أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثاني من الدرس العلمي الخاص بالرافضة، والذي هو بعنوان: (الرافضة عقيدة وهدفاً في الوقت الحاضر)، وتطرقنا في الدرس السابق إلى مجموعة من الوقفات التي تعد في جملتها مقدمات لدراسات هذه الفرقة، فلا بد أن نعي جميعاً أن هذه الدراسة لن تكون دراسة مفصلة وموسعة؛ لأن الدراسة التي تأخذ هذا المسمى والتفصيل تحتاج إلى أسابيع طوال، وإلى لقاءات متعددة، إنما نحاول قدر الجهد أن نحصر هذه المعلومات ونضغطها في ثلاثة دروس أو أربعة.
في هذا الدرس قبل أن ننتقل إلى صلب الموضوع وهو: عقائد الرافضة، أحب أن أقف وقفة موجزة مع مؤلفات هذه الفرقة.
هذه الطائفة لها مؤلفات كثيرة جداً، ولذلك تكاد مؤلفات وكتب هذه الطائفة تتجاوز وتفوق مؤلفات أهل السنة بكثير؛ والسبب في ذلك يعود إلى أنها طائفة تمتاز بصفة الكذب، وقضية الكذب مما وصم ووصف به الرافضة وعرفوا به، وبالتالي فكلما عنّ لهم أمر، أو احتاجوا إلى شيء، أو أرادوا تقرير قضية من القضايا، فإنهم مباشرة يأخذون القلم والإداوة والأوراق وثم يكتبون في هذه القضية، ويبدءون بتأليف الأساطير، وتنميق الكذب، ثم إخراجه للناس على أنه كتاب مستقل.
وهذه الكتب والمؤلفات تملأ المكتبات الخاصة بهم، وهذه الكتب تنقسم إلى قسمين: كتب قديمة، وكتب حديثة، أو كتب متأخرة، وكتب متقدمة، والكتب التي يستطيع المسلم بموجبها أن يدحضهم بها هي الكتب القديمة المعتمدة عندهم، فهم يقولون: هذه كتبنا الأصلية، فإذا ناقشتهم في قضية معينة وقلت: هذه القضية مذكورة في هذه الكتب المعتمدة عندكم، وهذا يدل على أن معرفة هذه الكتب الأساسية من ضرورات اهتمام المسلم المتخصص بهذا الجانب.
قلنا: هذه المؤلفات تنقسم إلى قسمين: قديم وحديث، أما القديم فعلى رأسها كتاب (الكافي) الذي ألفه رجل يدعى محمد بن يعقوب الكليني ، ويسمونه حجة الإسلام ، وهو متوفى سنة (328هـ)، وهذا الرجل ألف كتابه وقال: إنه عرضه على المهدي المنتظر ، والمهدي المنتظر مختف بسرداب سامراء كما يزعمون في أساطيرهم من سنة (255هـ)، وهذا الرجل بعد اختفاء المهدي بفترة طويلة من الزمن عرض كتابه عليه بعد أن التقى به؛ لأن المهدي المنتظر يظهر لبعض الخاصة، فعرضه عليه وقال المهدي : إنه كاف لشيعتنا، ولذلك سمي بـ (الكافي)، وهو مطبوع في ثمانية مجلدات، ويباع في الأسواق، وينقسم إلى قسمين اثنين: القسم الأول يشكل مجلدين كبيرين في المسائل العقائدية، أما الأجزاء الستة الباقية، فهي في قضايا فقهية ومسائل اجتماعية.
الكتاب الثاني كتاب (من لا يحضره الفقيه) لـمحمد بن بابويه القمي المتوفي سنة (381هـ)، وهو كتاب يغلب عليه الجانب الفقهي، وذلك ظاهر من عنوانه، وهو مطبوع في أربعة مجلدات.
أما الكتاب الثالث فهو (تهذيب الأحكام) وهو مطبوع في عشرة مجلدات.
والكتاب الرابع هو (الاستبصار) وهو مطبوع في أربعة مجلدات، وكلا الكتابين لـمحمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة (360هـ)، ويغلب على الكتابين التوجه الفقهي.
فهذه الكتب الأربعة القديمة هي أمهات الكتب بالنسبة للشيعة الرافضة، وجاء مؤلفون في القرن الحادي عشر والثاني عشر الهجري ونسقوا هذه الكتب، وشرحوها وأخرجوها للناس، فصارت كتباً معتمدة ومعترفاً بها.
وهذه الكتب الحديثة التي شرحت الكتب القديمة أولها كتاب: (الوافي) لـملا محسن الكاشاني المتوفى سنة (1091هـ)، وقد جمع فيه أكثر من خمسين ألف حديث.
أما الثاني فهو كتاب: (بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار) لـمحمد الباقر المجلسي المتوفى سنة (1111هـ)، وقد طبع هذا الكتاب طبعات متتابعة في أكثر من (120) مجلداً، وهذا الكتاب قد طبع بأكمله ما عدا مجلدين اثنين يحرص الشيعة على ألا تطبعا، ويتداولونهما بينهم بصورة سرية، وهذين المجلدان يحتويان على مطاعن الصحابة ولعنهم وذمهم.. وغير ذلك.
ومع ذلك فقد قام بعض الشيعة بطبع هذين المجلدين، وأخرجا إلى السوق وبيعا في عدة معارض، من أبرزها معرض البحرين الدولي في العام الماضي.
الكتاب الثالث: (وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة) لـمحمد بن الحسن العاملي المتوفى سنة (1104هـ) وهذا الرجل ألف كتابه ليكون كتاباً فقهياً جامعاً، وقد طبع في عشرين مجلداً، ويغلب عليه الطابع الفقهي، وهناك استدراك وشرح لقضايا تركها العاملي ، ويسمى كتاب: (مستدرك الوسائل) لـحسين النوري الطبرسي المتوفى سنة (1320هـ)، وحسين النوري الطبرسي هذا هو مؤلف كتاب: (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) عليه من الله ما يستحقه.
إذاً: هذه المؤلفات الثمانية، هي المؤلفات المشهورة عند الشيعة، ولهم مؤلفات كثيرة وكبيرة جداً طبعت في مجلدات ضخمة كبيرة، سواء كانت في التفسير أو في الفقه أو في التوحيد أو في غيرها، وهذه المؤلفات تملأ المكتبات الشيعية، وقلما تدخل مكتبة شيعية إلا وتجد أنها قد امتلأت عن بكرة أبيها بهذه المؤلفات الكثيرة جداً، ولذلك هم يضاهئون أو ربما يتفوقون على أهل السنة في كثرة مؤلفاتهم.
أولى هذه الوقفات فيما يرتبط بالعقائد: موقف الشيعة من مصدري التلقي: القرآن والسنة.
وقد عرضنا هذه النقطة في درس سابق، ولكننا سنطرقها في هذا اللقاء من جانب علمي مركز.
النقطة الثانية: موقف الشيعة من أنواع التوحيد.
النقطة الثالثة: موقف الشيعة من أركان الإيمان.
النقطة الرابعة: موقف الشيعة من جملة قضايا استقلوا واختصوا بها.
هذه هي الجوانب العقائدية التي سندرسها فيما يرتبط بعقائد الشيعة.
أولاً: لا بد أن نعرف أن القرآن قطعي الدلالة، قطعي الثبوت، حجة على الخلق أجمعين، لكن الشيعة يرون أن القرآن الكريم كتاب محرف من قبل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وغيره من الصحابة، وأن هذا القرآن حذفت منه آيات كثيرة تتجاوز الألفي آية، أو أكثر من ذلك بكثير، على اختلاف بينهم، وأن هذا القرآن الموجود بيننا لا يمكن أن يعتمد عليه، وأنه مرفوض، لكنهم لا يستطيعون أن يعلنوا حقيقة أن هذا القرآن منبوذ ومرفوض، فجاءوا بعوائق وحواجز لإبعاد الناس عن هذا القرآن، بمعنى: أنني أستطيع أن أقول لك: لا تذهب إلى المكان الفلاني، لكن قد أحرج في منعك من هذا الذهاب، فأحاول أن أضع عراقيل في سبيل وصولك إلى هذا المكان، فلا تستطيع أن تذهب، وهذا هو مثال الشيعة تجاه القرآن، فوضعوا مجموعة كبيرة من العراقيل الفكرية التي تجعل الشيعي لا يمكن أن يأخذ من القرآن إلا أقل القليل.
أما قضية حجية القرآن عند الشيعة، فنقول: إن القرآن حجة على كل المسلمين، وهم ملزمون بمتابعة ما فيه، فهو كلام الله سبحانه وتعالى المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن الشيعة يقولون: إن القرآن ليس بحجة إلا بقيم، والقيم هو الإمام، والإمام هذا موجود على طول الزمن منذ بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى سنة (255هـ)، وبعد ذلك الزمن اختفى ذلك الإمام.
إذاً: القرآن من سنة (255هـ) إلى زماننا هذا ليس بحجة.
وهذه النقطة تعطيك دلالة على أن الفترة من (255هـ) إلى هذا الزمان فترة يرى فيها الشيعة أن القرآن غير ملزم بالنسبة لهم، ولذلك يقول صاحب كتاب (الكافي) الكليني في الجزء الأول صفحة (188): إن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم.
ويقول صاحب (بحار الأنوار) في الجزء (36) في صفحة (80) من الكتاب نفسه: إن الأئمة هم القرآن نفسه.
يعني: إذا وجد الإمام وجد القرآن، وإذا لم يوجد الإمام لم يوجد القرآن، حتى ولو كان القرآن موجوداً.
ويقول المجلسي أيضاً: إن القرآن كتاب الله الصامت، والأئمة كتاب الله الناطق، فلا يعرف الصامت إلا بوجود الناطق.
يعني: أن القرآن لا يفقه ولا يفهم، ولا يستطيع الإنسان أن يأخذ منه حكماً إلا بوجود الكتاب الناطق الذي هو الإمام، وبما أن الإمام قد اختفى في سرداب سامراء سنة (255هـ)، فقد انتهى الأخذ من كتاب الله سبحانه وتعالى.
ويقول صاحب (الاحتجاج) في الجزء الأول صفحة (31): علي تفسير كتاب الله، والأئمة من بعده تفسير كتاب الله.
أي: أن كتاب الله لا يفقهه إلا الأئمة منذ علي إلى آخر إمام، وبعد هؤلاء لا أحد يفقه التفسير إلا إذا وجد هؤلاء الأئمة.
إذاً: القرآن الكريم لا يمكن أن يفهم ولا يمكن أن يفقه إلا بوجود الإمام، فعلماء الشيعة قد وضعوا العقبة الأولى في سبيل فهم كتاب الله بالنسبة للشيعة.
النقطة الثانية في مسألة حجية القرآن بالنسبة للشيعة: إن الأئمة اختصوا بمعرفة القرآن فلا يشركهم فيه أحد.
أي: كل الناس ما عدا الأئمة لا يمكن أن يفقهوا القرآن الكريم، ولذلك يقول الحر العاملي في كتابه (الفصول المهمة في معرفة الأئمة) صفحة (173): باب: أنه لا يعرف تفسير القرآن إلا الأئمة. فهذه عقبة ثانية من العقبات التي وضعوها فيما يتعلق بفهم القرآن الكريم.
النقطة الثالثة في مسألة حجية القرآن عند الشيعة: أن قول الإمام ينسخ القرآن، ويقيد مطلقه، ويخصص عامه.
يعني: الإمام له الحق والأهلية التامة في أن يتصرف في القرآن كيفما شاء، وهذا يستلزم أن كتاب الله سبحانه وتعالى عندهم في مرتبة ثانية بعد كلام الأئمة، فالإمام إذا قال قولاً وعورض بالقرآن الكريم فإن قول الإمام مقدم على قول الله سبحانه وتعالى، والسبب في ذلك أن قول الإمام ينسخ القرآن، ويقيد المطلق، ويخصص العام.
فالإمام يستطيع بموجب كلامه أن يمحو آية موجودة في القرآن أو يحلل حراماً أو يحرم حلالاً موجوداً في القرآن، وهم بهذه الكيفية وبهذه الطريقة قالوا لكي يؤكدوا هذا المعنى بعد أن نوقشوا: إن أئمتنا معصومين وإن جميع الأئمة الذين جاءوا منذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المهدي المنتظر كلهم معصومون ولا ينطقون عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وهؤلاء الأئمة الذين عددهم اثنا عشر إمام لو قال أحدهم قولاً فإنه يجوز لك أن تقول: قال الإمام جعفر الصادق : كذا وكذا، مع أن القائل غيره من الأئمة.
كذلك عندما قال الإمام جعفر الصادق : التقية ديني ودين آبائي، يجوز أن تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التقية ديني ودين آبائي، ويجوز كذلك أن تقول: قال الله تعالى: التقية ديني ودين آبائي؛ لأن هذا الكلام الذي صدر من جعفر الصادق كلام من معصوم، وهو لا يخطئ أبداً، فهذا الكلام ممكن أن تنسبه إلى الرسول عليه السلام، وممكن أن تنسبه إلى الله سبحانه وتعالى، وقد قال ذلك مؤكداً عليه جم غفير من كتاب الشيعة ومؤلفيهم، وهذا النص في شرح الكافي للمازندراني في الجزء الثاني صفحة (272) وقد ذكر ذلك بشكل موسع.
وفي أشهر كتبهم وأعظم كتبهم وهو (الكافي)، الذي هو بمنزلة البخاري عند أهل السنة، كما ذكر ذلك أكثر العلماء، لكن أنا أقول: لا، إن هذا التوجيه ليس بصحيح، فإن (الكافي) عند الشيعة بمنزلة القرآن عندنا، بل إن (الكافي) بالنسبة للشيعة مقدم على القرآن، ومقدم على أي كتاب آخر.
يقول الكليني في (الكافي) الجزء الأول صفحة (374): سألت عبداً صالحاً عن قول الله عز وجل: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأعراف:33]، فقال العبد الصالح: إن القرآن له ظهر وبطن، فجميع ما حرم الله في القرآن هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الجور، وجميع ما أحل الله في الكتاب هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الحق.
يعني: أنهم يفسرون القرآن بهذه الكيفية وبهذه الصورة، وتفاسير الشيعة هي بهذه الكيفية.
النقطة الثانية في مسألة تأويل القرآن: أنهم قالوا: إن جل القرآن نزل فيهم وفي أعدائهم.
يعني: أن غالب القرآن نزل في الشيعة وفي أعدائهم.
يقول الكليني صاحب (الكافي) في الجزء الثاني في صفحة (324): نزل القرآن أثلاثاً: ثلثاً فينا وفي أعدائنا، وثلثاً سنناً وأمثالاً، وثلثاً فرائض وأحكاماً.
ويقولون: إن ما نزل فينا وفي أعدائنا قد حرفه أهل السنة، وبالتالي يحاولون أن يعيدوا لهذا التحريف أصله، وهذا التحريف ذكره بعض الكتاب ومن أبرزهم الكليني في كتابه (الكافي) فقد ذكر عدداً كبيراً من الآيات، فمثلاً: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ [المعارج:1-2]، يقول: (سأل سائل بولاية علي ليس له دافع)، وهكذا أمثلة كثيرة سأذكر لكم نماذج منها: فهم يقولون: إن هذا القرآن قد حذف منه ما يتعلق بنا وما يتعلق بأعدائنا.
ففي سورة تبت يقول تعالى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1] وهم يقولون: أصل السورة: (تبت يدا أبي بكر وتب)، (تبت يدا عمر وتب)، (تبت يدا عثمان وتب)، (تبت يدا عائشة وتبت).. إلى أن يذكروا سبعين اسماً من الصحابة الذين يكرهونهم.
ويقولون في قوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح:1-3]، يقولون: (وجعلنا علياً صهرك) يقولون: وهذه كذلك حذفت.
ويقولون في قوله تعالى: وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ [النحل:51]، أن أصلها: (لا تتخذوا إمامين اثنين إنما هو إمام واحد) يقولون: هكذا الآية نزلت.
وكذلك قول الله سبحانه وتعالى: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ [الحشر:16]، يقولون: أصل الآية: (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر بـعمر ) فحذفت بـعمر .
كذلك قوله تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [آل عمران:123]، يقولون: إن أصلها: (ولقد نصركم الله ببدر بسيف علي وأنتم أذلة).. إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة جداً، حتى إنهم قالوا: إن أي آية فيها: (يا أيها الذين آمنوا) فإن المقصود بها علي بن أبي طالب أولاً، ثم يليه بقية المؤمنين، فرد عليهم شيخ الإسلام رداً لطيفاً فقال: هناك آيات فيها عتاب للمؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2]، فهل يكون علي في رأس هذه الآية؟!
إذاً: هم يقولون: إن جل القرآن نزل فيهم وفي أعدائهم، وقد حذف وحرف، فقام محمد الحسين النوري الطبرسي صاحب كتاب: (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) بجمع مجموعة كبيرة من الروايات وجعلها في كتاب له، وهذا الكتاب عندي نسخة منه، وفيه أكثر من (1500) رواية، وكلها عبارة عن آيات أدخل فيها شيء يتعلق بآل البيت أو أعداء آل البيت.
فهذه عقبة من العقبات التي تجعل الشيعة لا يهتمون بالقرآن الكريم.
النقطة التي تليها في هذا الجانب هي: ما هو البديل بالنسبة للشيعة فيما يرتبط بهذا القرآن؟ ما هو البديل عن هذا القرآن الذي فيه مجموعة كبيرة من العيوب التي اخترعوها وأصلوها؛ ليبعدوا الناس عن كتاب الله؟
قد عرفنا أن كثيراً من الكتاب يرجعون مناهج الشيعة وجذورها إلى اليهود، وبعضهم يرجع مناهج الشيعة وجذورها إلى المجوس، وكلا الرأيين صحيح، فهؤلاء المجوس أرادوا أن يجعلوا من ينتسب إلى التشيع بعيدين عن القرآن، فكيف يبعدونهم عن القرآن بهذه العقبات؟
يأتيك شيعي ويقول: نعم، هذه العقبات أظهرت لنا كتاباً محرفاً ناقصاً مشوهاً، وهناك بديل وهو مصحف فاطمة الذي قال عنه الكليني في (الكافي): إن عندنا مصحف فاطمة مثل قرآنكم ثلاث مرات، وليس فيه من قرآنكم حرف واحد.
ومصحف فاطمة عبارة عن كتابة كتبها علي بن أبي طالب على مدار ستة أشهر، وكان جبريل عليه السلام ينزل على فاطمة في كل يوم بعد وفاة والدها صلى الله عليه وسلم؛ ليسليها، فكان علي بن أبي طالب يجلس خلف الجدار ويكتب كل ما يقول جبريل، ثم بعد أن توفيت فاطمة جمع هذا الكتاب ونسخه في كتاب مستقل، ثم عرضه على الصحابة، ومنهم أبو بكر وعمر وكلهم يقولون: لا حاجة لنا به، وهذا الكتاب كما قالوا: إنه مثل قرآنكم ثلاث مرات، وليس فيه من قرآنكم حرف واحد، ولذلك يقول صاحب الكافي: قال أبو عبد الله -أي: جعفر الصادق - : إن القرآن الذي أتى به جبريل سبعة عشر ألف آية. والقرآن الموجود ستة آلاف آية وقليل، ومصحف فاطمة سبعة عشر ألف آية، يعني: أنه قريب من ثلاثة أضعاف القرآن الموجود لدينا، ومصحف فاطمة بعد أن جاء به علي إلى أبي بكر وقال: لا حاجة لنا به؛ لأنه فتح الكتاب وإذا فيه: (تبت يدا أبي بكر وتب).. إلى آخر ذلك، فأغلقه وقال: لا حاجة لنا به. وهذا حسب زعم الشيعة، والغريب أنه لم يمزقه.
ثم جاء به علي إلى عمر ، ثم إلى عثمان ، ثم بعد أن تولى علي الخلافة لم يكن هناك مجال لإظهاره؛ خوفاً من اعتراض الآخرين، ثم تناقله الأئمة من بعده الحسن ثم الحسين ثم علي زين العابدين ثم أخذه المهدي المنتظر الطفل الصغير الذي عمره خمس سنوات، واختفى به في سرداب سامراء، وسيخرج في آخر الزمان ومعه هذا المصحف.
والشيعة يرون قصوراً في أنفسهم؛ لأنهم لا يعرفون عن مصحف فاطمة شيئاً، حتى يلتزموا به، فاخترع لهم أحبارهم ورهبانهم منهجاً وطريقة في إبعادهم عن القرآن وربطهم بمصحف فاطمة ، فقالوا: اسمعوا وانتبهوا إن أي شيعي يموت فإن الله يوكل بقبره ملكاً، وظيفة هذا الملك أنه يحفظه مصحف فاطمة ، ففرح الشيعة بهذا وقالوا: في الدنيا ممكن أن نقرأ هذا المصحف الموجود حالياً ولو أنه محرف، وفي البرزخ والقبر نحفظ مصحف فاطمة ، فعلى هذا يكون نوراً على نور وليس هناك إشكال، فخشي هؤلاء الأحبار والرهبان أن يتحقق هذا الهدف فعلاً، فقالوا: لا، إن من حفظ شيئاً من مصحف العامة، فإنه سيفقد ما يعادله من مصحف فاطمة في قبره، ولذلك يقولون: إن الشيعي إذا مات جاءه الملك وقال له: كم تحفظ من مصحف العامة؟ فإن قال: أحفظ سورة البقرة مثلاً، فيخصم عليك بمقدارها من مصحف فاطمة ؛ لأنه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، فتجد أن الشيعي يحاول قدر جهده ألا يحفظ من القرآن شيئاً أبداً، إلا شيئاً يسيراً سمح له بحفظه وهي سور خاصة بالصلاة، خمس، عشر، عشرين سورة من قصار السور، من جزء عم فقط لا غير، هذا هو الذي أذن به لهم، حتى لا يكون هناك نوع من النكرة الكاملة من هذا الدين الذي كله متغيرات، فربطوه بعدد قليل من السور، وعدد قليل من الآيات، سواء كانت آية الكرسي أو بعضاً من الآيات في كتاب الله تعالى، وهذه السور تطبع في نفس كتب الأدعية، ليس هناك طبعة مستقلة للقرآن الكريم عند الشيعة، وإنما يأتون بكتاب مستقل وهو كتاب أدعية، ثم يطبعون في نهايته عدد ثلاث أو أربع أو عشر سور أو عشرين سورة، وهذه يسمونها سور الصلاة، وعلى رأسها سورة الفاتحة والمعوذات وبعض السور الأخرى.
هذه الأمور المتعلقة بالقرآن الكريم.
إذاً: نعرف من هذا أن موقف الشيعة من القرآن الكريم موقف الرافض والراد لكتاب الله سبحانه وتعالى.
لكن قد يسأل سائل ويقول: أنا أذهب مكة وأدخل الحرم وأرى هؤلاء الشيعة يقرءون القرآن، أرى كثيراً من شيعة القطيف وشيعة قطر وشيعة الكويت وغير ذلك، يجلس أحدهم نصف ساعة أو ساعة يقرأ كتاب الله سبحانه وتعالى، فما معنى هذا؟
يقول بعض العلماء تجاه هذه القضية: إن الشيعة يطبقون أثناء قراءتهم لكتاب الله سبحانه وتعالى مبدأ التقية، فالشيعي يتعبد الله سبحانه وتعالى لا لقراءته للقرآن الكريم، لكن بإظهار التقية؛ لأن التقية عندهم عبادة لها أجر عظيم ليس باليسير، ففي نصوص كثيرة عندهم: أن التقية تسعة أعشار الدين، وهي: أن يظهر الإنسان خلاف ما يبطن، فالدين عشر والتقية تسعة أعشار، وبالتالي تجده يأخذ القرآن ليتعبد الله سبحانه وتعالى ليس بقراءة حروفه وفهم معانيه، ولكن بإظهار قراءته للقرآن تقية أمام الناس وأمام المار الذاهب والآتي وغيرهم.
إذاً: ليس هناك داع أن نرجع إلى القرآن الكريم، وليس هناك داع أن نرجع إلى السنة؛ لأن قول الإمام هو قول الله، وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك لو أخذت كتاباً من كتب الفقه الخاصة بالشيعة، وفتحت هذا الكتاب وبدأت تقرأ فيه، فإنك نادراً ما تجد حديثاً مرفوعاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فغالب الروايات تسند لأئمتهم، وهذا فيه نوع من إبعاد الناس عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وربطهم مباشرة بالأئمة؛ لأن باستطاعتهم أن يكذبوا على الأئمة بسهولة، فترتب على ذلك أن هؤلاء صاروا يقرون بأن هذا القول قول الإمام، وبما أن قول الإمام معصوم، فقوله صحيح لا يتطرق إليه خطأ، وبما أنه معصوم فمن الممكن أن تقول: إن هذا قول الله أو قول رسوله.
يعني: أنه يوحى إليهم، وبما أن الأئمة يوحى إليهم، فليس هناك داع أن نرجع إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وليس هناك داعٍ أن نأخذ منه، فالملائكة تدخل بيوت الأئمة وتطأ البسط، وتجلس معهم، وتلتقي بهم، وتأتيهم بالأخبار، وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله الذي هو جعفر الصادق : منا من ينكت في أذنه، ومنا من يوحى إليه، ومنا من يأتيه ملك أعظم من جبريل وميكائيل.
في رواية ذكرها الكليني في (الكافي)، وهذه الرواية تدل على أن هؤلاء الأئمة يوحى إليهم.
فهم يعتبرون الأئمة في منزلة الأنبياء، بل في روايات أخرى يرفعون هؤلاء الأئمة إلى درجة أرفع من الأنبياء، كما يقولون في الرواية المشهور عندهم التي تواترت عن كل علمائهم: إن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل.
يعني: أن جميع الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين لا يستطيعون بلوغ مرتبة هؤلاء الأئمة، وعلى هذا ليس هناك داع إلى أن تأخذ من هذا الرسول.
انظروا كيف يعملون الحواجز والعوائق لرد السنة، فهم لا يقولون: نرد السنة، ولا يقولون لا نعترف بما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لا، ولا يصرحون به مباشرة، وإنما يضعون عراقيل لإبعاد الناس عن التلقي من السنة مباشرة، كما فعلوا مع القرآن الكريم.
ويريدون أن يرفعوا من شأن الإمام مثلاً، فيقولون: إن أئمتنا يعلمون ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون.
فإذا كان الأئمة يعلمون الغيب ويعلمون ما كان وما سيكون، فليس هناك داع أن نرجع إلى أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويقولون: إن أئمتنا يعلمون متى يموتون، ولا يموتون إلا باختيارهم. كما ذكر الكليني في (الكافي): باب: أن الأئمة يعلمون متى يموتون، ولا يموتون إلا باختيارهم.
ففي هذه الحالة هؤلاء الأئمة يعلمون الغيب، ويعلمون ما يرتبط بالمستقبل، فهذه ميزة تجعلهم مقدمين على الرسل.
وكذلك يقول المجلسي في (بحار الأنوار) في الجزء (26) في صفحة (132): إن الله يرفع للإمام عموداً يرى به أعمال العباد جميعاً، فإذا أراد هذا العمود فإنه يرتفع له، فيرى عملك وعمل فلان وفلان.
ويقولون كلاماً كثيراً فيما يرتبط بمعرفة من الذي سيدخل الجنة، ومن الذي سيدخل النار، فيعرفون أن فلاناً سيدخل الجنة وفلاناً سيدخل النار، وأن هذا فيه كذا وهذا فيه كذا، وكل ذلك مرتبط بعلم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، فإذا كان هذا مختصاً بالأئمة، فمعنى ذلك أن هؤلاء الأئمة أفضل من الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين، وبالتالي لا داعي يا شيعتنا أن تأخذوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ارفضوه وارفضوا ما جاء به، وهذا هو لسان الحال بالنسبة لهم.
معنى هذا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم انتهى دوره قبل أن يبلغ ويبين أمور الدين، وجاء دور الأئمة الذين حملوا العلم ونشروه.
انظروا كيف يبعدون الناس عن التلقي من المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد نجحوا في ذلك بالنسبة لبني جلدتهم.
ويقولون في رواية متواترة عندهم: إن علي بن أبي طالب يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أسرَّ لي بألف حديث، في كل حديث ألف باب، في كل باب ألف مفتاح.
يعني: ألف في ألف في ألف، وهذا العلم خاص بـعلي الذي أعطاه للأئمة من بعده.
هذا جانب من جوانب إبعاد الناس عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
هل هذا الإبعاد يكفي، أم أن هناك بدائل لا بد من إيجادها؟ هم أوجدوا بدائل فيما يرتبط بالقرآن، وأوجدوا بدائل فيما يرتبط بالسنة.
يعني: أن كلام الأئمة هو كلام الله ورسوله، فقالوا: نكتفي بكلام الأئمة، فأخذوا كلام الأئمة وجمعوه، وجعلوه كلاماً مقدساً معتبراً يؤمنون به، ويدينون الله سبحانه وتعالى به.
هذا الجانب الأول من إبعاد أتباعهم عن كتب السنة.
الجانب الثاني: هو ما يسمى بحكايات الرقاع.
يعني: حتى الهندوس الذين يعبدون البقر أفضل من هؤلاء الشيعة.
أما هؤلاء الناس الأذكياء فبدءوا يفكرون في استغلال هؤلاء الشيعة، فجاء رجلان: أحدهما يسمى عثمان بن سعيد العمري وكان هو الذي عليه المعول، ففكر هو وصديق له في أن يختلسوا أموال الشيعة، فقال لصديقه ولزميله هذا: سنذهب أنا وأنت إلى قرية كذا وكذا، وسأتظاهر أنا بالصلاح وبعدم الأكل والشرب، وبعد ذلك سأخرج في النهار، لأقضي الحاجة، وتضع لي على حصاة أو على حجر قرصاً من خبز لونه قريباً من لون فضلات ابن آدم، فمن رآه يعتقد أنه من فضلات بني آدم، فطبعاً يشمئز منه ويبتعد عنه، وأنا سآتي إلى هذا الحجر وآكل القرص وأشرب قليلاً من الماء ثم أعود، وهم يتوقعون أنني ذهبت لقضاء الحاجة، وسأمكث عندهم فترة على هذا المنهج، فيرون أني ولي من أولياء الله، ثم بعد ذلك سأستخدم مناهج متعددة لاستخلاص أموالهم منهم، وفعلاً بدأ يستخدم هذا المنهج، فجلس ثلاثة أيام أو أربعة أيام، وفي كل يوم يذهب ويأكل القرص ويشرب الماء ويعود، فبدأ الناس يرقبونه ويقولون: هذا ولي يصلي ويذكر الله طوال اليوم، وفي عبادة مستمرة، وبعد أيام متعددة قال: إنني سأذهب، فسألوه: إلى أين ستذهب؟ قال: إن عندي موعداً مع المهدي المنتظر ، فإذا كان لأحد منكم وصية أو خطاب أو فتوى أو غير ذلك فلا مانع لدي، فبدأ كل واحد منهم يكتب له خطاباً، فيجمع الخطابات، ثم ذهب إلى مكان بعيد، وبدأ يجيب عليها ويختمها، ثم عاد بها إليهم ووزعها عليهم، فصاروا يتباركون بها؛ لأن فيها ختم المهدي المنتظر ، فكرر هذه العملية مرة ثانية، وفي المرة الثالثة قال: إن المهدي المنتظر قال لي: إن قريتي كذا وكذا أصابتها جائحة وأصابتها مجاعة، وأصابها كذا وكذا، وأريد أن أذهب وأعرج عليها، وأريد أن أجمع مساعدات لهم، فصاروا يعطونه الأموال، فيأخذ هذه الأموال ومعها الرقاع، فأخفى الأموال في مكان معين ثم عاد، وهكذا فعل مرة ومرتين وثلاثاً إلى أن جمع مالاً كثيراً.
فعرف بعض الأذكياء الآخرين خدعة عثمان بن سعيد العمري فطبقوها في قرى أخرى ثالثة ورابعة وخامسة، فكثرت الرقاع، وهذه الرقاع فيها تناقضات، لأن عثمان هذا ليس بعالم، فتجده في قرية يسأل عن مسألة فيقول: مباح، ويسأل نفس المسألة في قرية أخرى فيقول: محرم، فأصبح عنده تناقضات عجيبة، فقام بعضهم وجمع هذه الرقاع ووحد بينها وألغى التناقضات، ثم أخرجت في كتب مستقلة، وصارت فتاوى مستقلة يستندون عليها ويعتمدون عليها، وصدق ابن القيم رحمه الله عندما قال: الشيعة عار على بني آدم.
انظروا كيف يعتمدون في مجال فتاويهم ودينهم على هذا المنهج.
إذاً: هذه هي بدائل عند الشيعة عن السنة، فالسنة بالنسبة للشيعة مرفوضة رفضاً تاماً، كما أن القرآن مرفوض رفضاً تاماً، وأوجدوا البدائل للسنة فيما ذكرت قبل قليل.
أولاً: لابد أن نعي جميعاً أن الشيعة مشركون شركاً أكبر في مجال التوحيد، وشركهم بين وواضح في مجال التوحيد لا يشك فيه من له مسحة من علم أو قليل من عقل، وهذه نماذج في هذه المسألة.
للشيعة مواقف كثيرة جداً في توحيد الربوبية، سأقتصر فيها على بعض المواقف من باب التبيين لا غير.
أولاً: أنهم جاءوا إلى الكتاب العزيز القرآن الكريم وجعلوا أي آية فيها كلمة (رب) فمعناها (إمام)،مثل قوله تعالى حكاية عن فرعون: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24] هذه كلمة قالها فرعون، ومع ذلك قالوا معناها: أنا إمامكم الأعلى.
وفي قوله تعالى مثلاً: وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا [الزمر:69] قالوا: وأشرقت الأرض بنور إمامها، فجعلوا كل كلمة في القرآن فيها (رب) بمعنى الإمام، فكأنهم جعلوا الإمام هنا هو في مرتبة الربوبية ودرجة الربوبية، وحرفوا كل آيات القرآن لتناسب هذا الجانب.
كذلك من ضمن النماذج في إشراكهم في توحيد الربوبية: أنهم قالوا: إن الدنيا والآخرة بيد الإمام يضعها كيف يشاء، ولذلك يقول صاحب (الكافي) الجزء الأول الصفحة (409): عن أبي عبد الله أنه قال: أما علمت أن الدنيا والآخرة للإمام يضعها حيث يشاء، ويدفعها إلى من يشاء، جائز له ذلك من الله سبحانه وتعالى.
فكأن الله فوض الدنيا والآخرة والجنة والنار لهؤلاء، ولذلك يقولون: علي قسيم الجنة والنار، يدخل من يشاء الجنة، ويدخل من يشاء النار.
ويقولون: إنه لا يمكن لأحد أن يجوز الصراط إلا إذا كان معه صك من علي بن أبي طالب ، وهذا مشابه تماماً لأقوال النصارى فيما يرتبط بصكوك الغفران، فالنصارى يقولون: إن هناك صكوكاً إذا اشتراها الإنسان غفرت له ذنوبه ودخل الجنة، وأعطي بهذا الصك مكاناً في الجنة، فتكالب الجهلة من الناس -وكلهم جهلة- على هذه الصكوك يشترونها، وصار البابا وأتباع البابا يتنعمون بهذا المال.
وهذا المنهج النصراني هو منهج الشيعة تماماً، فهم يقولون: إن من لمن يكن معه صك ولاية لـعلي بن أبي طالب فإنه سيدخل النار، فجعلوا الجنة والنار والحساب والعقاب والميزان وغيرها بأيدي الأئمة يتصرفون فيها كيف يشاءون، فكأن الله سبحانه وتعالى قد تخلى عن ذلك تماماً، وجعل ذلك لهؤلاء الأئمة، وكأن هؤلاء الأئمة هم الأرباب الذين بأيديهم كل شيء.
من الجوانب الأخرى في شرك الربوبية: إسناد الحوادث الكونية للأئمة، فما من برق ولا رعد ولا زلزال ولا بركان أو غير ذلك إلا وللأئمة التصرف فيه، فإذا أرادوا إنزال المطر على أناس أمروا السماء فأمطرت، وإذا أرادوا أن يصيبوا إنساناً بصاعقة أمروها فأصابتهم بصاعقة، وهذا مسطر في كتاب (الكافي) الذي هو أصح الكتب عندهم، فقد قالوا: ما من برق ولا رعد ولا مطر ولا سحابة ولا بركان ولا.. ولا إلا وهو في أيدي أئمتنا يصرفونه كيف يشاء.
أولى هذه النصوص: أنهم جعلوا كل نصوص التوحيد في الأئمة، فأي آية تحذر من الشرك فمعنى ذلك أنها تحذر من الإشراك في الإمامة، يعني: أي آية فيها كلمة شرك، فإن ذلك دلالة على الإمامة وما يرتبط بالإمامة، والأمثلة في ذلك كثيرة جداً قال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65] يقولون: يعني: لئن أشركت في ولاية علي بن أبي طالب ليحبطن عملك.
لا يوجد شيء عندهم اسمه أشركت بعبادة الله، لا، وإنما لئن أشركت في جعل علي بن أبي طالب ولياً ومعه آخر، فإن هذا فيه وعيد ألا وهو حبوط العمل.
كذلك يقولون مثلاً: أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل:61] يقول المجلسي صاحب (البحار): أي إمام هدى مع إمام ضلال في قرن واحد؟
وجاءوا بجميع آيات القرآن التي تحتوي على التحذير من الشرك وتقرير توحيد الألوهية، وجعلوها بهذا المنهج وبهذه الصورة والكيفية، وهذا لكي يقرروا في الناس مسألة ولاية الأئمة.
فإذا ارتبط الناس بمحبة الأئمة وولاية الأئمة، فإنهم بالتالي سيرتبطون ويهتمون بأقوال الأئمة، والأئمة هم الذين كذبوا عليهم مئات الآلاف من الكذبات، فإذا آمنت بأقوال الأئمة فأنت بذلك تكون قد آمنت بأقوال هؤلاء الرهبان والأحبار، وبالتالي تكون من أتباعهم ومن شيعتهم الذين خرجوا من ربقة دين الله سبحانه وتعالى.
النقطة الثانية في توحيد الألوهية: إن الولاية أصل قبول الأعمال عندهم، فإذا جاء الإنسان بولاية آل البيت قبل عمله مهما كان، وإذا لم يأتِ بولاية أهل البيت فإن عمله لن يقبل مهما كان؛ ولذلك يقولون في كل كتبهم بلا استثناء: لو جاء بعمل سبعين نبياً ولم يأتِ بولاية أئمة آل البيت أكبه الله على وجهه في سقر.
ويقولون كذلك: لو أن عبداً عبد الله سبحانه وتعالى منذ خلق الله السماوات السبع والأرضين السبع بين الركن والمقام إلى أن تقوم الساعة ولم يأتِ بولاية آل البيت، فإن الله سيحرمه من الجنة وسيدخله في النار.
ويقولون كذلك: إن الإنسان لو جاء بعمل يهودي أو نصراني ومع ذلك ولاية آل البيت، فإن الله سيتجاوز عن خطئه ويدخله الجنة.
إذاً: الأصل هو الولاية، فإذا كان الإنسان موالياً لآل البيت فإنه سيدخل الجنة، ومن عارض آل البيت فإنه سيدخل النار، ولذلك جميع الإخوة الموجودين هنا على مذهب الشيعة كلهم في النار.
النقطة الثالثة: أن الأئمة هم الواسطة بين الحق والخلق، فهم الآن يريدون أن يقرروا قضية الشرك بالله سبحانه وتعالى بشكل صريح، فقرروا مسألة: أن الأئمة هم الواسطة؛ ولذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ينقل إجماعاً في ذلك يقول في (1/ 124) من الفتاوى: إن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم كفر إجماعاً.
فهؤلاء في إجماع الأمة كفار؛ لأنهم يقولون: إن الأئمة هم حجب الرب والوسائط بينه وبين الخلق، كما ذكر صاحب البحار في الجزء (23/ 97): أن الأئمة هم حجب الرب والوسائط بينه وبين الخلق، ولكي يحققوا هذا المبدأ جاءوا بروايات كثيرة جداً عن أئمتهم، من ضمن هذه الروايات قولهم: بنا عبد الله، وبنا عرف الله، وبنا وُحد الله.
ويقولون في نص آخر: إن الأئمة هم الشفاء الأكبر، والدواء الأعظم لمن استشفى بهم.
وعندي نصوص لهم تبين فعلاً مدى وقوعهم في الشرك البين الواضح فيما يتعلق بتوحيد الألوهية.
النقطة الرابعة: مسألة عبادة القبور بالنسبة لهم.
معروف عن الشيعة أنهم يضاهئون الصوفية في عبادة القبور، وربما يتفوقون عليهم، بل لهم مؤلفات كثيرة جداً موجودة في كل مكان، وهذه المؤلفات باسم: مناسك حج المشاهد، منسك مستقل، فإذا أردت أن تزور قبر الحسين أو قبر الحسن أو قبر فاطمة أو قبر فلان.. أو فلان، لابد أن تغتسل وتلبس أحسن ثيابك، وتدخل وتقف أمام القبر بخشوع، ثم تتمسح بالقبر، ثم تصلي ركعتين وأنت باتجاه القبر، ثم تطوف بالقبر.
هذا هو أسلوب الحج، انظروا (مناسك حج المشاهد)، حتى وصل الأمر بهم -لكي يقطعوا هؤلاء الشيعة عن الإسلام تماماً- أنهم جعلوا الحج لهذه القبور أفضل من الحج إلى بيت الله الحرام؛ ولذلك يقولون: من زار قبر الحسين في يوم عاشوراء كتب الله له أجر ألف ألف حجة. يعني: تذهب مرة واحدة فقط لزيارة قبر الحسين بن علي بن أبي طالب فتربح مليون حجة، فضل عظيم جداً، فهؤلاء يريدون إبعاد الناس فعلاً عن الحج إلى بيت الله الحرام.
وقالوا: من لم يستطع أن يحج إلى قبر الحسين في يوم عاشوراء، فليقف في سطح بيته ويتجه إلى القبر، ثم يصلي باتجاه القبر ويكتب له بذلك عشرين حجة.. إلى آخر تلك الخزعبلات، والهدف هو إبعاد الناس عن الحج، ولذلك كثير من الشيعة لو راقبتم ودققتم يأتون من إيران، ويأتون من أماكن كثيرة جداً إلى هذه البلاد، ويذهبون إلى المدينة ويبقون في المدينة ولا يحجون؛ لأنهم يرون أنهم قد حجوا إلى قبر فاطمة ، وحجوا إلى قبر الحسن ، وحجوا إلى قبر جعفر الصادق الذين دفنوا في مقبرة البقيع.
النقطة الخامسة فيما يتعلق بتوحيد الألوهية عندهم: أن الإمام يحرم ما يشاء ويحلل ما يشاء، فللإمام أن يحرم ما يشاء، ويحلل ما يشاء، مأذون له ذلك من الله، وهذا النص بعينه موجود في كتب اليهود، فالإمام عندهم يستطيع أن يقول: هذا حلال وهذا حرام، وهذا جائز وهذا مباح؛ لأنه إمام معصوم، وبالتالي استطاعوا أن يجعلوا كل الشيعة أو غالب الشيعة أن ينفذوا كل ما سطروه من كتابات فيها تحليل وتحريم منسوبة إلى أئمتهم.
هذا ما ثبت في موقفهم فيما يتعلق بمسألة أنواع التوحيد.
هذه العقيدة من العقائد العجيبة عند هؤلاء، وقد سطرها الكليني في كتابه: باب في طينة المؤمن والكافر.
يريدون أن يضفوا على الشيعة درجة من العلو، وأنهم أناس محترمون ومحبوبون عند الله سبحانه وتعالى، فاخترعوا عقيدة الطينة.
يقولون في عقيدة الطينة: إن الله سبحانه وتعالى عندما أراد أن يخلق آدم، أخذ من طينة الجنة شيئاً، وأخذ من طينة النار شيئاً، ثم أجرى نهراً من الجنة على طينة الجنة، ونهراً من النار على طينة النار، ثم تركهما لتتخمرا، فأخذ من أعلى طينة الجنة قطعة، ومن أسفل طينة الجنة قطعة، ومن أعلى طينة النار قطعة، ومن أسفل طينة النار قطعة، فعجنت هذه القطع الأربع، فخلق منها الخلق، خلق منها آدم وخلق منها الخلق، فعندنا جبلان: الجبل الأول من طينة الجنة، والثاني من طينة النار، فأعلى طينة الجبل الأول الذي من الجنة خلق منها الأئمة، وأسفل هذه الطينة خلق منها أتباع الأئمة، أما جبل النار فأعلاه خلق منه أئمة الجور المعارضين لأئمة الشيعة، وأسفله خلق منه أتباع أئمة الجور، أي: نحن.
وسأمثل ما يقولونه على نفسي: أنا الآن بالنسبة لهم من طينة جبل النار السفلى؛ لأنني لست من الأئمة، فبالتالي أنا من الطينة السفلى، فأنا أعمل خيراً وأعمل شراً، فالخير الذي أعمله ليس من ذاتي؛ لأن ذاتي أصلها سيئة بالنسبة لهم، لكن الخير الذي أعمله إنما هو نتيجة لتأثري واختلاط طينتي بطينة الشيعة، أو الطينة التي خلقت من الجنة، ولو عملت شراً فهذا أصلي، أما الشيعي إذا عمل خيراً فهذا هو أصله، وإذا عمل شراً فذلك من تأثره بطينة السني.
فإذا جاء يوم القيامة رجع كل شيء إلى أصله، فأنا الآن عملت خيراً، لكن هذا الخير ليس من تأثير طينتي، فيرجع هذا الخير إلى الشيعي، والشيعي عمل شيئاً سيئاً، لكن ليس من تأثير طينته، فيرجع هذا العمل السيئ لي.
يقول الشيعي: إذا كنت الآن أعمل سيئة وهذه السيئات سترجع إلى السني، فلماذا لا أكثر منها لكي ترجع إلى أهل السنة، فبدل ما ترجع لهم سيئتين في اليوم لنجعلها عشرين سيئة في اليوم، وعلى ذلك: سأزني وأشرب الخمر وأمارس اللواط، وأسرق، وأقتل؛ لأن كل هذه الأعمال سترجع إلى أهل السنة؟ كذلك لماذا أعمل الحسنات وأتعب نفسي، من صلاة وصيام، إذا كانت حسنات أهل السنة سترجع لي، فليس هناك داع أن أتعب نفسي، فوقعوا في مشكلة رهيبة، فقد انتشر فساد عريض بين الشيعة، وصارت فوضى عجيبة، فجاء قرار بأن عقيدة الشيعة لا تنطبق على الشيعة إلا إذا خرج المهدي المنتظر ، هذا ما يسمونه عقيدة الطينة، وهي من العقائد التي وقف العمل بها إلى أجل مسمى بموجب مرسوم خاص بهم.
وهذا نوع من الدعاية لمذهبهم، وهو من غرائب مذهبهم كذلك.
بل إن من غرائب مذهبهم أنهم رووا أن أبا عبد الله جعفراً الصادق كان حاجاً في يوم من الأيام، فأخذ ثلاث حصيات ورمى بها في الهواء، فقالوا له: لماذا فعلت ذلك يا إمام؟ فقال: لقد رفع إلي حبتر وزريق، وهذا وصف لـأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، فأنا أرجمهما، وهما يخرجان في كل عام في مثل هذا الوقت، وعلى على كل مسلم أن يرجمهما. هذا من باب بتر الشيعة وإبعادهم عن الجيل الأول الذين هم أفضل البشر بعد الأنبياء والمرسلين، ولذلك يقول الشعبي : فُضل اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة، فلو قيل لليهود: من أفضل أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب موسى، ولو قيل للنصارى: من أفضل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب عيسى، ولو قيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب محمد.
هم يريدون أن يبعدوا الناس عن محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه بهذه الكيفية.
إذاً: عقيدة الظهور عند الشيعة هي: أن المهدي المنتظر يظهر لهم، بل والأئمة عموماً يظهرون في مواطن معينة، فكلما كان الإنسان قريباً من دينهم رأى هؤلاء الأئمة، وبالتالي حاولوا بقدر جهدهم أن يجعلوا الشيعي يتمسك بدينه أكثر وأكثر.
بقي لدينا في هذا الجانب: عقيدة البداء، وعقيدة الرجعة، وعقيدة التقية، وعقيدة الإمامة، وعقيدة العصمة، وموقف الشيعة من الصحابة وأركان الإيمان بالنسبة لهم، وهذا سيكون له إن شاء الله وقفات موجزة في الدرس القادم وفي اللقاء القادم، والذي يليه إن شاء الله سيكون مرتبط ومتعلق بجهود الشيعة في الزمن الحاضر من أجل إقامة الإمبراطورية الشيعية الإسلامية العظمى، التي تمتد من أواسط إيران وتنتهي في لبنان، وتمتد شمالاً قريباً من بغداد لتنتهي جنوباً بدولة الإمارات.
هذا هو مخططهم، وسنحاول أن نقف مع هذا المخطط، ثم نتطرق كذلك إلى موقفهم تجاه الحرمين الشريفين، ومخططاتهم تجاه الحرمين الشريفين، هذا سيكون إن شاء الله في اللقاء ما بعد القادم.
أما اللقاء الأخير فسيكون مخصصاً للإجابة عن الاستفسارات والأسئلة، وسترتب الأسئلة لتأخذ طابعاً منظماً، فمن عنده تساؤل فيكتبه وسيخصص له درس مستقل، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر