ولهذا الزيغ أسباب لا بد من معرفتها، لكي نكون على بصيرة منها لنتقيها ولنحذر منها عل الله أن يثبتنا على الصراط المستقيم، فمن استقرأ أحوال الزائغين وجد أسباباً كثيرة وعديدة، وفي هذا الدرس بيان لثمانية أسباب منها.
أسعد الله لياليكم بالمسرات، وأيامكم بالخيرات، وجمعنا بكم في الجنات، عنوان هذا الدرس "أسباب الانحراف". عن منهج الله، فما هي أسباب الانحراف؟
ولماذا ينحرف العبد عن طريق الهداية إلى طريق الغواية؟
ولماذا ينحرف العبد عن منهج الله؟
ولماذا يعرض عن كتاب الله؟
هذه الأسئلة وأمثالها تجيب عنها هذه المحاضرة إن شاء الله.
أسباب الانحراف جمعت في ثمانية أسباب، أسردها، ثم أشرحها والله المستعان!
أول أسباب الانحراف عن منهج الله، وعدم طاعة الله، والانطواء تحت ظلال الله: خبث النفس.
والثاني: اتباع الهوى.
والثالث: الفراغ القاتل.
والرابع: الغفلة عن ذكر الله.
والخامس: الصحبة السيئة.
والسادس: طول الأمل ونسيان الموت.
والسابع: التربية على العواطف.
أما الثامن: فهي معايشة الوسائل التي تحطم مصداقية الإيمان.
ولماذا رفضوا القرآن؟
ولماذا أعرضوا عن الهداية؟
قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23] معنى الآية: لا خير فيهم، وفي رواية عن موسى عليه السلام: (أنه كلم الله، فقال: يا رب! تدخل الجنة قوماً وتدخل النار قوماً فلم؟ قال: يا موسى! ازرع زرعاً، فزرع زرعاً، قال: احصده، فلما اكتمل حصده، قال: يا موسى! لم تركت هذا؟ -أي: القصب بقية العلف- قال: لا خير فيه، قال: وأنا أترك في النار من لا خير فيه) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:2] أي: لا خير فيهم، ولا سداد، ولا زلفى إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
وقال سبحانه: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36].
قال أهل العلم: أي من صد عن منهج الله عز وجل قيض الله له قرين سوءٍِ يأخذه إلى الضلال، فمن ترك المسجد، أين تجده؟! أتظن أنه في الجنة؟! لا. هو في المقهى!
من ترك المصحف فهو مع المجلة الخليعة، ومن ترك التلاوة فهو مع الأغنية الماجنة! وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:3].
قيل للجعلان: لم نزلت إلى هذا المستوى؟
قال: همتي أنزلتني.
الجعلان هذا حيوان يعيش دائماً في القذارة، إذا خرج من القذارة مات، فما يعرف إلا القذارة، مثل الخفاش فإنه أول ما يرى الشمس يموت.
يقول أحد الشعراء في رجل من الناس يبتغي الغواية دائماً، يقول:
إذا أدلج الأخيار للفضل في الدجى سريت لزرع الشر في كل منزل |
وإن غرسوا غرس الفضائل في العلا حصدت رخيصاً من قتاد وحنظل |
والمعنى: أنت دائماً لا تحب الخير، الناس يسهرون مع كتاب الله، وأنت تسهر في الغواية -والعياذ بالله- والناس يتقربون من الله، وأنت تتقرب من الشيطان.
الناس يصونون ذممهم وأخلاقهم بأخلاق الإسلام، وأنت دائماً تنتكس في المعصية والغواية، وهما بيتان لطيفان، حبذا لطالب العلم أن يحفظهما.
يقول أحد الأدباء: دخلت على فلان، وكان ماجناً ضائعاً لا يعرف الحياة، فقال: كلما دخلت عليه وجدته يغني بعود، وعنده باطية خمر -والعياذ بالله- يشرب، ويدَّعي الإسلام وأظنه مسلماً، قال: وكلما دخلت على يزيد بن هارون وجدته يقرأ القرآن ويبكي -يخرج من بيت يزيد بن هارون المحدث الكبير فيقابل بيت هذا المجرم- قال: وكلما دخلت على هذا وجدته يغني ويشرب الخمر، وأدخل على يزيد، وهو جاره، فأجده يقرأ القرآن ويبكي.
يزيد بن هارون: عالم زاهد من العباد الكبار، بكى من خشية الله حتى عمي.
قال له أحد تلاميذه: أين العينان الجميلتان يا يزيد بن هارون؟
قال: أذهبهما والله بكاء الأسحار، لكنها عند الحي القيوم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (من ابتليته بحبيبتيه، فصبر عوضته عنهما الجنة) وعوض الله لا عوض مثله، وعزاء الله لا عزاء يشابهه، هذا خبث النفس، وهو السبب الأول، ولذلك لا تجد أحداً يتقرب إلى الله إلا قربه الله.
من الذي أتى إلى باب الله فرده؟
من الذي سأل الله فما أعطاه؟
من الذي استهدى الله فما هداه؟
لكن العبد هو المنحرف: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف:5] هم الذي بدءوا في الزوغان والانحراف، فلما بدءوا ختم الله على قلوبهم، ولذلك يقول بعض الشباب: مالي لا أهتدي؟!
أنت الذي عطلت أسباب الهداية، فلو أردت أن تهتدي لحافظت على الصلوات الخمس، وأتيت إلى مجالس الخير، وإلى المحاضرات الإسلامية، وإلى الدروس النافعة، ولسمعت الشريط الإسلامي، ولقرأت الكتاب الإسلامي، ولرفعت يديك إلى الحي القيوم الذي يقول: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].
الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بيده كل شيء، أجلسكم هنا، وأجلس غيركم في خمارات الخمر وبارات الدعارة -والعياذ بالله- يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ولكن يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] فأنتم بدأتم إن شاء الله خطوات، فاجتباكم، فنسأل الله أن يثبتنا وإياكم.
وسوف أذكر نماذج من هؤلاء.
قال سبحانه: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33] يقول أحد الماجنين من الشعراء وقد نصحه العلماء أن يتوب فما تاب، يقول في بيتين يصور نفسه يوم غلبه الهوى، وقتل نفسه به، ولكن ما أناب ولا تاب، يقول:
أتوب إليك يا رحمن مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوب |
وأما من هوى ليلى وترك زيارتها فإني لا أتوب |
أستغفر الله! قيل له: تب، قال: ربه الهوى.
ولذلك بلغ بعض الناس منزلة لا يستطيع أن يتوب، وبعضهم يبكي وهو في الذنب، فيقال له: تب، قال: والله ما أستطيع، ولقد حاولت كل محاولة وجربت نفسي فما استطعت، بل بعضهم انهزم أمام سيجارة الدخان، فما استطاع أن يتوب منها وأعلن فشله، فقال: لا أستطيع.
يقول سيد قطب في كلام معناه: " يا عاصياً! حاول مائة محاولة، حاول ألف محاولة، ووراء الألف محاولة لعل الله أن ينصرك في الواحدة بعد الألف ".
جلس أحد الحكماء بجانب شجرة؛ وكانت الشجرة ملساء، فرأى نملة تصعد في الشجرة، فكلما صعدت سقطت، ثم تصعد فتسقط، ثم تصعد فتسقط، ثم صعدت فأعانها الله حتى ارتقت، فقام الحكيم، فقال: " الخط الذي طوله ألف خطوة يقطع بخطوة " يعني: بالصبر.
صابر ولا تضجر من مطلب فآفة الطالب أن يضجرا |
أما ترى الحبل بطول المدى على صليب الصخر قد أثرا |
ولعلَّ الله أن ينظر إليك في ساعة يعطي فيها من يشاء، ويهدي فيها من يشاء فيهديك هدايةً ما بعدها ضلالة، وتعرض لنفحات الله عز وجل في ساعات الإجابة، وأدبار الصلوات، وما يدريك لعل يوم هدايتك اليوم، أو غداً، أو بعد غدٍ، فلا تيأس من روح الله: إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87].
الهوى غلب بعض الناس حتى أرداهم في النار والعياذ بالله، والمبتدعة ورؤساء المبتدعة غلبهم الهوى.
ورئي في المنام أن الله مسخه قرداً، أتي به يوم عيد الأضحى، والمسلمون في المصلى، فأتى به خالد بن عبد الله القسري، فوقف خالد، فقال: تب يا جعد! قال: لا أتوب.
سبحان الله! صاحب الضلالة لا ينحرف عن الضلالة، والمهتدي ينهار!
الحبل برقبته، والسيف على رأسه، ويقول له الأمير أمام الناس: تب وإلا ذبحناك، قال: لا أتوب -وهو على ضلالة، غلبه الهوى- فقال خالد في آخر الخطبة: يا أيها الناس! ضحوا تقبل الله أضحياتكم، فإني مضح بـالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، ثم سل سيفه، فذبحه مستقبلاً القبلة فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحج:36].
يقول ابن القيم يروي القصة في ثلاثة أبيات:
ولأجل ذا ضحى بـجعد خالد الـ ـقسري يوم ذبائح القربان |
إذ قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الداني |
شكر المضحي كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان |
يقول: من أراد أن يتقرب إلى الله فليفعل مثله، ومن أراد أن يضحي فليضح بمثل أضحيتك، فالبدنة عن سبعة.
أُتى بخمار جلد خمسين مرة، فسجن مع الإمام أحمد. ووضع في زنزانة الإمام أحمد، ليهينوا الإمام أحمد.
الإمام أحمد لما كتفوه في الليل، أتدرون ماذا بحث؟ يقول الإمام أحمد: أدخلوني، وأنا صائم، قال: ووضعوا الحديد في يدي، وأركبوني على فرس فخشيت أن أسقط من كثرة الحديد، فرموني بالحديد في بيت مظلم، ثم أدخلوا معي خماراً، فأدخلوه في الزنزانة، قال: فالتمست لعلي أجد ماءً أتوضأ، فوجدت ماءً فتوضأت.
واستقبل الإمام أحمد القبلة يصلي ويبكي، ويناجي الله، ويقرأ القرآن، فثار هذا الخمار ولم يصبر، منظرٌ عجيب في السجن! يقرأ القرآن ويسبح! وهذا منهار! فقال: يا فلان! من أنت؟ قال: أنا أحمد بن حنبل، قال: لا إله إلا الله، أنت أحمد بن حنبل! قال: نعم. قال: لم سجنوك؟ قال: قلت كذا، وقالوا كذا، قال: وماذا يقولون؟ قال: يجلدونني حتى أقول، قال: يا أحمد! اصبر على الحق، ولا تجب لهم في الباطل، فوالله لقد جلدوني في الخمر خمسين مرة، وأعود كل مرة.
فكان الإمام أحمد كلما صلى دعا له بالتوبة، فتاب توبةً نصوحاً: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].
مر بوزير من الوزراء، والوزير على فرس، ومع الوزير بغال محملةً خموراً، يريد أن يدخل بها العاصمة، فقال له: أين تذهب؟
قال: أريد أن أدخل، قال: ما هذه؟
قال: أمور، ففتش، فوجد الخمر، فقفز عبد الغني على هذا الوزير من على الفرس، فحطه في الأرض، وبرك على صدره، وأخذ يلطمه، ثم أخذ سكيناً ففجر كل القراب في الأرض.
وهذه نقف معها موقف: متى يكون تغيير المنكر باليد؟ وأحيلكم على ضوابط الأمر بالمعروف، وقد سبق هذا.
إنما الشاهد أن عبد الغني هذا سجن، وغضب عليه السلطان، فسجنه مع النصارى في بيت المقدس، فلما دخل السجن، رأى النصارى والصلبان على نحورهم، فقام يتوضأ، وكلما توضأ في الليل صلى ركعتين وبكى شهيقاً كأن القيامة قامت، فإذا جف وضوؤه، ذهب ليتوضأ، فما نام، فلما أصبح الصباح، أتى النصارى إلى السجان، فقالوا: أخرجنا إلى السلطان لنسلم، فأخرجهم فدخلوا على السلطان، فقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، قال: مالكم؟ قالوا: رأينا عبد الغني البارحة يصلي من صلاة العشاء إلى الفجر، فذكرنا بالقيامة.
وتجد المتكبر الذي ركب هواه يعارض السنن الشهيرة، ويفتي في الدين، تجده مفتياً من هيئة كبار العلماء مجتهداً مطلقاً، تعرض عليه المسائل، قال: لا. هذه من القصور، والأمر فيه سعة، وأنتم متشددون، وليس هذا بصحيح، وأمره إلى الله.
قال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115] قال أحد السلف: " المؤمن إذا فرغ غفل.
قال عمر: [[إنني أنظر إلى الرجل، فإذا رأيته ليس في شأن من شئون الدنيا ولا الآخرة سقط من عيني]] فبعض الناس لا هم له إلا أن يعدد السيارات، ليس عنده عمل. لا يعرف يتنفل، ولا يقرأ القرآن، ولا يسبح، وإنما يجلس في حديقة من الحدائق، أو في دويرة، أو يجلس عند الإشارة، أو على الرصيف، ويأتي من الصباح ينقل السيارة من طرف الشارع، فيوصلها، ويعود يأخذ الثانية، ويوصلها، فما يأتي في المساء إلا ورقبته تكاد تنحط في سبيل اللهو، وأجره على الشيطان.
أمير المؤمنين عمر كان يشتغل، فإذا انتهى من عمل الخلافة ذهب فصلى، فإذا انتهى أصلح بين الناس، فإذا انتهى دار على البيوت، فإذا انتهى دخل يتفقد الأيتام والأرامل، فإذا انتهى أتى إلى الدواوين، فإذا فرغ قال لـأبي موسى: [[ذكرنا بربنا يا أبا موسى!]] فلا فراغ عند المؤمن أبداً، والرسول عليه الصلاة والسلام من أحفظ الناس لوقته، أما الذي يشكو من الضيق والكدر، فهذا لا يعرف معنى الحياة، ولا يعرف سيرة محمد عليه الصلاة والسلام.
وقال بعض السلف: " الراحة بطالة ". فإذا رأيت الإنسان يرتاح، أي: ينام كثيراً، فاعرف أنه بطال. سمعت أستاذاً في شريط يقول: والله لقد عرفت رجلاً نام من بعد صلاة المغرب إلى صلاة الظهر في اليوم الثاني، فقلنا: هذا يمكن أن يكون من أصحاب الكهف: وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً [الكهف:18] وبعضهم في برنامجه أن ينام إلى قرب الظهر، ليس عنده عمل ولا وظيفة، ولا تسبيح ولا نوافل، ولا شغل ولا شيء، فينام إلى الساعة الحادية عشرة، ثم يقوم، فيفطر إلى الظهر، فإن أحسن وكان من المحسنين صلى الظهر، ثم عاد فتغدى، ثم نام إلى العصر، ثم ذهب بسيارته يجول ويصول إلى الغروب، ثم من المغرب إلى العشاء في جلسة لاهية، وبعد العشاء جلسة حمراء يستعيذ منها الشيطان.
ويقال عنه: ربما مرت عليه بعض الليالي يسبح فيها حتى ينام، فإذا اضطجع على فراشه سبح حتى يؤذن الفجر.
وكان سفيان الثوري في بعض الليالي لا ينام
نامت الأعين إلا مقلةً تذرف الدمع وترعى مضجعك |
قيل لـسفيان: لم لم تنم؟ قال: أردت أن أنام فتذكرت يوم يكون عرش الله بارزاً للناس، فما نمت.
وعمر بن عبد العزيز، قيل: أنه مرت به ليلة، فما نام.
وأما عمر بن الخطاب، فقد قيل لـعاتكة: ماذا كان يفعل عمر؟ قالت: إذا أتى إلى فراشه وضع عنده ماء بارداً، فإذا نعس رش وجهه ثم ذكر الله، فإذا نعس رش وجهه، فإذا انتصف الليل قام يدعو ويبكي حتى الفجر، قالت عاتكة: يا أمير المؤمنين! لم لا تنام؟ قال: إن نمت في النهار، ضاعت رعيتي، وإن نمت في الليل، ضاعت نفسي-سلام عليك ورفع الله منزلتك-.
الجنيد بن محمد أحد الصالحين، أتى في سكرات الموت، فأخذ يقرأ القرآن، فأتى الناس -قرابته وجيرانه- يحدثونه، وهو في مرض الموت، فسكت وما حدثهم، وأخذ يقرأ القرآن، قال له ابنه: يا أبتاه! أفي هذه الساعة تقرأ القرآن؟! قال: ومن أحوج الناس مني بالعمل الصالح، فأخذ يقرأ ويقرأ حتى انتهى.
وابن تيمية لما وصلته الوفاة، قال لمقرئ عنده: اقرأ عليَّ القرآن، فقرأ، فلما بلغ القارئ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55] فاضت روح شيخ الإسلام.
عفاء على دنيا رحلت لغيرها فليس بها للصالحين معرج |
كدأب علي في المواطن كلها أبي حسن والغصن من حيث يخرج |
سلام عليك في الخالدين، وجمعنا بك في الصالحين، وروض الله روحك في الأخيار الطيبين:
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30].
وقال الذهبي عن عبد الله بن إدريس العالم الكبير -الله ما أكبره! وما أحسنه!- هذا العالم استدعاه هارون الرشيد ليوليه القضاء، فلما دخل عليه، قال: تولَّ القضاء، قال: لا أتولى، قال: ولم؟ قال: يرسلني أهلي إلى السوق لأقتضي مقاض، فأنسى الغرض الذي أرسلوني إليه، فتوليني أمور المسلمين، قال هارون وقد غضب: سمعت أنك مجنون، قال عبد الله بن إدريس: ما زال أهلي يسمونني مجنوناً إلى اليوم، قال: ليتني ما رأيتك، قال عبد الله بن إدريس لـهارون: وليتني أنا ما رأيتك، ثم خرج من عنده، فلما حضرته الوفاة، جمع ابنه وبناته، وقال: يا بني! لا تعص الله في هذا البيت، والله لقد ختمت القرآن فيه أربعة آلاف مرة. ذكرها الذهبي بسند صحيح.
يقول سبحانه: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ [الدخان:29] قيل لـابن عباس: [[كيف تبكي السماوات والأرض؟! قال: المؤمن يبكي عليه مصلاه ومقعده وممشاه إلى المسجد]].
الخطيب البغدادي المحدث الكبير، كان يأخذ كتاباً إلى المسجد، ويقرأ ذاهباً وآيباً، قيل له في ذلك، قال: أحدث الكتاب، ويحدثني.
وقال أحد الصالحين لتلاميذه: " إذا خرجتم من المسجد فتفرقوا لتقرءوا القرآن، وتسبحوا الله، فإنكم إذا اجتمعتم في الطريق، تكلمتم وضاعت أوقاتكم ".
ما أحسن هذا الوقت! وما أثمنه! وما أعظم قدره عند الله!.
قال الذهبي في ترجمة عبد الرحمن بن أبان بن عثمان حفيد لـعثمان بن عفان، وعبد الرحمن كان غنياً، كان يجمع أهل البيت من العبيد والموالي فيكسوهم، فإذا أكساهم أعتقهم لوجه الله، فيقول له المسلمون: لماذا؟ قال: أستعين بها في غمرات الموت، وأول ليلة في القبر.
فارقت موضع مرقدي يوماً ففارقني السكون |
القبر أول ليلة بالله قل لي ما يكون |
يقول هذا الأديب الشاعر: بت عند جاري، مرة فما نمت لأنه تغير المكان، فكيف بأول ليلة من ليالي القبر؟!!
يقول أحد الصالحين، وقد دخل على سلطان من السلاطين فرآه مغروراً بالذهب والفضة والخيل المسومة، والأنعام، والحرث، قال له: اسمع مني كلمة، قال: ما هي؟ قال:
والله لو عاش الفتى في عمره ألفاً من الأعوام مالك أمره |
لا يعتريه السقم طول حياته كلا ولا ترد الهموم بصدره |
ما كان ذلك كله في أن يفي فيها بأول ليلة في قبره |
أول ليلة هي ليلة عجيبة، ومن أراد أن يتهيأ بضيافة في أول ليلة فليفعل، وليقض على الفراغ، وكان السلف يحرصون على أنفاسهم في سبيل الله، وكانوا يستغلونها.
قالوا عن وكيع بن الجراح: كان يصلي مائة ركعة بخشوع وخضوع من غير الفرائض.
وقالوا عن أحمد: صلى ثلاثمائة ركعة. والضابط في ذاك السنة، وليس العمل بالكثير، ولكن العمل المخلص الصادق الخاشع لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
قال ابن الجوزي في كلام ما معناه في صيد الخاطر: لمحت فإذا الناس يضيعون الأوقات؛ فهذا يجلس فارغاً في السوق، وهذا يتناول المشايخ على وجه الخدمة، أي: يزورهم، وأصبحت الآن الزيارات كثيرة خاصة بين الشباب، يزوره في الله، ويسهره إلى الساعة (اثنتين) في الله، ويضربه في الله، ويغتابه في الله، أصبح كل شيء في الله، وهذه مضيعة للوقت، إذا لم تحدد الزيارة بجدول لعمل، وإلا فالضياع الحتم الذي ما بعده ضياع.
المجد ابن تيمية له شيء عجيب في حفظ الوقت، كان يقول لابنه إذا دخل الخلاء، أو ذهب يغتسل في دورة المياه: اقرأ عليَّ، وارفع صوتك، لعلي أستفيد وأنا هناك، فيقرأ ويرفع صوته. أنفاسهم محسوبة، لأن هذا العمر لا يتكرر.
على كل حال: هذه من علامة الغفلة، ونحن لا نأمر الناس بالإطالة على الناس بالعبادة، لكن الحكم بيننا جميعاً السنة.
قال عمار بن ياسر: {أرسلني صلى الله عليه وسلم إلى قوم من الأعراب في ضواحي المدينة، فأتيت، فإذا هم ليس لهم همٌّ إلا الإبل، فجمعتهم لأعلمهم كتاب الله -أي: يجمع الأعراب الذين عندهم إبل وغنم ليقرئهم الفاتحة- قال: فأتيت، فإذا قوم كالمجانين، نفروا إلى إبلهم لا يريدون، فعدت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فأخبرته، فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له}.
ولذلك تجد بعض الناس فيه غفلة عجيبة، لا يزيد من فقهه وفهمه في الدين، ولا من سؤاله، ولا من ذكره وصلاحه، ويعيش في غفلة وسبات عميق لا يعلمه إلا الله.
ولذلك فمن أسباب الغفلة: سكن البوادي، ونحن لا نقول لأهل البوادي: تعالوا، انقلوا من البوادي إلى المدن، لا. لكن نقول لهم: اعتنوا بدينكم وانتبهوا.
ومنها: القرى فهي من أسباب الغفلة، قال في حديث ثوبان، وفي سنده نظر، أورده البخاري في كتاب الأدب المفرد، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {يا
بعض القرى تمر عليها سنة لا تسمع فيها درساً ولا محاضرة، فهي من أسباب الغفلة التي ما بعدها غفلة.
قال ابن تيمية: " هؤلاء يفهمون مجمل الدين، ولا يفهمون تفصيل الدين ". لأن الدين يحتاج منك كل يوم أن تفهم معلومة أو آية أو حديثاً، أما أن تعيش ستين سنة، وأنت على دينك الأول، فلا يصح، فأنت لا ترضى في الدنيا أن تعيش في بيت واحد هذه الفترة، أو ترضى بسيارة واحدة، أو بثوب واحد، كل يوم تجدد إلا الدين.
قال رجل لـأبي هريرة: [[أريد أن أطلب العلم، لكن أخاف أن أنساه، قال
يقول: الآن ضيعت العلم عندما خفت أن تنسى العلم.
ومن أسباب الغفلة: عدم الحرص على طلب العلم:
كان المجرمون يقولون: الإنسان إذا بلغ كذا وكذا لا يطلب العلم.
أبو بكر طلب العلم وهو شيخ في الأربعين، وعمر طلب العلم وهو كبير، وعثمان طلب العلم وهو كبير، وأصبحوا من العلماء في الدنيا.
قال البخاري: " وتعلم أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام في الكبر ". ولذلك يطلب من الإنسان أن يتعلم ولو كان في الثمانين ويطلب ويتفقه ويجالس أهل العلم، وطلبة العلم، عل الله أن يفتح عليه.
قال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ [الزمر:9].. وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه:114].. وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43].
مر الحسن البصري بفتيان يضكحون يوم العيد، قال: يا فتيان! أجزتم الصراط حتى تضحكون؟! قالوا: لا، ما جزنا، فقال: لا يضحك إلا من تجاوز الصراط.
الحسن البصري لم يكن يضحك، يقولون: كان يتبسم، وقيل له: لماذا لا تضحك؟ قال: كيف أضحك؟! ولعل الله اطلع علي، فقال: اعمل، وعزتي وجلالي لا أغفر لك، أو كما قال.
يقول ابن القيم في بدائع الفوائد: " عجباً لك يا من تخالف الله كل يوم! الخضر رافقه موسى فخالفه ثلاث مرات، فقال له في الثلاثة: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ [الكهف:78] أفما تأمن أيها العبد وأنت تخالف الله كل يوم أن يقول الله لك: هذا فراق بيني وبينك ".
فلذلك الحسن يلوم من يضحك ويلهو كثيراً، والضحك مباح، لكن إذا أصبح عادة وبلادة، وأصبح إلفاً وعدم زيادة في الخير، أصبح صاحبه غافلاً عن طريق الهداية.
يقولون: قالوا لعيسى بن مريم عليه السلام، وقد مر بهم وكان ذاهباً إلى المصلى: ألا تلعب معنا؟! -وهو طفل- قال: ما خلقني الله للعب، قال الله عنه: وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً [مريم:12] وقال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116].
كان بعض السلف إذا واجهوا بعضاً قال: في كم ختمت القرآن؟ كم قرأت اليوم؟ كم سبحت؟ كم صليت؟ ليس من باب الرياء، لكن ليتشجع بعضهم ببعض.
ألا إني أحذر نفسي وإياكم من قرناء السوء: الذين وقفوا في طرق الهداية يصدون شباب الإسلام، وحرفوا وبدلوا في سيرة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام.
وصاحب كالدواء، وهؤلاء أهل المنافع، لا تحتاج إليه إلا وقت الطلب، وضربوا على ذلك أمثلة، مثل: الفران أو الخباز، تحتاج إليه إذا أردت خبزاً في الصباح، أما أن تجلس دائماً مع الفران، وتقول: أحبك في الله، ولا أستغني عنك من الصباح إلى المساء، فهذا ليس بصحيح، والخياط تحتاجه عندما تحتاج ثوباً، والنجار لإصلاح الأبواب، والمهندس للسيارة، فلا يحتاج إليه إلا وقت الحاجة.
وصاحب كالداء يعديك، وهذا السم الزعاف، وهذا الذي يقربك من النار، ويقودك إلى الخزي في الدنيا والآخرة -والعياذ بالله- وهذا اهرب منه، وفر منه فرارك من الأسد، واجعل ثوبك في فمك، وتوكل على الله واهرب.
قال أحد الصالحين: " إذا رأيت الرجل يتهاون في تكبيرة الإحرام مع الجماعة، فاغسل يديك منه"، يعني: تب من مرافقته وقالوا: إذا رأيت الإنسان يتهاون عن فرائض الله، فلا تصاحبه قيد أنملة.
وقال جعفر الصادق لابنه: " يا بني! لا تصاحب ثلاثة: لا تصاحب عاق الوالدين فقد لعنه الله، ولا تصاحب فاجراً فيعديك بفجوره، ولا تصاحب كذاباً، فإن الكذاب يقرب لك البعيد، ويبعد عنك القريب ".
وهذه من أحسن الوصايا. فالصحبة الصحبة.
أحذر نفسي وإخواني من جلساء السوء الذين صدوا عن منهج الله.
يقول أحد الصالحين في صاحب له اسمه محمد يكسب بمنظره وبمسيرته أحسن الصفات، قال:
صحبت محمداً فكسبت منه خلائق من بهاها الليل يبسم |
فقلت له: وايم الله إني بحبك يا أخا العلياء مغرم |
فقال: تهن في عيش كريم كذا من صاحب الأخيار يكرم |
يقول سيد قطب وهو ينقل لنا الحدث والصورة على مسرحية الحياة: " تدخل الغار فتجدهم نياماً، والشمس تزاور عنهم، وتقرضهم ذات اليمين وذات الشمال، وصور لنا فتحة الغار، واتجاه الغار، وعددهم، وأين الكلب ". قال أهل العلم في هذا دروس:
أولها: الكلب لم يدخل معهم من الأدب، فهو كلب محترم، ويقولون: لم يدخل معهم الغار؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة، وبقي هناك؛ ولأن هؤلاء صالحون.
قال: والدرس الثاني: أنه بأدبه ما ذهب وراء الغار، فبعض الكلاب غبي تضعه عند الباب من أجل أن يحرس، فيذهب وراء البيت ينام، أو يلهو ويلعب، أو لا يميز بين الضيوف وغيرهم، وإنما ينبح لهذا وهذا، وهذا كلب غبي، والكلب الذكي: هو الذي يقف بالوصيد، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [الكهف:18] قالوا: وهي هيئة الكلب، فما وقف ليستغرب موقفه، وما أدبر، وإنما بسط، قال: ومن كرامة الله عز وجل لمن صاحب الأخيار أنه أماته معهم، فمكثوا ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعاً.
قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى -اسمعوا أسلوب القرآن-: لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً [الكهف:18] يقول: عيونهم مفتحة، ولحمهم على هيئته، وأجسامهم وأيديهم، ويمكث الإنسان منهم ثلاثة أيام، أو أسبوع، أو شهر، أو سنة، ثم يميل وينقلب، وبعد عشر سنوات ينقلب على الجهة الثانية، وبعد خمسين سنة يمل من جنبه الأيمن، فينقلب، قال أهل العلم: ينقلبون لئلا تأكلهم الأرض.
قال ابن كثير: " انظر كيف صاحب الكلب الشرفاء، فتشرف بهم، فذكره الله، وصاحب أبو طالب النذلاء كـأبي جهل وأمثاله، فأدخلوه النار ".
لا يقول أبي؛ لأن النسب مقطوع في هذا، نسب الولاية، أما نسب الولادة فموجود، فأتى عليه الصلاة والسلام يريد أن يدرك آخر فرصة مع هذا الرجل الذي دافع عنه، وقدم دمه وماله، وكان سيداً من السادات، يقول في قصيدة:
كذبتم لعمر الله نبزي محمداً ولما نقاتل دونه ونناضل |
يقول: والله، لا ندفع لكم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نقطع دونه، فدخل عليه الصلاة والسلام، وأبو طالب في سكرات الموت، وإذا بـأبي جهل وعبد الله بن أبي أمية جالسان عنده، والحديث في صحيح مسلم، فقام رجل من جانب أبي طالب من عند رأسه، فقام صلى الله عليه وسلم ليقرب منه، فقام أبو جهل حتى يحل المكان الشاغر، فقال صلى الله عليه وسلم: {يا عم! قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، يا عم! قل لا إله إلا الله فأراد أن يقولها، فقال -النجس الرجس الخبيث المخبث-
جليس السوء الجرار، قال أهل العلم: الصاحب ساحب، وقال عبد الله بن المبارك: [[من ذا الذي يخفى إذا نظرت إلى قرينه]].
وإذا صاحبت فاصحب ماجداً ذا عفاف وحياءٍ وكرم |
قوله للشيء لا إن قلت لا وإذا قلت نعم قال نعم |
وقال رحمه الله:
إذا صاحبت قوماً أهل ودٍ فكن لهم كذي الرحم الشفيق |
ولا تأخذ بزلة كل قوم فتبقى في الزمان بلا رفيق |
وقالوا:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي |
جزاء من صاحب الصالحين ثلاثة أمور:
أن يزيده الله علماً وفهماً وتوفيقاً.
وأن تدركه دعوتهم في الدنيا.
وأن ينال شفاعتهم في الآخرة.
أولاً: تزداد منهم حسناً إلى حسنك، ينفعونك علماً ونسكاً وزهداً.
الأمر الثاني: يدعون لك بظهر الغيب، ألا دعوةٌ مستجابة، دعوةُ قريبٍ وحبيب لحبيب.
الأمر الثالث: يشفعون لك: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67].
قال أهل العلم: ينفع بعضهم بعضاً في الآخرة، وقال سبحانه عن المعرضين: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء:100-101] ومفهوم مخالفة الآية: أن لو كان لهم أصدقاء بررة لنفعوهم بإذن الله لو كانوا معهم.
الأمل هو: أن تجعل في مخيلتك أنك ستعيش ستين أو سبعين أو ثمانين أو مائة سنة، ولذلك أكثر الشباب -ونحن منهم- لا يتصور الموت، ونظن أنه لا يموت إلا الكبار، وكأن عادة الناس أنه لا يموت الإنسان إلا إذا كبر، أو عمي، أو أصابه صمم، أما الصغار فنادراً أن يموتوا، وبالاستقراء يقولون: الموت في الشباب أكثر، وسبب طول الأمل (سوف) قالوا: من زرع شجرة سوف تنبت له نبتة لعل، فيها ثمرٌ اسمه ليت، يذوقه الإنسان وطعمه الخيبة والندامة، ولذلك فلا يردد (سوف) إلا أخيب الناس، اقرأ القرآن، قال: إن شاء الله سوف أقرأ، إن شاء الله سوف أحفظ، لماذا لا تتوب؟ قال: أنا مصمم وعندي تخطيط بإذن الله، لكن لا أريد أن يكتشفه أحد؛ لأن عندي تخطيطاً في أمور، فبعد أن أبني بيتاً، وبعد أن أتمم الأمور أتوب إلى الله توبةً نصوحا، وأحج إن شاء الله، ثم أتوب. أتحج السنة هذه؟ قال: لا. أنا إن شاء الله سوف أحدد الحج الذي أتوب فيه، ثم أتوب توبة ما بعدها توبة، ثم يموت وهو لم يتب بعد، لماذا لا تترك هذه المعصية؟ قال: أنا سوف أتركها، لكن هناك بعض الأمور والملابسات أنت لا تعرفها ولا يكتشفها إلا مثلي وأمثالي.
يقول ابن عثيمين الشاعر النجدي الميت رحمه الله:
نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعلَّ الردى مما نرجيه أقرب |
ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخرب |
وفي أولها يقول:
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب |
هذا ينزل، وذاك يركب، وكل يوم نودع غادياً ورائحاً إلى الله.
صح عنه صلى الله عليه وسلم {أنه قضى حاجته، ثم أتى فتيمم، فقال الصحابة له: يا رسول الله! الماء قريب، قال: لعلي لا أبلغه} ربما أموت دون الماء، فالماء كان بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أمتار، فلما قضى صلى الله عليه وسلم حاجته تيمم ليكون على طهارة، ومشى إلى الماء، فقال الصحابة: يا رسول الله! الماء قريب، قال: لعلي لا أبلغه.
ومر عليه الصلاة والسلام بـابن عمر، وهو يبني بيتاً من سعف النخل ويقويه، فقال: {ما هذا يا
الخليفة العباسي المتوكل أعطى الإمام أحمد أموالاً لا يعلمها إلا الله، ركَّب على البغال والخيول أموالاً من الذهب والفضة، والإمام أحمد يحتاج إلى كسرة الخبز، وليس عنده من الدنيا إلا القليل، قالوا: لماذا لا تأخذ أموال المتوكل؟ قال: طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وأيام قلائل حتى نلقى الله، ولذلك مات الإمام أحمد، ومات المتوكل، فهل نفع هذا ماله، وهل ضر هذا فقره، لا. ذهبوا إلى علام الغيوب.
وقال الحسن البصري: دخلت على بشر بن مروان وهو أمير، فرأيته بطيناً سميناً أبيض غضاً غشوماً ظلوماً، والحراس على رأسه بالسيوف، ووالله ما خرجت من قصره، إلا والأطباء يستدعون، فدخلت مع الأطباء، فإذا هو يبرم في الأرض كالحية، فمات، هذا بشر بن مروان أخو عبد الملك بن مروان، كان أميراً على العراق، وهو المقصود بقول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق |
تولى الإمرة والجنود كانوا على رأسه بالسيوف، وفي لحظات أتته سكرات الموت: وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:6-7] ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام:62].
انتفض وقال: عليّ بالأطباء فدخل الأطباء فما أدركوه إلا وقد مات.
الخليفة المعتصم فاتح عمورية، الذي دائماً نكرر قصيدة أبي تمام فيه، هذا المعتصم خليفة عسكري كان يأخذ السيخ الحديد يكتب اسمه في الهواء، يقولون: ربط رجله اليمنى بوتد في الأرض، وربط اليسرى بوتد، ثم قفز من الأرض على ظهر الفرس، فاقتطع الوتدين والخيوط.
كان من أقوى الناس، ويقولون: أنه أخذ ذراع أحد القواد، فأراد أن يلويه بإصبعين، قال: لا تكسر ذراعي، وصاح القائد، قال الذهبي، أو ابن كثير: " ما سمعنا بأقوى منه، لكن مات في الأربعين فما نفعته قوته ".
يقول: أتته سكرات الموت ما مرض قبلها، لكن أتته بغتة، مثل الجلطة، فنزل، فقال: علي بالقواد، فأسرعوا، قال: علي بالعلماء، فأسرعوا، قال: علي بالأمراء، فأسرعوا، قال: أموت الآن؟
قال العلماء: تموت بالإجماع أي: أفتوا أنه يموت، ثبت الهلال، قال: كيف أموت؟ قالوا: تموت، ذق الموت، قال: لو أعلم أني أموت الآن ما فعلت ولا فعلت، أي: لو علمت ما كنت فعلت بعض الأفعال.
ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام:62] غفر الله للمعتصم صاحب عمورية، دهده مدن الروم، أحرق هذه في قلب هذه، ونكس مئات الألوف من رءوسهم، وأشعل عليها النار، وأغلى عليها قدور اللحم، وأطعم القواد، وهو الذي يقول أبو تمام فيه:
السيف أصدق إنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب |
بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب |
رمى بك الله ركنيها فهدمها ولو رمى بك غير الله لم يصب |
يقول: الله الذي رمى بك من السماء، الله الذي نصرك، وأما غير الله فلن يصيب مرمى: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17].
قيل لنوح عليه السلام في طول الأمل وفي قصره، وقد عاش ألف سنة إلا خمسين عاماً: كيف رأيت الحياة؟ قال: والله لقد رأيت الحياة كبيت ذي بابين دخلت من هذا، وخرجت من هذا.
معاوية بن أبي سفيان عاش ثمانين، أو أكثر، قال: لبست كل شيء، فما وجدت كلباس التقوى، وذقت كل شيء فما وجدت كالصبر، وطعمت كل شيء فما وجدت كغلبة الرجال، أو كما قال، وما بقي من لذتي في الحياة إلا أن أجلس مع أخٍ يقربني من الله ليس معي ومعه أحد، يضع الكلفة عني، وأضع الكلفة عنه.
ومن طول الأمل، قال سبحانه للخائبين النادمين الفاجرين المعرضين عن منهجه: قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ [المؤمنون:112-113].
مر شيخ من قبيلة غفار قد بلغ السبعين سنة وأصبحت لحيته بيضاء -وهي طويلة على صدره- بأطفال يلعبون في سكة، فلما رأوه تضاحكوا، قال: مالكم؟ قال أحدهم: يا عم! بكم اشتريت هذه القوس يعني: اللحية، قال: يا بني! باعها الدهر مني بلا ثمن، وسوف يعطيك قوساً مثلها، يقول: انتظر قليلاً.
نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي |
تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي |
الإمام أحمد التفت فجأة، فرأى الشيب في لحيته، قال: " والله ما مثلت الشباب إلا بشيء كان في يدي، ثم سقط من يدي ".
بكيت على الشباب بدمع عيني فلم يغن البكاء ولا النحيب |
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب |
الرسول عليه الصلاة والسلام ربى الصحابة على الجهاد، ورباهم على الذكر والقرآن وعلى الصيام والنوافل.
صلى وصام لأمر كان يطلبه لما انتهى الأمر لا صلى ولا صاما |
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ [الأعراف:175].
أي إن بعض الناس وسيلتهم الوحيدة النشيد، ففي الصباح نشيد، وفي الظهر نشيد، وفي العصر نشيد، يذهبون يعتمرون نشيد، ويرجعون في الليل ينشدون، أصبحنا وأصبح النشيد لله، وأمسينا وأمسى النشيد لله، دائماً نشيد، لبيك واجعل من جماجمنا لعرشك سلماً، ولا قرآن، ولا حديث، ولا آيات، فلذلك هؤلاء يستقيمون معهم، فإذا انتهى المخيم، انتهى الأناشيد.
هل يستعد الإنسان أن يكون معهم دائماً بالأناشيد، تنتهي الأناشيد، فيعود، هذا على العواطف، فلا تكفي، ولذلك ينتكس بعض الشباب كثيراً؛ لأنهم ما ربوا على إيمان.
الأعراب المعرضون يقولون: أعطنا ما تريد أن تقدمه لنا اليوم، حتى قيل: كانوا يحجون مع الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقول الأعرابي: اللهم كثر غنمي، اللهم أدر ضرعها، اللهم أكثر المال. فيقول له بعض الصحابة: ادع في الآخرة، قال: لا. الأول هنا في الدنيا.
وخرج أعرابي كما يقول ابن الجوزي: خرج من منى على الحرم، فأسرع سريعاً، ثم دخل من باب الحرم، ثم قفز على أستار الكعبة، قال: اللهم اغفر لي قبل أن يدهمك الناس، أي: اغفر لي قبل أن يزدحم عليك الناس، والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لا تزدحم عليه الحوائج، ولا تكثر عليه الطلبات، فهو الغني سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كما في الحديث القدسي: {يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر} وهذا يقول: قبل أن يدهمك الناس.
ومنها ما ذكره عليه الصلاة والسلام يوم أعرض عن قوم تربوا على المنافع، تألف قلوبهم، فما جعلهم عليه الصلاة والسلام هم الطليعة، وإنما الطليعة المهاجرون والأنصار، وأهل بدر وأحد، أما الذين أسلموا بعد الفتح، فهم يأتون في المرتبة الثانية؛ لأنهم أسلموا بالإبل والبقر والغنم والمال، أعطى صلى الله عليه وسلم قوماً، وترك بعض الصالحين، ثم قام يخطب، فقال عليه الصلاة والسلام: {إني لأعطي أناساً لما جعل الله في قلوبهم من الطمع والهلع، وأدع آخرين لما جعل الله في قلوبهم من الإيمان منهم وأعطى صلى الله عليه وسلم رؤساء العرب الأموال، وترك الأنصار، فوجد الأنصار في أنفسهم، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: أما ترضون يا معشر الأنصار! أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ قالوا: رضينا بالله قسماً ونصيباً
وعمر، قال عمر: سمع أنه الخليفة الثاني رضي الله عنه فيه خير، وسمعنا أنه رجلٌ طيب، فمثله مثل أحد الحمقى كما يذكرون: ذكر له إبراهيم عليه السلام، قال: سمعت أنه كان كفء.
الأحباش أتوا يعرضون في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم -أتدرون ما هي القصيدة التي عرضوا بها؟- أخذوا الحراب يقولون:
محمد عبد صالح، محمد عبد صالح، فهو محطم كيان الوثنية، ورافع رءوس البشرية، وهادي الإنسانية. يقولون: محمد عبد صالح، أي: فيه خير، فلذلك الذي يعيش على هذه الأمور، يمسخ معالم الدين والتاريخ من قلبه، فلا يفهم شيئاً.
وأما التحصيل العلمي: فأضعف الناس تحصيلاً علمياً من كان مصدر ثقافته هذه الأمور، ويظن ظان أن الصحف اليومية تنمي الثقافة، وهذا خطر، الصحف اليومية أخبار، وليست علماً، ومن جعل ثقافته وتحصيله وعلمه من الصحف اليومية، فهو من أقل الناس تحصيلاً، ولا بد أن تعرف الواقع، ولا بد أن تطلع على ما يدور، ولا بد أن تقرأ حتى كتب الشر إذا أمنت وتحصنت بالعقيدة، ولم تكن خائفاً على نفسك، لكن أما أن تكون أسباب علمك وحصيلتك هذه الأمور فلا.
ولذلك تجد بعض الناس يقرأ الصحف ثلاث ساعات في المكتب، يقرأ الجزيرة، فإذا انتهى قرأ عكاظ، ثم الندوة، ثم المدينة، ثم الشرق الأوسط، ثم المسلمون، ثم ما شاء، ودائماً على هذا المنوال، لكن اسأله بعد شهر، كم في ذهنه من الآيات؟! كم عنده من الأحاديث؟! كم يحفظ من قصص؟! كم عنده من التأصيل العلمي؟! لا شيء؛ لأن الصحف ليس فيها علم، صفحتين إعلان عن الأسمنت، وصفحة عن أناس ضيعوا توابعهم، وإعلان عن العطور والكحول، من أراد أن يشتري، وسيارة تويوتا موديل جديد/ عبد اللطيف جميل، واستقبل وودع، أهذه أخبار قد تهمه! قد تنفع لكن في جانب، كذلك الصيدليات المناوبة، ودرجات الحرارة، وهذه ليست علماً، ولا بد للإنسان أن يقرأها، أما أن تكون ثقافته اليومية، فهذا ليس بصحيح، ثقافتك اليومية المصحف، ورياض الصالحين، لا بد من حزب من القرآن، وثلاثة أحاديث من رياض الصالحين تقرأها أنت وأهلك، تستمع الشريط الإسلامي، أما أن تقف على هذه، فليس بصحيح، فانتبه لنفسك.
ومنها: الاستهانة بالمناهي، وبكثرة رؤيتها:
كنا قبل أن نعرف المجلات الخليعة وأمثالها عندنا من العيب الكبير أن يخالف الإنسان السنة في كثير من الأمور؛ لأنه يرى المجتمع المحافظ، ويرى المصداقية، ويرى أناساً ينهجون نهج الصحابة، لكن الآن من كثرة ما نرى أصبحت في العادة هذه الأمور سهلة، ولذلك إذا حدثته في هذه الأمور قال: هذه قشور، المسألة أعظم، أنت تقول: المسألة إيمان وقيام ليل، وهو يقول: المسألة ليست مسألة قيام ليل، المسألة أكبر. ولذلك يستهان بالمعاصي من كثرة ما ترى ويحس بها حتى رأينا المجتمع الذي لا يعتني بالحجاب في خارج هذه البلاد المباركة المسددة، أن المرأة من كثرة ما يراها الناس، حتى الشاب المستقيم أصبح يكلمها، وتقول له: لماذا تكلمها؟! قال: الأمر عادي، مع كثرة الإحساس، المساس يبطل الإحساس، أي: من كثرة ما يتداول يبطل هذا الأمر.
إن الله ذو القوة المتين، فسبحان الله ما أقواه! فهل يتحدث في قوة الله الذي إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].
سان فرانسيسكو أعظم مدينة في أمريكا، أصابها الزلزال في اثنتي عشرة ثانية، فحطم الكثير منها، لم يأتهم إنذار من الله، قال سبحانه وتعال:ى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:97-99] ما أفادهم الرادار، ولا الإنذار المبكر، وإنما:
يا غارة الله جدي السير مسرعةً في أخذ هذا الفتى يا غارة الله |
أيها الإخوة! هذه أسباب الانحراف، ولعلها متأملة من كلام أهل العلم، والسلف الصالح، ومن الأحاديث، وما عندي إلا أن أقدمها، فإن أحسنت فمن الله، وإن أسأت فمن نفسي، وأستغفر الله.
الجواب: أثابك الله، أستغفر الله الذي لا إله إلا هو، اللهم إني أتوب إليك، أنا أخطأت، أصلاً يا أخي ليست قراءة حفص ولا شعبة، وليس هذا حديثاً نبوياً، بل هذا شعر، إن قالوا: لعرشك ولعزك، الأحناف والشافعية والمالكية والحنابلة لا يرون سجود السهو عند هذا الخطأ.
الجواب: نعم صدقوا، أجل إذا أدخلتهم في مدخل ما يخرجون منه، انظر إلى تربية محمد صلى الله عليه وسلم أبر الناس، وأصدق الناس، ساعة وساعة، وقت للقرآن، ووقت للتسبيح، ووقت للنفس، إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولزوجك عليك حقاً، فأعط كل ذي حقٍ حقه، أما أن يمسك الناس حتى يكسر ظهورهم، مثلما يفعل البعض، ففي بعض المنتديات قد يأتي إنسان في حفل زواج، فيأخذ الناس أربع ساعات يحدثهم، ولماذا؟ أذنبوا لكي يكفر عنهم سيئاتهم بهذه الليلة، وحتى يتوبون فلا يعودون مرة أخرى هذا العرس، ليس بصحيح، نصف ساعة يكفي، أو ساعة ويخلطها بدعابة وبنشيد وبقصائد إسلامية، وبقصص وبسوالف ليس فيها غيبة، أما أن يشدهم ثلاث ساعات، فلا: رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ [البقرة:286].
الجواب: أنا أقصد الإخوان، ولا أقصد نفسي، أقصدهم بالدعوة، وأما أنت أيها السائل، فاعلم أن هنا في منطقة الجنوب ما يقارب أربعة آلاف قرية، والداعية لا يستطيع أن يذهب إلى أربعة آلاف، مثلاً: في جيزان مئات القرى، يأتي أحد الإخوة، -أنا أعرفهم هنا في المسجد- فيقول: نريد محاضرة في مسجد كذا وكذا، وهذه القرية كلهم بسياراتهم ومواشيهم سبعة عشر، بالجمال والحمير والمواشي والسيارات سبعة عشر، فهل يذهب الداعية، ويلقي محاضرة هناك، لا. بل يقصد المدن، جيزان وما حولها، صبية وما حولها، أبو عريش وما حولها، أما أن يذهب إلى كل قرية، فلو كان عمره عمر نوح ما انتهى من هذه القرى إلا وتلك قد مر عليها ثلاث سنوات، واعرف أن كل من في المسجد دعاة، فخذ أي واحد من هذا المسجد بيده بعد صلاة العشاء، ومستعد أن يعلم أهل قريتك الفاتحة، وأن يدرسهم أركان الإسلام، وأن يتكلم بكلام مفيد.
الجواب: فتح الله عليك، نسأل الله أن يعيدك عودة إليه، وأن يثبت قلبك، وما ندري الآن أنت رجعت وإلا عدت، أوقعتنا في حيص بيص، فأنت الليلة إن شاء الله تائب إلى صلاة العشاء، وما ندري بعد الصلاة ماذا تفعل؟! أنت ترجع وإلا لا، لكن نسأل الله أن يثبتك بالقول الثابت، وأرى أنه كلما عدت رجعت، وإن كنت مستمراً أن يربطك أبوك في البيت، حتى ما تفر أبداً، وأن تدعو لك أمك، ونحن ندعو لأنفسنا ولك بدعوة مقبولة إن شاء الله أن يثبتنا الله وإياك، فلا تعود أبداً.
كان خوات بن جبير من الصحابة، أسلم لأول الإسلام، ولم يتمكن الإسلام من قلبه بعد، وهذا مثل حالنا، كثير من الشباب حالهم مضطرب هكذا، وسوف يتمكن الإيمان في قلبك إن شاء الله مع كثرة الدعاء، ومع النوافل، حتى يصبح كالجبال، فأتى هذا المسلم لأول وهلة، ولم يكن الإيمان قد تمكن في قلبه، قال: {خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأيت فتيات في واد (نساء أجنبيات) قال: فلبست لباساً، وذهبت إلى الفتيات، فجلست معهن، فخرج صلى الله عليه وسلم، فمر بي، وقد خرجت من عند الفتيات، قال: يا
الجواب: نعم، يصاحبه ويؤثر فيه، وأنا أقول للإخوة: أن يقتصدوا حتى في السماع، فهل تريد أن تشترط عليه أن يسمع الأشرطة من أبها إلى مكة، وكلما انتهى شريط فتحت له الآخر، الأصل: أن يسمع شريطاً، وبعدها حدثه قليلاً، واتركه يأخذ راحته، ثم أسمعه شريطاً آخر، أو نشيداً إسلامياً مباحاً، أو قصة، أما أن تشده من أول الطريق لا يسمع ولا يلتفت، ودائماً: اسمع اسمع، فهذا سوف يتوب من سماع الأشرطة، فالقصد القصد تبلغوا.
الجواب: ونحن جميعاً نشكو حالنا إلى الله، أتى رجل من أهل خراسان، إلى الإمام مالك، فقال: أبطيت على أهلي يا أبا عبد الله! -الإمام مالك - والله ما دريت منذ خرجت ماذا وقع لأهلي، قال الإمام مالك: وأنا أهلي وراء هذا الجدار، والله ما دريت منذ خرجت عنهم، فكلنا نشكو حالنا إلى الله، ولا أدري ماذا يريد الأخ من السؤال، لكن كأنه يطرح حاله إلى الله، فأنت لا تطرح حالك على أحد إلا على الواحد الأحد، ونحن كذلك.
كيف أشكو إلى طبيبي ما بي والذي قد أصابني من طبيبي |
الجواب: نحن وإياك حرمنا البكاء بسبب معاصينا، وقسوة قلوبنا.
الجواب: أسباب التحصيل كثيرة، تكوين مكتبة سمعية، ومقروءة، ومجالسة طلبة العلم، والسير إلى الدعاة، والانتظام في المؤسسات العلمية، سؤال الله المغفرة، وهناك محاضرة إن شاء الله بعنوان: آداب طالب العلم، وحلية طالب العلم منذ أشهر. وأنبه الإخوة طلبة العلم، أن مساء كل جمعة في هذا المسجد من المغرب إلى العشاء، أي: من ليلة السبت مساء الجمعة درس في بلوغ المرام، علَّ الله أن ينفع به، فمن أراد أن يطلب العلم، فعليه بهذه الحلقات وأمثالها، والله هو المعلم سبحانه.
الجواب: أسأل الله أن يهدي أسرتك، فعليك بالنصيحة، والصدق مع الله، والصبر، وحاول أن تنقذهم من النار، ليكونوا في ميزان حسناتك، وأثر عليهم بما استطعت، بإدخال الكتاب الإسلامي، وبتحديثهم، وبالشريط الإسلامي، ودعوتهم باللين حتى يهديهم الله، ولا تيأس من روح الله.
الجواب: حله أن يتوب، ويستغفر وهؤلاء كما قال الله: خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً [التوبة:102].
الجواب: قلبه قد مات، ولو صدق مع الله، أو كان في قلبه ذرة إيمان لقام إلى المسجد وصلى مع الناس، لكن قد صلى على قلبه صلاة الجنازة، وكبروا عليه أربعاً.
أيها المسلمون! في ختام هذه الجلسة، نسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية، وشكر الله لكم استماعكم، وجمعنا بكم في الجنة، وسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر