفضل ممن يصلي ركعتي الضحى في المسجد، وأحسن ممن يصوم النوافل.
فإنك إن تفرج عن مكروب، أو تقف مع يتيم، أو تكفله، أو تنظر إلى معاق فترفع حاجته، أو تقضي الدين عن مدين، أو تساعد من يريد الزواج أو تجمع له المال, أو تنشئ صندوقاً في قريتك أو في حيك, وتساعد هؤلاء جميعاً خير لك من كثير من النوافل.
قال صلى الله عليه وسلم في فضل الصدقات وفي عظم أجرها وعظم الباذلين, كما صح عنه عليه الصلاة والسلام: {كل امرئٍ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس}.
فالمعلوم أن العبد سوف يستظل بصدقته، فمنهم من تكون صدقته كالجبل, ومنهم من تكون كالرابية أو كالنخلة أو كالكف، ومنهم من لا ظل له، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {إذا تصدق المرء المسلم أو العبد المسلم من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا، فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون كـجبل أحد} وفي الصحيح -أيضاً- أنه عليه الصلاة والسلام قال: {إن لله ملكين يناديان كل صباح، يقول أحدهما: اللهم أعط ممسكاً تلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط منفقاً خلفا} قال الله تعالى: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل:96] مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261] وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {صدقة السر تطفئ غضب الرب} وفي الترمذي: {والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار} فمن ارتكب خطايا أو مخالفات فليطفئها بالصدقة، فإنه لا يسترضى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بمثل الصدقة.
يغضي حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم |
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا |
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته هذا التقي النقي الطاهر العلم |
ودخل رجل على علي رضي الله عنه, والرجل فقير وعلي كان يملك ميزانية الأمة الإسلامية في الكوفة، ومع ذلك كان أفقر الناس، يلبس المرقع ولا يجد حفنة من الزبيب, ويوزع بيت المال ويصلي ركعتين ويقول: [[اللهم اشهد أني ما أمسكت لأهلي حبة ولا تمرة ولا زبيبة]] فأتى الفقير فخجل أن يتكلم بحاجته أمام أمير المؤمنين علي فكتب حاجته على التراب بأصبعه، يقول أريد منك شيئاً، فما وجد علي إلا حلة جميلة غالية من بيت المال؛ فأعطاها لهذا الفقير, وهي تساوي آلاف الدنانير, فقال الفقير:
كسوتني حلة تبلى محاسنها لأكسونك من حسن الثنا حللا |
يقول: حلتك سوف تبلى، لكن والله لأكسونك ثناءً يبقى أبد الدهر، ولذلك بقي هذا الثناء إلى اليوم، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبناء هرم بن سنان لما قدموا عليه: ماذا فعل بكم زهير بن أبي سلمى الشاعر؟ قالوا: مدحنا وأعطيناه. قال: ذهب والله ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم.
يقول زهير في مدح هرم بالكرم والصدقة والإنفاق:
وأبيض فياضٌ يداه غمامةٌ على معتفيه ما تغب فواضله |
تراه إذا ما جئته متهللاً كأنك معطيه الذي أنت سائله |
هو البحر من أي النواحي أتيته فدرته المعروف والجود ساحله |
لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها |
وقال المتنبي:
القلب أعلم ياعذول بدائه وأحق منك بجفنه وبمائه |
لا تعذل المشتاق في أشواقه حتى يكون حشاك في أحشائه |
يقول: لا تعذل الجائع في جوعه حتى تجوع كما يجوع، ولا الضمآن حتى تضمأ، ولذلك فرض الله الصيام على الملايين كلها؛ ليذوق الملك والوزير والأمير والغني الجوع، وليعلموا أن الناس يجوعون، وبعض الناس يعيش اثنى عشر شهراً وهو جائع دائماً.
ولذلك تعوذ النبي عليه الصلاة والسلام من الفقر وقال: {اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر} وفي بعض الآثار يقول: {كاد الفقر أن يكون كفراً} أحياناً يصل بالإنسان إلى أن يتسخط على الله عز وجل، فقد يصبح الإنسان فقيراً وإذا لم يكن عنده إيمان ولا يقين ولا علم راسخ؛ يتسخط على الله ويرفض القضاء والقدر، فهذا ابن الراوندي الزنديق الفيلسوف الكلب المعفر كان فقيراً مملقاً وكان من أذكياء الناس, لكنه فقير ومع ذلك مظلم القلب، ما يجد كسرة الخبز، وفي الأخير بحث فوجد -بحفظ الله ورعايته- كسرة خبز، فوقف على نهر دجلة يبلها في الماء ويأكلها، فمرت صفوف من الخيول عليها الذهب، فقال: لمن هذه الخيول؟ قالوا: لفلان العبد, عبد من الناس.
قال يخاطب الله: أنا ابن الراوندي فيلسوف الدنيا ما أعطيتني إلا كسرة من خبز الشعير، وهذا البليد الغبي تعطيه الخيول من الذهب، ثم رمى بالكسرة في النهر وقال: هذه قسمة ضيزى، ثم ألف كتاب الدامغ على القرآن يدمغ به القرآن دمغ الله رأسه في النار.
فتجد أن بعض المعاناة تشتد بالإنسان إلى أن يكفر -والعياذ بالله- بسبب الفقر, وتجده إذا تكلمت أنت في العدالة والتآخي والمواساة قال: أين العدالة؟ أين الإسلام؟ أين القرآن والسنة؟ ونحن جوعى ونأكل التراب!!
ويقول آخر:
يمشي الفقير وكل شيء ضده والناس تغلق دونه أبوابها |
وترى الكلاب إذا رأت رجل الغنى حنت إليه وحركت أذنابها |
وإذا رأت يوماً فقيراً بائساً نبحت عليه وكشرت أنيابها |
وبعض الناس يتسخط على القضاء والقدر، فلو قيل له: راجع في وظيفة. لقال: الأبواب مغلقة, ولو كان هناك ألف وظيفة لمنعوني، ولو قيل له: اذهب واعمل. قال: لو أبيع الذهب ما يمكن أن يباع وغيري لو باع التراب لبيع له.
فتقول له: حاول. فيقول: حاولت فأصبت بحالة من الإحباط من كثرة المعاناة. إلى أن ييأس من روح الله, ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.
لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف سجى |
كم فرج بعد إياس قد أتى وكم سرور قد أتى بعد الأسى |
هذا ما أريد أن أقوله باختصار في هذه الليلة، وأنتم رسل خير وصفوة المجتمع، لكم أن تطرحوا حلولاً أخرى ولكم أن تشاركوا، وليس للواحد أن يبقى سلبياً منزوياً يعيش لذاته ولأسرته ولأطفاله؛ بينما أسر المسلمين يعيشون الجوع والعري، والفقر والديون الباهضة, ويبقى شباب الإسلام بلا زواج ولا يجد أحدهم مهراً يسدده، فهذه سوف أطرحها, وفيكم من هو أذكى وأفطن وأعلم فليشارك بالحلول.
لماذا الفقر؟
فإن كثيراً من الناس لا يغطي دخلهم مصروفهم، وتصور ماذا يفعل الذي راتبه ألف ريال وبعضهم أقل، أمام حاجات العصر المتطورة, من لحوم وفواكه وخضروات ومأكولات ومشروبات؛ لأنه يريد أن يعيش العصر والمجتمع والمدنية التي يسكنها. وبعض الناس يصرف الراتب كله في ضيفة واحدة؛ لأنه لا زال هنا الالتزام ولا زالت المروءة ولا زال الكرم موجود، والإنسان إذا دخل عليه ضيف فباستطاعته أن يضيفه بألفي ريال في ليلة واحدة.
أيضاً هناك مصروفات كمصروفات الهاتف والكهرباء والماء ولوازم السيارة والذهاب والإياب والعلاج، ولوازم الطيران من تذكرة وغيرها، هذه كلها لوازم باهضة، فيكون المصروف أعظم بكثير من الدخل، ولا مقارنة بين هذا وهذا.
فلا بد للإنسان أن يوازن بين مصروفه ودخله، (وما عال من اقتصد), وعليه ألا يماشي الناس في أهوائهم؛ لأن بعض الناس تجده يباري الناس وتجده يظاهر الناس، والمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، فهو يريد أن يكون من كرماء الناس وأغنيائهم؛ في العزائم والحفلات والأخذ والعطاء وأثاث البيت ومشترياته لأهله ولباس الأهل, وهذا لا يلزمه أصلاً؛ لأنه ليس مكلفاً من الشرع، إنما قد جعل الله لكل شيء قدراً، وفي الحديث الصحيح: {لينظر أحدكم في الدنيا إلى من هو دونه} فأنت انظر إلى من هو أفقر منك ولا تنظر إلى هؤلاء الذين يرون المليون الواحد عندهم كالريال عندك، فأنت إذا أذهبت ريالاً من عندك خسرك وأنقص ميزانيتك, وهو يذهب بالمليون في لحظة ولا يحس بشيء، فمثل هذا لابد من معرفته مع حلول أخرى, وهذه الحلول لا تهمنا لكنها تهم أناساً آخرين عليهم أن يقوموا بها.
أيضاً الإيجار الباهض للبيوت, فليس كل الناس سواء في المدن أو في الضواحي يملكون بيوتاً فقطاع كبير من الناس من الفقراء والمساكين والأيتام يسكنون بيوتاً بالإيجار، فتجد الإيجار باهضاً قد يصل أحياناً إلى عشرة آلاف أو خمسة عشر ألفاً إلى عشرين ألفاً وهذا كله مضن, فإن البعض يجمع هذا الإيجار في سنة كاملة من أهل الخير ومن المتصدقين والمحسنين، فعلى أهل العقار أن يتصدقوا وأن يراعوا أحوال هؤلاء، وأن يتقوا الله فيهم.
ولماذا لا يقوم الأغنياء -مثلاً- بتوقيف بعض الفلل والعمارات الضخمة والشقق على هؤلاء الفقراء، والطلاب الذين لا يجدون مأوى؟ طالب في الجامعة عنده أسرة وستة أطفال أو سبعة، وراتبه ثمانمائة ريال, ماذا يفعل به مع الإيجار والمصروف والنفقة, ومع تكاليف العصر؟ فهو لا ينفعه ولا يغطي شيئاً من حاجته.
وأنا أرجو من ولاة الأمر باسمكم جميعاً أن يخفضوا على هؤلاء الفقراء والمساكين والمستضعفين، وأن يسامحوهم ويعفوا عنهم, وهذا -إن شاء الله- لا يضر, وهو في ميزان حسناتهم, وسيكسبون الدعاء من المسلمين والتسديد من الله والهداية. وما الذي يمنع من أن يعفى الناس عفواً تاماً من مقتضيات البنك العقاري والزراعي؟ وهذا الأمر يكسب الدعاء والحب والرجاء لهم من الله بالتمكين السداد والرعاية والحفظ وهو أحسن ما يكون. وقد فعل بعض الخلفاء ذلك؛ فإنه ذكر أن هارون الرشيد كان في يوم عيد الفطر يرسل نفقات للناس ما يكفيهم سنة، وكان عمر بن عبد العزيز يوزع الذهب والفضة في المساجد, حتى يقول عمر بن سعيد أحد وزرائه: والله الذي لا إله إلا هو لقد درت من دمشق إلى أفريقيا فما وجدت فقيراً أعطيه الزكاة. لقد أعطاهم وأغناهم عمر بن عبد العزيز، كان يقوم على المنبر ويقول: "يا أيها الناس! من وجد منكم فقيراً فليرفع إلي أمره، أو مسكيناً أو مديوناً" فمثل هذا لو عفي لا يضر أبداً, لأنهم لا يستطيعون أن يجدوا دخلاً يغطي مائتي ألف أو مائة ألف أمام مقتضيات العصر.
جعلت الزكاة -يا أيها الإخوة- لأصناف ثمانية لترفع الحاجة في المجتمع، وأنا أقول -جزماً-: لو صرفت الزكاة صرفاً صحيحاً ما بقي فينا فقير، لكن الزكاة لا تصرف صرفاً صحيحاً، إما أن تصرف في مناطق نائية الأقرب أولى منها، أو أنها تذهب إلى صناديق أخرى, والصناديق تصرف في مصارف قد تنفع لكن ليست هي مصارفها الشرعية, فلماذا لا تؤخذ هذه الملايين؟ أن بعض التجار يقول: بقي من زكاتي ستة مليين عندي، من غير التي سلمها, لكن بقي ستة ملايين, فكيف بالزكاة الأخرى الباقية في الصندوق؟ وبعضهم يملك مليارات, وتصوروا أن بعض التجار يكسب في اليوم الواحد 12 مليون دولار، كسباً وربحاً وليس رأس مال، في اليوم الواحد؛ في الأربعة والعشرين ساعة. فمثل هذا لو أنفق صدقاته ووجهها وكان له لجان يقومون لحالة المتزوجين والفقراء والأيتام لكان أنفع, وأنا أقول هذا الكلام؛ لأنه سوف يبلغ أهل رءوس الأموال والتجار وأثرياء البلاد، وسوف يكون له ردة فعل إن شاء الله.
وبعض الناس الآن يريد أن يخفض لكن يقول: لو كان هناك تحديد لأخذت خمسة آلاف أو عشرة آلاف أما والتحديد أربعين فسآخذ أربعين! وأقول: ما يمنع -أيها الإخوة- أن يكون أقل، والواجب أن ينظر في هذا، وقد قال بعض العلماء الكبار: إن أربعين ألفاً كثيرة على كثير من الشباب.
فعلى آباء البنات أن يتقوا الله عز وجل, فإن من يرضى دينه وأمانته لا يبايع على سلعة, إنما هو يتشرف برحمه وبالقرب منه, والواجب أن يدفع الإنسان من جيبه؛ ليستر ابنته وكريمته, وليكسب رجلاً مسلماً يخاف الله ويرجو لقاءه، هذا هو الواجب.
أما قضية لابد من أربعين ولخالتها عشرة ولعمتها خمسة ولجدتها كذا.. ثم يورث أهل القرية في هذا المهر: فهذه الأمور لا يستطاع لها, وتأتي منها مشكلات -يا أيها الناس- في مجتمعنا, وتأتي منها كوارث يعلمها الله عز وجل، فالواجب أن تكون عشرة آلاف بقدر النفقة والتكلفة.
وهناك منكر آخر وهو ما يفعله الناس في صالات الأفراح؛ فإنهم يأتون بأمور صراحة أنها تخالف منهج الإسلام في الإسراف وفي المظاهر الكاذبة، كلها فقط مظاهر كاذبة للناس ورياء وسمعة, يقول الله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنفال:47] ويقول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {من راءى راءى الله به ومن سمع سمع الله به} وبعض الناس يكون فقيراً ومع ذلك يرائي, فيجمع حشفاً وسوء كيلة, يتدين أموال الناس ويذبح أربعين أو ثلاثين أو عشرين ذبيحة، ثم يرمي لحومها للقطط والكلاب, ثم يبقى في سنة يرد ديون الناس, ولا يجد المهر ولا يجد المصروف ولا الأثاث ولا الحلي، فلماذا لا يكون الزواج مخفضاً؟ ولماذا لا يتم في بيت عائلي لا يحضر إلا عشرة وتكون ذبيحة أو ذبيحتان؟ وليس من الضروري أن يكون في صالة الأفراح.
وفي العطلة الماضية حصل في أبها في صالة الأفراح -التي أعرفها بواسطة الإخوة- 62 زواجاً, وذبائحها بالعشرات, ولو وزعت هذه الذبائح على الفقراء لأغنت أسراً كثيرة تنام ولا تجد كسرة الخبز, ثم يلحق ذلك بالتشريعة التي تبلغ عشرة آلاف إلى خمسة عشر أو عشرين ألفاً، وهذا من سفه الناس، ومن قلة فقههم وقلة خوفهم من الله عز وجل.
فلماذا لا يتزوج الإنسان في بيته ويدعو ثلاثة معه وأهله فقط؟ ولماذا لا تحدد هذه الأمور ويقتصد فيها؟ سواء أرضي عنه الناس أم غضبوا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يروى عنه أنه قال: {من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس}.
فالواجب أن يُنظر إلى المستويات الضعيفة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـعثمان بن أبي العاص في الصلاة كما في سنن أبي داود: {أنت إمامهم واقتد بأضعفهم} فالواجب أن يقتدى بالأضعف وأن ينظر إلى أقل الناس معيشة ومستوى.
أيضاً تعقيد الحياة المعيشية، وارتفاع متطلبات الأسرة، فإن المتطلبات -الآن- ليست كما كانت قبل عشرين أو ثلاثين سنة, وعندنا كبار السن يعرفون هذا، وهم مذهولون من هذه النعم، فالشباب الآن لا يرضى الواحد أن يبقى بالثوب الواحد سنة، وكان كبار السن الواحد منهم يبقى في ثوب واحد سنة وسنتين حتى يرقع الثوب جميعاً, فيكون كله رقعاً, ويذهب الثوب الأصلي الأول، وكانوا في وجباتهم لا يجدون اللحم إلا في السنة مرة في الأضحية فقط، أو إذا جاء ضيف نادر فيجتمع مائة من أهل القرية على ذبيحة واحدة وعندهم الخبز، ولا يعرفون الفواكه ولا اللحوم، ولا الخضروات ولا المعلبات, ولا الثلاجة ولا البرادة، ولا السخانة ولا الدفاية، ولا الحراثة ولا الحفارة، ولا الطيارة ولا السيارة ولا يعرفون شيئاً من هذه، فلذلك كانت مائة ريال تكفيه، أما الآن فأمام مقتضيات العصر لا يمشيه إلا أمر كبير لا بد له من رصيد ولا بد له من مال وإلا أصبح محرجاً أمام مجتمعه.
وبعضهم تجده ينفق أمواله في دول قاصية قد لا يكونون مسلمين, وتجده يوزع أمواله على فقراء النصارى أو فقراء الوثنيين أو الهندوك أو فقراء المبتدعة, ولا يراعي فقراء المسلمين في الدول الإسلامية, ولا فقراء أهل السنة الذين هم الأقربون والأولى بالمعروف، أو يراعي أحوالهم، أو تجد له مصارف في الأموال ليست بصحيحة وغيرها أحسن منها، فالواجب مراعاة مثل هؤلاء الفقراء.
وأحياناً الموظف الذي راتبه ألفان أو ثلاثة آلاف عنده أسرة أو أسرتان أو ثلاث أسر، وهذا لا يغطي دخله أمام مقتضيات الحياة، فلماذا لا يسمح له بالعمل يعمل ما شاء؟ لكن عليه فرض ألا يخل بالعمل في الدوام الرسمي, فإذا انتهى من عمله فليذهب أينما شاء, يخرج أصدافاً من البحر, أو يكسر الأخشاب ويبيعها, أو يبيع مساويك أو يفتح ورشة, ما دام بيعاً شرعياً فهو مطلوب، وكان السلف الصالح يفعلون ذلك، وكان لهم أعمال يحضرونها ويداومون فيها وفي آخر النهار يتاجرون, والله يقول: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:10] يقول إذا انتهت الصلاة وسلم الإمام وسبحتم فاخرجوا اطلبوا الرزق واعملوا واشتغلوا، وأنا سوف أقرأ لكم مقالة في جريدة الندوة عن هذا الأمر.
الكاتب بالعدد والرقم أظهر أن العمال كلهم ليسوا من هذه البلاد، وأنا لا أتحيز لفئة ولا لبلد ولا لشيء, لكن لا يصلح أن يكون هناك أمة عاطلة لا تعمل ولا تؤدي ولا تشتغل ولا تبذل ولا تعطي, فالواجب السماح لهؤلاء بالعمل، ولذلك لما منع هؤلاء الموظفون من العمل زوروا, فهذا يأخذ رخصة باسم أمه وهذا باسم زوجته وهذا باسم أخته ويأخذ أعمالاً، وهذا تزوير, والواجب أن يتركوا على أعمالهم وعلى نياتهم وعلى متطلباتهم.
وأنا أعتقد أن كلامي هذا ليس تدخلاً في شئون الآخرين، وأن من حقي ومن حق غيري من طلبة العلم والدعاة أن يتكلموا بهذا، فقد تكلم به أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والأئمة, حتى ابن تيمية أفرد له مصنفاً اسمه: السياسة الشرعية والحسبة , وله رسالة في المكوس أرسلها إلى السلاطين, ورسالة في الضرائب وله رسالة في الصدقات, والشوكاني له رسالة في ذلك أرسلها إلى السلاطين، فهذه من خصائصنا ومن مهماتنا, وهي من الكتاب والسنة، أن نتكلم عليها في كل مناسبة, وأن ندعو الناس إلى التراحم، ونبين لهم ماذا يجب لهم وماذا يجب عليهم.
فمثل هؤلاء الفقراء يضربهم الفقر والجوع؛ لكثرة أطفالهم ومستلزماتهم, خاصة الآن في كثير من المدارس -مدارس البنين والبنات- تفرض على الطلاب أمور منها أن يكون الزي في بعض المناسبات خاصاً، وأن يشتري بعض الثياب والغتر والجزمات, ومدارس البنات تطلب -مثلاً- زياً خاصاً وتفرض عليهن موديلاً خاصاً, ودفاتر وشناط وحقائب, فيبقى في ديون.
وبعض الفقراء إذا حصل مالاً -من قلة تصريفه ومن ضعفه- يشتري أجهزة لا حاجة له بها, أو أموراً للزينة أو أموراً كمالية وهو يحتاج إلى ضروريات. فأوصي هؤلاء بالاقتصاد في النفقة, والتخفيف والتقليل من النفقات التي لا حاجة فيها.
هذه بعض المسائل التي أردت أن أقولها هنا. ويجدر أن نذكر قول الشاعر الذي يقول:
فقير في المجاعة لا ينام ومسكين ببؤس مستهام |
ومبخوس المعيشة فهو صب على علاته أبداً يلام |
ويفترش الثرى والناس ناموا على ريش الأسرّة قد أقاموا |
لماذا لا نتعامل بالنظام الإسلامي الذي أنزله الله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟
ولماذا لا ننفق الأموال إنفاقاً شرعياً؟ ولماذا لا نتكافل بأوجه التكافل التي فرضها الله عز وجل في كتابه وجعلها سنة في مبدأ رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فهذه المدينة المنورة يقولون: في كتب التاريخ مر بهم حالة فقر فما وجدوا لحماً مدة طويلة, حتى قالوا: أهدي لبيت فقير رأس تيس ليطبخوه ويتعشوا عليه، فأتى هذا البيت الفقير فقالوا: جيراننا أولى منا بهذا الرأس وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9] فأهدوا هذا الرأس لجيرانهم، وجيرانهم أهدوه لجيرانهم وجيران الجيران أهدوه لجيرانهم, ودار في المدينة حتى عاد لمن أهداه أول مرة.
وفي عام الرمادة عام (18هـ) كما عند ابن كثير والذهبي, أن عمر رضي الله عنه وقف على المنبر فقرقر بطنه من الجوع يوم الجمعة, لأنه لم يجد إفطاراً يفطر وفي استطاعته أن يأكل, يقول: [[والله إني أعلمكم بأجود البر وبنسير العسل وبلحم الماعز، لكن أخشى أن أعرض على الله يوم القيامة فيقال لي: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا [الأحقاف:20]]] وقف على المنبر وبطنه تقرقر فقال: [[يا بطن قرقر أو لا تقرقر, والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]] ويقولون: إنه ما أكل سميناً ولا سمناً, وكان يوزع ما يأتيه على الفقراء, ويطوف والصحفة على رأسه, تصنع الثريد امرأته أم كلثوم بنت علي ويطوف وهو يوزع على الفقراء ويقول: أواه يا عمر , كم قتلت من أطفال المسلمين. وكان يضع خده على التراب ويبكي ويقول: لا أرفع خدي حتى ينزل القطر، وصلى بالناس الاستسقاء فما خرج من المصلى إلا والسيول ترزف من المدينة رضي الله عنه.
ليست مهمة إمام المسجد فقط أن يصلي ويخطب يوم الجمعة وينصرف، بل مهمته أن يراعي أهل الحي والقرية، وأنا أدعو كل إمام وكل خطيب أن يتقي الله في المصلين معه, وأن يراعي أهل الحارة, وأن ينظر إلى الفقراء فيهم وأن يجمع التبرعات, ويذهب إلى الأغنياء وإلى التجار، ويذهب إلى الصناديق التي خصصت للتبرعات مثل جمعية البر مثل إعانة المتزوجين وغيرها ويشفع، فهذا هو إمام المسجد الذي جعله الله إماماً وقدوة في الناس، فيجمع ويعطي، فإذا فعلوا ذلك أصلحوا, ولو أن هذه الخطة فعلت لما بقي فقير في المجتمع.
هذه بعض المسائل في هذه المحاضرة التي هي رسالة من الفقراء, رفعوها إلى طلبة العلم والخطباء وأئمة المساجد وإلى المسئولين وإلى أهل الخير من الأغنياء والتجار ومن أعطاه الله مالاً، أن يقف وأن يعطي.
إن عمر بن الخطاب والله ما تصل أن تكون خادماً له، كان عنده ثوب واحد فيه أربع عشرة رقعة, وهو يملك اثنتين وعشرين دولة، والذهب والفضة يحمل على أكتاف الأبطال الذين فتحوا فارس والروم، ويوزع بين يديه, ومع ذلك تدمع عيناه ويقول: والله لا أشبع حتى يشبع أطفال المسلمين. وهذا يفصل أربعين ثوباً من أغلى الأقمشة, وبعضهم عنده أكثر من سيارة جديدة، لمناسبة الزواج سيارة، وللخروج إلى العمل سيارة، وللتمشية سيارة، وللأطفال سيارة، وللخادمة والشغالة سيارة، هذا ترف وضياع, والواجب أن يتعامل بالكتاب والسنة أمام هذا, وأن يتقى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأن يخاف الناس من القدوم على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى؛ لأن المسألة ليست فوضى، الله قرر للناس كتاباً وسنة يكونون عليهما سائرين, لا يحيدون عنهما، ولا ينحرفون. أما أن يكون هناك رجل لا يجد كسرة خبز ورجل يفصل أربعين ثوباً بألوان متعددة, بنفسجي وفوق الأحمر وتحت الأشعة الحمراء وأخضر وأصفر وأبيض ومبرقش فهذا ليس بصحيح، بل باطل، وبعضهم أيضاً عنده عشرون بشتاً، والبشت قيمته خمسة عشر ألفاً، وبعضهم عنده ثلاثون حديقة وثلاثون قصراً وثلاثون خادماً وثلاثون سائقاً... وهكذا, لماذا هذا الترف؟ والمسلمون من لهم؟ والفقراء والأيتام من لهم؟
ومن صور الوقوف مع الفقراء تخصيص صندوق في البيت لجمع الصدقات, فنحن والله أسرفنا في مصروفاتنا, في أكلنا وشربنا ولباسنا, فالواجب أن نخصص من دخلنا الشهري لفعل الخير، وهذا يسمى صندوق الجنة الذي يدخلك الجنة، فـعثمان بن عفان ما دخل الجنة لأن اسمه عثمان، إنما دخل الجنة بماله فقد كان تاجراً, وأنا أعرف من الأغنياء حتى ممن يحضر هنا ممن أسعدهم الله بالمال، ونعم المال الصالح في يد الرجل الصالح, نجاهم الله من كربات يوم القيامة من كثرة فعلهم للخير، ووالله إنا نتمنى أن يكون المال في يد مثلهم وأمثالهم, وليتهم يملكون مليارات, ونتمنى أن تكون جبال الدنيا ذهباً وفضة فإنهم يعرفون كيف يدفعونها، فهم ينفقونها في المساجد وفي تحفيظ القرآن وفي مساعدة المحتاجين وفي دعم المتزوجين وفي إعطاء الفقراء والمساكين, وهؤلاء هم من جنس أبي بكر وعثمان وابن عوف , حتى يقول المسلمون: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة، فقراء المدينة اجتمعوا فأتت قافلة قدرها سبعمائة جمل من الشام , محملة زبيباً وبراً وألبسة وأعطيات فدخلت المدينة , فخرج الفقراء وخرج التجار, التجار يريدون شراءها والفقراء ليس لهم إلا أن يتفرجوا، الفقراء دائماً يتفرجون في القصور والمشاريع ويقولون: ما شاء الله, ويفركون أصابعهم ثم يعودون بيوتهم.
فقال ابن عوف للتجار: بكم تشترون مني هذه القافلة؟ قالوا: نعطيك في كل درهم درهمين, أي: قيمة التجارة مرتين، قال: وجدت من أعطاني أكثر. قالوا: نعطيك في الدرهم ثلاثة. قال: وجدت من زادني. قالوا: نحن تجار المدينة حاضرون, وما زادك أحد. قال: لا والله لقد وجدت الله زادني وأعطاني في الدرهم سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، أشهدكم أنها بجمالها وأحلاسها وزبيبها وقمحها وثيابها لفقراء المدينة. فولى الناس يبكون ويقولون: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة. وذهب ابن عوف وذهب الفقراء, وذهبت الجمال وذهب القمح والزبيب والثياب وهم عند الله غداً واقفون، قل لي بربك: الذي جمع هذه الأموال والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والقصور ماذا تنفعه إذا مات؟
خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن |
فانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير اللحد والكفن |
يقول عمران بن حطان , وهو خارجي لكنه شاعر مصقاع:
أرى أشقياء الناس لا يسأمونها على أنهم فيها عراة وجوَّع |
أراها وإن كانت تسر فإنها سحابة صيف عن قليل تقشع |
وكثير من هؤلاء الأشقياء الذين ما سعدوا بها لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا نفعتهم؛ تجدهم مصابين بالأمراض، وأكثر مرض السكر عند التجار، وإذا انخفضت الأسهم ارتفع ضغط الدم عند كثير منهم، ولا تجد آثار المال عليه, والفقير ربما يأكل دجاجة كاملة وينام وعنده أطفاله بالبيت, وهذا بالتلفون يتصل وبالبورصة العالمية ويتابع العمال والسكرتير والمستوردين والمصدرين والأسواق, وهو مشغول البال حتى في الصلاة، يقول أحد الشباب: أنه صلى بجانب أحد التجار فقال: بسم الله الرحمن الرحيم كذا مرة، لعلَّ صفقة عرضت له فتذكرها عند دعاء الاستفتاح فأعادها!
أيضاً يقولون: أحدهم مصاب بمستشفى في جدة أصابه مرض تعقد في الأمعاء, التصقت أمعاؤه من سوء التغذية وهو تاجر مليونير، لأنه مسكين لا يجد الكبسات ما عنده وقت, هو يستطيع أن يجعل عمارات من الكبسات لكن ما عنده وقت ليأكل, عنده خبز سندوتش يفطر بها الساعة العاشرة وهي غداؤه وعشاؤه, ويتصل بالهاتف ويكتب الشيكات، حتى التصقت أمعاؤه ثم مرض, فمثل هؤلاء أشقياء نسأل الله السلامة، فيقول عمران بن حطان:
أرى أشقياء الناس لا يسأمونها على أنهم فيها عراة وجوَّع |
أراها وإن كانت تسر فإنها سحابة صيف عن قليل تقشع |
وقال آخر:
دنياك تزهو ولا تدري بما فيها إياك إياك لا تأمن عواديها |
تحلو الحياة لأجيال فتنعشهم ويدرك الموت أجيالاً فيفنيها |
عارية المال قد ردت لصاحبها وأكنف البيت قد عادت لبانيها |
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها |
فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها |
أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها |
فاعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها |
قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها |
لترم بي المنايا حيث شاءت فإني في الشجاعة قد ربيت |
فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويت |
فقد علمنا محمد صلى الله عليه وسلم أن نبيع أنفسنا ودماءنا من الله, لا يرد رءوسنا إذا ما قطعت في سبيله، ولا بارك الله في دمائنا إذا لم تسِل في مرضاته، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى [التوبة:111] وهناك قصيدة لـمحمد إقبال اسمها: "إن الله اشترى" يقول:
نحن الذين استيقظت بأذانهم دنيا الخليقة من تهاويل الكرى |
يقول: كان الناس في أحلام وفي غناء وفي لعب ورقص حتى بعثنا الله.
نحن الذين استيقظت بأذانهم دنيا الخليقة من تهاويل الكرى |
حتى هوت سور المعابد سجداً لجلال من خلق الوجود وصورا |
ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى |
أم من رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيّرا |
ومن الذي دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا |
احفظ هذه الآية آيتك الوحيدة إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى [التوبة:111] كلما أتاك تخويف قل: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111] لذلك يقول ابن القيم: هذا عقد مكتوب السلعة الجنة، والثمن أرواح المؤمنين, والله المشتري، والبائع المؤمنون، والذي أتى بالعقد جبريل والذي وقعه محمد.
أنا قصة من بدر أرسلها الهدى محمد يرويها وجبريل يكتب |
هذه قصة المؤمنين وهذه بيعتهم، فالمال والوقت والتعب والدم لله، وأنت عليك أن تعيش لله، والله إني أعرف أن كثيراً من الأشخاص يعيشون للأشخاص ولا يعيشون لله، فيا أسفاه! ويا ندامتاه! ويا خزياه! ويا عاراه! إذا ذهبت ترضي البشر بإغضاب رب البشر! والله لو أعطيت الدنيا وما فيها فلا تعادل غضب الله عليك، فلا تخف إلا من الله, ولا ترجو إلا الله, ولا تتوكل إلا على الله, ولا ترهب إلا الله, ولا تعمل إلا لله, ولا تطلب إلا رضا الله, ولا تخف إلا من عذاب الله؛ فإن الله إذا عاملته كفاك من كل شر، وأما غيره فلن تجد لك من دون الله سلطاناً ولا نصيراً.
الجواب: الحمد لله، السنة تعزية المصاب من المسلمين بقولك: آجرك الله وغفر لميتك ونحو ذلك، والسنة إرسال الطعام من الناس إلى أهل الميت لاشتغالهم بالمصيبة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن جعفر: {اصنعوا لآل
فلا يجوز اجتماع الناس في بيت الميت لاستقبال الناس, سواء أصنع لهم طعام أم لا؛ لحديث جرير بن عبد الله البجلي قال: {كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة} رواه أحمد وابن ماجة وهو حديث صحيح. فالسنة تعزية صاحب المصيبة عند القبر أو في الطريق أو الذهاب إلى بيته بدون تجمع أو الاتصال به، وليس من السنة ذهاب القبيلة أو غالبها أو جماعة إلى القبيلة الأخرى من أجل التعزية، فهذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا التابعون لهم بإحسان, وهذه من البدع المخالفة للشريعة الإسلامية، وأشد منها وأخطر نصب الخيام وصنع الطعام واجتماع الناس في بيت الميت, مع ما في ذلك من المفاسد كتعطيل الناس عن أعمالهم, وكثرة الكلام بغير ذكر الله, وحصول اللغو والمزاح والضحك, فالواجب النهي عن هذا من قبل أئمة المساجد وخطباء الجوامع ومشايخ القبائل, لأنهم القدوة، فإن هذه بدعة لا يجوز أن تنتشر فينا ولا أن ننشرها بحضورنا نحن، لأننا نضفي عليها شرعية وقداسة. فمن جاءته حجة من الله فانتهى فهذا هو الواجب عليه وهذا هو الدين, ويقول صلى الله عليه وسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}.
عذراً دعاة الهدى مما جنيناه عن كل شهم أصوغ اليوم معناه |
عذراً رأيت التقى والعذر صاحبكم والفخر دوماً لعبد طاع مولاه |
عذراً فأنتم من القرآن مبدؤكم وغيركم من نصوص الغرب فتواه |
عذراً فأنتم إلى الرحمن وجهتكم وغيركم نحو ميخائيل عيناه |
عذراً فما راعكم ما قال جاهلنا كلا وذل المعاصي في محياه |
وهي قصيدة طويلة بديعة, فأشكره وأشكر قبيلة بني شهر, القبيلة الماجدة الوفية التي عودتنا كل خير.
الجواب: أقول: هذا مصداق لما أقوله إننا أمة عاطلة, وإلا فإن هؤلاء الإخوة من مصر واليمن والسودان والصومال ولبنان وفلسطين إخوان لنا في العقيدة والإسلام, وكلنا بلد واحد وشعب واحد، لكن نحن في هذه الرقعة أمة كسل، أحياناً بعض الناس يرى في العمل عاراً، وهذا لا يصح, علينا نحن أن نعمل كما عملوا.
إن مأساة الانحطاط الخلقي الذي انحدرت إليه فنون السينما والمسرح في مصر؟ والتي صورتها كلمات الأستاذ ثروة أباضة في جريدة الأهرام خير تصوير, لم تعد تخص مصر فحسب, بل العالم العربي والإسلامي التي تشكل الأفلام والمسرحيات المصرية جزءاً كبيراً من برامجه التلفزيونية، ومعروضات أسواقه التجارية من أفلام السينما والفديو، ومهما حاولت إدارة التلفزيون في بعض الدول الإسلامية كـالمملكة أن تفرض شيئاً من الالتزام على العروض التلفزيونية, بما في ذلك الإعلانات التجارية التي تبدو فيها النساء محجبات؛ فإن الأفلام والمسرحيات المصرية تظل كما وصفها الأستاذ ثروة أباضة , حتى في ملابس ممثلاتها وتصرفاتهم ومجمل المحتويات الهابطة والمضامين المتردية لهذه الأفلام.
وإن تعجب فعجب أن يأتي النقد المرير من كاتب روائي مصري, ليس من دار الفتوى ومراكز التوجيه الديني التي يفترض أن تشن على كل ذلك حرباً شعواء, وأن تكون هي رأس الحربة للإصلاح.
إن الكثير من أجهزة الحكم في عالمنا العربي تتعاون اليوم تعاوناً واسع النطاق مع شتى معاهد العلم ووسائل الإعلام ومراكز البحوث والمؤسسات الدينية؛ لدراسة التطرف الديني ومحاربته واستنقاذ الشباب من الانخراط في صفوفه -أي: في صفوف الالتزام- والمطلوب الآن قبل أي شيء آخر أن تضع كل هذه الأجهزة على جدول أعمالها مواجهة تطرف السفول والانحطاط والفساد والفسق قبل فوات الأوان.
لا شلت يمينك، وصح لسانك وأثابك الله، يقول: هذه الأجهزة التي سلطت جهودها على شباب الصحوة والمتطرفين, ويسمونهم متطرفين من الدعاة والأخيار وطلبة العلم والخطباء والقضاة والعلماء, يقول: لماذا لا تشن حملة على هؤلاء المتطرفين من الجانب الآخر أهل الفسق والسفول والانحطاط والجريمة والفاحشة وإشاعة الدمار في العالم؟ هذا هو الواجب.
ورسموا الدلة بـ بسم الله الرحمن الرحيم, ورسموا البراد بجانبه بقوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف:31] وهذا تبذل وامتهان لكتاب الله, وقد حرم أهل الفتوى فعل هذا، فعلى من وجد مثل هذا أن ينبه, ولعل هذا الكلام أن يبلغ جريدة عكاظ لئلا تفعل هذا، لأنهم الآن سوف يتصلون ويقولون الواجب أن تناصحونا سراً ما دام وقع هذا. ونقول: سبحان الله! يطبع من عكاظ في اليوم المئات وتنتشر في البلاد ونحن نقول لكم سراً! ليس من منهج أهل السنة أن يرد على القول المكشوف بالسر، بل المكشوف بالمكشوف والسر بالسر, كما فعل صلى الله عليه وسلم في كثير من خطبه ومواعظه عليه الصلاة والسلام.
الجواب: وجود هؤلاء ومعاريضهم موجودة لا يمر يوم إلا وطالب يطلب،وأحياناً ترى الكثير من الأفراد، يعرف ذلك من يتصدر في المجتمع, أو أن يكون له مهمة كخطابة أو إمامة أو ندوة أو درس أو محاضرة, أو من له تعلق بالناس يعرف هذه الحاجة المضنية، والعجيب أن الإنسان أحرج كثيراً.
الجواب: لا يلزم أن في كل قرية غنياً, بعض القرى من أولها إلى آخرها فقراء حتى يلقوا الله، يحيون فقراء ويموتون فقراء ويحشرون يوم القيامة فقراء، فالقرى الأخرى والمدن الأخرى والتجار الآخرون يعطونهم مما أعطاهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من فضله.
الجواب: سبق وأن نبهت كثيراً ألّا تتخطى الرقاب يوم الجمعة, من أتى متأخراً فليبق متأخراً وليتق الله ولا يؤذ المسلمين، وفي بعض الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتخطى الرقاب فقال: {اجلس فقد آنيت وآذيت} أي: تأخرت وآذيت, فقد جمعت حشفاً وسوء كيلة.
أولاً: مراعاة أوضاع الناس. فإن كثيراً من خطباء الجمعة لا يخدمون المصلحة العامة, ويخطبون خطبة ميتة, إما من كتاب قديم من عهد السلطان عبد الحميد , فتجده إذا جاء يدعو قال: اللهم أيد السلطان عبد الحميد وأيد جنوده. أو خطباً ميتة أو مسجوعة سجعاً متكلفاً, فالواجب عليه أن يجدد في أسلوب الخطابة, وأن يأخذ أنفع الأساليب, وألّا يطيل على الناس، وعليه أن يحفظ الوقت فلا يزيد في الخطبتين عن نصف ساعة إلى ربع إلى ثلث إلى خمس وعشرين دقيقة.
أيضاً عليه أن يتحدث إليهم عن أمورهم ومشاكلهم التي تمر في الأسبوع ويعيش قضاياهم، وعليه أن يحسن من إلقائه، فبعض الناس تجده يكسر في النحو والعربية والآيات، عليه أن يتقي الله في الأحاديث فلا يأتي بأحاديث موضوعة, وقد أخبرنا بعض الناس أن بعض الخطباء أورد أحاديث باطلة ليست من كلامه عليه الصلاة والسلام وهي تغرير بالناس, فعليه أن يتقي الله في مسألة معرفة الحديث الصحيح من الضعيف.
وأيضاً الخطبة هي توجيه للناس وتربية لهم, وحل لمشاكل الناس التي يعيشونها، وليست الخطب في قضايا محددة، بل هي فيما يهم الناس في ردهم إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، في أسلوب عصري مثلما يعيش الإعلام الآن طموحاتنا ومشاكلنا وأمورنا, بغض النظر هل يعيشها عيشة طيبة أولاً؟ وهل الإعلام موفق أو غير موفق؟ فهذا أمر معروف، لكنه يعيش على كل حال مشاكل الناس، بغض النظر عن عرضه هل هو سليم أو لا، فالمطلوب من الخطيب أن يتقي الله.
وليس بلازم على الخطيب أن تكون خطبه في كل المناسبات التي تعلن كأسبوع المرور فيتكلم في المرور، أو أسبوع الشجرة فيتكلم في الشجرة, أو أسبوع المرأة أو النظافة أو غيرها، فمثل هذا له أن يتحدث, لكن بمنطقٍِ إسلامي وبكلام إسلامي تحت مظلة الكتاب والسنة، أما مسألة معالجة القضايا في إطار محدود وأمور باردة لا تنفع الناس فهذا لا يصلح، والإسلام قد كفل هذه الجوانب، لكن أيضاً يتكلم في جميع جوانب الناس, في اقتصاد الناس وثقافتهم ومشكلاتهم, وفي اهتماماتهم التي تهمهم في الدنيا والآخرة.
أيضاً التثبت وأخذ الحيطة, ورجائي من الخطباء أن يتثبتوا في كثير من المعلومات التي تصلهم, فإن بعض الخطباء يقول: سمعت وقالوا وقلنا, ويعلق على "وكالة قالوا" فيقع في ورطة, فالواجب عليه أن يتثبت من كلامه وألّا يتكلم إلا بوثائق وبراهين, وأن يتقي الله فيما يقول وألّا يصدق كل أحد يخبره قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات:6].
أيضاً عدم التجريح, فأدعو ألّا يجرح أحداً، وليس من مبدئنا في الإسلام التجريح, ولا يجوز لنا أن نجرح ولا أن نسمي الأشخاص على المنابر، ولا نتناولهم باللمز ولا بالاستهزاء والسخرية, ولكن علينا أن نعرض الكتاب والسنة على الناس عرضاً مستقيماً, فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: {ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا} فيعرف صاحب الخطأ خطأه.
وأيضاً إذا أخطأ الخطيب في جمعة في مسألة فالواجب إحالته إلى القضاء والعلماء والدعاة؛ حتى يحاكموه على خطئه ويردوا له بالأحسن ويؤدبوه ويوجهوه, فالبشر عرضة للخطأ, وليسوا بمعصومين وليسوا بأنبياء ولا رسل، هم يريدون الخير لكن يخطئون أحياناً في عبارة أو في لفظة، وأحياناً تزل معهم مع الارتجال كلمة لا يريدونها. فالواجب -وقد طالب بذلك العلماء- الواجب إحالتهم على القاضي يسألهم تحت مظلة إياك نعبد وإياك نستعين ويحاكمهم إلى الشرع, فإن أخطئوا فعليه أن يردهم إما أن يعزلهم من الخطابة إذا رأى عدم صلاحيتهم للناس -إذا كان القاضي عالماً- أو يرى أن يستمروا مع التنبيه, أو يرى أن الخطأ لا يوجب التنبيه عليه ولا يوجب توقيف الخطيب ولا يوجب التعزير به فهذا هو الواجب الشرعي, وهذا هو الذي يرضي الله تعالى ورسوله ويرضي المؤمنين.
أسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لنا ولولاة الأمر الصلاح والحيطة والرعاية, وأن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه, وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم, وأن يصلح الراعي والرعية, وأن يؤلف بين قلوبنا على الحق, وأن يجعلنا متآخين متحابين تحت مظلة الأمن والسلام, وألا يجعل فينا شقياً ولا محروماً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين, والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر