عنوان هذه المحاضرة: قالوا وقلنا، وقبل أن أبدأ في تفاصيلها وبعض مسائلها أنبه على مسألة خطيرة:
إن من أسباب عظمة هذا الدين أنه يخاطب كافة طبقات الناس، يخاطب الأغنياء والفقراء؛ والسادة والعبيد؛ والرجال والنساء؛ والكبار والصغار.
إن محمداً عليه الصلاة والسلام بعثه الله إلى الرجل ليخاطبه، وليكلمه، وليفهمه، وليقوده إلى الجنة، وبعثه الله إلى المرأة ليوعيها ويفهمها ويكرمها، ويقودها إلى الجنة.
وأنا أعرف أن بيننا شيوخاً كباراً, شابت رءوسهم في طاعة الله، واحدودبت ظهورهم في مرضاة الله، واقتربوا من الرحيل وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، ومعنا في هذا المجلس أطفال رضعوا لا إله إلا الله، وشبوا على منهج الله، وارتضوا الله رباً، ومحمداً نبياً، والإسلام ديناً، ومعنا في هذا المكان نساء طاهرات عفيفات مؤمنات مصليات، كن داعيات وما زلن؛ حافظات للغيب بما حفظ الله.
ونفهم من ذلك عظمة الإسلام، وعظمة محمد عليه الصلاة والسلام. -بأبي هو وأمي- خاطب الملوك ودعاهم إلى الله فاستجابوا له، وأتى إلى الأطفال وحملهم وهو يصلي، وقام بأدبهم، وأذن في آذانهم، الرجل الذي عاش مع المرأة أباً وأخاً وزوجاً وشفيقاً حميماً بقريباته صلى الله عليه وسلم، ومعلماً للأجنبيات، علمهن الحجاب والأدب، وغض البصر والكرامة، وتربية الأطفال، والدعوة إلى الله.
أعلن حقوق المرأة في عرفات فسمعه العالم، وأنصتت له الإنسانية صلى الله عليه وسلم.
هذه أطروحة بين يدي هذه المحاضرة، ولعله من الطريف أن يجدد الداعية أسلوبه؛ لأن الباطل يجدد سلاحه، والله يقول: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] فإذا أنشد الباطل قصيدة فحق لنا أن نرد عليه بقصيدة، وإذا نشر في صحيفة فواجب أن ندمغه في صحيفة، وإذا تناول الإسلام على منبر فواجبنا علينا أن نهدده على منبر، وإذا قاتلنا بالسلاح قاتلناه بالسلاح.
إن بني عمك فيهم رماح |
كأن رقيباً منك يرعى مسامعي وآخر يرعى مسمعي وجناني |
فما لفظت من فيّ بعدك لفظة على القلب إلا عرجت بجناني |
قال تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31] وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33].
حرية المرأة أن تصلي الصلوات الخمس في أوقاتها، وأن تخرج من البيت أطفالاً يؤمنون بالله لا أطفال شوارع.
وقف أعرابي فرأى امرأته تنظر إلى الأجانب؛ فقال: أتنظرين للأجانب؟ قالت: إني أنظر فقط، أنا لم أخالطهم ولم أضاجعهم ولا أدخلتهم بيتي، قال: نظر؟! -وهو بدوي- قالت: نعم؛ فطلقها بالثلاث، فقال له الناس: ما نظرت إلا نظراً، قال: أضاجعها وأدخلها بيتي وقد ملأت عينيها من الأجانب؟! ثم قال:
إذا وقع الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه |
وتجتنب الأسود ورود ماء إذا كن الكلاب ولغن فيه |
إنها العزة والشمم!
وكان سعد إذا تزوج امرأة حملها على فرس، فإذا وصل إلى بيته نحر الفرس، قالوا: مالك؟ قال: لئلا يركب الفرس رجلٌ في مكان زوجتي التي ركبت فيه.
هذه عروبة الإسلام لا إسلام العروبة، وأصالة النخوة لا نخوة الأصالة المدعاة، إذاً فهذه هي الحرية التي ينادي بها العلماء والدعاة، أن تكون أمة لله، وطاهرة صينة وقورة، لا تكون عرضة.
الأمريكان أخرجوا المرأة في الحرب العالمية الثانية من البيت تحمل السلاح تقاتل به القوات، وأوصلوها إلى فيتنام، وحملوها على الطائرة، وأركبوها الدبابة؛ فضاعت المرأة.
خلقت المرأة أمة لله تربي الجيل في البيت، وخلقت معلمة ومحاضرة ومربية؛ لكن في بني جنسها وفي سترها وعفافها، أما ثقافة الغرب فأخرجت المرأة على الشاشة تنشر شعرها، لا إله إلا الله! إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا [الزلزلة:1] مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً [الكهف:5] وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ [المؤمنون:63] جعلوها في المسرح تسكر مع الأجانب، وتسافر بلا محرم، وتجوب الأسواق بلا زوج وبلا أخ ولا ابن، هذه حريتهم التي يريدون للناس.
إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام |
الفتاوى التي تعتمد على قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام.
أنا أعرض عليكم بضاعة بعض الشعراء وأنتم تحكمون، أحد الشعراء دخل مع بعض الجيوش العربية فلسطين يوم الهزائم السوداء، يوم دخلت بعض الجيوش بغير لا إله إلا الله، دخل الشاعر هذا فكتب على أحد الأعلام:
آمنت بـالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ماله ثاني |
هذا كفر أم لا؟ هذا كفر بإجماع العلماء والحمقى والمغفلين والحيوانات.
وقد أراهم الله أي بعث بعثهم، وأي عروبة عروبتهم، تركوا أحذيتهم وفروا من وجه موشي ديان، ولاحقتهم جولدا مائير حتى أدخلتهم جحورهم كالضباب: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45] ويقول شاعر آخر:
هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم |
ألا يا هلاً كفراً يؤلف بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم |
هذا كفر أم إيمان؟ هذا أكفر الكفر، وأطغى الطغيان، وألحد الإلحاد، أفيقال: لا تتدخلوا في هذا الشأن؟! أيكفر بالله، وتمزق شريعة الله، وتمرغ لا إله إلا الله، ثم يقال: لا تتدخلوا في هذه الجوانب؟!
ومنها -وأستغفر الله!- ما قاله العكوك وهذا شاعر قديم، والضياع والكفر قديمان من عهد إبليس, قال لأحد السلاطين:
أنت الذي تنزل الأيام منزلها وتنقل الدهر من حال إلى حال |
وما مددت يداً في اللوح كاتبة إلا قضيت بأعمار وآجال |
ودخل زنديق على سلطان قال:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار |
ودخل ضال غاوٍ آخر على سلطان مصر -وسلطان مصر كان من أظلم الناس- يقول أهل العلم: زلزلت مصر بسبب ظلمه، كان يأتي إلى المرأة وهي حامل، فيأخذ الخنجر، فيشق بطنها فإذا ابنها أمامها، نزل للسوق وأقسم للناس: إن لم تسجدوا لي لأذبحنكم جميعاً؛ فسجدوا له في السوق، ولما أصابت مصر زلزلة دخل عليه الشاعر يخفف عليه المصيبة قال:
ما زلزلت مصر من كيد ألم بها لكنها رقصت من عدلكم طربا |
هل بعد هذا كفر؟ يقول: لا تظن مصر زلزلت، بل رقصت فرحاً من هذا العدل.
ويوم الإثنين كان يوماً معروفاً عند الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم فيه النساء، ويفقههن ويفتيهن في الحيض والنفاس والولادة والزوجية والبيت، وكل دقيقة وجليلة من حياتها، وعلمها كيف تربي الأجيال.
ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان |
لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني |
لكن الله أراهم ما هو التطرف.
رئيس رومانيا قام عليه شعبه فسحبوه كالدجاجة حتى ذبحوه في الشارع، وآمنوا بالتعددية وكفروا بـالشيوعية.
جرباتشوف يلوح في حديقة من حدائق موسكو إلى الناس أن يثبتوا؛ فقاموا عليه بالتراب، وسفوه على وجهه بعد تنازلاته الكبيرة، لأن الإلحاد لا يثبت للأرض، والتطرف ليس له أساس، والأصل لا بد أن ينتصر، ولأن لا إله إلا الله وصلت إلى موسكو، وسوف يأتي هذا في آخر هذه المقالة.
ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا |
لا يجوز لك هذه المقارنة، حسبك الله، ويل لك من الله! تقارن بين عظيم يتلقى الوحي من السماء بعثه الله رحمة للناس، وبين مجرم فرنسي سحق الأطفال والشيوخ، واستعمر العالم، وسفك الدماء، وهدم المساجد، ذاك يقول الله فيه: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:1-4] ويقول فيه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] وأما ذاك نابليون فيقول العالم: لعنه الله!
قالوا الهوى والحب هل تعنو له أم أنت في دنيا الهوى متجلد |
قلت المحبة للذي حمل الهدى فحبيب قلبي في الحياة محمد |
أنس بن النضر يقول: [[إليك يا
وحب جعفر الطيار:
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها |
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها |
وحب عمير بن الحمام يلقي التمرات ويقاتل ويقول: {بخ بخ! إنها لحياة طويلة حتى آكل هذه التمرات}.
وحب سعد بن الربيع الذي قال: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى]].
قالوا: إن شاعر الإنجليز شكسبير دخل على فنانين (رسامين) في حديقة في لندن، فقالوا: ما رأيك في اللوحات؟ قال: جيدة. قالوا: هل لك اقتراح؟ قال: لي اقتراح أن يعلق الرسامون بدل هذه اللوحات.
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا |
فليت لي بهم قوماً إذا ركبوا شدوا الإغارة فرساناً وركبانا |
لا يسألون أخاهم حين يندبهم للنائبات على ما قال برهانا |
تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي مربض المستأسد الضاري |
ٍتأمين المستقبل هو طاغوت لا يكسره إلا أن تؤمن بالله، وتعلم قوله عليه الصلاة والسلام: {إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض} رواه الترمذي بسند صحيح.
يقول مصدر مطلع: بلغ نسبة الرجال للنساء رجل واحد إلى أربع نساء، أي: (ثلاثة صفر) هذا العدد أربع إلى واحد، هذا الفائض والتعدد تسألوا عنه أهل العلم قال تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد |
السماء تشهد أن لا إله إلا الله، والأرض، والماء، والهواء، وكل شيء.
يقولون: كان شيخ الإسلام إذا نظر إلى شجر روضة دمشق تدمع عيناه، ويقول:
وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا |
وهذا على حد قوله عليه الصلاة والسلام: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).
يقولون: الجمل جمع مائة صفة من الحيوانات، رأسه يشابه رأس الجرادة، وأذناه أذن الذئب، وذنبه ذنب السرحان، وركبتاه كالنعامة، وزوره كحيوان آخر، ويحقد مثل حقد الإنسان أو أكثر، فيقول الله: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ [الغاشية:17-18].
يقول سيد قطب رحمه الله في الظلال: أفلا ينظر أهل الصحراء إلى السماء، والسماء في الصحراء لها طعم ومذاق، فكأنه لا سماء إلا في الصحراء، لكن نحن ما أصبحنا نرى السماء، أصبحنا بين الأفران والخبازين والغسالين والسيارات، والصياح والمطاعم والفنادق، والحراج والبيع والشراء، فما أصبحنا نرى السماء ولا النجوم، ولا القمر، ما تسمع إلا حمحمة وطمطمة وغمغمة، فيقول سيد قطب: وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ [الغاشية:18] قال: أفلا ينظر أهل الصحراء إلى السماء، والسماء في الصحراء لها طعم ومذاق كأنه لا سماء إلا في الصحراء، السماء بأصيلها الفاتح وبحديثها الساحر، السماء وفيها النجوم في الليل، النجمة الواحدة كأنها مهجورة، أي: كأنها طردت من بين النجوم فهي محرومة، والنجمتان كأن بينهما حديث الود والنجاة، والمجموعة من النجوم كأنها في مهرجان الحياة، فهذا كما قال الأول:
وكتابي الفضاء أقرأ فيه سوراً ما قرأتها في كتاب |
وفي صلح الحديبية قال لـعلي: اكتب: هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سهيل بن عمرو مندوب المشركين: لا. لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك، اكتب محمد بن عبد الله، قال علي: والله لا أمحو رسول الله، أي: صعب على قلبي أن أمحو (رسول الله) قالوا: فمحاه صلى الله عليه وسلم بنفسه. علمه الله أين مكان الرسول وهو أمي؛ لأنها معجزة، لو كان يكتب لقالوا: هو الذي كتب القرآن من رأسه، كيف وقد افتروا عليه وهو لا يقرأ ولا يكتب، كما قال تعالى عنهم: وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:5-6] فكيف لو كتب؟! وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:48-49].
الشاهد: أن الله قال له: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1] وهو في الغار وعمره أربعون سنة، أين يقرأ؟ وأين يكتب؟ ما عندهم دفاتر، ولا أقلام، ولا ملحقات، ولا سبورات، ولا طباشير، قال أهل العلم: اقرأ في السماء، واقرأ آيات الله في الكون.
كان عند حليمة السعدية وعمره صلى الله عليه وسلم ما يقارب أربع سنوات، وكانت تدخله الخيمة؛ لأنه كان يرضع منها عند بني سعد في البادية، فكانت تدخله الخيمة في الليل، فيخرج يحبو ويمشي قليلاً من الخيمة ويخرج ينظر في السماء، لا إله إلا الله! تدخله الخيمة ويخرج ينظر إلى النجوم والقمر، ولذلك فهو الذي سوف يغير العالم، وتلاميذه بعد خمس وعشرين سنة خطبوا في قرطبة، وذبحوا الملك داهر في الهند، وخطبوا على منبر كابل، وصلوا بالناس في جوامع صنعاء والفرات واللوار والنيل، وبعض الناس اليوم عمره أربعون سنة لا يسجد لله سجدة ولا يتفكر، بل الإسلام في آخر اهتماماته، هذا إن كان مسلماً أما إذا كان كافراً فكما يقول القائل:
لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار |
إن بعض المسلمين ممن ظاهره الإسلام آخر اهتمامه الإسلام، يفكر في الطبيخ والثلاجة والبرادة والسخانة والسيفون, وفي الأخير يفكر في الإسلام، ويفكر في صلاة الجماعة والدين، قال تعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] وقال تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].
حدثنا بعض العلماء في الرياض، أن بعض العباد في الرياض ما زالوا أحياء اليوم كباراً في السن؛ في السبعين والثمانين، يصلون صلاة الفجر يوم الجمعة في المسجد الجامع، ثم يفتحون المصحف من الفاتحة، وقبل دخول الخطيب بدقائق ينتهون من سورة الناس، لا يقل أحدكم: لا يمكنهم، بل يمكنهم، فقد داوموا عليه وأعادوه حتى أصبح كالماء على ألسنتهم، فكم من حسنة سجلوها من الصباح، يقول عليه الصلاة والسلام: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه} ويقول: {من قرأ القرآن فله بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف} هذه الحروف يسجلها الله كل حرف بعشر حسنات: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10] ثم قال: وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ [فاطر:10].
قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها |
فكان عند الزحمة كالحارس عند الرسول عليه الصلاة والسلام، إذا رأى الزحام أرسل كتفه أو يده فرد مجموعة من الناس، وكان يحدث أبا بكر عند الكعبة، فلما رأى الكعبة دمعت عيناه، فقال عمر: مالك يا رسول الله؟ قال: {هنا تسكب العبرات يا
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا |
وإني لأستغشي وما بي غشوة لعل خيالاً منك يلقى خياليا |
حسان حبيبنا، وهو قائد الشعراء إلى الجنة يوم القيامة، يدخل الجنة بالأدب: فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [الانشقاق:20] من عنده شعر وأدب وقصة؛ فلماذا لا يستخدمها في طاعة الله وفي نصرة الإسلام؟
حسان يدخل الجنة بالشعر، تخصصه في قسم الأدب، كان عليه الصلاة والسلام يسمع هجاء المشركين يسبونه ويشتمونه، فيقول: يا حسان! كيف تفعل مع المشركين؟ -أي: هل تستطيع أن تمرغهم بالتراب؟- قال: يا رسول الله! أستطيع، قال: بماذا؟ فأخرج لسانه وضرب به أرنبة أنفه -ونحن لا نستطيع، كل من في المسجد لا أعلم أن أحداً إلا في القليل يستطيع، وهذا ليس وقت إخراج الألسن- فأخرج حسان لسانه وضرب أرنبة أنفه وقال: يا رسول الله! بهذا؛ لو وضعته على صخر لفلقه، ولو وضعته على شعر لحلقه، قال: {اللهم أيده بروح القدس} من هو روح القدس؟ جبريل؛ لأن جبريل يحب حساناً، وحسان يحب جبريل، وحسان مدح جبريل بقوله:
وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد |
يقول: القيادة العليا بيد جبريل وبيد محمد، قال بعض العلماء: بل القائد الأعلى محمد صلى الله عليه وسلم، وجبريل تحت قيادته؛ لأن جبريل لما نزل بألف ملك، يقول بعض الخطباء العصريين: نزل بكمندوز، لكن نحن نقول: ملائكة مسومين عليهم العمائم، نزل بهم على العقنقل، والغبار على ثناياه, ومعه ألف مقاتل من الملائكة قد صدر إليهم الأمر الإلهي: وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [الأنفال:12] فوصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فاشترك معه، وجعل القيادة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، يقولون: أشرف بيت قالته العرب:
وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد |
يقولون: علي بن موسى ولي عهد المأمون كان رجلاً صالحاً كبير القدر؛ مات مسموماً شهيداً، كان يصلي نصف الليل، فأتوا لشاعر من الشعراء اسمه الحسن بن هاني، قالوا: مدحت الناس جميعاً وتركت ابن بنت الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه ينتسب إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، فهو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب , فأتى الحسن بن هاني هذا إلى علي بن موسى، قال: سامحني، لأني ما مدحتك؛ لأنك أكبر من المدح، ولكن قلت فيك أبياتاً، قال: ما هي؟ قال:
قيل لي أنت واحد الناس في كل معنىً من الكلام بديهي |
لك في جوهر الكلام بديع يثمر الدر في يدي مجتنيه |
فعلام تركت مدح ابن موسى بالخصال التي تجمعن فيه |
قلت لا أهتدي لمدح إمام كان جبريل صاحباً لأبيه |
يقول: كيف أمدحك وأبوك كان جبريل صاحبه؟! لا أستطيع أمدح الناس لأنهم ناس، أما أنت فأبوك كان معه جبريل عليه الصلاة والسلام.
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم فداء |
فإما تعرضوا عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء |
وإلا فاصبروا لجلاد يوم يعز الله فيه من يشاء |
ثم يقول:
عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء |
يقول: جعل الله خيلنا لا تعود إلينا، إذا لم تثر الغبار على مكة
تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخمر النساء |
يقولون: دخل عليه الصلاة والسلام يوم الفتح، فكانت خيول خالد بن الوليد من جهة الخندمة، وكان خالد على الخيالة، فخرج نساء مكة، أما المقاتلة ففروا، دخلوا البيوت وأغلقوا عليهم الأبواب، فخرج نساء مكة يضربن خيول المسلمين بالخمر، فتبسم عليه الصلاة والسلام وما كان يحفظ الشعر: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس:69] فالتفت إلى أبي بكر، وكان أبو بكر أحفظ الناس للشعر، قال: يا أبا بكر! كيف يقول حسان؟ فتبسم أبو بكر وقال:
عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء |
تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخمر النساء |
رضي الله عن حسان.
قالوا: وأقوى ركن؟ قلنا: التوكل على الله أقوى شيء.
فهل تدرون من هو الأول في الكتاب؟ عظماء العالم مائة، العرب واليونان والصين واليابان والأمريكان والإنجليز؛ كل العالم، الأول محمد عليه الصلاة والسلام، ويستأهل أبو الزهراء.
أبا الزهراء قد جاوزتُ قدري بمدحك غير أن لي انتساباً |
قاد خالد بن الوليد في الجاهلية والإسلام مائة معركة، وما غلب لا في الجاهلية ولا في الإسلام، حتى المعارك التي شارك فيها في الجاهلية كسب فيها نصراً جاهلياً، هو لم يشارك يوم بدر كان غائباً، فأتى يوم أحد فشارك، وكان قائد الخيالة ذاك الوقت، وما شارك في المعركة إلا في الأخير، وقال صلى الله عليه وسلم للرماة: قفوا على هذا الجبل ولو رأيتم الطير تخطفنا فلا تنزلوا، فلما رأوا الغنائم، ورأوا الناس انتصروا في أول المعركة نزلوا وتركوا الجبل، فرآهم خالد فالتف من وراء الجبل، وصعد بالخيل فانتصر المشركون.
وبقي سنوات بعدما فتح الله الفتوح على المسلمين، وقتل أعداء الله، واستسلمت ثلاثة أرباع الدنيا بنصر الله ثم بسيف خالد؛ وأتت الغنائم من الذهب والفضة والحدائق والقصور والبساتين، فتركها خالد، وأتى إلى قرية في حمص، فأخذ مصحفاً لا يزال إلى اليوم في المسجد الأموي بـدمشق كما يقول المؤرخون، غلافه في المتحف، غلافه جلد جمل، كان يفتحه من الصباح ولا يطبقه إلا في صلاة الظهر، وكان يبكي ويقول: شغلني الجهاد عن القرآن، فلما أخرجوا جنازته أخذت أخته تبكي وتقول:
أنت خير من ألف ألف من القو م إذا ما كبت وجوه الرجال |
ومهين النفس العزيزة للذكر إذا ما التقت صدور العوالي |
وأتى الخبر عمر في المدينة، فأخذ بردته يجرها، وجلس في المسجد وحده يبكي، وأخذ يضرب رجله بعصا عنده، ويقول: ذهبوا وتركوني، فأتاه رجل فقال: امنع النساء فإنهن ينحن على خالد، قال: [[دعهن، على مثل
تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها |
وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها |
ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها |
كان بينه وبين عمر مثل ما بين البشر من إحن في بعض الأمور، ولما حضرته الوفاة هل تدرون إلى من أوصى أن يقسم تركته وصدقاته وعقاره؟ قال: بلغوا عمر بن الخطاب عني السلام، وقولوا: أنت خليفة خالد ونائبه في أمواله. فلما أخبروا عمر -وكان واقفاً- بكى حتى جلس.
قالوا: شعره جميل، قلنا: كقول فرعون: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ [يونس:90] له قصائد جميلة، لكن لا يعني ذلك أن نتبناه، أو أن ننشر شعره، أو أن نطالع ما يبثه من سموم، فهو متهتك متعدٍّ لحدود الله، عدو لله.
قالوا: نازك الملائكة، قلنا:
وما شر الثلاثة أمَّ عمروٍ بصاحبك الذي لا تصحبينَ |
قالوا: طه حسين، قلنا: تاريخ الفراعنة، وهوية باريس، إذا عاد إلى مصر قال: الفراعنة الفراعنة!! وإذا ذهب إلى الغرب، قال: باريس باريس!
قالوا: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، قلنا:
عليه سلام الله ما أشرق الضحى ورحمته ما شاء أن يترحما |
تحية شهم باع لله نفسه مقاصده أعلى وأغلى وأعظما |
قالوا: الشباب لا يقرءون، قلنا: إذا كبروا سوف يندمون.
أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب |
يقول: أعز مكان في الدنيا ظهر الفرس إذا قاتلت به في سبيل الله، وقبل الإسلام كان يتمنى الإنسان إذا مات أن يموت على ظهر الفرس، أتى عامر بن الطفيل أحد شجعان العرب في الجاهلية وعظماء العرب، أتى هو وأربد بن قيس يريدون اغتيال الرسول عليه الصلاة والسلام، فحماه الله منهم، فلما ولى عامر بن الطفيل، قال صلى الله عليه وسلم: {اللهم اكفنيهم بما شئت} فدخل عامر هذا في بيت عجوز سلولية, فأصابه الله بغدة، فأصبحت الغدة كالثدي في نحره، فعرف أنه الموت، فأخذ سيفه وصعد على ظهر الفرس، وقال: غدة كغدة البعير في بيت امرأة سلولية، لا أموت إلا على الفرس، ونقول: مت على الفرس، أو تحت الفرس أو في بطن الفرس فأنت عدو لله.
إنما الشاهد أنهم يرون أن أعز مكان سرج الفرس، وخير جليس في الزمان كتاب الله.
لا إله إلا الله! يوم يخبرك الله عز وجل بوعده ووعيده، وما أعد لأوليائه, وما فعل بأعدائه, وأيامه الخالية، والمثلات في الأمم، والمنازل والديار، والأخبار والحكم، والعظات والأسلوب والأدبيات التي في القرآن التي تقودك إلى رضوان الله عز وجل.
قالوا: صف لنا الزهرة، قلت: يقول أبو نواس:
تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك |
عيونٌ من لجين شاخصاتٌ بأحداق هي الذهب السبيك |
على قصب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك |
كان الأعمش مزاحاً، يقولون: إذا أتاه الثقلاء من الناس، قال: ربنا اكشف عنا العذاب إنا موقنون! وكان من تواضعه لا يعتني بالمظهر، والاعتناء بالمظهر طيب، لكنه متواضع يظهر البذاذة، كان يلبس الفرو مقلوباً، فيقول له أحد تلاميذه: لو قلبت فروك كان أحسن، قال: أشر على الخروف بذلك؛ لأن الفروة أصلاً على الخروف على هذا اللبس، يقول: انتقدت عليّ ولم تنتقد على الخروف!
قال له أحد الحاكة: هل تجوز إمامة الحاكة؟ قال: نعم. بلا وضوء، ذكر ذلك الذهبي في السير وغيره.
قالوا: إلى أين وصلت الصحوة الإسلامية؟ قلنا: إلى موسكو، فقد خرج هذه السنة من موسكو من قلب عاصمة الملحدين، عاصمة بريجنيف وجرباتشوف ألفا حاج أو ما يقاربهم يقولون من هناك: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
رفيق صلاح الدين هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر |
رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا |
تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ |
فلما حانت صلاة الظهر، قام جلال الدين حقاني أو غيره إلى الميكرفون في هيئة الأمم المتحدة وصدح بالأذان، فسمع العرب والعجم والسود والحمر والشقر والسمر، واسمع يا زمن واكتب يا تاريخ: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.
قالوا: قدم المصطافون أبها؟ قلنا:
ضيوف الخير قد شرفتمونا بلقياكم ربوع الجو طابا |
فـأبها من زيارتكم تباهت بثوب الخلد أطلقت الضبابا |
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني |
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني |
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب |
نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعل الردى مما نرجيه أقرب |
ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخرب |
إلى الله نشكوا قسوة في قلوبنا وفي كل يوم واعظ الموت يندب |
يقول المؤرخون: كان القاهر الخليفة العباسي من أطمع الناس في الأموال، أتى فحفر حفراً في الأرض -برك وخزنات- وملأها بالذهب والفضة، لم يتكل على الله، اتكل على ذهبه وفضته وخزاناته، فسلبه الله ملكه وماله، وخلعوه وسملوا عينيه واقتلعوها بالحديد والنار، فكان يقوم في مساجد بغداد يقول: من مال الله يا عباد الله؛ لأنه ما ركن إلى الله.
قالوا: العالم مهدد بالمجاعة، قلنا: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6] يرزق النملة في جحرها ولا يرزقك.
السؤال عند أهل العلم، قالوا: لماذا لا ينبت الحب الذي تأخذه النمل وتدخل به بيتها؟ قالوا: بإذن الله تأتي النمل، فإذا أدخلته أتت المستهلكات من النمل، خرقت الحبة من وسطها، فتصبح غير قابلة للإنبات الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50].
أولاً: العصفور ليس من جنس الثعابين والحيات، فهو عدوها وهي عدوته؛ لكن سخره الله لها.
الثاني: جعل الله الحية في رأس النخلة حتى لا تقتل في الأرض.
الثالث: إذا اقترب وصوص لها ففتحت فمها، فأعطاها رزقها قال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [الأنعام:59] انظر الاستثناء بالجزم والقطع (إِلَّا هُوَ) بالضمير، تحدٍ للعالم: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59] فسبحان من أعطى! وسبحان من هدى! وسبحان من خلق!
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا [هود:6] لا يعلم المستقر والمستودع إلا الله، يقول بعض المفسرين: المستقر هو: مكان البيتوته، لأن للنملة مكاناً للنوم، ومكاناً للطعام، فيقول الله عن المستودع هذا: : وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا [هود:6] قالوا: المكان الذي تأكل فيه، والمكان الذي تنام فيه، وكذلك النحل وكل الحيوانات؛ لأنها ممالك، مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء [الأنعام:38].
لا بأس بالقوم من طول ومن قصر جسم البغال وأحلام العصافير |
وتجد أكثر العباد والزهاد والصالحين ضعافاً، وتجد أكثر الفجار والمنافقين كالسواري، وهذا في العموم الغالب، وإلا فإنك تجد كثيراً من المؤمنين من أقوى الناس، يوقف بعضهم السيارة وهي تمشي.
يقول الأستاذ علي الطنطاوي في المذكرات: عندنا شيخ في دمشق، سماه أظن في الجزء الثالث أو الرابع من مذكراته، يقول: من أعبد وأتقى وأصلح الناس، يقول: والله ما رأيت في حياتي أقوى منه بنية، ومن ضمن قصصه يقول: أتى فرس يقود عربية، ونزل بالعربية هذه في شارع ضيق نازل دمشق، والأطفال في آخر الشارع، والفرس مسرع، ومعنى ذلك أن الفرس إذا نزل بالعربية فسوف يحطم الأطفال ويسحقهم سحقاً، خرج النساء من أعلى الشارع من البيوت يصرخن: الله.. الله.. الله، لأن الفرس مسرع لا يدري أن هناك أطفالاً، والعربية محملة وراءه، قال: فخرج هذا الشيخ من بيته، واعترض للفرس، وأخذ يقول: الله.. الله، قال: فلما مر الفرس أمسك بالعربية، قال: والله إنه يتزحزح ويتزحزح الفرس معه حتى أوقف الفرس في منتصف الطريق، هذا من قصص البطولات، فالصالحون أقوياء، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، لكن هذا في العموم الغالب، وعمر كان من أقوى الناس.
قالوا: اليهود يهاجرون إلى فلسطين. قلنا: يسعى إلى حتفه بظلفه.
لقيناهم بأرماح طوال ولاقونا بأعمار قصار |
أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا |
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا |
شرف الأمة الإسلامية في هؤلاء الشباب، فهم رفعتها وعزها وكرامتها ومجدها، فاخرنا بهم في أمريكا يوم كانوا دعاة ملتزمين، وفي فرنسا وبريطانيا وفي كل دولة من دول العالم، أصبحوا تاجاً على رأس الأمة الإسلامية، هؤلاء الدعاة الأخيار مهما لاحظ الناس عليهم الملاحظات، فقد تجاوزوا القنطرة، وأصبحوا بحمد الله عدولاً بررة وأخياراً، وأصبحوا على نهج محمد عليه الصلاة والسلام، عناقهم شرف، والجلوس معهم كرامة، وتعليمهم ريادة، والاستفادة من دعائهم بركة ونور وهداية، والاستماع إلى نصائحهم إرشاد وفهم وفقه، إنهم ذخيرة الأمة من الشباب والشابات، لأن الصحوة الآن تسير مزدوجة بين الرجال والنساء، وعودة عارمة على صفوف الناس.
في كتاب التنصير وهو لرجل أمريكي: اجتمع في بوسطن أمريكان مراقبون، فقالوا: الصحوة تجاوزت الناس، أي: إنها تجاوزت حدود الناس، وأقطار العالم العربي، أصبحت الصحوة في موسكو وبكين، وفي كل مكان.
دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس |
بشرى لهؤلاء الشباب، وبشرى لتلكم الفتيات المؤمنات المقبلات على الله، فتيات يكتبن الآن، ويحدثن في صفوف النساء، ويعظن ويربين ويرشدن، ويوجهن إلى الله، فاللهم زد وبارك: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ [آل عمران:193].
وصامه الرسول صلى الله عليه وسلم لأن اليهود كانوا يصومونه؛ لا متابعة لهم..
صامه اليهود لأنه يوم نجى الله فيه موسى من فرعون، حين كان الصراع العالمي بين فرعون وموسى: وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر:26] يقول أحد المفسرين: عجيب! أصبح فرعون داعية، فخرج موسى فالتقيا، فكانت المعركة في العاشر من المحرم، فقال صلى الله عليه وسلم لليهود: {نحن أولى بموسى منكم} فصامه عليه الصلاة والسلام وأمر الناس بصيامه، أتدرون ما جزاء من يصوم يوم عاشوراء؟ يكفر الله عنه سيئات السنة الماضية كلها، السنة اثنا عشر شهراً أي: ثلاثمائة وستون يوماً يكفر الله عز وجل الصغائر، أما الكبائر فلابد من التوبة منها، فصوموا، ومروا أهلكم وأبناءكم وجيرانكم، وأخبروا الناس بهذا؛ لأن لك أجر من أخبرته، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله، هذا عن يوم عاشوراء.
الجواب: سبحان الله! هذان علمان وداعيتان ومصلحان، أما عبد المجيد الزنداني فرجل نفع الله به العالم الإسلامي، رجل أخرج إعجاز القرآن للعالم، وهدى به الله عز وجل أدمغة كافرة كانت من أذكى الأدمغة، دكاترة وأصحاب درجات علمية هائلة كانوا يرون أنهم أذكى الناس، أتى هذا الرجل العملاق فغسل أدمغتهم بالإسلام، وأدخلهم في دين الله، هذا الرجل جند نفسه للدعوة في سبيل الله، محتسب فقير يجوب العالم الإسلامي ليلاً ونهاراً يدعو إلى سبيل الله، هذا الرجل يعيش القرآن أربعاً وعشرين ساعة، ويستخرج منه كنوزه، وينشره للعالمين، أفيكون جزاؤه أن يأتي هذا وأمثاله ويتكلم فيه؟!
لا يضر البحر أمسى زاخراً إن رمى فيه غلام بحجر |
فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً [الأحزاب:69].
أما عبد رب الرسول سياف فقائد يروي ملاحم خالد بن الوليد، وطارق بن زياد، وصلاح الدين، وسياف الذي يسكن خيمة، ويجاهد أكثر من عشر سنوات، أوذي في عرضه، وسكب دمه ودموعه، وتغربل من أجل أن تبقى لا إلا الله، سياف حاصره الثلج ليلة من الليالي، فما استطاع أن يخرج إلى المجاهدين، فبقى يصلي ويبكي حتى صلاة الفجر، ويدعو الله بالنصر، سياف الذي قدم روحه ويتمنى الشهادة صباح مساء، ويكون جزاؤه هذا؟! إن هذا عدوان لا نرضاه، وهذا حرام، وهذا خطأ.
إن هؤلاء العلماء لحومهم مسمومة، ولهم سياج من النور، وسياج من حماية الله عز وجل، ومن حصانة الواحد الأحد، فحذار حذار أن يأتي جافٍ أو سفيه، فيلغ في دماء هؤلاء، فإن مصيره عذاب من الله عز وجل، ونار تلظى، وسحق ومحق، وعاقبة وخيمة وردى في الدنيا والآخرة.
الجواب: بعض أهل العلم يقولون: السرطان هو مرض البطن، وأكثر ما يصيب مرض السرطان البطن، وأصحابه على هذا القول من الشهداء عند الله، والشهداء سبعة منهم: مريض السرطان الذي يصاب به صاحبه في البطن: وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ [الحديد:19].
الجواب: أوصيهم بتقوى الله، والتزود من النوافل، وكثرة قراءة القرآن الكريم، وتقديمه على غيره من الكتب، والتآخي فيما بينهم، وعدم التعرض للأحقاد الذي يثيرها إبليس بين الشباب، وأوصيهم أيضاً أن يجتهدوا في الدعوة إلى الله، وينشروا هذا الدين، جعلنا الله وإياكم من خدامه ومن أنصاره.
إلهي ليس للعشاق ذنب ولكن أنت تبلو العاشقينا |
فتخلق كل ذي وجه جميل وتسبي به قلوب الناظرينا |
وتأمرنا بغض الطرف عنه كأنك ما خلقت لنا عيونا |
الجواب: هذا كفر، هذه الأبيات كفر، وقد تعرض لها كثير من العلماء، وأورد ابن الجوزي في صيد الخاطر أبياتاً شبيهة بها، يقول:
أيارب تخلق ألحاظ حور وأغصان رند وكثبان رمل |
وتنهى عبادك أن يعشقوا أيا حاكم العدل ذا حكم عدل |
استغفر الله، هذا لكافر غضب الله عليه إن لم يكن تاب.
وأحدهم قالوا له: تب من حب هذه، قال:
أتوب إليك يا رحمان مما جنت نفسي فقد كثرت ذنوب |
وأما عن هوى ليلى وتركي زيارتها فإني لا أتوب |
أستغفر الله! يقولون: بلغت أحد العلماء فبكى حتى كادت أضلاعه تختلف، قالوا: مالك؟ قال: والله إني أذنبت في شبابي ذنباً ما زلت أستغفر منه ثلاثين مرة. فكيف يقول هذا: لا أتوب؟!
وشاعر آخر والعياذ بالله، أتى الناس، فلما اجتمع الحجاج، وأصبحوا يطوفون بالبيت، وهم يبكون حول بيت الله عز وجل، ويسيلون دموعهم الحارة، قال:
قف بالطواف تر الغزال المحرما حج الحجيج وعاد يقصد زمزما |
لو أن بيت الله كلم عاشقاً من قبل هذا كاد أن يتكلما |
كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً [الكهف:5].
عمر بن أبي ربيعة هذا الشاعر يقول:
وغاب قمير كنت أرجو غيابه وروح رعيان ورقد سمر |
يصف الليل، فأتى الخبر سعيد بن المسيب وهو يستغفر في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، سعيد الذي أذن المؤذن من أربعين سنة وهو في المسجد، قال: قاتله الله! صغر القمر والله عظمه في القرآن، يقول الله: وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [يس:39] وقد قال تعالى: وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الحج:30].
أيها الإخوة الفضلاء: الحق والباطل في صراع، أدب إسلامي وأدب كافر، خطابة إسلامية وخطابة كافرة، صحافة إسلامية وصحافة كافرة، حتى في الرسم، هناك رسم إسلامي ورسم كافر، حتى الأزياء، وهيئة البيوت، إن من الغزو الهندسي في العالم الإسلامي أن ترسم البيوت على هيئة بيوت الأوروبيين، ليس هناك ستارة بين الرجال والنساء، بعض البيوت تبنى الآن على شكل بيوت أوروبا والأمريكان، بيت مفصل أجنبي، فإذا خرجت المرأة من هناك رآها الرجل داخل المجلس، ويقولون: الأمر سعة وحرية، أما أن يكون النساء في جهة والرجال في جهة، فما سمعنا أن رجلاً أكل امرأة، الرجال لا يأكلون النساء.
نقول: لكن الله عز وجل أمر أن يفصل بين الرجال والنساء إلا فيما أباح الله، فاتقوا الله عباد الله، وتعالوا إلى هذا الدين، فإن فيه الكفاية والريادة والخير والسعادة، ومن لم يكفه الدين فلا كفاه الله، ومن لم يشفه الإسلام فلا شفاه الله، ومن لم يتعاف بصحة هذا التراث فلا عافاه الله.
أقول ما تسمعون, وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين, فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو التواب الرحيم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر