فتصفح هذه المادة لترى هذه الأحداث عن قرب، وتأخذ منها الدروس والعبر.
أمَّا بَعْد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
ومع حادثٍ آخر، وموقف آخر من مواقف الرسالة الخالدة؛ التي أتى بها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، ومع الإمام البخاري وهو يتحدث لنا عن غزوة الأحزاب، تلك الغزوة كما قال بعض العلماء العصريين: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو والصحابة في هذه الغزوة درجة الصفر، أي: أن فيها انتهت الآمال، وانقطعت الحبال، إلا حبل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى؛ حتى يقول الله تعالى: وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً [الأحزاب:10-11].
وانطلق أمامهم مربي البشرية، ومعلم الإنسانية صلى الله عليه وسلم- قال جابر: فأتاني من الحياء ما الله به عليم.
فدخل عليه الصلاة والسلام وقال: يا جابر! أين اللحم؟ قلت: يا رسول الله! في البرمة قال: وأين العجين؟ قلت: هذا هو يا رسول الله، فبصق عليه الصلاة والسلام فيه -بصقاً مباركاً طيباً ألذ من العسل المصفى، وأحلى من الشهد، ودعا الله عز وجل وسمى- ثم قال: يا جابر! أدخل الناس عليَّ عشرة عشرة
} فأخذ الصحابة يدخلون عشرة عشرة والرسول عليه الصلاة والسلام صاحب الضيافة في هذا اليوم يدخلهم ويدنيهم صلى الله عليه وسلم، فكلما أكل عشرة قاموا وأتى عشرة، ثم يقوم العشرة فيأتي عشرة، فدخل هذا العدد الكثير، وهو عدد جيشٍ ضخم يريد أن يرد كيد المعتدين عن المدينة المنورة، فلما انتهوا نظر عليه الصلاة والسلام إلى اللحم كما هو لم ينقص شيئاً، وإذا بالشعير بحاله لم ينقص شيئاً.لو لم تكن فيه آياتٌ مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر |
ثم قال: {يا
قال جل ذكره وهو يتحدث في سورة الأحزاب عن ساعة الصفر التي بلغها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً [الأحزاب:9-11] ثم يتحدث الله عز وجل عن المنافقين: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الأحزاب:12].
وهذا الحزب الائتلافي المشرك يتكون من قريش التي بغت على رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، ويقودها آنذاك أبو سفيان ومن غطفان التي يقودها عيينة بن حصن ومن بني قريظة اليهود الذين نقضوا عهد الله وكفروا برسل الله.
اجتمعوا عشرة آلاف وتوجهوا إلى المدينة وتعاهدوا وتواعدوا على أن يقاتلوا رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى ينتهي الدين تماماً، وتنتهي لا إله إلا الله من الأرض، وتنتهي الرسالة، فلا يكون هنالك رسولٌ ولا رسالة، ولا مصل ولا صائم، ولا معتمرٍ ولا حاج: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32] يقول أحد المفكرين المسلمين: إن المشرك أو الملحد الذي يريد أن يطفئ نور رسالة الإسلام كالطفل الذي ينفخ في الشمس، وهل يطفئ الطفل نور الشمس؟! فهذه رسالته عليه الصلاة والسلام.
نزل الأحزاب هناك وتمركزوا حول المدينة، وجعلوا النخل وراء ظهورهم، وطوقوا المدينة والرسول عليه الصلاة والسلام داخل المدينة، وتصوروا هذا الحدث العظيم، تصور أنك في قرية من القرى مثل المدينة المنورة أنت وجماعة معك، وينـزل بك عشرة آلاف مقاتل من أشجع شجعان العرب على الإطلاق؛ كل مقاتل يغلي دمه حقداً وحسداً وبغياً وعدواناً على من في المدينة، يقطعون عنهم الإمدادات، المواصلات، وكل ما استطاعوا أن يقطعوه قطعوه، نزلوا هناك، وحق للقرآن أن يتحدث ويقول وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ [الأحزاب:10] فالقلب في موضعه لكنه من الخوف يرتفع حتى يبلغ الحنجرة، ضاقت الأمور وزلزلوا زلزالاً شديداً حتى يقول الله: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [الأحزاب:10] حتى أن بعض من أسلم ظن أن الرسالة سوف تنتهي، ولن يعود هناك توحيد في الأرض ولا إسلام، فلما نزلوا هناك اعتد عليه الصلاة والسلام بقوة الله عز وجل، وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل؛ واجتمع بالصحابة الأخيار الذين قاتلوا في بدر وأحد؛ أصحاب السيوف البيضاء، وأهل الأيادي الطولى في دين الله عز وجل، واستشارهم ماذا يفعلون؛ فالموقف مربك، أيتركهم يدخلون، ثم يقاتلهم في الزقاق وفي السكك وعلى أفواه الطرق، أم يستسلم ويقدم خطةً استسلامية لينتهي الدين، أم يقدم غرامة مالية وهو لا يملك هو والصحابة ما يملئون بطونهم من الخبز، حتى يربط على بطنه صلى الله عليه وسلم الحجارة، أم ماذا يفعل؟
لكن الله في السماء.
فاشدد يديك بحبل الله معتصمـاً فإنه الركن إن خانتك أركان |
فتوجه إلى الحي القيوم الذي إذا نصر نصر، وإذا هدى هدى.
واستشار أصحابه عليه الصلاة والسلام، فتقدم الرجل الذكي المدره الداهية سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه.. الباحث عن الحقيقة، الذي أتى يقطع آلاف الأميال ليملأ قلبه بلا إله إلا الله، وبعض الناس يسكنون في بعض الأحياء القريبة من المساجد ويسمعون: لا إله إلا الله تتردد فلا يأتون ولا يستمعون.
والرسول صلى الله عليه وسلم جعل له رفيقاً من هذا الجيش، وهو جعيل، وهو رجلٌ ضعيفٌ، فكان رفيقاً للرسول صلى الله عليه وسلم، فكان عليه الصلاة والسلام ربما يعبئ له الزنبيل، فيحمله هذا المسكين حتى يوصله إلى المكان الآخر، وربما يحمل صلى الله عليه وسلم الزنبيل، وكان يقول له صلى الله عليه وسلم: يا جعيل! أنت عمرو، فيقول الصحابه:
سماه من بعدِ جعيل عَمْراً وكان للبائس يوماً ظهراً |
وأخذوا ينشدون هذا النشيد الحبيب ليحركوا النخوة القتالية في نفوس المقاتلين؛ الذين ما أصبح في بطونهم شيءٌ من الطعام، وأوشكوا أن يسقطوا على وجوههم من الجوع، فأخذ ينشد معهم صلى الله عليه وسلم كما قالوا:
سماه من بعدِ جعيل عَمْراً وكان للبائس يوماً ظهراً |
يقول: عمرا، ويقول ظهراً.
وأتى عليه الصلاة والسلام في كوكبةٍ من الصحابة وهم يحفرون، فأخذ يردد معهم ويقول:
والله لو لا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا |
فثبت الأقدام إن لاقينا إنا إذا كيد بنا أبينا |
وهذه الأطروحة والأنشودة الغالية أرسلها عبد الله بن رواحة المقاتل العظيم نشيداً للمسلمين، فكان ينشد بها صلى الله عليه وسلم.
وبينما هو يحفر عليه الصلاة والسلام إذ هو بـزيد بن ثابت قد أخذ سلاحه عليه ونام في الخندق وهو شاب، فأتى عليه الصلاة والسلام يمازحه فحمله بيده، وكان عليه الصلاة والسلام قوي البنية، قوي العاطفة، زعيماً إدارياً يقود الدنيا إلى الله عز وجل، فحمله بيده وقال له: {قم يا
وبينما هم يحفرون، عرضت لهم في الخندق صخرة كبيرة، فتوقفوا عن الحفر؛ لأنها لا تعمل فيها المعاول، ولا تشتغل فيها المساحي، فدُعي الرسول صلى الله عليه وسلم، فأتى والحجر على بطنه الشريف؛ فأين الذين يرمون الموائد في الزبالات والقمائم. والمسلمون يموتون جوعاً وعرياً وهلاكاً في أفغانستان وفلسطين وإفريقيا وفي كل صقع؟ وهم يموتون في المستشفيات تخماً وحبطاً وتبجحاً بنعمة الله عز وجل.
فينزل عليه الصلاة والسلام فيطلب فأساً، فيناول فأساً عليه الصلاة والسلام فيضرب الصخرة؛ فتلمع لمعاناً رهيباً في الجو، فيقول: { والذي نفسي بيده لقد أضاءت لي قصور كسرى، وإن الله سوف يفتحها عليَّ، ثم يضرب الضربة الثانية فتلمع الصخرة لمعاناً رهيباً في الجو، ويقول: والذي نفسي بيده لقد أضاءت لي قصور قيصر الروم، ثم يضرب ضربة ثالثة ويلمع البرق العجيب في الجو ويقول: والذي نفسي بيده لقد أضاءت لي قصور صنعاء} أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فيتغامز المنافقون ويقولون: لا نجد كسرة الخبز وهو تلمع له قصور كسرى وقيصر!
فلذلك صور الله هذه الصورة ونقلها لنا وهو يبكتهم ويخزيهم -انظر إلى الرسالة الخالدة كيف انتشرت في الأرض- قال سبحانه: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الأحزاب:12] يقولون: لا قصور كسرى ولا قصور قيصر ولا صنعاء وإنما هذا غرور وكذب، ولكن بعد خمسٍ وعشرين سنة يسقط إيوان كسرى الطاغية الظالم على وجهه في الأرض، وينصدع بتكبيرات كتائب الإسلام التي دخلت، فهل هذا غرور؟! وهل هذا كذب؟! وهل هذا دجل؟!
من الذي سجد في صحراء سيبيريا؟!
ومن الذي أعلن لا إله إلا الله في الأندلس؟
ومن الذي خاض بحر الجنج إلا أتباع من ضرب تلك الصخرة.
أرواحنا يا ربِّ فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا |
كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا |
بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا |
وبينما هو يحفر عليه الصلاة والسلام، وقد بلغ به الجوع مبلغه، واحمر وجهه من الجوع مع الصحابة، أتاه جابر، فوجد هذا الجائع العظيم وهو يكد ويكدح لصالح: لا إله إلا الله، فذهب إلى امرأته وعرض عليها الخبر، وكانت امرأة صالحة قوامة صوامة، فقالت: عندنا عناق، والعناق عند العرب لا تكفي إلا اثنين أو ثلاثة، فما بالُك إذا كانوا جائعين، وبعض الناس يستطيع أن يأكل عناقين إذا جاع لكبر جسمه أو لتعبه.
وقالت: وشيءٌ من شعير فذبح جابر العناق، وسلخها وأنزلها في القدر، وأتى بالشعير فطحنته زوجته وعجنته، وذهب ونادى الرسول صلى الله عليه وسلم بصوتٍ خافت؛ لئلا تنفضح المسألة ولا تصبح شائعة فيأتي الناس، فيتكدسون في الشوارع على عناق وعلى شيءٍ من شعير.
لكن الرسول صلى الله عليه وسلم رفع صوته ونادى الناس، فظن جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما فهم الدعوة، فقال في نفسه: حسبنا الله ونعم الوكيل، وذهب ووصل الناس مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقدم الطعام، ولكن بركة الهادي صلى الله عليه وسلم، والمعجزة الحقة من رب السماوات والأرض تنزل على هذا الطعام، فيأكلون عشرة عشرة، فينتهون كما سلف في الحديث.
وعلي في السابعة والعشرين من عمره، وذاك فوق الخمسين، وذاك كأنه اسطوانة، وإن شئت فقل: عمود، فإن عمرو بن ود يصفه المؤرخون: بأنه عظيم جسيمٌ مدره فياض.
فينزل ويقول: من يبارز؟ فيبرز له علي، هو في السابعة والعشرين من عمره لكنه يتوقد حماساً وغيرة لدين الله عز وجل، فقال له عمرو بن ود: من أنت؟ قال: أنا ابن أبي طالب فقال له: أنت ابن شيخ الأباطح؟ لأنهم يعرفون أبا طالب، قال: نعم، قال: إنك شابٌ وإني لا أحب أن أهريق دمك، أي: لا أحب أن أذبحك أو أن أسيل دمك، يظن الرجل أنه استعد مائة في المائة للذبح، فقال علي: ولكني والله أحب أن أهريق دمك، فنـزل من على فرسه ونزل علي، وكان على علي درع قصيرٌ رضي الله عنه، ولكن:
عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عالٍ من الأطم |
وتجاولا، وسد الغبار الأفق، وأصبح المسلمون يكبرون من هذه الناحية، والمشركون يقولون: اعلُ هبل، اعلُ هبل، اعلُ هبل، وأصبحت الرؤية منسدة أمام الأعين، والرسول عليه الصلاة والسلام يلتجئ إلى الله أن ينصر هذا الفارس المجاهد؛ فارس الإسلام والمسلمين الذي خرج غيرةً لدين الله، وما أخرجته إلا (لا إله إلا الله) وما وقف في هذا الموقف إلا لينصر شرع الله عز وجل، والله عز وجل يغار، والله يغضب لأوليائه، والنصر للمؤمنين مهما بلغ كيد المعتدين، ومهما ضرب المسلم وأهين، فإن الدائرة على أعداء الله، وينكشف الغبار وإذا بـأبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه -ورحم الله تلك العظام- على صدر الكافر وقد ذبحه كما تذبح الشاة، فيكبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعود علي مرتجزاً ومنشداً أغنية المعركة وهو يقول:
أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره أكيلهم بالسيف كيل السندره |
ويلتجئ صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل أن يفك هذا الحصار الذي طوق هذه المدينة، ونحن واجبنا أن نلتجئ إلى الله أن يفك كل حصار على الإسلام، فإنه قد حصر الإسلام في كل مكان، ففي أفغانستان يخنق الإسلام ويموت الأطفال في الشوارع، وعلى مطارح الطريق، وتهدم المنازل على رءوس الشيوخ، وفي فلسطين يأتي أعداء الله من إخوان القردة والخنازير بالهراوات، وما كان لهم أن يعتدوا على أعراض المسلمين لكن:
رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم |
لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم |
أمتي هل لك بين الأمم منبرٌ للسيف أو للقلم |
أو ما كنتِ إذا البغي اعتدى موجةً من لهبٍ أو من دم |
ألإسرائيل تعلو راية في حمى المهد وظل الحرم |
أين لا إله إلا الله التي تلبي دعوة المسلم من قطرٍ إلى قطر؟ لكن أملنا في الله عز وجل.
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها |
فيسكت المقاتلون، فيقول: {من يذهب وهو رفيقي في الجنة؟ فيسكتون، فيقول: قم يا
يا واهب الآمال أنت حفظتني ورعيتني |
وعدا الظلوم عليَّ كي يجتاحني فمنعتني |
فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني |
فذهب، قال: فوالله ما وجدت للخوف مكاناً في قلبي، وقال: مرةً أحبوا على يدي؛ لأنه في ظلام بين النخل لا يرى يده، ومرة أمشي حتى نزلت الخندق وذهبت ودخلت في جيش المشركين، فوجدتهم حلقاً حلقاً وأبو سفيان يتدفأعلى نارٍ عنده قد أوقدها، وهذا هو القائد العسكري للحملة كلها، وهو رئيس الحزب الائتلافي غطفان وقريش واليهود، قال حذيفة: فلما جلست رأيت الريح ما أبقت لهم خيمةً إلا أخذتها، وأخذت تكفأ القدور من على النار، فتجعله على وجهه: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45] قال أبو سفيان وكان من أذكياء العرب: يا أيها الناس! إن الرياح لم تبق لنا قدراً ولا خيمةً إلا أخذتها، فالتمسوا فإني لا آمن أن يرسل محمد في هذا الليل من يأتيه بخبرنا، قال حذيفة: فقال أبو سفيان: كلٌ منكم يسأل من بجانبه، قال حذيفة: فخفت أن يسألني من بجانبي فسبقت وقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان، ونزلت إلى هذا وقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان، لأنه لو سكت وقالوا: من أنت؟ وأتى باسمٍ غريب أو كذب لكُشف فسبقهم.
قال حذيفة: فرأيت أبا سفيان قام على بعيره وقال: أيها الناس! إني مرتحل، كما قال تعالى: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً [الأحزاب:25] ردهم والغيظ والنار في صدورهم، لم ينالوا خيراً من الإسلام والمسلمين: وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً [الأحزاب:25].
ثم التفت الله إلى أبناء القردة والخنازير وقال: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَأُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً [الأحزاب:26-27] فخرج أبو سفيان، وانفل هذا الحزب الظالم، الذي ائتلف لسحق الحق.
فالشاب الذي بلغ من العمر سبعة وثلاثين عاماً، أما ثلاثون فكانت في الجاهلية، وأما سبعٌ ففي الإسلام، لكنها سبع سنوات تعادل سبعة قرون، لأنه لا يجوز لك بعد أن تهتدي إلا أن تجعل كل دقيقة لله عز وجل، فبعد سبع سنوات جعله الله شهيداً يهتز له عرش الرحمن، حتى يقول بعض المفكرين: بعض الناس يعيش في الإسلام سنة لكنها خيرٌ عند الله من ألف سنة.
عاش فلما أصبح في هذا السن نزل ليشارك في الخندق وينزل بدرعٍ عليه، فلما تصاول الفريقان أرسل ابن عرقة أحد المشركين سهماً، فوقع في ذارع سعد بن معاذ صاحب الخطب والمواقف المشهودة التي لا تنسى أبد الدهر، أسكن الله تلك العظام الجنة، وسقاه من الحوض المورود، وحشرنا معه وإياكم أجمعين.
فوقع سهم في ذراعه فقال ذاك الكافر: خذها وأنا ابن عرقة، فقال سعد بن معاذ: عرق الله وجهك في النار، وعاد رضي الله عنه وأرضاه وذراعه يسيل بالدم وتقبل منه صلى الله عليه وسلم هذه الهدية التي رفعها إلى الله وهي نفسه، لأنه وقع السهم في الأكحل، والأكحل عند العرب من أصعب المناطق التي إذا ضربها السهم فإن معناه الموت والقتل، وكان يرتجز لما ضرب بالسهم ويقول:
لبث قليلاً يشهد الهيجا حمل ما أجمل الموت إذا الموت نزل |
فيأتي ويسيل دمه قطرة قطرة وجاماً بعد جام، ودفعة بعد دفعة، لكنه يسيل مسكاً أذفر، يلقى الله عز وجل الريح ريح المسك واللون لون الدم.
فيضرب له صلى الله عليه وسلم خيمةً في المسجد وينـزله فيها ليمرضه من قريب، ويأتيه ويزوره في تلك الليالي ودمه يسيل، وسعد يلتفت إلى القبلة ويرفع يده ويقول: اللهم إن كنت أبقيت حرباً لقريش مع رسولك عليه الصلاة والسلام فأبقني لها، وإن كنت قطعت الحرب فتوفني في هذه الساعة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة.
ثم يستمر الحال به، ويزوره عليه الصلاة والسلام، وبينما يفتح صلى الله عليه وسلم قريظة قال: من ترضون أن يكون حكماً بيني وبينكم؟ فقالوا: نرضى بـسعد بن معاذ؛ لأنه كان حليفهم في الجاهلية، وظنوا أنه سوف يداهنهم ويحابيهم، وظنوا أن الصداقة مكانها، ولكن ما دروا أن الأحداث تغيرت، وأن القلوب غير تلك القلوب.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: اذهبوا إلى سعد وأتوا به، فذهبوا إليه فأركبوه على حمار، وكان رجلاً طويلاً، وجهه كالبدر ليلة أربعة عشر، وعليه مطارف -كلما لبس لباساً أثقله وأغرقه من دم ذراعه، فأخذوا يركبونه وحوله صف من الأنصار، وعن يمينه صف وعن يساره صف، ويقودون الحمار ويقولون: يا أبا عمرو! تلطف بحلفائك، أي: حاول أن تشفع لهم، أو مثل هذا الكلام الطائش، فيقول: والله لا تأخذني بالله لومة لائم، فلما وصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: أيرضى بحكمي من هنا؟ احترام للرسول صلى الله عليه وسلم، قال: نعم. وقال: أترضون بحكمي؟ -يقول: لأبناء القردة والخنازير- قالوا: نعم. فيلتفت ويقول: أحكم فيهم -يا رسول الله- بأن تقتل مقاتلتهم -كل من حمل السلاح يعدم إعداماً- وأن تسبى ذراريهم، وأن تؤخذ أموالهم، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: {فوالذي نفسي بيده لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سموات!}.
هذا هو حكم الله في أعداء الله، وقتلة الأنبياء والرسل.
أخذوا صحيفة الرسول صلى الله عليه وسلم -المعاهدة- يوم دخل المدينة ووقعها فوقعوها: أنه إذا اعتُدي على المدينة أو على أي حيٍ من أحياء المدينة أن يكونوا يداً واحدة، أو على أي حيٍ من أحياء اليهود أن يقوموا يداً واحداً، فأتوا إلى هذه الصحيفة فشقوها، وتفلوا فيها، وداسها بعضهم بأرجله، وقالوا: تنفع محمداً صحيفته، ودخلوا مع أعدائه في حلفٍ وحزبٍ ائتلافي ليهاجموا المدينة فما جزاؤهم إلا هذا.
وعاد سعد وقام السيف يجزر في أعداء الله حتى ارتفع النهار، وقتل سبعمائة ملك من ملوكهم في الخندق، وسُبيتْ ذراريهم وأُخذتْ أموالهم، وعاد سعد فيسيل جرحه، ويعود صلى الله عليه وسلم سعداً وهو في آخر رمق، وهو يتلفت إلى الحياة وهي زهيدة في عينه، ذهبها لا ينفع، وفضتها لا تجدي، لا مناصب، ولا دور ولا قصور، وإنما الدور والراحة العميمة في الجنة، ويودعه صلى الله عليه وسلم وهو في الرمق الأخير، قالت عائشة: {فوالله الذي لا إله إلا هو، لقد كنت أنظر من صائر الباب، فأعرف بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من بكاء
وأخذ أبو بكر -كما في سير النبلاء للذهبي - يقول: [[واكسر ظهراه عليك يا
ثم توفي فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له.
لعمرك ما الرزية فقدُ مالٍ ولا شاة تموت ولا بعير |
ولكن الرزية فقد شهمٍ يموت بموته بشرٌ كثير |
ويقول صلى الله عليه وسلم: أتدرون ماذا حدث لموت سعد؟ قالوا: لا والله، قال: {والذي نفسي بيده لقد اهتز عرش الله لموت
وأخذ حسان يترنم بمرثية عظيمة وهو من شعراء الأنصار يقول:
وما اهتز عرش الله من موت هالكٍ سمعنا به إلا لسعد أبي عمر |
ويحضر صلى الله عليه وسلم مراسيم تشييع الجنازة والدفن، ويكفكف ثيابه، فيقولون: ما لك يا رسول الله؟! قال: {والله ما أرى شبراً في الأرض إلا وفيه ملك، والله لقد شيع
ويعود أبو سفيان، وتعود غطفان وقريش، ويُسحق بنو قريظة سحقاً تاماً، وتنتصر: لا إله إلا الله، وترتفع كما كانت دائماً وأبداً.
إن هذا الدين لن يموت، إنه يمرض ولكنه لا يموت، وإنَّ أصحابه يمرضون ولكن لا يموتون، وسوف ينتصر -بإذن الله- مهما طالت الأزمان.
فينزل رضي الله عنه وأرضاه وقد أساء وعلم أنه قد أساء، فيذهب ولا يمر بالرسول عليه صلى الله عليه وسلم ولا بالصحابة، ولكن يذهب إلى المسجد فيأتي إلى سارية من سواري مسجده عليه الصلاة والسلام، فيربط نفسه بالسارية ويبكي ويقول: والله الذي لا إله إلا هو لا أفك نفسي ولا أحل الحبل حتى يحله الرسول صلى الله عليه وسلم، لقد خنت الله ورسوله، وبالفعل هذه خيانة، فيسمع عليه الصلاة والسلام ويقول: أين أبو لبابة؟ ما عاد إلينا، قالوا: حدث من أمره كذا وكذا، فيقول عليه الصلاة والسلام: وأنا والذي نفسي بيده لا أحله حتى يتوب الله عليه. لأنه هو الذي أساء، فلما أنزلهم صلى الله عليه وسلم وذبحهم توجه إلى المدينة ونزل فيها وأخذ الصحابة يمرون على أبي لبابة وهو يبكي بكاءً مراً، وكلما اقترب منه رجل ليحل الحبل أبى قال: لا. حتى يحله الرسول صلى الله عليه وسلم، فينزل الله توبته من فوق سبع سماوات، ويغفر له ذنبه، ويقوم عليه الصلاة والسلام فيفك الحبل بيده، فيقوم وقد فرح بتوبة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بتوبته.
هذه أحداث الأحزاب والخندق، وإن شئت فألحق معها بني قريظة وما حدث فيها، وفي هذه القصة مسائل:
فمن ضمن المعجزات التي يرويها جابر، يقول: {استلفت من يهودي مالاً فأتى يستقضيني أو يطلب مني القضاء، فما وجدت له شيئاً إلا من تمر، فضيق عليَّ؛ فذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: اجمع لي ما عندك من التمر، قلت: يا رسول الله! لا يكفي! قال: اجمعه لي، قال: فجمعته على حصير، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا فيه بالبركة، قال: فقضيت اليهودي، وقضيت كل من له دينٌ عليَّ وبقي التمر كما هو، كأنه والله لم ينقص تمرةً واحدة، فقال لي عليه الصلاة والسلام: يا
ومرة ثانية في صحيح مسلم، يقول جابر: {خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في البرية في إحدى الغزوات، يقول: فانطلقت معه ليقضي حاجته صلى الله عليه وسلم، فقال: يا
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري |
قال: {فقلت لها: تعالي، قال
ولذلك لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لـأبي بكر سوف تكون الخليفة بعدي، ولا قال لـخالد سوف تقود الجيش، ولا قال لـعلي سوف يكون ترتيبك الرابع في الخلافة، فإن الدنيا سهلة وهينة.
ولذلك لما انتصروا، وقدمت لهم الدنيا؛ ما رضوا بها؛ لأنها لا تكافئ تعبهم، ولا توفي ما قدموه للإسلام، فإنسان يجهد ستين سنة ويتعب ويجوع ويضرب ظهره، ويمزق جلده في سبيل الله وبعدها يحصل على إمارة!!
إن الإمارة لا تكافئ هذا التعب، يقول: أنا لا أريد إلا الجنة، ولا أريد إلا رضا الله، حتى يدعى سعد بن أبي وقاص إلى الخلافة، فيقول: لا والله أنا لا أريد الخلافة، قالوا: لم؟ قال: أنا لا أسعى إلى الخلافة، فخلافة الدنيا لا تساوي تعب سعد بن أبي وقاص ساعة واحدة من نهار، حتى يقول: والله إني أولى بعد موت علي بالخلافة، وإني أولى بها من بردي هذا.
ولما حضرته الوفاة أخذت ابنته تبكي، فقال: [[ابكي أو لا تبكي، فوالله إني من أهل الجنة]] قال الذهبي: صدقت هنيئاً لك ومريئاً، والله إنه من أهل الجنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة.
فمن الدروس التربوية هنا: أن على الأستاذ والمربي وصاحب البيت أن يربي ابنه على هذا، فيقول: إذا حفظت جزءاً أو شيئاً من القرآن؛ دعاك الله يوم القيامة على رءوس الأشهاد، وألبسك حللاً من حلل الجنة، والحافظ منكم يدعوه الله كما صح في الحديث ويقول: {اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك أو درجتك عند آخر آية تقرؤها} وهذه الأماني والتربية التي أحدثها صلى الله عليه وسلم في الكون، ولذلك بقيت تربيته خمسة عشر قرناً.
فما أحسن النشيد الذي يحثك على طاعة الله! ويحبب لك القدوم بين يدي الله عز وجل ويرفع من معنوياتك! وهذا يسمى الحداء عند العرب، وسبب الحداء -كما مر معنا في مناسبة- أن رجلاً من العرب ضرب غلامه، فبكى الغلام، فأخذت الرواحل تهز رءوسها وتمشي بقوة، فاكتشف هذا الاكتشاف العجيب، أن الإبل تسرع على الحداء، فكانوا ينشدون.
وفي صحيح البخاري أن أنجشة صاحب الصوت الجميل أخذ ينشد فأخذت الجمال تلعب بالنساء على ظهورها وتكاد أن تسقطهن، ويقول عليه الصلاة والسلام: {يا
وسبب ذلك أن عمر أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله! والله ما صليت العصر! قال صلى الله عليه وسلم: وأنا والله الذي لا إله إلا هو ما صليت العصر إلى الآن -وقد غربت الشمس- فأتى عليه الصلاة والسلام بعدما غربت الشمس، فأذن
الأمر الثاني: ما هي العلة في أن يؤخر صلى الله عليه وسلم الصلوات هنا، والله عز وجل قد شرع صلاة الخوف وقت المعركة؟
فالسؤال المطروح: لماذا لم يصل صلى الله عليه وسلم صلاة العصر وقد فرض الله صلاة الخوف؟ يجاب عن هذا بجوابين لا ثالث لهما عند أهل العلم:
الجواب الأول: أن صلاة الخوف لم تنزل إلا متأخرة، ولم تفرض صلاة الخوف آنذاك، ولو فرضت لصلاها عليه الصلاة والسلام صلاة الخوف، وهذا جواب للإمام الشافعي، ورد عليه أن صلاة الخوف نزلت قبل الخندق، فلا دليل له إذاً في النسخ.
وقيل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم نسي الصلوات، وهذا جوابٌ بعيد ولا أعده من الجوابين، لكن أورده ابن كثير وغيره أن الرسول صلى الله عليه وسلم نسي هو والصحابة الصلوات، فما صلوها إلا بعد المغرب. وقيل: يستبعد أن ينسوا؛ لأنهم أكثر الناس اهتماماً بالصلاة، ولأنهم جمعٌ غفير فكيف ينسون كلهم ويجمعون على النسيان؟ لا يكون هذا.
والجواب الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم شغل حتى ما استطاع أن يصلي صلاة الخوف، فأخرها صلى الله عليه وسلم فبدأ يصليها مرتبةً صلى الله عليه وسلم.
القضية الأخرى الكبرى: من فاتته صلواته فهل له أن يقضيها مرتبة، أو له أن يقدم أو يؤخر فيها.
وهذه تشمل صورتين: مثلاً نمت عن صلاة العشاء، وصلاة الفجر، وصلاة الظهر، وصلاة العصر، واستيقظت بعد صلاة العصر، فماذا تفعل؟
السنة أن تقضيها مرتبة، فتبدأ بالعشاء ثم الفجر، ثم الظهر، ثم العصر هكذا، ولا تقدم بعضها على بعض.
واستدل الشافعية بترتيب الفوائت بهذا الحديث، لكن هنا صورة يوردها ابن تيمية، مثلاً: نمت أنت عن صلاة الظهر، وأتيت المسجد، فوجدت الناس يصلون العصر، فهل لك أن تدخل معهم لتصلي العصر، ثم تصلي الظهر بعدها، أم تنفصل وتصلي الظهر ثم تدخل معهم؟ أم تصلي الظهر معهم وهم يصلون العصر فتشاركهم في صلاة العصر، وأنت تصلي الظهر؟ لك حلان في هذه المسألة:
أولاً: لك أن تدخل معهم بنية أنك تصلي الظهر وهم يصلون العصر، فتصلي الظهر ثم تصلي العصر بعد.
ثانياً: أن تدخل معهم فتصلي العصر، فإذا صليت العصر فصل بعدها الظهر، وهذه الصورة التي يقع فيها كثير من الناس وحلها كما ذكرت، والحل الأخير هو الأصوب والراجح إن شاء الله فيما يظهر، فتدخل معهم في صلاة العصر، فإذا صليت العصر فصل بعد العصر الظهر.
فذهب هذا الإسلامي الأريب الداهية إلى المشركين، فأتى كل قبيلة على حدة، ظاهره النصيحة، وباطنه يريد أن يفت في عضدهم ويشتت شملهم، فذهب إلى كفار قريش فقال: أما ترون أني أخوكم وأني ناصحٌ لكم؟ قالوا: لا نتهمك، قال: أرى أن اليهود سوف يقولون لكم إذا نزلتم في المدينة، لا نقاتل معكم حتى تعطونا أسرى من أشرافكم، وقصدهم أنهم يذبحونهم أو يقدمونهم لمحمد لأنهم اتفقوا مع محمد وقد لاموا أنفسهم على حربه وقالوا: إذا أتانا المشركون فسوف نأخذ من أعيانهم أناساً ونعطيك إياهم فداءً فاقتلهم وارض عنا، قالوا: أصبت ونصحت وأجدت، وهذا العهد بك.
ثم ذهب إلى غطفان وقال: يا غطفان! أنا أخوكم وصديقكم ولا تتهموني، قالوا: لا نتهمك أنت الناصح، قال: إن اليهود سوف يأخذون من أشرافكم أناساً ويطلبونكم أسرى؛ فلا تعطوهم أسارى فإنهم سوف يعطونهم محمداً يقتلهم لأنهم ندموا، قالوا: أجدت وذلك العهد بك.
ثم ذهب إلى اليهود وقال: يا بني قريظة! أنا صاحبكم وأخوكم، قالوا: صدقت لا نتهمك، قال: فإن قريشاً وغطفان سوف يقاتلون محمداً ثم يذهبون، ويتركون الدائرة عليكم فيقتلكم ويسبي ذراريكم، فأرى أن تأخذوا من أعيانهم أسارى، وتأخذوا من وجوههم أناساً، ليكونوا أسارى عندكم حتى يقاتلوا معكم إلى آخر المعركة، قالوا: ذاك الرأي ولا نتهمك.
فالتقوا جميعاً فبدأت اليهود تقول: أعطونا من أعيانكم، فقالت قريش: صدق نعيم بن مسعود يا أعداءنا! أو كما قالوا، وقامت غطفان وقالوا: نصحنا نعيم بن مسعود، فأخذوا يتحاثون بالتراب ويتسابون ففت الله في عضدهم.
ولذلك المكيدة جائزة ضد أعداء الله عز وجل، والحرب خدعة، ولك أن تخدع أعداء الله عز وجل، أو كل كافرٍ ومنافق بما للإسلام صلاح، وأن هذا ليس من النفاق، ولا يعد من الذنوب وإنما يعد في الصالح العام.
فإن من قدم إحدى عشر على مائدة سوف يبقى من أهل السنة والجماعة إن شاء الله، ولكن لو قدم عشرة لا بأس، وإذا نقص ضيوفك وما كانوا إلا ثمانية فلا تؤخرهم؛ حتى تبحث عن اثنين وتحضرهم، فيجوز أن تقدمهم ثمانية بالإجماع.
وابن الوزير العلامة اليمني صاحب العواصم والقواصم يقول في كتابه إيثار الحق على الخلق: إن الله عز وجل قد يبتلي بعض الناس بالمصائب والأحزان والخوف يبتليهم ليردهم إليه، وليدخلهم باب التوحيد، فالتوحيد لا يحصل بمحاضرات ولا قراءة كتب، لكنك كلما زلزلت وامتحنت كلما زاد توحيدك واعتصامك بالله عز وجل، قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:2-3].
قسم يظنون أنه يريد صلى الله عليه وسلم العجلة، ولكن ليس على ظاهر الخطاب، فصلوا العصر في أماكنهم أو في الطريق، وذهبوا إلى بني قريظة، وقسم أخروا صلاة العصر حتى صلوها في بني قريظة؛ لأنهم فهموا أن المراد الظاهر.
ونستفيد منه فوائد:
أولاً: أن الخلاف وارد في هذه الأمة، وأن الخلاف في الفروع جائز، وأنه رحمة واسعة، كما يقول ابن تيمية: الإجماع حجة قاطعة، والخلاف رحمةً واسعة، وأن الخلاف يجري حتى بين الصحابة، ولا يشنع أحدٌ على أحد، ولا تتقاتل الأمة إذا اختلفت في وضع اليدين على الصدر، أو وضعها تحت السرة، فلا يقوم أحدٌ فيدعو أدبار الصلوات أن الله يجعل كيدهم في نحرهم ويدمرهم، ويجعلهم غنيمة للمسلمين؛ من أجل أنهم وضعوا أياديهم تحت السرة، لا يكون هذا، وأن أحدهم إذا قام فرأى أنه يجهر بالبسملة لا يخرج من الملة والدين، بل يبقى من المسلمين إن شاء الله.
فهذه مسائل فرعية يُختلف فيها دائماً وأبداً، وأنت لا تنازع كثيراً، إذا رأيت إنساناً اقتنع بهذا الفكر في الفرعيات، فاتركه وادع الله له، والمسألة في سعة والحمد لله.
أما أن يحمل بعضنا على بعض الضغائن في هذه الجزئيات، فهذا من قلة الفقه في الدين، وقلة العلم، وهذا الوارد والمعروف إن شاء الله.
ولذلك قد تشغل المجالس ويرتفع الصوت، ويتهاجر الأحباب؛ على مسألة من يبدأ به في المجلس بالفنجان، هل من وسط المجلس أو من آخره؟
وقد يأتي بعض طلبة العلم -إذا سميناهم طلبة علم- فيختلفون، فبعضهم يقول: تدور الأرض حول الشمس، وبعضهم يقول: الأرض ثابتة، فيقومون يقتتلون، وبعضهم يعض بعضاً ويتقرب بدمه إلى الله، يقول الشيخ/ علي الطنطاوي: الله لا يسألنا يوم القيامة ولا يسألنا منكر أو نكير، هل الشمس تدور أم الأرض تدور، فهذه من ترف المسائل، فنحن لسنا من علماء الهيئة، فالله يعلم بها، نشهد بأن الله الذي خلقها، وأنه الذي خلق الشمس ولا تزيدنا هذه المسائل إلا إيماناً، سواء تدور ثلاثين مرة أو واحداً وثلاثين مرة فالحمد لله والشكر، ولا ندخل أنفسنا في هذه المسائل.
ولذلك ذكر أن بعض الناس نزل في بادية عند عوام وعندهم عرس في خيمة -أخبرنا بهذا ثقات، والثقات كثروا في هذا العصر- فأخبرنا فقال: حضرنا هذه الوليمة، وقلنا لبعض هؤلاء تكلم في الحاضرين، قال: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، سمعتم المقالة الآثمة التي صدرها الكفار أنهم يقولون: إن الأرض تدور، ووالله الذي لا إله إلا هو إنها لا تدور، ثم أخذ يورد الحجج، من ضمن الحجج القوية التي أوردها يقول: منذ أن خلقني الله في قرية بني فلان ما دارت القرية، فانظر إلى هذا الرد العلمي الوجيه القوي، كيف يرد هذا الرد.
المسألة تطول، لكن الشاهد من القصة أن الخلاف وارد.
والفائدة الثانية: من الصلاة عند بني قريظة أن من أخر الصلاة لعذرٍ وجيه، من نوم أو لأنه ظن أن الوقت معه فبان خلاف ذلك، فإن شاء الله ليس ملاماً، أما من أخرها بدون عذر وخرج وقتها فإنه قد أبطل وقتها وأبطل أداءها، حتى قال بعض أهل العلم: إذا أخرها متعمداً حتى خرج وقتها، فلا يقضيها؛ فإنه ذاك الوقت بلغ درجة الكفر، فالمسألة مسألة وقت، لكن الصحابة تأولوا في هذه المسألة رضي الله عنهم وأرضاهم.
ولكن كذلك لا نشرك في سماع الكرامات، وذلك كأن تأتينا كل يوم عجوز تحدثنا: أنها رأت ملائكة تنـزل من السماء، وأنها صلت على سطح بيتها، أو كذا فنقول: ما شاء الله صدقتي، لأن الملائكة شاركت في بني قريظة! فنحن نؤمن بالكرامة، لكن إذا ثبتت بأسانيد، وكانت لا تخالف القواعد الشرعية.
وهنا خطبٌ عجيب وكذبٌ صراح: ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40] يقول الكاتب: إخواني المسلمين، أخواتي المسلمات فرصة: فتاة عمرها ثلاث عشرة سنة مرضت مرضاً شديداً وعجز الأطباء في علاجها، وفي ذات ليله اشتد عليها المرض وبكت المسكينة حتى غالبها النوم، ورأت في منامها: بأن السيدة زينب رضي الله عنها وأرضاها وضعت في فمها قطرات، وبعد أن استيقظت من النوم وجدت نفسها أنها قد شفيت من مرضها تماماً، وطلبت منها السيدة زينب رضي الله عنها: أن تكتب هذا الرواية مرةً واحدة، لا أدري في أبها أو في خارج أبها على المسلمين والمسلمات لينظروا في قدرة الله تبارك وتعالى، وعند توزيع النسخة وجدت الآتي:
النسخة الأولى: وصلت إلى يد فقير، كتبها ووزعها على الناس وبعد مضي ثلاثة عشر يوماً أغناه الله عز وجل، بعد ما كتبها ووزعها، ووصلت إلى يد عامل أهمل في كتابتها ثلاثة عشر يوماً ففقد عمله، أي فصل من العمل بقرار رجعي.
النسخة الثالثة: وصلت إلى يد غنيٍ رفض كتابتها وتوزيعها وبعد ثلاثة عشر يوماً افتقر، فنرجو إبلاغ الإخوة بها ونشرها بين الناس.
وأنا ما قرأتها، إلا لفائدة أن تعرفوا أنها كذب، لكن لتأتي بأخبار غيرها، فهذه المنشورات كثرت في الناس، ووجد قبل أسابيع وهي قبل أشهر ووزعت قبل سنوات الكتابة من خادم المسجد النبوي أحمد، أو الحرمين، أو الحرم المكي، وقال فيها كلاماً طويلاً، وهذا كذب صراح ولم يحدث هناك شيء وليس للمسجد خادمٌ كما قال بعض أهل العلم اسمه أحمد، وإنما دجلٌ وتضليل على أمة الله، وقصدهم إشغالهم عن العلم، وهؤلاء إما مخرفون، وإما أناس مستهزئون بالدين، وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
فإياكم وإياهم! لا يغرونكم عن دينكم، والغرائب هذه كثرت في هذا الزمن، كل إنسان يحدث بغريبة ويجلعها كرامة، والذي يلاحظ أن الغرائب والعجائب أمور، منها ما هو قدح في الدين، وهذا أتى على يد المشعوذين والمسمعين والكهنة والعرافين -قاتلهم الله أنى يأفكون- نصبوا أنفسهم دجاجلة في كل قرية، الواحد منهم يدعي علم الغيب، حتى سمعنا في قرية قريبة أن فيها امرأة دجالة أفاكةٌ أثيمة، أنها تقول: تعلم الغيب وتعلم البلاد التي فيها ماء، والآبار التي فيها، فيأتيها الناس ويقولون: نحن من الأرض الفلانية، فتقول: فيها ماء وفيها كذا، واحفر ثلاثة عشر متراً أو خمسة عشر متراً وسوف تجد الماء.
وهذه المرأة يعينها الجن في الخبر، وغيرها من الدجالين يعينونها، فيعطونها كلمة فتزيد عليها مائة كذبة، وهؤلاء من أتاهم وصدقهم بما قالوا؛ فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أتاهم فلم يصدقهم، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة.
وأما غيرهم من الذين يستدلون بعلامات، كرؤية الصخور والعروق في الأرض والشجر، فهذا لا بأس إن شاء الله؛ لأن لهم مقداراً من الرؤية، ولهم أحاسيس في التربة أعطاهم إياها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا بأس باستخدامهم وبالاستعانة بهم في البحث عن الماء، أما الذين يدعون ولا يأتون ولا يحضرون فهؤلاء كذبة ودجلة على شرع الله، فينتبه لذاك المنشور وينتبه لهذا.
وقد أكثروا الكذب في دين الله، وانتشر بين الناس أن زينباً رضي الله عنها وأرضاها لها كرامات حتى بعد موتها، والإنسان إذا مات لا يصبح له أثر، والرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته لا يحل ولا يحرم، ومن رآه في المنام فكأنما رآه عليه الصلاة والسلام، لأن الشيطان لا يتمثل بصورته الحقيقية، فهو عليه الصلاة والسلام إذا رُئي فهي بشرى للرائي أو تحذير له، فإن بعض الناس قد يراها فيكون بشرى له، وبعضهم يراه قد يكون تحذيراً له، يقول: انتبه، إنك مجرم، وإنك مسرف على نفسك، تب إلى الله عز وجل.
وانتشر بين الناس حتى سمعنا أن بعضهم إذا عرك عينه أو دخل في عينه شيء قال: يا فاطمة بنت النبي، إن كان دقيقاً فدقدقيه، وإن كان شديداً فأخرجيه أو كما قال وهذا كذب! فإنه استعان بها وهي ميتة لا تنفع ولا تضر رضي الله عنها وأرضاها، حتى نسبوا من الأباطيل على علي بن أبي طالب ما سمعت بأذني من أحدهم أنه قال: أتينا من البلد الفلاني وفيه نهر جارٍ يجري، قلت: سبحان الله! قال: مر علي بن أبي طالب على هذا النهر، فرأى تلك الصخور، ورأى أهل الأراضي ما عندهم ماء، فضرب برمحه في الصخرة فخرج النهر، فرددت عليه وقلت: هذا كذب، قال: لا، نعوذ بالله، قاله العلماء والناس، وأنا أشهد أنه صحيح.
فالمقصود أن بعض الأساطير والخرافات ترسخ في قلوب الناس، وما علاجها إلا العلم الشرعي، وإني أدعو إخواني جميعاً إلى التفقه في الدين، وإلى نشر العلم في القرى، وفي البوادي، وفي الصحاري، فإننا والحمد لله نعيش الصحوة، لكن الصحوة التي لا تكون على قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى المصحف وصحيح البخاري وصحيح مسلم، صحوة مشكوكٌ فيها.
يروي الخطيب البغدادي أن الخليل بن أحمد النحوي الذكي الذي بلغ من ذكائه أنه أتى بخمسة عشر بحراً للعروض، رُئي في المنام، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: ذهبت بحور العروض والله ما نفعتني شيئاً، وذهب النحو ما نفعني شيئاً، قالوا: ماذا نفعك؟ قال: نفعتني سورة الفاتحة كنت أعلمها لعجائز عندنا في القرية.
إن تعليم الفاتحة لبادية من البوادي، أو لعجائز، أو لشيخين كبيرين؛ ضمينٌ أن يرفعك الله عز وجل به حتى تصير كالكوكب الدري في الجنة.
ولذلك يأتي يوم القيامة كثير من الناس يحملون شهادة الدكتوراه، فيقول الله: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ [الصافات:24-25] فليست المسألة مسألة مظاهر؛ فالشكوى إلى الله عز وجل من حالنا، وما وصلنا إليه، حتى وجدت شركيات في بعض النواحي، وعندنا صور ومستندات وزعت حتى عند كثير من الوجهاء والدعاة والعلماء في هذه المنطقة، صور أناس علقوا شاة بشجرة وهم يتقربون بهذه الشاة إلى هذه الشجرة، وصور أناس علقوا تمائم على القبر، وصور أناس يطوفون بقبر، وهذا موجود في هذه النواحي، فهل بقي أن نجلس في بيوتنا ونقول ما بقي عندنا علم، أصغر واحد، حضر في هذا المجلس يستطيع أن يغطي البوادي والقبائل والقرى، وأن يعلمهم الأمور المهمة في الدين، لأن البوادي والقبائل والناس لا يسألونك عن ابن لهيعة هل هو قوي الرواية أم لا؟ ولا يسألونك عن مستدرك الحاكم، ولا يسألونك عن مدريد وأين تقع، ولا يسألونك عن استراتيجية الدعوة وديكتاتورية المبدأ، وهذه الكلمات الرنانة، إنما يسألونك عن الفاتحة، وعن التحيات، وعن (قل هو الله أحد) وكيف نتوضأ، وكيف نتيمم.
شيخ كبير كتب يقول: أنا قدمت من البادية وعندي بعض الناس، قال: وأنا لا أدري إلا اليوم أن الإنسان إذا جامع امرأته يغتسل للجنابة، فكنت أصلي ولا أدري أن عليَّ غسلاً للجنابة، سبحان الله! أربعين أو خمسين سنة يعيشها، ولا يدري أن المجامع يغتسل من الجنابة، ذنب من هذا؟!
فالله الله في الدعوة إلى الله، والجلوس للناس وتعليمهم.
نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتغمدنا وإياكم برحمته، وأن يرزقنا وإياكم الصدق والإخلاص.. إنه سميع قريب مجيب الدعاء، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر