إسلام ويب

صراع المؤمنين مع الملحدينللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الصراع بين الحق والباطل، وبين أولياء الرحمن وأعداء الإسلام قائم من عهد أبينا آدم عليه السلام إلى عهد محمد صلى الله عليه وسلم وإلى عهدنا هذا، وهذه هي سنة الله تعالى الكونية، التي قضاها بين عباده في هذه الحياة، كما أن لذلك الصراع مصالح وفوائد تعود على هذا الدين وعلى أولياء الرحمن.

    والصراع القائم بين الحداثيين وبين شعراء الإسلام هو من الصراع بين الحق والباطل.

    1.   

    سنة الصراع بين الحق والباطل

    الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ورفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.. صلى الله وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي.. صاحب الغرة والتحجيل، المعلم الجليل، المؤيد بجبريل، المذكور في التوراة والإنجيل.. صلى الله عليه ما تضوع مسك وفاح، وما ترنم حمام وصاح، وما هدل ورْقٌ وناح.. وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، سلام الله عليكم يا أبناء التوحيد، ويا حملة التوحيد، ويا أبناء المجدد الموحد الكبير محمد بن عبد الوهاب، سلاماً لا ينقطع إلا بدمع العين.

    سلام الله أرفعه إليكم     وتهديه الغدو إلى الرواح

    يسجله بدمع العين قلبي     وأكتبه على متن الرياح

    لأجساد بها نهم المعاني     وأرواح من التقوى صحاح

    إنه معترك عظيم، وصراع هائل، بين لا إله إلا الله وبين لا إله والحياة مادة، معركة عظيمة شعواء بين الإيمان والكفر.. بين التوحيد والشرك.. خاضها نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم أجمعين وسلم تسليماً كثيراً، فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ * أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ * أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ * أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ * أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ * أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الطور:29-43].

    الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ [الرحمن:1-8].

    وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ [يوسف:105] أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم:35-36] أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص:28].

    إن حاجتنا وجوعنا وضمأنا الإيمان كبيرة، وما كثرت معاصينا ومخالفاتنا وفجورنا وبعدنا عن الله إلا يوم ضعف الإيمان، وابتعدنا عن الإيمان إلا ما شاء الله.

    محاضرتي هذه الليلة: "صراع بين الموحدين وبين الملحدين. أما عناصرها فأربعة:

    العنصر الأول: الرسل عليهم الصلاة والسلام في صراع عالمي مع الملاحدة: إبراهيم عليه السلام في حوار ساخن مع أحد الملحدين.. موسى عليه السلام في مناظرة مع كبير الزنادقة.. محمد صلى الله عليه وسلم واعتراض ملحد في مسألة البعث.

    العنصر الثاني: العلماء يغرسون شجرة الإيمان في القلوب: أبو حنيفة يضرب مثلاً لقدرة الباري تبارك وتعالى.. الإمام مالك يجيب على سؤال عقدي على هارون الرشيد.. الشافعي يتفنن في استدلاله للقدرة.. الإمام أحمد يقرر مسألة أهل السنة في إثبات قدرة الباري.. أعرابي في الصحراء على الفطرة يصلي وحده.. الفيلسوف الكندي يعارض القرآن، ابن الراوندي يتزندق مستهتراً.

    العنصر الثالث: الأدب الإسلامي الموحد المؤمن يتصدى للأدب الكافر الملحد: أبو نواس موحد في شعره.. أديب السودان يعلن في قصيدته الإيمان.. منظومة في التوحيد على نهج: (يا ظبية أشبه شيء بالمها): أبو العلاء المعري يعلن تمرده على الشريعة.. بشارة الخوري يكفر بالدين.. إيليا أبو ماضي وطلاسمه اللعينة القبيحة.. ابن هاني يقول على الله الكذب.. حداثي متستر يستهزئ بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم.

    العنصر الرابع: الصراع الحربي القتالي بين التوحيد والإلحاد: بدر وأحد.. القادسية واليرموك.. أفغانستان وفلسطين.

    1.   

    الرسل عليهم السلام في صراع عالمي مع الملاحدة

    يقول نوح عليه السلام وهو يثبت قدرة الباري تبارك وتعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً [نوح:10-13] أين عقولكم وقلوبكم؟ يا أيها الذين تخلفوا عن ركب لا إله إلا الله! يا أهل التراب! يا أهل الوثنية! يا أهل الإلحاد! يا أهل العلمانية! لماذا تخلفكم عن لا إله إلا الله وقد خلقكم الله أطواراً؟

    إبراهيم في حوار ساخن مع ملحد

    وإبراهيم عليه السلام يدخل على زنديق فيصارعه مصارعة الإيمان مع الإلحاد، ونحن -والله- في حاجة إلى أن نبث أفكار الإيمان، وأن نغرسها أكثر من حاجتنا إلى هذا الترقيع الدعوي من مطاردة جزئيات المعاصي في الناس، وما أتت المعاصي إلا يوم ضعف الإيمان.. تبرج وسفور، وتناقض على الشريعة، وتخلف عن الصلاة، واستماع الغناء، واقتناء المجلة الخليعة، وصحبة الفسدة، والإعراض عن القرآن، ومحبة الكفار، والتهور في الزنا والربا.. كل هذا لما ماتت شجرة الإيمان، فأين داعية الإيمان؟ وأين العالم الذي يحمل الإيمان؟

    أنت كنـز الدر والياقوت في     لجة الدنيا وإن لم يعرفوك

    محفل الدنيا محتاج إلى     صوتك العالي وإن لم يسمعوك

    فالعالم يحتاج لك، لابد أن تبدأ كما بدأ الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.

    إبراهيم عليه السلام يدخل على زنديق في قصره، وهذا فيه دليل على أن الداعية عليه أن يتحرك ليدخل على أهل الباطل في أوكارهم، ولا يبقى بمسبحته في محرابه، فلن يأتيه أهل الباطل أبداً.. فيدخل إبراهيم عليه السلام، فهل يبدأ للزنديق عن تربية اللحية، أو تقصير الثوب، أو سنة الضحى، أو السواك؟ لا.. الأمر أكبر من ذلك، الأمر إيمان وكفر، الأمر لا إله إلا الله أو لا إله والحياة مادة.

    اسمع إلى القرآن وهو يصور جزءاً من المعركة، مناظرة ساخنة حارة تفجر الجدران، قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [البقرة:258] يا ملحد! إن لي رباً له صفات لا توجد فيك.. يا ملحد! أنا لي إله قادر لا تملك من صفاته شيئاً، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258] يا للسخف! يا للتخلف! يا للفكر العفن! يا للعنة إذا طوقت فكر صاحبها! أنت تحيي وتميت؟! جدلاً سلمنا لك: قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَر [البقرة:258] وانتصرت لا إله إلا الله، وبهت الذي كفر، ودوت لا إله إلا الله، وانهزم الذي كفر، وارتفعت لا إله إلا الله.

    يا غارة الله جدي السير مسرعة     في سحق أعدائنا يا غارة الله

    فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258].

    موسى في مناظرة مع كبير الزنادقة

    يدخل موسى عليه السلام على الرعديد الملحد المنتن فرعون، وهو يدعي الألوهية، ويقول: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51] قال ابن عباس كما روى ذلك ابن عساكر في قوله تعالى: فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى [النازعات:25] قال: [[نكال الكلمة الأولى والكلمة الثانية فدهدهه في البحر]] يقول فرعون: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف:51] فكما أجراها الله من تحتك يجريها من فوق رأسك وقد فعل.

    لقد ذهب الحمار بأُم عمْروٍ     فلا رجعت ولا رجع الحمار

    موسى عليه السلام يدخل عليه، فماذا سوف يكلمه؟ لن ينازله حتى يقول لا إله إلا الله، فالمسألة مسألة إيمان وكفر.. مسألة عقيدة تنـزل في الساحة، أو كفر ينـزل ويخيم في الساحة إذا لم ينزل الإيمان: قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى [طه:49] اسمع إلى الطائش بدأ بالسؤال، والواجب أن يبدأ موسى عليه السلام، لكنه سفيه: قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى [طه:49] لو قال موسى: الله، لقال فرعون: إنه هو الله. ولو قال موسى: ربي الذي فوق سبع سماوات لقال: وأنا فوق كرسي. ولو قال: الذي له مصر وغير مصر لقال: وأنا لي ملك الدنيا. فأتى بأعجوبتين في مسألتين مختصرتين دهده بها الكافر على وجهه، قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50] لا إله إلا الله! أعطى النحلة خلقها وهي حشرة وحيوان لا تفقه، فهداها إلى خليتها.. أعطى الذباب خلقه فلا يغلبه غلاب من بني آدم أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50] ولم يسكت عن (هدى) لأنه هدى كل مخلوق لخلقه، فالطفل يأتي أبكم أصم أعمى فيهديه الله إلى الطعام، والنملة تعلم أنه سوف يأتي فصل الشتاء فتدخر قوتها لهذا الفصل في الصيف.

    أديب السودان يعلن في قصيدته الإيمان

    وهذه قصيدة السوداني المؤمن إبراهيم بديوي الذي أعلن فيها الإيمان أعلن فيها لا إله إلا الله، ليس من شعر السخف والمجون والضياع، ولا شعر قلة الحياء والمروءة والشهامة، لكنه يعلن لا إله إلا الله بالشعر، يقول:

    قل للطبيب تخطفته يد الردى     من يا طبيب بطبه أرداكا

    قل للمريض نجا وعوفي بعدما     عجزت فنون الطب من عافاكا

    والنحل قل للنحل يا طير البوادي     من الذي بالشهد قد حلاكا

    وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ      فاسأله من ذا بالسموم حشاكا

    إنه الله العلي القدير.

    واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو     تحيا وهذا السم يملأ فاك

    فالحمد لله الكريم لذاته     حمداً وليس لواحدٍ إلَّاك

    لكن من يقرأ آيات التوحيد؟ من يتدبر ويتأمل؟ قال تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية:17] يا أمة الصحراء! يا أمة الجمال! اقرءوا التوحيد في الإبل، واقرءوا محاضرة العقيدة في الجمال، لتروا خلق الذي خلق الجمال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ [الغاشية:17-18] من رفعها وسواها وجملها؟ من جعل النجمة توصوص وحدها كأنها مهجورة؟ من جعل مجموعة النجوم كأنهن يتحدثن في مهرجان الحياة؟ من رفع البدر شامخاً يبدي بنظراته على المخلوقين؟ من أتى بالشمس فطوق بها الأحياء وجعل الأحياء تتنفس على ضوئها؟ سبحان الله! لكن من يتدبر ومن يقرأ؟

    وفي كل شيء له آية     تدل على أنه الواحد

    فيا عجباً كيف يعصى الإله     أم كيف يجحده الجاحد

    محمد صلى الله عليه وسلم واعتراض ملحد

    ويأتي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فيخوض المعترك الثالث معترك (لا إله إلا الله) مع (لا إله والحياة مادة) فيجلس في مجلسه يلقي رسالة التوحيد بعمق ويؤسسها في القلوب بأصالة، ويغرسها في الأرواح بحب، يدخل عليه العاص بن وائل الوثني، ويأخذ عظماً ويحته ثم ينفخه ويقول: يا محمد! أتزعم أن ربك يحيي هذا بعد أن أماته؟! قال: نعم ويدخلك النار. يحييه ولا يكفي هذا بل تدخل أنت النار، ويقول الله للملحد الزنديق: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً [يس:78] عجيب!! أتى يضرب الأمثال اليوم وقد كان أعمى أصم في عالم العدم، قال تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:1-3] عجيب!! لقد أصبحت الآن تضرب الأمثال!!

    أعلمه الرماية كل يوم     فلما اشتد ساعده رماني

    وكم علمته نظم القوافي     فلما قال قافية هجاني

    يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس:78] الجواب سهل، فالذي بدأ الطريق هو الذي ختمها، والذي أتى بالمقدمة هو الذي أتى بالخاتمة قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ [يس:79-80] وهذا درس للدعاة؛ أن يضربوا الأمثال العقلية في دعوتهم، وأن يقربوا المنقول بالمعقول؛ عل الناس أن يفهموا هذه الأمثال.

    1.   

    العلماء يغرسون شجرة الإيمان في القلوب

    تعالوا إلى أئمتنا، أئمة أهل السنة والجماعة، ونعوذ بالله أن يوجد في أهل السنة والجماعة دعاة مرتزقة، بل دعاة أهل السنة والجماعة يتميزون بالأصالة، وبأنهم ربانيون، يريدون الخير للمسلمين، ويقدمون علم الكتاب والسنة للناس، وبأنهم يعلنون ولاءهم لله، وبراءتهم من أعداء الله.. هذه ميزة علماء أهل السنة والجماعة.

    أبو حنيفة يضرب مثلاً لقدرة الباري

    يمر أبو حنيفة على صف من الملحدين فيقول له الزنادقة: يا أبا حنيفة، دلل لنا على وجود الباري. سبحان الله! أفي الله شك؟! سل الزهرة من خلقها؟.. وسل النحلة من أرسلها؟.. وسل شعاع الشمس من بثه؟.. وسل النسيم من أجراه؟.. سل الحب من أسكنه القلوب؟.. سل نور العين من ركبها في المقل؟.. سل الإشارة ما لها تشير؟.. سل الليل ما له يظلم؟.. سل النهار ماله يتجلى؟.. قال تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا [الشمس:1-7] إنه الله جل في علاه.

    فقالوا له: يا أبا حنيفة! دلل لنا على وجود الباري. وأبو حنيفة داعية الإيمان قبل أن يخبر بميراث الجدة والعمة والخالة.. لقد أتى بالإيمان وأسس دعوته على الإيمان قبل أن يأتي بالسنن والفرعيات التي لا تغفل ولكن تعطى حجمها.

    قال لهم الإمام: أرأيتم سفينةً عبرت عباب دجلة، ونزلت بالشاطئ بحمولتها، ليس لها قائد ولا سائق ولا ربان؟ قالوا: ليس هذا بصحيح. قال: لماذا؟ قالوا: العقول تنكر هذا. قال: سبحان الله! سماء ذات أبراج، وليل داج، وأرض ذات فجاج، وبحر يزخر، ونجوم تزهر، ألا تدل على السميع البصير؟ قالوا: بلى.

    هذا هو الاستدلال، وهو عالم الإيمان، والصراع الدائم والخالد والباقي بين الإيمان والكفر، يقول تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31] ويقول تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ [البقرة:251] إنه صراع بين (لا إله إلا الله) وبين (لا إله والحياة مادة).

    الإمام مالك يجيب على سؤال عقدي

    وذكر ابن كثير في التفسير في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]: أن هارون الرشيد الخليفة العباسي، مخاطب الغمامة، الذي ناجى السحابة وتحداها لتنـزل ماءها في غير أرضه، ولكنها أبت، وما استطاعت أن تتجاوز مملكته.. يقول لـمالك: دلل على قدرة الباري تبارك وتعالى. قال أبو عبد الله -شيخ المحدثين وأمير المؤمنين في الحديث- سبحان الله! -أي: أمثلك يسأل مثل هذا السؤال- سبحان الله! اختلاف اللغات وتعدد اللهجات، واختلاف النغمات.. كلها تدل على السميع البصير. أصوات مختلفة، لا الصوت هذا يشبه هذا، ونغمات متباينة، ولهجات متعددة، ألا تدل على أن هناك صانعاً حكيماً؟ بلى.

    الشافعي وأحمد يدللان على قدرة الباري

    يأتي الشافعي ويفتح باب الحوار مع الملحدين والزنادقة، وهو داعية الإسلام.. عنده رصيد من الأدلة، ويبرز في الميدان وهو المنتصر بإذن الله، ولا يختبئ ولا يخاف على نفسه فالله معه.

    دعها سماوية تجري على قدر     لا تفسدنها برأي منك منكوس

    قيل للشافعي: دلل لنا على القدرة. فقال: ورقة الشجرة تأكلها الدودة فتخرج إبريسماً حريراً، والغزال فتخرج مسكاً، والنحل فتخرج عسلاً.. ألا يدل ذلك على السميع البصير؟ بلى والله، يدل على السميع البصير.

    فيا سبحان الله! كيف أقفلت العقول؟! لقد أصبح من أعظم أمراض المجتمع اليوم مرض الإلحاد ومرض الشك.. مرض ركب الحداثة وأمثالها وأذنابها وعملائها ليبث سمومه في الساحة، في جزيرة العرب.

    ويأتي الإمام أحمد ودليله رابع الأربعة، وهو في بيته، يلتفت إلى بيضة الدجاجة -وقد سألوه عن دليل القدرة- فقال: هذه البيضة، أما سطحها ففضة بيضاء، وأما باطنها فذهب إبريز، تفقس فيخرج منه حيوان سميعٌ بصير.. ألا يدل على السميع البصير؟ بلى والله.. لكن من يتأمل؟ ومن يتفكر؟ ومن يتدبر؟ فما لهم لا يؤمنون! ما لهم لا يؤمنون والسماء تشهد أن لا إله إلا الله؟! ما لهم لا يؤمنون والأرض تشهد أن لا إله إلا الله؟! مالهم لا يسمعون ويستجيبون وينطقون لا إله إلا الله؟!

    أعرابيان يدللان على قدرة الباري

    لا تظنوا أن هذا الفكر الإيماني لا يحمله إلا العلماء، بل من بدونا وأعرابنا من يحمل عقيدة التوحيد وهو في الصحراء.. لا يعرف إلا شاته وتيسه وجمله، ولكن شاته وتيسه وجمله يدلانه على السميع البصير؟! بلى.

    دخل علي بن الجهم على المتوكل وعلي بن الجهم عاش فترة البداوة، فكل المعالم التي معه في البادية تيس وكلب، ويظن أن أحداث العالم تتوقف على التيس والكلب، فأتى يمدح الخليفة يوم عيد الفطر، فقال:

    أنت كالكلب في حفاظك للود     وكالتيس في قراع الخطوب

    فتح الله عليك، ما هذا اللموع؟ وما هذا الإشراق؟

    فقام الوزراء ليطرحوه أرضاً ويضربوه ضرباً مبرحاً لا يحفظ بعده آية، لكن الخليفة كان ذكياً فقال: دعوه، هو عاش في بيئة لا يعرف فيها إلا الكلب والتيس، أنزلوه عند الرصافة والجمال والحياة.. فأنزلوه عند الماء وعند الزهر والورد.. وأنزلوه إلى الحدائق الغناء والبساتين الفيحاء.. فنزل وبعد سنة أتى وبدأ قصيدته كأنها إطلالة فجر، يقول:

    عيون المها بين الرصافة والجسر     جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

    والنحلة أو البستان أو الحديقة هنا تدل كلها على الله، كما يدل التيس والجمل والشاة على الله.

    مروا بأعرابي يصلي، ففال له أحد الملحدين: لمن تصلي؟ قال: لله، قال: هل رأيته؟ قال: سبحان الله! البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدل على السميع البصير.

    ولا تظنوا كذلك أن من حمل العلم سوف يكون مؤمناً، لا.. فإن من الناس من يحمل علماً ومتوناً ونصوصاً ولكنه فاجر من الفجرة، منتظم في سند فرعون وفي متن إبليس، ولذلك إذا ذكر الله العلم جعله في معرض الإيمان قال: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ [الروم:56] لأن العلم بلا إيمان يساوي أتاتورك الملعون، فهو الذي أتى بـالعلمانية وفصل الحياة عن الإيمان.

    والفيلسوف الكندي عالم ولكنه ملحد.. ذكي ولكنه ليس بزكي.. ظريف العبارة ولكنه ليس بشريف الأصالة والإشارة، أتى يعارض القرآن.. كفى بك خيبة يا عدو الله، وكفى بك لعنة وخسارة أن تعارض كتاب الله.. دخل بيته -كما ذكر المترجمون عنه- فأغلق الباب وفتح المصحف وقال لتلاميذه: انتظروني ساعة، سوف آتي بسورة أعظم من سور القرآن.. فدخل البيت وفتح المصحف فوقع نظره على قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [المائدة:1] فانبهت، فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة:258] فقال: عجيب!! نادى وأمر وبين واستثنى وفصل وختم في آية! فلما أراد أن يرفع يده وجد نصف جسمه قد شل، وأصبح يابساً جافاً، وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ [فصلت:16].

    وهذا ابن الراوندي يتزندق مستهتراً، وهو عميل آخر عنده علم وفلسفة، وكم حسب على الإسلام من فيلسوف، يقولون: فيلسوف الإسلام! والإسلام لا يعترف بالفلسفة، الإسلام لم يأت بالفلسفة، فهذه كلمة لا صحة لها، ونحن في غنى عن ابن سيناء والفارابي، وعن أضرابهم وأمثالهم.

    الإسلام يعترف بقال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، بالقرآن والسنة، بقال الله وحدثنا، أما فيلسوف الإسلام فلا..

    ابن الراوندي هذا ترجم له الذهبي فقال: الكلب المعثر، الذي ألف كتاب الدامغ على القرآن ليدمغ القرآن فدمغه الله، أخذه الله نكال الآخرة والأولى، وذهب، ولكنه ما ذهب عذابه من الله، هذا عذابه في الدنيا، وبعض الناس إذا ترجم لهؤلاء ينسى إلحادهم، وشكهم وريبتهم، كما يفعل بعض الكتاب والصحفيين، يأتي بزنديق ملحد عميل للصهيونية والشيوعية، ويمجده حتى يصبح بارزاً بين الناس، وهذا فحش وعار وشنار.

    ابن خلكان ترجم لـابن الراوندي هذا فسكت وقلس عليه، قال ابن كثير: قلس وملس عليه كأن الكلب ما أكل له عجيناً. لكن لما أتى الذهبي أوقف ابن الراوندي ولعنه وأوقفه عند حده.

    ونحن اليوم بحاجة إلى دعاة يغرسون الإيمان في القلوب، فقبل تصحيح المعاصي لابد من غرس شجرة الإيمان لتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون.

    1.   

    الأدب الإسلامي الموحد يتصدى للأدب الكافر

    أما العنصر الثالث: فهو الأدب الإسلامي الموحد يتصدى للأدب الكافر الملحد.

    تعالوا بنا إلى أدباء موحدين في الجنة، وأدباء ملحدين في النار، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7]. من العلماء والمفكرين والشعراء، والقصاص، والخطباء، والوعاظ، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7] ألا تريد أن تنقذ نفسك لتكون من أصحاب الجنة؟! إن هذا هو سر وجودك يوم أوجدك الله في الحياة، هذا هو الأدب الموحد، فلنعرض لبعض الأمثلة والنماذج.

    أبو نواس موحد في شعره

    بإمكان المسلم أن يدخل الجنة ببيت شعر يصدق فيه مع الله ويكون عاملاً بهذا البيت.. حسان بن ثابت قائد الشعراء إلى الجنة، وامرؤ القيس قائد الشعراء إلى النار؛ لأن ذاك آمن في شعره وهذا كفر في شعره، يقول ابن كثير وهو يستدل على قدرة الباري تبارك وتعالى: ولـأبي نواس أبيات ما أحسنها في الإيمان.. أبو نواس يأتي إلى الزهرة -ونحن لا نطلب من الأدباء والشعراء والقصاص أن يكونوا وعاظاً، وإنما نطلب منهم أن يكونوا مؤمنين- فيصفها لكن يذكر من بدأ الزهرة وأبدعها.. ويصفون الليل ولكن يأتون بمن ألبس الليل جلباب السواد.. ويصفون الصباح ولكن يتحدثون عمن أعطى الصباح رحيقه ومسكه وجماله.. فـأبو نواس يقول:

    تأمل في نبات الأرض وانظر     إلى آثار ما صنع المليك

    عيون من لجين شاخصات     بأحداق هي الذهب السبيك

    على قضب الزبرجد شاهدات     بأن الله ليس له شريك

    هذا هو عرض العقيدة في الشعر.

    ذكر بعض العلماء في ترجمته أنه رؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة بقصيدتي في النرجس.

    تأمل في نبات الأرض وانظر     إلى آثار ما صنع المليك

    عيون من لجين شاخصات     بأحداق هي الذهب السبيك

    على كثب الزبرجد شاهدات     بأن الله ليس له شريك

    هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً [مريم:65] فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19].

    أديب السودان يعلن بقصيدته الإيمان -وقد مر معنا- يوم يقول:

    قل للطبيب تخطفته يد الردى     من يا طبيب بطبه أرداكا

    وبعض الناس يعيش بلا رسالة، يصف الغزال والحمار والثور والليل والبهائم والعجماوات لكن ما عنده رسالة.. الشيوعي يحمل رسالة في قصائده، والحداثي يحمل رسالة حداثية ملحدة في شعره.. لكن تجد بعض الناس لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، واقف في الوسط، ما دخل في الليل ولا دخل في النهار.

    ويقضى الأمر حين تغيب تيم     ولا يستشهدون وهم شهود

    شاعر ما له رسالة ولا له هدف ومثل من يقول:

    يا ظبية أشبه شيء بالمها     ترعى الخزامى بين أشجار النقى

    وفيها حكمة، لكن الواجب أن يحول شعره ويسكب فيه الإيمان.

    ويأتي شاعر بعده بقرن أو أكثر، فيأتي على البحر بقصيدة في الإيمان ويقول:

    لطائف الله وإن طال المدى     كلمحة الطرف إذا الطرف رنا

    كم فرح بعد إياس قد أتى     وكم سرور قد أتى بعد الأسى

    سبحان من يعفو ونهفو دائماً     ولم يزل مهما هفا العبد عفا

    يعطي الذي يخطي ولا يمنعه     جلاله عن العطا لذي الخطا

    إلى آخر القصيدة التي يذكر في الأسماء والصفات.. فهذه يدخل بها إن شاء الله الجنة.

    أبو العلاء المعري يعلن تمرده على الشريعة

    ولا يظن الإنسان أن مركب الحداثة والزندقة الحديثة في المتأخرين فحسب، بل وجدت في المتقدمين، فهذا أبو العلاء المعري يعلن تمرده على الشريعة، وكان أعمى القلب وأعمى البصر، حشفاً وسوء كيلة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:7] كان ذكياً ولكن لم يكن زكياً، قلبه يتوقد ذكاء لكنه مظلم، أتى فقال: كم يقول فقهاء الشريعة في دية اليد؟ قالوا: خمسمائة من الذهب. قال: في كم تقطع إذا سرقت؟ قالوا: في ربع دينار. فتفنن -متحذلقاً متزندقاً ملحداً- وقال: معترضاً على الله حين قال: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ [المائدة:38].

    يدٌ بخمس مئين عسجد وديتْ     ما بالها قطعت في ربع دينار

    تناقض ما لنا إلا السكوت له     ونستعيذ بمولانا من النار

    بعد ماذا تسكت يا عدو الله؟! بعد ماذا تسكت يا أيها الكلب المعثر؟! تكلمت في البيت الأول وتسكت في الثاني! خير منه الكلام بالتوبة، ثم يقول: ونستعيذ بمولانا من النار.

    لا والله، بل دهدهت قلبك ووجهك إلى النار، وفتحت على نفسك طريقاً إلى النار، وجعلت لله سلطاناً عليك.

    لكن رد عليه شعراء أهل السنة والجماعة فليس أهل السنة والجماعة فقهاء فحسب، بل منهم شعراء، ومنهم مذيعون، ومنهم خطباء، وصحفيون، ومتكلمون، ومحاضرون. فيقول عبد الوهاب المالكي بيض الله وجهه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه:

    قل للمعري عار أيما عار     جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عاري

    لا تقدحن بنود الشرع عن شبهٍ      شرائع الدين لم تقدح بأشعار

    فنّكل الله المعري! وذكر كثير من أهل التاريخ أنه لما توفي وأجلس في قبره فإذا بحية تدهدهت عليه فأخذت بلسانه وبفرجه.! هذه أول العلامات.

    بشارة الخوري يكفر بالدين، وإيليا أبو ماضي وطلاسمه اللعينة

    أما شعراء وأدباء هذا العصر الذين بثوا سمومهم ووجدوا سوقاً، ووجدوا مقالاً فقالوا، ووجدوا جماهير صفقوا لهم فزادوا، فالله حسيبهم.

    بشارة الخوري ينزل في دمشق، فيحمل على الأكتاف من المطار إلى الحديقة، فيقول وهو على أكتاف الناس:

    هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة     وسيروا بجثماني على دين برهم

    برهم الهندوكي المجرم الملعون، ثم يقول:

    بلادك قدمها على كل ملة     ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم

    ورد عليه شعراء أهل السنة -والحمد لله- فهناك ردود ولكن من ينشرها؟ ومن يقوم بها؟

    ويقولإيليا أبو ماضي:

    جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت

    ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت

    ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار:6-8].

    أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ [البلد:8-11] يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6] مالك يا أيها الإنسان كفرت بالله؟ مالك يا أيها الإنسان لا تسمع لا إله إلا الله؟ يقول:

    جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت

    لقد أتيت من نطفة من العدم، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً [الإنسان:1].

    يقول: لقد أتى صدفة.. وكذب عدو الله، بل ميلاده بقضاء وقدر، وحياته بقضاء وقدر، وأكله وشربه بقضاء وقدر، وسعادته وشقاوته بقضاء وقدر، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر:49-50] نعم.. لقد نزل من بطن أمه يبكي.

    ولدتك أمك يا بن آدم باكياً     والناس حولك يضحكون سروراً

    فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا     في يوم موتك ضاحكاً مسروراً

    قال:

    ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!!

    طريق استالين وماركس ولينين، ولكنك تركت طريق محمد صلى الله عليه وسلم.. طريق ليس فيها محمد صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهي طريق ملعونة ومغضوب على أصحابها.. طريق مظلمة..

    ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!!

    والنهاية النار.

    وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت!!

    ولماذا؟ لست أدري لست أدري!!

    لكن ستدري إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور، قال تعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام:94].

    أين هذا من إيمان أحد الأعراب يوم أسلم عند الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! إني خارج إلى الغزوة، وإني أرى أن أقتل هذا اليوم -إن شاء الله- فأين ألقاك يوم القيامة؟

    يا للإيمان! يا لليقين! يا للوضوح والثبات! هو يسأل فقط عن الموعد، وعن مكان ومعلم بارز في القيامة، فيتبسم عليه الصلاة والسلام ويقول: {لا أغادر ثلاثة أماكن: إما الحوض أو الميزان أو الصراط} وفي بعض الألفاظ: {أو عند تطاير الصحف} أين ألقاك؟! اللقاء لابد منه لكن أين المكان؟ وأين أجدك وسط الأمم والشعوب والملايين؟

    وأين إيمان ذلك الوثني من إيمان عبد الله بن أنيس يوم قتل خالد بن سفيان الهذلي، ويأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيراه وقد قتله، فيقول له صلى الله عليه وسلم: {أفلح الوجه. قال: وجهك يا رسول الله. قال: خذ هذه المقصرة (عصا) عصى، سوف تتوكأ به في الجنة والمتوكئون بالعصى في الجنة قليل} فيأخذ العصا وينام، ويستيقظ وهي معه، ولما مات دفنوا العصا معه؛ لأنه سوف يتوكأ بها في الجنة.

    أين إيمان هذا من عمير بن الحمام، يوم أتى إلى بدر! فقال صلى الله عليه وسلم: {يقول الله: يا أهل بدر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، والذي نفسي بيده، ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء فتدخلون الجنة. قال: الجنة يا رسول الله؟! قال: الجنة إي والذي نفسي بيده} فيلقي التمرات وكان يأكلهن، ويكسر غمده على ركبته، ويتقدم إلى الموت فيقتل في سبيل الله.

    هذا الشاعر أعلمه الله من هو الواحد القهار، فكان عند مرض الموت يخور كما يخور الثور، وينبح كما ينبح الكلب، حتى أخذ يبكي ولسان حاله يقول -مستعتباً في وقت لا ينفع فيه العتب-:

    أبعين مفتقر إليك نظرت لي     فأهنتني وقذفتني من حالق

    لست الملوم أنا الملوم     لأنني علقت آمالي بغير الخالق

    ورجل آخر يقول لبشر مثله يأكل الطعام والشراب وينام مثله، ويسهى وينسى ويفجر، يقول فيه:

    فليتك تحلو والحياة مريرة     وليتك ترضى والأنام غضابُ

    وليت الذي بيني وبينك عامر     وبيني وبين العالمين خرابُ

    إذا صح منك الود فالكل هين     وكل الذي فوق التراب ترابُ

    كذب عدو الله.. بل الذي إذا صح منه الود الطيب هو الله.. جاء وفد بني تميم فطرقوا باب الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: اخرج لنا يا رسول الله، فإن مدحنا زين وذمنا شين. يقولون: إذا مدحنا مدحنا وإذا ذممنا ذممنا، فقال عليه الصلاة والسلام: {لا والذي نفسي بيده، الذي مدحه زين وذمه شين هو الله} هذا هو الذي ينبغي أن يلاحظ على مثل هؤلاء الفجرة الذين ينسون الله وينسون الإيمان، فإذا أتى في الشعر نسي الله، وإذا أتى في الصحافة نسي الله، وإذا أتى إلى المسرح نسى الله، وإذا أتى إلى الفيديو نسي الله، إذا أتى إلى المنتدى والنادي نسي الله.. فإذا ذكرته بالله قال: الله في المسجد.. لا والله، بل علمه في كل مكان، وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4] جل الله وتبارك وتعالى.

    وحداثي متستر يستهزئ بالرسول صلى الله عليه وسلم، والطوام أن يأتي من أمهاتنا وفي بلادنا من يشرب ماءنا ويستنشق هواءنا ثم يستهزئ برسالتنا وبأصالتنا وعمقنا وبديننا وإيماننا وبتوحيدنا، فيقول في مقطوعة نثرية في آخرها:

    غطى عليها بردائه الهاشمي

    يقول: إن دنيانا لم تبصر النور لما أطل بردائه الهاشمي على الدنيا وعلى الجزيرة، يقول: أظلمت، كانت نيرة فلما أتى الهاشمي ووضع رداءه ما رأت النور.. فمن هو الهاشمي؟ ليس إلا محمداً عليه الصلاة والسلام.

    أيها البغيض المتكلم! والله الذي لا إلا هو، لقد رفع الله به رءوس أمتك وأخرجهم من الظلمات إلى النور.. هذا الهاشمي -أيها البغيض- هو الذي جعلنا نخطب على منابر الأندلس، وعلى ضفاف دجلة والفرات والجنج وطشقند وغيرها من بلاد الدنيا.. هذا الهاشمي -أيها المتخلف- هو الذي أخرج الله به أمة العرب من أمة متخلفة وثنية مشركة إلى أمة تقدم أرواحها للواحد الأحد.

    إن البرية يوم مبعث أحمد     نظر الإله لها فبدل حالها

    بل كرم الإنسان حين اختار من     خير البرية نجمها وهلالها

    لبس المرقع وهو قائد أمة     جبت الكنوز فكسرت أغلالها

    لما رآها الله تمشي نحوه     لا تبتغي إلا رضاه سعى لها

    فأمدها مدداً وأعلى شانها     وأزال شانئها وأصلح بالها

    الهاشمي عليه الصلاة والسلام -يا متخلف!- هو الذي أتى بـأبي بكر الصديق ليكون علماً للعدل والسماحة والنبل، وأتى بـعمر إنساناً أخرجه الله عز وجل وجعله بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى رجل عدالة، ورجل ريادة وزهد وعبادة يضرب بعدله المثل، وأتى بـعلي وبـعثمان وبـالزبير وبـطلحة وبـزيد وبـأُبي... أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90].

    أولئك آبائي فجئني بمثلهم     إذا جمعتنا يا جرير المجامع

    لكنها قلوب مظلمة، وعقول متخلفة! وإذا نزع الإيمان فلا تسل عن صاحبه.

    1.   

    الصراع الحربي بين التوحيد والإلحاد

    العنصر الرابع: الصراع الحربي القتالي بين التوحيد والإلحاد.

    إن الصراع والقتال بين الإيمان والإلحاد جزء من الصراعات التي ذكرتُ، فإن بدراً وأحداً هي بين الإيمان وبين الإلحاد والطغيان.

    وكذب طه حسين وافترى على الحي القيوم يوم أتى يتكلم عن بدر -واسمع إلى المتخلف العفن- يقول: بدر وقعت بين قبائل قريش وقبائل الأوس والخزرج لحزازات في الجاهلية.. حزازات! لا والله.. بل جبريل في المعركة، يقول حسان:

    وبيوم بدر إذ يصد وجوههم     جبريل تحت لوائنا ومحمد

    لا إله إلا الله نزلت في المعركة.. الله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله شاركت في المعركة.. الملائكة متعممون مسومون يضربون بالسيوف وشاركوا في المعركة.. أهي حرب قبلية؟!

    هذه المعلومات أخذتها يا طه حسين من باريس، ولو رجعت إلى المدينة وإلى السنن والمسانيد لرأيت العلم الصحيح، لكنك أخذتها من ديجون وفلريدسكل دستن، وغيرهم وأذنابهم وأشياعهم من أعداء الإسلام.

    أحد وبدر واليرموك والقادسية بين لا إله إلا الله وبين الكفر، بين الإيمان والشرك، وأفغانستان اليوم وفلسطين -إن شاء الله- كذلك وما انتصر المجاهدون في أفغانستان إلا يوم أن نزلت لا إله إلا الله في الساحة.

    في جحفل من بني الأفغان ما تركت     كراتهم للعدا صوتاً ولا صيتا

    قوم إذا قابلوا كانوا ملائكة     حسناً وإن قاتلوا كانوا عفاريتا

    رفعوا لا إله إلا الله، وسجدوا وقالوا: لا إله إلا الله، وإذا نزلت لا إله إلا الله إلى الساحة فلتأت روسيا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17] إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160] وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:126] واليوم يُشرف على فتح كابل، واقترب فتحهافَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:97] قال المجاهدون الأفغان: لا إله إلا الله، آمنا بالله وكفرنا بهيئة الأمم المتحدة. قال لهم الناس: جنيف.. قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـجنيف، قالوا: مجلس الأمن.. قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بمجلس الأمن.

    يا أمة في عمرها لم تحي إلا بالجهاد

    كفرت بمجلس أمن من     نصب المنايا للعباد

    القاتلو الإنسان خابوا مالهم إلا الرماد

    جثث البرايا منهمو في كل رابية وواد

    فأخذوا الكلاشنكوف، وتوضئوا وبدءوا في الغارات يذبحون الشيوعيين على الطريقة الإسلامية، ويجوز ذبح الشيوعي إذا كان على الطريقة الإسلامية، فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير.

    وفي الأخير أتى الدب الأحمر في موسكو وقال: ننسحب للأخوة الإنسانية.. عرفتك لا إله إلا الله والكلاشنكوف الأخوة الإنسانية، لكن فلسطين ثلاثين سنة ما اعترف شامير ولا سمع شامير بلا إله إلا الله، والآن نسأل الله أن تنـزل لا إله إلا الله في ساحة فلسطين ليعود البيت الأقصى للمسلمين بلا إله إلا الله.. فلسطين لن تعود حتى نعود إلى الله عز وجل وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:126] النصر يأتي من فوق سبع سماوات.. النصر يأتي من هناك، ولا يأتي من عند أحد، لا من واشنطن ولا من موسكو، وإذا أتى النصر من عند الله وصدقنا مع الله نصرنا الله كما تشاهدون وتسمعون من المجاهدين الذين سفَّهوا الشيوعيين، والله لقد سفكوا حتى ماء وجوههم على الأرض، وخرجوا وهم في خجل ورعب.

    فروا على نغم البازوك في غسق     فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ

    يسعى فيعثر في سروال خيبته     في أذنه من رصاص الحق خرصان

    فيا أبناء التوحيد! ويا أبناء الذين رفعوا لا إله إلا الله ووزعوها على البشرية.. أنا أتكلم في قوم ليسوا بغرباء، هم من نسل خالد بن الوليد وطارق وصلاح الدين، ومن يشابه أبه فما ظلم.. أعطي خالد السم في اليرموك، وقال له الروم: إنك تزعم أنك متوكل على الله فاشرب السم. قال: باسم الله توكلت على الله، فشربه، فما أصابه شيء.

    وقيل للرسول عليه الصلاة والسلام: الجيش جرار مقبل عليك، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:174].

    وقيل لإبراهيم: النار محرقة، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فنجى. وقيل لموسى: الماء مغرق. قال: حسبنا الله ونعم الوكيل فنجى. وقيل لـخالد: جيش الروم في اليرموك مائتان وثمانون ألفاً وجيشك ثلاثون ألفاً، يقول أحد المسلمين بجانب خالد: أما اليوم فالملتجى إلى جبال سلمى وأجا في حائل. فقال خالد: بل إلى الله الملتجى، فنصره الله، وأتى سعد إلى أهل فارس فرأى الجموع كالجبال فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل. وأتى المجاهدون الأفغان يوم أتت روسيا بدباباتها وطائراتها وقضها وقضيضها وقواتها وقنابلها، فخرجوا بالسلاح البدائي وبالقماش المرقع وبقطع الخبز وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:174].

    وأنا أقول من هذا المكان: يا كل فلسطيني على وجه الأرض! لن ينصرك الله حتى تعود إلى الله وتقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، فحسبنا الله أولاً وآخراً.

    نسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا وقلوبكم، وأن يزرع شجرة اليقين في أرواحنا، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين. اللهم إنا نسألك أن تجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    وإن كان لي من شكر فإني أشكر الله تبارك وتعالى، ثم أشكركم، ولا أنسى أن أشكر فضيلة الشيخ: عبد الوهاب الناصر إمام هذا الجامع، وأستغفر الله مما ذكرني به فأنا أعلم بنفسي.

    إلهي لا تعذبني فإني     مقر بالذي قد كان مني

    يظن الناس بي خيراً     وإني لشر الناس إن لم تعف عني

    وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    1.   

    الأسئلة

    آثار الصحوة الإسلامية وبعض الملاحظات

    السؤال: الصحوة الإسلامية تثلج صدور المسلمين، فحبذا لو ذكرت ما ظهر من آثارها على الساحة الإسلامية، وهل من ملاحظات عليها؟

    الجواب: نعم. هذه الصحوة والعودة والرجوع إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مما يثلج صدر المؤمن، فلله الحمد أولاً وآخراً، فإن الفضل فيها يعود إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فهو الذي هدى ووفق، ثم للدعاة المخلصين.. ومما يفرح المؤمن ثلاثة أمور في هذه الصحوة:

    أولها: الإقبال من الشباب على العلم الشرعي، وهذا مطلب عظيم، ومقصد نبيل.. فإن الدعوة بلا علم خسارة، والتوجه بلا علم ضلال، والسير بلا علم ظلام.

    وثانيها: ظهور سنن المصطفى عليه الصلاة والسلام على شباب الإسلام، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21] فهي وجوه راضية برضى الإيمان ساجدة لله، وقلوب تخفق بذكر الله، وألسنة تلهج بذكر لا إله إلا الله، وسنن تلوح على الجبين.

    وثالثها: دعاة بدءوا في الساحة يدعون إلى الله على بصيرة ويوعّون الناس.. فهذه ثلاثة أمور أشكر المولى تبارك وتعالى عليها وعلى غيرها من النعم، وأطرحها بين أيديكم.

    أما الملاحظات، فإن المخلوق ناقص مهما كمل، ولا كمال عند المخلوق في عمله لأنه من نقص، وعندي ثلاث ملاحظات:

    أولها: بعض شباب الصحوة لا يهتم بالعلم، بل قد يزجي بعض الكلمات الغير مسئولة في التقليل من شأن العلم، وأننا لسنا بحاجة إلى العلم؛ لتصبح الأمة تعيش على الفكر، أمة إنشائية لا أمة مؤصلة بقال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.

    الملاحظة الثانية: قلة النوافل عند بعض الناس.. فإنه ولو اهتدى وظهرت عليه السنة إلا أنه يحتاج إلى مدد وذكر وعبادة ونوافل وتلاوة.

    وناد إذا سجدت له اعترافاً     بما ناداه ذو النون بن متى

    وأخلص ذكره في الأرض دأباً     لتذكر في السماء إذا ذكرتا

    فالنوافل تقل عند بعض الناس، ونحن بحاجة إلى مدد وغذاء للروح وهي النوافل.

    الملاحظة الثالثة: وجود بعض الضغائن والأحقاد عند البعض، وهم في هذا الإقبال والصحوة إلى الله؛ وذلك بسبب اختلاف بعض المشارب أو بعض الاتجاهات والاجتهادات، وهذا ملحظ خطير، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:105].

    أبو حامد الغزالي وابن حزم في الميزان

    السؤال: هل من كلمة حول هاتين الشخصيتين: أبو حامد الغزالي وابن حزم الظاهري؟

    الجواب: أبو حامد الغزالي صاحب كتاب إحياء علوم الدين، واسمه محمد بن محمد الطوسي الغزالي، هذا من أكثر العلماء الذين اختلفت فيهم عبارات أهل العلم، والذي أقوله في هذا الرجل كما قال الذهبي وغيره: أنه رجل مشكور ومأجور عند الله عز وجل، ولكن عليه مآخذ:

    أولها: الرجل عاش أدواراً وأطواراً.. فقد عاش الفلسفة، ثم عاد إلى التصوف، وأتى في آخر عمره إلى أهل الحديث، فمات قبل أن يتم في هذا العمر.. فالعقيدة لا تؤخذ من كتبه ولا منه، فهو أشعري منطقي فيلسوف، يأتي بالتأويل ويثبته ويرى أنه الصحيح، كما في المجلد الأول من الإحياء.

    الأمر الثاني: الرجل في الحديث حاطب ليل.

    أوردها سعد وسعد مشتمل      ما هكذا تورد يا سعد الإبل

    فيأتي بالموضوعات كأنه ينقلها من صحيح البخاري ومسلم.

    الأمر الثالث: الرجل معجب بـالصوفية، يمجدهم ويسترضيهم، ويمدحهم مدحاً عجيباً.. فهذه مقاتله الثلاثة.

    أما نبله: فيأتي من زهده، وسعة علمه، وغيرته على الإسلام، ونسأل الله أن يكون ممن قال فيهم: أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [الأحقاف:16].

    وأما أبو محمد علي بن حزم الظاهري؛ فهذا منجنيق الأندلس -كما قال ابن القيم - وهو شمس ولكنها طلعت من الغرب، ذكي لامع، يقول الشوكاني في البدر الطالع: ما بين ابن تيمية وابن حزم بأقوى من الرجلين. لكن البشر فيهم نقص، قال أهل العلم: عليه عدة مآخذ:

    أولها: أنه ترك القياس ونفاه وأنكره، فضاق عقله في الشريعة، وضاقت دائرته، وأصبح يدور حول نفسه.

    الأمر الثاني: أنه شديد على العلماء، فأخذ في أعراضهم -والله يسامحه ويغفر له- ونسي أنه يتخاطب مع مالك وأبي حنيفة والشافعي، لكن اعتذر له، فهم كرماء والله أكرم، وعسى الله أن يتجاوز عنه.

    الأمر الثالث: الرجل مؤول في الصفات، فهو سال في موضع الجمود وجمد في موضع السيلان.. فإن الفروع تحتاج إلى عقلية وقياس، فرد القياس، وأتى إلى الصفات فأتى بالقياس.

    يوم يمانٍ إذا لاقيت ذا يمن     وإن لقيت معدياً فعدناني

    فقد أساء في المعتقد في الصفات، حتى قال عنه ابن تيمية: "إن أبا الحسن الأشعري خير منه في الأسماء الصفات".

    المسألة الرابعة: أنه أباح الغناء، لأنه ضعف حديثاً في البخاري.. تجاوز الله عن الجميع.

    وعلى كل حال فمناقبه كثيرة.. فهو محدث وعالم وداعية، دمغ الكفر والنصاري واليهود والرافضة، وحسناته تربو على سيئاته.

    أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم     أو سدوا المكان الذي سدوا

    انتقاد بعض أحاديث الصحيحين

    السؤال: انتقُدت أحاديث على الصحيحين من قبل بعض الحفاظ وبعض المغرضين، فما هي الأمثلة وما سبيل الرد؟

    الجواب: الصحيحان تعرضا إلى هجوم وانتقاد، فأما الانتقاد فمن الجهابذة من علماء السنة، كـالدار قطني وأبي مسعود الدمشقي وابن تيمية شيخ الإسلام... وغيرهم.

    وأما الهجوم فمن العملاء وأذناب الكفر والمستشرقين، من أمثال أبي رية وجولد زهير المجري، لكنهم كنافخ الشمس، ما أثبتوا دليلاً، يقول تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف:8] سكتوا إلى أبد الدهر، ونطق الصحيحان على كل منبر وكل جلسة وفي كل إذاعة وفي كل درس.

    وأما نقد أهل العلم فقصدهم حسن وسليم -أثابهم الله على ذلك- والكتب ليست معصومة من الخطأ، إلا كتاب الله عز وجل، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].

    صحيح البخاري: انتقد فيه بعض الأحاديث كما ذكر ابن تيمية في المجلد الثامن عشر، كحديث: {إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين} قيل: فيه انقطاع بين الحسن وأبي بكرة. والصحيح أنه موصول.. وبعض الزيادات في صحيح البخاري تكلم فيها وقالوا: إنها وهم من بعض الحفاظ، مثل: {احتجم صلى الله عليه وسلم وهو محرم صائم} ويحيى بن سعيد القطان يقول: ما احتجم صلى الله عليه وسلم وهو محرم... إلى غير ذلك من الألفاظ التي ليس هذا مجال بسطها.

    أما صحيح مسلم فتعرض إلى بعض الانتقادات، منها ثلاثة أحاديث أقولها للبيان:

    ذكر ابن تيمية ثلاثة أحاديث في مسلم تبعاً للدار قطني.. منها: حديث في الجمعة ساعة مستجابة من حين يصعد الخطيب إلى أن تقضى الصلاة.. وهذا الحديث عن أبي موسى، وهو حديث منقطع، وقد ذكر ابن حجر في بلوغ المرام انقطاعه، وذكر هذا ابن تيمية والدار قطني قبلهم.. ومنها: حديث: {خلق الله التربة يوم السبت...} ثم عد سبعة أيام وذكر الله أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، قال أهل العلم: هذا من كلام كعب الأحبار وليس من كلامه صلى الله عليه وسلم.. ومنها: حديث تعرض له ابن حزم، وهو حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان، أن أبا سفيان قال: {يا رسول الله! أريد منك ثلاثاً...} ثم ذكرها حتى يقول ابن حزم: هذا حديث موضوع.. وقد تجاوز وجازف في هذه المسألة، بل فيه كلام، وقد رأى بعض أهل العلم صحته.. ومنها: حديث أتى به ابن الجوزي في الموضوعات، وهو في مسلم: {صنفان من أمتي لم أرهما: صنف معهم سياط كأذناب البقر...} وهذا خطأ منه ووهم. ولكن نقول: كل ما في البخاري ومسلم -إن شاء الله- مقبول، وإنما تعرض إليها بالنقد، وهؤلاء الذين نقدوا الصحيحين أناس مجتهدون عندهم خير وحسن نية يريدون الخير فجزاهم الله خيراً، وأناس مغرضون أذناب عملاء جزاهم الله شراً، ومأواهم جهنم وبئس المصير.

    سؤال عن حال ثلاثة أحاديث

    السؤال: سؤال عن ثلاثة أحاديث ما هي درجتها من الصحة: {ماء زمزم لما شرب له} {عالم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد} {استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان

    الجواب: أما حديث: {ماء زمزم لما شرب له} فقد رواه أحمد وابن حبان وسنده حسن، ولو أن بعض أهل العلم ضعفه، لكن هذا ليس بصحيح، بل له شواهد يرقى بها إلى الحسن، ومن أهل العلم من صححه.

    وأما حديث: {فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد} فقد رواه ابن ماجة عن ابن عباس، ورفعه ابن ماجة فأخطأ، بل هو من كلام ابن عباس، ولا يصح مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم.

    وأما حديث: {استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان} فقد رواه العقيلي في الضعفاء وابن عدي والبيهقي موقوفاً على عمر وهو الصحيح، ولو أن بعض المحدثين المعاصرين رفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الأصح -كما قال السيوطي في الجامع الصغير وغيره أنه موقوف على عمر.. إذاً: هذه الثلاثة الأحاديث، اثنان ضعيفان وواحد حسن.

    نصيحة لطالب العلم المبتدئ

    السؤال: بماذا تنصح طالب العلم المبتدئ؟

    الجواب: أنصح طالب العلم المبتدئ بأمور:

    أولها: تقوى الواحد الأحد، فلن ينال العلم إلا بالتقوى، قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] وبكثرة الاستغفار، واللجوء إلى الواحد الأحد، وكثرة الدعاء بأن يفتح الله عليه.

    الأمر الثاني: الجد والمصابرة في طلب العلم.

    الأمر الثالث: -وقد يكون سابقاً على الثاني-: الإخلاص لله تبارك وتعالى: {إنما الأعمال بالنيات}.

    الأمر الرابع: أن يبتدئ بالأوليات والمهمات في العلم، فيأتي إلى المختصرات فيحاول أن يحفظ في كل فن مختصراً، وإن وجد عالماً فالأحسن أن يقرأ عليه، وإلا ففي الكليات الموجودة النافعة، ويحاول أن يكون له وقت لحفظ القرآن ويبدأ به قبل المتون، فإنه لا يصح أن يحفظ المتون ويترك كتاب الله عز وجل فهو أعظم المتون.. فيبدأ بالقرآن ثم ببعض المتون في كل فن فيكررها حتى يستظهرها.. مثل: رياض الصالحين للواعظ والخطيب والمتكلم، وبلوغ المرام للمفتي، وزاد المستقنع في الفقه، ومنظومات في النحو، كـمنظومة ابن مالك، أو ملحة الإعراب، أو الإعراب في النحو وغيرها.. وبعدها يرجع إلى الشروح، وبعد أن يقرأها مرة واحدة، يبدأ بتلخيص المسائل وتحقيقها وتحريرها والله معه، وسوف يجد الفائدة لقوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].

    قوله تعالى: ( الله يستهزئ بهم )

    السؤال: ليس من شك أن منهج أهل السنة إثبات صفات الله وعدم تأويلها، فما هو القول في قوله تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة:15]؟

    الجواب: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة:15] والقول الصحيح في هذه الآية إن شاء الله: أننا نثبت الصفة ما دام أنها وردت، فتثبت لله عز وجل أنه يستهزئ بمن استهزأ به، ونقول: إنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يستهزئ بمن يستهزئ به، كقوله تعالى: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:79] فنثبت أن الله يسخر بمن يسخر به سخرية تليق بجلاله، واستهزاءً يليق بجلاله وقوله تعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ [الأنفال:30] نثبت أن الله يمكر بمن يمكر به، ولا نؤول الصفة، ولذلك أتى بها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى -كما قال ابن كثير - على باب المشاكلة والمجانسة، ولكن لما أتى بصفةٍ لا تليق به سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كالخيانة قال: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ [الأنفال:71] ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة صفة نقص، بل قال: فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ [الأنفال:71] فالصفات تلك نثبتها كما وردت وكما يليق بجلاله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

    أما مثل كلام ابن حجر في حديث: {لا يمل الله حتى تملوا} قال: هذا لا ينسب وإنما هو من باب المقابلة.. فهو تأويل، وما فعل الأشاعرة إلا تأويل، والمعتزلة مؤولة.. إذاً: فالقول الصحيح: نثبتها بأنه يفعلها بمن يفعل به على سبيل المقابلة والمشاكلة والمجانسة، ولا ننفيها عن الله تبارك وتعالى.

    سؤال أدبي

    السؤال: نستأذن في سؤال أدبي: من القائل؟ وما المناسبة؟ وما بقية القصيدة؟

    يا أمة النصر والأرواح أثمان     في شدة الرعب ما هانوا وما لانوا

    الجواب: قائل هذه القصيدة هو عائض القرني غفر الله له، والمناسبة في المجاهدين الأفغان، وهذه بعض أبياتها:

    مروا بقلبي فقد أصغى له البان     لي في حمى الحب أصحاب وجيران

    نعم لك الله ما قد تبت من وله     أما لكم صاحبي صبر وسلوان

    أنا يراعتك اللاتي كتبت بها      رسالة الحب ما في ذاك نكران

    دع ذا وهات قوافٍ منك صادقة     لأمة مجدها بالأمس فينان

    يا أمة النصر والأرواح أثمان     في شدة الرعب ما هانوا وما لانوا

    هم الرعود ولكن لا خفوت لها     خسف ونسف وتدمير وبركان

    كم ملحدٍ ماجنٍ ظن الحقوق له     زفوا له الموت مراً وهو مجان

    وبلشفي أتى كالعير منتخياً     رأى المنايا فأضحى وهو جعلان

    ردوه كالقرد لو بيعت سلامته     بِشَعْبِهِ لشراها وهو جذلان

    فروا على نغم البازوك في غسق     فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ

    يسعى فيعثر في سروال خيبته     في أذنه من رصاص الحق خرصان

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767964198