والله عز وجل لم يكلفنا في هذا الدين بأشياء لا نستطيع القيام بها، وإنما أمرنا بأشياء يسيرة يستطيع أن يعملها من يسرها الله عليه، والذين يكلفون أنفسهم بأشياء لا يستطيعون القيام بها؛ فإنهم يخالفون أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.
أمَّا بَعْد:
فمعنا في هذه الليلة حديث عظيم، من الأحاديث التي دبَّج بها الإمام البخاري رحمه الله تعالى صحيحه يقول: وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة).
هذا الحديث أول قضية فيه؛ هي قضية (إن الدين يسر) والرسول صلى الله عليه وسلم ما جاء إلا لسعادة الإنسان وليحمل هذا اليسر، يقول تبارك وتعالى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ [الأعراف:157] والدين الإسلامي يسير على من يسَّره الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عليه، ليس على كل الناس ميسر، بل هو من أصعب الأمور على المنافقين، نسأل الله العافية والسلامة، قال تعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:22] ويقول تبارك وتعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125].
أي: كأنما يعرج بنفسه في السماء فيختنق من قلة التنفس، فوصفه سُبحَانَهُ وَتَعَالى بالصاعد في السماء، كلما ارتفع كلما ضاق نفسه.
يقول أبو هريرة قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الدين يسر) ودائماً يمر معنا أبو هريرة رضي الله عنه، وكم من مرة مر معنا وأراد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يرفع اسمه، وأن يضوع اسمه في المنتديات، وفي مجالس المسلمين، فهذا الرجل عناية الله عز وجل أتت به من بلاده، وهو في قرية بعيدة من قرى جبال السراة، ويأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل في هذا الدين، وأكسبه الله تعالى من هذا النور، ومن هذا العلم، فرفع الله اسمه، وأبى كثير من أهل الحرم الذين كانوا يطوفون بالبيت، وكانوا بجانب الحطيم وزمزم أن يسلموا، فأخفض الله ذكرهم، وأدخلهم ناراً تلظى؛ لأنهم ما استضاءوا بهذا الدين.
يقول صلى الله عليه وسلم: ( إن الدين يسر) لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى [الأعلى:8].
ولذلك يقول عمر رضي الله عنه، كما علق عنه البخاري: [[نهينا عن التكلف]] مسألة لا تستطيع أن تهضمها أو لا يستطيع ذهنك أن يفهمها لا يجوز لك أن تتدخل فيها، أو تعمل ذهنك فيها، بل كل مسائل هذا الدين مُسلَّمات وبديهيات، ومفهومات لدى جمهور المسلمين، أما المسائل العويصة والصعبة فيقول عمر: [[نهينا عن التكلف]] فهذا اليسر في التفكير.
ولذلك التكثير من العبادة ليس مطلوباً قصداً في الدين، لأن الله عز وجل يقول: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2] ولم يقل: أيكم أكثر عملاً، وإنما دخل التكثير والكثرة بلا جودة من الصوفية، يصلي أحدهم في اليوم خمسمائة ركعة، أو ثلاثمائة ركعة، ويظن أن هذا هو الدين، ولكن الدين الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم سهل ميسر على من يسَّره الله عليه، حينها لما رأى الناس تيسيره صلى الله عليه وسلم دخلوا في هذا الدين زرافات ووحداناً.
يقول تبارك وتعالى: طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى [طه:1-3] ويقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78] ويقول سبحانه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] ويقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7].
حينها يقول صلى الله عليه وسلم: { إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه} وسوف يأتي بعد حديثين حديث آخر يعاضد هذا الحديث، لكن لا يتوهم متوهم أن معنى اليسر هو التفلت، أن يصلي الصلاة متى يريد وفي أي وقت، وأن يصوم متى يريد، وأن يتفلت على تعاليم القرآن ويقول: الدين يسر، فهذه العبارة يستخدمها بعض الناس على أهوائهم.
ولذلك يقول ابن الجوزي في أحد كتبه: إن الأعراب فهموا من أن الدين يسر، أنه التفلت على شريعة الله، حتى إن أحد الأعراب سافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقصر الصلاة الرباعية ركعتين، والظهر ركعتين والعصر والعشاء، فلما عاد سأله إخوانه من الأعراب البدو، قالوا: ماذا وجدت في سفرك هذا؟ قال: أحسن ما وجدنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذف عنا ركعتين، وسوف يحذف إن شاء الله في السفر الثاني ما بقي من الركعات، يريد أن تبقى المسألة يسراً على الطبيعة، فلا صلاة ولا صيام.
وذكر ابن الجوزي أن أعرابياً آخر بشروه بالهلال أنه أهل عليهم، قالوا: نبشرك بهلال رمضان، قال: والله لأشتتن شمله في الأسفار، أي: لا يستقر حتى آخر الشهر، يقول ابن الجوزي: وهذا منع فهمه كثير من الخلف، يظنون أن اليسر هو التفلت من الفرائض.
لا. هناك حد وسط لا بد أن يسير معه الإنسان، ولكن لا ينقص عنه، وسوف يأتي حديث النوافل.
ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ) لأن الدين دائماً يغلب، حتى القرآن غالب لن يغلب، مهما حفظ الإنسان كتاب الله عز وجل، واستجراه في صدره، ثم قال: سأصلي بالناس، يجد أنه سوف يخطئ وينسى بعض الآيات أو الحروف، لأن هذا الدين قوي ومتين، كما قال صلى الله عليه وسلم في لفظ آخر: (فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا ظهراً أبقى، ولا أرضاً قطع) المنبت: هو الذي يسابق بالخيل أو بالجمال، فيسبق المتسابقين في أول الطريق، ويجهد دابته ثم ينقطع في وسط الطريق، فلا أبقى ظهر دابته، ولا قطع الطريق.
ولذلك يقول أبو سليمان الخطابي : رأيت بعض الصوفية يصلون الضحى إلى مائة ركعة، فإذا أتت صلاة الظهر ناموا وتركوا صلاة الظهر إلى قرب العصر، وهذا من قلة الفقه في الدين، وبعضهم يقوم الليل من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، فإذا قربت صلاة الفجر نام عنها، وصلاها مع طلوع الشمس، ما هذا الفقه الأعوج!!
فالشريعة التي أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم هي سهلة ميسرة على من فقهها وفهمها، لا على فهم الصوفية والخوارج ، ولذلك قابلت الخوارج طائفة أهل السنة بالتشدد في الدين، حتى أنه صلى الله عليه وسلم يقول: (يحقر أحدكم صلاته إلا صلاتهم، وقراءته إلى قراءتهم، وصيامه إلى صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) يكثرون من نوافل العبادات، ولكن ما دخل الإيمان في صدورهم، وما وقر في قلوبهم، حتى من قلة فقههم مر بهم خنزير وهم قرب دجلة ، فقالوا: مر بسلام، فقالوا للراشد منهم: كيف تقول هذا الكلام قال: لأن الله سبحانه وتعالى يقول: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة:83].
أهذا الخنزير من الناس!! ثم مر بهم نصراني، فقال: إن أحدكم عدى على نخلتي فجذ منها؟ قالوا: خذ ثمن نخلتك، يعني: عوضوه ومر بهم عبد الله بن خبيب رضي الله عنه فذبحوه -وهو من الصحابة- كما تذبح الشاة، وأخذوا امرأته وهي حبلى فبقروا بطنها وأخرجوا الجنين وذبحوه.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) وقتلهم أمير المؤمنين أبو الحسن رضي الله عنه وأرضاه، وهي من حسناته عند الله تبارك وتعالى، صفى حسابهم في غداة واحدة أربعة آلاف، ثم سجد لله شكراً أن قتلهم، لأن في قتلهم قربى إلى الله تبارك وتعالى، ولما قتلهم خرج عبد الرحمن بن ملجم وكان في جبهته كركبة العنز من كثرة السجود، ومن كثرة ما يصلي في الليل، فشحذ سيفه بالسم الأزرق شهراً، ثم عدا على أمير المؤمنين سيف الله المرتضى أبي الحسن رضي الله عنه فقتله، فلما طعنه وحمل عليه رضي الله عنه دعي بهذا المجرم الخبيث عبد الرحمن بن ملجم ، وقال علي : ما حملك على ما فعلت، قال: هذا السيف شحذته بالسم شهراً، وحلفت بالله العظيم أني أقتل به شر الناس، قال علي : فأنت شر الناس، والله لا يقتل بهذا السيف إلا أنت، فقتل بسيفه الذي قتل به أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه، حتى أنه لما أتوا ليقطعوا لسانه قبل أن يقتل، قال: كيف تقطعوا لساني، وأتعطل عن ذكر الله!!! وهذا من قلة الفقه في دين الله عز وجل.
بل الفقه ليس هو التخلع والتجافي كما فهمه الأعراب،ولا الانحراف عن هذا الدين،ولا هو الغلو والإفراط كما فهمه الخوارج ، لكن دين الله هو الوسط.
وأبشروا: يقول صلى الله عليه وسلم: أبشروا، ما دام أنكم تسددون وتقاربون فمن التسديد والمقاربة أنا إذا أخطأنا تبنا إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وإذا أسأنا استغفرنا لأننا من الخطائين، وأبونا آدم عليه السلام هو أول من سن لنا الخطيئة، ومن يشابه أبه فما ظلم، وهذه شنشنة نعرفها من أخزم، فأما أن نقلده في الخطيئة ولا نقلده في التوبة فهذا ظلم وجور، لا يستشهد في الأذهان ولا في الأعيان.
عند قول الرسول صلى الله عليه وسلم: أبشروا، كلام، فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعيشون مع الرسول صلى الله عليه وسلم، يأتون إليه فيسمعون كلامه صلى الله عليه وسلم، فينقلهم كأنهم في رحاب الجنة، وكأنهم في عرصات القيامة، ينسون الأهل والزوجات والأموال والمساكن، وإذا رجعوا إلى دورهم غفلوا بعض الغفلة، ونسوا بعض النسيان مما ذكره صلى الله عليه وسلم، فأتى حنظلة بن الربيع الكاتب: {أتى إلى
في كتابه بالغدو: أول النهار، والآصال: هي ما بعد صلاة الظهر إلى الغروب، يقول النابغة الذبياني:
زعم البوارح أن رحلتنا غداً وبذاك خبرنا الغراب الأسود |
أي: في غدو النهار،فيقول صلى الله عليه وسلم: ( استعينوا بالغدوة) أي: ما بعد صلاة الفجر، وأغلى وقت في حياة المسلم هو ما بعد صلاة الفجر، إذا أراد مهمة أو عبادة أو ذكراً فعليه بذاك الوقت، وإذا أراد أن يطلع في كتاب أو يفهم فعليه بما بعد صلاة الفجر، وإذا أراد عملاً ما، أو سفراً، أو تجارة فعليه بما بعد صلاة الفجر، ولذلك روى الإمام أحمد في مسنده، عن أبي صخر الغامدي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (بارك الله لأمتي في بكورها) ومن أراد كذلك أن يخصص وقتاً لقراءة القرآن وتدبره فبعد صلاة الفجر، قال تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً [الإسراء:78]... وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ [التكوير:17-18] قالوا: تنفس وكأنه كان في الليل مكبوتاً حزيناً، فتنفس مع الإصباح، وتنفست معه الطيور، ووزعت الأرزاق في الصباح، والمواهب والأعطيات، ونزل خير الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ورحمته، فيقول صلى الله عليه وسلم استغلوا هذه الساعة، أي: بعد صلاة الفجر وهذه بالغدوة والروحة، قال أهل العلم: الروحة بعد صلاة العصر، ومن لم يستطع بعد صلاة العصر فقبل الغروب قال تعالى: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ [الروم:17-18] فبعد صلاة الفجر وقبل صلاة المغرب هما أفضل وقت، وأصفى وقت للمسلم ليحاسب نفسه، ويراجع معاملته مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى من ذكر وعبادة.
ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وشيء من الدلجة) أي: من الليل، خذوا قليلاً بعد صلاة الفجر، وقليلاً بعد صلاة المغرب، وخذوا قليلاً من الدلجة، وكأنه يقول في السحر؛ لأنها أعظم ساعة تتصل فيها بالحي القيوم تبارك وتعالى، ولم يقل صلى الله عليه وسلم: واستعينوا بالدلجة؛ لأنه نهى عن قيام كل الليل، إنما يقام شيء من الليل قال تعالى: كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات:17] وحملها بعض أهل التفسير على أنهم يصلون قليلاً من الليل، فليكن للمسلم ساعة من أي جزء من أجزاء الليل، وإن لم يستطع ذلك فليوتر قبل أن ينام، ثم ليذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى؛ لتسبح روحه في الملأ الأعلى، وليكون من الذاكرين الله وهو نائم على فراشه، وهذا هو نوم العباد الصالحين المتصلين بالحي القيوم، هذه هي قضايا هذا الحديث، يريد صلى الله عليه وسلم أن يقرب إلى الأفهام أن هذا الدين ليس بالمغالبة، وإنما هو باليسر وبالسهولة، وبأخذه بالتي هي أحسن؛ لأن الله تعالى يسره للناس.
طفح السرور علي حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني |
فكانوا يقولون: إلينا يا رسول الله؛ لأنهم ستة منازل، وست قرى، كل قرية تقول: انزل عندنا يا رسول الله! يقول عمرو بن عوف: انزل عندنا يا رسول الله، عندنا السيف والجد والمنعة، فيقول صلى الله عليه وسلم: {دعوها فإنها مأمورة} حتى الناقة مأمورة من السماء، تمضي بأمر الله، وتنيخ بأمر الله؛ لأنه قضاء الله ورسالة الله، فكان صلى الله عليه وسلم يترك الناقة وكان الناس حول الناقة يمشون، كل يريد أن يأخذ بزمامها، فيبتسم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس، ويسلم عليهم، فأخذت الناقة تسير وكان يريد في نفسه صلى الله عليه وسلم أن تنزل عند أجداده أو أخواله بني النجار ليكرمهم صلى الله عليه وسلم بذلك، ولكنه استحيا صلى الله عليه وسلم أن يقول: أريد آل فلان من تلك القبائل، فتركها فأراد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوافق رسوله في هذا النزول، فأتت الناقة فلما أصبحت في منازل بني النجار الذي هو مكان مسجده صلى الله عليه وسلم اليوم، أناخت هناك، فقالوا: انزل يا رسول الله! قال: لا. ثم قامت مرة ثانية، ثم استعرضت ثم رجعت مكانها، فأخذ أبو أيوب رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل صلى الله عليه وسلم معه.
أرسله صلى الله عليه وسلم مع رجال معه من الأنصار ليغتال سيد خيبر من كفار اليهود؛ لأنه كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: {يا فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم اغفر لهم وأدخلهم الجنة صرخت له فلم يعلم بصوتي وأقبل طالعاً من رأس جدر فعدت له فقال من المنادي فقلت: أخوك عباد بن بشرِ فأقبل نحونا يهوي سريعاً فقطعه أبو عبس بن جبر وكان الله سادسنا فعدنا بأعظم نعمة وأجل نصر
وحضر عباد معركة اليمامة ضد مسيلمة الدجال الكذاب، وضرب على وجهه بالسيف أكثر من عشر ضربات بعد أن قتل ما يقارب خمسمائة مقاتل حتى ما عرفوه وقتل رضي الله عنه، ولكنه لم يقتل أبداً، قال الله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [آل عمران:170].
أرسله صلى الله عليه وسلم فأتى إلى بني سلمة الذين هم في قباء -الآن المسجد المعروف- وهم يصلون العصر فقال: إن القبلة قد تحولت فتحولوا، فدار الإمام وهو في الصلاة، ولم تبطل صلاتهم؛ لأن الحركة إذا كانت في صالح الصلاة لا تبطل الصلاة، وفيه من الحكم والفوائد:
أن خبر الواحد يقبل، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرسل هذا، فقبلوا خبره وامتثلوا خبره، وتحولوا عن القبلة رضي الله عليهم.
هذا الحديث وهذا ما ورد فيه، ولم نعرج على بعض الخلاف للألفاظ التي لا طائل من ورائها.
هذا الحديث من المبشرات، وهو من أعظم ما يهدى للأمة الإسلامية، وراوي الحديث أبو سعيد من جلة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، عالم من علمائهم، وشاب من شبابهم، مات أبوه في معركة أحد قتيلاً، ولذلك هو من الأنصار، وقتل (80%) في سبيل الله من الأنصار رضوان الله عليهم، ولم يمت منهم موتاً إلا ما يقارب (20%) لكلام أهل العلم في ذلك، فدعا له أبوه وهو شهيد بأن يبارك الله فيه، فبارك الله في هذا الولد الصالح، فكان مع الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً وأبداً، سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أسلم العبد فحسن إسلامه، يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها) الإسلام يهدم ما قبله من أفعال الجاهلية، مهما فعل الإنسان قبل أن يدخل هذا الدين، أشرك أو قتل أو زنى أو شرب الخمر أو سرق، ثم دخل في هذا الدين فكأنه ما زال داخلاً في هذا الدين، ولا يكتب عليه شيء من أعمال الجاهلية إذا أحسن الإسلام.
والشاهد: أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن التوبة تجب ما قبلها، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا أسلم العبد وحسن إسلامه} قال ابن حجر: حسن إسلامه، أي حسن بالإخلاص، فلم ينافق في الدين، ولم يراء، ولم يطلب بعمله السمعة والنفاق، حسن إسلامه؛ فلم يصر على الصغائر والكبائر، ولا يشترط في المسلم أنه لا يذنب أبداً، لأنه ليس ملكاً من الملائكة؛ لأنها ما خلقت للتكليف، ولا تبتلى بالذنوب، وأما الإنسان المسلم أو غيره فإنه يدخل في الذنب، ويغفر الله له بالتوبة.
الأول: ديوان يغفره الله عز وجل: وهو ما كان بين العبد وبين الله عز وجل وتاب منه.
الثاني: ديوان لا يغفره الله أبداً: وهو الشرك بالله عز وجل، هذا لا يغفره سُبحَانَهُ وَتَعَالى أبداً، بل يدخل صاحبه النار، ولا يأبه بعمله، قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23].
الثالث: ديوان يتعلق بمشيئة العبد: وهي ذنوب العباد بين بعضهم البعض، الغيبة وظن السوء واغتصاب الأموال، وسفك الدماء، هذه تحت مشيئة العباد، إن عفوا عفا الله، وإن سامحوا سامح الله، وإن أبوا فإن الله يقتص من بعضهم البعض، فهذه الدواوين عند الله عز وجل.
وكان بعد ذلك القصاص الحسنة بعشر أمثالها، فضلاً من الله، وجوداً وكرماً إلى سبعمائة ضعف، وفي رواية ابن عباس الصحيحة: إلى أضعاف كثيرة؛ لأن الله عز وجل يقول: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261] إلى أضعاف كثيرة قد يضاعفها الله إلى أكثر من سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها جوداً وكرماً من الله.
فالذنوب التي نحدث بها أنفسنا ولم نعملها يكتبها الله حسنة كاملة، وإذا عملناها كتبها الله سيئة واحدة، وانظر إلى لفظ كاملة وواحدة، واللفظ واحد، لكن هذه بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجذب للأرواح واستقطاب للقلوب إلى الله عز وجل، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله تبارك وتعالى.
فيا لسعادة من يدخل هذا الدين؛ ويعتنق هذه الشريعة السمحة؛ ويواصل السير إلى الله ولن يهلك على الله إلا هالك، وليتدبر المسلم منا الآن، يجد أن يومه حافل بالسعادة إذا داوم على الصلوات الخمس في جماعة، وداوم على الوضوء وقراءة القرآن والذكر والاتصال بالله؛ سوف يجد أنه لن يهلك على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى إلا هالك.
هذا الحديث الذي زفه النبي صلى الله عليه وسلم بشرى للأمة، وأخبرنا أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى صاحب المن والعطايا وهو صاحب الجود والإحسان تبارك وتعالى.
ويقول صلى الله عليه وسلم: {إنني أعرف رضاك من غضبك} وهذا من تعامله صلى الله عليه وسلم مع أهله، ومع المرأة، لا كما يفهمها أعداء الإسلام، وهذا هو القدوة لكل إنسان أن يتعامل الإنسان مع أهله كما يتعامل صلى الله عليه وسلم مع أهله، يقول: {إني أعرف رضاك من غضبك! قالت: بماذا يا رسول الله؟ قال: إذا رضيت قلت لا ورب محمد -تقسم بالله ثم تذكر اسمه- وإذا غضبت قلت: لا ورب إبراهيم، فتقول هي رضي الله عنها: والله ما أهجر إلا الاسم} يعني فقط الاسم، أما المسمى فلا تهجره.
دخل النبي صلى الله عليه وسلم عليها وعندها امرأة فقال: من هذه؟ -هذه المرأة اسمها الحولاء بنت تويت القرشية وكانت كثيرة العبادة؛ والصيام، وكثيرة الصلاة، دخل صلى الله عليه وسلم وهي جالسة عند عائشة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل لأنه يريد أن يتصل بالناس جميعاً، يتصل بالعجوز وبالمرأة وبالجارية وبالطفل، لأنه مكلف أن يبلغ الرسالة إلى جميع الناس، حتى تقول عائشة: {ما غرت من امرأة من جاراتي ومن ضرائري ما غرت من
حتى دخلت عجوز على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطع حديثه مع الناس، وقال: {كيف أنتم يا فلانة، هل أتاكم من أمطار، كيف أنتم بعدنا} لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد سكن معهم في البادية ردحاً من الزمان، وتأثر الناس بهذه المواقف منه صلى الله عليه وسلم.
وكأن الصحيح والراجح أن قوله صلى الله عليه وسلم مه، أي كيف تعجبين من كثرة عبادة هذه، ثم يذكر صلى الله عليه وسلم السبب، فيقول: {عليكم من الأعمال بما تطيقون، فو الله لا يمل الله حتى تملوا، وكان أحب الدين إلى الله، وفي -لفظ إليه- ما داوم عليه صاحبه} ينكر صلى الله عليه وسلم على عائشة أن تعجب بكثرة إجهاد هذه المرأة نفسها، ويقول: لا. دين الله عز وجل سهل وميسر، فعليكم بما تطيقون، فإن الذي يكثر على نفسه ينقطع ويمل، فيقطع الله عنه الثواب، ولذلك يقول: خذ من العمل ما تستطيع أن تواصل عليه، وأن تستمر عليه، والإنسان فقيه نفسه، وأعرف بنفسه.
ولذلك لا تقلد أحداً في العبادة، ترى بعض الناس آتاه الله بسطة في الجسم وصحة وقوة، فيواصل الصيام والقيام، فتقلده في ذلك فتنقطع حتى ما تستطيع أن تصلي الظهر مع الناس، وهذا ليس مطلوباً؛ لأن الإنسان أعرف بنفسه، والناس طاقات، قال تعالى: قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ [البقرة:60].
يقول أحد العلماء في صحيح البخاري في شرحه: وقد جربنا وجرب الناس قبلنا أن من تنطع في العبادة، وغلا فيها، أنه يفضي به ذلك إلى الانقطاع، وإلى ترك المعهود والانصراف عنه، بل الذي يقتصد في العمل ويداوم أفضل عند الله عز وجل، لأن القليل المداوم خير من الكثير المنقطع.
يقول حافظ الحكمي:
عليك بالقصد بقول وعمل ودم عليه واجتهد ولا تمل |
ولذلك يقول ابن الجوزي في شرح هذا الحديث: إنما كره صلى الله عليه وسلم الغلو والإفراط في العبادة لأنه يؤدي بصاحبه إلى الانقطاع، والمداومة على القليل خير من التكثير لسببين: الأول أن من داوم على قرع الباب دائماً يوشك أن يفتح له، تجد بعض الناس ينشط يوماً من الأيام على صلاة الضحى فيقوم فيصلي ثلاثين ركعة، لكن يأتي اليوم الثاني ويتفكر في تعبده، وأن ظهره كاد أن ينكسر أمس، فيقول: يكفي هذا، فلا يصلي أبداً، ولو أنه صلى ركعتين وداوم عليها لكان خيراً عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى وأدوم وأحسن.
ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يكلف الناس ويتكلم إلى الناس دائماً باليسر والسهولة، يقول لـعبد الله بن عمرو: اختم القرآن في شهر، لكن يأتي الآن متحمس وهذا كثير في الشباب، فيقول: كيف أختم القرآن في شهر، بل أختمه في ثلاثة أيام إن شاء الله، بعد ذلك يختمه في سبعة شهور، ولذلك لو داوم عليه شهراً لما كره هذا الوقت، لكنه كره إلى نفسه العبادة فمل منها، ومل من الترداد فهجره أكثر من شهر.
ويقول أبو هريرة: {أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث وصايا لا أدعهن حتى أموت: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام} وهذه سهلة ميسرة، يفعلها الإنسان ويداوم، لأن من يداوم على ركعتي الضحى في كل يوم يصلي في السنة سبعمائة ركعة، لكن لو قلت له: جزاك الله خيراً صل في اليوم سبعمائة ركعة من أجل أن ترتاح في السنة، لما استطاع ذلك، ولأفضى به ذلك إلى ما يفعله الصوفية، لأنهم يحسبون هذه ويجعلونها في اليوم، حتى يقول ابن القيم: بعضهم كان يصلي خمسمائة ركعة، وكان ينام وهو يصلي، أهم شيء فقط عندهم العدد؛ من قلة فقههم في دين الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
{وكان أحب الدين إلى الله ما داوم عليه صاحبه} وورد في لفظ في الصحيح: {أحب الدين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم} وكلا المعنيين صحيح، فإن المحبوب عند الله عز وجل محبوب عند رسوله صلى الله عليه وسلم،فإن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله تبارك وتعالى.
قال ابن العربي: ولا يجوز أن نسند المحبة إلى الله عز وجل، بل بمعنى الإرادة، وقال أهل السنة: الإرادة شيء والمحبة شيء، لله إرادة تليق بجلاله، وله محبة تليق بجلاله عز وجل، لا تدخل هذه في هذه، ولَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].
أولاً: عن أنس، مر معنا أنس كثيراً، وهو خادم الرسول صلى الله عليه وسلم.
وروى النعمان عن ماء السماء كيف يروي مالك عن أنس |
دعا له صلى الله عليه وسلم كما تعلمون بطول العمر، فأطال الله عمره حتى بلغ المائة، وأكثر الله ماله، وبارك فيه، وهو من السعداء إن شاء الله في الدنيا والآخرة، كان يخدم الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً وأبداً، فأورثه الله بفضل الخدمة بركة في الدنيا والآخرة.
لكنه قد يقول: لا إله إلا الله ويكفر بلا إله إلا الله، فلا ينفعه قولها؛ لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {خالصاً من قلبه} ثم إنه قد يقول: لا إله إلا الله ويدخل النار، ولا يخلد في النار، ثم يدخل الجنة، فمن للإنسان إذا دخل ألف سنة أو خمسمائة سنة أو مائة سنة ثم جلس في النار، ثم يخرج من النار، هذا نسأل الله السلامة عذاب لا يطيقه إلا من كتب الله عليه الشقاء، نسأل الله العافية.
لكنه خير من غيره، يعني خدماته قليلة هذا الذي يدخل النار مائة سنة أقل من الذي يدخل دائماً بلا خروج، يعني إقامة أبدية، نسأل الله السلامة والعافية.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا أدخل الله أهل النار النار، وأهل الجنة الجنة} وهم الذين ما تعرضوا للنار من أهل الجنة من الموحدين الذين قاموا بالفرائض، وتابوا إلى الله، {قال الله عز وجل: أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله} بعد أن يدخلوا، ثم يخرج من في قلبه مثقال وزن شعيرة من خير، فيخرجون وقد اسودوا من طول ما لبثوا، وقد أصبحوا حمماً، فيغمسون كما مر معنا في نهر الحياة، وهو نهر قريب من الجنة، ثم يخرجون وعليهم أسماء: هؤلاء الجهنميون، يعرفهم أهل الجنة، فيدخلون الجنة، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: {كما تنبت الحبة في حميل السيل، ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية} فيدخلون الجنة ويعرفهم الناس، ثم يمحو الله عز وجل عنهم هذا الاسم الذي على جباههم ووصمة العار، فيكونون من أهل الجنة، لكن من يريد أن يعلق رجاءه وآماله بهذه الأحاديث التي فيها إشارة إلى عذاب بعض الموحدين؛ لأن بعض الناس يدخل النار -نسأل الله السلامة- وقد صلى وصام، فيقول الله عز وجل: خذيهم يا نار، إلا جباههم فإنهم طالما سجدوا بها لي أو كما ورد في بعض الآثار، لأنهم ارتكبوا أعمالاً أوجبت دخولهم النار، وهم من الموحدين، لكنهم لا يخلدون في النار.
ويقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ [الزلزلة:7] فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا البيان، تقريباً للأذهان.
قال صلى الله عليه وسلم: {ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن برة من خير} والبرة قالوا: أقل من الشعيرة، وهذا فيه دليل على أن الأعمال تتفاضل، بتفاضل ما في القلوب وبعض الناس يقف بالصف بجانب صاحبه يصليان، وراء إمام واحد، في مكان واحد، وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض، كما قال أهل العلم.
هذا في قلبه إيمان وإخلاص ومحبة وشوق، والبعيد في قلبه نفاق ورياء وسمعة، فيفاوت الله عز وجل بين الصلاتين، كما بين السماء والأرض، ويحاسب الله العباد على ما في القلوب من الأعمال، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ [العاديات:10] ويقول ابن مسعود: [[الله الله في السرائر اللاتي هن خَوَافٍ على الناس، وهن باديات على الله عز وجل: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18]]].
فالمقصود أن المسلم يهتم بالقلب أكثر مما يهتم بعمل الجوارح، ولذلك طلب أهل السنة كـابن رجب وغيرهم من أهل العلم: أن يجتهد المؤمن في تصحيح قلبه، أكثر مما يجتهد في الأعمال الظاهرة، يقول إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:89].
{ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن ذرة من خير} يقول ابن عباس رضي الله عنهما: [[إذا وضعت يدك في التراب، ثم نفضتها فخرج منها شيء فهو الذر]] وقال ابن حجر: الذر هو الشيء الذي لا يرى بالعين المجردة، ولكن يرى في ضوء الشمس؛ وقال غيره: الذرة هي هذه الحشرة الصغيرة التي ترى وتمشي وتسمى عند الناس (ذرة) لكن سواء كان بهذا المفهوم أو هذا، أو أقل مقدار يعرفه الناس، يحاسب الله العبد به يوم القيامة.
أتى أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: { يا رسول الله، هل في الحمر زكاة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنزل علي إلا هذه الآية الفاذة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8]} فكل ذرة يعملها المسلم يلقاها عند الله عز وجل، فبكى الأعرابي وولول وهو يقول: أنحاسب على الذرة.
ويجد لفظ آخر أورده ابن حجر، أن عمر قال: [[الحمد لله، نزلت في يوم هو لنا عيد، يوم الجمعة، ويوم عرفة عيد لنا كذلك]].
فلما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحج، أتى وإذا الأشهر مخلوطة ليست منسقة ولا مرتبة، فترك صلى الله عليه وسلم الحج، وكان يرسل أمراء من قبله صلى الله عليه وسلم يقودون الحجيج، حتى إن آخر حجة حجها أبو بكر قبل حجته صلى الله عليه وسلم كانت في شهر ذي القعدة، ما أتت في ذي الحجة؛ لأن الأشهر ما ترتبت لهم.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لما لم تترتب له الأشهر ما حج أبداً، فأرسل أبا بكر الصديق فحج بالناس، وكان حجه في ذي القعدة، ولما رتب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الأشهر وأعادها، كما يقول صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: {إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض} فأدار الله له ذي الحجة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم حاجاً، فوافق الجمعة اليوم التاسع، وهو واقف بعرفة، فكان حجه موافق لسنة الله عز وجل في الأيام، فنزلت عليه الآية وهو على ناقته بـعرفة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً [المائدة:3] فوقف صلى الله عليه وسلم يقرأ على الناس، فبكى أبو بكر!! فقال الناس: كيف يبكي هذا الشيخ؟! يخبرنا صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول: أكملت لكم الدين، وأتممت عليكم النعمة، فيبكي هذا الرجل، فسألوا أبا بكر: ما لك تبكي؟ فقال: أجل الرسول صلى الله عليه وسلم قد دنا.
قال أبو سعيد: فكان أفقهنا وأعلمنا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، وعاد صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية ومكث ثمانين ليلة، وقيل ثلاثاً وثمانين أو أربعاً وثمانين، ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم بعدها، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً [المائدة:3].
فأتى بلال فقال: الصلاة يا رسول الله؟ فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فأخذ بلال يبكي، ويقول: الله المستعان! أول يوم من الأيام يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وأول يوم يتوقف ذاك النبع الفياض، وذاك النور الذي يرى دائماً في المحراب يؤم الناس، مسئول البشرية وهادي الإنسانية يقف أمام الصفوف وهو الرحمة المهداة، والنعمة المسداة ويتعطل عن العطاء وعن الأخذ، وعن البذل، وعن التعليم والتوجيه، إن في الأمر شيئاً، كأنه يراد أن يقبض إلى الله تعالى.
فتقول عائشة وهي تبكي وتجعل الخمار على وجهها رضي الله عنها وأرضاها: يا رسول الله! إن أبا بكر رجل أسيف -يعني كثير الحزن ما يستطيع أن يقرأ بالناس، كان يقرأ الفاتحة فيقطعها بالبكاء، لا يستطيع أن يتمها - فمر غيره يا رسول الله! فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: {إنكن صويحبات يوسف -وفي لفظ- صواحب يوسف، مروا
فقام يصلي بالناس، قال أنس: {فلما دخلنا في الصلاة كشف صلى الله عليه وسلم الحجاب، وهو قطعة من قماش على باب غرفته صلى الله عليه وسلم، وغرفته في الروضة، تشرف مباشرة على المحراب الذي كان يصلي فيه صلى الله عليه وسلم، قال: فالتفتنا بأبصارنا إليه صلى الله عليه وسلم فرأينا وجهه، كأنه ورقة مصحف، وهو يتبسم إلينا صلى الله عليه وسلم، فظننت أنه لما تبسم يريد أن يخرج، قال: فكدنا نفتتن في الصلاة -كادوا يقطعونها من الفرحة- فأشار النبي صلى الله عليه وسلم أي مكانكم، ثم أرخى الحجاب} وتبسمه صلى الله عليه وسلم كأنه فرح وسر بهذا المنظر العجيب، منظر هؤلاء الذين كانوا وثنيين لا يعرفون الله، وكانوا يسجدون للحجارة، ويعبدون التمر، وكانوا كالأنعام والبهائم، ثم أخذهم صلى الله عليه وسلم بفضل من الله ورحمة؛ فزكاهم ورباهم ووجههم وعلمهم، ثم قاموا صفوفاً، كل إنسان منهم أمة من الأمم، فيتبسم صلى الله عليه وسلم لهذا الموقف.
فجلس على المنبر، ثم أخبر الناس، ثم قال: {أيها الناس؛ اللهم من سببته أو شتمته أو لعنته -يعني: من المسلمين- فاجعلها له قربة ورحمة عندك، ثم قال: أيها الناس! من آذيته بسب أو شتم أو أخذت شيئاً من ماله فاقتصوا مني اليوم، قبل ألا يكون درهم ولا دينار} فبكى الناس جميعاً، وقام أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله، ثم أخذ صلى الله عليه وسلم يخبر الناس، ويعظهم، ويقول: {تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي}.
فودعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وودعهم، ثم عاد صلى الله عليه وسلم واستمر به المرض، وفي اليوم الأخير من أيامه صلى الله عليه وسلم أتاه اليقين، وأخذ يقول: {لا إله إلا الله، اللهم أعني على سكرات الموت، لا إله إلا الله إن للموت لسكرات، لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} ثم قبضت روحه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {اللهم الرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى} فتقول عائشة: {خيرت -بأبي أنت وأمي- فاخترت يا رسول الله}.
وأتم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى النعمة، وأكمل الدين، قال أبو ذر رضي الله عنه: ما ترك صلى الله عليه وسلم أمراً، ولا طائراً يطير بجناحيه إلا وأعطانا منه خبراً، فأكمل الله به هذا الدين، فمن قال: إن في الدين نقصاً، أو يحتاج إلى تكميل فهو ضال مضل، أزاغ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى قلبه وسمعه وبصره، بل الدين كامل، والشريعة كاملة، فله الحمد وله الشكر على هذا الدين، وله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى منا الرضى، نسأل الله أن يرضى عنا وعنكم.
الجواب: إن في النفس إقبالاً وإدباراً، لكن ليكن عند الإنسان شيء من العمل ميسور يستطيع أن يداوم عليه حضراً وسفراً، لكن إن زاد عليه فلا حرج إن شاء الله، كأن يختم القرآن في شهر، يقرأ في كل يوم جزءاً، فالجزء هذا يقرؤه في اليوم، لكن إذا نشطت فزدت عليه فبها ونعمت، ولا تقل عن هذا الجزء إلا أن تكون مسافراً أو مريضاً؛ لأن المسافر إذا سافر أو مرض كتب الله له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً؛ فضل من الله عز وجل، وكأن تصلي الضحى ركعتين فتداوم على الركعتين، لكن تتنشط في يوم من الأيام، فلك أن تصلي كما كان يصلي النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر في بعض الأحاديث، ثمان ركعات، أو ست ركعات، أو أربع ركعات، أو تزيد ما شاء الله، فهذا لا يمنع ذلك، وليس هناك تعارض بين هذا الحديث وبين ما أسلفنا، فإن الممنوع هو أن يتنطع الإنسان ويشدد على نفسه في العبادة حتى يمل الدين ويكره العبادة، ويفضي به إلى الانقطاع نسأل الله العافية.
الجواب: أهل العلم لهم في المسألة رأيان: رأي يقول: تارك الصلاة ليس بكافر، ويعذب بفسقه، لكنه لا يخلد.
والرأي الثاني وهو الصحيح: أنه كافر، من ترك الصلاة عمداً فقد كفر، لقوله صلى الله عليه وسلم: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر} ويقول صلى الله عليه وسلم: {بين المسلم والكافر ترك الصلاة} فإذا تركها فقد كفر، وماذا يبقى معه بعد أن يترك الصلاة من الإسلام، يبقى معه أن يقول: لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، اللهم حبب إلي هذا الدين وزينه في قلبي، ما يبقى شيء أبداً، وهذا الذي عليه أهل العلم من المحققين.
الجواب: إن كانت العورة تبدو منه فلا تصح الصلاة فيه، وتعاد عند كثير من أهل العلم، وأفتى ابن تيمية رحمه الله في المسبل وهي صورة توافق هذا أنه يعيد وضوءه ثم يصلي، وإن كان هناك شفاف ولا يبدي شيئاً من العورة فلا بأس عليه إن شاء الله لكنه يكره الصلاة به.
قضية أخرى: قضية الإسبال في الصلاة، فإن كثيراً من أهل العلم يذهبون إلى أن المسبل يعيد الصلاة، وهذا هو الصحيح؛ لأنه ورد حديث في أبي داود، أن النبي صلى الله عليه وسلم: {رأى رجلاً مسبلاً ثوبه فقال: أعد وضوءك} وبذلك أفتى ابن تيمية رحمه الله تعالى.
الجواب: رفع الصوت لغير حاجة لا يجوز، والحاجة في أن يكون بجانبك رجل يريد أن يستمع، وهو لا يستطيع أن يقرأ القرآن، بشرط ألاَّ يتضرر الآخرون فلك أن ترفع بقدر الحاجة، أو يكون ليس في المسجد أحد، أو أناس لا يتضررون فلك أن ترفع، أما أن ترفع صوتك، وتشوش على الناس، فالفتوى فيما قال الإمام مالك بن أنس عندما سئل عمن يفعل ذلك فقال: أرى أن يضرب بالأحذية ويخرج من المسجد.
الجواب: الظاهر والمعروف من النصوص أنه يسلم عليهم، وإن قال بعض أهل العلم: لا، فلا دليل لهم؛ لأنه كان يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، وكان يرد الرسول صلى الله عليه وسلم بيده وهو يصلي، فما دام يسلم وهو في صلاة، فمن باب أولى أن يسلم على حلقة العلم والذكر، وعلى حلقة القرآن، وفي الفصل الدراسي يسلم ولا شيء في ذلك.
وهناك حديث عن أبي واقد الليثي في البخاري: لما دخل رجل سلم، ودخل الثلاثة وفي حديث عمران بن حصين في السنن: {أن الرجل دخل والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الناس، فقال: السلام عليكم، قال: عشر، فقال الثاني: السلام عليكم ورحمة الله،فقال: عشرون، فقال الثالث: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال: ثلاثون} فأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك الأمر.
الجواب: هذا الحديث لا يصح، وليس بحديث، ولا يرفع للرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما في معناه شيء من القبول يبينه ببعض التفسير، عند قراءة القرآن مطلوب أن يسمع؛ لأن الله عز وجل يقول: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204].
فلا يجوز رفع الصوت، ومن رفع صوته عند قراءة القرآن فقد شابه المشركين، قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26] وعند الزحف ورد عن معاذ كما في البداية والنهاية عن أبي عبيدة رضي الله عنه، أنهم قالوا لأناس وهم يقاتلون أهل الروم في اليرموك: اصمتوا أيها الناس! ولا تتكلموا،ولا ترفعوا أصواتكم فإن رفع الصوت في المعركة فشل، لكنه يذكر الله سبحانه ويحمده، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً [الأنفال:45] قيل لـابن تيمية: كيف أمرنا الله عز وجل أن نذكر الله عز وجل عند ملاقاة الكفار وقت المعركة، وهو وقت شغل -وقت مجابهة الأعداء، ووقت مقاتلة-؟ قال: لأن علامة المحب أن يذكر المحبوب وقت الأزمات، قاله ابن تيمية، أما سمعت أن عنترة يقول في محبوته:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي |
الجواب: الفاسق اسم إضافة، يختلف باختلاف الإطلاقات، وأهل السنة يطلقونه على من ترك شيئاً من الفرائض، ليس الصلاة، لأن الصلاة لها حكم خاص وهو الكفر، لكن من ترك شيئاً، أو تعاطى شيئاً، كالسرقة فهو فاسق، بشرط ألا يستحل هذا العمل، فإن استحله فهو كافر.
وبعض الناس يطلقه على من يترك بعض الآداب، وأما هذا ففاعله عاص لله تعالى، وكأنه يتحفظ بهذه الإطلاقات، والفاسق هو من ارتكب الكبائر، والكافر هو من استحلها أو كفر بالله العظيم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فكأن العاصي من أتى الذنوب من الصغائر، وخالف بعض المندوبات، ولو أنه يشمل الجميع، وكأن الفاسق من أخذ الكبائر،ولكنه لم يكفر ولم يستحلها، والكافر من أنكرها واستحلها وكفر بالله العظيم.
الجواب: أما المسبل؛ فإن صُلي وراءه وكان إماماً راتباً فلتصل وراءه، وصلاته صحيحة لا شك، يقول بعض السلف: السؤال عن الإمام الراتب بدعة لا تعرف عند السلف، لك أن تصلي وراءه سواء كان حليقاً أو مسبلاً إذا كان إماماً راتباً في المسجد؛ لأن الصحابة صلوا وراء الفسقة، أمثال الحجاج وغيرهم ولم يسألوه، لأنهم مأمومين.
وأما إن كان إماماً متبرعاً لفعل الخير للمسلمين، فيؤخر ويصلي مكانه آخر، وإن حضرت وصلى الناس وصليت ورأيت بعد الصلاة أنه مسبل، فصلاتك في نفسك صحيحة، ولا عليك إن شاء الله، وما أعلم أن هناك دليلاً لمن قال أنها تبطل الصلاة أو تعاد.
الجواب: الصحيح أنه من انشغل بحفظ القرآن فهو مأجور مشكور، ولا عليه من بقية القرآن إذا أراد أن يحفظ القرآن كله، كأن يأخذ جزءاً من القرآن يحفظه في شهر، والبقية ما قرأه في هذا الشهر فما عليه حرج إن شاء الله؛ لأنه متشاغل بالقرآن، وابن عمر ثبت عنه أنه حفظ سورة البقرة في ثمان سنوات، ثم نحر بدنة ناقة للناس وضيفهم عليها، ولذلك يقول ابن مسعود: [[إنكم في زمان تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع حروفه، وسوف يأتي زمان تحفظ حروفه وتضيع حدوده]] تجد الشاب الصغير يحفظ عشرين جزءاً والناس يصلون وهو لا يصلي، وتسأله ولا يخطئ أبداً في القرآن، لأن حفظ القرآن أصبح مهنة عند الناس، ويحفظ فقط للجوائز وللأقلام وللحقائب الدبلوماسية، وللمدح من الوالد، وليعلق شهادته في البيت، فهذا الزمان الذي حذر منه ابن مسعود رضي الله عنه.
الجواب: نعم يجوز، لكن ما بين المسلم والمسلم لأسباب دنيوية ثلاثة أيام فقط، كأن يطأ على رجله وهم يصلون صلاة الظهر، فله أن يهجره ثلاثة أيام لكن لا يزيد عليها، وأما في الأمور الدينية فيهجر، قال الإمام البخاري في الصحيح في باب الأدب: باب الهجر إلى خمسين يوماً، ثم أتى بحديث كعب بن مالك: {أن النبي صلى الله عليه وسلم هجره خمسين يوماً} فلك أن تهجر خمسة وأربعين يوماً، وخمسين يوماً، لمصلحة دينية إذا كان لوجه الله عز وجل، أما لأنه أخطأ عليك، أو لأمر ما، أو ضرب ابنه ولدك، أو تقول أنا هجرته لوجه الله أن يكتب لي الله عظيم الأجر، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم وهو أدرى.
الجواب: توفق بينهما بدون اختلاف، فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى علمنا بحقوقه في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحقوق الوالدين والأقارب والمسلمين هي من الميسورة والمسهلة، لكن قاعدة: {لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق}.. [[إذا أمرتك أمك -كما قال
هذا ونسأل الله عز وجل التسديد والهداية، والتوفيق لما يحبه ويرضاه، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يثيبنا وإياكم، وأن يجعل اجتماعنا اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا يجعل فينا ولا منا ولا بيننا شقياً ولا محروماً، ونسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وأن يفقهنا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر