أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة, وأدى الأمانة, ونصح الأمة, وجاهد في الله حتى أتاه اليقين, فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
عنوان المحاضرة: (العقيدة كما فهمها الصحابة).
الصحابة بالذات؛ لأنهم أطهر الناس سيرةً, وأعمقهم علماً, وأخلصهم الناس قلوباً, وأصدقهم لهجة, وأزكاهم سريرة؛ لأنهم صحبوا المصطفى عليه الصلاة والسلام, وعرفوا سيرته, وتناولوا التنزيل ولم يبتدعوا في دين الله.
الصحابة بالذات؛ لأن الله اختارهم لصحبة محمد عليه الصلاة والسلام؛ ولأنهم كتيبة الإسلام وحملة القرآن وجيش الإيمان؛ ولأنهم هم المقبولون المزكون من الواحد الأحد زكاهم الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، كان عليه الصلاة والسلام يقول كما في الصحيح: (لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) وفي حديث صحيح آخر: (الله الله في أصحابي, لا تتخذوهم غرضاً فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم).
ولهذه المحاضرة عناصر:
1- سبعة أحاديث أطرحها على المسلمين فيها عقيدة بيسر وسهولة ولكنها بعمق وأصالة، فدليل التوحيد عندهم آيات الله الكونية، خلاف أدلة علماء الكلام والمناطقة.
2- العقيدة عندهم رضوان الله عليهم هي المؤثرة في حياتهم سلوكاً وتطبيقاً وأخلاقاً.
3- تقبلوا العقيدة بلا اعتراض, وفهموها بلا إشكال، وعملوا بها بلا توقف.
4- أجمع الصحابة على مسائل المعتقد, وسلموا لمعانيها, ولم يختلفوا بحمد الله في مسألة منها.
5- معرفة الصحابة لدلائل الأسماء والصفات ومعانيها على ما أراده الله عز وجل وأراده رسوله صلى الله عليه وسلم.
6- لم يتعمق الصحابة في الألفاظ, ولم يتكلفوا في المعاني, ولم يتنطعوا في المعتقد.
7- خاتمة عن البدعة والمبتدعين، ثم كلمة إلى النساء الصالحات الحاضرات والغائبات من المسلمات.
وهنا سأعرض عليكم سبعة أحاديث, وتصوروا أن الصحابة بجانبكم جلوس, ماذا سوف يقولون في الأحاديث: هل يتقبلونها بالتسليم؟ أم يخالفونها بالتأويل؟ أم يردونها بالإنكار؟ حاشا وكلا.
يقول في المسند: { قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! انسب لنا ربك -أي: اذكر لنا نسب ربك، من هو أبوه؟ من هو جده؟ من أي أسرة هو؟ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- فنزل قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]} سند هذا الحديث جيد، وفيه قضايا:
أولها: (أن قل هو الله أحد) جواب لهذا السؤال.
ثانيها: أن الله لا ولد له ولا والد.
ثالثها: أن هذه الآيات والسور ما اعترضها معترض من المسلمين بل سلم للحال, وما فعلوا كما فعل المناطقة.
وقل هو الله أحد لها طعم عند الموحدين: أتى بعض الصحابة من الأنصار إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام, فقالوا: يا رسول الله! معنا إمام كلما صلى بنا قرأ في كل ركعة بـقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] وقد قالوا للإمام: إما يكفيك سورة الإخلاص وإما يكفيك غيرها، قال: أمَّا أنا فلا أزال أقرأ بها في كل ركعة, فإن شئتم أن أصلي بكم صليت, وإن شئتم أن أعتزل اعتزلت، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: {سلوه ماله يقرءوها؟ فسألوه، فقال: إن فيها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بصفة الرحمن، فقال عليه الصلاة والسلام: أخبروه أن الله يحبه لحبه إياها وأن الله أدخله الجنة}.
عن معاوية بن الحكم السلمي قال: أتيت بجارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي صغيرة لا تتكلم, فقال لها عليه الصلاة والسلام: {أين الله؟ -سبحان الله أطفال المسلمين يعرفون أن الله في السماء، فالطفل بفطرته وتوجهه يعرف أن الواحد الأحد فوق سبع سماوات- قال: أين الله؟ فأشارت إلى السماء، فقال: أعتقها فإنها مؤمنة}.
بعض المناطقة -وهذا سؤال ورد على الجويني - يقولون: الله ليس في مكان؛ فلا هو فوق العالم ولا تحت ولا داخل ولا خارج وأنكروا أن الله سبحانه على العرش، كما قال تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] وقال: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر:10] وقال: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام:18] فيقولون: إنه ليس في مكان، فقام أحد الحاضرين واسمه الهمداني، فقال: يا إمام! أخبرنا بالضرورة التي نجدها في أنفسنا أنه ما دعا أحد منا ورفع يديه إلا ويجد أن قلبه يتجه إلى السماء, أخبرني كيف أبطل هذه الضرورة؟ فأخذ يضرب على رأسه بيديه، ويقول: حيرني الهمداني! حيرني الهمداني، ونزل وهو لا يزال محتاراً هو وأمثاله، ولو أنه صلح حاله بعد ذلك.
الشهرستاني بحث عن العقيدة لكن أين بحث عنها؟!
لم يبحث عنها في الكتاب والسنة، ولا في صحيح البخاري وصحيح مسلم ولا في السنن والمسانيد, لكنه بحث عنها في كتب اليونان والمناطقة وعلماء الكلام، وفي الأخير يقول وهو في سكرات الموت:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم |
فلم أرَ إلا واضعاً كفَّ حائرٍ على ذقن أو قارعاً سن نادم |
يقول: طفت وبحثت وما رجعت إلا بشبهات، فأين أسير؟!
رد عليه الصنعاني صاحب سبل السلام بيض الله وجهه، فقال:
لعلك يا أستاذ ما زرت أحمداً رسول العلا المبعوث من خير هاشم |
فوالله لو قد زرته الدهر مرة لما كنت نهباً للنسور القشاعم |
أي: لو زرته لاهتديت لكنك طلبت الهداية في غير مكانها، فأخطأت الطريق، الشاهد أن الجارية بفطرتها تقول: (الله في السماء).
يقول عمر: [[كونوا على دين العجائز وغلمان الكتاب]] دين العجائز: يعني الذين نشئوا على لا إله إلا الله محمد رسول الله, ولذلك تجد بعض الناس من حملة الدكتوراه لا يعرف العقيدة, فالعجوز خير منه في العقيدة.
عامي في قرية من القرى ابنه يدرس في الثانوي، أتى ابنه بكتاب لـسعيد حوى رحمه الله مكتوب فيه فصل: الدليل على وجود الله وسعيد حوى يتكلم مع الملاحدة الذين ينكرون وجود الله, والطالب أخذ الكتاب والعامي هذا ما مر في ذهنه ولو مرة واحدة في حياته أن هناك قوماً ينكرون الله أبداً، قال الابن: اقرأ عليك يا أبتي، قال: أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، الدليل على وجود الله، فرفع الأب يده وضرب ابنه كفاً على وجهه، قال: يا عدو الله تدلل لنا على وجود الله، أما تستحي؟! هذه عقيدة مثل الجبال راسخة:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد |
فوا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد |
أعرابي بدوي يصلي في الصحراء، قالوا: لمن تصلي؟ قال: لله الواحد الأحد، قالوا: بمَ عرفته؟! قال: [[البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فليل داج، وسماء ذات أبراج، ألا يدل على السميع البصير]].
مسلم كردي في العراق، موحد، في مزرعة يزرع البطيخ والقرع، جاءه ملحد من الشيوعية فدخل عليه المزرعة -والشيوعية انتشروا في فترة ما قبل الأربعين، يبثون مذهبهم المبني على الإلحاد- فأجلسه صاحبها عند الماء، وهذا المزارع يصلي خمس صلوات ويعتقد اعتقاداً جازماً مثل الجبال أن لا إله إلا الله، فجلس هذا المتحذلق المتأثر بثقافة الإلحاد ودعاه وقال: الخرافة التي تقول: إن الله موجود ألا تعرف أنه لا إله في الكون، فقال المزارع: أنت عاقل أم مجنون؟
قال: بل عاقل، قال: عقلك معك؟
قال: نعم، قال: تعرف من أنت؟
قال: أعرف، قال: أرجوك أن تنتظرني قليلاً وآتيك، فذهب وأتى بعصا فضرب رأسه حتى أنزل نخاعه على الأرض ودماءه، فكان هذا جزاؤه. سبحان الله! أفي الله شك! فما لهم لا يؤمنون!
ولذلك كان عمر رضي الله عنه وأرضاه يقول: كونوا على دين العجائز.
ولو تحدثت مع شيخ كبير عن دليل القدرة وأن كل شيء بقدرة الواحد الأحد، تجده يقول: ما شاء الله تبارك الله، وقد رأيت شيخاً كبيراً في السبعين أصابه جرح في رجله فقلت: اذهب إلى المستشفى، فقال: لا. حسبنا الله ونعم الوكيل، الله هو الذي يشافينا -مع العلم أنا نعارضه في بعض الجزئيات ونقول: الذهاب إلى المستشفى طب وطلب الطب مطلوب، وقد تداوى السلف وتعالج محمد صلى الله عليه وسلم لكن انظر إلى توكله على الله- قلت: لا بد من هذا العلاج لأنه جرح غائر في قدمك، قال: لا علاج، أتريدني أعلمك بعلاجها؟
قلت: ما هو، قال: أقوم في آخر الليل وأصلي ركعتين أسأل الله أن يشافيني، هذه عقيدة وتوكل على الواحد الأحد.
{خمسين ألف سنة} يعني قبل الخلق ولم يقولوا مثل ما فعل المناطقة، العلة الغائية والعلة السببية، والجوهر، والعرض، والمنفصل، والمتصل: ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا [النور:40] سلموا وأيقنوا وقبلوا لأنه المعصوم عليه الصلاة والسلام.
فالتقى موسى مع أبيه آدم، وموسى عليه السلام كان جريئاً وشجاعاً يسأل أسئلة هائلة، ولذلك لما كلمه الله عز وجل: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف:143].
{التقى بآدم، فقال موسى: أنت أبونا؟ قال: نعم. قال: خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، ونفخ فيك من روحه، فخيبتنا وأخرجتنا من الجنة, نهاك الله أن تأكل من الشجرة فأكلتها، قال آدم: من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل، قال: نعم. قال: أنت الذي كتب الله لك التوراة بيده -وهذا ثابت في الصحيح- وكلمك وشرفك برسالاته, بكم وجدت أن الله كتب علي ذلك قبل أن يخلقني؟ قال: وجدته كتب عليك ذلك قبل أن يخلقك بأربعين سنة، قال: أتلومني في شيء قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة أن آكل من الشجرة فيحكم الرسول عليه الصلاة والسلام بينهما بقوله: فحج آدمُ موسى} يعني غلبه وبعض القدرية يقولون: فحج آدم موسى، يعني بنصب آدم يجعلونه مفعولاً به والغالب يجعلون موسى انتصر على آدم.
وفي هذا الحديث معالم منها: أنه سمى الله نوراً، وسماه قيوم السماوات، ورب السماوات, ثم شهد له بالوحدانية, فتلقى الصحابة هذه الأحاديث فوصلت إلى سويداء قلوبهم فربت فيهم معالم من الإيقان.
بعض كتب العقيدة في الساحة ليس فيها آية ولا حديث، وكلها: قال الرازي، وقال الجويني، وقال الغزالي، وقال: ابن رشد، هذه لا تربي العقيدة بل تميت العقيدة في القلوب.
ولهذا الحديث أحاديث تتبعه لكن انظر إلى الجواب، فلما سمع أبو هريرة لم يستشكل كيف يكون مخلصاً من قلبه؟ وما معنى الشهادة؟ هل يصدق بقلبه وينطق بلسانه أو ينطق بلسانه ويكفي لا. بل قال: مخلصاً من قلبه، فهم وانتهى.
لا يستشفع بالله: لأنه جعل الشافع وهو الله أصغر حالاً وقدراً من المشفوع إليه وهو النبي صلى الله عليه وسلم, وقد أقره الرسول على جزئية وأنكر عليه جزئيةً أخرى, والمقصود من الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام فرق بين أن يكون هو رسولاً إماماً متبعاً عبداً لله، وبين أن ينزل في منزلة الألوهية، فلا نجفوه، ولا ننزله في منزلة الألوهية، ولكن نجعله وسطاً، وبهذا يقول البرعي وهو شاعر يمني لكنه غالٍ في البدعة، يقول عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم:
يا رسول الله يا من ذكره في نهار الحشر رمزاً ومقاما |
فأقلني عثرتي يا سيدي في اكتساب الذنب في خمسين عاما |
أيرضاها محمد عليه الصلاة والسلام وهي شرك؟ أيرضى أن ينزل في منزلة الألوهية؟ لا.
هذه هي الأحاديث السبعة التي وعدت بإيرادها، وقد أوردتها؛ لأن فيها حرارة الإيمان وكلامه عليه الصلاة والسلام له فضل على كلامنا، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، لكن لا بد أن يشرح المتكلم الآيات والأحاديث لضرورة العلم والدروس التي نهجها السلف الصالح في جلساتهم مع أحبابهم.
واسمع إلى أسلوب القرآن الذي يعرضه على الصحابة ومن سار مسارهم، يقول سبحانه: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية:17-20] هذا الكلام لو قرأته على أعلم العلماء وعلى الطفل المكلف وعلى العجوز لفهموه؛ لأنه كلام عربي سهل وبسيط وميسر، لكنه عميق, فالعربي الذي خوطب بهذه اللغة يعرف الجمل والسماء والجبال والأرض.
والأمر الثاني: أنه لا يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بشهرة جده.
قالوا: هو ذلك الرجل الأبيض الأمهق المرتفق، فتقدم فقال: {يا بن
عقيدة فهمها في دقيقتين أو ثلاث دقائق, عقيدة سهلة بلا التواء أو ارتباك أو اضطراب، عقيدة عرفها هذا الأعرابي وهو واقف عند الرسول عليه الصلاة والسلام وشهد بها, وشهد له صلى الله عليه وسلم بالجنة إذا صدق مع الله، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في آياته الكونية: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ [الذاريات:47-48].
ويقول في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ [الواقعة:75] قال: وهو الصحيح، لم تعرف العرب مواقع النجوم, فقد أقسم الله بمواقعها والسبب في ذلك: أن العلم الحديث هذا اكتشف أن بعض النجوم تغيرت عن أماكنها، واحترقت وذهبت دخاناً وشظايا في الكون, وما بقي إلا مواقعها وبقي الضوء منها ينطلق مسافة ما يقارب أربعين عاماً ووصل إلينا الضوء, وقد انتهى النجم من مكانه, فأقسم الله بالأمكنة فقال: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ [الواقعة:75].
وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [يس:38-39] فأقسم بالشمس وبالقمر, فذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن من آياته الشمس والقمر، وفهمها الصحابة رضوان الله عليهم وزادهم إيماناً في ذلك ولم يتكلفوا ولم يردوا هذه النصوص.
قرأت في سيرة سعيد بن المسيب رحمه الله أنه دخل عليه رجلٌ، فقال: يقول: عمر بن أبي ربيعة وهو شاعر من مكة قرشي مخزومي:
وغاب قمير كنت أرجو غيابه وروَّح رعيان ونوَّم سمر |
في قصيدة مشهورة له فقال سعيد: قاتله الله، صَغَّر ما عظمه الله، يقول: قمير، والله يقول: وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [يس:38].
قال للإمام أحمد لما سئل: "أليس الله في كل مكان بهذه الآية؟ قال: لا. أما رأيت أنه بدأ الآية بالعلم وختمها بالعلم ألم تر أن الله يعلم، يعني بعلمه وإلا فالله مستوٍ على عرشه تبارك وتعالى.
فالعقيدة عندهم هي المؤثرة في حياتهم عملاً وسلوكاً وأخلاقاً ومشاعر، نعم يوجد عند المتأخرين من يعتقد لكن لا أثر لعقيدته، يعلم أن الله لا إله إلا هو، وأن الله يعلم الغيب وأخفى, ولكنه لا أثر له في حياته وفي عقيدته، لا خوف من الله, ولا مراقبة, ولا خشية, ولا محاسبة للنفس, ولا أمانة, وهذا خلاف المعتقد الصحيح.
المعتقد عند المتأخرين أصبح مجرداً، أصبح يقول: عقيدتنا في الملائكة كذا، وعقيدتنا في الكتب كذا، وفي الميزان كذا، وفي الحوض كذا، ونقول نحن: فما أثر العقيدة هذه التي عاشها الصحابة رضوان الله عليهم؟
هل قرأت حديث ابن عباس الذي رواه الترمذي والإمام أحمد بسندين صحيحين: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، وإن اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، رفعت الأقلام وجفت الصحف -وفي رواية- واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك) أين هذه الدروس الحارة؟
لماذا لا تعرض الدروس العقدية عرضاً نيراً مشرقاً على طلبتنا وشبابنا وأمهاتنا وأخواتنا في البيت؟ لماذا لا نعلمهم العقيدة في البيت والمدرسة والجامعة كما علم الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه؟
لأن العقيدة اليوم أصبحت أكثرها ردوداً، قالت المعتزلة ورد عليهم أهل السنة، قالت الرافضة ورد عليهم أهل السنة، قالت الأشاعرة ورد عليهم أهل السنة، حتى يقول بعض الأساتذة الأذكياء من العلماء: تحولت الأقسام في بعض الجامعات إلى أقسام ردود، صحيح لا نغفل الردود، لكن لماذا أولاً لا نعطي أولادنا وجيلنا وطلابنا عقيدة أهل السنة من القرآن والسنة ثم نأتي بالردود فيما بعد؟!
ولذلك تجد الإنسان بعد أن يتخرج من الجامعة يعرف كيف يرد على الفرق, لكن سلوكه في واد، والعقيدة في واد, فتعامله في واد والعقيدة في واد، وهذا هو الخطأ الكبير، أتى عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيح- فقال له سفيان بن عبد الله: (يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأله أحداً بعدك، قال: قل: آمنت بالله، ثم استقم) "آمنت بالله" تليها "ثم استقم" فربط العمل عليه الصلاة والسلام بالمعتقد، وربط العقيدة بالعمل، اعتقد واعمل.
الآن يخاف من عقيدة الإرجاء، فقد أصبح الكثير من الناس مرجئة ولو لم يشعر بذلك, حتى تجد بعضهم لا يصلي في المسجد جماعة، ويقول: الصلاة في الجماعة ربما تكون سنة أو واجباً لكن أهم شيء العقيدة، فنقول: من ضعف عقيدتك ومن مرض عقيدتك أنك لا تصلي في المسجد، وقد يقول: أشهد الله أني أحبه وأحب رسوله, ولكني لا أستطيع الصلاة في المسجد، فنقول: نشهد الله ورسوله أنك كذّاب في محبتك, وأنك لو صدقت لصليت في المسجد.
ولذلك ترى بعض الناس يعتبر بعض السنن والواجبات أنها مسائل جزئية، مثلاً: حلق اللحية: فبعض الناس يقول: أنتم لا تتكلمون إلا في حلق اللحية! ويقول: حلق اللحى وإسبال الثياب قشور, والإسلام سهل ويسير ومشرق ورائع فأنتم لا تعرفون الإسلام، فلهذا نقول: الذي يحلق لحيته، والذي يطول ثوبه، إنما فعل ذلك لنقص عقيدته، فانظر كيف تدخل السلوك في العقيدة مباشرة؛ لأنه لو اطمأن قلبه إلى ما أتى به الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتنازل عن هذه السنن , وما كان يحاجج الناس في هذه السنن، وما كانت لتثقل عليه.
لا تقل كيف استوى كيف النزول أنت لا تعرف من أين وكيف تبول |
هذا أحد علماء السنة يقول للمناطقة: أنت لا تعرف تكوينك: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] لا تعرف كيف تنام، ولا كيف تصحو, فكيف تسأل أسئلة فوق عقلك؟!
قال الشافعي في كلمة حفظت عنه رضي الله عنه وأرضاه، وهي تكتب بماء الذهب: "آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد رسول الله", هذا هو المطلوب من المسلم.
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64] تليت هذه على الصحابة كـ ابن مسعود ومعاذ وسهل وجابر وعمر وعثمان فأثبتوا لله يدين تليقان بجلاله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بلا تمثيل ولا تشبيه، ما أولوها بالنعمة بل قبلوها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عربي والقرآن عربي وهو يتكلم بلغتهم, ولو أراد الله أن يقول نعمة، لقال: نعمة، لأن النعمة لا تثنى ولا توصف بمبسوطتين، بل قال: يدان مبسوطتان.
والشاهد هنا أنهم سلموا بلا اعتراض, وعملوا بلا توقف, وفهموا بلا إشكال. يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي مر معنا: احتج آدم وموسى, قال آدم لموسى: وكتب الله لك التوراة بيده، فأقر موسى واعترف ولم ينكر, والصحابة لم يقولوا كيف كتب وبأي قلم, هل هو بقلم رصاص أم بأحمر؟! هل كتبه في دفتر أو في كتاب؟ كيف كتب؟! سبحان الله! لا نشبهه ولا نمثله ولا نعطله ولا نؤول صفاته: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].
في الصحيحين وعند النسائي وابن ماجة وأحمد في المسند قال عليه الصلاة والسلام: (يضحك ربك إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة) يقتل أحدهما الآخر, فيدخل الشهيد المسلم الجنة، ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل في سبيل الله فيستشهد فيدخلان الجنة فيلتقيان في الجنة، يقول: أنت أدخلتني الجنة، جزاك الله خيراً قطعت رأسي في الدنيا وأدخلتني الجنة، فالله عز وجل يضحك لهذين.
ماذا قال الصحابة لما تلي عليهم هذا الحديث، هل التفت بعضهم لبعض؟ بل قالوا: آمنا وسلمنا، فهم قد رضوا بالرسول عليه الصلاة والسلام وانتهى الأمر، وبعض المبتدعة يقول: يضحك أي: يرضى، قلنا: سبحان الله! أيعجز النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الفصحاء أن يعبر بلفظة (يرضى) بدلاً عن (يضحك) وهو أعلم بمعناها؟ وهل الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم بين عجم؟ إنه يتكلم في عرب, وأنا لا والله لا أنقص في شأن أحد، فالعجم إخواننا وأحبابنا وهم قد يكونون بالتقوى أفضل منا, وليس عندنا دم ولا عنصرية ولا لغة، فـسلمان أعجمي وبلال أعجمي وصهيب أعجمي والبخاري أعجمي والترمذي أعجمي وهم إخواننا وأصحابنا، بل سادتنا وعظماؤنا: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] لكن في المسألة هذه أقول: الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم بالعربية فيقول: (يضحك ربك) فلم يعترضوا بل سلموا وعرفوا معنى يضحك.
وعند النسائي وأحمد بسند صحيح، قوله عليه الصلاة والسلام: (يعجب ربك من رجل يرعى غنمه برأس شظية يؤذن ويقيم يقول الله عز وجل: يا ملائكتي أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة) بدوي مسلم يرعى غنمه في جبل ما عنده إلا الله، ما هناك هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا محاسبة ولا شرطة ولا حرس، ولما حانت الصلاة توضأ وقام في رأس الجبل يرفع صوته: الله أكبر الله، أكبر الله.. أكبر، الله أكبر، الله من فوق سبع سماوات يعجب من هذا, فهذا إيمان خالد وإيمان ثابت ويجازيه بأن يغفر له ذنوبه ويدخله الجنة.
في صحيح البخاري قال أبو سعيد لـابن أبي صعصعة: (إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهدوا له يوم القيامة، قال
ذكر ابن كثير أن جرير بن عطية الشاعر الخطفي صاحب القصائد المشهورة التي من ضمنها:
إن العيون التي في طرفها حور فتلننا ثم يحيين قتلانا |
أذن في الصحراء ثم توفي بعد فترة فرئي في المنام وقيل له: "ماذا فعل الله بك؟ قال: غفر الله لي، قالوا: بماذا؟ قال: أذنت في الصحراء وحدي وأقمت فغفر الله لي بذلك" والشاهد هنا (كلمة يعجب) فلم يقل الصحابة: يا رسول الله كيف يعجب! وإنما سلموا وآمنوا بأنه عجب يليق به سُبحَانَهُ وَتَعَالى، بلا تشبيه ولا تمثيل.
قام عليه الصلاة والسلام في بدر -والحديث صحيح- فقال: (يا أهل بدر إن الله اطلع عليكم، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) لم يقولوا: قالوا كيف اطلع؟ ثم قال عليه الصلاة والسلام: (يا أهل بدر والذي نفسي بيده ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء فتدخلون الجنة).
سمع ذلك عمير بن الحمام وكان عنده تمرات لكنه صاحب عقيدة، فهم الحديث لأنه عربي يسمع، فرمى بالتمرات وكان يأكلها من جوع وقال: (يا رسول الله! ما بيننا وبين الجنة إلا أن يقتلنا هؤلاء، قال: إي والذي نفسي بيده، فألقى التمرات وقال: والذي نفسي بيده إنها لحياة طويلة إذا بقيت حتى آكل هذه التمرات) فتقدم فقاتل حتى قتل وانتقل, إلى رحمة الله, إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [الأحقاف:16] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب:23].
مسائل الأصول لم يختلفوا فيها وإنما سألوه عن مسائل عملية: يسألونك عن المحيض، يسألونك عن الخمر، يسألونك عن الأهلة، يسألونك ماذا ينفقون، يسألونك عن اليتامى، لكن لم يسألوا: كيف يضحك الله؟ أو كيف استوى الله؟ أو كيف يعجب الله؟ أو كيف يد الله أو عن عين الله؟ لا. بل سلموا بها ولم يختلفوا، فلما أتى المتأخرون أتوا يسألون عنها حتى يقول بعض العلماء: سبحان الله! أما المتأخرون فقد سالوا في موضع الجمود وجمدوا في موضع السيلان، مثل ابن حزم رحمه الله في المحلى، أتى في الصفات فسال قلمه، ويوم أتى في الفرعيات جمد مثل الثلج، أخذ الظاهر وأبطل القياس وأخذ بظاهر الأحاديث، فيقول له بعض العلماء: ليتك يـابن حزم سلت في موضع السيلان في الفرعيات، وليتك جمدت في موضع الجمود في الأصول والمعتقد والصفات؛ لأن أهل السنة يقولون: نمرها كما جاءت، وهو لم يمرها كما جاءت.
حتى يقول ابن تيمية: "أبو الحسن الأشعري خير من ابن حزم في الأسماء والصفات" وهذا صحيح وليس شاهدنا ابن حزم , إنما أقول المتأخرين، حتى يقول بعضهم: طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم، فقال بعضهم: لا. بل طريقة السلف أعلم وأحكم وأسلم، وطريقة الخلف، أغشم وأظلم وأقتم، وأجهل.
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285] قالوا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، ونقلت أيضاً عن علي بن أبي طالب: [[والله لو كشف لي الله الغطاء فرأيت الجنة والنار ما زاد على ما عندي من إيمان مثقال ذرة]].
آمنوا كأنهم يرون الغيب من وراء ستار رقيق، كان أبو بكر كما ذكره الإمام أحمد عنه في كتاب الزهد يقول: [[يا أيها الناس! استحيوا من الله، فوالله الذي لا إله إلا هو إني أذهب إلى الخلاء لقضاء حاجتي فأضع ثوبي على وجهي حياء من ربي]].
ولذلك يقول مطرف بن عبد الله بن الشخير ولا يصح هذا حديثاً, وقيل: إنه من كلام الحسن: [[ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل]].
وقال مطرف: [[ما غلبهم أبو بكر بكثرة صيام ولا صدقة ولا صلاة ولكن بإيمان وقر في قلبه]].
إذاً: أسئلة الصحابة كانت في الفرعيات ولم تكن في الأصول, ولو أن لـابن تيمية ملاحظة عن هذا التقسيم يقول: تقسيم الدين إلى أصول وفروع ليس في الكتاب ولا في السنة ولا له أثر، فبعضهم يقول: مسائل الأصول هي المعتقد والفروع هي العبادات والمعاملات, وبعضهم يقول: الأصول ما ثبت بأدلة قطعية والفروع ما ثبت بأدلة ظنية. ولا أثر لهذا.
إنما أقول القاعدة الرابعة: أجمع الصحابة على مسائل المعتقد وسلموا لمعانيها ولم يختلفوا بحمد الله في مسألة منها.
في الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام علم الصحابة دعاء الاستخارة، قال: (إذا هم أحدكم بالأمر فليصلِّ ركعتين من غير الفريضة، وليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم, فإنك تقدر ولا أقدر, وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب).
والشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى بالمناسبة: (اللهم إني أستخيرك بعلمك) علم الناس صفة العلم لله، والاستخارة لا تكون إلا لمن كان يعلم؛ لأن العالم بالشيء يعلم الخيرة فيه، فنسب العلم لله، وما دام أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يعرف عواقب الأمور فهو الذي يعرف سُبحَانَهُ وَتَعَالى الخير من الشر.
وقوله: (وأستقدرك بقدرتك): أي: ما دام أنك تقدر هذه الأمور فأطلب القدرة منك، ولذلك الصحابة أعلم الناس بمعرفة الألفاظ، وإذا أردت أن تطلب من الله طلباً أن يصرف عنك مرضاً تقول: اللهم إنك رحيم, اللهم إنك الشافي، اللهم شافِ مرضي، يقول يعقوب عليه السلام: فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64] لم يقل: أحكم الحاكمين، ولا أحسن الخالقين، ولكن المناسبة أرحم الراحمين، فمثلاً: إذا كنت تريد من الله رزقاً، تقول: اللهم إنك جواد كريم ارزقني، لأن الجود والكرم يناسب الرزق، أو تريد من الله مغفرة، تقول: اللهم إنك رحيم غفور اغفر لي، لأن الرحمة والمغفرة تناسب غفران الخطايا والذنوب.
ولهذا علي رضي الله عنه وأرضاه -وهو أول حديث عند أبي داود في سننه- وفد إلى أهل العراق , فجمع أهل العراق في الكوفة , فتوضأ أمامهم؛ ليعلمهم مما علمه الله, فلما توضأ قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ نحو وضوئي هذا. والشاهد أن علم السلف كان سهلاً يسيراً، كان آية وحديثاً:
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولي العرفان |
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فلان |
المتأخرون أدخلوا ثقافات الأمم الكافرة في المعتقد، مثل بشر المريسي والجعد بن درهم، وجهم بن صفوان، محمد بن الجهم وأسيادهم: كـسقراط وبقراط وأمثالهم وأضرابهم وأشياعهم, ثم تأتي مدرسة الفارابي ومدرسة ابن سيناء فهؤلاء أشياخهم, أما أهل السنة فشيخهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي ومعاذ وسلمان لكن أولئك أدخلوا ثقافات الأمم الكافرة في المعتقد.
القرآن كلام الله عز وجل تكلم به وأنزله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم حتى أتى المأمون:
ألا قبح الرحمن بغلة فاجر أتتنا تهادى من عراق بخالد |
ولا أقول في المأمون شيئاً, ولكن أقول مثلما قال ابن تيمية: "إن الله لا يغفل عن المأمون وسوف يسأله عن إدخاله ثقافات اليونان على معتقد المسلمين" ولو أن البدعة سبقت المأمون، لكن الذي تحمس لها ونصرها بالسيف, وقتل بعض العلماء وحبس وعاند فيها هو المأمون , وشكر الله لبعض الأمراء المسلمين جهدهم من الذين حاربوا البدعة على العكس من المأمون، منهم: خالد بن عبد الله القسري أمير العراق، أتى الجعد بن درهم فأنكر أن يكون الله كلم موسى تكليماً أو اتخذ إبراهيم خليلاً، فقال له الأمير: تب، قال: لا أتوب -انظر إلى إصرار أهل الباطل على باطلهم-.
الآن بعض أهل الحداثة يسهر إلى الساعة الثانية والثالثة ليلاً يدبج قصيدة, ويقدح بها في الإسلام والاستقامة والمسجد والرسول والرسالة، سبحان الله! وتجد المؤمن والداعية وطالب العلم وكأنه ليس عليه من هذه القضايا- قال له: تب، قال: لا. قال: أخرجوه معي يوم عيد الأضحى، فأخرجوه مكتفاً. والأمير على المنبر يخطب الناس، قال: يا أيها الناس إن الجعد بن درهم أنكر أن يكون الله كلم موسى تكليماً واتخذ إبراهيم خليلاً, فضحوا تقبل الله أضحيتكم فإني مضحٍ بـالجعد بن درهم , ثم نزل وأخرج الخنجر, فبرك الجعد وبرك على صدره, واستقبل به القبلة وذبحه، قال ابن القيم شاكراً خالد بن عبد الله القسري:
ولأجل ذا ضحى بـجعد خالد الـ القسري يوم ذبائح القربان |
إذ قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الداني |
شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان |
يقول: من أراد أن يذبح فليذبح مثلك، البدنة عن سبعة، الناس يذبحون خرافاً وأنت تذبح رجالاً، ومن يريد أن ينصر الدين يفعل مثلك، برك بركبتيه على صدره وأخرج السكين، وقال: باسم الله، وأجزأه عند المتحمسين الأضحية، ولكن لا بد له في السنة من خروف آخر مع هذا الخروف.
أحد الطلاب رسب في العقيدة التدمرية، فقال له أحد الأساتذة: سامحك الله أترسب في العقيدة وأنت مسلم، قال: لأنها التدمرية، والله يقول: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا [الأحقاف:25] فأنا ممن دمرتهم، هذا يقصد الرسالة وإلا فالعقيدة ترفع الإنسان وتنجيه في الدنيا والآخرة, لذلك كانت العقيدة سهلة ميسرة, وبإمكاننا أن نسهلها إذا عدنا إلى الكتاب والسنة, وعلمنا الناس المعتقد كأن نقرأ عليهم أحاديث العقيدة ونمرها كما جاءت.
ولذلك نلاحظ كثرة الأسئلة في كل محاضرة: ما رأيك في المولد النبوي؟ ما رأيك في كذا؟ ما رأيك في كذا، أقول: نعود إلى الأصل.
نقول: من أين نأخذ الشريعة؟
من محمد عليه الصلاة والسلام.
ما هو مصدر التلقي عندنا؟
الكتاب والسنة.
هل فعل صلى الله عليه وسلم المولد؟
لا.
هل فعل الصحابة المولد؟
لا.
هل فعل التابعون المولد؟
لا.
هل قال أحد من الخلفاء الراشدين بسنية المولد؟
لا.
هل وردت آية في القرآن تقول: إن المولد سنة؟
لا.
إذاً: هو بدعة.
من أين جاء المولد هذا؟
جاء من ملك إربل في القرن الرابع أو الخامس أتى به ونشره في العالم الإسلامي, حسيبنا الله عليه وإلا فهي بدعة: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) (ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
يقول بعض العلماء: ما ابتدع رجل بدعة إلا كان لسان حاله يقول: الشريعة ناقصة، يريد أن يزيد في الشريعة، والله يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً [المائدة:3] ويقول المبتدع: لا ما أتممت علينا النعمة، وما أكملت لنا الدين، وما رضيت لنا الإسلام ديناً، هذا المبتدع لسان حاله يقول هكذا، فأقول: الصحابة اتبعوا فلذا لا يفعلون شيئاً إلا بأثر.
طرق أبو موسى الأشعري على عمر الباب -والحديث في الصحيح- فطرق عليه مرة فلم يفتح، فضرب ثانية، فلم يفتح وضرب ثالثة، فلم يفتح فذهب أبو موسى، ففتح عمر الباب, وإذا بـأبي موسى قد ذهب، فقال: يا أبا موسى! تعال. فأتى وقال له: لماذا ذهبت؟ قال: يا أمير المؤمنين! سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع).
لكن عمر أراد أن يتثبت من هذا الحديث فقال عمر: والله الذي لا إله إلا هو, لا أتركك حتى تأتي بشاهد يشهد لك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث -لا بد من السنة- فذهب أبو موسى خائفاً وجلاً إلى الأنصار، وقال: أتيت إلى عمر فطرقت عليه ثلاثاً فلم يأذن لي, ثم أتيته بحديث، فحلف إن لم آتِ بشاهد وإلا يكون لي شأن، وتعرفون عمر إذا حلف:
حتى وضعت يميني ما أنازعها في كف ذي نقمات قوله القيل |
قال الأنصار: والله لا يقوم معك إلا أصغرنا، قم يا أبا سعيد، فقام أبو سعيد إلى عمر وقال: أشهد أني سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع) قال عمر: [[ما كذبتك، ولكن أردت أن أتثبت]] وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة:260].
فالصحابة يعملون بالسنة في سلوكهم وفي جلوسهم ولا يبتدعون, فمن أدخل في الدين شيئاً وقال: المشايخ أو أجدادنا أو آباؤنا كانوا على هذا، وهذا من حبنا للرسول عليه الصلاة والسلام، نقول: لا. معنا ومعك سنة صحيحة وكتاب مجيد نتحاكم إليه.
آسف كثيراً أنها وصلتني البارحة في مسجد التنعيم رسائل من النساء يعتبن عليَّ أني ما ذكرتهن في المحاضرة.
وأقول أولاً: أنتن شقائق الرجال، وما نسيناكن لكن المتحدث لا يرى أمامه إلا الرجال فينسى النساء.
ثانياً: إن الخطاب من أوله إلى آخره يدخل فيه النساء، فالله عز وجل خاطب الرجال في القرآن أكثر ودخل النساء في ذلك, ولما ذكر الله الصالحين قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى [آل عمران:195] النساء أخاطبهن بثلاث قضايا هذه الليلة, ولو أن لهن درساً خاصاً ومحاضرة خاصة وشريط خاص قدم من زمن اسمه: (صفات المرأة المسلمة) عل الله أن ينفع به, وذكرت فيه عشر صفات للمرأة المسلمة، حبذا لو سمعتن هذا الدرس؛ لأنه خاص بالمرأة.
منها: الفراغ عند المرأة, فإنها قد تجلس في البيت بلا عمل فتبقى فارغة, فتستجيب لجارتها أو لقريبتها فتجلس معها فتهتك أعراض المسلمين, فالله الله بحفظ الوقت: بقراءة قرآن, بالنافلة, بقراءة كتاب أو باستماع شريط, بعمل في البيت ينفع الله به.
فوصيتي لكِ أيتها الأم أن تنبتي ابنك نباتاً حسناً على منهج الله في البيت، وأن تدليه على الطاعة، وتحببي له أخلاق وسيرة وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، وتؤدبيه في المطعم والمجلس والمنام والصلاة بأدب الإسلام؛ إن كنت تريدين أن تقدمي جيلاً للإسلام، أما أن يرضع الطفل ويكسى ويطعم ثم يخرج إلى الشارع مع كل من هب ودب, فيخرج طفلاً منكوس الفطرة، أعمي الطريقة ليس عنده هداية هذا خطأ، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
والله الموفق والمستعان، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
الجواب: مما عرفته أن حديث صلاة التسابيح في الأخير صحيح, وما اختلف أهل العلم فيما أعلم في حديث كما اختلفوا في صلاة التسابيح، حتى ألف ابن ناصر من علماء القرن السابع كتاب التنقيح في صلاة التسابيح، وألف غيره كتابالترجيح، والتوشيح , فقد اختلفوا كثيراً، لكن الصحيح أنها صحيحة بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, ويعاد إلى كتاب الأذكار للنووي، وكتب العقيدة وشرحها، والتي ننصح بقراءتها ثلاثة كتب: كتاب التوحيد وشرحه فتح المجيد، الكتاب الثاني المستوى الثاني على الثانوية وما يقاربهم: معارج القبول للشيخ حافظ، الكتاب الثالث لطلبة الجامعات ونحوهم، العقيدة الطحاوية.
الجواب: هناك لـابن رجب رسالة اسمها: الخشوع في الصلاة، وللخشوع في الصلاة ثلاثة أسباب:
1- تتدبر ما تقرأ.
2- تصلي صلاة مودع.
3- تعلم أنه لا أكبر من الله.
الجواب: كل ما قيل في هذه المحاضرة وقبلها وبعدها للشباب، فيا شباب الإسلام! اتقوا الله، والكلام معروف عند الشباب مثل الأسئلة التي تأتي أنا طالب ملتزم, أنا شاب ملتزم، أنا أريد التوبة, هذه معروفة وحتى وصايانا بطلب العلم معروفة عند الكثير لكن المهم العمل.
وأقدم لإخواني وصية صحت عند أحمد في المسند أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها حتى أدخلته الجنة} هذه السورة سورة الملك أهديها لكم، وأطالب نفسي وإياكم أن نقرأها في الأربع والعشرين ساعة ولو مرة في الليل أو في النهار؛ علَّ الله أن يغفر لكم بقراءتها وتدبرها والعمل بها، سورة الملك: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك:1] تحاج لكم عند الله وتدافع عنكم في القبر وتسعدكم إن شاء الله في الدنيا والآخرة.
الجواب: أقول: هي مذهب من مذاهب أهل الزندقة متخلف جاء لنقض الإسلام وهدمه, وقد سحق, ونسأل الله أن ينهي عناصره, ويبطل كيدهم, ويردهم إلى المنهج الصحيح فلا يعتدوا عليه، وأن يكفينا شرهم، ونسأل الله أن ينصر الإسلام والمسلمين.
الجواب: إذاً ليسوا بأصدقاء:
فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثي من سميني |
وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني |
فإني لو تخالفني شمالي ببغض ما وصلت بها يميني |
إذاً لقطعتها ولقلت بيني كذلك أجتوي من يجتويني |
أصدقاء تاركون للصلاة ليسوا بأصدقاء: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:22] الصديق من صدق مع الله وجعل بينه وبين الله صلة, والعدو من قطع ما بينه وما بين الله ولو كان شقيقنا من أبينا وأمنا، لكن يجوز لك أن تجلس مع تارك الصلاة بشرط أن تدعوه للهداية.
الجواب: منها التفكر في آيات الله وفي الكون والسماء والأرض، والنجم والشجر والحجر، والماء الهواء والضياء، لكننا أصبحنا لا نتفكر إلا قليلاً بسبب مغريات العصر, فبجانبك فرن وثلاجة ودفاية وخباز وغسال وسيارة ولا ترى ولا تسمع إلا أصواتها، ذهب الجمال من الكون، ففي عهد الصحابة ينظرون إلى السماء وهي صافية, وينظرون إلى الشجرة والغدير، والزهرة، وكل شيء يدل على الله عز وجل.
ومما يرسخ العقيدة تدبر القرآن وقراءة سيرة محمد صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، وكثرة الذكر ومما يرسخ العقيدة الانتهاء عن المعاصي.
الجواب: لقد قرأت خبر إسلامه من صحيفة عكاظ والعهدة عليها، فألقيت خطبة إسلام مايكل جاكسون، فذكروا بعد ذلك أنه لم يسلم بعد ما قالوا: إنه أسلم، فعلى كلٍ أسلم أو لم يسلم نشهد أن دين الله حق, وقد عرضنا ثلاثة أسئلة للفنانين في بلادنا وسوف تكون محاضرة في مسجد فقيه في العزيزية اسمها رسالة خاصة إلى المغنين والمغنيات، وسوف يأتي شباب منهم الأستاذ مسفر الكثامي، والأستاذ/ يحيى أبو الكرم وآخرون من المغنين الذين تابوا، يدلون بتصريحاتهم وتقريراتهم عن الحياتين التي عاشوها, حياة الضياع والغناء، وحياة النور والهداية: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122].
الجواب: من قال هذا الكلام فقد افترى وكذب, وهو لا يعرف نفسه، وهو أضل من حمار أهله، بل بقي القتال بين المسلمين والشيوعية، نجيب شيوعي مجرم ملحد وهو أجرم من جرباتشوف، ومن مارجريت، والجهاد ما زال, وهم بحاجة إلى مدد وعون.
الجواب: كلمة "سيد" لم تأت في معرض ذكره عليه الصلاة والسلام في الأدعية، كقول بعضهم في التحيات: (اللهم صلِّ على سيدنا محمد), هذه بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحسن: {إن ابني هذا سيد} فكلمة "سيد" لم يقلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه في التحيات أو في الدعاء، ونحن نتوقف حتى يأتينا أثر من المعصوم عليه الصلاة والسلام، فلا ندخل ألفاظاً بدعيةً في أذهاننا، مثل أحدهم إذا قام قال: سمع الله لمن حمده، يقول: ربنا لك الحمد والشكر، فكلمة "الشكر" صحيحة أنها لله لكن أنت في عبادة, هل قال محمد صلى الله عليه وسلم "الشكر" هنا؟ ما قالها فلذلك إذا أنكرت على البعض يقول: سبحان الله! تمنعني أن أشكر الله، أنا لا أمنعك أن تشكر الله لكن أمنعك أن تبتدع, لا تأت بألفاظ ولو كانت حسنة عندك في مواطن العبادة، بل لابد أن تتوقف على النصوص.
الجواب: أنت أجبت في غضون سؤالك، فأنت عرفت أن الأمر هذا محرم, ومخالف لشريعة محمد عليه الصلاة والسلام, وقد سئل صلى الله عليه وسلم في البخاري عن الحمو -والحمو: أخو الزوج- في دخوله والتحدث مع زوجة أخيه قال: {الحمو: الموت} ومعناه الموت الأحمر لأنه مأمون الجانب، ولأن الأخ يقول: أخي لا أظنه يخدعني ولا يخونني، وأخي شقيقي من أمي وأبي ومع ذلك من مأمنه يؤتى الحذر, فيلدغ من هذا المكان، ولأنه كثير الدخول والخروج، ولأنه لا يستراب بدخوله بعين الجيران فلا يقولون: فلان دخل أجنبي، يقولون: أخو الزوج دخل بيت أخيه وجلس مع زوجة أخيه وهو أخوه دخل وخرج، ولكنه على كل حال المسألة خطيرة جداً, ودخوله وكشفه على زوجة أخيه مباشرة من الفواحش والمنكرات ومن الأمور المحرمة, وما علمت أحداً قال به أو أجازه إلا رجل لا يعرف من الشريعة شيئاً.
فلينتبه لهذا، ولنتكيف مع شريعة محمد عليه الصلاة والسلام، ولنحفظ الله في أسرنا، فالإسلام أتى لكرامة المرأة وحشمتها وهي تقول: لا. أخو الزوج يدخل علي الليل: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] إن مما يعارض الشرائع مذاهب الناس وأفكارهم, يقول الله كذا ويقولون: حسبنا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [المائدة:104] فحسيبهم الله عز وجل أن يردهم إليه ويهديهم سواء السبيل.
الجواب: أنا أقول: يا أيها الإخوة! علماء الإسلام على جلالتهم ومكانتهم، وعلماء الشريعة تخصصهم في الشريعة أما علم الفلك فإن له أناساً متخصصين درسوا فيه دراسة، فيأتي أحدهم ويقول الأرض تدور حول الشمس، فيقول العالم الذي تخصصه فقه: لا. إنها لا تدور، تقول له: لماذا؟ ليس في القرآن ولا في السنة ما يثبت دورانها، نقول: لا. القرآن لا يثبت ولا ينفي، والقرآن كتاب هداية. وأنت ليس معك علم فلك.
ولذلك أحد الوعاظ في مسجد، يقول: حسبنا الله على من يقول أن الأرض تدور، قالوا: وما الرد يا شيخ؟ قال: الرد في النقل والعقل، أما في النقل فإن الله عز وجل يقول: وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا [النازعات:32] فأرسى الله الأرض بالجبال فلا تدور، والرد العقلي الثاني أني من يوم خلقني الله وأنا في بيتي ما دار بيتي بل هو في مكانه.
سامحك الله وهل هذه ردود؟! ماذا يقول عنك الخواجة الذي قد شاب رأسه والذي يدرس الفلك منذ سبعين سنة ودار حول الأرض ونزل بالمركبة الفضائية حول القمر، ثم يصيح رجل من الجزيرة, لا. بيتي ما دار منذ خلقني الله!!
إذاً: لابد أن يبقى الإنسان في تخصصه، والإسلام لا ينكر هذه الأمور، بل يقرها إذا وافقت القرآن, وأنا أقول ليس هناك إنكار, بل إنه بعضهم بسبب دوران الأرض -وهو الثابت- يتغير الليل والنهار وقد سمعت من بعض الفضلاء الأتقياء الذين يقوم الليل ويصوم النهار يقول في مجلس: الذين يقولون الشمس تبخر البحر والبحر يتبخر ثم يأتي المطر، هذا خطأ، الله ينزل المطر من السماء لا ينزل من البحر، قلنا: سبحان الله! أثبت العلم ذلك, ومن قدرة الله أن يبخره من البحر ثم يرسل سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عليه ريحاً ثم يمطر، وهذا أعظم في قدرة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
فأوصي من عنده تخصص شرعي ألا يتجاوزه إلى غيره يحتفظ به, وألا يرد شيئاً إلا إذا تعارض مع الكتاب والسنة, وألا يدخل نفسه في كل شيء، فلعلم النفس والتربية والفلك والتكنولوجيا أصحابه، ولا يمكن أن يكون بحراً وعلامةً في كل شيء فيورط نفسه فيه, فلينتبه لهذا.
الجواب: ليس هناك بدعة حسنة, كل ما ابتدع فهو بدعة سيئة, وإنما اغتر هؤلاء بقول عمر: [[نعمت البدعة هذه]] لما جمع الناس في صلاة التراويح.
والرد عليهم: أن يقال:
المقصد الأول: صلاة التراويح فعلها عليه الصلاة والسلام ليلتين أو ثلاث, كما في حديث زيد بن ثابت أنه جمع الناس في النافلة في رمضان فلها أصل في السنة.
المقصد الثاني: أن أهل السنة يقولون: المقصود بها: البدعة في اللغة، يعني أني فعلتها في وقت الناس لا يفعلونها، مع أن الصحابة اجتمعوا لها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
إذاً: الصحيح: أن كل ما ابتدع في الدين فهو بدعة سيئة: {من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد} ولو أخذنا بكلام هذا المتكلم أنه بدعة حسنة لشرعنا للناس المستحسنات, وضاع الدين وانطفأت الشريعة, واندست كتب الحديث, وخطب الدجال على المنبر, فيأتي أي إنسان ويقول: هذه بدعة حسنة لأنها توافق الذوق، ويأتي آخر ويقول: في المولد: نحن نذكر محمد صلى الله عليه وسلم وننشد في محبته فنقول لهذا: نحن معكم وأثابكم الله على حبكم له؛ لكن هل فعل ذلك؟ هل رضي هو؟ هل قصر في تبليغ شيء من الدين؟ اذكروا لنا حديثاً واحداً أو آية تدل علىفعلكم، فعله الصحابة والتابعون؟! لا. فلماذا تستحدثون في دين الله ما ليس منه.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر