والشيخ قد ذكر في كل فن من فنون العلم أشهر الكتب، وذكر مميزاتها والمآخذ عليها، وحذر من بعض الكتب.. فاقرأ هذه المادة حتى لا تفوتك هذه الفوائد الجمة.
أمَّا بَعْد:
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
أيها الإخوة الأبرار! طلبة العلم الأخيار! إنه مما يسعدني في هذه الجلسة أن أدخل معكم في المكتبة الإسلامية، وإنَّ أشرف ما يمكن أن نعيش به في الحياة بعد الإيمان والعمل الصالح هو تحصيل العلم وقراءة كتب العلم:
يا تقياً والتقى جلبابه |
وذكياً حسنت آدابه |
قم وصاحب من هم أصحابه |
لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل |
والمكتبة الإسلامية سوف ندخلها هذه الليلة -إن شاء الله- لنقف مع الكتب المشهورة في المكتبة الإسلامية، ونتحدث عن الفنون: الحديث بعد القرآن، والتفسير، والفقه، والمصطلح، وأصول الفقه، والأدب، والتاريخ، والرجال، والسير.
ونتحدث -إن شاء الله- عن الشروح والمختصرات؛ كل ذلك على نطاق الاستقراء، وعرض بعض الأمثلة وبعض النقود التي لا تسلم منها كتب البشر.
الكتاب الإسلامي النافع المفيد هو أنيسك في الوحدة كما قال الجاحظ، والكتاب يا طالب العلم هو رفيقك في درب الحياة، والكتاب صاحبك الذي لا يخونك ولا ينم عليك ولا يملّك ولا يسئمك ولا يغدرك، والكتاب خير جليس، قال: أبو الطيب المتنبي:
أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب |
فإذا كان جليسك في الحياة الكتاب فأبشر ثم أبشر خاصة إذا كان الكتاب الإسلامي النافع المفيد، وأعظم كتاب طَرَقَ المعمورة، ووجد في الأرض هو كتاب الله عز وجل، وفضائله ومآثره تحتاج إلى دروس ودروس ليست جلسة واحدة، وكفى هذا الكتاب أنه معجز وأنه مؤثر وأنه لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42] وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] وقوله تبارك وتعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29] وقوله عز من قائل: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88] وقوله جلت قدرته: الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن:1-4].
إنني أستسمحكم عذراً معلناً عجزي عن عرض فضائل هذا القرآن في مثل هذه الجلسة؛ لأنها لكتب ولمؤلفات البشر، ثم أحيلكم على كتاب الإمام النووي المسمى التبيان في آداب حملة القرآن ذاك الكتاب الضخم، وإلى غيره من كتب أهل العلم، لكن لندخل الآن إلى فوائد الكتاب الإسلامي الذي يرزقك علماً وإيماناً، وحباً وطموحاً.
من فوائد الكتاب:
قال السلف الصالح كما في السير: من خدم المحابر خدمته المنابر، أي: أعلن دعوته وعلمه وأفاد الناس.
قال: أجلس مع الصحابة، قالوا: أين الصحابة وقد ماتوا؟
قال: أجلس مع كتبهم، أما أنتم فتغتابون الناس.
لأن الذي لا يتذكر التراجم يعيش على هامش الأحداث، لا يرى في المجتمع قدوةً، ولا أسوةً، لا يرى مبرزاً في العلم والعمل؛ فيبقى هكذا.
أما فن التفسير فهو فن أغدق فيه المسلمون، وأغزروا الفوائد، وخدموه خدمة بارعة، وهو على قسمين: التفسير بالرواية، والتفسير بالدراية.
فالرواية: هي النقل.
والدارية: هو الرأي.
وأنا أذكر الكتب التي لا يمكن أن تستغني عنها في مكتبتك أو أن تعود إليها وكيف تكون عارفاً بها أو محيطاً ببعض جمل فوائدها.
1/ أنه اعتنى بالتفسير المأثور المنقول عن الرسول عليه الصلاة والسلام وعن أصحابه.
2/ أنه أثبت ما نقل بالسند، فأحالك على سند ولم يأتِ بالكلام بلا خطام ولا زمام، ومن يرد الكلام بلا خطام ولا زمام يثرب عليه:
أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل |
3/ أنه أتى بلب اللغة العربية، واستشهد بالأبيات التي هي شواهد من شعر الجاهليين وغيرهم، وأقرها أهل اللغة.
لكن مما يلاحظه الإنسان لأن كل كتاب إلا ما أسلفت يلاحظ عليه شيء وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].
في تفسير ابن جرير طول مطيل، فقد أطال فيه ومد الكلام، وبسط الحديث بشيء يمل، والذي أطاله الأسانيد؛ فإنه يأتي بالسند الطويل الطويل، ثم يأتي في رأسه بكلمة، وهذا قد يأخذ وقتاً كبيراً على طالب العلم.
ومنها: أنه قد يورد روايتين أو ثلاثاً ثم لا يرجح، ولا بد لطالب العلم أن يحقق المسألة ويرجحها، ويعتمد قولاً واحداً ليكون عليه مدار العلم.
الأمر الثالث: أنه مر على كثير من الأحاديث الضعيفة، ولم ينبه على ضعفها ولا على درجتها ولا على صحتها، وحق على طالب العلم على ألا يمر بحديث إلا وينبه عليه لتبرأ ذمته وعهدته، خاصة من مثل الإمام ابن جرير الطبري ذاك العالم الفذ.
وذكر عن السيوطي أنه قال: ما على وجه الأرض أحسن من تفسير ابن كثير وفيه ثلاث ميز:
1/ أنه يفسر القرآن بالقرآن، فيورد الآية ثم الآيات التي تدور حول المعنى وتفسر المعنى في الجملة، وهذه منقبة عظيمة وهو تفسير القرآن بالقرآن.
2/ أنه يأتي بالأحاديث النبوية من النقل ويسندها إلى الكتب المعتمدة واعتمد على مسند الإمام أحمد كثيراً حتى كان تفسيره كله فيه قال أحمد: حدثنا فلان، ثم ينسب الحديث للستة وإلى غيرهم.
3/ أورد كلام التابعين ومن بعدهم بأسمائهم ونبه على ذلك.
ولكن نقاط الضعف فيه في أمور، منها: أنه حذَّر من الإسرائيليات في أول الكتاب ثم نسي وأتى بالإسرائيليات وهو أنقى الكتب من الإسرائيليات، لكن وجد مع ذلك إسرائيليات.
ومنها: أنه في بعض الأحاديث لا يستوعب ما نقل في الآية من كلام أهل اللغة ليبسطها بسطاً واضحاً، فإنَّ بعض الآيات إذا راجعتها لا تجد إلا كلاماً قليلاً فيها تحتاج إلى غزارة وتبسيط وإلى إيراد وشرح حتى تقرب من فهم السامع ومن فهم القارئ ومن فهم طالب العلم، لكن شكر الله له جهده وأثابه، ولو أن بعض الأحاديث تحتاج إلى تخريج، وقد بدأ بذلك بعض طلبة العلم، وقد رأيت مجلداً لتحقيق هذا الكتاب الفذ، واختصره العلماء منهم نسيب الرفاعي في مختصر جيد وليته أبقى على روح الكتاب وعلى ضميمة كلام السلف ونقولاتهم لكان أفضل.
ومنهم أيضاً الصابوني، وقد أحسن في كثير من اختصاره لو أنه ترك التدخل في بعض المسائل، ولو أنه أبقى الكلام على اعتقاد السلف في هذا الكتاب أفضل.
ومن ميزته أيضاً: أنه لم ينس جانب اللغة والأدب والشعر، وأتى بشواهد اللغة كما فعل ابن جرير.
لكن عليه ملاحظتان.
1/ أتى بأحاديث موضوعة يعرفها كل من يبدأ يقرأ في سورة الفاتحة، فعند (بسم الله) أتى بأحاديث موضوعة ومكذوبة، والواجب أن ينبه عليها خاصة وهو محدث ولا تبرأ ذمته بإيراد الحديث إلا بالتنبيه.
2/ أنه قد يؤول في بعض الصفات، وهذا خلاف منهج أهل السنة، كما فعل في بعض المواطن في سورة الأعراف أو الأنعام فليتنبه لذلك؛ لأن منهج أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات إمرارها كما جاءت مع الإيمان بمعناها من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل.
لجماعة سموا هواهم سنة لجماعة حمر لعمري موكفة |
فنزلوا عليه وردوا عليه مقابل ست قصائد سحقت قصيدته، ومن لطائف الحديث عن الزمخشري أنه كان في طفولته يربط طائراً في بيته - وهذا استطراد ولطائف حتى تدبج الجلسة- فأتى هذا الطائر فاقتطع الحبل فنشبت رجله فانقطعت مع الحبل وذهب الطائر برجل واحدة.
قالت أم الزمخشري له: قطع الله رجلك كما قطعت رجل هذا الطائر، فذهب فوقع في ثلج في طريقه إلى مكة فتجمدت رجله فبترت من فخذه، فأصبح على رجل واحدة وجاور بيت الله في مكة ولذلك قال الراثي له:
وأرض مكة تذري الدمع مقلتها حزناً لمرحل جار الله محمود |
أو كما قال، والرجل هذا فيه خبايا ودسائس وقد ناصر عقائد الاعتزال وأظهرها في كتابه، وشحن بها الكشاف، وميزة الكشاف: أنه كتاب لغة وأنه حجة في اللغة، وأن له إيرادات ونكت عجيبة ومسامير إذا دخلت في التاج أحكمت الصنعة، لكن في اللغة واللطائف، وهو صاحب إشراقات في باب البديع والبيان.
ومثالبه:
1/ الرجل ليس بحجة في الحديث النبوي، فبضاعته في الحديث مزجاة وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ [يوسف:88].
2/ الرجل على عقيدة الاعتزال.
3/ لم يُوفِ بعض الآيات حقها من البسط والبيان كما فعل غيره كـالقرطبي، ولكن حسنته في البديع والبيان والنحو.
لكن منها: أنه جمع علم: الكيمياء، والفيزياء، والأحياء، والجغرافيا، والتاريخ، وأتى بكلام المنطق وعلم الكلام، حتى جعل الفاتحة في مجلد كامل.
الأمر الثاني: أن الرجل ليس بحجة كصاحبه في الحديث النبوي، يأتي يقول: القمر والشمس يكوران كالثورين، ويوضعان في جهنم؛ وهذا حديث لا يساوي فلساً واحداً وليس بصحيح.
ومنها: أن الرجل معجب بعلم الكلام، ويعقد معاني ودلالات القرآن تعقيداً وهو عالم كلام، رد عليه ابن تيمية في كتاب درء تعارض العقل والنقل، وفيه فوائد لا يخلو منها أي كتاب، ولكنه ابتعد عن روح القرآن، ولم يأتِ بنقل، ولم يشحن الآيات في المعنى الواحد كما فعل ابن كثير، ضعف في النقل وترك كلام التابعين والصحابة ولم يورده إلا نادراً وقد مات قبل أن يكمل كتابه فأكمله أحد تلاميذه مثل ما فعل هو.
أقسمت أن أوردها حرة وقاحة تحت غلام وقاح |
إما فتى نال المنى فاشتفى أو فارس زار الردى فاستراح |
وهو يطلب ملك الدنيا وإمارة الدنيا، الشوكاني قال: العلم أفضل:
إذا سألت الله في كل ما أملته نلت المنى والنجاح |
بهمة تخرج ماء الصفا وعزمة ما شابها قول آح |
فبدأ يطلب العلم، وأجل كتابين له: نيل الأوطار وفتح القدير.
كتابنا هنا فتح القدير ميزته الآتي:
1/ أنه فسَّر بالدراية والرواية.
2/ أنه استوعب كلام النحاة حتى كأنك تقرأ في كتاب لـسيبويه أو للزجاج أو لـابن خروف أو ابن عصفور.
3/ أنه لم ينسَ الصرف واللغة، لكنه شحن الكتاب حتى أصبح فيه ملل، حتى الآية كأنها نحو وكأنها تصريف وحال وتمييز ومبتدأ وخبر، وهذا يؤخذ بقدر الحاجة.
4/ أنه أتى بعلم مأثور بعد ما ينتهي من الآيات قال: وأخرج فلان، وأخرج فلان.
وهناك أمور تنقصه:
1/ أنه كذلك لم يسند الآيات بعضها لبعض كما فعل ابن كثير لتفسر بعضها بعضاً.
2/ أنه لم يعتمد على الصحاح ويذكر الحديث الصحيح من الحديث الضعيف.
3/ أنه أورد الأحاديث بلا خطام ولا زمام من ابن مردوية ومن الطبراني ومن ابن أبي الشيخ وهؤلاء مظنة الضعف في الكتب، ثم جعلها في كتابه ولم ينبه، والواجب أنه ينبه رحمه الله، وله بعض المواطن له كلمة يقول: ربما الأمثلة في القرآن ما وقعت لكن من باب المثل، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً [النحل:112] أو قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ [الزمر:13] يقول: يمكن أنه ما هناك قرية، نقل عنه في سورة الرعد وأظنها -إن شاء الله- لا تثبت عنه لكنها زلة قلم.
هذا الكتاب فذ من كتب التفسير، ومن المتوقدة والاستنباط اللطيف، وتحقيق المسائل خاصة في سورة الحج في مجلد الحج فقد أبدع وأروى، والرجل نظار من الدرجة الأولى، وعالم بحر فهامة، وحافظ للغة، والكتاب ينقصه أمور منها:
1/ أن فيه أجزاء أو آيات أو عشرات الآيات والمقاطع لم يفسرها.
2/ أنه أكثر من أصول الفقه والتعقيدات الأصولية كأنك في كتاب أصول فقه.
3/ أن بعض المسائل في اللغة تحتاج إلى بسط لا يعرفها من أمثالنا مثل: مسائل النحو والتصريف، فهي شائكة تحتاج إلى بسط لطلبة العلم، لكن حسناته أكثر بكثير من مثالبه، رحمه الله وجزاه الله خيراً.
1/ أنه يربط علم الواقع بالقرآن.
2/ أنه يتحدث عن الوقائع العصرية التي وجدت في هذا العصر.
3/ أنه كتب بيد رجل أديب يسيل قلمه أدباً وروعة ورشاقة، فهو يبدع مثل في سورة الغاشية، قوله تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ [الغاشية:17-18] يقول في كلام ما معناه: أفلا ينظر أهل الصحراء إلى السماء، والسماء في الصحراء لها طعم ومذاق، فكأنه لا سماء إلا في الصحراء، السماء بأصيلها الفاتن بحديثها الساحر إلى آخر ما قال.
4/ ومن ميزته: أنه كتبه رجل عرف الكفر عن كثب، ودخل أمريكا ورأى أوروبا، ورأى المجتمعات الجاهلية، وقرأ كتبهم ثم أتى يكتب من مركز قوة.
أما الأمور التي تنقصه:
1/ فمنها: أنه تلعثم في بعض الصفات، وهو لا تؤخذ من مثله العقيدة، ولو أنه من أهل السنة ومن السلف الصالح الذي ندعو لهم بكل خير ورحمة ونجاة عند الله.
2/ أنه قد اقتضب في بعض الآيات التي تحتاج إلى بسط، ويسهب في بعض الآيات التي تحتاج إلى اقتضاب، وهذا وجهة نظر لا أحكم نفسي في هذه المسألة؛ لأنها تقبل وجهات النظر، وحبذا أنه خرج الأحاديث التي يوردها، ولكنه يعتمد كثيراً على زاد المعاد لـابن القيم، وعلى تفسير ابن كثير فجزاه الله خيراً.
1/ الصحة المتناهية، والشرط القوي في إيراد الحديث: إذا كان الحديث في البخاري فهو حجة.
2/ كثرة الفوائد: ففيه من التعليقات وكلام الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وبعض الاستنباطات.
3/ جودة التبويب والترتيب، فإنه دبجة ووسحه بتبويب وترتيب عجيب عجيب!!
أما الملاحظات فلا يعفى منها إلا كتاب الله عز وجل، وأما الكتب غيره فإنه قد تدخلها الملاحظات، ومن نحن أن نلاحظ، لكن قد يأتي المفضول ويلاحظ على الفاضل.
هناك بعض التعليقات تحتاج إلى خدمة وخدمها ابن حجر، وهناك كثير من التكرار حتى أنه كرر حديثاً واحداً ما يقارب سبعة وثلاثين مرة وهو يريد التكرار للفائدة، لكن طالب العلم يوم يأتي يتكرر معه الحديث دائماً قد لا يرتضي هذه الطريقة ويحبذ طريقة مسلم: أن يورد الحديث في مكان واحد.
ومنها أن الكتاب ينقصه جودة التبويب، فإنك تبحث عن الحديث في النكاح فلا تجده إلا في الغزوات، وتبحث عن حديث في الغزوات فتجده في التفسير، وعن حديث في التفسير فتجده في التوحيد، فالبحث عن الحديث في كتاب البخاري متعب وشاق.
أما اختصارات البخاري فاختصره الزبيدي في كتاب التجريد الصريح وهو مجلد لطيف، حبذا أن يكون معك، وأن تكرره ثلاث مرات أو خمس مرات، فإذا كررت هذا الكتاب يقع فيما يقارب ثلاثمائة صفحة فكأنك قرأت البخاري كله، وسوف تعرف هل الحديث في البخاري أم لا في قراءة هذا الكتاب الذي لا يأخذ منك أسبوعاً كاملاً.
واختصره الألباني في مختصر، لكن ما أتمه، وقد أجاد الاختصار، أما طريقة الزبيدي في التجريد الصريح فإنه حذف الأسانيد والمكررات والأبواب، وأبقى اسم الصحابي، وأتى بمتن الحديث، وإذا كان فيه زيادة أشار إليها، فقد أحسن إحساناً كثيراً، والألباني يشير إلى الأبواب والمواطن وأتى بالحديث فكبر حجم المختصر.
أما شروح البخاري، فشرح بما يقارب ثمانين شرحاً، وعند المسلمين الآن أعظم الشروح البارزة ثلاثة:
1/ فتح الباري للإمام ابن حجر العسقلاني.
2/ وإرشاد الساري للعلامة القسطلاني.
3/ وعمدة القارئ للشيخ العيني.
فأما فتح الباري فقد قال الناس للشوكاني: ألا تشرح لنا صحيح البخاري؟ قال: لا هجرة بعد الفتح، أي بعد فتح الباري، وحديث: {لا هجرة بعد الفتح- أي: فتح مكة - ولكن جهاد ونية} حديث متفق عليه عنه صلى الله عليه وسلم.
وفتح الباري من أحسن الكتب! فقد أجاد كل الإجادة ولو كان عند المسلمين معجزة من التأليف لكان فتح الباري وفتح الباري بديع جد بديع في إيراداته، وفي قوته العلمية، وفي فنونه، وفي رشاقته، وفي قوته العلمية، وثقة مصادره، ولكن الرجل في العقيدة تقلب على ثلاثة أحوال:
1/ مرة سكت على معتقد السلف.
2/ ومرة أوَّل.
3/ ومرة أقر مذهب السلف.
ولكنه من أهل الخير والصلاح والعلم والنبل الذي نفع الله بهم الإسلام والمسلمين كثيراً.
أما العيني فـفتح الباري أحسن من عمدة القارئ لكن يمتاز باللغويات والأدبيات وكثرة الشواهد النحوية، لكن لا يرقى في الحديث لدرجة ابن حجر العسقلاني.
وأما القسطلاني فهو أشبه بالرموز لكن فيه هبة صوفية قليلاً، وروحانية من ذاك النفس، فيتنبه من هذا الباب، لكنه لا يستحق البسط كثيراً، هذه كتب الحديث وصحيح البخاري.
وهناك شرح لو خرج لكان هو الشرح الصحيح، وهو الشرح الراجح شرح ابن رجب، وقد رأيت منها ما يقارب ثلاثمائة صفحة مصورة من مخطوطة وهو من أجود ما كتب، جاء فيه بكل عجيب، وإذا أردت أن ترى سمو ابن رجب في شرح الأحاديث فانظر إلى جامع العلوم والحكم، كيف أبدع فيه إبداعاً عجيباً؟!
أما مكانة صحيح البخاري فهو في المرتبة الأولى بعد كتاب الله عز وجل كما قاله ابن تيمية في المجلد الأول، أما تبويبه فبديع على ثلاثة أصناف: مرة يأتي بالباب من الحديث، ومرة يأتي بالباب استنباطاً من عنده، ومرة يأتي بالباب استنباطاً مظنوناً ليس أصلاً في الحديث، ولكن لا تدري أنت حتى يتوقف كثير من الشراح ما مناسبة الباب؟ وما مناسبة الترجمة للحديث والباب للمتن؟
أما فوائده فهي كالتالي:
1/ أنه يكرر الحديث فيكثر مخرجوه من المشايخ والأسانيد.
2/ أنه يأتي بالمعلقات كثيراً فيشحن الحديث بعلم.
3/ أنه يبوب ويستنبط لك، فهو فقيه التبويب، وفقهه في أبوابه رحمه الله.
اختصر صحيح مسلم العلامة المنذري في مختصر صحيح مسلم وهو مطبوع وهو أحسن ما اختصر لكنه حذف بعض الأحاديث وبعض الزوائد المهمة.
شروحه: شرح صحيح مسلم وأحسن من شرحه النووي ولو أنه اقتضب العبادة لكنه لا يرتقي إلى درجة فتح الباري، وفيه تأويل في بعض الصفات على منهج الأشاعرة أهل التنزيه من أهل النقل فينتبه له، والأبي له شرح على صحيح مسلم، وهو مطبوع، لكنه ليس مشهوراً عند طلبة العلم.
مميزات صحيح مسلم وما قيل فيه: صحيح مسلم له مميزات ثلاث وهي كالتالي:
1/ أنه يجمع الأحاديث في الباب الواحد، فيغنيك من مغبة التكرار، ويسهل عليك الرجوع إلى الحديث والبحث عنه.
2/ أنه يجمع الزوائد بألفاظها.
3/ أنه يأتي بأحاديث شواهد واعتبارات مساندة للحديث، وهذه من مميزاته، وليس شرطه في الزوائد ولا في المتابعات كشرطة في الأصول والمتون.
ما انتقد به صحيح مسلم: انتقد بعض العلماء من النقاد صحيح مسلم ومنهم: أبو الحسن الدار قطني، وضعف فيه ما يقارب ثمانين حديثاً، وهو بحمد الله ليس في هذا الثمانين فهي مصححة إلا ثلاثة أحاديث ذكرها ابن تيمية في المجلد الثامن عشر من فتاويه، منها: حديث ساعة الجمعة حين يجلس الإمام من حديث أبي موسى من يوم يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة، وهذا منقطع كما ذكره الدار قطني وابن حجر وشيخ الإسلام، والصحيح الآن أن ساعة الاستجابة هي آخر ساعة من يوم الجمعة كما في الصحيح.
والحديث الثاني: خلق الله التربة يوم السبت، فعدت الأيام فصارت سبعة أيام، والله ذكر أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، فقالوا: هذا وهم أخذه أبو هريرة من كعب الأحبار.
والحديث الثالث: في الدباغ لـابن عباس ذكره ابن تيمية في المجلد الثامن عشر، وابن حزم الظاهري ادعى أن في صحيح مسلم حديثاً موضوعاً وهو حديث أبي سفيان أنه قال لرسول عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله! أريد منك ثلاثاً: وأن تعطيني إمرة، وأن تجعل معاوية كاتباً لك، وأن أزوجك رملة، والإشكال في هذا أن رملة تزوجها صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر أبو سفيان، فحمل هذا إلا أنه ليس موضوعاً وإنما فيه وهم من الرواة، أو يحمل على دلالة اللفظ وعلى التخريج، وأن يقال: الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم جدد له هذا، تجديد العقد وهو لا بأس فيه وهو وارد، وجعل معاوية كاتباً، أو إعطاء معاوية إمرة، لكن الثلاثة الأولى هي التي عليها الكلام.
ميز الترمذي:
1/ يعقب على الحديث بالتصحيح والتضعيف، فيقول: حديث حسن صحيح، حديث حسن غريب، حديث غريب.
2/ يذكر للصحابة الذين رووا الحديث، يقول: وفي الباب عن أُبيّ بن كعب، وأبي أيوب وحذيفة وأسماء وابن عباس وعمر مثلاً، وهذه فائدة تخبرنا من خرج الحديث ورواه من الصحابة.
3/ قد يسمي من لا يسمى في السند أو من يكنى، فيقول: أبو فلان اسمه كذا وكذا، واسم هذا أبو فلان، وقد ينسبه فيقول: هو البجلي أو الغطفاني أو الفزاري.
4/ أنه يذكر أقوال أهل العلم فيقول: وهو قول مالك، وأحمد وابن المبارك وإسحاق.
5/ ومنها أنه يقول: وقال أهل العلم، ورأى أهل العلم، فيذكر أقوال أهل العلم في المسألة إن كان إجماعاً أو غير ذلك.
6/ ومن ميزه أنه ربما ذكر الضعف فيقول: لا نعرفه إلا من حديث فلان، فإذا قال: من حديث فلان فانتبه للحديث سمه وعيبه ومرضه من هذا الرجل الذي ذكره الترمذي.
المآخذ على سنن الترمذي:
1/ قالوا: إنه تساهل كثيراً في بعض الأحاديث، حتى ذكر له ابن الجوزي أحاديث موضوعة في الموضوعات مثل حديث: {من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل مما أعطي السائلين} قالوا: حديث موضوع.
يقول ابن الجوزي: ولو أنه لا يوافق عليه، لكنه حديث ضعيف، وتساهل كثيراً في بعض الأحاديث، مثل: صلاة التسابيح بعضهم جعلها موضوعة وضعيفة، ولو أن كثيراً من أهل العلم صححها، وهي عند الترمذي إلى غير ذلك من الأحاديث، فأخذ عليه تساهله رحمه الله في هذا الجانب.
2/ أنهم قالوا: إنه يقول: حسن صحيح، ويكتشف الحديث وإذا هو ضعيف، حتى قال النووي: لا بد أن يتابع الترمذي على تصحيحه وتحسينه.
3/ أنه ربما يأخذ من الحديث جملة ويترك الحديث، والأولى أن يورد الحديث كله؛ ليكون أبرك وأنفع وأحسن، ولكن حسناته أكثر وأكثر -رحمه الله رحمة واسعة- وهو من العباد الكبار الذين بكوا حتى عموا من خشية الله.
أما مكانته: فربما يحتل المكانة الرابعة بعد النسائي.
ميزته:
قال أهل العلم: أصبح كتاب أبي داود حكماً بين أهل الإسلام، وفيصلاً لمواطن الخصام، إليه يتحاكم المتحاكمون، وبحكمه يرضى المنصفون، ميزته أنه جمع أحاديث الأحكام.
قال عبد المؤمن بن علي الحاكم المغربي يقول: أصولنا ثلاثة:
1/ القرآن.
2/ وسنن أبي داود.
3/ والسيف.
هذا عبد المؤمن الذي يقول فيه الشاعر:
ما هز عطفيه بين البيض والأسل مثل المؤيد عبد المؤمن بن علي |
ما هز عطفيه بين البيض، أي: السيوف، والأسل؛ أي: الرماح، مثل الخليفة عبد المؤمن بن علي.
ومن ميز أبي داود: أنه جمع أحاديث الأحكام، وهو جمع عجيب، وهو كتاب الأحكام حتى قال الغزالي: هو كتاب المجتهد، فمن أراد أن يجتهد فعليه أن يستعرض سنن أبي داود.
وقالوا: ألين الحديث لـأبي داود، كما أُلين الحديد لداود عليه السلام.
قال سهل بن عبد الله التستري: يا أبا داود! أخرج لي لسانك؟ فأخرجها فقبلها، قال: لسان روت الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم حقٌ أن تقبل، وكان أبو داود من العباد الكبار والزهاد، وهو أشبه الناس بالإمام أحمد وهو من تلاميذه، وقد روى عنه الإمام أحمد حديث العقيقة حديثاً واحداً فتشرف بذلك وجهه.
ربما يؤخذ على سنن أبي داود بعض الأحاديث الضعيفة التي أوردها -رحمه الله- وهذا لا يسلم منه بشر، ولكن بالجملة هو من أحسن الكتب خاصة في الأحكام.
ومن المآخذ كذلك: أنه لم يورد أحاديث كتاب الرقاق والجهاد، ولو أوردها كان حسناً -رحمه الله رحمة واسعة- لكنه اقتصر على الأحكام وعلى بعض الأبواب الأخرى فقط.
المجتبى هي الصغرى، والكبرى تحقق في جامعة الإمام من قبل طلبة العلم.
و الصغرى هي التي بين أيدينا، وهي أصح من سنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن ابن ماجة، وهي تقع بعد صحيح البخاري وصحيح مسلم مباشرة، وشرطه قوي، حتى قال بعضهم وبالغ: هو أصح شرطاً من شرط البخاري.
سنن ابن ماجة أضعف الكتب الستة ولكن له مكانة لا تجهل، وتبين سننه مكانته عند أهل السنة رحمهم الله، لكن أتى بأحاديث بلغت حد الوضع مثل حديث: {فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد} وهذا لـابن عباس لا يرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل حديث: {إن من الناس من هو مفاتيح للخير مغاليق للشر} لا يرفع وإنما هو من كلام أنس، مثل حديث قزوين وفضل قزوين إلى غير ذلك من الأحاديث، حتى إن بعض أهل العلم لم يجعله من الكتب الستة، وأخذ الموطأ وجعله السادس كـابن الأثير، وبعضهم ترك ابن ماجة وأخذ الدارمي وجعله السادس.
هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله |
غالباً لا يفوته شيء من الكتب الستة إلا نادراً، وهذا الكتاب يقول أحمد شاكر: لا يعلم أحد حفظه إلا ما يكون من ابن تيمية، أو ابن القيم، أو ابن كثير، وأنا أرشدكم إلى جعل هذا الكتاب في بيوتكم، وإلى قراءته والصبر على قراءته من أوله إلى آخره لتتصور عظمة الإسلام وعظة الإسلام ومكانته وسيرة نبي الإسلام، عليه الصلاة والسلام.
و مسند الإمام أحمد فيه الصحيح وهو أكثره، وفيه الحسن، وفيه الضعيف لكن بحمد الله كما قال ابن تيمية في المجلد الثامن عشر: ليس فيه موضوع، نعم. فيه روايات ابن لهيعة وقيس بن الربيع ورشدين بن سعد، لكن ليس فيه بحمد الله حديث موضوع، لكن ربما يكون فيه حديث وهم صاحبه فيه، وقد ذب ابن حجر بـالقول المسدد في الذب عن مسند أحمد عما اتهم به المسند وهي اثنان وثلاثون أو ثلاثا وثلاثون حديثاً.
1/ أول ما ألف في الصحيح، وقد قال الإمام الشافعي: ما تحت أديم السماء أحسن من موطأ مالك، وهو بديع خاصة في قوته وفي شرطه القوي، وفي إيراده آثار الصحابة، وفيه كلام الإمام مالك لكن الحديث فيه قليل، يقارب الحديث الذي يرفع عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة حديث.
وكذلك يحتاج إلى تخريج إلى الآثار التي فيه، وقد خدمه ابن عبد البر في التمهيد فأتى بالعجب العجاب -رحمه الله- فوصل المقطوعات، وذكر الموقوفات والمرفوعات فجزاه الله خيراً، وجزى الله مالكاً خير الجزاء.
وسنن البيهقي فيها الحديث الضعيف الكثير، فتتبع في التصحيح والتضعيف، وقد حاول الذهبي أن يستخرجها فكتب فيها مجلدين ثم لم يكمل ذلك.
المآخذ عليه، منها: أنه رحمه الله ألفه على الحروف وهذا أمر شاق، لأن التأليف على الأبواب والمسانيد أقرب لكن الأبواب أحسن، على الطهارة ثم الصلاة، فهذا كان أحسن، لكن بدأ بالألف فالباء فالتاء وهذا فيه صعوبة.
ومنها: أنه ذكر الروايات ولكن أهمل بعضها.
أما كتابابن خزيمة فإنه لم يخرج منه إلا الربع، وخدمه حبيب الأعظمي وفيه أحاديث ضعيفة لم يوفِ بشرطه -رحمه الله- هذا في كتب الحديث التي هي المتون والشروح حتى يكون الإنسان على بصيرة حين يقرأ فيها.
وميزته: أنه يُفصِّل الترجمة على المترجم تفصيلاً لا يعطيه أكثر من حقه، ولا ينقصه أقل من حقه، يقول في الإمام أحمد: شيخ الإسلام وإمام السنة.
ويأتي إلى الفيلسوف: الزنديق الكلب المعفر الزنديق فلان بن فلان.
ويأتي إلى الشاعر: شاعر زمانه، وأديب عصره، ثم يذكر حياته.
ميزته: أنه يعلق على الأحاديث، فلا يمر حديث في الغالب إلا ويذكر هل هو صحيح أو ضعيف.
وميزته أيضاً: أنه يذكر الرواة والعصور والتاريخ، فهو جم الفوائد، وله تعليق ما أحسن من تعليقه إذا علق! من ضمن تعليقاته أورد لكم هذا التعليق، أتى برواية زائدة، أتى بها رجل اسمه عفان من الرواة، والزيادة ليست بصحيحة في الحديث، قال الذهبي: قلت: هذه من زيادة عفان والسلام.
أتى إلى رجل كذب في الحديث قال: هكذا فليكن الكذب.
أتى إلى رجل اسمه إسماعيل قالوا: ما دخل بغداد بعد الإمام أحمد أحفظ من إسماعيل، قال: هذا قول من لا يعلم، إلى غير ذلك من التعليقات.
نُسب إليه أنه علق على جد ابن تيمية وأبي ابن تيمية وابن تيمية نفسه، قال: كان جده قمراً، وكان أبوه في العلم نجماً، وكان ابن تيمية شمسًا: فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة، وذكر عن ابن تيمية: أنه سئل عن حديث: صلاة التسابيح، قال: سنده: ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا [النور:40].
وذكر بعض الصوفية الغلاة يقولون: إنه ترك هذا الصوفي، ترك الطعام ثلاثة أيام، قال: فرأيت أشباحاً أمامي لما تركت الطعام، يظن هذا الصوفي أنها ملائكة نزلت عليه، قال الذهبي: والله ما نزل عليك شيء ولا رأيت شيئاً، لكن عقلك طاش من الجوع.
والكتاب متعة، ويربي ملكة الذكاء والفهم والاستنباط ومعرفة الرجال ومعرفة موقعك من العالم.
أما كتب الضعفاء والثقات فألف فيها كثيراً، وأنا لا أقول: إني أحصي كتب الرجال في هذه الجلسة إنما أذكر المشهورات.
تذهب إلى كتب الغريب، فمن كتب الغريب: غريب الحديث لـابن قتيبة وقد أخذ ثلث الغريب أو ما يقارب ذلك، وأبو عبيدة معمر بن المثنى له كتاب، وابن قتيبة بعده، وأبو عبيد القاسم بن سلام له غريب الحديث وهو أحسن ما كتب، كتبه في أربعين سنة وهو مطبوع.
وكتاب غريب الحديث لـإبراهيم الحربي موجود وعجيب وغريب، وكتاب الخطابي غريب الحديث موجود وعجيب وغريب، وحاول أن يجمع الكل، النهاية لـابن الأثير فكأنه يغنيك إن شاء الله.
و الزمخشري أيضاً له كتاب الفائق في الغريب، فإذا صعبت عليك الكلمة فابحث عنها في هذه الكتب، وأحسنها عندي النهاية لـابن الأثير.
و لـابن حجر كتاب اسمه النكت على ابن الصلاح وتعليقات طيبة، وله شرح كذلك.
هناك تمييز الطيب من الخبيث، وهناك كتاب للسخاوي، فهذه لابد أن تكون في مكتبتك حتى تعود إليها في وقت الحاجة.
أما ميزه:
1- أنه اقتضب العبارة ولم يبسطها بسطاً.
2- ومن ميزته: أنه أكثر من إيراد المسائل حتى أتت ألوفاً من المسائل، فأحسن كل الإحسان، علق عليه البليهي شيخي وما زال حياً -جزاه الله خيراً- شيخ كبير: فأتى بكل شيء عجيب، ولو لم يكن له بعد الإسلام حسنة إلا هذا الكتاب لكفاه فخراً، وعليه حاشية ابن قاسم وهي حاشية عجيبة، وخاصة في أخذ كلام ابن تيمية وابن القيم.
1/ نقل كلام العلماء في المسألة قديماً وحديثاً إلى عصره -رحمه الله- وخاصة المشهورين من الأئمة الأربعة والتابعين لهم بإحسان والصحابة.
2/ يذكر الأحاديث المشهورة في المسألة.
3/ يستخدم أصول الفقه استخدام من يعرف الفن ويدري الفن ويجيده، فيمزج هذا بهذا فيصبح عسلاً مصفى.
أما المآخذ على المغني، فأعظم مأخذ هو عدم المرور بتصحيح الحديث أو تضعيفه كما يفعل أهل العلم من النقاد، وهذا من شيمة المحدثين، لكن حبذا لو زادت حسناته حسنات.
ومنها: أنه قد يرجح المرجوح، فيقول: ولنا -أي: للحنابلة- فلا تتبعه في هذا واتبع الحق وعليك بالمعصوم -عليه الصلاة والسلام- كل واحد يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب ذاك القبر عليه الصلاة والسلام.
وميزه:
1/ أنه يتكلم عن الحديث كلام المحدثين والجهابذة.
2/ أنه يستوعب القول في المسألة.
3/ أنه يأتي باللغويات وأقوال الشعراء في اللفظة إذا كانت في الفقه.
المآخذ عليه:
1/ أنه لم يتمه وإنما وصل إلى باب الربا ثم توفي رحمه الله. وهذا ليس مأخذاً.
2/ أنه أورد أقوال بعض العلماء من صغار الشافعية، وهي أقوال في مسائل نظرية تحتمل فرعيات جزئية مدققة كرأي البغداديين والخراسانيين، وهذه تثقل طالب العلم، يكفيه الآن مثل الأربعة وكبار العلماء.
3/ إن بعض المسائل اقتضبها وهي تحتاج إلى كثير من الاستطراد، وما أحسن شرحه لحديث القلتين في المجلد الأول! لمن أراد أن يقرأه يجد العجب العجاب، فليت قوة النووي في الحديث جعلها لصاحب المغني، وليت بسط المغني وأصوله وتنظيره جعلها لصاحب المجموع لكن أبى الله إلا أن يكون الكمال لكتابه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].
1- كتاب رجل محدث من الدرجة الأولى (100%) وهو رجل ممتاز متفوق في علم الحديث، وهو مجرح ومعدل، وهو من الجهابذة.
2- أنه يورد أقوال التابعين ويعتمد على مصنف عبد الرزاق ومصنف ابن أبي شيبة.
3- أنه يورد كلام الأئمة.
المآخذ عليه: الرجل مؤول في الصفات فلا تأخذ منه العقيدة في المجلد الأول، قال ابن تيمية: أبو الحسن الأشعري أحسن حالاً من ابن حزم الظاهري.
1- أنه تساهل في الغناء وأباحه، والقول الصحيح على غير ما ذهب إليه، والحديث في البخاري صحيح والحمد لله.
2- نفى القياس وتمسكه بالظاهر فضاق عطنه.
3- أنه طعن في بعض العلماء، رحم الله ابن حزم ورحمهم الله وأسكنه الله فسيح جناته، فليته تأدب معهم حتى قال بعض العلماء: سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقان، لكن لا بد أن يكون في مكتبتك.
ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل: إن السيف أمضى من العصا |
ابن تيمية هو ابن تيمية القمر هو القمر:
يينما يذكرنني أبصرنني عند قيد الميل يسعى بي الأغر |
قال تعرفن الفتى قلن نعم قد عرفناه وهل يخفى القمر |
مدحي لـابن تيمية ينقص من قيمته أو من فتاويه، لكن الفقه والتحقيق العلمي والإبداع على مر العصور تجده في فتاوى ابن تيمية، القوة العلمية المتناهية، الصدق والإخلاص، اليقظة الفكرية، الحماس للإسلام، الفهم الصادق، المناعة التي لا يخترقها الصوت في كتب ابن تيمية، كل الصيد في جوف الفرا:
فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزالِ |
يكفي أن ابن تيمية هو ابن تيمية وفتاوى ابن تيمية هي فتاوى ابن تيمية ولا بد لك أن تمر على فتاوى ابن تيمية، وأن يضع الإنسان الكسل والخمول، وألا يقول: تجهضني، إن لنفسك عليك حقاً، ولعينك عليك حقاً، ولزوجتك عليك حقاً، هذا حديث الرخص نذكره لكن في أوقاته، والآن نحن لم نبلغ من الإرهاق والإجهاد إلى هذا المستوى الذي نستشهد به، وأنا أعرف على أن هناك من يحرص على ذلك.
من تلظي لموعه كاد يعمى كاد من صورة اسمه لا يسمى |
1/ التكلم على الحديث تصحيحاً وتضعيفاً وشرحاً وتعديلاً.
2/ إيراد أصول الفقه، وقواعد أصول الفقه، وقواعد الاستنباط، ودلالات الألفاظ.
3/ الترجيح وأخذ الراجح.
4/ إيراد كلام العلماء في المسألة -رحمه الله رحمة واسعة- فهو كتاب هذا الذي هو يعلق باسمه شرفاً له وإلحاقاً به.
فن أصول الفقه، له أصل عند الصحابة الأخيار لكنه ما بُدِأَ التأليف به إلا متأخراً، وأول من ألف فيما نعلم الإمام الشافعي -رحمه الله- ألف الرسالة، وطالب العلم لا يستغني في فن أصول الفقه عن ثلاثة كتب في مكتبته: الرسالة للإمام الشافعي، والموافقات للشاطبي، وأعلام الموقعين لـابن القيم وهي من أحسن ما كتب.
أما للمتخصصين فهناك لكن ليس الآن مجال بسطها؛ لأن الوقت لا يسمح بذلك، إنما أشير إلى هذه الكتب الثلاثة: الرسالة والموافقات وأعلام الموقعين فهي أحسن ما كتب، وهنا كتاب عصري في أصول الفقه جيد، وهو أصول الفقه لـعبد الوهاب خلاف، وهو مبسط ومقرب لطالب العلم لو ركز عليه وتمكن فيه لكان -إن شاء الله- جيداً ومفيداً في باب أصول الفقه، ولا يذهب المسلم وقته في أصول الفقه، وهو وسيلة مثل: علم المصطلح ومثل: علم علوم القرآن فلا يذهب جهده وطاقته وذكاءه في الوسائل، لكن المقاصد هي المتون الكتاب والسنة.
من كتب العقيدة التي تعتمد: كتابات ابن تيمية وابن القيم في الجملة وابن كثير، وإذا أردت أن تأخذ التنظير العقدي للعقيدة الإسلامية، فاطلبه عند ابن تيمية في كتبه؛ تجد البسط والسعة والشرح في العقيدة الإسلامية.
مصائب قوم عند قوم فوائد |
وكتب التاريخ المشهورة عند الناس الآن كثيرة منها: تاريخ ابن جرير وتاريخ ابن الأثير وتاريخ ابن كثير وتاريخ المسعودي وتاريخ اليعقوبي وتاريخ ابن خلدون، وأحسن الكتب هذه ثلاثة تواريخ:
1/ تاريخ ابن جرير.
2/ والبداية والنهاية لـابن كثير.
3/ الكامل في التاريخ لـابن الأثير.
وأحسن الثلاثة البداية والنهاية لـابن كثير، فليكن في مكتبتك يا طالب العلم، فهو أحسن ما كتب إلى الفترة التي توقف عندها في التاريخ، لكن تضيف أنت بعد كتب ابن كثير في التاريخ التي أتت بعده، وهو علم شائق لكن لا يؤخذ الوقت في البداية دائماً وفي التاريخ دائماً، فإنك إن شئت أن تجعلها حديث عجائز جعلته، عجائز نيسابور، وعجائز مدغشقر، وإن شئت أن تجعله تعليقاً فكرياً وأصالة ورسالة جعلته بحسب المقاصد، وإن شئت أن تجعله مسليات جعلته، وإن شئت أن تجعله استنباطاً وتجربة جعلته.
ومن أبدع ما كتب: دلائل النبوة للبيهقي وقد طبع في سبعة مجلدات، وحقق تحقيقاً عجيباً، فعليك به كما قال الذهبي: فإن فيه نور وشفاء لما في الصدور.
أما السيرة الحلبية فهي موجودة في ثلاثة مجلدات، لكن فات صاحبها الآتي:
1/ أنه أوغل في الصوفية، وأتى بكلام البوصيري ونظمه وسكت عنه، وأتى بكلام بعض الصوفية الأغيار والأنوار وهذه المقامات والأقطاب والأغواث.
2/ أنه ترك تصحيح الأحاديث والتعقيب عليها.
3/ أنه أورد بعض القصص التي ليست بصحيحة في السيرة النبوية.
ويصح أن يكون زاد المعاد كتاب سيرة فلينتبه له.
من السيرة العصرية فقه السيرة للبوطي، كتاب لكن يلاحظ عليه بعض المواطن، البوطي: محمد سعيد رمضان البوطي، والسباعي دروس وعبر لكنه كتاب فكري أقرب من أن يكون نقلي أثري.
ومن كتب السيرة أيضاً: الرحيق المختوم في سيرة النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام للمباركفوري وهو جيد.
1/ أن الرجل تربوي، وظهر عليه الزهد والصدق -إن شاء الله- كما ذكر ابن تيمية ذلك لما سُئِلَ عن الكتاب، ففيه خير كثير.
2/ ومنها: أن الرجل نقل كثيراً من أقوال السلف في علم التربية والسلوك.
3/ أنه أوجد قدماً للثائرين والكتبة في هذا الفن من المسلمين.
أما مثالبه فيه كالتالي:
1/ الرجل أشعري نظار فيلسوف في التمشعر، فأشعريته من باب تقديم العقل على النقل لا من باب أشعرية أهل الحديث، قصدهم التنزيه، فالعقيدة لا تؤخذ منه.
2/ أتى بالأحاديث بلا خطام ولا زمام وأوردها وحشرها حشراً حتى كدسها بالضعاف والموضوعات فلينتبه له، وتعقبه العراقي.
3/ الرجل معجب بـالصوفية ويدين لهم بالولاء خاصة الغلاة منهم، ويسكت على قصص معهم لا تصدقها عجائز البربر فلينتبه له، اختصره ابن الجوزي في مختصر طيب لطيف اسمه منهاج القاصدين، واختصره ابن قدامة في كتابهمختصر منهاج القاصدين.
ولكن أحسن منه:
والرجل تؤخذ منه العقيدة، سلفي المعتقد من أئمة أهل السنة والجماعة لكن في مدارج السالكين، سكت عن بعض قصص الصوفية، وجمح بالنفس في الخيال، وسافر بها في البعد عن الواقع، والإنسان بشر يخطئ ويذنب ويقصر وما مثل منهج القرآن والسنة، حتى يقول محمد حامد الفقي، قال: ليته ما ألف ابن القيم هذا الكتاب، لكن نقول: رحمه الله، فيه من الفوائد والمنافع، وفيه من الاشراقات، وفيه من الخير الكثير ما يضفي الكثير الكثير على النقص والمثالب التي فيه.
روضة العقلاء لـابن حبان أبي حاتم البستي.
و أنس المجالس لـابن عبد البر.
هذه أدب أهل السنة والجماعة، فيها حياء وعفاف وستر.
1/ أنه يأتي بأحاديث موضوعة وباطلة وكأنه يأخذها بدون مقابل وهو يأخذها مجاناً يوردها ويحشرها حشراً ثم لا يعلق.
2/ الرجل شيعي يتكلم في بني أمية ويزري بهم، خاصة في الصدر منهم كـمعاوية وابنه ويتشفى فيهما.
3/ يفحش في باب النساء وفي الحمقاء والمتماجنين، وهذا لا يليق بالمسلم الأديب الذي يريد الله والدار الآخرة.
1/ كثرت اللغويات والأشعار الجميلة والمقطوعات الأدبية الرائقة الرائعة لكثير من الشعراء ما يقارب من ثلاثين شاعراً.
2/ أنه يصدق كلام المتكلم والأديب والخطيب والعالم.
3/ أنه حوى كثيراً من الدرر الأدبية التي لا تنكر.
لكن الرجل أخفق إخفاقات عجيبة منها:
1/ أنه أتى بالكذب، نعوذ بالله من الكذب.
2/ أنه نزل على الخلفاء خاصة هارون الرشيد، وعلى خلفاء بني أمية؛ لأن الرجل شيعي عجيب، يقولون: إنه من سلالة بني أمية لكنه تشيع.
يوم يمانٍ إذا لا قيت ذا يمن وإن لقيت معدياً فعدناني |
ثم الرجل في باب الديانة أمره إلى الله عز وجل، ولا تؤخذ منه قصص، وإنما تؤخذ للاعتبار فهذا يلاحظ عليه؛ لأنه كذلك تماجن كثيراً في كتابه ولا يقرؤه الإنسان إلا بعقيدة، وبعد أن يستغفر الله كثيراً ويكون متحصناً من نفسه.
ديوان المتنبي لا تغفل عنه، فهو شاعر العربية بلا منازع، وما أحسن شعره! ويستشهد به ابن تيمية وابن القيم كثيرا، وما أحسن لطائفه وإيراداته، وإشراقاته، وليته استخدم شعره في الإسلام وفي خدمة لا إله إلا الله ونصرة لا إله إلا الله، لكنه ذهب وشرَّق وغرَّب، يريد الإمارة وما حصل عليها، يذهب إلى هذا أنت بدر الزمان، وأنت مجدد هذا القرن، وأنت درة هذا العصر، ثم إذا تغاضب معه سفك ما بينه وبينه من حياء، وذهب إلى كافور وقال:
قطعت المرورى والشناخيب دونه وجبت هديراً يترك الماء صاديا |
ويقول فيه:
ومن مثل كافور إذا الخيل أحجمت وكان قليلاً من يقول لها اقدمي |
ويقول له، حيث كان كافور اسمه أبو المسك:
أبا كل طيب لا أبا المسك وحده وكل غمامٍ لا أخص الغواديا |
الرجل شاعر من الدرجة الأولى لكن انظر لما غضب عليه:
عيد بأية حال عدت يا عيد لما مضى أم لأمر فيك تجديدُ |
إني نزلت بكذابين ضيفهم عن القرى وعن الترحال محدودُ |
جود الرجال من الأيدي وجودهم من اللسان فلا كانوا ولا الجودُ |
لا يأخذ الموت نفساً من نفوسهم إلا وفي يده من نتنها عودُ |
لا تشتر العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس مناكيدُ |
إلى أن يقول:
من علم الأسود المخصي مكرمة أقومه البيض أم آباؤه الصيدُ |
أم أذنه في يد النخاس دامية أم قدره وهو بالفلسين مردودُ |
حتى يقول: أنا ما أتيت أطلب منك إمارة يوم ذهب من عنده، أنا أتيت أنظر إليك، حتى يقول:
ومثلك يؤتى من بلاد بعيدة ليضحك ربات الخدور البواكيا |
ثم ذهب إلى عضد الدولة، وقال لـعضد الدولة أعظم مديحة:
فداً لك من يقصر عن فداكا فما ملك إذاً إلا فداكا |
أروح وقد ختمت على فؤادي بحبك أن يحل به سواكا |
إلى أن يقول:
إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى |
لكن الرجل شعره في القمة، وأنا أوصي طلبة العلم أن يستشهدوا من شعره وأن يقفوا معه.
ومن الشعراء أبو تمام: وديوانه من أحسن ما قيل، وهو أحسن حالاً من المتنبي ولكن ذاك أشعر وله شعر لطيف في الإخاء وهو يناسب جلستكم:
إن كيد مطرف الإخاء فإننا نعدو ونسري في إخاء تالد |
أو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد |
أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد |
وله أم المراثي، رثى بها محمد بن حميد الطوسي يقول:
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر |
توفيت الآمال بعد محمد وأصبح في شغل عن السفر السفر |
إلى أن يقول وهذا الذي رثاه شجاع مقدام مجاهد من قواد المسلمين:
تردى ثياب الموت حمراً فما دجا لها الليل إلا وهي من سندس خضر |
وما مات حتى مات مضرب سيفه من الضرب واعتلت عليه القنا السمر |
عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر |
من الشعراء المعاصرين:
أحمد شوقي فلا بأس من استصحاب شعره؛ فهو شاعر في القمة، ويسمى أمير الشعراء -سموه هكذا- وهذه الكلمة ليست فتوى.
ومنهم محمد إقبال: وهو شاعر إسلامي مجيد، وله قصائد مترجمة، مثل قصيدة: شكوى وجواب شكوى، ترجمة عبد الوهاب عزام.
أما مؤلفات العصر فأدلكم على مؤلفات عبد الرحمن بن ناصر السعدي علامة القصيم -رحمه الله- فهو من أحسن ما كتب في هذا العصر، وكتب سيد قطب، وكتب محمد قطب، وكتب أبي الأعلى المودودي الأستاذ الكبير، وكتب أبي الحسن الندوي والمنطلق والرقائق والعوائق لـمحمد أحمد الراشد.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر