نعم، لأن المسلمين لم يطبقوا أحكام الإسلام، فلم يراعوا حقوقها، بل ربما عاملوها بعكس ما هو لها، كما هو الحال في مسألة الميراث، والناظر في حال سلف الأمة يرى أن الإسلام هو الذي أعطاها حقها، ورفع مكانتها، والمرأة هي التي أنجبت خالداً وعلياً وعمر وغيرهم من الرجال الأبطال.
والواجب على كل مسلم أن يعي ويعرف حقوق المرأة، سواء كانت بنتاً أوأماً أو أختاً.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عنوان هذا الدرس: (دفاع عن المرأة) وعندي ثلاث قضايا قبل أن أبدأ في الموضوع:
الأولى: أعلن لكم هذه الليلة كالليالي التي خلت حبي لكم في الله، فأشهد الله وحملة عرشه وملائكته ثم المؤمنين أني أحبكم في الله حباً صادقاً، أسأل الله أن ينفعني وإياكم بهذا الحب، وأن يجمعنا وإياكم في دار الكرامة، وفي مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر.
الثانية: أرحب بأصحاب الفضيلة المشايخ الذين شرفونا بالحضور في هذه الليلة، وكنا ننتظرهم وننتظر غيرهم كثيراً، وإني أرى أن من المسائل التي تنقص المنطقة: عدم مشاركة العلماء والمشايخ والقضاة الندوات والدروس والمحاضرات، وقد رأيت عالم البلاد بل عالم الأمة الإسلامية سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وهو يحضر الندوات مع علماء الرياض، ويشيد بطلبة العلم ولو كانوا مبتدئين ويشد من أزرهم؛ لأن هذا جهاد، ومرابطة المجاهدين على الصبر مطلبٌ شرعي، ورأيت كذلك علماء القصيم، فإذا هم يحضرون الندوات والمحاضرات لا يغادرون منها شيئاً، فما حقنا إلا أن نحضر وأن نبارك جهد المقل والمقصر، وفي هذا إغاظة للمرتدين والمنافقين، وفي هذا إظهار لعظمة الإسلام والمسلمين، وإظهار للتكاتف والتعاون على البر والتقوى.
أما عنوان هذا الدرس (دفاع عن المرأة) فله سبب.
الثالثة: وقبل أن أبدأ اسمحوا لي أن أقرأ رسالة عاجلة، وإن شئتم سموها برقية مستعجلة.
إلى أخواتي وبناتي في المدرسة التاسعة عشرة الابتدائية (بـأبها) السلام عليكن ورحمة الله وبركاته، وحماكن الله وستركن، وحفظكن في الدنيا والآخرة.
وبعـــد:
ربما أسيء فهم ما قلته في درس (بريد المستمعين) عن المدرسة التاسعة عشرة، وربما كان من تدبير المولى جلت قدرته، أن ينشر فضائل الفضلاء والفاضلات عن طريق النقد، قال أبو تمام:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسودِ |
لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العودِ |
وإني أعلم أن هذه المدرسة بالذات فيها ما يقارب عشرين مدرسة كافلات أيتام، وداعيات متحجبات، وكريمات حشيمات:
حور حرائر ما هممن بريبة كظباء مكة صيدهن حرام |
وإني أعد تكلم النساء عن قضاياهن من الواجب الشرعي، وإني أدافع أنا وأمثالي عنهن بدمائنا وجماجمنا وأرواحنا، وقد حملني ما وقع في درس (بريد المستمعين) إلى أن ألقي هذا الدرس بعنوان (دفاع عن المرأة) وإنني أهدي من هذا الدرس خمسمائة شريط للابتدائية التاسعة عشرة مع السلام والتحية، فليست مشكلة المسجد عندهن فحسب، بل عند كثير من المدارس، ومن نعمة الله عز وجل أن رزقني بأربع بنات وأنا بهن سعيد، أسأل الله لهن ولجميع بنات المسلمين الصلاح والسداد والحفظ والرعاية.
أما الجمعية الخيرية النسائية بـأبها فلا أزال على تخوفي وتحفظي أنا وطلبة العلم والدعاة والمشايخ، وأخذاً بالحديث: (فر من المجذوم فرارك من الأسد).
وأشارك الشاعر -في إصراره لا في أفكاره- فأصر على ما قلت في السبت الماضي نحو الجمعية النسائية الخيرية كإصرار الشاعر لا كفكره يوم يقول:
أتوب إليك يا رحمان مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوب |
وأما عن هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوبُ |
أما أسباب هذا الدرس فثلاثة أسباب:
الأول: لأن المرأة أصبحت طريقاً للغزو ونافذة للتأثير الحضاري، وأصبحت لعبة بيد المهرجين والمروجين ينفذون منها إلى قعر دار الإسلام.
الثاني: اتهام الإسلام من قبل أعدائه بأنه حجر على المرأة حقوق المشاركة، وحجمها، وقلص دورها في الحياة الدنيا، وأنه سبب تعاستها! أتعسهم الله!
الثالث: تقصير كثير من الناس في حقوق المرأة، والتهاون بشأنها الخطير، ومكانتها السامقة التي أنزلها بها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام.
وقال جلت قدرته: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13].
وقال جل وعلا: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189].
قال بعض أهل التفسير: وخلق منها زوجها: حواء خُلقت من ضلع آدم، وقال غيره: بل كل زوجٍ من أصل الزوج الآخر ليسكن بعضهم إلى بعض، وسمى الله الأزواج سكناً ولباساً؛ لأنهن سترٌ في الدنيا والآخرة.
وكان يقول كما في الحديث الصحيح: {إن المرأة خلقت من ضلع} وقال ابن عباس: [[من ضلع آدم]] وقد روى أحمد والترمذي عن عائشة رضي الله عنها، ورواه البزار وأبو عوانة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنما النساء شقائق الرجال} حديث حسن، والمعنى: أن المرأة شقيقة الرجل، وأنها نصف المجتمع، وأنها المؤدية للرسالة في بنات جنسها، والمرأة عندنا أم، وزوجة، وبنتٌ، وأختٌ، ومعلمةٌ، ومربيةٌ، وداعيةٌ، قال سبحانه وهو يتفضل على عباده بالعمل الصالح: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:35].
فذكر الله أفعال الخير حتى ختم الآية، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة آل عمران حين ذكر الدعاة والمجاهدين والعاملين والمهاجرين: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71].
فهناك حزب المؤمنين والمؤمنات، وهناك حزب المنافقين والمنافقات، وهناك لواء المسلمين والمسلمات، وهناك لواء المشركين والمشركات، وقال عليه الصلاة والسلام وهو يوصي الأمة بالرحمة بهذه المرأة الضعيفة: {إنهن عوان عندكم} وفي لفظ: {الله الله في النساء؛ فإنهن عوان عندكم} قال أهل غريب اللغة: عوان: أسيرات، فالمرأة أسيرة ووجب على المسلم أن يرحمها ويقدرها ويحترمها، وصح عنه عليه الصلاة والسلام عند أبي داود وغيره أنه قال: {خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي} فخير الناس لأهله محمد عليه الصلاة والسلام، قالوا لـعائشة: {كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليكن؟ قالت: كان يدخل ضحاكاً بساماً} فكان يضحك صلى الله عليه وسلم مع أن المشاكل التي تطوف بأمته والحوادث التي تستقر على رأسه لو وضعت على كثيرٍ من البشرية لما استطاعوا حملها.
في صحيح البخاري في كتاب الأدب قال زيد بن ثابت:[[من السنة المزاح مع الأهل، والوقار خارج البيت]] فبعض الناس عكس الآية، مزاحاً ضحاكاً مع زملائه وأصدقائه، وقطوباً عبوساً مع أهله في بيته.
سلامٌ أيها الأم الحنون ويا أم الرجال لك الشجون |
فأنت ولودة الأبطال يُحمى عفافك بالجماجم لا يهون |
معنى البيت: أننا نقدم الجماجم عن أعراضنا وعن بناتنا، وما أظن أحداً سوف يتأخر إذا رأى أن بناته وأخواته سواء في المدارس أو الجامعات، أو المستشفيات يُمس أعراضهن، ولا حيَّا الله الحياة، ولا أسعد الله الدنيا إذا لم تجر في عروقنا حمية المحافظة على البنات والأخوات، كما يقول شاعرنا:
نحن وجه الشمس إسلامٌ وقوه نسبٌ حرٌ ومجدٌ وفتوه |
كربٌ عمي وقحطان أبي وهبوا لي المجد من تلك الأبوه |
نحن أسد الله في وجه الردى قد وضعنا الكفر في سبعين هوه |
والسيوف البيض في وجه الردى يوم ضرب الهام من دون النبوه |
وقال أديبٌ عصري يدافع عن المرأة أمام الحضارة الزائفة المزعومة:
أخرجوها من العفاف إلى السو ق وشقوا جلبابها بالمحاجر |
جعلوها على المجلات رمزاً للهراء المفضوح في كف فاجر |
وادعوا أنهم بها حرروا الجيل وقد مزقوا الحيا بالخناجر |
وقد سلف أن كاتباً يسمى الغريافي قبل عشر سنوات كتب قصيدة (مزقيه): ورددت عليه بقصيدة منها:
حين نادى يا بنة الإسلام خدرك مزقيه |
دخل أحد الحكماء على ملكٍ من الملوك، فوجد طفلة الملك جالسة عند الملك، فقال الملك: سمعت أن الناس يقولون: إن البنات يقربن البعيد ويبعدن القريب ويقطعن الأرحام، فقال الحكيم: كلا أيها الملك! والله إنهن رياحين القلوب، أتين بالرجال.
أي: إن الرجال من النساء، من أين أتى خالد بن الوليد وعمر وصلاح الدين ونور الدين وعمر بن عبد العزيز؟ من النساء، فهن قد أتين بالرجال، وحملن بالأبطال، دررٌ مكنونة، ومطارف مصونة، يقمن على المريض، ويذكرن الميت، رحيمات بالأولاد، خدومات للأجداد، حجابٌ عن النار وكنزٌ في الدار.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من عال جاريتين فرباهن وأحسن إليهن وزوجهن كن له حجاباً من النار}.
فالحجاب من النار تربية البنات في البيت على تعاليم الكتاب والسنة، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8-9].
وكان أبو بكر الصديق يقرأ في قراءته وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8-9].
وأول من رفع وأد البنات: محمد عليه الصلاة والسلام، وسوف يسأل الله عز وجل من وأدهن في الجاهلية.
وعندنا وأدٌ من نوعٍ آخر، فإن الجاهلين كانوا يذبحون الفتاة الطفلة ذبحاً، وينكسونها على وجهها، ونحن في مجتمعات العالم الآن الذي لا يتحاكم إلى الكتاب والسنة، يذبحون عفافها ودينها وحجابها ومكانتها وطهرها، يريدونها عارضة أزياء، ومروجة أحذية، وورقة دعاية في المؤسسات والشركات والمحلات، فحسبنا الله ونعم الوكيل! أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].
قال أبو الطيب المتنبي وهو يرثي أم سيف الدولة:
فلو كان النساء كمن عرفنا لفضلت النساء على الرجالِ |
فما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخرٌ للهلالِ |
يقول: لو كانت النساء مثل أمك يا سيف الدولة! لفضلت النساء على الرجال، فليس بعيبٍ أن تسمى فاطمة أو عائشة أو زينب أو أسماء أو خديجة فإن الشمس مؤنث وهي أحسن من الهلال، والهلال مذكر، وفي الرجال من لا يساوي قلامة ظفرٍ من امرأة، وفي النساء من تساوي ألف رجل، والواقع والتاريخ يشهد لذلك، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً [الطلاق:3].
لماذا ندافع عن المرأة؟
لأنها مظلومة، ظلمت من المجتمع الجاهلي الوثني الشركي في الجزيرة العربية، فحرموها الميراث والرأي، وجعلوها عقيماً عن حمل المبادئ، واستخفوا بها حتى عاملوها كما عاملتها الحضارة الغربية والثقافة المادية تماماً -ذكر ذلك أبو الحسن الندوي في كتابه ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين - فأي مصيبة دهماء لا يعلمها إلا الله حلّت بالمرأة في جاهليتها المعاصرة؟!
وهي مظلومة من الوضع الكافر الذي نعيشه الآن، يوم أخرج المرأة بعد الحرب العالمية الثانية لتقود الدبابة، وتكون طيارة، وتأخذ السلاح، وتحمل الكلاشنكوف تصارع الأبطال والكتائب، وتقاتل في ساحة المعركة، وتكون جندية مرور، إنها والله أمور تدل على أنهم ما قدَّروا المرأة حق قدرها، وأنهم خذلوها في أعظم شيء تملكه، وهو العفاف والطهر والحياء.
والمرأة مظلومة من بعض الآباء، فإن كثيراً من الآباء لا يعرفون قدر المرأة فلا يستشيرونها، ولا يعتبرون رأيها، ومنهم من كان حجر عثرة في زواج ابنته، فإذا تقدم الكفء رفضه برأيه هو لا برأيها، حتى تعيش العنوسة والأسى.
وهي مظلومة أيضاً من بعض الأزواج فهو يتعامل معها كأنها دابة في البيت، لا احترام لها، ولا رحمة، ولا سماع رأي، ولا مناقشة بالتي هي أحسن، ولا إعطاء حقوق، وإنما يراها أنها من صنفٍ آخر، ويتعامل معها بفظاظة وغلظة، وسوف يأتي شيء من ذلك.
الله عز وجل يدافع عن المرأة، لأن المرأة من المسلمين المؤمنين، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38].
فالذي يدافع عن المرأة أولاً؛ هو رب العزة والجلال.. الله رب العالمين!
والرسول عليه الصلاة والسلام يدافع عن المرأة، فقد أعطاها حقوقها، وسن لها صلى الله عليه وسلم ما لها من حق في كثيرٍ من المناسبات.
المرأة كرامة بذاتها وهبة من الله وعطية منه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للإنسانية، لكن هذا الجاهل وهذا الأحمق يظن أنه إذا ذكر المرأة فإنه قد دنس الأسماع أو المجلس، فيقول: المرأة أكرمكم الله!!وهذه كلمة خاطئة حرامٌ أن تنطق وأن تقال، وعلى من حضر المجلس وسمع هذا أن ينكر بأشد الإنكار ويقول: لا تذكروا المرأة بهذا التعريض المشين فإنها كريمة محترمة، ولا بأس أن يذكر اسمها (كما سوف يأتي).
ومنها: أن بعض الناس يجد غضاضة واحتقاراً ونقصاً أن يتكنى باسم البنت أو المرأة، فيأنف أن يقال له: يا أبا فاطمة! ويا أبا خديجة! ويا أبا أسماء، وهذا خطأ! فقد تكنى الصالحون والأبطال في المعارك ببناتهم، وسمي الخلفاء والزعماء ونسبوا إلى أمهاتهم لشرف أمهاتهم، وكان كثيرٌ من السلف يكني الرسول عليه الصلاة والسلام بأبي الزهراء أي فاطمة البتول بنت الرسول عليه الصلاة والسلام التي يقول فيها محمد إقبال شاعر الباكستان:
هي أم من؟ هي بنت من؟ هي زوج من؟ من ذا يساوي في الأنام علاها |
أما أبوها فهو أشرف مرسلٍ جبريل بالتوحيد قد رباها |
وعلي زوج لا تسل عنه سوى سيفٍ غدا بيمينه تياها |
قال شوقي:
أبا الزهراء قد جاوزت قدري بمدحك غير أن لي انتسابا |
يخاطب الرسول عليه الصلاة والسلام.
فما كعب بن مامة وابن سعدى بأجود منك يا عمر الجوادا |
تعود صالح الأخلاق إني رأيت المرء يلزم ما استعادا |
عليكم ذا الندى عمر بن ليلى جواداً سابقاً ورث النجادا |
فـعمر بن ليلى هو عمر بن عبد العزيز، وكان يرتاح إذا قالوا له: ابن ليلى، وكان عثمان رضي الله عنه يرتاح بمجالسه إذا قالوا: يا بن أروى، ودخل النابغة الذبياني على النعمان بن المنذر فمدحه في القصر أمام الناس، وأثنى عليه وعلى حكومته في المناذرة وهم ملوك العرب وقال:-
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلولٌ من قراع الكتائبِ |
تخيرن من أزمان يوم حليمة إلى اليوم قد جربن كل التجاربِ |
يقول: من عهد جدتكم حليمة، وسيوفكم تقطر دماً من أعدائكم، فارتاح الملك واستعاد البيت وأعطاه جائزة.
فلا حرج من عليك أن تتكنى بابنتك، وأن تتشرف بهذا.
وكان قطري بن الفجاءة اسمه أبو نعامة باسم بنته، وقيل: باسم فرسه، والصحيح أن ابنته اسمها نعامة، فكان إذا حمي الوطيس خلع خوذته من رأسه، وقال: أنا أبو نعامة، وهو الذي يقول قصيدته الرائعة الشائقة ولو أنه كان خارجياً جلداً صلباً لكني أذكره لقصيدته يقول:
أقول لها وقد طارت شعاعاً من الأبطال ويحك لن تراعي |
فإنك لو سألت بقاء يومٍ على الأجل الذي لك لم تطاعي |
فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيل الخلود بمستطاع |
في الصحيحين: {أن
وفي الصحيحين: {أن
ونحن نعرف قائمة من نساء الصحابة، نعرف اسم امرأة أبي بكر، وامرأة عمر وامرأة عثمان، وامرأة علي، والعشرة، وأهل بدر وشعراء الصحابة، لكن لما طال الأمد أنف بعض الناس أن يذكر الأسماء، ورأوا أنها من الحرج، وأنه إذا ذكر اسماً إنما يذكر أموراً أخرى، وهذا خطأ لا يصح، بل نذكرها شرفاً، والله قد ذكر في القرآن أسماء نساء، ولله الحمد والشكر!
يقولون: كانت امرأة أبي جعفر المنصور أو المهدي اسمها الخيزران، فدخل أحدهم وبيده عصا من خيزران -التي تصنع منها الرماح- فقال الخليفة وحوله الأمراء والوزراء والعلماء: من أي الشجر صنعت هذه العصا؟
فخشي أن يقول: من الخيزران، فيعرض بامرأته قال: من عروق الرماح، قال له: الخليفة بيض الله وجهك! وهذا جميلٌ ورأي طيب في مثل هذا، وأنا أؤيد مثل هذا الجواب الصحيح لأمرٍ ما؛ لأنه لو قال صنعت العصا من الخيزران لتبسم بعض الناس وأحرج الخليفة؛ لأن الخيزران في البيت..!!!
وبعضهم يوصي بعدم استشارتها أصلاً، وبألا تطرح عليها الأفكار.
والرسول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين استشار الجارية عن عائشة، وفي عفافها، فأشارت على رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، فكيف بالعاقلات الكبيرات المؤمنات الداعيات المحترمات؟!
الميراث حق للمرأة لم يتوله نبيٌ مرسل، ولا ملك مقرب، ولا عالم من العلماء، وإنما تولاه الله بنفسه، فأعطى كل ذي حقٍ حقه، فله الحمد وله الشكر.
وبعض الناس الآن حرم قريبته وخالته وبنته وأخته من الميراث، وإذا ذهبت تأخذ الميراث شنَّع عليها أهل الحي والقبيلة والقرية، وهؤلاء مخطئون، والواجب أن نصحح هذا الخطأ القبيح الذي أصبح وصمة عار في وجوه أهل الإسلام، لا بد أن تعطى مباشرة ولو رفضت تجبر، ويذهب المعصب أو القريب بنفسه ليعرض عليها حقها الذي أحقه الله سبحانه لها.
أما إتعابها بالعمل وتكليفها فوق الطاقة فلا يجوز، وهذا يوجد في المجتمع القروي والبدوي والقبلي، فيجعلونها تكد كداً لا يعلمه إلا الله، حتى كأنهم لا يتصورون أن لها طاقة محدودة، وأنها ضعيفة، وأنها تحمل وتضع، وأنها تعاني الأمرين، فتشارك في الحراثة والزراعة والاحتطاب ورعي الأغنام وحمل الأثقال وصنع الطعام وكنس البيت..، وتعمل الساعات الطويلة من العمل المضني الذي لا يعمله إلا عمال المناجم في مناجم الفحم أو مناجم استخراج الذهب والفضة، وهذا لم يقره الإسلام.
فنقول: النساء لهن طاقة محدودة، والمرأة ضعيفة، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: { الله الله في النساء} والمعنى: في ضعفهن فإنهن ضعيفات لا يستطعن حمل كثيرٍ من الأمور، لكن المجتمع الجاهلي قد يكلف المرأة عملاً من الأعمال، ويجدها مقصرة إذا لم تقم بهذا العمل، فتجد الرجل يفرض على امرأته أن تحرث وتزرع وتحمل الحبوب وترعى الأغنام وتحتطب وتذهب وتأتي وتستقي، وتعمل أعمالاً كثيرة لا يعملها أربعة عمال أو خمسة، والإسلام لم يأت بهذا أبداً، وهذا ظلم لها لا يقره دين الله.
{أتت امرأة أظنها
وفي الصحيحين: أنه خطب الرجال يوم العيد ثم قال لـبلال: {هيا بنا إلى النساء فخطبهن ووعظهن، وقال: تصدقن ولو من حليكن} أو كما ورد في الحديث.
أما أن تبقى المرأة جاهلة؛ لا تجود القرآن، ولا تحفظ كتاب الله عز وجل، ولا تعرف السنة ولا الفقه فذلك أمر مرفوض. كما أن التعليم الفاضح الذي يدعو المرأة إلى أن تشارك الرجل في البرلمان، وأن تشاركه في حقول الحياة، وأن تخرج متبذلة متكشفة سافرة نرفضه، ونعتبر أنه تعليم جاهلي لا يزيدها إلا سقوطاً ويقودها إلى النار، إنما نريد تعليماً إسلامياً موقراً مقدساً طاهراً يقودها إلى جنة عرضها السماوات والأرض.
كانت عائشة رضي الله عنها عالمة وتحفظ من الشعر، قال الزهري: [[كانت
وكانت عمرة بنت عبد الرحمن عالمة من عالمات التابعين، ومعاذة، وكذلك بنت سعيد بن المسيب، وكريمة بنت أحمد شيخة ابن حجر روت لأكثر من ستين ألفاً من الأمة صحيح البخاري، وعالمات كثيرات؛ حملتهن كتبٌ وسيرٌ وتواريخ.
أيضاً وضعها في عمل لا يليق بمكانتها كما أسلفت كرعي الأغنام والخروج للاحتطاب، وكذلك تدريبها على السلاح ودخولها في الجيش، وفي المرور، وفي مواجهة الناس كالعمل في الجوازات، وعلى المنافذ العامة، وفي المستشفيات لمباشرة الرجال، وفي النوادي الطبية، وأماكن التمريض، كل هذا لا يجوز في الإسلام، فلا بد أن يكون عملها في حقلها مع بنات جنسها، لا ترى الرجال ولا يرونها.
وقد سألت صحابية رسول الله عليه الصلاة والسلام في حديثٍ حسن: {ما أحسن شيء للمرأة؟ قال: ألا ترى الرجال ولا يرونها} وهي وصيته عليه الصلاة والسلام التي تبقى أبد الدهر حلاً للمرأة في دنياها وأخراها.
قالوا: هي المرأة لا تبين في الخصام، ولا تدافع عن نفسها ولا تستطيع أن تعرض حجتها، فيستغل ذلك كثيرٌ من الناس حتى في القضايا الأسرية، فإذا أتوا إلى الحكم من أهلها والحكم من أهله، أتى الرجل يتكلم بالمحاضرات؛ لأنه جريء، ويفتعل الأقاويل، وأتت هي تبكي لا تستطيع أن تدافع عن نفسها، فليتق الله الناس في هذا، ولا ينسبوا المشاكل للنساء، فإنه لا يحدث في البيت أمر إلا وكان للرجل ضلع في ذلك، وربما كانت في الحالات النادرة سبباً رئيسياً، لكن ليس دائماً.
ونريد أن نزيل عقدة نسبة الخطأ دائماً إلى المرأة.
ومنها: عدم فتح مجالات الدعوة للمرأة، وكثيراً ما ينادي الدعاة إلى مراكز الدعوة المحترمة، وأن هناك دروساً للنساء، وتقوم امرأة تدرس بنات جنسها، أو حلقات تعليمية في القرآن وعلم الحديث والتفسير والفقه، وأن تقوم المرأة كذلك في حيها بجمع جاراتها على درسٍ أسبوعي.
وقد وصلني أخٌ فاضلٌ أكرمه الله من آل يزيد باقتراح جيد عجيب رائع للمرأة، وهو ينص على أن يكون هناك مجموعات من الفتيات يتولين في كل قرية إرشاد النساء؛ لأن المرأة تعيش اكتساحاً رهيباً لا يعلمه إلا الله، فهي محاربة ومهددة في عرضها دينها من كل جهة، الجمعيات النسائية، الفيديوهات، الأطروحات، الأشرطة، المجلات، الدوريات، التلفاز، الدعايات المغرضة، ومع ذلك لا بد أن نتواصى وأن نتعاون، ونحن ذهبنا مذهباً جميلاً في مسألة المحاضرات والدروس واللقاءات والندوات للرجال، أما النساء فلا!! فأنا أضع هذا ولكلٍ منكم أن يقترح اقتراحاً يرضاه ويراه، ويشاور زوجته إن كانت من الداعيات، أو طالبات العلم، أو الصالحات.
أيضاً تعرض في بعض المحلات ما يسمى (السوبر ماركت) صور متهتكة ودعايات، وهذه منتشرة على العلب والكراتين، وأصبحت عند العالم الكافر المتخلف علامة للدعاية والجذب ليس إلا، كذلك بعض الأفلام والدوريات حمانا الله وإياكم!
أيضاً الأغاني التي أمطرت بها الأسواق، وأحرج بها الناس، وكما تعرفون الخبر الذي ورد أن أغنية لمغنٍ واحد وصلت إلى الأسواق وبيع منها في أسبوع واحد بخمسين ألف ريال.
فقل لي بالله، كيف يكون البيت إذا دخل الشريط التسعون دقيقة فيه وهو يحمل خمس أغاني أو أربع أغاني؟! كيف يهتك ذاك البيت ويضيعه، ويصنع هذا أناسٍ لا يخافون الله في الجيل ولا في الأمة.
وقد أوجب علينا الله سبحانه أن نعدل بين أولادنا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فإذا قبَّلت واحداً منهم فقبِّل بقيتهم، وإذا قلت لهذا كلمة طيبة، فقل للجميع مثلها، وما تدري من البركة فيه.
أعرف بعض كبار السن الذين ما احتضنتهم في الأخير بعد عناية الله إلا بناتهم! تمريضاً ورعاية وخدمة، أما الأبناء فلم يستفيدوا منهم شيئاً، وبعض الناس قامت ابنته بما قام به أولاده جميعاً، فتجد البنت أعطف وأرحم، وأحسن وأكثر دعاءً وطاعةً لأبيها، فما تدري مَن الخير فيه، فعليك ألا تحقر هذه البنت، وألا تقدم أولادك عليها بحجة أنهم ذكور، فإنهم كلهم عطايا من الله عز وجل، ولهم الأحقية المشتركة في حبك وبرك وعطفك وحنانك.
رأيت في جريدة الأهرام -قطعة أوصلها إلىَّ بعض الإخوان- إعلاناً أن شركة الخطوط تريد مضيفات من بلاد أجنبية، واشترطوا شروطاً أن يكون عمرها من أربعة عشر إلى تسعة عشر لا تزيد ولا تنقص، وأن تكون جميلة.. إلى غير ذلك، فعرفنا أن المقصد مقصدان:
يوماً يمانٍ إذا لاقيت ذا يمنٍ وإن لقيت معدياً فعدناني |
وكذلك سكرتيرات في بعض المكاتب والسفارات، والمنتديات والنوادي، والفنادق والمستشفيات والعيادات وأماكن التمريض، وأماكن تجمع الناس، وهذا من احتقار المرأة، ومن عرضها وتشهيرها للفجرة.
ونحن مثلنا في هذا مثل الشعوب المستضعفة، فإن الشعوب الآن دائماً يقولون: عليكم بالطاعة للقادة والقائمين، وعليكم أن تتقوا الله، وعليكم بالمحافظة، لكن حقوق هؤلاء الشعوب لا تذكر، تجد الشعوب إما مهضومة أو مظلومة، أو محتقرة أو جائعة، أو ترمى على الأرصفة، أو لا مكان لها، فهي بلا رأي ولا احترام، ولا مشاركة ولا تقدير، ومع ذلك وسائل الإعلام صباح مساء تنادي: اتقوا الله وأدوا حقوق الولاة والزعماء؛ فإنكم إن لم تفعلوا خرجتم من الملة وخرجتم من الدين، فهذا مثل ذاك، والمرأة الآن مثل الدول النامية "النائمة".
ومن الخطأ كذلك التعامل معها بعنفٍ وغضاضة إلى درجة الضرب لغير سبب شرعي، حتى إن بعضهم يعلق سوطاً في البيت مهمته زوجته، ويسمي السوط ستر الله، وهذا السوط ليس بستر الله لكنه يغضب الله أحياناً، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : {لقد طاف بأبيات آل محمد نساء يشتكين من أزواجهن، وإن أولئك ليسوا بخياركم} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
فمن يفعل ذلك ليس من خيرة الناس وصفوتهم {وأتت
وقالت امرأة: [[طرقت على باب
فالضرب ليس بحلٍ شرعي إلا في مواطن ذكرها الله عز وجل في كتابه، قال: وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً [النساء:34]
والضرب غير المبرح: ألا يكون كثيراً مؤذياً، ولا يكون في الوجه ولا على البطن، وإنما العاقل يعرف والحر ميزان.
قالوا لـشريح القاضي وكان يحب زينب امرأته، وجلست معه أربعين سنة: أضربتها في حياتك؟ قال: والله ما مددت يدي عليها، ثم يقول:
رأيت رجالاً يضربون نساءهم فشلت يميني يوم أضرب زينبا |
ولو أني أعلم أن بعض النساء لا ينفعهن لا الكلام ولا الضرب ولا أي شيء، لكن نسأل الله حوالينا ولا علينا، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، اللهم على بطون الأودية ومنابت الشجر.
وتجد بعض الدعاة يشتغل في المحاضرات والندوات والمشاركات والسفريات، حتى يترك امرأته، فإذا سمعت امرأته الشريط وهو يتكلم عن حقوق المرأة، تقول: لا إله إلا الله! أعطنا بعض هذا الشيء.
وتجد كذلك كثيراً من الشبيبة يسمرون في المقاهي -من الموظفين وأمثالهم- ينطلق الواحد منهم بعد صلاة العشاء، ويغلق على امرأته في بيته، لا هو أطعمها ولا هو تركها تأكل من خشاش الأرض، فيذهب يسمر إلى الثانية عشرة ليلاً أو الواحدة، ثم يدخل عليها في آخر الليل وهو منهك ويلقي نفسه على الفراش.
من يتحدث معها ويمزح معها ويلاطفها؟ وقد أتت شكايات ورسائل كثيرة من هذا الصنف، وبعضهن تطلب الفراق، تقول: أنا مع أمي في بيتي أحسن من مصاحبة هذا، ما أراه إلا نائماً أو غريباً.. وغير ذلك، وبعضهم مضياف تجد بيته دائماً يستقبل الناس في كل وقت، ويترك امرأته فقط مأمورةً منهية، تصنع الشاي والقهوة والطعام وتجهز البخور وغير ذلك، أما وقته فللأضياف الذين أخذوا عمره عليه، ولا أدعو إلى البخل، لكن دين الله وسط، للضيف وقت، وللأهل وقت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن لأهلك عليك حقاً ولضيفك عليك حقاً}.
وكثير منهن تتوهم أن اللعن طلاق، وأنها تنفذ وتخرج من عصمته، والصحيح: أن اللعن كبيرة من الكبائر، وعليه أن يتوب وأن يستغفر، وأنا أحذر الأزواج من استخدام اللعن والشتم، بل بعضهم والعياذ بالله إذا غضب عليها قذفها في عرضها، لو وصلت إلى المحكمة لأقيم عليه حد القاذف، وبعضهم يسبها ويسب أهلها، ويلعن والديها أو قبيلتها أو أسرتها والعياذ بالله، وهذا من الجهل ومن قلة مراقبة الله، فاتقوا الله في ذلك، قال تعالى: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229].
عليك أحد الأمرين: إن أحببتها فأمسكها محترمة، وإن لم تحبها وليس لها في قلبك منزلة فخذها بكل احترام وأوصلها إلى أهلها، عارية مضمونة.
والحقيقة أن من الغيرة لله عز وجل ولرسوله الواجبة علينا جميعاً أن نلاحظ الجانب النسائي في قضية الندوات والجمعيات، وأن نقول كلمة الحق، وأن ننقذ الموقف قبل أن يصبح في مرحلة لا نستطيع إنقاذه فيها، ولا أن نقول شيئاً، فلذلك نقول للناس: اتقوا الله في بناتنا، وأخواتنا، وزوجاتنا.
والله ما أحسب أي امرأة مسلمة إلا كأختي أو كابنتي، وإن الإنسان والله يغضب ويصل به درجة البكاء والانهيار إذا سمع أن امرأة وقعت في فاحشة أو نيل من كرامتها، أو أخذت بالتدريج ليوقع بها في مكانٍ لا يحمد عقباه، أو في مصيرٍ يهدد مستقبل الإسلام، كان سعد بن عبادة جالساً عند الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: {يا رسول الله! لو وجد أحدنا مع امرأته رجلاً -أجنبياً - ماذا يعمل؟ قال صلى الله عليه وسلم: يستشهد أربعة من الناس، قال: يا رسول الله! أأتركها معه وأذهب أجمع أربعة؟! والذي لا إله إلا هو لأضربنها هي وإياه بالسيف غير مصفح -أي: بحده- فقال عليه الصلاة والسلام وهو يتبسم: أتعجبون من غيرة
هذا سعد بن عبادة بن دليم البطل، كان يضيف في اليوم الواحد المائة والثمانين والمائتين في صحفة واحدة، كانت صحفته يحملها أربعة، وكان هذا البطل تزوج امرأة من الأنصار أركبها على الفرس، فلما وصلت نحر الفرس، قالوا: لماذا؟ قال: [[حتى لا يركب الفرس رجلٌ مكان امرأتي]] لله درك!
نسبٌ كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا |
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله يغار} وفي لفظ: {إن الله غيور} ومن غيرته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أنه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ومن غيرته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يغار على عبده المؤمن أن يزني، وعلى أمته المؤمنة أن تزني، فلا نريد ذلك.
أماتت الغيرة فينا بحجة الهدوء ومصلحة الدعوة وعدم تجريح الجهات؟!! ثم تضيع أعراضنا وبناتنا وأخواتنا! لا!{قل الحق ولو كان مراً} رواه ابن حبان، والحق قد يذهب بالرءوس، لكن إلى جنة عرضها السماوات والأرض: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ [النساء:104].. إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ [آل عمران:140].
فالواجب على المسلم أن يحيي هذه الغيرة وأن ينبتها، وأن يذكرها في المجالس، وأن يربي الأمة عليها، فإذا نشأ الجيل على الغيرة وجدت جيلاً مسلماً صامداً، فيه من الحمية ما لا يعلمه الله.
أعرابيٌ في القرن الأول رأى امرأته تنظر إلى رجل من النافذة، قال: يا عدوة الله! تنظرين إليه؟ قالت: والله ما أحببته ولا فعلت معه الفاحشة؛ بل نظرت هكذا، قال: هكذا، ثم طلقها، فقالوا له: لماذا؟ قال:
إذا وقع الذباب على طعامٍ رفعت يدي ونفسي تشتهيهِ |
وتجتنب الأسود ورود ماءٍ إذا كن الكلاب ولغن فيهِ |
ومن الغيرة عند الجاهليين، وهي غيرة محبوبة أصّلها الإسلام، ولكنها غيرة أنبتتها المروءة والشهامة ما عند عنترة بن شداد، قال:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها |
يقول: إذا بدت الجارة غضضت طرفي حتى تدخل بيتها، وقد قال حاتم الطائي ما هو أحسن من ذلك في أبيات جميلة له! وغيره كـالمقنع الكندي، ذكرها صاحب العقد الفريد، وصاحب عيون الأخبار ابن قتيبة وغيرهم.
أيها الناس! أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم، وأن يحفظنا وإياكم وأن يرعانا.
الجواب:كما تعرفون تعودت في كل أسبوع أن أنوه عن كتاب، ومن شروط الكتاب أن يكون تحت مظلة أهل السنة والجماعة، وأن يعايش أحوال الناس، وألا يكون فيه طولٌ مملٌ ولا قصرٌ مخل، والكتاب الذي أقترحه هذه الليلة: "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لـابن القيم، وسبق أن أشرت إلى كتابين؛ الكتاب الأول صيد الخاطر لـابن الجوزي، والكتاب الثاني جامع العلوم والحكم لـابن رجب، والكتاب الثالث الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية والرشد والسداد، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر