أمَّا بَعْد:
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
قبل أن أبدأ في الدرس هنا حدثٌ عالميٌ مهمٌ وخطيرٌ في حياة المسلمين، ولا بد للمسلم أن يعيش واقعه، وأن يعرف أخبار أمته، وأن يعيش الأحداث على الساحة، والحدث المهم في هذه الأيام هو انتصار المجاهدين الأفغان على عدوهم من أهل الكفر والطغيان، وهو انتصار ساحق، يوم قالوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:173-174] موسى عليه السلام رأى البحر أمامه والبحر مغرق، وفرعون خلفه فقال الناس: الهلاك الهلاك، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل؛ فنجاه الله.
إبراهيم عليه السلام رأى النار وهي تلتهب أمامه وهم يريدون دهدهته في النار، فأتاه ملك يقول: ما هي حاجتك؟ قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء.
محمد عليه الصلاة والسلام في بدر وأحد والأحزاب، وفي كل معركة تجتمع عليه الجاهلية وقوى الأرض فيها، فيقول: حسبي الله ونعم الوكيل.. الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:173-174].
قالوا للمجاهدين الأفغان: تعالوا إلى هيئة الأمم المتحدة، قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـهيئة الأمم المتحدة، قالوا: تعالوا إلى مجلس الأمن، قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـمجلس الأمن.. إلى جنيف، قالوا: آمنوا بالله وحده وكفرنا بـجنيف، وخرجوا يهللون ويكبرون وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، واقترب فتح كابل فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:97].
خرجوا بالكلاشنكوف وروسيا بالصواريخ، والطائرات، والدبابات، والسيارات، والمصفحات، والمدرعات، ولكن:
يا غارة الله جدي السير مسرعة في سحق أعدائنا يا غارة الله |
أخذ المجاهدون المتوضئون الصائمون المصلون يَذْبَحونهم على الطريقة الإسلامية..
في فتية من بني الأفغان ما تركت كراتهم للعدى صوتاً ولا صيتا |
قومٌ إذا قابلوا كانوا ملائكـة حسناً وإن قاتلوا كانوا عفاريتا |
هذه من أعظم الأحداث في الساحة، وأنتم تشاهدون وتسمعون، فانظر ماذا تفعل لا إله إلا الله محمد رسول الله مع لا إله والحياة مادة، وانظر ماذا تفعل كلمة: حسبنا الله ونعم الوكيل مع قوى الأرض وجاهليتها وكفرها.
وأما الحديث الخطير المهم، فهو حديث أبي القاسم صلى الله عليه وسلم..
بالله لفظك هذا سال من عسلٍ أم قد صببت على أفواهنا العسلا |
وفي الحديث ثمان مسائل:
المسألة الأولى: الصدقة وفضلها؛ فإنه أتى في حديث أبي سعيد: (تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار).
المسألة الثانية: كفران العشير، وكيف يكون، وما هو العشير؟
المسألة الثالثة: مخاطبة النساء، والتكلم والحديث معهن.
المسألة الرابعة: الرسول صلى الله عليه وسلم مع النساء.
المسألة الخامسة: أسئلة النساء.
المسألة السادسة: كفران الإحسان.
المسألة السابعة: حضور المرأة مجالس الخير.
والمسألة الثامنة: أجر المرأة المؤمنة.
البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها |
فكان يمضي فينتظره الناس، فإذا أطل عليهم أطل بمقدمه المبارك الباهي الذي يملأ العين جلالة، والقلب مهابة، فيتكلم مع الناس بما آتاه الله، وحيٌ من السماء يفيض عليهم بالنور والخير والبركة، فلما انتهى من كلامه للناس إذا بالنساء في طرف المصلى، هن لم يصلين مع الرجال بل كُنَّ في جهة واحدة من المصلى، وهذا فيه درس على أن الاختلاط ليس بوارد، لا في الأماكن التعبدية، ولا في الفصول الدراسية أو الاجتماعات العامة؛ لأن المرأة لها مكانٌ والرجل له مكان.
وفيه درسٌ أيضاً أن على المرأة المسلمة أن تحضر مجالس الخير، واجتماعات البر، وأن تستمع إلى الكلمة النافعة، وأن تستمع إلى الدروس الإسلامية والمحاضرات القيمة، فإن هذا من أعظم الأمور، لكن شريطة أن تغض بصرها، وتتقي ربها، وتحفظ زوجها في غيابه، وفي حديث أم عطية عند البخاري: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الحيض والعواتق وذوات الخدور أن يخرجن يوم العيد} فأما الحائض تعتزل المصلى، وتحضر دعاء المسلمين، وتستمع إلى الموعظة والخطبة، ففيه فائدة تدل على أن الحائض لا تدخل المسجد، ولا المصلى الذي يصلي فيه الناس، لكن بإمكانها أن تحضر في مكان محجوز من وراء حجاب فتسمع الكلمة الطيبة التي تصل إلى قلبها.
ثم اعلموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لا تمنعوا إماء الله مساجد الله} والحديث صحيح، إي للصلاة، وهذا الحديث من رواية ابن عمر، وعند مسلم: { فقال له ابنه
ونعود للحديث.. ولكن جاء عند أبي داود : {أن صلاة المرأة في دارها خيرٌ من صلاتها في مسجدها} وتقول عائشة كما في صحيح البخاري من حديث عطاء: [[لو رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعلت النساء بعده لمنعهن كما مُنعت نساء بني إسرائيل، قال
فخرج صلى الله عليه وسلم وتكلم للناس، فلما انتهى التفت إلى بلال بن رباح مؤذنه داعي السماء لأهل الأرض، الذي يقول فيه الشاعر وهو يتكلم عن المدينة:
فاستفاقت على صبـاحٍ جديدٍ ملء آذانها أذان بلال |
بلال المتوضئ، الذي ما توضأ إلا صلى ركعتين، قصره كالربابة البيضاء في الجنة، لا نسب إلا التقوى، ولا سبب إلا لا إله إلا الله، ولا أسرة إلا لا حول ولا قوة إلا بالله وزاده في الآخرة، فأخذه صلى الله عليه وسلم ليذهب به إلى النساء، فأتى إليهن متكئاً على بلال، وهذا فيه دلالة على يسره صلى الله عليه وسلم وتواضعه.
فلما دلف بطلعته البهية على النساء وكلهن متحجبات، فتكلم معهن وقال: {تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، ثم توقف فقامت امرأة داهية من الدواهي ذكية وقالت: ما بالنا نحن أكثر أهل النار؟}.
أي: ما هو السبب والعلة؟
وهنا فائدة وهي: أن الطالب له أن يناقش، وعلى المرأة المسلمة إذا لم تفهم قضية فيجب عليها أن تبعث للعالم فتسأله وتستفتيه.
تقول: ما بالنا أكثر أهل النار؟ وما هو السر؟ قال عليه الصلاة والسلام وهذا في حديث أبي سعيد: {لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، لو أحسن إلى إحداكن الدهر ثم رأت منه شيئاً؛ قالت: ما رأيت منك خيراً قط}.
فسكتن وأتين يتصدقن، فكن يلقين بما معهن من سخاب، وذهب، وحلي، وأخذ بلال يعرض ثوبه لأنها لبيت مال المسلمين، ويقول: [[فداكن أبي وأمي! فداكن أبي وأمي!]] فأخذ التبرعات. وهنا فائدة وهي: أن المرأة المسلمة لابد أن تشارك بكلمتها ومالها وحليها، وأنها لا يبقى لها إلا ما قدمت عند الله، وأن الحلي والكنز هو الأدب والزهد والعفاف...
يا عامراً لخراب الدار مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمرانُ |
ويا حريصاً على الأموال يجمعها أقصر فإن سرور المال أحزانُ |
من يتق الله يحمد في عواقبه ويكفه شر من عزوا ومن هانوا |
فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركانُ |
وفي هذا الحديث قضايا سوف أتعرض لها.
وهنا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري {ما رأيت ناقصات عقلٍ ودين} وللمرأة المسلمة أن تتساءل: ما بالنا ننقص في عقولنا وفي ديننا؟
فنقول: قد فسر ذلك صلى الله عليه وسلم: بأن المرأة تحيض فتمكث أياماً لا تصوم ولا تصلي، وأما عقلها فشهادة الاثنتين من النساء بشهادة رجلٍ واحد، وليس عليهن ذنوبٌ في نقص العقل، لكن ينتبه لهذا، وإلا فإن فيهن رشيدات، وشديدات، وعالمات، ومتقيات، لهن مكانة في الجنة، وموقف عند الله محمود.. فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195].
منا الفواطم ربات العلا ولنا كل الزيانب هم أهل وعمات |
والله لو أنصف التاريخ أمتنا لسجل المدح عذباً وهو سهران |
ثم الرسول عليه الصلاة والسلام عاش مع المرأة أباً، فقد كان له بنات، وعاش مع المرأة أخاً فله أخوات، وعاش مع المرأة زوجاً فله زوجات، ثم عاش قريباً فله عمات وخالات.
وسوف نعرف في هذا الدرس كيف كان تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الجميع، لأنه هو القدوة، وما أتاك من سواه ومن غير بضاعته فاعلم أن فيها غشاً إذا لم توافق سنته وشريعته عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
ما هي الصدقة؟
الصدقة لا حد لأدناها أو لأعلاها، أما أدناها فالبسمة، والكلمة الطيبة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وأما أعلاها فاسمع إلى الله وهو يقول: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261].
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والصدقة تطفئ الخطيئة) وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا تصدق المرء المسلم من كسبٍ طيبٍ ولا يقبل الله إلا طيباً، فإن الله يتقبله بيمينه ثم يربيه لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه حتى يكون كـجبل أحد).
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل منكم في ظل صدقته يوم القيامة حتى يُقضى بين الناس) إلى غير ذلك من الأحاديث، ومنها ما في الصحيحين كقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أصبح الصباح إلا وملكان يناديان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً).
وهي أنواع: أعظمها وأجلها الصدقة بالعلم، كما قال ابن القيم، ثم الصدقة بالنفس، بأن تسكب دمك في سبيل الله، وتبيع روحك من الله.
يجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجودِ |
ومن الجود: الجود والصدقة بالوقت، تجد بعض المحسنين الصالحين صرف وقته للمسلمين، ليله ونهاره، لا راحة ولا نوم، كله للمسلمين حتى يقول ابن القيم مستشهداً: بعض العرب من كرمه يكرم ضيفه، فإذا تعشى الضيف قال له: أتريد أن تسمر سمرنا معك، أو تريد أن تنام نمنا، فإن قال الضيف: نسمر سمر معه وبذل وقته له، ثم قال:
متيمٌ بالندى لو قال صاحبه هب لي فُديت كَرَى عينيك لم ينمِ |
يقول: لو طلب نومه من عينيه ما نام من كرمه أبداً، ويقول الأول:
أحادث ضيفي وهو يقظان ساهر وعلمي به أن سوف يهجع بعدها |
يقول: أحادثه وهو سهران وأنا متعب، لكنني لا أريد أن أنام حتى ينام هو، وهذه صفة أهل الشيم والمروءة: الجود بالأوقات.
ومنها: الجود بالأموال، فلا ترى حاجة إلا تفعل ذلك فيه، وإنما خص عليه الصلاة والسلام المرأة بالملاحظة عليها في كثرة الصدقة؛ لأن من النساء بذيئات، يكثرن اللعن والسب والشتم، وهي خطايا ولا يطفئ الخطايا إلا الصدقات، فنبه عليه الصلاة والسلام المرأة على أن تتصدق من جلبابها أو ثيابها، أو ذهبها، أو مالها، أو معروفها، وسوف تلقى ذلك كله عند الله تبارك وتعالى.
دخلت امرأة معها ابنتان -والحديث في صحيح مسلم - على عائشة رضي الله عنها وأرضاها فسألتها حاجة، فبحثت عائشة فلم تجد في البيت شيئاً غير ثلاث تمرات، -في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو معلم البشر، وهادي الإنسانية، وماذا تفعل ثلاث تمرات مع امرأة وابنتين؟ لكن: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8] فقامت فسلمتها التمرات، فأعطت كل واحدة من ابنتيها تمرة، وأرادت أن تأكل الثالثة ثم قسمتها بين ابنتيها، فتعجبت عائشة من رحمتها! ثم خرجت المرأة، فأتى صلى الله عليه وسلم فأخبرته عائشة بالقصة، فقال عليه الصلاة والسلام: (من ابتلي بابنتين من هذه البنات فأحسن تربيتهن وأدبهن وزوجهن فهو رفيقي في الجنة) رفيق محمد عليه الصلاة والسلام في الجنة، فمن شاء أن يفعل فليفعل، ومن شاء طريق الجنة فعليه أن يربي بناته في الإسلام تربية إسلامية، هذا شأن الصدقة الذي نص عليها الرسول صلى الله عليه وسلم.
تضوع مسكاً بطن نعمان إن مشت به زينبٌ في نسوة عطرات |
تهادين ما بين المحصب من منى وأقبلن لا شعثاً ولا غبراتِ |
قال: زينب امرأة ابن مسعود، قال: ماذا تريد؟ أدخلها.
وفي لفظٍ أنها سألت مباشرة، وفي لفظٍ عند مسلم أن بلالاً قام بنقل الفتيا من الرسول صلى الله عليه وسلم إليها ومنها إلى الرسول، فدخلت فقالت: يا رسول الله! زعم ابن مسعود... } وزعم هنا لمن لم يُتأكد من لفظه، وزعم للصدق، قال سيبويه: وزعم الخليل، يعني: وقال الخليل، يعني بصدق، ولكن استخدمت في القرآن بمعنى القول المموه الذي لا حقيقة له، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:7].
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً ................................... |
ومربع هذا رجلٌ آخر. والفرزدق كان عدواً لـجرير:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطولِ سلامة يا مربع |
يقول له: أنا أعرف الرجل فلا تخف منه، فإنه لن يذبحك أبداً، زعم الفرزدق أي: من قول مموه كذباً ودجلاً.
فتقول: {يا رسول الله! زعم
الكفران: مصدر كفر، وكفر: غطى، يقال: كفرت البذرة في الأرض إذا غطيتها، وكفر المعروف إذا غطاه، وإنما سمي الكافر كافراً لأنه جحد معروف الله وآياته، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح:29].
قال بعض المفسرين: الكفار: الزراع؛ لأنهم يكفرون البذرة في الأرض، وقال غيرهم: بل الكفار هنا هم الكفار المعروفون الذين كفروا بالله ورسوله واليوم الآخر.
قوله: العشير هو الزوج، وإنما سمي عشيراً من المعاشرة وهي المصاحبة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19].
فكفران العشير من أسباب دخول المرأة في النار، فهي تجحد المعروف، وتنسى الكرم، لو يبدأ معها حياته في شغف ويبذل كل ما يملك ثم تسمع كلمة نابية منه فإنها تنسى المعروف كله، وتنـزل عليه بكلام مثل القذائف، وتكفر بمعروفه وجوده وكرمه، فهذا هو معنى كفران العشير.
فيقول صلى الله عليه وسلم: ( تكفرن العشير) والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم ما يتكلم به لسانه، فقد عاش في البيت زوجاً، ولو لم يتزوج لقال الناس: إنه عليه الصلاة والسلام ما عاشر المرأة، ولا صاحبها ولا عرف أخلاقها، لكن من نعمة الله عز وجل أن أرسله بشراً، ولم يرسله ملكاً، فلو كان رسولنا ملكاً وقلنا للناس: انظروا إلى صبر الرسول وكرمه وزهده، لقالوا: إنه ملك، لكن جعله بشراً ليكون لنا قدوة، ولذلك عاش مع المرأة صلى الله عليه وسلم، والله يقول:وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً [الرعد:38].
وذلك ليعيشوا الحياة آلامها وآمالاها، وطموحاتها ومشاقها، والإنسان المعزول في رأس جبل كيف يصلح أمة، وهو لا يعرف ذنوب الناس.. وحسدهم وأمراضهم؟!
الطبيب الذي يبدأ في غرفة مغلقة مع عقاقيره، ومعمله، وصيدليته، كيف سيداوي المرضى؟
ولذلك الرسل عليهم الصلاة والسلام تزوجوا، حتى إن الإمام أحمد جلس في مجلسٍ مصغر ومعه تلاميذه وحثهم على الزواج، فقال أحدهم: أما أنا فلا أتزوج، قال: ولم؟ قال: ترك الزواج أفضل، قال: من قال لك ذلك؟ قال: حُدثنا عن إبراهيم بن أدهم أنه لم يتزوج، وإبراهيم هذا أحد الزهاد العباد، فقال الإمام أحمد: أوه! وقعنا في بنيات الطريق، يقول الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً [الرعد:38] فهل إبراهيم بن أدهم قدوتنا أو محمد صلى الله عليه وسلم؟ فلذلك استدل الإمام أحمد بسيرته عليه الصلاة والسلام.
أتى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو لا يملك كسرة الخبز، ولا يملك حفنة التمر، ولا يملك إلا كوزاً من ماء، فأخذ نساؤه يطالبن بالنفقة والحلي، أن يشتري لهن ذهباً وفضة وحلياً، فسكت وتأخر عن صلاة العشاء، وسبب تأخره عن صلاة العشاء وهو في الحديث الصحيح عند البخاري: {أن
الزبير بن العوام أحد العشرة المبشرين بالجنة، أتت امرأة تستفتي عمر، وتقول: [[ يا أمير المؤمنين! خطبني
وكفران العشير ورد في صور: أتى رجلٌ -كما في المسند للإمام أحمد- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله!
أشكو إليك ذربة من الذرب وهن شر غالب لمن غلب |
قصيدة طويلة، يقول: أشكو إليك مصيبة من المصائب، قال: ما هي؟ قال: زوجتي! أرته النجوم في النهار، وبعض الناس يفتح الله عليه بزوجة صالحة خاشعة منيبة عابدة تريه النجوم في النهار، فأتى هذا الرجل فقال: {يا رسول الله! أشكو إليك زوجتي -أطلقني أطلقك الله، وأعتقني أعتقك الله- قال عليه الصلاة والسلام وهو يتبسم: وهن شرُ غالبٍ لمن غلب، وهن شرُ غالبٍ لمن غلب} يقول: مهما كان الرجل قوياً صارماً فإن المرأة تغلبه في كثير من الأمور.
دخل أبو أيوب الأنصاري على ابن عمر فوجد الستور -وجد الجدران مسترة بالقماش- فقال أبو أيوب: [[حتى أنت تستر الجدران وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك! قال: غلبنا عليهن النساء]] أي: غلبنا النساء على هذا الأمر ففعلنا، فرجع أبو أيوب ولم يحضر الوليمة رضي الله عنهم جميعاً.
فالرسول عليه الصلاة والسلام عاش مصلحاً بين الناس، ويعرف أن المرأة لا تزال تكفر الإحسان حتى ولو كانت عابدة تصلي الضحى، وتصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وتقوم الليل، فلا يزال في طبيعتها أنها تكفر الإحسان.
جاء رجل من الصحابة إلى عمر رضي الله عنه فطرق عليه الباب، وأراد أن يشكو إلى عمر زوجته أنها آذته -وعمر أمير المؤمنين- فسمع صوت عمر يرتفع على صوت زوجته وصوتها يرتفع على صوته، فولى الرجل، ففتح عمر الباب فإذا بالرجل قد ولى، فناداه وسأله: أين تذهب؟ قال: يا أمير المؤمنين! أتيت في أمرٍ فسمعت صوت زوجتك وصوتك فذهبت، قال: ولم؟ قال: امرأتي آذتني وسبتني وشتمتني، فأتيت أشكوها إليك، فلما سمعت امرأتك تسبك وتشتمك ذهبت، فتبسم عمر رضي الله عنه وأرضاه، وقال: [[إنما العيش بالمعروف، إنها امرأتي تصنع لي خبزي وتغسل ثوبي وتخدمني، فإذا لم نتلطف بهن ما عشنا معهن]] أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه.
ولذلك لا بد في البيوت أن يحصل هذا الأمر لكنه على مستويات، وهذا الأمر من المصائب التي يسأل الله العبدُ أن يكفر بها من الخطايا والذنوب، ففي صحيح البخاري وعند مسلم بلفظ آخر عن حذيفة قال: {كنا جلوساً مع
ولا يخلو بيت من المشاكل الزوجية، وقد جاء في صحيح البخاري أن الرسول عليه الصلاة والسلام أتى إلى ابنته فاطمة فقال: {أين ابن عمك؟ -يقصد
هي بنت من هي أم من هي زوج من من ذا يباري في الأنام علاها |
أما أبوها فهو أشرف مرسل جبريل بالتوحيد قد رباها |
وعلي زوجٌ لا تسل عنه سوى سيفاً غدا بيمينه تياها |
{فخرج، فلحقه صلى الله عليه وسلم فوجده نائماً على البطحاء -أمير المؤمنين!
فأخذ بنو أمية هذه الكنية ليسبوا علياً بها، يقولون: أبو تراب أبو تراب! يقول سعد بن أبي وقاص: والله إنها أحب الكنى إلى علي، أي: لا يرتاح علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلا إذا قيل له: أبو تراب، وأعداؤه يقولون أبو تراب تصغيراً لشأنه رضي الله عنه، فسمع علي رضي الله عنه وأرضاه قولهم أبو تراب فتبسم وقال: [[هي أحب الكنى إلي]].
وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهرٌ عنك عارها |
يقول: لا علي من هذا العار.
والبيت لـأبي ذؤيب الهذلي في قصيدته الرنانة الطويلة التي يقول فيها:
فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها فأول راضٍ سيرة من يسيرها |
وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهرٌ عنك عارها |
واستدل بهذا البيت كذلك عبد الله بن الزبير، فإن بني أميه لا يعرفون معنى لقب ذات النطاقين، فكانوا يعيرون ابن الزبير به، يقولون: يـابن ذات النطاقين، وذات النطاقين هي أسماء بنت أبي بكر أخذت نطاقها رضي الله عنها وأرضاها فقسمته قسمين: قسمٌ تمنطقت به، وقسمٌ ربطت به الطعام للرسول عليه الصلاة والسلام ولـأبي بكر في الغار، فقال صلى الله عليه وسلم: {
والوصية للمرأة أن تتقي الله في زوجها، فقد صح من حديث أبي أمامة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها؛ دخلت جنة ربها} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.. ولا تجحد المعروف، فإن ألأم الناس وأشأمهم من جحد المعروف، ولذلك يسميه العرب لئيماً..
إذا أنت أكرمت الكريم ملكتـه وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا |
فأبغض الناس إلى قلوب الناس هو الذي يجحد معروفهم، وينسى إحسانهم، ويتغافل عما قدموه من مكرمات، فكيف بالزوج الذي قدم لزوجته من المكرمات ما الله به عليم!
فأتى صلى الله عليه وسلم إليهن وليس معه ولا معهن غيره من الرجال، فأخذ يتكلم معهن بطلاقة في شئونهن، قال صلى الله عليه وسلم: (ما منكن امرأة تقدم ثلاثة أولاد إلا كانوا حجاباً لها من النار، قالت امرأة: واثنين، قال: واثنين فقالت المرأة: فنسيت أن أسأله عن الواحد: وفي بعض الألفاظ: وواحد) من قدمت واحداً فهو حجاب لها من النار،(وكان صلى الله عليه وسلم في مجلس مع النساء فأخذن يتمازحن وهو جالسٌ ساكت، فترافعت أصواتهن بالمزح والضحك وهو ساكت، فدخل
فلما قالت: الرسول رحيم رؤوف سهلٌ لين وأنت فظٌ غليظ القلب، تبسم عليه السلام ونظر إلى عمر وقال: (مهلاً يـ
عيينة بن حصن قال للحر بن قيس: [[استأذن لي إلى هذا الأمير يعني: إلى قال: أنا الكريم ابن الكريم ابن الكريم، قال عمر: بل أنت الخسيس ابن الخسيس ابن الخسيس، الكريم ابن الكريم ابن الكريم هو: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم إن كنت كارهة معيشتنا هاتي فحلي في بني بدرِ الضاربون بكل معتـركٍ والطاعنون وخيلهم تجري
فـعمر وأمثاله قصم الله بهم الشياطين الإنسية والجنية، فلا تستطيع النساء أن يتكلمن مع عمر، بل قد صح في روايات عند كثير من أهل المصنفات: [[أن عمر أرسل إلى امرأة وهي حامل في قضية، يريد أن يتثبت منها، فخافت فألقت حملها، وهذه يصححها أهل العلم، فأتي بالمرأة، فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه للصحابة: ماذا ترون في جنينها، هل عليَّ من ديته أم لا؟ فقالوا كلهم: ما نرى عليك شيئاً، أنت أمير المؤمنين وقد أرسلت لها، ولست مضنة التخويف فألقت حملها وكان عمر يقول: معضلة ولا أبو الحسن لها، وكان إذا أنقذه بعد إنقاذ الله قام وقبل رأسه وقال: فديتك يا أبا الحسن! فتكلم الناس فقال: وأنت يا أبا الحسن! ماذا عندك؟ قال: تكلم الناس وقد سمعت منهم، قال: أريدك أنت، ماذا تقول؟ قال: يا أمير المؤمنين! لا تجعل يقينك شكاً.
وهذا الحديث في المصنف لـابن أبي شيبة - قال: فسِّر. قال: يا أمير المؤمنين! أنت الذي خوفتها حتى أسقطت جنينها فعليك ديته -من تسبب في إسقاط جنينها إلا أنت- فوداه عمر رضي الله عنه وأرضاه]].
الشاهد: أن كثيراً من الناس يبلغون من قوة الشخصية حتى لا يستطاع المعايشة معهم، أو القرب والاستفادة منهم، لكن الله عز وجل هو الذي خلقه، وله مصالح في العباد تبارك وتعالى، فمقصودي هنا هو: مخاطبة النساء.
فظنت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان أنه صلى الله عليه وسلم يريد مبايعة باليد كالرجال، فأخرجت يدها من وراء الستار، ويدها غير مخضوبة ليس فيها حناء وغير مقلمة الأظافر، وهذا منظرٌ لا يرضاه الإسلام، وقد حسَّن ابن الأثير في جامع الأصول حديثاً وهو في السنن، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: { إني أكره المرأة أن تكون سلتاء مرهاء} والسلتاء هي: التي لا تختضب، والمرهاء: هي التي لا تكتحل، فهذه قد أصبحت رجلاً، والرجل لا يريد المرأة أن تكون مثله، بل جاء عند النسائي {أن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن الرَّجلَة من النساء} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال}.
الرجل رجل والمرأة امرأة، ولذلك هنا لابد من وقفة وهي: أنه قد تجد بعض الناس يترك رجولته بعد أن يترك دينه، فهو لا يترك الرجولة إلا بعد ترك الدين، فيأتي يقلد المرأة في كل شيء، فيلبس ثوباً شفافاً رهيفاً، طويلاً مائعاً مائساً، ويحمل كعباً، ويطيل جمته ويحلق لحيته، ويطيل أظفاره، ويلبس من دبل الذهب، ويركب باروكة على رأسه، فهذا يشمله اللعن.
وتجد امرأة بالعكس، تأتي فتتشبه بالرجال، صوتها خشن، ولا تختضب، وتبارز الرجال في المنتديات، وتظهر نفسها في أماكن لا يرضاها الله عز وجل، وتريد أن تظهر للجماهير على الشاشات والمسارح والمنتديات، فهذه ملعونة لأنها ظهرت، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالى لم يرض ظهورها.
وللفائدة: لعن صلى الله عليه وسلم أصنافاً وقد جمعها السيوطي في فصل: الذين لعنهم الرسول صلى الله عليه وسلم. فقد لعن النامصات والمتنمصات، والواشمات والمستوشمات، والواصلات والمستوصلات، والواشرات والمغيرات خلق الله وغيرهن.
والنامصة هي التي تنتف شعر حاجبها، فالتي تنتفه ملعونة إلا إذا زاد عن الحاجة أو وصل إلى الجبهة، أو دخل إلى العين، فهذا أمرٌ آخر، والمتنمصة هي التي تطلب ذلك.
والوشم: كالحبر والمداد بأنواعه، فتجعله في خد المرأة أو في يدها كالحبر ثم تغرزه، ثم تركبه فيبقى في الجسم كالخط مكتوباً، والمستوشمة: التي تطلب ذلك.
والواصلة هي التي تصل شعرها بشعر آخر، فلا يجوز أن تصل المرأة شعرها بل لا بد أن يكون شعرها أصلي ولا تزيد فيه، والمستوصلة هي التي تطلب ذلك.
والواشرة هي التي تحد أسنانها، أو تفرق بين أسنانها بشيء بين ثناياها، فهذه ملعونة.. هذا للفائدة.
فأخرجت هند يدها لتبايع الرسول عليه الصلاة والسلام، فالتفت فرأى اليد، لأن العرب في الجاهلية لم يكونوا أهل رفاهية، بل كانوا أهل تعبٍ وكد وشغل، فقال عليه الصلاة والسلام: {ما هذه اليد التي كأنها يد سبع؟! -أي: كأنها يد الذئب أو الأسد- إني أكره المرأة أن تكون سلتاء مرهاء} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فأعادت هند يدها، فقال لها صلى الله عليه وسلم: {بايعي. قالت: ماذا أقول؟ قال: ألا تشركي بالله شيئاً، قالت: لا أشرك بالله شيئاً، أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: ولا تزني، قالت: وهل تزني الحرة؟!} -انظر إليها وهي جاهلية لم تعرف القرآن والسنة، وتقول: وهل تزني الحرة؟! لذلك كان من العار عند العرب أن تزني الحرائر، مع أنه لم يكن عندهم شريعة..
حورٌ حرائر ما هممن بريبة كظياء مكة صيدهن حرام |
يحسبن من لين الكلام روانياً ويصدهن عن الخنا الإسلامُ |
قال: {ولا تزنين، قالت: وهل تزني الحرة؟! قال: ولا تقتلين ولدك، قالت: ربيتهم صغاراً وقتلتهم أنت في بدر كباراً. فضحك عمر حتى استلقى} وهذا صحيح، فالرسول صلى الله عليه وسلم تقرب بدمائهم إلى الله عز وجل؛ لأنهم كفرة مشركون منافقون، ملاحدة زنادقة، عارضوا لا إله إلا الله فذبحهم صلى الله عليه وسلم.
إذاً: يجوز للعالم وطالب العلم للحاجة بلا ريبة أن يخاطب المرأة، ولكن هناك أمر وجد الآن كالاتصال بالهاتف، وما في حكمه، وطرق الأبواب، فللمسلم أن يسأل سؤالاً ولها أن ترد رداً ولا تزيد على الرد، له أن يقول: السلام عليكم، ولها أن تقول: عليكم السلام في الهاتف، ولكن يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32].
مثلاً: يسألها: أين زوجك؟ فتقول: خرج بعد صلاة الظهر، وسوف يصلي في المسجد، ويأتي إن شاء الله بعد الصلاة، لماذا تريده؟ هل تريد أن أكلمه في شيء؟ وتلقي محاضرة، والذي في قلبه فساد سوف يطمع، وهذا لا يجوز؛ بل تجيب جواباً سديداً معروفاً ليس فيه اعوجاج.
كذلك لا ترخي صوتها، وتتغنج فيه، فيطمع لأن قلبه مريض، وفيه شهوة وزيغ والعياذ بالله، وكذلك لا تذهب المرأة فتغلظ صوتها للمسلمين، فيحملها قوله تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ [الأحزاب:32] أن تشدد صوتها فتنبزه نبزاً.
فإذا قال لها: أين زوجك؟ قالت: لا حياك الله ولا بياك خرج إلى المسجد، متى يعود؟ قالت: لا حياك الله ولا بياك يعود في الغروب، أو ترفع صوتها وتقول: من أنت؟ ولماذا تريده؟ فهذا خطأ، فقد قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [الأحزاب:32].
وبعض الناس يقول في بعض الأمكنة: على المرأة أن تضع إصبعها في فمها ليتغير صوتها، وهذا ليس صحيحاً، ولم تأت به شريعته صلى الله عليه وسلم، وهذه تكلفات وتنطعات، وبعضهم يقول: عليها أن تضم فمها، وبعضهم يقول: عليها أن تقوي صوتها وتصلبه كصوت الرجل، لا. يقول تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [الأحزاب:32]. أي: قولٌ فيه خير، فهذا هو المقصد من الخطاب، وعلى المسلم أن يتقي الله عز وجل، وألا يكون اتصاله إلا لغرضٍ محمود، وإذا علم أنه سوف يكون ريبة والشيطان يؤز فيه فليتق الله عز وجل، فإن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً.
وعند الترمذي أن فاطمة أرسلت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام تريد خادمة (جارية تخدمها، تكنس البيت وتقمه، وتنظف الثياب) والرسول عليه الصلاة والسلام قد وزع الجواري -السبي- في الجيش وترك فاطمة ابنته، فأتى في المساء إليها، فوجد علياً في البيت، فقال صلى الله عليه وسلم: {ألا أدلكما على خير لكما من خادم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إذا أخذتما مضجعكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، فهذا خيرٌ لكما من خادم}.
يقول ابن تيمية: هذا الحديث فيه دليل على أنه من قاله رزق قوة بإذن الله، واستطاع أن يقوم بأعماله، فإن الذكر فيه قوة، فمن قال هذه الثلاث والثلاثين تسبيحة، والثلاث والثلاثين تحميدة، والأربع والثلاثين تكبيرة، كن له عوناً وقوة بإذن الله، وتسديداً وهداية على أعماله وأشغاله في الحياة، ومنها: صلاة الفجر، وقيام الليل، فأوصاهم صلى الله عليه وسلم بذلك، فهذا من تربيته صلى الله عليه وسلم.
وكان عليه الصلاة والسلام لا يريد أن يجرح شعور أحد من بناته، بل كان يقف بجانبهن ويتفاعل معهن، ففي الصحيح من حديث أنس قال: {توفي ابنٌ لـ
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري |
فقال صلى الله عليه وسلم: {علي بالطفل، فقدموا الطفل، فإذا نفسه تقعقع بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام، فأخذ يبكي عليه الصلاة والسلام، فقال
ثم جلس في البيت وحده، والصحابة ينتظرون عند الباب، فمن شفقته ورحمته وعطفه لم يستطع أن يبقى مع الناس، ولكن دخل بين النساء عليه الصلاة والسلام، فلما انتهى الغسل أتت أم عطية، وقالت: يا رسول الله! انتهينا، فخلع الثوب الذي يلي بدنه الطاهر، وهذا من الحب والعطف والحنان..
إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا |
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم وما جفت مآقينا |
فأخذ الشعار الذي يلي جسمه -كالفنيلة- فخلعه وقال: {أشعرنها في هذا} وأعطاهن حِقْوه صلى الله عليه وسلم، فلفوا ابنته في ذلك، ثم قام في أول الجنازة ودموعه تنحدر على لحيته صلى الله عليه وسلم، قال علي وأنس: {جلسنا حوله في جنازة
فصلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً، وجمعنا به في دار الكرامة، وأرانا وجهه، ودلنا على خُلُقه وشريعته في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.
هذا شيء من معايشتة صلى الله عليه وسلم للنساء، وقد عاش صلى الله عليه وسلم كذلك أخاً، فإن أخته من الرضاعة، وقد قيل أن اسمها الشيماء بنت الحارث، أرضعته وإياها حليمة السعدية من بني سعد من الطائف، رضي الله عنهم، وسلام عليهم في أماكنهم في الطائف، فإنا نحبهم لأنهم أخوال الرسول عليه الصلاة والسلام من الرضاعة، فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم الطائف، أتت فشقت الصفوف وهي كبيرة في السن، ولا يعرفها صلى الله عليه وسلم لأن بينها وبينه مدة.
فقال الصحابة: من تريدين؟ قالت: أريد الرسول عليه الصلاة والسلام قالوا: من أنت؟ قالت: أنا أخته من الرضاعة، فأخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم فقام إليها وعانقها وبكى وحياها وأجلسها مكانه، وقام يظللها من الشمس، فلما انتهى قال: {تريدين الحياة معي أو تريدين أهلك. قالت: أريد أهلي وأطفالي، فأعطاها مائة ناقة، ثم ودعها عليه الصلاة والسلام}.. فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
وقد سلف أنه عاش صلى الله عليه وسلم مع النساء كذلك، وهن عمات وخالات، فقد دخل يوم الفتح عليه الصلاة والسلام عندما فتح الله عليه مكة، فلما انتهى من الفتح دخل بيت أم هانئ وأم هانئ هذه هيابنة أبي طالب، أخت علي بن أبي طالب، وقد كانت كبيرة في السن كانت في الحرم، والرسول صلى الله عليه وسلم دخل بيتها لأنها ابنة عمه، وقد ارتاح لبيتها، فدخل يغتسل بعد الفتح الذي فتحه الله عليه: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [الفتح:1].فأخذت فاطمة تستره وهو يغتسل عليه الصلاة والسلام، لم تكن أم هانئ في البيت بل كانت في الحرم، تشهد الفتح العظيم، وارتفاع لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأخوها علي بن أبي طالب أتى إلى الحرم يتلفت بسيفه على ابن هبيرة أحد المشركين الكفرة، يريد أن يسقي سيفه من دمه، فأخذ ابن هبيرة هذا يختبئ وراء الناس، وأخذ علي يتلفت عليه بالسيف، والسيف مسلول في يد علي، ويحلف بمن رفع البيت بالحجب ليقتلنه ذلك اليوم، وكلما مسكوا علياً ظهر له ذلك فيعمد إليه بالسيف، فأتت أم هانئ تولول وتدخل على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل، فلما علمت أنه يغتسل تركته، فخرج من اغتساله عليه الصلاة والسلام ومعه ملحفة، فصلى ثمان ركعات خفيفة، حتى تقول: لا أدري أقرأ الفاتحة أم لا، فلما سلم، قال: مرحباً بـأم هانئ.
ثم قالت: {يا رسول الله! ابن عمك يريد أن يقتل
فأتى الرجل إلى علي بن أبي طالب وقال: أجاره الرسول عليه الصلاة والسلام، فتركه.. فهذه من قريباته.
وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أنا ابن العواتك من سليم} وسُليم هي القبيلة التي منها عباس بن مرداس السلمي، وخالاته وعماته أكثر ما رضعن في سليم، فلما أتت المعركة وأتى مالك بن عوف من هوازن من عتيبة، فأتى بجيش جرار كالجبال، فلما رآه صلى الله عليه وسلم وقد فر كثيرٌ من الصحابة بعد المفاجأة من قبل جيش هوازن، نزع صلى الله عليه وسلم نفسه ووثب كالأسد من على البغلة، وأخذ السيف مسلولاً وأخذ حفنة من التراب ثم رمى بها الرءوس وقال: {شاهت الوجوه} فما بقيت عينٌ إلا دخل فيها تراب، وأخذ يقول:
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب |
ويضرب بسيفه ويقول: {أنا ابن العواتك من سليم}.
يقول: من عنده عواتك فليخرج لنا هذا اليوم.
فدخلت أم سليم ونساؤه صلى الله عليه وسلم جالسات، فقالت: {يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق -وهذه مقدمة ما أحسنها! وراءها كلام لكنها عاقلة- فقال صلى الله عليه وسلم: نعم. إن الله لا يستحيي من الحق -تريد أن تمهد للموضوع، من عقلها فمهدت له- قالت: هل على المرأة غسلٌ إذا رأت الماء، وفي لفظٍ إذا احتلمت؟ فغطت
فمن يفتي المرأة ويخبرها بأمور دينها إلا أهل العلم والعلماء، لتكون على بصيرة من دينها، وأنا أوصي الإخوة المسلمين أن يدخلوا الكتيب والشريط الإسلامي، خاصة ما يتعلق بالنساء، والإيمانيات والغيبيات، ولقاء الله عز وجل، أن يدخلوها البيت، وليعلموا أن شريط الغِناء يزيد نساءهم من الله بعداً ومن النار قرباً، وأن شريط الغِناء يملأ البيت حسرة وندامة، وخيبة ونفاقاً، وأن بيتاً يتربى على الغِناء بيتٌ فاسد مهدوم: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة:109].
أفمن أسس بيته على القرآن والسنة، وعلى قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم خيرٌ أم من أسس بيته على الأغنية، والمجلة الخليعة، والفحش والبعد عن الله، لا يستوون، والله لا يهدي القوم الظالمين، فهذه لفتة
والرسول عليه الصلاة والسلام قد تعرض لأسئلة كثيرة، منها: أن حمنة بنت جحش سألته في الحيض فأفتاها، وسألته فاطمة أختها فأفتاها، وغيرهن، كلهن يسألن في الحيض، فلا حياء في الدين، فعلى المرأة أن تسأل وتتفقه في دينها.
بقي من قضايا الحديث أجر المرأة المؤمنة التي تحتسب أجرها على الله وتطيع زوجها في المعروف، والخلاصة أن للزوج حقاً على زوجته، ومن هذه الحقوق:
ثانياً: طاعة الزوج في طاعة الله.
ثالثاً: أن تحسن العشرة بالخلق والطاعة في المعروف، وأن تحفظ نفسها وما له، فلا تجلس أحداً لا يرضاه ولا يرضى دخوله على فراشه أبداً، ولا تتبرج ولا تتكشف، ولا تخنه بالغيب، فإذا فعلت ذلك فقد أساءت له كل الإساءة، وقد قطعت ما بينها وبينه من الرحم والصلة والحقوق الزوجية، ونعوذ بالله من امرأة تفعل ذلك، وتخون زوجها بالغيب فإن الله يقول: حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34].
والمرأة التي تحفظ الله بالغيب هي التي تحفظ زوجها في نفسها وماله.
الرحمة بها واللطف، والكسوة والنفقة، وإعانتها على طاعة الله عز وجل، وإعطاؤها حقوقها في الوقت وفي غيره، والصبر على ما يأتي ويبدر منهن؛ لأن المرأة كالضلع الأعوج، يصبر على أذاها، وكما في الحديث: {لا يفرك مؤمن مؤمنة -أي لا يطلق مؤمنٌ مؤمنة- إن كره منها خلقاً رضي آخر} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وأعيد الحديث وعنوانه، وهو السابع والعشرون من مختصر الزبيدي للبخاري: كفران العشير وكفرٌ دون كفر.. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أريت النار، فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن، قيل: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت لإحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط أو معروفاً قط}.
ولي ثلاثة أسئلة في هذا الموضوع:
أولاً: هل تكون هذه كرامة للناس _ كرامة التيوس - وماذا نسميها؟
ثانياً: ما حكم الإسلام فيه؟
ثالثاً: ما حكم من اعتقد بأنه لا يشفى إلا بإذن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وإنما هو وسيلة أو سبب، علماً بأنه قد شرب رجل أعمى من هذا الحليب ووضع منه على عينيه فشفي، وكذلك امرأة مريضة بداء السكر وعندما شربت منه شافاها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من هذا الداء، وهذا الرجل كذلك، أرجو الإفادة والتوضيح، والله أعلم؟
الجواب: أولاً: حديث التيس طويل، وقد أُخبرت قبل أن أدخل هذا الدرس أن من قضايا الساعة المطروحة الآن أن تيساً يقابل المحكمة للمحاكمة، والحمد لله تُوصل إلى الحكم بالإعدام على هذا التيس.
وهذا التيس شبهة على كثير من الناس الذين ضعف إيمانهم واتصالهم بالله، وفتنة يمتحن الله بها من يشاء، ويرى سبحانه وتعالى عقول وإيمان من يشاء: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:124-125].
والفتن والأحداث التي تقع في الأرض والنزاعات والأطروحات والمسائل كلها ليمتحن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى خلقه: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:2-3]
فهذا التيس استخدمه بعض الناس المنحرفون، ثم نصبه للناس، والحليب الذي فيه فتنة، وأظنه خنثى مشكلاً وليس معزاً تيساً، ثم أخذ الناس من الجهلة وممن قل إيمانهم ومعتقدهم، أو عندهم ثقافة لكن ليست ثقافة نيرة، ليست ثقافة شرعية، ليست ثقافة قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، فانخدعوا بهذا، وسمعت أنهم أخذوا طوابير يحبسون ويأخذون لهم أسماء ويعرضون على هذا التيس هل يجد لهم شفاءً أو علاجاً أم لا؟
وهذا فيه قضايا:
الأولى: كيف تبلغ العقيدة الإيمانية بهذا المجتمع وهذا الشعب المسلم إلى هذا الحضيض، تيسٌ يضحك على ألوف مؤلفة من الناس! تيسٌ يعرض علاجه على العقول التي ما عرفت الله عز وجل! وإنا نشكو حالنا إلى الله عز وجل، سبع جامعات ومؤسسات، ومحاضرات، ودروس، ومكاتب دعوة، وتوعية ثم تأتي القلوب تنتكس إلى هذه الدرجة وإلى هذا الحضيض!
الثانية: لا يسمع الخواجات بما وصلنا إليه من هذا الأمر، أننا أخذنا طوابير على تيس وأننا نطلب منه الشفاء والعافية ونعرض عليه أمراضنا، فإنهم سوف يضحكون علينا، وهم قد ضحكوا علينا مرات كثيرة، لكن هذه المرة لا نريد أن يضحكوا علينا مرة ثانية.
الثالثة: ليته في غير مكة مهبط الوحي، التي سطع منها إشعاع لا إله إلا الله والفتوحات الإسلامية، والتوحيد الخالد، فمحمد من مكة صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد وسعد من مكة، ثم تأتي الخرافة ووراءها أناس من البشر، لا يعرفون دينهم ولا معتقدهم فيلبسون على عقول الناس، هذه مسألة -والله- مخزية.
وأما قول السائل: كرامة الحمير والتيوس، فالأمة يكرمها الله بأن تكون على منهجه، يقول ابن تيمية: الكرامة لا بد فيها من شرطين اثنين، فإذا فقد شرط فليست بكرامة:
الشرط الأول: أن تكون هذه الكرامة على يد رجلٍ صالح يعمل بالكتاب والسنة، قال الشافعي: لا تغتروا بالرجل ولو طار في الهواء، وسار على الماء حتى ترى هل يعمل بالكتاب والسنة. فهذا شرط، فإنسان مخرف يأتي لنا بخزعبلات؛ يحول الفناجين إلى بيض والبيض إلى فناجين؛ ننظر إليه فنجده يصلي بلا طهارة، ويحلق لحيته، ويلبس الذهب، ويتعامل بالربا، ويزني، فنقول: لعن الله البعيد، هذه شعوذة وليست بكرامة، فالكرامة أن تكون أنت في نفسك تعمل بالكتاب والسنة، كما أجرى الله الكرامات للبراء بن مالك، ولـالعلاء بن الحضرمي يدعو الله فتأتي السحابة للتو وتمطر، وأجراها لـخالد بن الوليد عندما أخذ قارورة السم، سم زعاف وقال: بسم الله توكلت على الله، وشربها ولم يصبه شيء، وسعد يقول للجيش: بسم الله اركبوا النهر، فيجمد الله النهر لـسعد، ويمر الخيل، فهذه كرامة لأن سعداً يعمل بالكتاب والسنة.
والشرط الثاني: أن تكون هذه الكرامة لرفع لا إله إلا الله، ولنصرة الدين، فإذا لم يتم هذان الشرطان فليست بكرامة، وإنما هي خزعبلات وخرافات، وتخلف والعياذ بالله.
ابن عربي هذا الملحد الزنديق، الذي يقول عنه ابن تيمية: إن كان صح عنه ما يقول فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، كان يأتي بجبته ويخرج منها دجاجاً وخرفاناً.. أهذه كرامة؟! بعض الملاحدة يأتي إلى السيخ من الحديد فيقسمه أقساماً ثم يركب منه إنساناً ثم يرده على هيئته الأولى، فهذا ابتلاء وسحر.. : يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه:66].
إذاً فليست هذه بكرامة، بل لا بد من الشرطين الذين ذكرهما ابن تيمية، ومن شك فليعد إلى كتابه المجلد الحادي عشر، فقد تكلم عن الكرامة وغيرها في المجلد الحادي عشر من فتاويه، وقد تعرض لها في المجلد العاشر، فهذا هو العلم المؤصل، أما أن تظل تدخل الأمة وهي ساذجة ضائعة، إن أتاهم ساحر أو بهلواني أو كروي أو مغنٍ أو رقاص صدقوه، فهذا ليس بصحيح، ولذلك هذه الثقافات -ثقافات الصحف والجرائد- لم تنفع أصحابها في الساحة، ولم ينفعهم إلا قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنا لا أقول أن طالب العلم يحرم عليه أن يقرأ في الصحف والمجلات، بل لا بد أن يقرأ لكن بعد أن يتزود من ثقافة قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، ويعرف الواقع من الصحف والمجلات..
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفانِ |
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فلانِ |
فيا أهل مكة! الخرافة تجول فيكم وأنتم دعاة التوحيد من أول العهد! ويا أهل مكة! أنتم أبناء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.. ويا أهل مكة! نزل جبريل في غاركم في حراء بالتوحيد.. ويا أهل مكة! من يعرف وينشر التوحيد إذا أصبحت هذه الخزعبلات والخرافات والمضحكات في مكة، وليتها في غير مكة! فالعودة العودة إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسأل الله لي ولكم الثبات والقبول.
الجواب: أنا لا أقصد هذا؛ لأن ابن عمر توهم من ابنه رضي الله عنه أنه يعارض الحديث بلا دليل، وبلا تأويل، أما الاختلاف بالتأويل فلا يوجب الضغينة بين المسلمين في الفرعيات والجزئيات، ولـابن تيمية كلام في رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ذكر فيه أن العالم يعذر، وطالب العلم إذا كان متأولاً في الدليل الفرعي، فإذا قلت لطالب علم: ضم اليد يكون على الصدر، فقال لك: بل تحت السرة، فتقول أنت: فيه حديث، ويقول هو: فيه حديث، فهل تقول: والله لا أكلمك حتى أموت؟! هذا خطأ، لأن له دليلاً وهو متأول في الدليل، بل ترضى عنه وتعذره، ولو كان دليله ضعيفاً، فـابن تيمية يعذر العلماء، ويقول: إما أن يكون الحديث بلغ أحدهما ضعيفاً والآخر صحيحاً، أو أن الحديث وصل إلى هذا العالم ولم يصل هذا، أو أن الحديث منسوخٌ عند هذا العالم وثابتٌ عند هذا، أو أن الحديث فهم منه هذا شيئاً وذاك فهم منه شيئاً آخر.
إذاً أنا لا أقصد هذا، إنما أقصد الذي يعارض السنة جهاراً نهاراً، تقول: تربية اللحى سنة فيقول: لا. ليست بسنة، فهذا يستحق الهجر، فتقول له: الرسول عليه الصلاة والسلام كان يأكل بثلاثة أصابع، ويقول: بسم الله، فيقول: دعنا، نحن في القرن الخامس عشر، أتريد أن تردنا إلى المدينة والعصر الأول؟! فهذا منافق، وتقول: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقصر ثوبه، فيقول: وما لنا حتى بالثوب تأتي لنا بالرسول دائماً! فهذا تهجره وتقاطعه.. قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66].
نسأل الله أن يجمع بيننا وبينكم في مستقر رحمته، وأن يوفقنا وإياكم للاجتماع فيه، والعمل لما يرضيه، والحب فيه.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر