إسلام ويب

المخرج من الفتنةللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هذه المادة ترتكز على الإجابة على سؤالين:

    السؤال الأول: ما هي أسباب الفتن؟

    السؤال الثاني: ما المخرج من الفتن؟

    وكان السائل والمجيب هو الشيخ، فأسباب الفتن خمسة عشر سبباً، وأسباب الخروج من الفتن أربعة عشر سبباً.. كل هذا ذكر في هذه المادة بشيء من التفصيل.

    1.   

    الابتلاء بالفتن سنة الله

    الحمد لله، الحمد لله ولي الصالحين، رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على رسول رب العالمين، وحجة الله على الناس أجمعين، وخاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    أشكركم شكراً جزيلاً على هذا الاجتماع، وأشكر إمام هذا المسجد الشيخ: يحيى بن موسى حامل القرآن على تفضله بهذا التقديم، وأسأل الله أن يجمعنا وإياكم في دار الكرامة.

    عنوان هذا اللقاء " المخرج من الفتنة " وهي الثامنة بعد الثلاثمائة، وأسأل الله عز وجل أن يخرجنا وإياكم من الفتن سالمين، وأن يردنا بالإيمان غانمين، وإذا أراد بقومٍ فتنة أن يقبضنا إليه مؤمنين مسلمين ثابتين على الحق.

    أنذرنا سُبحَانَهُ وَتَعَالى الفتن، وأخبرنا أنها أنواع، وبيَّن سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن من سننه أنه يبتلي بالفتن وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35].

    وأخبرنا سُبحَانَهُ وَتَعَالى أنه لا بد من الفتن للمؤمنين ليمحصهم ويقبلهم فيمن قَبِلَ تبارك وتعالى.

    وللفتن أسباب ونحن نعيش فتناً، لأننا متأخرون عن الرسالة الخالدة، وعن صاحبها صلى الله عليه وسلم، ليس بيننا رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، كان نوراً يمشي في الأرض، نوراً يمشي بين أصحابه، كان يكلمهم ويكلمونه، ويحدثهم ويحدثونه، وهذا أمر افتقدناه نحن.

    إذاً: من الفتن التي نعيشها: عدم وجود القدوة الذي فاتنا منذ زمن إلا من رحم ربك، والقدوة هو محمد عليه الصلاة والسلام.

    الأمر الثاني: كثرة منافذ الشر علينا، فنحن اليوم أصبحنا كقرية بين هذا العالم المترامي الأطراف، قرية ليس إلا، من كثرة ما يعج ويضج به العالم من الفتن والمغريات، والغزو والأحدوثات والأطروحات، أصبحنا في فتنة لا يعلمها إلا الله عز وجل.

    والسؤالان المطروحان هما:

    س1) ما هي أسباب الفتن؟

    س2) ما المخرج من الفتن؟

    وهذا اللقاء يدور على هذين السؤالين، أسأل الله أن يسدد في الإجابة عليهما إنه ولي التوفيق والقادر عليه.

    1.   

    أولاً: أسباب الفتن

    .

    الإعراض عن آيات الله

    السبب الأول: الإعراض عن آيات الله عز وجل.

    أكبر فتنة أن يعرض الإنسان عن آيات الله، وعن بيته، وعن رسوله، وعن منهجه، فإذا أصيب بالإعراض رماه الله عز وجل بالخزي والعذاب في الآخرة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126] وأهل العلم يقولون: من أراد الهداية وجدها، ويقول ابن القيم: من أصلح في شبابه تغمده الله في شيخوخته بالرضوان، ويقول المثل الصيني: الخط الذي طوله ألف ميل يبدأ بخطوة، أي: تمشي أنت فيه بخطوة.

    قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] والله عز وجل يقول: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23] كيف يهتدي من لا يأتي إلى المسجد؟!

    كيف يهتدي من يسمع آيات الله ويعرض عنها؟!

    إذاً: أخبر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن من أسباب الفتن ومن أعظمها: الإعراض عن منهجه وعن آياته، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في قرية آمنة مطمئنة: لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ [سبأ:15-16] ونحن أشبه ما نكون بتلك القرية، نحن في نعيم لا يقدره إلا من كتبه وأنزله، نحن في رخاء وفي أمن وأمان، فكيف نحفظ هذا الأمن والرخاء؟ نحفظه في طاعة الله، بشكر الله وبعدم الإعراض عن منهجه، يأتيك أحياناً معرض أصابه قلق ويأسٌ ويشكو إليك يأسه وقلقـه، فتقول: هل تصلي الفجر في جماعة؟ يقول: لا. فتقول له: قرأت القرآن؟ يقول: لا. فتقول: هل لك اطلاع على السنة؟ فيقول: لا. فكيف يهتدي؟! أليس هو المعرض؟!

    نقض العهد

    السبب الثاني: نقض العهد مع الله.

    كيف؟ الأمة التي عاهدت الله أن تنصر دينه، ثم نقضت عهدها بأن تولت إلى حطام الدنيا وإلى الشهوات والمغريات والنـزوات، ولم تشكر الله، ولم تقم بميثاقه، هذا نقض.

    من نقض ميثاق الله: استبدال شريعة الله بشريعة أخرى.

    من نقض ميثاق الله: موالاة أعداء الله.

    من نقض ميثاق الله: الركون إلى أهل المعصية وتقديمهم على أهل الطاعة، قال سبحانه: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [المائدة:13].

    يقول الحسن البصري: [[يا من دائماً ينقض الميثاق مع ربه: أما تخشى أن يقول لك في يوم من الأيام: هذا فراق بيني وبينك]].

    موسى رافق الخضر عليهما السلام، فاعترض عليه ثلاث مرات، قال له أولاً لما خرق السفينة: أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً [الكهف:71-73] فعذره، ثم مشى معه، فلما قتل النفس، قال: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً [الكهف:74-76].

    لأنه قال له هنا: ألم أقل لك؟ وقبل قال: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ [الكهف:72] فزاد الجار والمجرور تأكيداً له وتبييناً -لام العهد- أما قلت لك قبل قليل ونسيت قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً [الكهف:73] قال بعدها: قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً [الكهف:76] فلما بنى الجدار الذي يريد أن ينقض، اعترض عليه؛ فقال: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ [الكهف:78].

    وقف عليه الصلاة والسلام عند هذه، وكان يتابع القصة بشغف وبعاطفة، ويتابعها بحياة، قال: {رحم الله موسى استعجل ليته صبر حتى يقص علينا من خبرهما}.

    كان عليه الصلاة والسلام مشتاقاً وشغوفاً ومتولهاً لأن يسمع كثيراً من القصة، لكن موسى عليه السلام استعجل ولم يصبر، قال صلى الله عليه وسلم: { ليته صبر حتى يقص علينا من خبرهما}.

    الشاهد: قال الخضر: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ [الكهف:78] فيقول الحسن: [[الخضر لم يتحمل ثلاث مرات، فأنت يا من ينقض عهده مع الله في كل يوم مرات أما تأمن من الله أن يقول: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ [الكهف:78]]] وهذا للناقضين عهد الله.

    يقول الله عن بني إسرائيل: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ [المائدة:13].

    هنا عقوبات، ولكن كيف نقضوا؟ قال أهل العلم:

    أولاً: أول نقض مخالفة نبيهم موسى عليه السلام.

    ثانياً: عاهدوا الله في ترك الربا، ثم أكلوا الربا جهاراً نهاراً.

    ثالثاً: فشا فيهم الزنا، وما أنكر منهم منكر.

    رابعاً: توعدهم الله في عدم الصيد يوم السبت، فصادوا يوم السبت وأخذوا السمك يوم الأحد، وقالوا: لا صيد.

    خامساً: حرم الله عليهم شحم الميتة، فجملوه وباعوه وأكلوا ثمنه.

    إلى غير ذلك من نقض العهود.

    قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ [المائدة:13] فهم ملعونون على كل لسان نبيٍ مرسلٍ، وكل ملكٍ مقربٍ، وكل وليٍ صالحٍ.

    قال تعالى: وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً [المائدة:13] يقول أهل العلم: اليهود المخالفون لو تناطحت جبال الدنيا أمام أعينهم ما اتعظوا!! ولذلك تجد من يقع في المعاصي، ومن يتهتك في الحرمات، والله لو أنذرته بالكتاب والسنة ليلاً نهاراً ما ارتدع.

    ويقبح بالفتى فعل التصابي     وأقبح منه شيخٌ قد تفتى

    إذا ما لم يزدك العلم خيراً     فليتك ثم ليتك ما علمتا

    وإن ألقاك فهمك في مغاوٍ     فليتك ثم ليتك ما فهمتا

    مشيت القهقرى وخبطت عشوا     لعمرك لو وصلت لما رجعتا

    ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    السبب الثالث: ترك الاحتساب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

    من أسباب الفتن: أن تصدف الأمة وتترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظهرياً، ويعتذر جمهور الناس بأن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هيئة مسئولة تقوم بذلك، ويقول أحدهم: نفسي نفسي، ولا دخل لي في أمر الناس، والله يقول: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79].

    أخبر عليه الصلاة والسلام {أن الرجل من بني إسرائيل يلقى الرجل في أول النهار، فيقول: اتق الله لا تفعل هذه -يعني: المعصية- قال: ثم لا يمنعه أن يكون أكيله وشريبه من آخر النهار} وهذا كفعل بعض الناس: يرى أحدهم الآخر على المعصية والانحراف ولا يمنعه أن يكون صديقه وجليسه، وسميره وحبيبه وقريبه.

    ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110] لماذا؟

    تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].

    يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[والله لا يتم أول الآية حتى يتم آخرها]] يعني: لا نكون خير أمة حتى نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله.

    يقول عليه الصلاة والسلام لـأبي ثعلبة الخشني: {مر بالمعروف، وانه عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرةً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك خاصة نفسك ودع أمر العوام}.

    والمقصود من هذا: أن على المسلم أن يأمر بالمعروف بجهده وطاقته، لكن بالحكمة ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125] لماذا يموت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!

    لماذا يُرى أهل المعاصي على الأرصفة وفي السكك والشوارع؟!

    المساجد تشكو إلى الله عز وجل من كثرة قطيعة المصلين، الحي الواحد يكتظ فيه مئات السكان ولا يصلي فيه إلا الأفراد، خاصةً في صلاة الفجر.

    بعض البيوت فيها ثمانية أو أكثر أو أقل، ولا يصلي إلا الواحد والاثنان، أليس هذا منكراً؟

    أما يعلم الجار بجاره أنه لم يصل في المسجد؟!

    أما يعلم الجار أن جاره أكل الربا، واستمع الغناء، وخالف منهج الله؟!

    فما أمره ولا نهاه.

    من أعظم الفتن التي نعيشها نحن الآن: موت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان أجدادنا -كما تعلمون- على قلة علمهم، وقلة الوسائل التي توعيهم، يأمرون وينهون، ولكن أتينا في فترةٍ لا أمر ولا نهي فيها، وانحصر الأمر والنهي حتى فشت المعصية.

    قبل سنوات، ما يقارب العشرين سنة فيما أخبرنا به، أو أكثر كان شارب الدخان إذا مر بإحدى المدن يوصم بوصمة من الناس ويوقف ويحاسب على فعله هذا، لأنه خالف منهج الله، والآن أصبح أمراً سهلاً عادياً يتناوله الناس في المجالس والسيارات وفي المكاتب وفي بعض الفصول، وأصبح من ينهى عن الدخان كأنه معتوه.

    كان قديماً حلق اللحية يعتبر كأنه من الكبائر، لكن استَمرت الأمة على هذا وأصبحت ذنوب الأمة أعظم من حلق اللحية، الربا والزنا، موالاة أعداء الله عز وجل والتشبه بأعداء الله، الإعراض عن منهج الله، ترك الصلوات كل هذا أصبحت بجانبه هذه الأمور من الصغار، حتى إن الدعاة الذين يتكلمون -مثلاً- في تطويل الثياب، وفي حلق اللحى يقال لهم: لا يعرفون إلا هذه المسائل، ويقال لهم: ليس عندهم فقهٌ ولا بصيرةٌ؛ بسبب موت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد وصف عليه الصلاة والسلام أن الأمة يوم لا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر كمثل من ركب سفينة، وقام بعضهم بخرق السفينة، فإن تركوهم هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن نهوهم، نجوا ونجوا جميعاً.

    الغفلة من أسباب الفتن

    السبب الرابع: الغفلة عن آياته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، أي: عدم تدبر آياته في الكون، والآيات قسمان:

    كونية وهي: آيات الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الكون.

    وشرعية وهي: آيات القرآن.

    يقع زلزال في الكون أو بركان أو ريح شديدة أو مرض في الناس ويؤلونه إلى الطبيعة.

    تقضون والفلك المقدر ساخرٌ     وتقدرون فتضحك الأقدار

    دمرت بعض المدن مما انتشر فيها من الفساد بزلزال وهلكوا في ثوانٍ، ولما نظروا إلى الرأي العام قالوا -حتى بعض المسلمين-: انكسار في القشرة الأرضية، فمن كسرها؟

    ومن قدرها؟

    ومن أرسلها؟

    ومن أنشأها؟

    ومن بدأها؟ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22].. إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49].

    هذه الآيات من آياته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى جعلها ردعاً للناس، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] إنه السبب، وتأتي الغفلة عن آيات الله في الكون يوم يصدق هؤلاء الملاحدة الذين بنوا قواعدهم على هذا الأمر حتى فصلوا -مثلاً- مادة الجغرافيا عن الإيمان، وفصلوا التربية عن الإيمان، وفصلوا علم النفس عن الإيمان، وجعلوا كل ما يحدث للعبد من الطبيعة وفعل الحوادث والأيام، ونسوا الله عز وجل عن ذلك.

    قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] والغفلة مرض نسأل الله أن يعافينا وإياكم منه وهو من أعظم علامات النفاق، فإن المنافق قد يسمع الحديث والموعظة والآية، لكن لا يستفيد، ولا يفهم، ولا يعقل.

    كان بعض المنافقين يصلي مع الرسول عليه الصلاة والسلام ومات على الكفر، كان عبد الله بن أبي يصلي في الصف الأول يوم الجمعة، لكن ختم الله على قلبه ومات كافراً، ولم تنفع فيه شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، إنه غفل عن طريق الهداية، وأصبح غير مستعد لأن يفهم الإسلام والإيمان وهو فعل بعض الناس، فكيف يهتدي من لا يستعد للفهم، ولا يستعد للتوجه؟!

    إن بعض الناس بصير بأمور الدنيا وعلومها وحضارتها، لكن لا يعرف في الدين شيئاً.

    يقول الرسول عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيحين: - {من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} والذي لا يريد الله به خيراً لا يفقهه في دينه، ولا يهديه كتابه، ولا يعلمه سنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

    الترف والبذخ من أسباب الفتن

    السبب الخامس: الترف والبذخ المنسي، فالأمة اليوم تعيش بذخاً وترفاً، الترف المتجاوز للحدود، ترف مالي وفكري ومادي، وترف حتى في الفراغ، فنحن نعيش حياة الترف، ومن يقارن بين حالتنا هذه وبين حالة آبائنا وأجدادنا يجد البون الشاسع، الترف في المساكن، والترف في المطاعم والمشارب، حتى أصبحت من مقاصد الأمة، وأصبح كثير من الناس يعمل لهذا الترف، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً [الإسراء:16].

    أين الذين يملكون الملايين المملينة؟

    هل صحيح أن جميعهم اتبع منهج الله في أمواله؟

    هل صحيح أن كثيراً منهم اتقى الله في هذا المال الذي يكسبه؟

    هل صحيح أن كثيراً منهم أرشد الإنفاق في الأموال هذه وأنفقها في سبيل الله؟

    والله لو فعلوا ذلك لم يبق فقير ولا مسكين ولا أرملة، لكن انظر إلى الفقر، تجد هنا أناساً يعيشون الثراء، الثراء إلى النجوم، وأناس يعيشون الجوع، الجوع إلى التراب، ومن يدخل قرى مثل: قرى تهامة -وقد رأيتها بعيني- يجد هذا، يجد بعضهم لا يجد السكر الذي أصبح الآن من الكماليات، وبعض البيوت لا يغادره اللحم في الوجبات جميعاً، ولا يمكن أن ينفصل بيت بعضهم من اللحم، ولكن وجدنا في بعض القرى التي دخلناها أنا وثلة أكثر من ستين داعية وطالب علم من بعض المؤسسات التعليمية، وجدنا بعضهم لا يرى هذا السكر الذي معنا ونعتبره نحن سهلاً ميسراً.

    فأين الملايين؟

    وأين البذخ؟

    وأين الترف؟

    تجد هذا الترف والبذخ الذي انحرف عن منهج الله أصبح شيكات سياحية إلى بانكوك وباريس ليُعصى الله عز وجل، أصبح رباً، سيارات من الربا، وفللاً من الربا، وبيوتاً من الربا، وملابس من الربا، أصبح هذا محاربة لله عز وجل في مثل ماذا؟ في مثل بيوت للغناء الماجن، وبيوت للفيديوهات المنحرفة، أصبح هذا المال يوم ما أرشد بتقوى الله عز وجل والخوف منه مالاً يتبع سنة قارون، وإلا فالمال والغنى إذا أرشد ووجه كان خيراً.

    دخل عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه الجنة بماله، لأنه أنفقه في سبيل الله، وكان ابن عوف يملك الألوف المؤلفة، لكن أرضى ربه بماله، وأنقذ الأكباد الظامئة والبطون الجائعة.

    الترف هذا إن لم يوجه كان انتكاساً للشخصية، وكثير من الشباب بالاستقراء من أحوالهم وجد أن سبب إعراضهم عن طاعة الله عز وجل هو الترف، حتى ترك بعضهم مزاولة الأعمال الدنيوية مثل: العمل، والوظيفة بسبب أنه مترف.

    إن الشباب والفراغ والجدة     مفسدة للمرء أي مفسدة

    فتصور شاباً ليس عنده إيمان، ولا يعرف المسجد ولا المصحف، ولا يتقي ربه، وعنده مال في جيبه، وعنده سيارة فاخرة، وعنده أموال مكدسة، وفلة بهية، كيف يكون ضائعاً!!

    حتى أننا عجزنا أن نقدم من أمتنا ومن بلادنا عمالاً لنا، وأصبح العمل عند بعض الناس عاراً، الدخول إلى المنجرة، إلى الخشابة، إلى تقديم الخدمات للناس أصبح كأنه عار عند بعض الناس من البذخ والترف، وإلا فزكريا عليه السلام كان نجاراً، وداود عليه السلام كان حداداً، وما من نبي إلا رعى الغنم، ولكن هكذا يضيع الترف الجيل، ويجعلهم متهرولين كسولين خاملين في الدنيا والآخرة.

    فمن أسباب الفتنة بل من أعظمها: الترف إذا لم يوجه لطاعة الله عز وجل ولرضوانه.

    عدم أخذ العبر

    السبب السادس: عدم أخذ العبر من المثلات؛ فنحن نعيش ونحن شباب الآن، لكن نجد المثلات والعبر في من حولنا، في الشعوب، انظر الآن إلى الخارطة! وانظر إلى الشعوب حتى في الشرق الأوسط والأدنى! كم من المثلات، وكم من الحروب والنزلات؟

    كم من الغارات! وكم من المشاكل! أمة بينما هي نائمة سليمة وفي الصباح تُجتاح بجيش جرار، دولة من الدول ينقسم أفرادها وطوائفها إلى جيوش مجيشة تُرمى منازلها وتنسف وتحرق، ويقتل أطفالها، غارات، ريح شديدة يسلطها الله عز وجل فتقتلع المدن، أليست هذه مثلات؟ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأحقاف:27] ويقول سبحانه: وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ [إبراهيم:45] ومن يعرف تاريخ الأمم والشعوب، يعرف كيف نكبهم الله نكبات، وأنزل بهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مثلات، لأنهم غيروا منهجه، وما استفادوا من آياته البينات، لكن المشكلة في من لم يعتبر، وكثير من الناس الآن يعيش في الفتنة ولا يعتبر، وليس مستعداً لأن يعود إلى الله، ولا أن يغير ولو قلامة الظفر من حياته، هكذا رسخ على مبدئه الضال المنحرف.

    لبس الحق بالباطل

    السبب السابع: تلبس الحق بالباطل وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ [الأنعام:9] بعض الناس يعيش في غبش، مرة يصلي ومرة يترك الصلاة، مرة مع أولياء الله ومرة مع أعداء الله، مرة يتلو كتاب الله باكياً خاشعاً ومرة يستمع الأغنية الماجنة معربداً، مرة بالسواك مع أولياء الله ومرة بالسيجارة مع المنحرفين، هذا من اللبس، فليس عنده منهج، ولا طريق، وهذه يشكوها كثير من البادئين في الهداية، تجده أحياناً في المسجد في المحاضرات والدروس، واليوم الآخر مع الشلل في المقاهي في الفراغ والضياع، مع البلوت والكيرم، مع الأغنية الماجنة والمجلة الساقطة، ما سبب هذا؟

    إن سببه عدم اهتدائه وسلوكه وعدم جديته في الاهتداء، فإنه لو صدق مع الله؛ صدق الله معه وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].. فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ [محمد:21] ويُتحدى أن يوجد هناك مهتد يريد الله ويخيبه الله أبداً، ولكن الزيغ يأتي من القلوب فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف:5].

    هذا اللبس يعيشه كثير من الناس، حتى تجد أحياناً الكثير منهم، ولو كان أحدهم مستقيماً، لكنه ينال من الصالحين، وربما يستهزئ ببعض السنن، لأن في عقله لبساً، وفي قلبه مرضاً والناس ثلاثة أصناف:

    1/ كافر، ومعه المنافق.

    2/ مؤمن سديد.

    3/ والوسط رجل في قلبه مرض. يعني: لم يشفَ قلبه، ليس عنده تصور سليم للهداية، وأنت تحتار فيه، وهذا ملبس فيه، وهو في فتنة الله أعلم بها! لا يُدرى هل هو إلى اليمين أم إلى اليسار.

    العجب بحضارة الكافر

    السبب الثامن: العجب بحضارة الكافر: نحن الآن في هذا القرن لم نقدم للبشرية شيئاً، لا قدمنا الإيمان للناس، ولا قدمنا لهم من التكنولوجيا شيئاً.

    أما الإيمان فانحسرنا نحن في أنفسنا، وعجزنا أن نستقيم على منهج الله، فكيف نقدم الإيمان للناس، أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام قدموا دين الله للناس ولم يكونوا يملكون وسائل، من الذي نشر الإسلام في أسبانيا؟

    ومن الذي أوصل الإسلام إلى الهند؟

    ومن الذي بلَّغ دين الله عز وجل إلى السند؟

    من الذي أدخل لا إله إلا الله إلى كابل؟

    ومن الذي نشر التوحيد في أفريقيا؟

    إنهم أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، لم يكونوا يملكون طائرات، ولا سيارات، ولا هواتف، ولا أجهزة اتصال، ولا تسهيلات، ومع ذلك بلغوا دين الله عز وجل، ونحن نملك القدرات، ولكن عجزنا في أنفسنا أن نستقيم على منهج الله فضلاً على أن ندعو الأمم لمنهج الله، الأمم ينادوننا صباح مساء أن نعرض عليهم بضاعتنا من الإيمان، لكننا لم نفعل، وأما في عالم المادة فلم نقدم شيئاً، كل شيء عندنا مستورد حتى الطباشير ومساحة السبورة والفوانيس!!

    نحن نعرف نأكل ونشرب ونرقد، ونغني ونرقص، أما أن نقدم للبشرية شيئاً فلا، فماذا قدمنا للبشرية؟

    هم قدموا في عالم المادة وينتظرون منا عالم الروح، ولكن لم نفعل شيئاً، يقول الله عز وجل: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7] ويقول سبحانه: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ [النمل:66] فالعجب بحضارة الكافر هو من أسباب الفتن، حتى وجد من هزيمتنا الروحية أننا نرى الخواجة فنعده كأنه ملك نزل من السماء إلا من رحم ربك.

    الآن الاحترام المتبادل لأعداء الله كأنك إذا رأيته رأيت الحضارة والسمو والثقافة، وقد ركبت مع أحد الناس من أبناء هذه البلاد، وكان قد سافر إلى الخارج، وفي قلبه مرض وعقدة نفسية من البلاد، ويقول: إننا لا نزال متخلفين رجعيين، أنا رأيت الخارج ورأيت الحضارة، لكن نحن مظاهرنا غير حضارية، مثل ماذا عنده؟

    مثل: لِبْسَتنَا هذه، يرى الزي هذا أنه مظهر غير حضاري، يرى أن نخلع هذه الغترة والطاقية ونمشي هكذا في الأسواق، لأنه يقول: العالم كله توحد على هذا الأمر وهو من المظاهر الحضارية، وهو في قلبه مرض، أن يجلس الرجل بجانب المرأة، يقول: أيأكلها إن جلس بجانبها! وأين الشريعة؟

    لكنه نسي أنهم لما أتوا بالمظاهر الحضارية التي يزعم وقد رأيناهم نسوا منهج الله، أصبح الزنا عندهم بشكل رهيب، تعدٍ على حدود الله، أكل للربا، اختلاط للأنساب، الانفصام بالعلاقات الاجتماعية، والله إنك ترى السيارات بالمئات، ولا ترى ثلاثة في سيارة، وسألناهم ما السبب؟

    قالوا: لأنه لا يوجد هناك علاقة بين الأسر، بينهم طلاق وانفصام وابتعاد، لأنهم لم يجدوا روح الإيمان.

    أمن المناظر الحضارية أن تقوم المرأة في الصباح إلى الكلب وتغسله بالصابون وتجلسه بجانبها في السيارة؟!

    أمن المناظر الحضارية أنك ترى الفتى يقبل الفتاة على الرصيف ولا يستنكر الناس؟!

    أمن المناظر الحضارية أن تمر بعشرات الناس في الحدائق العامة يبولون وقوفاً؟!

    أمن المناظر الحضارية أن ترى الواحد منهم لا يتطهر ولا يتطيب ولا يستنجي ولا يستجمر ولا يأخذ خصال الفطرة؟!

    أمن المناظر الحضارية أن تراه يأكل كالكلب بيساره ويجلس الكلب معه على المائدة؟!

    أمن المناظر الحضارية أن يمر عليه الشهران والثلاثة لا يغتسل من الجنابة؟!

    لكن هذا الذي يعجب بحضارة المادة وينسى حضارة الروح، وقد سبق في بعض اللقاءات أني ذكرت قصيدة لـمحمد إقبال اسمها: " بحثت عنك يا رسول الله! في ألمانيا " محمد إقبال شاعر الهند وباكستان

    هو لم يبحث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه شاعر متخيل مؤمن، ذهب يدرس الفلسفة وكان عنده دكتوراه في الفلسفة في بون، قال: بحثت عنك يا رسول الله! في ألمانيا فلم أجدك، وجدت السيارات والقاطرات والطائرات والبنات، ولكن ما وجدت الرحمة والعدل، أين أنت يا رسول الله؟

    يقول: حضارة موجودة: سيارات وقاطرات وطائرات، لكن، ليس عندهم عدل، ولا رحمة، ولا حنان، ولا حب، ولا سلام انتحار وإزهاق للدماء، وزنا وربا، وبعد ذلك يعجب بهم بعض المفتونين من أبنائنا ويقلدونهم ويتشبهون بهم، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {من تشبه بقومٍ فهو منهم}.

    عدم إخلاص الولاء والبراء

    السبب التاسع: عدم إخلاص الولاء والبراء: من هو ولينا؟ هو الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، هو الذي كرمنا بهذه الرسالة ورفع رءوسنا بين الناس ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ [محمد:11] هذا نسب وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139] والولاء لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

    والله يخبرنا من هم أولياؤه؟

    وما هي مواصفاتهم؟

    وما هي شهاداتهم؟

    وما هي ألوانهم؟

    يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63] مؤمن متقٍ، ثم اسكن في خيمة، أو في قصر، أو في بيت من طين، أو في عش، لكن كن ولياً لله، كن مصلياً صائماً صادقاً متجهاً إلى الله، فأنت ولي الله والله وليك، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:55-56] وتفاجأ أحياناً يوم تجد بعض الناس يرافق رجلاً كافراً لا يصلي ولا يصوم، لماذا ترافقه؟

    قال: صديقي.

    قلت: أترافقه وتحبه وتأكل معه وتنام معه وهو كافر!؟

    قال: زميلي في العمل وأنا إذا انفصلت عنه جرحت مشاعره!

    سبحان الله! عدو لله وأنت تتولاه! بغيض إلى الله وأنت تحبه! متهتك في حدود الله وأنت تتقرب منه! يعني: ليس عندنا ولاء ولا براء.

    كان السلف الصالح إذا ترك الرجل المسجد هجروه {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر}.. {بين المسلم والكافر ترك الصلاة}.

    إلى عهد قريب كان في بعض المدن والقرى إذا ترك الرجل منهم الصلاة في المسجد حاسبوه، حتى يذكر أنه في ناحية من النواحي كان إمام المسجد يحضر الجماعة بعد صلاة الفجر، فلان حاضر، فلان حاضر، فأتى رجل فترك الفجر يوم جمعة فلم يصل معهم، فلقيه الإمام بعد الجمعة، قال: لم تصل معنا الفجر يا فلان اليوم، قال: والله أخبرني الجماعة أنكم لا تُحضِّرون يوم الجمعة، يعني: كأنه لم يحضر إلا للتحضير.

    وفيها قصص طويلة، وكان فيها تعزير وتأديب، ولكن تفصمت المسألة حتى أن الإنسان يمر ببيت جاره ويراه ويصلي ويعود وهو في بيته ولا يقول: أف، بسبب موت القلوب، هذه هي الفتن.

    التاسع -كما قلت- عدم إخلاص الولاء والبراء، حتى تجد الناس لا ينـزلون بحسب إيمانهم، ولي الله عز وجل ولو كانت وظيفته قليلة فالواجب أن يحترم ويقدر، لكن الناس الآن ينزلون بحسب مراتبهم في الدنيا، ولو كانوا أعداء الله عز وجل يقدر لمنزلته لا لدينه، يعظم ويحترم ويصدر في المجلس بينما ولي الله عز وجل يجلسونه آخر الناس، لأنه ليس لولائه ولا لحبه ولا لقدره قدر.

    دخل مجموعة من الشباب على عمر بن عبد العزيز -والقصة مكررة، لكن أعرضها الآن لمعرفة الولاء وقيمة الناس- دخل عليه مجموعة من الشباب وعمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد مجدد القرن الأول كان يحكم اثنتين وعشرين دولة إسلامية بلا إله إلا الله، كان في بيت من طين، كان عمر بن عبد العزيز ليس عنده إلا ثوب يغسله يوم الجمعة ويبقى في فراشه حتى يجف الثوب، ثم يقوم ويخطب في الناس، كان ينادي: من عنده مظلمة؟

    من الذي ظلم؟

    يقول أحد ولاته: والله إني بحثت في الصدقة -يعني: الزكاة- في بيوت لعلي أجد فقيراً، والله لم أجد فقيراً، لقد أغنى الناس، كان يقول: أين المقعدون؟

    أين الفقراء؟

    ينادى كل جمعة أين طلبة العلم؟

    ومع ذلك رزقه الله رزقاً حلالاً واسعاً في ميزانية الدولة الإسلامية في عهده حتى قالوا: إن الفضة والذهب تصبر صبراً في المسجد لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ [الأعراف:96] وهذه بركات الله عز وجل.

    المقصود: دخل عليه مجموعة من الشباب، قال لأحدهم: من أنت؟ قال: أنا ابن الأمير في عهد عبد الملك بن مروان -عهد الخليفة السابق- فسكت، سواء ابن أمير أو غيره، والثاني قال: أنا ابن قائد الجيش في عهد الوليد بن عبد الملك، فسكت، قال للثالث: وأنت؟

    قال: أنا ابن قتادة بن النعمان الصحابي في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام الذي ضربت عينه بالسيف فسالت عليه إلى خده، فردها عليه الصلاة والسلام بيده، ثم قال الشاب:

    أنا ابن الذي سالت على الخد عينه     فردت بكف المصطفى أحسن الرد

    فبكى عمر بن عبد العزيز والتفت إلى الشاب، قال: حياك الله.

    تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ     شيبا بماءٍ فعادا بعد أبوالا

    يقول: هذه المكارم، وهذه المواصفات والمؤهلات التي يفتخر بها الإنسان.

    استصغار الذنوب

    السبب العاشر: استصغار الذنوب، إن استصغار الذنوب من علامة الفتنة والعياذ بالله! ذنوب كالجبال وتُستصغر، ولذلك تجد بعض الناس إذا حدثته عن ذنب، قال: هذا سهل وبسيط تحدثني عن هذا، وهل هذه قضيتنا؟ الأمر أسهل مما تتصور، والله غفور رحيم، وتجد أهل المعصية آمن الناس من الله، وأهل الطاعة أخوف الناس من الله.

    يقول الحسن البصري عن النفاق: [[ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق]] كيف هذا؟

    أي: لا يخاف من المعاصي والنفاق إلا المؤمنون، وأما الفجرة فهم يأمنون من النفاق حتى يزكي أحدهم نفسه.

    الآن تارك الصلاة -مثلاً- تعال وقل له -والعياذ بالله-: فاسق، مع العلم أنه كافر، لأن من يترك الصلاة ليس فاسقاً فحسب عند أهل السنة والجماعة بل هو كافر خارج من الملة، وأفتى أهل العلم أنه لا يصلى عليه إذا مات، ولا يكفن، ولا يغسل، ولا يدفن في مقابر المسلمين، وأن زوجته تخرج من عصمته ولو لم يطلقها، ولا يجوز لها أن تبقى معه ما دام يترك الصلاة.

    هو كافر ومع ذلك إذا قلت له: يا فاسق، ذابحك وقاتلك، ثم إذا ذكرت له تقصيره، قال: لا. أنا والحمد لله لست مقصراً، ونحن في بلاد إسلامية، وأنت لو خرجت إلى بلاد الكفر، رأيت العجب العجاب نحن بخير، يعني: ما بقي إلا نحن لم نخلع الثياب، وهذا استصغار الذنوب والخطايا، حتى يوجد في بعض البلدان أنه ليس لك أن تتكلم -وهو صحيح هذا- يعني -مثلاً-: إذا ذهبت إلى بعض البلدان التي لا يصلون فيها هل لك أن تتكلم في حلق اللحى، أو في تقصير الثياب؟

    هذه مسائلهم أصبحت وعمت وطمت، حتى المسائل التي تتحدث عنها عن الإيمان، بعض الشعوب العربية دخلت فيها الماركسية الكفر والإلحاد والاستهزاء بدين الله، بعض الجيوش العربية كانت تأخذ المصاحف وتمزقها بالأحذية وهو كتاب الله عز وجل، وقرأت في بعض المذكرات أن أحد المجرمين الكبار الملاحدة وهو عربي يقول لأحد الدعاة: اذهبوا به إلى الزنزانة، قال هذا الداعية: يا رب إني مغلوب فانتصر، قال: ربك لو نزل حبسته معك في الزنزانة، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4] هذا استصغار الذنوب ومجاهرة الله عز وجل بالخطايا.

    نكوص العلماء عن قول الحق

    السبب الحادي عشر: نكوص العلماء عن قول الحق: يعني: أن يسكت العلماء، وأن يخرس الدعاة، وألاَّ يتكلم أحد، يعني: قل الحق بسلامة، قل الحق بأسلوب، قل الحق بحكمة، لا أن تسكت لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [المائدة:63] فهذا سكوت أهل العلم أن يخرسوا ويسكتوا وألاَّ يتكلموا وألاَّ يبينوا للناس، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:159-160] الآن من يحفظ حديثاً، أو آية، يجب عليه أن يبلغها بالحكمة كما سمعها، يقول عليه الصلاة والسلام: {بلغوا عني ولو آية} ويقول: {نضر الله امرءاً سمع مني مقالة فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع} إن مسألة نفسي نفسي ليست في الدنيا هي في الآخرة يقولها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أما في الدنيا فلا تقل نفسي نفسي، أنت والناس، أنت مسئول عن حيك، وعن جارك، وعن بيتك يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] أما أن يسكت الناس بحجة أنهم لا دخل لهم بذنوب الناس، فهذا ليس بصحيح، يقول صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} والساكت عن الحق شيطان أخرس، ويوم سكت عن المعاصي استمرأها أهلها وتجرءوا عليها وأصبحوا يجاهرون بها مجاهرةً.

    حدثنا بعض العلماء في الرياض: أن رجلاً كان يحمل مسجلاً جعل فيه شريط أغنية وخرج، وكان مفتي الديار الشيخ: محمد بن إبراهيم -رحمه الله- موجوداً في الرياض، فأتى هذا يجاهر في السوق بهذه الأغنية نصحه الناس فما انتصح، فأخذه رجل من الهيئة وذهب به إلى الشيخ: محمد بن إبراهيم وأقيمت الدنيا وأقعدت وأخذ مسجله وأحرقه أمام الناس وكتب فيه تشهيراً، وقرئ بعد صلاة الجمعة، وعزر تعزيراً بالغاً.

    الآن أصبح هذا الفعل نضحك منه، تمر بالشارع والأغاني من كل جهة وبالمحلات وبالسيارات، وأنت لا تستطيع أن تقول اترك الأغنية، لأنه تدخل في الحريات، الآن العلمانيون يقولون: ما لله لله وما لقيصر لقيصر، ويقولون: الدين مسألة شخصية لك أنت وحدك لا تتدخل في حريات الآخرين، ولا تجرح شعور الآخرين، والله يقول: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110].

    طول الأمد في المعصية

    السبب الثاني عشر: طول الأمد في المعصية: بعض الناس له سنوات في المعصية، ولا يريد أن يتوب، وبعضهم عنده خطط خمسية في المعاصي تقول له: تب إلى الله، قال: إذا تزوجت إن شاء الله، فيتزوج، تقول: ما لك لم تتب؟

    قال: أحج وأتوب، فمن يوم إلى يوم حتى يلقى الله وهو عاصٍِ متهتك لحدود الله فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16] لا يعود ولا يتوب، ولا يدري متى يؤخذ، ولكن هكذا يستمر، وهذا موجود في الناس، فإن بعضهم يخطط للتوبة ويسوف فيها حتى يلقى الله وهو نادم خاسر والعياذ بالله!

    طول الأمد يجعل على القلب راناً عليه من كثرة الذنوب والخطايا، ولذلك الشاب الذي في العشرين الهداية أسهل له من الشيخ العاصي الذي في الستين.

    الرسول عليه الصلاة والسلام استجاب له الشباب؛ لأنهم كانوا قريبين من الحق، لكن الكبار كـأبي جهل والوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف الذين ران عليهم الكفر والجاهلية، واشتعل في قلوبهم النفاق والإلحاد، رفضوا أن يستجيبوا له عليه الصلاة والسلام.

    فألله الله في المبادرة في الشباب وصرفه في مرضاة الله عز وجل، وتمثل مدحه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الفتية: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً [الكهف:13].

    شباب الحق للإسلام عودوا     فأنتم فجره وبكم يسود

    وأنتم سر نهضته قديماً     وأنتم فجره الباهي الجديد

    التذبذب في المواقف

    السبب الثالث عشر: التذبذب في المواقف، كيف يكون التذبذب في المواقف؟

    إنه عدم معرفة المنهجية، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ [النساء:143] مرة مستقيماً ومرة منحرفاً، فلا يدرى من أين هو، وهذا من علامة النفاق، وتجده لا يحمل منهج الله عز وجل في قلبه، يرضي الناس بسخط الله، وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها تقول: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: {من أرضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أسخط الناس برضا الله، رضي الله عنه وأرضى عليه الناس} مثل ماذا؟

    مثل: أنك تمزح وتستهزئ بالآيات، أو بالرسول، أو بالإسلام حتى تضحك جلساءك، هذا سخط لله وإرضاء للناس، فيسخط الله ويسخطهم عليك -ونعوذ بالله من الخذلان- قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة:14-15] والاستهزاء وإرضاء الناس بسخط الله عز وجل ظاهرة منتشرة بين أهل النفاق.

    كان مع الرسول عليه الصلاة والسلام منافقون في تبوك، فجلسوا يسمرون في الليل، فيقول أحدهم: ما وجدنا كقرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أجبن عند اللقاء -يقصد الصحابة- يقول: كثرة أكل وجبن في اللقاء، فالله- عز وجل- أخبر رسوله بهذا فدعاهم صلى الله عليه وسلم وأخبرهم أنهم خرجوا من الملة وكفروا بالدين وعارضوا الله، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مـِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:79] وللآية قصة:

    جاء رجل من المؤمنين بصدقة كثيرة عند الرسول عليه الصلاة والسلام ألوف من المال فوضعها أمامه، فتغامز المنافقون في المسجد -انظر في المسجد يصلون، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء:142] - فتغامزوا في المسجد، قالوا: صاحب هذا المال ما أراد إلا رياء وسمعة، وجاء رجل من المؤمنين بحفنة من التمر صدقة فوضعها في المسجد، فقالوا: ماذا تغني هذه الحفنة عن جيش كامل يجهزه الرسول صلى الله عليه وسلم؟! فالله عز وجل قال: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:79].

    يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة:14-15].

    العرب كانت تحب الصراحة، وتكره المجاملة والنفاق ولو في الجاهلية، يقول أحدهم:

    فإما أن تكون أخي بصدقٍ     فأعرف منك غثي من سميني

    وإلا فاطرحني واتخذني     عدواً أتقيك وتتقيني

    فإني لو تخالفني شمالي     ببغضٍ ما وصلت بها يميني

    إذاً لقطعتها ولقلت بيني     كذلك أجتوي من يجتويني

    نسيان ذكر الله عز وجل

    السبب الرابع عشر: نسيان ذكر الله عز وجل: يقول سبحانه عن بني إسرائيل وعن أمثالهم: تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً [الأنعام:91] يعني: الشريعة تجعلونها قراطيس، فالمصحف أصبح عندنا أو عند الكثير مثل القراطيس، مظاهر فقط.

    القرآن -يا أيها الإخوة الكرام- ما أنزل إلا ليعمل به، ما أنزل إلا ليحكم به أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] القرآن ليس رقى فقط للمصاريع إذا صرع علينا مصروع فيه جان نقرأ عليه فقط، أو يقرأ في حفلات الزواج مثلما يفعل بعض الناس، أو على الأموات.

    القرآن للحياة، والعجب أن يترك على الرف وأن يهجر، وأن يستبدل به غيره، هذا من الخزي والعار والشنار والله المستعان.

    يقول سبحانه: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:44-45].

    نسيان الذكر عقوبة يعاقب بها الله عز وجل من شاء من عباده لانحرافهم عن منهجه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

    تقديم الدنيا على الآخرة

    السبب الخامس عشر: تقديم الدنيا على الآخرة: يقول عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فتتنافسوا فيها، فتهلككم كما أهلكت الذين من قبلكم} ووالله لقد وقع هذا، هل سمعت بالجدال والشجار بين الأرحام إلا يوم فتحت الدنيا؟

    هل كان الرحم يجلس مع رحمه والصهر مع صهره والجار مع جاره بين يدي القاضي في مشكلة قبل أن تفتح الدنيا؟

    هل كان الناس يتجادلون على الأراضي وعلى الأموال، وعلى خصومات السيارات، وعلى المعارض، وعلى الدنيا إلا يوم فتحت الدنيا؟

    نعرف ونحن شباب أن الناس قبل عشرات السنوات كانوا أصفياء أحباء يجتمعون في بيت واحد ويجتمعون على سمر، وعلى حب ويتزاورون، فلما فتح الله عليهم الدنيا تهالكوا، لم يكن عندهم أراض، كان الإنسان عنده بيت وعنده دابة -حمار- وبقرة وثور، ويذهب في الصباح يحرث في مزرعته، ويأتي في المساء ويجلس مع جيرانه سمر وحب وصفاء ومزاح ووداد وزيارات وإخاء، فلما فتح الله عليهم بقطع الأراضي والأموال، تذابحوا وتناحروا، وسجن الكثير منهم، وتقاطعوا في الأرحام، وجلسوا في المشكلات.

    مررنا بقرية من قرى الجنوب، وقال لنا أحد الناس في القرية: والله إن صاحب هذا البيت وهذا ما بينهم إلا خط مزفلت لا يسلم على أخيه شقيقه من عشرين سنة، بسبب قطعة أرض.

    أين الإيمان؟

    أين معنى الصلاة؟

    أين معنى الخوف من الله؟

    بعضهم -أقولها صراحة- يقول: والله لقد هممت أن أذبح فلاناً، لماذا؟ قال: لمزارع أخذها علي حسيبه الله، تجد المزارع ليست له ولا لذاك، لكن يخطط أن يغتاله في سبيل الله!!

    أسد علي وفي الحروب نعامة     فتخاء تنفر من صفير الصافر

    لذلك الفقر لا يُخاف منه، إنما يُخاف من الغنى.

    والتشاحن لم يأت إلا من انفتاح الدنيا، حتى كلام الناس أصبح في الدنيا إذا دخلت المجالس الآن، أصبح التكلم عن الأسعار، حتى أصبح الناس الآن مع أسعار البترول، يعني: الأزمة الآن رفعت سعر البرميل، فأصبح حتى الذي لا يعرف أن يقرأ الفاتحة يلاحق سعر البرميل بسبب تعلق الناس بالدنيا وعدم تعلقهم بما يقربهم من الله , وإلا فلن يموت أحد جوعاً ما دام رزق الله وافراً، ولكننا نخاف -والله- من الدنيا أن تشتت فيما بيننا كما حدث، ونعوذ بالله من الخذلان والنكوص على الأعقاب.

    يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ [النحل:107] أحبوا الدنيا على الآخرة، تجد الشيخ في السبعين من عمره لا زال يبني ويراقب البنائين ويقف بنفسه على حسن العمارة وحسن الصياغة كأنه يعيش بعد السبعين سبعين أخرى، فماذا قدم للآخرة؟

    أنا رأيت في صحيفة مقابلة مع شيخ عمره (125سنة) من قرية من القرى ربما رأيتموها ماذا قدم هذا لعمره؟

    سألوه: تزوج أكثر من ثلاثين امرأة، ما الفائدة؟

    وعنده أبناء كثير، لكن لم يسألوه عن الدين، كم تصلي من النوافل؟

    كم تذكر الله عز وجل؟

    ما هو عملك اليومي؟

    هل استفدت شيئاً من تجاربك في طول الحياة؟

    ما هو الفرق بين الصُّفَّة التي عشتها فيها وهذه الصُّفَّة؟

    الشكر لنعم الله عز وجل؟

    كيف حالة الفقر الذي عشته وهذه الحالة؟

    كيف الناس الذين عاهدتهم وهؤلاء الناس؟

    هذه هي الأسئلة، أما أن تسأله ماذا يفطر في الصباح؟

    يفطر بخبزه في الصباح فيها ثلاثة كيلو بر ويقول: لا يأكل من هذه المعلبات شيئاً لا من الصلصلة ولا شيء، ولذلك يقول: عظمي كالحجر ولا زال يصعد الجبل، هذا طيب، لكن ما هي الدروس والعبر من (125سنة).

    ابن تيمية عمره 63سنة قدم للأمة أكثر من 300 مجلد، قدم للأمة دمه، قدم للأمة علمه، وكثير من الناس ما هو ذكره؟

    عبادته؟ صلاته؟ صلاحه؟ أثره في المجتمع؟ إصلاحه بين الناس؟

    هذا هو الصحيح.

    يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً [الإنسان:27] واليوم الثقيل هو: الآخرة.

    فنحن أحببنا -صراحة لا يسلم من هذا أحد- الدنيا ورسخت في أذاهننا واستولت بحديثها على مجالسنا، وأصبحنا نخاف.

    لما جاءت فتنة الخليج هذه هرع الناس إلى الأسواق، إلى الرز والسكر وكدسوها في المخازن كأنهم لا يموتون، ونحن - الحمد لله- من أكثر الشعوب منافذ على البحر من كل جهة.

    والأمر الثاني -كما قيل-: لن تأكل أنت وجارك جائع، إذا قامت المشكلة أصبح الناس سواسية.

    والأمر الثالث: أين الثقة بموعود الله- عز وجل-؟ والواجب أنا نكدس للآخرة من العمل الصالح كما كدسنا للدنيا.

    1.   

    ثانياً: المخرج من الفتن

    أيها الفضلاء: ما هي أسباب الخروج من الفتنة بعدما سمعنا أسباب الفتن؟

    السبب الأول: التضرع إلى الله عز وجل وصدق الدعاء

    فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات:50] والفرار لا يكون إلا إليه بالتوبة النصوح وبالاستغفار دائماً وأبداً.

    حدثنا بعض كبار السن من الجنوب يقول: أتتنا سنة قحط حتى ما بقي لا سمينة، ولا خضراء، ولا زهر، ولا شيء، قال: فخرجنا يوماً من الأيام بالدواب نتضرع إلى الله عز وجل، قال: والله الذي لا إله إلا هو لم نعد من المصلى إلا والسيل يطم الأودية، بسبب أنهم تضرعوا وصدقوا مع الله، لكن نحن الآن صلينا صلاة الاستسقاء، ولا نيئس من روح الله، صلينا مرات كثيرة، لكنا خرجنا مقصرين مذنبين وخرجنا نلبس اللباس الجميل، والرسول صلى الله عليه وسلم خرج متبذلاً متضرعاً متمسكناً، خرجنا بالسيارات الفاخرة كأننا في يوم عيد، وخرجنا نتضاحك في المصلى، والرسول صلى الله عليه وسلم خرج مستغفراً داعياً متبتلاً إلى الله، وخرجنا وكثير منا أمواله في البنوك الربوية، وكثير كان يستمع الأغاني الماجنة، والكثير ربما ما صلى الفجر في المسجد تلك اللحظة، والكثير عق والديه وهجر والدته، أو أساء، فما كان لصلاة الاستسقاء أثر فكان الحال هو هو لم يتغير، ونحن نرجو من الله أن يغير الحال إلى الأحسن، وأن يردنا إليه رداً جميلاً، ولا نيئس من روحه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

    يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:43] ويقول عز من قائل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].

    أنا أذكر لكم فكاهة وقعت في بعض الأماكن: أناس يعرفون من صلاة الاستسقاء -حدثنا بعض الدعاة بهذا من حديث هذه القبيلة- يعرفون من صلاة الاستسقاء أنهم إذا استسقوا الله عز وجل أنه ينـزل الغيث بإذن الله، لكنهم ليس فيهم إمام، وليس فيهم طالب علم لا يعرف أحد كيف يصلي بهم، فخرجوا بعد القحط فجلسوا في الصحراء في وادٍ من الأودية، وقالوا: يا ربنا نسألك أن تسقينا ظمئنا يا رب وانقطعت المياه ومواشينا، يعني: عرضوا الشكوى على الله عز وجل، وقالوا: والله الذي لا إله إلا هو لو كنت مكاننا وكنا مكانك لم نرض لك هذا الحال، ثم أخرجوا غترهم، قال: فأخذوا غترهم من على رءوسهم، قالوا: هذا بين يديك يا رب، أن تسقينا، قالوا: والله لقد نزل الغيث ذاك اليوم، وهذا برحمة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فأخذهم الله بنياتهم تبارك وتعالى لأنهم صدقوا مع الله أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [النمل:62] ويقول تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].

    السبب الثاني: الاهتداء بنور الوحي

    أي نور أتى به محمد صلى الله عليه وسلم وفجَّره في الدنيا!! أي نور بثه للقلوب! أي نور سار في الدنيا من نوره ومشكاته صلى الله عليه وسلم!

    أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أين      إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه

    قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا     ورسول الله قاد الركب تحدونا خطاه

    وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40] أين النور؟

    نور الله الذي أتى به صلى الله عليه وسلم نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ [النور:35] هذا النور وليس نور الكهرباء، ولا نور الشمس، ولا الضياء، إنما هو نور الرسالة، أن تهتدي بالإيمان، وأن تسلك سبيل القرآن، وأن تكون ولياً للواحد الديان، هذا هو النور.

    يقول سبحانه: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52] الله يخاطب الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول: أعطيناك روحاً فقد كنت ميتاً في أمة ميتة، أمة الصحراء، أنا وأنت، وأبي وأبوك، وجدي وجدك كنا نرعى البقر والإبل وجمالاً في الصحراء، فأتى صلى الله عليه وسلم وبعد (25سنة) انطلق المسلمون بهذه الرسالة، ملكوا ثلاثة أرباع الدنيا، كان عمر بن عبد العزيز يحكم في دمشق، وكان واليه في سمرقند وفي طاشقند وفي السند، وثلاثة أرباع روسيا كانت لنا.

    كم صرفتنا يد كنا نصرفها     وبات يملكنا شعب ملكناه

    قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52] أي: كنا جثة هامدة فأرسل الله فينا روحاً وهو القرآن والإيمان رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ [الشورى:52] حتى الرسول عليه الصلاة والسلام كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ولا يعرف أن يكتب اسمه، لكن العجيب أن القرآن كله في صدره والسنة كلها في صدره، وهو أخطب خطيب وأكبر مفتٍ، وأحسن قائد، أليس هذا معجزة؟ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ [العنكبوت:48-49] فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ [الشورى:52] من أمرنا يعني: من شرعنا.

    أربعون سنة يعيشها صلى الله عليه وسلم في مكة مع قوم فقراء أشبه شيء بالبدو، لا تعلم ولا قرأ ولا كتب ويأتيه في غار حراء النور هذا الذي قصده الله عز وجل بقوله: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52] سبحان من يهدي! يهدي من يشاء ويضل من يشاء، يهدي ابن الفاجر فيصبح الابن هذا ولياً لله، ويصبح الأب شقياً من الأشقياء، ويضل ابن الرجل الصالح فيصبح الابن شقياً والوالد صالحاً يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [يونس:31] حكمة بالغة وقدرة نافذة، فسبحان المصرف! سُبحَانَهُ وَتَعَالَى مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52] إلى طريق الجنة التي هي من أسباب الخروج من الفتن الاهتداء بنور الله عز وجل نور الوحي، الكتاب والسنة، الدروس والمواعظ والخطب ميراث محمد صلى الله عليه وسلم كلام العلماء.

    السبب الثالث: الاقتداء بالمعصوم عليه الصلاة والسلام

    يقول صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: {والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما أرسلت به، إلا دخل النار} أليس بصحيح هذا؟

    لا يسمع بدعوته صلى الله عليه وسلم يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن به إلا دخل النار.

    يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21] وقد تكرر قول ابن تيمية: من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدى غير هدى الله الذي أرسل به محمداً عليه الصلاة والسلام فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

    يقول الشيخ: محمد بن عبد الوهاب مجدد الدعوة -رحمه الله رحمة واسعة وجمعنا به في الجنة- يقول: عامي موحِّد يغلب ألف مخلط، ولذلك كان العوام في دعوة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب يهزمون الجيوش، كان يخافهم الإنجليز على حدود العراق، يحمل أحدهم المصحف والتوحيد ولا يعرف إلا لا إله إلا الله، ومحمداً رسول الله، ومنهج الله، فيغلب أعداء الله حتى يقولون: حامت عليهم مرة طيارة، فقال لهم القائد العسكري: ادخلوا الخيام، قالوا: الله فوق الطيارة أم الطيارة فوق الله؟ قال: لا. الله فوق الطيارة، قالوا: توكلنا على الله، فأسقطوها بإذن الله.

    الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:173-174] يقول: كانوا قبل المعركة يتطيبون ويلبسون أكفانهم، ويقول أحدهم: هبت هبوب الجنة، أين أنت يا باغيها؟ لا غنائم، ولا قصور، ولا سيارات، ولذلك في كل عصر كل من صدق مع الله واتبع المعصوم، أنقذه الله عز وجل من الفتن.

    السبب الرابع: اجتناب التشبه بأعداء الله عز وجل

    يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {من تشبه بقومٍ فهو منهم} وأكثر ما نحذره على أنفسنا التشبه، وقد وقع هذا في قطاع كبير من المسلمين التشبه بأعداء الله، التشبه في المظهر وفي الكلام، التشبه في الجلوس، وفي الأخذ والعطاء حتى أثر ذلك في معتقداتهم، ونحن قدوتنا وحبيبنا رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، فلماذا هذا التشبه؟

    ولماذا هذا الانحراف؟

    حتى دخل التشبه في صفوف النساء فيتشبهن بالرجال، والرجال يتشبهون بالنساء، يقول عليه الصلاة والسلام: {لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال}.

    في الرجال: كأن يلبس كلباس المرأة، أو يمشي كمشيتها، أو إذا تحدث رقق حديثه كالمرأة، أو يظهر في زيه زي المرأة، أو يلبس مثل لباس المرأة كالذهب والحرير.

    أو المرأة تفعل كفعل الرجل تزاول العمل الذي زاوله الرجل، وتتكلم بجرأة كجرأة الرجل، وتظهر بمظهر رجل، هذه ملعونة، فالعياذ بالله من الفتن: التشبه بين المؤمنين والكافرين وبين الصنفين من الرجال والنساء.

    السبب الخامس: اليقين أمام الشبهات

    اليقين: أن يكون عندك علم راسخ أمام كل شبهة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] أن تكون صاحب يقين، واليقين يحصل بأن تكون متأملاً دائماً ومتفكراً في آيات الله الكونية والشرعية، واليقين هذا هو العلم كله، وهو الرسوخ، يقول حافظ الحكمي رحمه الله:

    وهو رسوخ القلب في العرفان     حتى يكون الغيب كالعيان

    وفسره عليه الصلاة والسلام بقوله: {هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك}.

    وإذا خلوت بريبة في ظلمة     والنفس داعية إلى الطغيان

    فاستحي من نظر الإله وقل لها     إن الذي خلق الظلام يراني

    السبب السادس: الصبر أمام الشهوات

    هذا عصر الفتن وعصر عدم الوازع الديني عصر قلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعصر الوسائل التي تبث بكل لغة وبكل أسلوب وبكل بهرج الفتنة، فكيف تقف؟ تقف صابراً محتسباً.

    قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24] فالصبر حتى تلقى الله عز وجل.

    السبب السابع: قصر الأمل

    ألا تطول أملك في الحياة، وأن تعرف أنك اقتربت، وأن أجلك قد قرب، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح.

    السبب الثامن: تجديد التوبة والإنابة إلى الله والعودة إليه

    السبب التاسع: القيام بشكر المنعم سبحانه وتعالى

    السبب العاشر: الدعوة إلى منهج الله عز وجل

    كلنا دعاة، والواجب علينا إذا أردنا أن نحافظ على أمتنا، وعلى بلادنا، وعلى إيماننا، أن نكون دعاة وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79].

    فالله الله بنشر هذا الخير، كلٌ بحسبه، وكلٌ بقدرته كما كان يفعل أجدادنا وأسلافنا من قبل، والله معنا.

    السبب الحادي عشر: محاربة البدع والمحدثات

    البدع هذه حرب لرسالة الرسول عليه الصلاة والسلام، كلما رأيت مبتدعاً حاول أن تقنعه بترك بدعته، البدع في المعتقدات، البدع في العبادات، وما انهار كثير من العالم الإسلامي إلا بسبب البدع. طرق صوفية ضالة ما أنزل الله بها من سلطان، ومن يخرج إلى بعض الدول في الخارج يجد الأمر العجيب، يأتي المؤذن يؤذن -رأيناه في بعض البلاد- فقبل أن يؤذن يقرأ: قل هو الله أحد في الميكرفون ثلاث مرات ويصيح: صلوا على حبيبي، صلوا على حبيبي، فيصلي أهل المسجد، فإذا أذن مسح عينيه وقبل كفيه، أو إصبعيه، لأنه مسح عينيه، وبعد الصلاة يقوم الإمام ويقول: قراءة الفاتحة على روح المصطفى، ويبدءون يقرءون الفاتحة، ثم يقول حزبكم من القرآن.

    هذا خلاف سنة الرسول عليه الصلاة والسلام {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} ومن أعظم الفتن: البدع ووجودها، وانتشارها، والسكوت عليها -أعاذنا الله وإياكم منها- وما أتت رسالة أو تجديد دعوة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- إلا لتجميد هذا المسار البدعي.

    كانوا يطوفون بالقبور، وكانوا يعوذون بالجن من بعض الناس، كانوا يأتون باللحوم ويعلقونها بالأشجار وكانوا يذهبون إلى الكهنة، وكان الرجل إذا لم تحمل امرأته؛ يذهب إلى شيخ القرية ويهدي له، وكانت هداياهم التيوس والدجاج -وهي منتشرة الآن في بعض النواحي والعياذ بالله- يقول عليه الصلاة والسلام: {من أتى كاهناً، أو عرافاً فصدقه، فقد كفر بما أنزل على محمد} ومن أتى عرافاً فهو ملعون والعراف ملعون، ومن أتى كاهناً فهو ملعون والكاهن ملعون، وكذلك الساحر.

    ولا يزال بين الفينة والأخرى من يأتي فيخبرنا ببعض الأمور التي حدثت ورأينا كتاباً اسمه" الحرز " وكتاباً اسمه" الحجاب "فعله بعض المشعوذين عليهم غضب الله، وهم أعداء الرسل، ومن وجدهم فليبلغ بهم، وليرفع للمسئولين، وليكتب للعلماء، ومن سكت فهو مشارك لهم في الإثم، والعياذ بالله.

    السبب الثاني عشر: إيجاد البدائل الإسلامية

    أوجد بدل الأغنية الشريط الإسلامي وأدخله بيتك، بدل المجلة الخليعة تأتي بالمجلة الإسلامية والكتاب الإسلامي، بدل الجلسات التي جلست في العمر المنصرم والشباب الضائع في المقاهي اجلس مع الصالحين في المحاضرات والدروس وجلسات الخير، بدل الغيبة التي سلفت اذكر الله كثيراً، هذه البدائل الإسلامية.

    السبب الثالث عشر: تعرية الباطل وإظهار عوار الجاهلية

    وهذا يطلب من الأساتذة والدعاة والعلماء والمربين أن يبينوا عور الجاهلية، وأن يبينوا خبث الحضارة المادية، والكفر، وأن يبينوا للناس مزايا الإسلام في المحاضرات والندوات.

    السبب الرابع عشر: نشر علم الشريعة

    عسى الله أن يقيم هذه الشريعة وأن ينصرها وأن يرفع ميزانها، فإن سعادتنا مرهونة بالشريعة، نشر علم الشريعة أن تشجع ابنك وبيتك على سماع الشريعة، وحضور مجالسها التي يعرض فيها الفقه والتفسير، والحديث والعقيدة الموروثة عن معلم الخير عليه الصلاة والسلام، لأن أهل الباطل ينشرون باطلهم -الكفر- يعني: من يذهب إلى بلاد الكفر يجد محاضرات الكفر يحضرها إلى مائتي ألف وثلاثمائة ألف، لها دعايات وقنوات، وصحف ومجلات، ووكالات ووسائل، فأهل الخير جديرون أن يتعاونوا، لأن هذه البلاد ما قامت إلا على الشريعة، ولن تصلح إلا بنشر الشريعة، فالله الله في نشر ميراث محمد صلى الله عليه وسلم وبالتواصي بالحق.

    1.   

    الأسئلة

    حتمية الصراع بين الحق والباطل

    السؤال: لي حلقة قرآن أشرف عليها في إحدى القرى وأكثرهم من صغار السن، ولكنهم يشكون علي وجود شباب يضايقوننا في حلقات القرآن فماذا نفعل؟

    الجواب: قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31]. الإنسان لا يجلس على طريق الحق إلا بأعداء، ومن سنة الله في الكون أن يجعل للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وللصالحين وللأولياء أعداء، ولا يصلح الإنسان إلا بعد الصراع بين الحق والباطل، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ [البقرة:251] وفي قراءة مشهورة وَلَوْلا دِفَاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ [البقرة:251] هذا يدفع هذا، وهذا يضر هذا، وهذا ينكد على هذا، وهذا يعلق على هذا، وهذا يؤذي هذا وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً [الفرقان:20] هذا امتحان حتى يعلم الله الصادق من الكاذب، لكني أوصيك أن تتعامل معهم بالسماحة واللين، وأن تخبر أهل الخير في القرية علهم أن يكونوا معك، لأن الخير لا ينقطع، وحاول أن تعرض عليهم هذه المسألة ليحلوها فيما بينهم خاصة كبار أهل القرية، وإمام المسجد، وأهل الفضل من الأعيان.

    الغناء كله حرام

    السؤال: ورد في كلامك أن الغناء إذا وجه ورشد كان خيراً وخاصة بعد ذكرك للغناء فما معنى ذلك؟

    الجواب: قد يلتبس هذا على بعض الناس، وأنا لم أقصد هذا، وربما إن كنت أخطأت لفظاً فأستغفر الله، بل الغناء كله محرم كما نص على ذلك علماؤنا وتعرفون أن الآجري والشوكاني قد نقلوا الإجماع عن أهل العلم بتحريم الغناء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكثير من العلماء رسائل في ذلك، وفتاوى كسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز، وفضيلة الشيخ: محمد بن صالح بن العثيمين، بل هيئة كبار العلماء بالإجماع يرون تحريمه كما حرمه الإمام مالك وأحمد والشافعي وأبو حنيفة، والصحابة مجمعون على ذلك وكذا التابعون، ولم يحله إلا بعض العقلانيين الذين لا يعرفون من الأحاديث ولا من السنة شيئاً.

    فسوق من ترك صلاة الجماعة

    السؤال: هل الذي لا يصلي الفجر يعتبر كافراً مع العلم أنه يصلي في وقت متأخر؟

    الجواب: لا. ليس بكافر، من يصلي ولو آخر الصلاة يعني: في وقتها ليس بكافر، لكنه فاسق إذا ترك صلاة الجماعة بدون عذر، من يترك صلاة الجماعة عند أهل السنة فاسق وليس بكافر، بل فاسق ترد شهادته، ولا يؤتمن ولا يصدق، ويعتبر فاسقاً، لكن لا يخرج من الملة، لأنه صلى لكن في بيته.

    وجوب الصلاة في جماعة

    السؤال: هل يجوز الصلاة في البيت علماً أن العذر هو البرد في الفجر واللهو في الأوقات الأخرى؟

    الجواب: لا يجوز ترك الصلاة من أجل البرد، أو صلاتها بالبيت، وصلاة الجماعة عند أهل الحديث واجبة، صلاة الجماعة -أيها الإخوة الفضلاء- واجبة، وقد نص أهل العلم على ذلك وجمعوا ما يقارب أربعة عشر دليلاً على وجوب صلاة الجماعة في المسجد منها: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة معنا فأحرق عليهم بيوتهم بالنار} وقوله صلى الله عليه وسلم للأعمى لما قال: أتجد لي رخصة؟ قال: {أتسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح، قال: نعم. قال: فأجب، فإني لا أجد لك رخصة} إلى غير ذلك من الأدلة، فهي واجبة.

    العمل بالسنة

    السؤال: ما رأيك في إنسان إذا قلت له حينما يعطس يرحمك الله، قال: كويس صديق؟

    الجواب: يظهر أن هذا باكستاني، عليك أن تعلمه السنة، وبعضهم يقول: متشكرين، فعليك أن تعلمه سنة الرسول عليه الصلاة والسلام.

    وصول الأجر إلى الميت

    السؤال: هل ثواب قراءة القرآن يصل إلى الميت؟

    الجواب: نعم. الصحيح من أقوال أهل العلم أن ثواب قراءة القرآن يصل إلى الميت، والاستغفار والدعاء والصدقة كما قال صلى الله عليه وسلم: {إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له} حديث صحيح.

    الغناء يورث النفاق

    السؤال: هل الغناء يورث النفاق في القلب؟

    الجواب: بلا شك، وهذا الذي حذر منه ابن القيم، وسماه رقية الشيطان، وقرآن الشيطان، وهو مكيدة ابتلي بها كثير من عباد الله حتى صرفهم عن منهج الله عز وجل.

    شكر الله لكم إنصاتكم واجتماعكم، وتغمدنا الله وإياكم برحمته، وجمعنا بكم في دار الكرامة، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767945117